الفصل الثالث - العصر الهيليني المبكر - عصر دولة المدينة PDF
Document Details
Uploaded by ArticulateLimerick
Helwan National University
Tags
Summary
هذا الفصل يقدم نظرة عامة على العصر الهيليني المبكر، ويركز بشكل خاص على نظام دولة المدينة. يُناقش الفصل الظروف التاريخية التي أدت إلى ظهور هذا النظام، وكذلك تطوره وتنظيمه الاجتماعي والسياسي. المقال شامل ويغطي تطورات مهمة في المدن اليونانية القديمة.
Full Transcript
-75- الفصل الثالث العصر اهليلليين الفرتة املبكرة من العصر اهليلليين أوالً :الفرتة املبكرة عصر دولة املدينة....
-75- الفصل الثالث العصر اهليلليين الفرتة املبكرة من العصر اهليلليين أوالً :الفرتة املبكرة عصر دولة املدينة. الظرف التارخيي وظهور نظام دولة املدينة. نظام دولة املدينة فى مرحلة التكوين. نظام دولة املدينة فى مرحلة التطور. أوالً :النظام األثيين. التطور الدستوري يف أثينا. قوانني دراكون. إصالحات سولون التشريعية. اجملالس التشريعية يف دستور سولون. عصر الطغاه يف أثينا. كليثينيس والدستور الدميقراطي. ثانياً :النظام اإلسربطي. ظهور اجملتمع األسربطي. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -76- أوالً :التنظيم االجتماعى واالقتصادي يف إسربطة. ثانياً :التنظيم السياسي. تقييم عام للدستور اإلسربطي. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -77- العصر اهليلليين ينقسم العصر الهيلليني إلي قسمين أولهما يعرف بالفترة المبكرة وتمتد هذه الفتره من القرن الثامن ق.م ،عندما زال الغموض عن أخبار بالد اإلغريق وزادت المعرفة عما كان يجري علي هذه األرض سواء من كتابات المؤرخين أو من اآلثار ،وتنتهي في أوائل القرن الخامس ق،م ،مع بداية الحروب الفارسية ضد بالد اإلغريق ،وقد عرفت هذه الفترة باسم الفترة الهيللينية القديمة تميزا ً لها عن الفترة الهيللينية الحديثة من العصر نفسه، وهي الفترة التي عرفت باسم الفترة الكالسيكية ،والتي امتدت من القرن الخامس ق.م ،وحتي ظهور االسكندر األكبر في النصف األخير من القرن الرابع ق.م. أوالً :الفرتة املبكرة. لقد شهدت الفترة المبكرة من العصر الهيلليني في اليونان حكم األرستقرطيين وإنهياره ،وظهور حكم الطغاه في المدن اإلغريقية المختلفة نظام الحكم ،تلك حتي نهايته ،كما شهدت بداية محاوالت إصالح المحاوالت التي تعتبر البداية نحو إقامة نظام ديمقراطي في المدينة الدولة. وفي ميدان الحضارة تطورت الفنون والعلوم تطورات هامة خالل تلك الفترة وخاصة في المناطق األسيوية من بالد اإلغريق حيث إزدهر الشعر الغنائي واستقرت العبادات اإلغريقية بعد زيادة اتصاالتها بالشرق.كما توثـقت العالقات بين إغريق أسيا الصغري وجزر بحر ايجه وإغريق اليونان.كما شهدت هذه الفترة المبكرة من العصر الهيلليني حركة اإلنتشار ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -78- اإلغريقي في البحر المتوسط والبحر األسود وهو ما يعرف بعصر اإلستيطان.وشهدت هذه الفترة أيضا إندالع الصراع بين ليديا وإغريق أسيا الصغري من جهة والميديين (الفرس) من جهة أخري ،وهي الصراعات التي تمتد في الفترة الحديثة من العصر الهيلليني أو الفترة الكالسيكية إلي بالد اليونان نفسها. كما شهدت تلك الفترة إزدهار المدن اإلغريقية في شبه جزيرة اليونان، وقد تميزت تلك المدن بصغر مساحتها وقلة سكانها وإستقالل مؤسسات الحكم بها ،كما كان لكل مدينة ألهتها الخاصة إلي جانب األلهه االوليمبية، ومن أشهر هذه المدن كورنثا وميجارا وإيجينا وطيبة وإبيداورس ودلفي وأثينا وإسبرطه ،وغيرها الكثير.وجميعها إزدهر فيها نظام دولة المدينة. عصر دولة املدينة. لقد انتهت واندثرت الحضارة الميكينية في بالد اليونان في حوالي عام 1000ق.م ،نتيجة لتعرضها لغزو القبائل الدورية قبل ذلك بقرن من الزمان تقريباً ،وكانت نتيجة هذا اإلندثار فترة من التخلخل والتخلف سادت أرجاء المجتمع اليونانى لمدة قرنين من الزمان حتى عام 800ق.م ،ولكن رغم كل مساوئ هذه الحقبة المظلمة فإنها أتاحت للمجتمع اليونانى الفترة الزمنية الالزمة الستيعاب العناصر الجديدة التى جاءت من الشمال ،وما كان البد أن يتلو ذلك من امتزاج بين العناصر السكانية القديمة وهذه العناصر الجديدة، بما يعنيه ذلك من صراع وتداخل وتفاعل ،أدت فى النهاية إلى قيام مجتمع جديد. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -79- وقد عرف هذا المجتمع الجديد في تكوينه باسم مجتمع "دولة المدينة" الذى ال تصبح فيه كل بالد اليونان كيانا ً سياسيا ً واحدا ً ،وإنما تصبح فيه كل منطقة منه كيانا ً مستقالً قائما ً بذاته له كل أبعاد الدولة ،ويكون محوره عادة مدينة واحدة يحيط بها إمتداد من األراضي تختلف مساحته من منطقة آلخري وتتناثر فيه مجموعة من الضواحى أو القري وقد يوجد فيه ميناء صغير أو أكثر إذا كانت المنطقة تطل على البحر. ومما الشك فيه الظروف الجغرافية التى جزأت بالد اليونان إلى مناطق منعزلة أو شبه منعزلة هى التى أدت إلى ظهور هذا التكوين ،كما أن هذه الظروف نفسها هى التى وضعت أمام نظام دولة المدينة إمكانية التطور من نظام الحكم الفردى إلى نظام الحكم الشعبي الذى عرفته بالد اليونان فى عدد كبير من أقسامها ،وهو نظام وصل إلى مرحلة من النضج يصبح معه المجتمع بأكمله هو صاحب السلطة الفعلية فى تصريف أموره.بل أكثر من ذلك فإن النظام الشعبي لم يكن مجرد نظام نيابي يحكم فيه الشعب بشكل غير مباشر من خالل أشخاص يمثلونه وينوبون عنه ،وإنما كان نظاما ً شعبيا ً مباشرا ً يشترك فيه كل من يريد من المواطنين ممارسة كافة السلطات بشكل مباشر. وجدير بالذكر أن نظام دولة المدينة في بالد اليونان وصل إلي مرحلة الحكم الشعبي ،علي العكس من بعض البلدان األخري التي عرفت نظام دولة المدينة في حضارات الشرق األدني القديم ،وذلك مثل المدن السومرية فى المنطقة الجنوبية من وادى الرافدين ،والمدن الفينيقية على الساحل السوري، ولكن كال من المدن السومرية والمدن الفينيقية لم تصل فى تطورها على طريق الحكم الجماعى إلى أكثر من حكم طبقي تسيطر عليه األقلية الثرية، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -80- سواء أكان مصدر هذه الثروة هو الموارد الزراعية أو النشاط التجاري. ولعل الظرف التاريخي الذى أحاط بالمجتمع اليوناني خالل المرحلة التكوينية أو مرحلة النمو التى مر بها حتى تبلورت مالمحه ككيان سياسي متكامل ،وهو الذي ساعد علي ظهور الحكم الشعبيفي بالد اليونان. الظرف التارخيي وظهور نظام دولة املدينة. لقد كان الظرف التاريخي الذى أحاط بالمجتمع اليوناني خالل الفترة التى شهدت ظهور نظام دولة المدينة وتطور هذا النظام حتى وصل إلى نهايته المنطقية فى صورة الحكم الجماعى الشعبي ظرفا ً مناسبا ً فعالً ،على عكس ما حدث فى حالة المدن السومرية والمدن الفينيقية.ففى حالة المدن السومرية لم يلبث التوسع الذى قامت به مدينة بابل (الواقعة على حدود منطقة سومر) أن أطاحت بنظام دولة المدينة فى هذه المنطقة لتدخلها ضمن تكوين سياسي كبير (في عهد الملك البابلي سرجون األول 2316 – 2371 ق.م ).يقوم على أساس الحكم المركزي إلى حد كبير ،األمر الذى يقف بالضرورة عائقا ً فى طريق التطور نحو الحكم الشعبي.والشئ ذاته نجده بتفاصيل أخري فى حالة المدن الفينيقية التى لم تتح لها فرصة التطور الكامل نحو الصيغة الشعبية للحكم بسبب تعرضها لظروف الغزو أو اإلجتياح الخارجي من جانب القوات الكبيرة التى أحاطت بالمنطقة السورية، سواء منالمصريين أو اآلشوريين أو الفرس. أما فى حالة المجتمع اليونانى فقد كان الظرف التاريخي مختلفاً ،حقيقة أن العصر الذى واكب ظهور نظام دولة المدينة فى بالد اليونان (وهو العصر الذى انتهى مع نهاية القرن السادس ق.م ).شهد قيام عدد من اإلمبراطوريات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -81- التى سيطرت عليها إلى شواطئ القسم الشرقي للبحر المتوسط وطوقت هذا القسم بشكل كامل أو جزئي ،وهى اإلمبراطوريات الحيثية والمصرية واآلشورية.ولكن هذه اإلمبراطوريات جميعا ً لم تحاول أن تمد حدود سيطرتها عبر شواطئ هذا القسم من البحر المتوسط ،وإنما كانت جميعها بصفة أساسية إمبراطوريات برية اقتصر نشاطها التوسعي الحقيقي على االمتدادات اآلسيوية واإلفريقية الموجودة فى هذه المنطقة وشدتها ظروفها التاريخية إلى التحرك داخلها بحكم مركز الثقل الحضاري الذى كان ال يزال فيها فى تلك اآلونة. وقد كانت النتيجة التى ترتبت على ذلك هى أن المجتمع اليونانى الذى كان ال يزال فى فترة التكوين أو النمو آنذاك أصبح بحكم هذا الظرف التاريخي فى مأمن أى خطر توسعي قد يطمس حركة نموه السياسي أو يعرقلها. وهكذا توفرت لهذا المجتمع فى مجال تطور نظمه السياسية كل إمكانيات الحركة الالزمة لهذا التطور. ولكى ندرك هذا الوضع المواتى للمجتمع اليونانى يجب أن نلقي نظرة سريعة على الخطوط العامة التى سارت فيها قوات اإلمبراطوريات سالفة الذكر فى مجال نشاطها التوسعي ،فمثالً نجد االمبراطورية المصرية في عهد الملك تحتمس الثالث (النصف األول من القرن الخامس عشر ق.م). يركز نشاطه العسكري الخارجي على سوريا بوجه خاص على أساس أنها الخط الدفاعى األول عن مصر.واذا كانت النصوص تشير إلى نشاط لهذا الملك فى جزر بحر إيجه فإن هذا النشاط ربما لم يزد كثيرا ً عن تذكير حكام هذه الجزر بالقوة المصرية أو الحصول على ضرائب منهم فى الوقت ذاته، وهى جزر تشكل منطقة يمكن أن يعتبرها الملك المصري امتدادا ً بحريا ً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -82- لتأمين حدود مصر فى الشمال ،وحين عاد المصريون إلى النشاط التوسعي الخارجى بعد أن كان غير موجود فى عهد أخناتون نجد رمسيس الثانى ( القرن الثالث عشر ق.م) يوجه حمالته شماالً وشرقا ً نحو حدود آسيا الصغري حيث القوة الحيثية وشرقا ً نحو الفرات.وقد عقدمع الملك الحيثي معاهدة سالم لقيت من الترحيب من الجانب المصري مثلما لقيته من الجانب الحيثي وهو موقف يشير إلى حدود المنطقة التى كانت تشد اهتمام السياسة الخارجية والعسكرية المصرية. كذلك حين تعرضت مصر لهجوم من ناحية بحر إيجه من جانب بعض المجموعات التى أطلق عليها المصريون اسم شعوب البحر (وكان من بين هؤالء مجموعات يرجح أنها من اليونانيين) فإن المصريين لم يحاولوا تتبعهم بهجوم مضاد يخرج باتجاه نشاطهم السياسي والعسكري عن حدود المثلث الحضاري السالف الذكر وإنما اكتفت السياسة المصرية فى المرتين اللتين تعرضت فيهما لهذا الهجوم (أواخر القرن الثالث عشر وأوائل الثانى عشر ق.م) بموقف ينتهى بصد الغارات التى قامت بها هذه الشعوب. نظام دولة املدينة فى مرحلة التكوين. إذا كان نظام دول المدينة كصيغة سياسية بكل ما يتصل به من أوضاع إقتصادية وإجتماعية لم يظهر فى المجتمع اليونانى بشكل محدد إال منذ أوائل القرن الثامن ق.م ،فإن القرنين السابقين لهذا التاريخ وهما القرنان العاشر والتاسع ق.م ،شهدا الفترة الممهدة والمؤدية إلى ظهور هذا النظام.لقد بدأ القرن العاشر وبالد اليونان تمر بحقبة من التخلخل والتخلف الذى جاء نتيجة طبيعية لغزو القبائل الدورية الذى أصاب المجتمع اليوناني بشئ كثير من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -83- التدمير والتخلخل.ولكن هذا الوضع ما لبث أن بدأ فى اإلنحسار بعد أن أخذت األمور تستقر بصورة أو بأخري فى هذا المجتمع. ففى بعض المناطق (مثل ثساليا وأرجوليس والكونيه وكريت) جعل الغزاه الدوريون من أنفسهم طبقة حاكمة بعد أن حولوا السكان األصليين فى هذه المناطق إلى طبقة من األرقاء أو عبيد األرض بشكل أو بآخر.ولكن فى أغلب المناطق استقر الغزاة إلى جانب السكان األصليين من أهل البالد وبالتدريج أخذوا يندمجون معهم ليتوصل المجتمع الجديد إلى صيغة من التعايش والتنظيم يستطيع من خاللها أن يتابع مسيرته. وقد كانت الصيغة األولى التى استقرت عليها مناطق المجتمع الجديد هى تجمعات سكانية قبلية فى تكوينها ،وكان كل تجمع من هذه التجمعات القبلية يتكون من مجموعة من المالك الكبار لألراضي الزراعية والرعوية الذين يحيط بهم أتباعهم ،وكان صاحب أكبر مساحة من األراضي يرأس التجمع القبلي الذي يوجد فيه ،ويتخذ لقب الملك.كما كان يوجد ،إلى جانبه ،مجلسان أحدهما يضم األعيان أو األرستقراطيين من رؤساء القبائل والعشائر ومجلس آخر للعامة من سكان التجمع.وكان الملك يجمع فى يديه من الناحية الرسمية كل السلطات ،فهو الذى يقود أى تعبئة عسكرية ،وهو مصدر التشريعات والقائم على األمور التنفيذية ،وهو الكاهن األعلى للمنطقة، يشاركه مجلس األعيان بصور متفاوتة من السلطة حسب قوة الملك أو قوة هؤالء األعيان ،أما مجلس العامة فلم يكن له فى الحقيقة أكثر من العلم بمجريات األمور والموافقة على ما يتوصل إليه الملك ومجلس األعيان من قرارات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -84- على أن الدور األساسي الذي قام به الملوك هو محاولة الربط بين هذه التجم عات القبلية بشتى الوسائل األمر الذى مهد الطريق لقيام المدن التى أخذ مفهومها يتطور تدريجيا ً بحيث أصبح مفهوم مصطلح المدينة" "Polisال يعنى مجرد مكان أو مساحة من األرض تسكنها مجموعات من السكان تتجاور مع بعضها ولكنها ال تتكامل أو تتكافل فيما بينها ،وإنما بدأ يقترب كثيرا ً من معنى النظام السياسي الذي ينظم سكان المدينة ويحدد حقوقهم وواجباتهم والروابط التى تربط بينهم فى كافة المجاالت. ومما الشك فيه أن الواقع المعيشي بين التجمعات السكانية القبلية المتجاورة هو الذي أدي إلي الترابط بين هذه التجمعات ،فبالد اليونان تتكون من مجموعة من التكوينات الجبلية والسهلية والساحلية.وأية منطقة من المناطق التى ينقسم إليها سطح هذه البالد غالبا ً ما تضم اثنين من هذه التكوينات ،إن لم تكن تضم األنواع الثالث فعالً كما هو الحال فى منطقة أتيكا(التى أصبحت أثيناهى مركزها السياسي) ،ومن الطبيعي أن كالً من هذه التكوينات أو التقسيمات الداخلية (الجبلية والسهلية والساحلية) له ميزاته واحتياجاته.فاألماكن الجبلية لها ،بحكم تكوينها التضاريسي ،ميزات دفاعية وهجومية تفتقر إليها األماكن السهلية ،ولكنها فى الوقت ذاته ال تصلح إال للرعي الفقير.وتفتقر إلى المراعى الغنية واألراضي الزراعية التى تتميز بها السهول.واألماكن الساحلية ،إن وجدت ،إذا كانت تحتاج إلى نتاج المناطق السهلية لتستكمل به مواردها المعيشية المحلية التى تقوم أساسا ً على الصيد ،وإلى النقاط الدفاعية التى تتميز بها المناطق الجبلية ،فإنها تشكل المنفذ الطبيعي ألية هجرات أو تعامل تجاري مع الخارج وهكذا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -85- فى ضوء هذا الوضع المتكامل يصبح من السهل أن ندرك أن التجمعات السكانية التى وجدت فى هذه التقسيمات الداخلية للمناطق المختلفة التى كانت تشكل بالد اليونان ،قد دفعت سكان هذه التقسيمات إلى ما يمكن أن نسميه تعامالً أو حواراً ،قد يكون عنيفا ً فى بعض األحيان ولينا ً فى أحيان أخري، ولكنه قائم دائماً ،ما دامت حاجة كل تقسيم إلى التقسيمات األخري قائمة، سواء أكانت هذه الحاجة جلبا ً لمنفعة أو درءا ً لخطر.ومن هنا جاءت فكرة اإلتحاد أو التوحيد بين هذه التقسيمات فى كل منطقة ،وال يهم بعد ذلك أن تتم محاوالت هذا االتحاد أو التوحيد بطريق العنف أو السالم. وبناءا ً علي ذلكفإن ملوك بعض التجمعات السكانية فى المناطق المختلفة كانوا يحاولون ،كل فى منطقته ،أن يربطوا بين هذه التجمعات وبعضها البعض ،بحيث تتحول كل مجموعة من هذه التجمعات السكانية الى مدينة صغيرة تتسع تدريجيا ً بتعدد محاوالت التوحيد ،وأن مثل هذه المحاوالت قد تمر بفترة ،تطول أو تقصر ،قبل أن تصل إلى تحقيق التوحيد النهائي للمنطقة. كذلك فإن الملك الذى يرأس التجمع السكاني الذى أخذ على عاتقه مهمة توحيد أية منطقة هو الذى سيصبح ملكا ً للمدينة التى تقوم فيها ،وأن الدور الذى قام به هذا الملك فى هذا المجال كان البد أن يؤدي إلى إزدياد تركيز السلطة فى يده ،فالسلطة المركزية هى التى تالئم هذه المهمة ،وهى مهمة توحيد وتركيز قبل كل شئ وفوق كل شئ.وهذا نستنتجه فى الواقع من أن الملك يظهر لنا فى عديد من النصوص وكأنه صاحب حق إلهى فى العرش فاآللهة هى التى تسانده وكبير اآللهة هو الذى يمنحه صولجان الملك. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -86- هذا إذن ،هو التطور األساسي الذى تم فى عصر الحكومات الملكية ،وهو تطور خطت فيه المدينة خطوات واسعة على طريق التحول من مجرد مفهوم مكانى يعطي معنى التجاور السكاني إلى مفهوم سياسي يعطي معني اإلنتماء التنظيمي بكل ما يعنيه هذا من روابط وحقوق وحدود بين سكان المدينة. نظام دولة املدينة فى مرحلة التطور. إذا كان المقوم السياسي لدولة المدينة(الذى يدور حول توحيد التجمعات السكانية القبلية) هو الذى لعب الدور األول فى عصر الحكم الملكي ،وكان فى الواقع هو سبب ظهور هذا الحكم واستمراره طوال الفترة التى عاصرت المرحلة التكوينية لمجتمع دولة المدينة ،فإن الحكم الملكي فقد مبرر وجوده بالضرورة بعد أن تم هذا التكوين وإتخذ خطوطه األولية العامة.وهكذا يشهد القرن الثامن ق.م.بداية تحول جديد يقفز فيه إلى مقدمة الصورة مقوم آخر من مقومات المجتمع اليوناني هو المقوم االقتصادي. فالملوك بعد أن إنتهى دورهم األساسي فى توحيد مجموعات القبائل فى شكل مدن وبعد أن استقر وضع هذه المدن ككيانات سياسية لم يعودوا أصحاب دور يتميزون به على غيرهم من كبار رجال المدينة ،وهم زعماء القبائل والعشائر التى تكونت منها المدن اليونانية.وإنما أصبح الملك فى الواقع مجرد واحد من أفراد الطبقة األرستقراطية التى تتكون من هؤالء الزعماء ،يتمتع بسلطة الحكم وميزاته على أساس دور قديم قام به فى فترة اندثرت من عمر المدن اليونانية ولكنه اآلن ال يزيد عن كونه واحد منهم يتميز معهم على بقية الشعب بأنه صاحب أراضي واسعة ،زراعية أو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -87- رعوية ،تشكل المقوم االقتصادي أو مورد اإلنتاج الرئيسي لمجتمع المدينة، ولكنه ال يتميز عن بقية هؤالء األرستقراطيين فى شئ. وهكذاوبعد إ نتهاء الفترة التكوينية لمجتمعات المدن اليونانية أصبح المقوم االقتصادي هو الذى يدفع تطورها السياسي ،فأخذ أفراد الطبقة األرستقراطية منذ القرن الثامن ق.م.تقريبا ً يزحفون على سلطات الملك فى هذه المدن ويحاولون إنتزاعها الواحدة بعد األخري. إذن الطبقة األرستقراطية وهى طبقة المالك الكبار من أصحاب األراضي الزراعية والرعوية أخذت تزحف منذ أوائل القرن الثامن ق.م.بشكل تدريجي على سلطات الملوك فى المدن اليونانية سواء أكانت هذه السلطات عسكرية أو سياسية أو تنفيذية أو قضائية ،حتى إذا جاء القرن السابع ق.م. كانت الحكومات قد سقطت فى أغلب المدن اليونانية لتحل محلها حكومات جماعية تتكون من الطبقة األرستقراطية التى كان أفرادها يسيطرون على المورد االقتصادى الرئيسي ،وهو األرض ،فى وقت كانت فيه التجارة ال تزال تخطو خطواتها األولى كمورد من الموارد االقتصادية الرئيسية فى المجتمع اليونانى. وقد قام الحكم الطبقي األرستقراطى على ثالث دعائم واضحة مكنت أفراد هذه الطبقة من السيطرة على دويالت المدن اليونانية حتى أواسط القرن السادس ق.م.أو الشطر األخير منه.والدعامة األولى هى الدعامة االقتصادية فاألرستقراطيون هم أصحاب األرض سواء أكانت هذه امتدادات زراعية أو رعوية وهذا المورد االقتصادى من نتاج األرض كان ال يزال يغطى احتياجات السكان فى المجتمع اليونانى الذى كان ال يزال صغيرا ً فى أعداده وبسيطا ً فى متطلباته.وهكذا تمكن األرستقراطيون بسيطرتهم على ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -88- هذا المورد اإلنتاجى الوحيد نسبياً ،أو الرئيسي على األقل ،أن يسيطروا على مقدرات المجتمع اليونانى. أما الدعامة الثانية فهى الدعامة العسكرية.وفى هذا المجال فقد كانت ظروف بالد اليونان تؤدى آنذاك إلى أن يكون أفراد الطبقة األرستقراطية هم أصحاب السيطرة على القوة العسكرية فى البالد ،فالحروب بين المدن اليونانية فى ذلك الوقت كان حجمها محدودا ً يوازى الحجم المحدود للمصالح االقتصادية التى كانت محلية تدور فى أساسها حول ممتلكات األرستقراطيين من أراضي الزراعة أو الرعى.ومن ثم فقد كانت الحروب بين المدن فى ذلك الوقت ال تزيد عن غارات متبادلة بينها،ويمكن تشبيها بالغارات التى كانت تقوم بين قبيلة وأخرى فى شبه جزيرة العرب قبل االسالم ،ومن ثم فإن قوة من الفرسان كانت تكفى ألن تكون قوام هذه الغارات. وفى مجتمع مثل المجتمع اليونانى لم تكن توجد فيه جيوش نظامية دائمة، وإ نما كانت القوة العسكرية فيه تقوم على أساس من التعبئات المؤقتة لمقابلة أى ظرف دفاعى أو هجومى وكان المقاتل هو الذى يتكفل بتسليح نفسه أو أتباعه ،وأن أفراد الطبقة األرستقراطية كانوا هم الفرسان ،فهم الذين يمتلكون الحيل الالزمة لمتابعة العمل على أمالكهم الواسعة من األراضي، هم وأتباعهم الذين يستطيعون القيام بالغارات على جيرانهم من المالك فى المدن المجاورة ،أو بصد الغارات التى يشنها هؤالء الجيران. أما عن الدعامة الثالثة ،وهى الدعامة القانونية ،فقد كان الحكم األرستقراطي فى حقيقة األمر بداية لتنظيم جديد بحكم الضرورة ،لدول المدينة فى بالد اليونان.ذلك ألن الحكم الذى سبقه فى العصر الملكي كان يقوم أساسا ً على الحق اإللهي ،وليس على أساس تنظيم قانونى يكفل الحقوق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -89- ويضع الحدود ،ومن ثم فقد كان هذا الحكم الملكى يقوم على أساس من إرادة الملك ومقدار سطوته ،أو على أساس من التعادل ،بدرجات متفاوتة ،بين سطوة الملك وسطوة الطبقة األرستقراطية حسب مقدار القوة لدى كل من الطرفين أو حسب الظرف السائد الذى قد يكون فى صالح هذا الطرف أو ذلك.أما بعد نجاح الطبقة األرستقراطية فى انتزاع السلطات من الملوك فى دول المدينة فى بالد اليونان فقد أصبح األمر يقوم على أساس من القانون الذى يحدد الحقوق والواجبات.فالمدينة أصبحت تحكمها الطبقة األرستقراطية ممثلة من الناحية التنفيذية فى هيئة تنتخب سنويا ً من بين أفراد هذه الطبقة والمجلس التشريعي األرستقراطي له صالحيات محددة، والرابطة التنظيمية بين أفراد المجتمع لم تعد أمرا ً فى يد األسر أو الجماعات وإنما بدأت الطبقة األرستقراطية الحاكمة تنقلها إلى حكومة المدينة.وهكذا، على سبيل المثال ،ألغت الحكومات األرستقراطية فى المدن اليونانية حرمت الحروب الصالحيات العقابية التى كان يتمتع بها رؤساء األسر ،كما ّ التى كانت تقوم بين العشائر والقبائل لفض النزاعات التى كانت تنشب بينها، وفرضت رفع هذه النزاعات إلى المحاكم التى أصبحت منذ اآلن هى المكلفة بالفصل فى الجرائم العامة(التى تتعرض لتماسك المجتمع) وفرض العقوبات الالزمة فى حال وقوعها. ومع بداية القرن السادس ق.م ،كانت القوانين التى وضعتها الطبقة األرستقراطية الحاكمة فى كل مدينة قد وصلت لدرجة من التفصيل تستدعى أن تدرج فى تنيظيم قانونى واضح ،وبدأت هذه المدن الواحدة بعد األخرى تصدر مجموعاتها القانونية الخاصة بها.وهكذا حل القانون محل القوة فى إقرار األموروفرضت الطبقة األرستقراطية األمن فى المدن اليونانية بشكل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -90- أدى إلي إنحسار إستخدام السالح تدريجيا ً ومن ثم إلى دعم كيان دولة المدينة. إال أن األرض ،سواء منها أرض الزراعة أو المراعى ،وهى التى كانت تشكل الدعامة االقتصادية لسيطرة أصحابها من الطبقة األرستقراطية.لم تكن لتكفى حاجات المجتمع اليوناني بصفة دائمة ،فاألراضي المنتجة فى بالد اليونان قليلة وفقيرة ،ومجتمعات المدن اليونانية كانت تتزايد سواء فى أعداد سكانها أو فى متطلبات الحياة اليومية التى تشكل المستوى المعيشي لهؤالء السكان بحيث أصبحوا ينظرون إلى ما كان كماليا ً باألمس على أنه ضرورى اليوم.وهكذا بدأ اليونانيون يولون وجههم نحو البحر بشكل متزايد فى محاولة للبحث عن موارد جديدة تعوض مواردهم التى باتت قاصرة عن تغطية ضروراتهم المعيشية.وقد أدى هذا إلى هجرة جديدة من بالد اليونان إلى الشواطئ المختلفة للبحر المتوسط استمرت حتى أواسط القرن السادس ق.م. وفي أوائل القرن الخامس ق.م ،كانت المستوطنات اليونانية تتناثر، بدرجات متفاوتة من الكثافة ،على شواطئ مقدونيا وتراقيا والبحر األسود وقورينيا(برقه الحالية على الشاطئ اإلفريقي) والشواطئ الجنوبية إليطالية وجزيرة صقلية.وقد كانت هذه الحركة اإلستيطانية مرحلة جديدة فى تاريخ المجتمع اليونانى ،ففى نهايتها كان اليونانين قد شاركوا الفينيقيين في نشاطهم التجارى فى البحر المتوسط ،وبدأوا يتعرفون على أسواقه ،كما بدأوا يتعلمون أشياء جديدة نتيجة الحتكاكهم بأقوام الشرق األدنى أسهمت إلى حد كبير فى تنمية هذا النشاط التجارى.فعن المصريين والبابليين أخذوا مبادئ الرياضيات ،وعن الفينيقيين تعلموا طرقا ً أكثر تطورا ً فى صناعة السفن. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -91- وهكذا بدأت التجارة تخطو خطوات واسعة نحو اإلزدهار ،وأصبح البحر، حيث النشاط التجارى ،يشكل موردا ً اقتصاديا ً أساسيا ً إلى جانب األرض حيث الزراعة والرعى ،بل أكثر من هذا فإن التجارة أصبحت فى الواقع تغطى القسم األكبر من ضرورات الحياة اليومية فى بالد اليونان.وقد كان طبيعيا ً والحالة هذه أن تعكس النظم السياسية هذا التطور.فقد ظهرت في المدن اليونانية طبقة اجتماعية جديدة هى طبقة التجار الذين أصبحوا يسيطرون على هذا المورد األساسي الجديد من موارد اإلنتاج ،وهو التجارة ،وكان طبيعيا ً أن يسعي أفراد هذه الطبقة الجديدة الصاعدة إلى تأمين مصالحهم المتزايدة عن طريق السعي بكافة الوسائل إلى المشاركة فى الحكم بطريقة أو بأخرى.وهكذا شهدت بدايات القرن الخامس ق.م ،ظهور نوع جديد من الحكومات فى المدن اليونانية تتحالف فيها الطبقات التجارية الجديدة مع الطبقات األرستقراطية القديمة من مالك األراضي وهو ما يعرف فى بالد اليونان باسم النظام السياسي األوليجركي أو نظام حكم األقلية. هكذا إكتمل المقوم االقتصادي فى بالد اليونان ليصبح الدافع األول وراء تطور النظم السياسية اليونانية فى مرحلتى الحكم األرستقراطي واألوليجركي.ولكن هذا الوضع كان يحمل فى طياته بذور مقوم جديد أصبح يشكل العامل الجديد الذى دفع بمجتمعات المدن اليونانية نحو إستكمال المراحل األخيرة من تطور نظمها السياسية.فمن جهة نجد أن إزدهار التجارة أوجد أمام الطبقات الشعبية متنفسا ً ومجاالً للحركة لم يكن موجودا ً أمامها من قبل.فبعد أن كان العمل فى أراضي الطبقة األرستقراطية هو الوسيلة الوحيدة الموجودة أمامهم لكسب عيشهم ،أصبح العمل فى خدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -92- النشاط التجارى مجاالً آخر يعطيهم فرصة المساوة االجتماعية بين طبقة األرستقراطية القديمة وطبقة التجارة الجديدة. ومن جهة أخرى فإن النشاط التجارى كان يعتمد إلى حد كبير وبشكل متزايد على أبناء طبقة العامة ،أو الطبقة الشعبية سواء كانوا أصحاب حرف يمدون التجار بالسلع التى تشكل أساس مبادالتهم التجارية ،أو بحارة وعمال نقل وعمال موانئ ،أو جنود يخوضون المعارك العنيفة التى أدى إليها، وكان البد أن يؤدي إليها التنافس الحاد بين المدن اليونانية فى مجال التجارة التى أصبحت تشكل المورد االقتصادي الرئيسي لها ،وهى معارك لم تعد مجرد غارات محدودة متبادلة بين مدينة وجارتها ،وإنما أصبحت تقوم فى عرض البحر على امتداد خطوط القوافل التجارية ،أو على الشواطئ الجديدة حيث توجد األسواق المتنازع عليها.وتمتد سجاال عبر سنوات طويلة قد تصل فى بعض األحيان إلى عدة عقود من الزمان ،ومن ثم كانت فى حاجة مستمرة إلى أعداد غفيرة من المقاتلين لم تكن تتسع لهم إال صفوف الطبقات الشعبية. وهكذا بدأت الكتلة الشعبية العريضة تشعر بكيانها وبوزنها فى مجتمعات المقوم البشري كعنصر محرك لتطور النظم ّ المدن اليونانية ،ومن ثم برز السياسية فى هذه المجتمعات.وقد كان المظهر الذي إتخذه هذا المحرك الجديد هو الشعور المعبأ الساخط على تحكم طبقة محدودة فى المجتمع بأكمله عن طريق استئثارها بالحقوق السياسية التى تكفل لها اإلنفراد بتصريف أموره والسيطرة على مقدراته. ولذلك قامت الثورات الشعبية فى المدن اليونانية لإلطاحة بالحكومات األوليجركية.ولكن حدث فى هذه اللحظة الحرجة من تطور النظم السياسية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -93- لبالد اليونان أن تسلل إلى قيادة الثورات أشخاص كان عدد غير قليل منهم من غير الطبقة الشعبية ،فانتفعوا بالقوة الكامنة فى صفوف هذه الطبقة لإلطاحة بالحكومات االوليجركية ،وحين تم القضاء على هذه الحكومات حلّوا هم محلها فى مواقع السلطة وانتكسوا بمجتمعات المدن اليونانية إلى الحكم الفردى ،وإن كانوا قد أجلوا هذا الحكم لفترة وجيزة بأكثر من وسيلة. وقد كان المحور األساسي الذى دار حوله عملهم بغرض هذا التأجيل هو إرضاء طبقة العامة واستمالتها إلى جانبهم.فمن الناحية االقتصادية دفعوا عجلة النشاط االستعمارى ليفتحوا بذلك مجاالً أمام الطبقات المعدمة للسعي وراء الرزق فى المستعمرات خارج البالد ،ومن الناحية اإلجتماعية شجعوا النشاط الفنى والثقافي إلى أبعد الحدود بحيث أصبح عهدهم عهد ازدهار حقيقي فى هذا المجال.ولكنهم مع ذلك فشلوا فى الجانب السياسي ،إذ أن المظهر الشعبي الشفاف الذى تستر وراءه الجيل األول منهم لم يلبث أن إنحسر فى عهد الجيل الثاني ليحل محله اإلرهاب المتزايد ،وهكذا اكتسب حكمهم فى تاريخ النظم السياسية اليونانية اسم حكم الطغاه. ولكن إذا كان المقوم البشري الذى أراد أن يثبت وجوده كقوة دفع لتطور النظم السياسية فى بالد اليونان قد تعثر فى طريقه نحو تحطيم الحكم الطبقي فانتكست حركته إلى هذا الحكم الفردي ،فإن هذا المقوم ذاته لم يلبث أن تحرك من جديد هذه المرة فى صورة سخط عام على هذا النوع من الحكم إنتهى به ،فى أواخر القرن السادس ق.م ،إلى ثورات كان ضحيتها األولى هؤالء الحكام أنفسهم وهكذا اختفت من تاريخ المدن اليونانية فترة حكم الطغاه لتحل محلها مرحلة جديدة من المراحل التى تطورت خاللها النظم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -94- السياسية اليونانية ،مثلت نهاية الشوط الذى وصل إليه هذا التطور ،وهذه هى مرحلة الحكم الشعبي أو الديمقراطي. إذن لقد سار نظام دولة المدينة فى عمومه فى إتجاه رئيسي تطور فيه من الحكم الملكى إلى الحكم الشعبي.ولكنه عرف اتجاهات إبتعدت به قليالً أو كثيرا ً عن هذا المسار العام تحت تأثير عدد من الظروف يتصل بعضها بالموقع وبعضها بالتكوين الطبيعي ،وبعضها بالتكوين السكانى. و بعد هذا العرض لنشأة وتكوين وتطور نظام المدينة الدولة ،سوف نتحدث عن أثينا وإسبرطه ،كأشهر مثالين للمدينة الدولة ،فقد سلكت كل منهما طريقا ً متميزا ً في حياتها رغم تشابه الظروف التي أدت إلي قيام نظام المدينة الدولة في بالد اإلغريق. أوالً :النظام األثيين. لقد كان تاريخ أثينا غير واضح وعلي األخص في القرون األولي من حياة المدينة.ويعود عدم الوضوح هذا إلي كثرة ما كتب عنها إذا أسهب المعجبون بها في القول والمبالغه ومالؤا كتبهم بالخرافات حول نشأة المدينة وتاريخها مما أوقع المؤرخون في حيرة شديدة أمام كثير من األحداث. تقع أثينا في إقليم أتيكا الذي يتميز من الوجهة الطبيعية بوجود مجموعات من الجبال والتالل فضالً عن بعض السهول والسواحل ومناخها معتدل بوجه عام ال تتلبد سماؤها بالغيوم إال قليالً ،أما صيفها فحار وشتاؤها بارد نوعا ما واألمطار الشديدة ال تستمر طويالً ،أما الربيع والخريف فهما أفضل فصول السنة في تلك البالد.وقد أدي إختالف التضاريس في إقليم أتيكا إلي تنوع النشاط البشري ،وبالتالي أدي إلي إختالف مصالح سكانها االقتصادية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -95- كان إقليم أتيكا يضم حتي الغزو الدوري مجموعات متناثرة من المجتمعات المستقلة عن بعضها البعض.وأمام هذا الغزو إضطر أهالي تلك المجتمعات أو القري إلي تكوين تحالفات لمقاومة هذا الغزو.وكانت هذه التحالفات تضم ثالثأو أربع قري ،وكونت مجموعة منالقري حلف مارثون الرباعي أحد أشهر تلك التحلفات ،وتعتبر مرحلة تكوين هذه التحالفات مرحلة متوسطة بين حالة القري المبعثرة المنعزلة عن بعضها البعض ،وحالة الدولة الموحدة التي تكونت فيها أثينا وأشرفت عليها حكومة واحدة.وتعرف المرحلة األخيرة بمرحلة التوحيد وطبقا لألساطير اإلغريقية ،فإن ثيسيوس هو الذي وحد اثنتا عشرة مدينة في دولة واحدة. وبظهور المرحلة األخيرة ،أصبح المواطنون في مدن وقري أتيكا مواطنون في الدولة األثينية شأنهم شأن األثنيين حتي لو بعدت المسافة بين مواطنهم وأثينا.وكانت المجالس األثينية العامة تضم جميع المواطنين ،وربما ال يتمكن المقيمون بعيدا ً عن أثينا من حضور بعض اجتماعات هذه المجالس.إال أنهم كانوا حرصون علي المشاركة في الحياة السياسية خالل األوقات العصيبة.وغير معروف علي وجه الدقة متي تمت حركة التوحيد، وإنما في الغالب كان ذلك في القرن العاشر ق.م وعلي كل حال كانت أثينا مدينة موحدة خالل القرن الثامن ق.م. ونظراًإلختالف المصالح االقتصاديه لسكان السهول والجبال والشواطي في إقليم أتيكا،فقد نشأت ثالثة أحزاب سياسية تعبر عن المصالح الذاتية لكل مجموعة من المجموعات الثالث.فكان حزب السهل يضم أصحاب الض يعات الزراعية وهم الذين احتكروا السلطة في البداية وكانوا ركيزة االحكم األرستقراطي في الدولة.أما حزب الشاطئ فقد كان يضم التجار ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -96- وأصحاب السفن وذوي المصالح االقتصادية ،وقد تميز هذا الحزب بما حققه أصحابه من ثروة وجاه رغم عدم نبل المولد.وكانت مواقف هذا الحزب في القضايا السياسية تبعا ً لذلك وسطا ً بين األرستقراطية المحافظة (حزب السهل) وحزب الجبل الذي كان يضم فقراء المواطنين من الرعاه وغيرهم، وكان هؤالء متمردين علي حالهم يطمعون في تغير هذا الحال إلي األحسن. لقد مرت أثينا بأقدم النظم االجتماعية المعروفة تاريخيا ً ،فعرفت القبائل و العشائر واألسر.وقيل أن أثينا كانت تضم أربع قبائل وكل قبيلة تضم ثالث عشائر وكل عشيرة تضم ثالثين أسرة ،ومعني ذلك أن الجميع كانوا()360 أسرة بعدد أيام السنة و( )12عشيرة بعد أشهرها ،وأربعة قبائل بعدد فصولها ،وكانت األسرة تضم جميع المواطنين األثينين بحكم المولد من أب واحد وأم واحدة وبصفه عامة كانوا سالسله أصل واحد. إرتبط هؤالء جميعا ً برابطة قوية كانت أساس نظام اجتماعي تكاد تنعدم فيه شخصية الفرد وتكون السيادة فيه لرئيس األسرة ،ويبدو أن هذا النظام وجد قبل قيام الدولة التي عملت علي تقويض نفوذ األسرة وأبرزت شخصية الفرد.وأدي ذلك إلي نضال عنيف بين طبقات المجتمع وظهرت أطواره في أيام المشرعين الذين عرفهم التاريخ األثيني ،وهم دراكون وسولون و كليثينيس ،ونتج عن هذه التطورات ظهور الديمقراطية التي يعتز فيها الفرد بشخصيته وذاتيته واستقالله في الرأي.وشهدت الديمقراطية األثينية أعظم أيامها خالل القرن الخامس ق.م ،ولكنها انقلبت خالل القرن الرابع ق.م ،إلي نوع من الفوضي إهتم فيها الفرد بحقوقه فقط ولم يهتم بواجباته فإختل التوازن بين الفرد والدولة وإنهارت الدولة األثينية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -97- التطور الدستوري يف أثينا. عرفت أثينا في األيام المبكرة لقيام الدولة (حتي عام 2000ق.م تقريبا) النظام الملكي.وكان رؤساء القبائل خارج المدينة يمارسون حق الملك في اإلشراف اإلداري واالقتصادي علي شئون القبيلة ويلبسوون المالبس األرجوانية أيضا ً مثله.وفي المدينة كان الملك يمثل أثينا في األعياد الدينية وفي الحفالت والمواسم وكان هو الكاهن األكبر والقائد األعلي للجيش والمشرف علي شئون اإلدارة والسياسة.ويقال أن آخر ملوك أثينا الذين تمتعوا بهذه السلطات كان الملك كودروس الذي قتل أثناء حملة ضد ميجارا خالل مقاومته للغزو الدوري. ولكن ما لبثت األرستقراطية أن انتقصت من مكانة النظام الملكي وتم ذلك في هدوء وسالم فأخضع األرستقراطيون الملك لرقابتهم وإشرافهم وسحبوا منه سلطة قيادة الجيش واسندوها إلي أحدهم وكان يدعي األرخون بوليمارخوس كما نزعوا منه السلطة اإلدارية وأسندوها إلي واحد آخر كان يعرف باسم األرخون أوبونيموس ،وهكذا أصبحت السلطة في أيدي ثالثة، الملك واألرخون بوليمارخوس واألرخون إبونيموس ،وكانت هذه الوظائف لمدي الحياة في بداية األمر ،ثم خفضت إلي عشر سنوات في منتصف القرن الثامن ق.م ،تقريبا ً وأخيرا ً اقتصر األمر علي عام واحد منذ أوائل القرن السابع ق.م (680ق.م). وقد فقد الملك بمرور الزمن جانبا ً آخر من سلطاته وهي سلطة التشريع التي توالها مجلس يضم ستة أرخونات مشرعين ،وإلي جانب التسعة حكام السابقين ،كان هناك مجلس الشيوخ يضم بين أعضائه كبار الموظفين وكانت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -98- العضويه فيه لمدي الحياة ،وكان هذا المجلس ينعقد علي تل أريس إلي الغرب من األكروبوليس حيث كانوا يلقون من فوق هذه الصخره المحكوم عليهم باإلعدام.وتجمعت في أيدي هذا المجلس مهام الوصاية علي القوانين واإلشراف علي إنتخاب المشرعين وبمرور الوقت صار مجلس األريوباجوس صاحب السلطة الحقيقة في الدولة خالل فترة الحكم األرستقراطي. وبسبب إختالل ميزان الثروة في البالد ،هبت علي أثينا رياح التغير الشديدة فعصفت بالنظام االقتصادي ،ومن ثم هزت قواعد الحكم القائم، والمعروف أن هذا الخلل في ميزان الثروة قد ظهر بسبب الثورة التجارية ونشاط اإلستيطان فيما وراء البحار ،باإلضافة إلي ظهور النظام النقدي الذي عرفته بالد اإلغريق حوالي عام 700ق.م ،والنقود بطبيعتها سهلة الجمع والحمل والتحزين علي عكس ملكية األراضي والمواشي والمنقوالت ،كلذلك أدي إلي ثراء بعض الناس ثراءا ً فاحشا ً بينما إزداد الفقراء فقرا ً وعجز الكثيرون منهم عند تسديد ديونهم مما أفقدهم حريتهم وجعلهم عبيد لدائنيهم. ولم يستطيع الفقراء أن يحموا أنفسهم من السلطة المركزة في أيدي األرستقراطيين ،ويصف أرسطو هذا الحال بقوله( لقد أصبحت األرض ملكا ً لعدد قليل من الناس وتعرض الفالحون وزوجاتهم وأبناؤهم للبيع في سوق الرقيق). إال أن الحكم األرستقراطي وقع في الخطأ عندما لم يحاول اإلستجابة لظروف المجتمع وحاجته إلي التغير وحرص األرستقراطيون علي سيطرتهم الطبقية بشكل أزاد سخط الفقراء عليهم ،وقد أدي هذا إلي التمرد والثورة علي حكم االرستقراطيين ،وقد بدأت إرهاصات هذا التمرد في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -99- القرن السابع ق.م ،بإنقالب عسكري قاده كيلون البطل األوليمبي الذي نجح في إحتالل الكروبوليس بالقوة المسلحة ،وحاول إقامه الحكم الفردي المطلق. إال أن محاولته فشلت كما تعرض القائمون بها للقتل غدرا ًبعد أن كان األرستقراطيون قد وعدوهم باألمان وقد سببت هذه األحداث تزايد السخط الشعبي وتفاقمت الضائقة االقتصادية علي الجماهير. قوانني دراكون. عمد األرستقراطيون إلي تهدئة جزئية لطبقة العامة فتم القصاص من القتله بال محاكمة ،كما إتحذت هذه التهدئة أيضا شكل التقنين أو إعالن القانون بما يساعد علي تحديد الجريمة والعقاب ،وكلف دراكون األرخون إبونيموس في عام 621ق.م ،ومجلس المشرعين الستةبإتمام هذه المهمة.وقد حققت هذه القوانين التي عرفت باسم قوانين دراكون تطورات هامة في ميدان الحقوق األساسية للمواطنين حيث سمحت لفئات جديدة من األغنياء الجدد بأن يتولوا منصب األرخون ،كما جعلت محاكمة القتله من سلطة الدولة ممثلة في مجلس األريوباجوس بدالً من رؤساء القبائل والعشائر. ولكن هذه القوانين لم تعالج صلب المشاكل التي كانت تأخذ بخناق الفقراء، كقضية الديون مثالً ،كما أن هذه القوانين إتسمت بقسوة العقاب ،إذ نعرف مما بقي منها ومن التقارير التي ذكرها أرسطو وبلوتارخوس أن عقوبة أي جريمة تافه كانت القتل ،وهذا قد دفع خطيب أثينا ديماديس(320-384 ق.م)أن يصفها بأنها كتبت بالدم ولم تكتب بالمداد.ورغم كل المأخذ علي قوانين دراكون إال أنها كانت الخطوة األولي نحو اإلعتراف بحقوق العامة الذين أصبحت لهم الحقوق أمام القانون ألول مرة في تاريخ أثينا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -100- إصالحات سولون التشريعية. لم تحد قوانين دراكون من سخط وغضب الفقراء الذين كانت أحوالهم تزداد سواءا ً ،فتزايد عدد المعدمين وعدد الذين يقعون في الرق بسبب عجزهم عن سداد ديونهم.وأصبحت أثينا مقبلة علي أحداث متطرفة ال محالة ،لوال ظهور أحد األرستقراطيين المعتدلين ويدعي سولون. عاش سولون في الفترة بين عامي( 558-640ق.م) وكان ينتمي إلي عائلة أرستقراطية تولت الحكم في أثينا في العصور القديمة.وقد عمل سو لون بالتجارة وكان صاحب نفوذ قوي في أثينا.ويبدو أنه قاد األثينيين وأشعل حماسهم بأشعاره الوطنية في معركة إلستعادة سالميس من أيدي الميجاريين حوالي عام 600ق.م ،وفي عام 595ق.م ،وبناءا ً علي ترشيح الطبقة المتوسطة تم إنتخاب سولون باإلجماع أرخونا ً لعام 594ق.م ،وقد كلف بمهمة إعاده تنظيم أمور الدولة ،وإعداد دستور لها. وقد تولي سولون منصب األرخون عدة مرات في الفترة من عام 594 إلي 591ق.م ،ومن عام 591إلي 572ق.م ،وقد قضي مدة حكمه يحاول الوصول إلي حلول ترضي األطراف المتنازعة حتي أطلق عليه اسم األرخون الموفق.فقد قام سولون خالل سنوات حكمه بعدد من اإلصالحات،الهدف منها تخفيف حدة المظالم التي يتعرض لها الفقراء، وإعاده التوازن إلي الدولة التي كانت قد ولت إلي حافة الهاوية.ويمكن إيجاز أهم إصالحات سولون في األتي: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -101- -1ألغي الديون القائمة سواء كانت لإلفراد أم الدولة ،وأطلق سراح الذين أصبحوا عبيدا ً بسبب ديونهم ،كما حرم رهن اإلنسان لنفسه في المستقبل لقاء دين ما. -2إستبدل النظام النقدي المستخدم في أثينا.فألغي نظام مدينة إيجينا،وأقر نظام أيونيا النقدي ،ويقال أنه خفض قيمة العملة ،وقد تباينت األراء في تقدير هذا التعديل وأهدافه.فرأي البعض أنه كان وسيلة قصد بها تعويض المالك عن بعض ما أصابهم من جراء إلغاء الديون ،بينما يري البعض اآلخر أن القرار كان ضربة ثانية للمالك الذين كانوا أصحاب ديون من طرف التجار أو الصناع، حيث خفضت مستحقاتهم بالنسبة المشار إليها.ولكن يبدو أن الهدف األكبر لسولون من هذا التعديل كان إتاحة الفرصة أمام التجارة األثينيه للتطور واإلزدهار باستخدام نظام نقدي كانت تستخدمه المدن األيونية الغنية. -3ألغي سولون أيضا قوانين دراكون التعسفية التي كانت محل شكوي من جميع األثينيين ما عدا عقاب جريمة القتل. -4أصدر سولون عددا ً من التشريعات في الميدان االجتماعي فاعتبر اإلصرار علي البطالة جريمة ،وحث المواطنين علي تعليم أبنائهم الحرف الصناعية ،فسن قانونا ً يعفي الولد من المسؤوليةاتجاه والده المسن ،إذا كان األب لم يعلم ابنه حرفة من الحرف ،وفرض ضريبة علي من يعتدي علي إمرأه حرة ،وأباح قتل المتلبس بجريمه الزنا، ويذكر أن سولون قد قلل من التغالي في مهر الفتيات تشجعيا ً للشباب علي الزواج ،واعتبر اغتياب الموتي أو األحياء جريمة ،وفرض حد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -102- أقصي لما ينفق علي الحفالت حتي ال يثير إسراف األغنياء سخط الفقراء ،وقرر أن تتولي الدوله تربية أبناء المواطنين الذين يقتلون دفاعا ً عن الوطن ،وفرض علي الرجل أن يقسم تركته بين أبنائه في حياته أو أن يوصي بها لمن يشاء إذا لم يكن له أوالد ،وهذا القانون كان أمرا ً جديدا ً حيث كانت تركة من ليس له أوالد تؤول إلي القبيلة من قبل ،كما شجع األجانب من الحرفيين علي اإلستقرار بأسرهم في أثينا وحرم تصدير القمح إلي خارج أثينا حتي ال تقع المضاربة في أقوات الشعب. -5عاقب كل من يواجه بالسلبية محاولة إثارة الفتنة في المدينة أو قلب نظام الحكم بالقوة وكان عقاب السلبي هو فقد المواطن لحقه في المواطنة األثينية. ولكن أعظم آثار سولون كانت دستوره الذي استحدثه ألثينا ،والذي حاول أن يمنع به تصادم المصالح في المدينة ،وأن يمنع سقوط حكم األرستقراطيين وقد مهد لصدور هذا الدستور بالعفو العام عن المسجونين، وسمح بعودة المنفيين إذا لم يكن سبب نفيهم هو محاولة اإلستيالء بالقوة علي السلطة في المدينة ،وكان قد ألغي كذلك قوانين دراكون فيما عدا عقاب القتله.وقد قام دستور سولون علي أساس تغير قاعدة الحكم في المدينة من إعتماد نبل المولد مؤهالً للحكم إلي إعتبار مقدار الثروة مقياسا ً لذلك.فقسم المواطنين إلي أربعة أقسام وهي: الطبقة األولي :وهم الذين يملكون خمسمائة مكيال من الحبوب أو قيمتها سنويا ً ،علما ً بأن المكيال الواحد كان يساوي 51,84لترا من الحبوب.وقد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -103- إنفرد هؤالء في دستور سولون بأحقيتهم في تولي الوظائف الكبري كاألرخون ومناصب القيادة في الجيش. الطبقة الثانية :وهي طبقة الفرسان ،وكانت تضم من يتراوح دخله السنوي ما بين ثالثمائة وخمسمائه مكيال أو قيمتها نقدا وقد إختص هؤالء بعمل الفرسان في الجيش وتولي المناصب األقل أهميه من الطبقة األولي. الطبقة الثالثة :وكانت تضم الحرفيين ،وكان أعضاء هذه الطبقة يحصلون علي دخل سنوي يتراوح بين مائتين وثالثمائة مكيال من الحبوب سنويا. وكانت أفراد هذه الطبقة يحق لهم العمل بالتجارة والحرف وزراعة األرض، وكانوا يتقلدون بعض المناصب الصغري ويخدمون في فرق المشاه ثقيلةالعدة ،وجدير بالذكر أن وصول أحد أفراد هذه الطبقة إلي وظيفة األرخون لم يتم إال في عام 557ق.م ،بعد إعتزال سولون الحكم بأكثر من خمسة عشر عاما ً. الطبقة الرابعة :والتي كانت تضم المواطنين المعدمين األحرار ،وكان هؤالء ال يملكون شيئا ً.وقد حرمهم دستور سولون من تولي الوظائف الرسمية تماما ً وإن كانوا يمدون الجيش بالمشاه خفيفة العدة ،وكان لهم حق عضوية الجمعية الشعبية (اإلكليزيا) كما كان متاح لهم أن يختاروا بالقرعة كمحلفين في المحاكم بال أجر. وهكذا أعطي دستور سولون الحكم لطبقات بعينها وجعل سلطة الرقابة في أيدي طبقات أخري وهو األمر الذي يعتبره البعض المدخل الحقيقي للتطور الديمقراطي األثيني. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -104- اجملالس التشريعية يف دستور سولون. أوالً :مجلس األريوباجوس :لقد أبقي سولون علي مجلس الشيوخ القديم (األريوباجوس) وإن وسع دائرة من يحق لهم عضويته بالسماح ألعضاء الطبقة األولي من غير األرستقراطيين بالتقدم له.وقد ظل هذا المجلس مسيطرا ً علي السلطة العليا في الدولة وحاميا ً للقوانين والدستور والضرائب والرقيب علي األخالق والسلوك العام. ثانياً :مجلس األربعمائة :إستحدث سولون مجلسا ً جديدا ً كان يلي مجلس الشيوخ في السلطة ،وهو مجلس األربعمائة ،وكان هذا المجلس يضم 400 عضواًيمثلون قبائل أثينا األربعة.وكان هذا المجلس يبحث في كل األمور والقوانين التي تعرض علي الجمعية الشعبية. ثالثاً :مجلس الجمعية الشعبية :كانت الجمعية الشعبية تضم كل المواطنين، وكانت توافق أو ترفض الموضوعات التي يتم بحثها في مجلس األربعمائة. وكانت هذه الجمعية صاحبة سلطة إنتخاب األرخونات ،وكان مجلس الشيوخ يتولي هذه المهمه قبل عصر سولون. كان سولون يعلم أن دستوره ليس أفضل الدساتير ولكنه أفضل ما يمكن أن يقدم ألثينا في ظل ظروف عصره ،وينسب إليه قوله ( إن من الصعب علي من يقوم بأعمال عظيمة أن يرضي الجميع).وقد واجه سولون النقد في حياته فهاجمه المتطرفون ألنه لم يصادر ممتلكات األغنياء ولم يعد توزيع الثروة ،وهاجمه األرستقراطيون ألنه قيد نفوذهم وسلطاتهم. وقد بقي سولون في الحكم حتي بلغ السادسة والستين حيث إعتزل العمل السياسي.ولكنه قبل أن يعتزل حصل علي تعهد من المسؤولين في أثينا أال ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -105- يحاولوا تعديل قوانينه قبل عشر سنوات.ثم غادر أثينا حيث زار مصر وتعلم التاريخ في معبد هليوبولس ،كما زار أيضا ً قبرص وليديا وعاد إلي أثينا في النهاية ،حيث شاهد بنفسه إنهيار كل ما بناه بإستيالء بيزستراتوس علي الحكم في أثينا وقيام عصر الطغاه. عصر الطغاه يف أثينا. رغم القسم بعدم تغيير دستور سولون لمدة عشرة سنوات ،إال أن األحزاب الثالثة المضادة المصالح بدأت تستعد ليوم التغير ،وكل حزب منها يأمل في حسم الصدام لصالحه ،وعندما غادر سولون أثينا كان ال يحظي إال بتأييد حزب الشاطئ ،بينما كان حزب السهل األرستقراطي يري في كل ما تم في أيامه انتقاصا ً من سلطاته وحقوقه.وكان حزب الجبل مازال يدعو إلي توزيع الثروة توزيعا ً عادالً. إنتهز بيزستراتوس موجة التطرف رغم أصله النبيل ،وتقدم لقيادة حزب الجبل ثم بدأ يحاول الوصول إلي السلطة ،وكان ذلك أمرا ً شبه مستحيل في ظل تشريعات سولون.فاتجه بيزستراتوس إلي محاولة اإلستالء علي السلطةبشكل غير دستوري.وكانت أمامه أمثلة متعددة لنجاح هذا األسلوب في كورنثا وغيرها.فلجأ بيزستراتوس إلي تكوين قوة مسلحة تساعده في اإلستيالء علي الحكم فجاء إلي الجمعية الشعبية ،وقد تمزقت مالبسه ونزفت جراحه مدعيا ً أن أعدائه السياسيين قاموا باإلعتداء عليه.ورغم اعتراض سولون الذي كان معتزالً للحكم وتحذيره لألثينيين بأنهم ال يدركون غدر بيزستراتوس ،فقد تحمس له قطاع كبير من المجلس وإتخذوا قرارا ً يسمح بأن يتسلح بخمسين حارسا ً لحمايته ولكن بيزستراتوس لم يكتف بخمسين بل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -106- جند لصالحه أربعمائه رجل ،وسرعان ما هاجم األكروبولس وإستولي عليه وأعلن نفسه حاكما ً علي المدينة. تحالفت قوات حزبي الشاطئ والسهل ضد أطماع بيزستراتوس المتطرفة، ونجحت في طرده من أثينا في عام 556ق.م ،ولكن بيزستواتوس تفاهم مع حزب الشاطئ سرا ً مما جعل هذا الحزب يغمض العين عن استعداداته للعودة إلي المدينة.ودخل بيزستراتوس أثينا مرة ثانية وإلي جانبه إمرأه طويلة حسناء تحمل درع اإللهه أثينا بزيها ،وإدعي أن الربه جاءت معه تنصره علي أعداائه.واستطاع بيزستراتوس أن يكسب بهذه الخدعة تأبيد الطبقات الساذجة والمتدينة وإستولي بذلك علي السلطة في عام 550ق.م، ولكنه نقض تحالفه مرة أخري مع حزب الشاطئ الذي إنقلب عليه ونجح في طرده من أثينا ثانيةً في عام 549ق.م ،ولكن بيزستراتوس عاد في عام 546ق.م ،ومعه قوة من الرجال المدربين وهزم األثينيين الذين خرجوا لقتاله وتمكن من إقامة حكمه بالقوة حتي عام 527ق.م. كان بيزستراتوس كما قال أرسطو(معتدالً في حكمه وسار فيه سيرة السياسي ال سير الرجل الظالم المستبد).ولم يكثر في اإلنتقام من أعدائه ونفي عن البالد من فشل في إستمالتهم إليه من المعارضين وقسم أراضيهم علي الفقراء وأصلح الجيش وأنشأ األسطول ونشر األمن والنظام في أثينا.كما استطاع بيزستراتوس أن يكسب عطف الجماهير بتنظيم المهرجانات الدينية كما كرم الربة أثينا اإللهه الحامية للمدينة،فكان يقيم سنويا ً عيدها الذي يسمي باناثينيا ،والذي كانت تلقي فيه مقطوعات الشعر ،وتجري فيه المباريات الرياضية فضالً عن تقديم القرابين لأللهة.ودعم ذلك باإلهتمام بتزين العاصمة حتي تبدو بجمالها وروعتها كأعظم مدينة إغريقية ،كما شجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث – العصر اهليلليين املبكر – عصر دولة املدينة -107- الفنانين من مهندسي العمارة والنحاتين ،ومن أثاره الهامة المعبد الكبير لزيوس في أثينا ،كما حقق أول نسخة معتمدة من أشعار هوميروس.عمل بيزستراتوس علي أن يكون ألثينا مركز الصدارة في بالد اإلغريق ،فشجع الشباب علي إنشاء المستوطنات في إقليم تراقيا شمال شبه جزيرة اليونان، حيث توجد مناجم الفضة حول مضيقي البسفور والدردنيل حتي يضمن سالمة مرور السفن األثينية المحملة بالقمح من سواحل البحر األسود.كما عمل علي تنظيم الزراعة المحلية بتوزيع إقطاعات النبالء المنفيين علي الفالحين المعدمين وأمدهم بالمال الالزم لزراعتها ،كما شجع زراعة أشجار الزيتون لوفرة إنتاجها ورخص تكاليفها وحرص هذا الطاغية علي تشجيع التجارة الخارجية.وباختصار كان بيزستراتوس طاغية مستنيرا ً واستمر في سياسته هذه حتي وفاته عام 527ق.م وتولي الحكم من بعده ابناه هيبياس وهيبارخوس.وقد استمر الحكم لمدة ثالثة عش?