حقوق الإنسان (PDF)
Document Details
Uploaded by Deleted User
Tags
Summary
يُناقش هذا المستند ضمانات حقوق الإنسان، و دور الدساتير والمواثيق الدولية في حمايتها، مع التركيز على الأنظمة الدستورية والضمانات القضائية، وفي ضوء الفكر الإسلامي.
Full Transcript
## الباب الأول: في حقوق الإنسان ### الفصل الرابع ### ضمانات حقوق الإنسان - من نافلة القول أن الاهتمام _بحقوق الإنسان_ وحرياته لم يقتصر على الحضارات القديمة والشرائع والأديان السماوية .. بل تعداه إلى الاهتمام بها على صعيد الدساتير والقوانين الداخلية وكذلك المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية،...
## الباب الأول: في حقوق الإنسان ### الفصل الرابع ### ضمانات حقوق الإنسان - من نافلة القول أن الاهتمام _بحقوق الإنسان_ وحرياته لم يقتصر على الحضارات القديمة والشرائع والأديان السماوية .. بل تعداه إلى الاهتمام بها على صعيد الدساتير والقوانين الداخلية وكذلك المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية، إذ أفردت هذه الدساتير والمواثيق والإعلانات نصوصا معينة تخص حقوق الإنسان وحرياته في المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بيد أن النص علـى هــذه الحقوق والحريات في صلب الدساتير أو المواثيق الدولية ليس من شأنه أن يحقق فائدة عملية تذكر من دون توافر ضمانات معينة لحمايـــة هـذه الحقوق والحريات من الانتهاكات التي قد تتعرض لهه. - وقد يعول البعض على الضمانات الداخلية على اختلاف أنواعها دستورية كانت أم قضائية أم سياسية، إلا أن الضمانات الدولية لا تقل عنها أهمية في هذا المجال، خاصة بعد أن اكتسبت حقوق الإنسان طابعاً دولياً من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تلاه من اتفاقيات دولية دأبت على الاهتمام بحقوق الإنسان وحرياته، ويجب عدم نسيان ما أقره الإسلام من صمانات فعالة لحماية حقوق الإنسان. - وبغية تسليط الضوء على ضمانات حقوق الإنسان.. سنقسم هذا الموضوع الى اربعة مباحث نتناول في المبحث الأول منها ضمانات ### حقوق الإنسان على الصعيد الداخلي - حقوق الإنسان على الصعيد الداخلي، ونخصص المبحث الثاني لضمانات حقوق الإنسان في الإسلام، فيما نركز على ضمانات _حقوق الإنسان_ على الصعيد الدولي في المبحث الثالث وعلى الصعيد الإقليمي في المبحث الرابع. ### المبحث الأول ### ضمانات حقوق الإنسان على الصعيد الداخلي #### حقوق الإنسان والحريات الأساسية - تمثل الضمانات الداخلية لحقوق الإنسان سواء أكانت ضمانات دستورية أو قضائية أو سياسية إحدى الوسائل الأساسية في حماية _حقوق الإنسان_ وحرياته. وحرب وسوف نتناول بعض أنواع هذه الضمانات على النحو الاتي: #### المطلب الأول #### الضمانات الدستورية - يمكن تعريف الدستور (1) بأنه مجموعة قواعد تبين مصدر السلطة وتنظم ممارستها وانتقالها والعلاقة بين القابضين عليها، وكذلك تلك (1) تعني كلمة دستور لغويا الأساس أو التكوين، وقد شاع استخدام مصطلح القانون الأساسي بدلاً من القانون الدستوري وخاصة في بعض البلاد العربية ويقابل هذه الكلمة بالإنكليزية كلمة Constitution ومعناها التأسيس أو التكوين. ولم ينتشر استخدام هذا المصطلح في فرنسا إلا بعد الثورة الفرنسية وقد ارتبطت في الأذهان بضمان الحقوق والحريات الفردية، حتى أن إعلان - - المتعلقة بالحقوق والحريات العامة في الدولة سواء وجدت هذه القواعد في صلب الوثيقة الدستورية أو خارجها. وتمتاز القواعد الدستورية بأعلوية على ما عداها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة سواء كانت قواعد مكتوبة أو عرفية، وهذا يعني أن أي قانون تصدره السلطة المختصة في الدولة يجب أن لا يخالف بحال من الأحوال القاعدة الدستورية، وإلا كان ذلك القانون غير دستوري. بمعنى إن هذه القوانين إذا ما تعارضت في روحها ونصوصها مع الدستور فيكون الدستور مرجحاً عليها (2)، إضافة لما قد يلحقها من إلغاء حسب نظام الرقابة على دستورية القوانين الذي تتبعه الدولة. ويراد بسمو الدستور كذلك أن النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوماً بالقواعد الدستورية، وأن أي سلطة من سلطات الدولة ليس بمقدورها أن تمارس إلا السلطة التي خولها إياها الدستور وبالحدود التي رسمها، والواقع أن فكــــرة ســــمو الدستور تجد أساسها في كتابات مفكري نظرية العقد الاجتماعي في القرنين السابع والثامن عشر، إلا أنها لم تتبلور كمبدأ قانوني إلا بعــــد الثورتين الأمريكية والفرنسية، أما إعلان المبدأ لأول مرة فيعود إلى - حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة (۱۷۸۹) قد نص في مادته السادسة عشرة على أنه كل مجتمع لا يتأكد فيه ضمان لحقوق الأفراد فليس له دستور). أنظر: د.ماجد راغب الحلو، _القانون الدستوري_، مؤسسة شباب الجامعة الإسكندرية، ۱۹۷۳ ، ص ۱. (1) أنظر : د. إحسان حميد المفرجي وآخرون، _النظرية العامة في القانون _ _الدستوري_، كلية القانون، جامعة بغداد، ١٩٨٩، ص ١٦١. (2) أنظر : د. أدمون رباط الوسيط في _القانون الدستوري العام_، الجزء الثاني _النظرية القانونية_ _في الدولة وحكمها_، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٦٥، ص ٤٣٧. - الدستور الأمريكي لسنة (۱۷۸۷)، حيث عدّ هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر بموجبه وجميع المعاهدات المبرمة بموجب سلطة الولايات المتحدة القانون الأعلى للبلاد، ويلزم بذلك القضاة في كل ولاية بغض النظر عما يناقض هذا في دستور أو قوانين أية دولة.(۱) - ومما تجدر الإشارة إليه أن واضعي الدستور الأمريكي قدموا ذكر الدستور على القوانين العادية والمعاهدات الدولية التي تعقدها الولايات المتحدة في ظل هذا الدستور، مما يدل بوضوح على مكانة الدستور في ذروة البناء _القانوني_ _الأمريكي_. (۲) (1) أنظر: المادة (٦) من الدستور الأمريكي لسنة (۱۷۸۷) لدى: جيروم أ. بارون، الوجيز في _القانون الدستوري_ (المبادئ الأساسية للدستور الأمريكي)، ترجمة: محمد مصطفى غنيم، مراجعة هند البقلي، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، ط 1 ، القاهرة، ۱۹۹۸، ص ۳۰. (2) انظر: د. أحمد كمال أبو المجد الرقابة على _دستورية القوانين_ في الولايات المتحدة والإقليم المصري، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، ١٩٦٠ ، ص٣٣. - ولا يشترط كون القواعد الدستورية مدونة أو مكتوبة حتى تحظى بالسمو المطلوب على ما سواها من القواعد القانونية العادية، بل يتحقق الأمر كذلك بالنسبة للقواعد الدستورية العرفية، فالدستور الإنكليزي على سبيل المثال هو دستور عرفي إلا أنه مع ذلك يتمتع بقدسية واحترام الشعب الإنكليزي، كما أن الحكومة البريطانية من أشد الحكومات حرصاً - عليه واحتراما له وخاصة في مجال حقوق الإنسان وحرياته. (۳) يتضح لنا فيما سبق أن القواعد الدستورية تسمو على غيرها من القواعد القانونية الأخرى في الدولة، ومن شأن ذلك أن يضفي طابع . (3) أنظر: د. عثمان خليل _القانون _الدستوري_، مطبعة مصر، القاهرة، ١٩٥٦، ص ٢٥ . - القدسية والاحترام اللازمين لها من قبل سلطات الدولة كافة تشريعية كانت #### المطلب الثاني #### الضمانات القضائية - سبق القول بأن القاعدة الدستورية تسمو على ما سواها من القواعــــد القانونية العادية في الدولة، ولذلك كان طبيعيا أن تظهر قاعدة دستورية _القوانين_ ومقتضاها ألا يصدر أي قانون على خلاف أحكام الدستور وإلا عد ذلك القانون غير دستوري ويجب على القضاء الامتناع عن تطبيقه - أو إلغائه حسب الأحوال. - ويستند القضاء في بحث _دستورية القانون_ إلى مبدأ مشروعية تصرفات الدولة جميعها، وهذا هو معيار التفرقة بين الحكومة القانونية والحكومة الاستبدادية التي لا تنصاع لأحكام القانون. - وبهدف ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم ينبغي احترام القواعد القانونية المطبقة في الدولة من قبل سلطاتها كافة وتحديداً السلطة التشريعية، وأن يكون القضاء حارساً لذلك الاحترام من خلال سلطته في مراقبة _دستورية القوانين_ ومشروعية اللوائح على حد سواء (۲)، غير أن بعض دساتير الدول أوكلت مهمة الرقابة على _دستورية القوانين_ إلى هيئة سياسية كما هو الحال في الدستور الفرنسي لسنة (١٩٥٨) الذي منح المجلس الدستوري (1) أنظر: المادة (١٦) من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة .(۱۷۸۹) (2) انظر: سحر محمد نجيب، _التنظيم __الدستوري_ لضمان حقوق الإنسان وحرياته_، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون، جامعة الموصل، ٢٠٠٣ ، ص ٥٥. - حق مراقبة _دستورية قانون_ ما قبل إصداره وبالتالي فهي رقابة وقائية.(۱) - أما الرقابة القضائية فهي رقابة لاحقة تعقب إصدار القانون والعمل بـــه، وهناك طريقتان شائعتان لممارسة الرقابة القضائية سوف نوضحهما فيما يأتي: #### اقسام الرقابة القضائية #### الرقابة بطريقة الدعوى الأصلية (رقابة الإلغاء) * وفحوى هذا النوع من الرقابة منح الأفراد أو بعض الهيئات في الدولة حق إقامة دعوى مباشرة أمام المحكمة المختصة للمطالبة بإلغاء قانون ما بحجة مخالفته لأحكام الدستور، فإذا تبين للمحكمة صحة ذلك وأن القانون - يعارض أحكام الدستور بالفعل سارعت إلى الحكم ببطلان هذا القانون وإلغائه، ويسري هذا الحكم بالنسبة للكافة أفراداً أو هيئات أو محاكم .. أي لا ثثار مسألة _دستوريته_ مرة ثانية. (۲) * ونظرا لخطورة الدور الذي تقوم به المحكمة في هذه الحالة .. فإنه غالبا ما يعهد بهذا النوع من الرقابة إلى محكمة واحدة بغية تجنب التضارب الحاصل في الأحكام إذا ما أنيطت هذه المهمة بمحاكم عدة، وقد تكون المحكمة المختصة في هذه الحالة محكمة عادية كما هو شأن بعض الدساتير، أو محكمة دستورية وهو ما تعلنه غالبية الدساتير. (۳) * ومن أمثلة الدساتير التي أخذت بهذه الطريقة من الرقابة دستور النمسا لسنة (۱۹۲۰) ودستور تشيكوسلوفاكيا لسنة (۱۹۲۰) ودستور (1) أنظر : د. عثمان خليل، مصدر سابق، ص ۳۸. (2) انظر : : د. ماجد راغب الحلو، مصدر سابق، ص ۱۷. (3) المصدر السابق نفسه، ص ۱۹ - ۲۰. - المكسيك والدستور المصري لسنة (۱۹۷۱) والذي أناط مهمة الرقابة على _دستورية القوانين_ بالمحكمة الدستورية العليا . (۱) - أما بخصوص العراق فقد تضمن القانون الأساسي العراقي لسنة (١٩٢٥) النص على محكمة عليا تفحص _دستورية القوانين_، في حين جاء دستور (١٩٥٨) والدساتير المؤقتة التالية له خالية من أي نص فــــي هذا الصدد، حتى جاء دستور (۱۹۷۰) الملغي مخيبا للأمال حينما أغفل الإشارة في طيات نصوصه إلى مسألة الرقابة على _دستورية القوانين_. (۲) (1) انظر : حسين جميل، مصدر سابق، ص ۱۷. (2) انظر : د. عثمان خليل، مصدر سابق، ص ٥٠ . - وتتجلى فوائد هذا النوع من الرقابة في أنه يكفل للأفراد حماية حقوقهم وحرياتهم بطريقة فعالة. - أما عيوبه فتتمثل في كثرة الدعاوى المباشرة التي يرفعها الأفراد أمام المحكمة، الأمر الذي حدا ببعض المحاكم الدستورية كمـا فـــي ألمانيا وإسبانيا إلى وضع إجراءات احتياطية لقبول هذه الدعوى المباشرة من عدمه . (۳) (3) أنظر : حسين جميل، مصدر سابق، ص ۱۷. #### الرقابة بطريق الدفع بعدم الدستورية (رقابة الامتناع) - وملخص هذه الطريقة من الرقابة أن هناك دعوى منظورة أصلا أمام القضاء ويدفع أحد أطراف القضية سوا أكان مدعي أم مدعى عليه بأن القانون المراد تطبيقه في هذه الدعوى إنما هو قانون غير دستوري، فإذا ما خلصت المحكمة بنتيجة التحقيقات صحة هذا الدفع وأن القانون المراد تطبيقه على موضوع الدعوى غير دستوري عندها تصدر حكمها - إنها خولت المحاكم العادية كافة صلاحية فحص القوانين التي يشك في (1) أنظر: د. أحمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص ١٦٥. (2) أنظر: جيروم أ. بارون، _المصدر سابق_، ص ٤٩ وما بعدها. (3) أنظر: د. ماجد راغب الحلو ، _المصدر سابق_، ص ۲۱. (4) أصدر القاضي مارشال حكمه في قضية Marbury ضد Madison وخلص فيه أن الدستور الذي يتولى دور القانون الأساسي في النظام السائد في الدولة الاتحادية إنما يكون إذا متصفا بتفوقه على القوانين العادية مما يجعل كل قانون صادر بعده قانونا معرضا للإبطال إذا ما تضمن ما يخالف هذا الدستور ضمنا أو صراحة. - أنظر : د. أدمون ،رباط، _المصدر سابق_، ص ٤٧٣ - ٤٧٤ . - _دستوريتها_، الأمر الذي يؤدي إلى إصدار أحكام عديدة قد تتناقض فيما بينها وبالتالي عدم الوحدة التشريعية .(۱) (1) أنظر : د. عثمان خليل، _المصدر سابق_، ص ٤٩. #### الرقابة القضائية على أعمال الإدارة) - تمثل هذه الرقابة ضمانة فعّالة _لحقوق الإنسان_ وحرياته عندما تتصدى لتصرفات الإدارة التي من شأنها أن تمس حق من حقوق الإنسان بطريقة غير مشروعة، وذلك عندما يشوب تصرفاتها أو قراراتها ما ينطوي على مخالفة للقانون أو إساءة في استعمال السلطة.(۲) (2) انظر : د. ماجد راغب الحلو، _المصدر سابق_، ص ۲۱. - فالإدارة كما هو معلوم تمارس في أداء مهامها نشاطاً واسعاً لكنهاــا ليست مطلقة الأيدي في هذه الحالة، بل أن نشاطها محكوم بالقواعـــــد القانونية السارية وضرورة عدم تجاوز الاختصاص الذي خولته إياها تلك القواعد وإلا خضعت للرقابة القضائية التي توقفها عند حدها إذا ما أساءت استخدام سلطاتها أو تجاوزت على اختصاصاتها، بيد أن الأنظمة القانونية قد اختلفت في شأن الجهة التي تمارس مثل هذه الرقابة .. فبينمــــا خـــــول بعضها القضاء العادي هذه المهمة كما هو شأن الدول الأنكلوسكسونية وبعض الدول العربية كالعراق والأردن والسودان، أولاها البعض الآخر إلى القضاء المزدوج وكلّ له حجته وذرائعه في هذا المجال. (۳) (3) أنظر : د. رياض عزيز هادي حقوق الإنسان مضامينها - تطورها - حمايتها، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، ص۱۱۳. - 1. نظام القضاء العادي الموحد ومفاده أن تختص جهة قضائية واحدة مهمة النظر في المنازعات التي تنشأ فيما بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة أو فيما بين الجهات الإدارية. (۱) (1) أنظر : حسين جميل، _المصدر سابق_، ص ۲۲ وما بعدها. (2) انظر: ماجد نجم عيدان النظام القانوني لدعوى الإلغاء في العراق، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة النهرين، ۲۰۰۰ ، ص ۱ه . (3) أنظر : حسين جميل، _المصدر سابق_، ص ۲۲. - انظام القضاء الاذاعى أو المرويج. - 2. نظام القضاء الإداري او المزدوج وفحواه أن تختص جهتين قضائيتين بمهمة النظر في المنازعات التي تحصل بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الإدارة بصفتهــــا شخصاً معنوياً عادياً وهذا من اختصاص القضاء العادي على اختلاف محاكمه. أما القضاء الإداري فيمارس الرقابة بخصوص المنازعات التي تحصل بين الأفراد والإدارة بصفتها سلطة عامة. - وأيا كان الأمر فإن الرقابة القضائية على أعمال الإدارة وبصرف النظر عن الجهات التي تمارسها تشكل ضمانة ناجعة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم. (۳) ### المبحث الثاني ### ما هي ضمانات حقوق الإنسان في الإسلام * بعد أن درسنا الضمانات الدستورية والقضائية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتبين لنا بأنهما من الوسائل الناجعة التي لا يمكن الاستغناء عنها في صون هذه الحقوق والحريات من الانتهاكات التي طالما تعرضت إليها على مر الزمن .. بقي علينا أن نتلمس دور الإسلام في حماية هذه الحقوق والحريات من خلال جملة من الضمانات فاقت في فاعليتها الضمانات السابقة بسبب اقترانها بجزاءين أحدهما دنيوي يتمثل في العقوبات الشرعية للفرد والسلطة عند الخروج على القانون الإسلامي، وثانيهما جزاء آخروي متمثلا بما توعدت به نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية كل من يخرج عن طاعة أحكام القانون الإسلامي، بعكس الضمانات الدستورية والقضائية .. فهي تقترن فقط بجزاء دنيوي بحق من يخالف أحكام القانون الوضعي * وبما أن الضمانات التي أوجدها الإسلام لصيانة حقوق الأفراد وحرياتهم كثيرة ولمقتضيات هذا البحث .. سوف نقتصر في الكلام عن بعض هذه الضمانات والمتمثلة في إقرار مبدأ ثنائية المسؤولية في المجتمع وهذا ما سنتناوله في مطلب أول، ثم الصفة الدينية للقانون الإسلامي في المطلب الثاني، أما المطلب الثالث فنتطرق فيه لبعض الأنظمة الإسلامية المصلحة للفرد والجماعة وأشخاص السلطات ، الحاكمة. #### المطلب الأول #### إقرار _مبدأ ثنائية المسؤولية_ في المجتمع الإسلامي - لعل ما يميز النظام الإسلامي عن غيره من الأنظمة الأخرى هو إقراره لمبدأ ثنائية المسؤولية في المجتمع الإسلامي، وبسبب ذلك فإن الأفراد والسلطة مسؤولون عن تنفيذ القانون _الإسلامي_ على أنفسهم، ثم حمل غيرهم على تنفيذه كذلك فلا يستطيع الفرد المسلم أن ينفذ أحكام القانون _الإسلامي_ ويتوقف عند هذا الحد، بل أنه مسؤول عن تنفيذ غيره لأحكام هذا القانون. (۱) (1) أنظر د. منير حميد البياتي، _المصدر سابق_، ص ۳۳۹. - وقد تجسد مبدأ ثنائية المسؤولية في نصوص القرآن الكريم بقوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (۲) وقوله تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأَوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (۳) وقوله أيضا ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ))، وقد أكدت السنة النبوية الشريفة هذا المبدأ في قوله من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (٥) (2) الآية: (۷۱) من سورة التوبة. (٣) الآية: (١٠٤) من سورة آل عمران. (٤) الآية: (١١٠) من سورة آل عمران. (5) انظر: الإمام محمد بن عيسى الترمذي، _سنن الترمذي_، ج4، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ نشر، رقم الحديث ٢١٧، ص ٤٦٨. - وسبب ما يحظى به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دور بارز في إشاعة الحق والعدل والاستقرار وطمأنة الناس على حقوقهم وحرياتهم من أن تستغل حتى من قبل السلطة.. فقد عد الإسلام القائمين بهذا الواجب بمثابة المجاهدين، لا بل أنه منحهم أعلى من مراتب الجهاد بسبب ما يلاقونه من التعنت والتنكيل (١)، كما في قوله ﷺ إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر * - وخلاصة القول.. إن مبدأ ثنائية المسؤولية في المجتمع _الإسلامي_ يشكل ضمانة فاعلة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، إذ لا يستطيع أحد سواء أكان فردا مسلما أو سلطة أن يتنصل عن واجبه بحجة أنه غير مسؤول عن تنفيذ غيره لأحكام القانون _الإسلامي_ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مبدأ ثنائية المسؤولية نال إجماع الفقهاء المسلمون وأصبح بمثابة ) الواجب على الأمة. #### المطلب الثاني #### الصفة الدينية للقانون الإسلامي - لا شك بأن _الحقوق والحريات العامة_ في الإسلام إنما تستند على العقيدة الإسلامية، الأمر الذي يجعلها تتصف بمميزات نابعة من طبيعة علاقة الإنسان بالكون وبخالقه وبالهدف أو الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، والتي لن يبلغها إلا من خلال الخضوع الاختياري لرب العالمين والذي تتجسد في اتساق سلوك الإنسان ونشاطه وتعامله مع الآخرين على " وفق ما شرعه الله سبحانه وتعالى من أحكام تتصف بالكمال والشمول وتبتعد عن النقائص التي هي من صفات البشر . (۲) (1) الإمام أبو عبد الرحمن النسائي، _سنن النسالي_ ط ۲ ، ج ۷، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ١٩٨٦ ، رقم الحديث ٤٢٠٩، ص ٢٧٢. (۲) انظر : د. ساجر ناصر حمد، _حقوق الإنسان السياسية في الإسلام والنظم العالمية_، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، ٢٠٠٥ ، ص ١٤٢. - وأول صفات هذه الحقوق والحريات هي أنها ليست هبة من ملك أو حاكم أو سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي منح إلهية فرضتها الإرادة الربانية كجزء من نعم الله على خلقه . - كما أنها تتسم بالعمومية لجميع المواطنين ولكل أنواع الحقوق والحريات وليست حكرا على فئة معينة من الناس، ولا يجوز لأحد تعطيلها أو إلغائها أو التنازل عنها. وأخيرا فإن ممارستها مقيدة بالمصلحة العامة وضرورة عدم التجاوز عليها، وكل إنسان مسؤول عنها بمفرده والأمة مسؤولة عنها بالتضامن (۱) ، وهذا الأمر مرده إلى الصفة الدينية للقانون _الإسلامي_.. التي تميزه عما عداه من القوانين الوضعية، فالقرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة هما المصدران الأصليان لهذا القانون ومنهما يستمد أحكامه، ومن شأن ذلك أن يحقق ثماراً معينة من بينها أن قواعد القانون _الإسلامي_ في منجاة من الهوى والضلال والتحكم والمحاباة ونحوها. كما أن هذه القواعد ذات الصفة الدينية تحظى بقدر - كبير من الهيبة والقدسية والاحترام من قبل الأفراد الذين يشعرون بأن الخروج عنها هو خروج عن الدين وأن المسلم حريص على دينه غيور عليه.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هي في نظرهم من شعائر الله التي يجب أن تحترم وتعظم (۲) تأكيداً لقوله تعالى: ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَتِيرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ( ( (٣) . (1) أنظر : ديباجة الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان. (۲) انظر: د. منير حميد البياتي، _المصدر سابق_، ص ٣٤١ وما بعدها. (۳) الآية: (۳۲) من سورة الحج. - كما تتمتع هذه الحقوق والحريات بصفة الدوام، حيث لا تحتاج إلى تعديل أو نسخ أو تغيير كونها مستندة إلى الوحي الإلهي الذي انقطع بوفاته ، بيد أن صفة الدوام هذه لا تعني غلق الباب نهائياً أمام التوسع في فهمها وتنوع صور تطبيقاتها بما يتناسب مع ظروف الحياة المتغيرة، وهي صفة عامة امتاز بها التشريع الإسلامي.. فهو لم يُشرع لفترة زمنية معينة أو لجيل خاص، وإنما هو صالح لكل زمان ومكان . (۱) (1) انظر: د. ساجر ناصر حمد، _المصدر سابق_، ص ١٤٤. - إن ضمان حقوق الإنسان في الاسلام ينبع من العقيدة والإيمان ثم من سلطان الدولة والإلزام، وبذلك يجمع القانون _الإسلامي_ بين الاعتبار الديني والاعتبار القضائي وبين الجزاء الدنيوي والجزاء الأخروي، والمسألة أمام النفس والضمير في الدنيا وأمام الله في الآخرة، وتزداد حقوق الإنسان سموا من الناحية العملية مع زيادة الورع والتقوى والخشية من الله والالتزام الدقيق بمبادئ الإسلام وتنفيذ أحكامه . (۲) (2) انظر: د. محمد الزحيلي، _حقوق الإنسان في الإسلام_، دراسة مقارنة مع _الإعلان العالمي والإسلامي لحقوق الإنسان_، دار الكلم الطيب، ط ۲، دمشق، ۱۹۹۷، ص ٣٦٥ . #### المطلب الثالث #### بعض الأنظمة الإسلامية المصلحة للفرد والجماعة - والسلطات الحاكمة - إلى جانب مبدأ ثنائية المسؤولية والصفة الدينية للقانون _الإسلامي_ تنهض بعض الأنظمة الإسلامية التي من شأنها إصلاح الفرد والجماعة (1) انظر : حسين جميل، _المصدر سابق_، ص ۲۲ وما بعدها. (2) انظر: ماجد نجم عيدان النظام القانوني لدعوى الإلغاء في العراق، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة النهرين، ۲۰۰۰ ، ص ۱ه . (3) أنظر : حسين جميل، _المصدر سابق_، ص ۲۲. - وأشخاص السلطات الحاكمة ومنها على سبيل المثال _نظام العقيدة_ _-الإسلامية_، ثم نظام العبادات في الإسلام، وأخيرا النظام الأخلاقي _الإسلامي_.. وسوف نسلط الضوء بشكل موجز على هذه الأنظمة الثلاثة وعلى النحو الآتي: #### الفرع الأول: نظام العقيدة الإسلامية - لا ريب في أن نظام _العقيدة الإسلامية_ الذي يقوم عليه نظام المجتمع والدولة في _الإسلام_ يشكل ضماناً ناجعاً لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، فهو - أي النظام - يُعرف الإنسان بخالقه عز وجل وصفاته القدسية، ويحدد للمخلوق وظيفته تجاه الخالق وتجاه الحياة، كما يُعرفه على مركزه ووظيفته في الحياة والتي تعد بمثابة دار مؤقتة للامتحان في العمل وليس مكانا للهو والمتاع تأكيداً لقوله تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (١) . (1) الآية: (۷) من سورة الكهف. - إن هذا النظام بما يتضمن من إيمان بالله واليوم الآخر وبقية أركان الإيمان الأخرى وما يتطلبه هذا الإيمان بأن الله قائم على كل نفس بما كسبت من خير أو شر ، وبأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. فهو عالم بالغيب والشهادة ولا تخفى عليه خافية، إذ يقول الله تعالى في هذا الإطار ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَجْوَى ثَلَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) (٢) . (2) الآية: (۷) من سورة المجادلة. - كما توجب أحكام _العقيدة الإسلامية_ التصديق بالنبوات التي ختمها الله بنبوة محمد ، وأوجب على الخلق كافة طاعته والتصديق بنبوته وبما " أخبر به عن ربه تعالى بما في ذلك التصديق بشريعته كاملة غير منقوصة.. بكل ما تضمنت من حلال وحرام، والتصديق بالوعد والوعيد: الوعد الحسن بالفوز العظيم في جنات النعيم لمن التزم أحكام الإسلام، والوعيد بالعذاب الأليم لمن ترك أحكام الشريعة وراء ظهره (۱) تصديقا لقوله تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (٢) . (1) أنظر : د. منير حميد البياتي، _المصدر سابق_، ص ٣٤٧. (2) الآية : (۳۰) من سورة آل عمران. #### الفرع الثاني : نظام العبادات الإسلامية - لا يمكن نكران ما جاء به الإسلام من نظام مفصل للعبادات التي جعل بعضها على سبيل الفرائض كأركان الإسلام من شهادة وصلاة وزكاة وصيام وحج وغيرها، وألزم الإنسان بتأديتها ووعده بالأجر والثواب لقاء ذلك وتوعد تاركها بأشد العقاب، بينما عدّ البعض الآخر من العبادات على سبيل النوافل التي يثاب من أداها أكثر من غيره.(۳) (3) انظر : د. منير حميد البياتي، _المصدر سابق_، ص ٣٤٩. - ولا جدال في أن حياة البشر لا تستقيم ولا تتحقق له السعادة المنشدة ما لم يرتبط البشر بخالقهم ويخضعون له إرادياً، ولهذه الغاية بعث برسله وأنزل كتبه، إذ يقول الله تعالى في هذا المجال ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ))) (4) الآية: (٢٥) من سورة الحديد. - وينجم عن العبادات آثاراً كبيرة على سلوك الأفراد والجماعة والحاكم، إذ من خلالها يستقيم سلوك هذه الفئات الثلاث باتجاه التعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الخصال الحميدة، وقد وعد الله سبحانه وتعالى المصلين على الدوام خيرا حينما استثناهم بقوله تعالى : ( إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاهِمْ دَابِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّابِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (1) . (1) الآيات: (١٩-٢٤) من سورة المعارج. (1) ن (٠٦) : قيا ١٢ (٢) (2) انظر: د. منير حميد البياتي، _المصدر سابق_، ص ٣٥١ بيت بينها (7) - بقي أن نقول: إن نظام العبادات الذي جاء به الإسلام كان نظاماً شاملاً عاماً لكل مفاصل الحياة، إذ نظم علاقة الإنسان بربه وما فيها من حقوق، وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وكل ما يصدر عن الإنسان من قول أو فعل أو تصرف أو ترك أو نحو ذلك بما يرضي الله سبحانه ويتماشى مع حكمته التشريعية والانصياع لأوامره وبالتالي يمكن القول بأن نظام العبادات _الإسلامية_ ليس له مثيل بين الأنظمة _القانونية_ الوضعية وقد تفوق عليها في كل شيء. (۲) #### الفرع الثالث : النظام الأخلاقي الإسلامي - من الصعب إدراك أو تصور ما للنظامين السابقين من آثار فاعلة في صون حقوق الأفراد وحرياتهم من دون النظر إلى النظام الأخلاقي _الإسلامي_، فهو مرتبط بهما تمام الارتباط ولا يمكن الاستغناء عنه إلى جانبيهما، إذ يهدف النظام المذكور إلى سمو