حديث القمر PDF
Document Details
Uploaded by Deleted User
2012
مصطفى صادق الرافعي
Tags
Summary
This is a passionate work by مصطفى صادق الرافعي, reflecting a deep connection and detailed exploration of the relationship between the author's thoughts and the moon and reflection of the natural world. The author's feelings when contemplating on the moon's reflection is detailed and discussed by the author.
Full Transcript
ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﺎدق اﻟﺮاﻓﻌﻲ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﺎدق اﻟﺮاﻓﻌﻲ...
ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﺎدق اﻟﺮاﻓﻌﻲ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﺎدق اﻟﺮاﻓﻌﻲ اﻟﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ١٠٥٨٥٩٧٠ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٧ / ١ / ٢٦ ﻳﻮرك ﻫﺎوس ،ﺷﻴﻴﺖ ﺳﱰﻳﺖ ،وﻧﺪﺳﻮر ،SL4 1DD ،املﻤﻠﻜﺔ املﺘﺤﺪة ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٤٤ (٠) ١٧٥٣ ٨٣٢٥٢٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲ[email protected] : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttps://www.hindawi.org : ﱠ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره ،وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ. ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :إﻳﻬﺎب ﺳﺎﻟﻢ اﻟﱰﻗﻴﻢ اﻟﺪوﱄ٩٧٨ ١ ٥٢٧٣ ٠٤٤٤ ٤ : ﺻﺪر ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻋﺎم .١٩١٢ ﺻﺪرت ﻫﺬه اﻟﻨﺴﺨﺔ ﻋﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻋﺎم .٢٠١٢ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﴩ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﺼﻤﻴﻢ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ُﻣ َﺮ ﱠﺧﺼﺔ ﺑﻤﻮﺟﺐ رﺧﺼﺔ املﺸﺎع اﻹﺑﺪاﻋﻲ :ﻧ َ ْﺴﺐُ ا ُملﺼﻨﱠﻒ ،اﻹﺻﺪار .٤٫٠ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﴩ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻨﺺ اﻟﻌﻤﻞ اﻷﺻﲇ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت 7 ﻏﺮض اﻟﻜﺘﺎب 11 اﻟﻔﺼﻞ اﻷول 17 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ 23 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ 31 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ 35 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ 43 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس 51 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ 63 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ 73 اﻟﻔﺼﻞ اﻷﺧري ﻏﺮض اﻟﻜﺘﺎب ﺑﻘﻠﻢ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﺎدق اﻟﺮاﻓﻌﻲ ﻫﺬه ﻣﻘﺎﻟﺔ ﴏﻓﺖ ﻓﻴﻬﺎ وﺟﻪ اﻟﺤﺪﻳﺚ إﱃ اﻟﻘﻤﺮ وﺑﻌﺜﺖ إﱃ اﻟﻜﻮن ﰲ أﺷﻌﺔ اﻟﻔﺠﺮ ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ. وﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻘﻤﺮ ﺑﻀﻴﺎﺋﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﺒﻮع ﻳﺘﻔﺠﺮ ﰲ ﻧﻔﴘ ،ﻓﻜﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ ﻫﺬا ﻟﻠﻬﻒ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟ ﱢﺮيﱠ وﺗﻨﺪى املﺎء ﻛﺒﺪه ﻓﺄﺣﺲ ﺑﺮوﺣﻪ ﺗﱰاﺟﻊ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻌﺮ اﻟﻈﻤﺂن ِ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺤﺪرﻫﺎ ﻗﻄﺮات املﺎء. اﻟﻐﺰل ﻳﻤﺘﺪ ﻣﻊ ﻟﻴﻼ ﻣﻦ ﻟﻴﺎﱄ اﻟﺠﻤﺎل دوﻧﻪ ﺷﺒﺎب اﻟﺸﺎﻋﺮ ِ وﻧﴩت ﻋﲆ ﺧﻴﻮط اﻟﻘﻤﺮ ً ُ أﻟﺤﺎظ ﻓﺎﺗﻨﺘِﻪ اﻟﺤﺴﻨﺎء ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎر ﰲ آﻓﺎﻗﻪ اﺑﺘﺴﺎﻣﻬﺎ. وﻛﻨﺖ أرى اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﻗﺪ ﺷﻔﺖ ﻟﻌﻴﻨﻲ ﻛﺄﻧﻬﺎ أﺧﺮﺟﺖ ﺣﻘﺎﺋﻘﻬﺎ ﻟﺘﻐﺴﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻇﻨﻮن اﻟﻨﺎس وأوﻫﺎﻣﻬﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﻀﻴﺎء اﻟﺴﺎﻛﻦ املﺮﺗﻌﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﻋَ َﺮ ٌق ﻳﺮﻓﺾ ﻣﻦ ﺟﺒني اﻟﺴﻤﺎء وﻗﺪ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻷﺛﺮ اﻟﺬي ﺗﺮﻛﺘْﻪ ُ ﺗﺨﺸﻌﺖ ﻣﻦ ﺟﻼل ﷲ وﺧﺸﻴﺘﻪ إذ ﻳَﺘَﺠَ ﲆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻤﺎ ﱠ ﺗﻠﻚ اﻟﺮؤﻳﺔ ﰲ ﻧﻔﴘ ﺣﺘﻰ رأﻳﺖ ﻫﺬه املﻘﺎﻟﺔ ﰲ ﻳﺪي وﻛﺄﻧﻲ أﺣﻤﻠﻬﺎ رﺳﺎﻟﺔ ﺗﻌﺰﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ إﱃ اﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ وأﻧﺎ أرﺟﻮ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻗﺪ أوﺣﺖ إﱄ ﱠ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺟﺎة اﻷﻧﺒﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻬﻞ ﰲ ﺳﻜﻮن اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻴَﻌِ ﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ ذاﻛﺮة اﻟﺪﻫﺮ ،وأن ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﺑﺜﺖ ﰲ أﻟﻔﺎﻇﻲ ﺻﺪَى ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻐﻤﺎت اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺘﻐﻨﻰ ﺑﻬﺎ أﻃﻔﺎل اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﺘﺨﺮج ﻣﻦ أﻓﻮاﻫﻬﻢ َ ﻣﻤﺰوﺟﺔ ﺑﺤﻼوة اﻹﻳﻤﺎن اﻟﻔﻄﺮي ،وﺗﺬﻫﺐ ﰲ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﺘﻬﺎدﺑﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻃﺎﺋﺮة ﺑﺮوح ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ اﻃﻤﺌﻨﺎن ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،وﺗﺴﻴﻞ ﰲ ﺿﻮء اﻟﺼﺒﺎح وﻇﻞ اﻟﺸﻤﺲ وﻧﻮر اﻟﻘﻤﺮ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﰲ ﺟﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ أﻓﻜﺎر ﻃﻴﻮر ﻣﻐ ﱢﺮدة ﺗﺪور ﻋﲆ أﻟﺴﻨﺘﻬﺎ … … وﻛﺘﺒﺘﻬﺎ وأﻧﺎ آﻣﻞ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻗﺪ أﻟﻘﺖ ﰲ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺑﺬو ًرا ﻣﻦ ﻋﻨﺎﴏ اﻟﺘﺤﻮل اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺗﺰﻛﻮ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻮ ﻧُﻘِ ﻠﺖ إﱃ ﺟﻮاﻧﺢ اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻟﻌﺎﺷﺖ ﺑﻬﺎ … وﻫﺬه اﻟﻨﻔﻮس اﻟﺘﻲ ﺗﺬل ﻷﺣﻘﺮ ﻣﻦ ﰲ اﻷرض وﻻ ﺗﺜﻮر إﻻ ﻋﲆ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻫﺬه اﻟﻌﻘﻮل اﻟﺘﻲ ﺗﺎرﻳﺨﺎ أرﺿﻴٍّﺎ ﻳﺒﺘﺪي وﻳﻨﺘﻬﻲ ﰲ اﻟﱰاب ﻓﺘﻜﻮن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ ً ﺗﺤﺎول أن ﺗﻜﺘﺐ ﻟﻠﺮوح اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺪرﻛﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺴﺒﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﻫﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺪرك اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ … … وﻛﺘﺒﺘﻬﺎ وأﻧﺎ أﻃﻤﻊ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻗﺪ ﻧﻔﺨﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻧَﺴﻤَ َﺔ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻠﻌﻮاﻃﻒ املﻴﺘﺔ ا ُمل ْﺪ َرﺟﺔ ﰲ أﻛﻔﺎن ﻣﻦ اﻟﺤﻮادث اﻟﺪﻧﻴﺌﺔ؛ ﻓﺈن ﻫﻤﻮم اﻟﻌﻴﺶ ﻻ ﺗُﻤﻴﺖ ﻣﻦ ﻋﻮاﻃﻒ اﻟﻘﻠﻮب إﻻ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﺗﺴﺘﻤﺪ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ روح اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮن اﺳﺘﻤﺪادﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺎدﺗﻬﺎ ﻓﺘﺤﻴﺎ ﺑﺨﱪ وﺗﻤﻮت ﺑﺨﱪ ،وﻗﺪ ﺗﻤﴤ ﻛﺎﻟﻮﺣﺶ اﻟﺬي ﻳﺮﻣﻴﻪ اﻟﺼﺎﺋﺪ وﻻ ﻳﺼﻤﻴﻪ ﺣﺎﻣﻼ ﺟﻨﺒﻪ وﰲ ﺟﺮﺣﻪ املﻮت واﻟﺤﻴﺎة ﻣﻌً ﺎ … ً ﻓﻴﻨﻔِ ﺮ … وﻛﺘﺒﺘﻬﺎ أﺗﻨﺎول أﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﻟﺴﺎﻧﻲ وأﻛﺸﻒ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ وأﻧﻘﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻟﻮان اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻮﱢر أﺣﻼم اﻟﻨﻔﺲ وﺧﻴﺎﻻﺗﻬﺎ ،وأﻧﺎ أرﺟﻮ أن أﻛﻮن ﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻟﻄﻠﺒﺔ اﻹﻧﺸﺎء املﺘﻄﻠﻌني ﻟﻬﺬا اﻷﺳﻠﻮب أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﺘﺼﻮﱡر اﻟﻜﺘﺎﺑﻲ اﻟﺬي ﺗﻮﺿﻊ أﻣﺜﻠﺘﻪ وﻻ ﺗﻮﺿﻊ ﻗﻮاﻋﺪه؛ ﻷن ﻫﺬه اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ إﻟﻬﺎ ٌم ﻳﻨﺘﻬﻲ إﱃ اﻹﺣﺴﺎس ،وإﺣﺴﺎس ﻳﻨﺘﻬﻲ َ إﱃ اﻟﺬوق ،وذوق ﻳﻔﻴﺾ اﻹﺣﺴﺎس واﻹﻟﻬﺎم ﻋﲆ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻓﻴﱰك ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎة ﻛﺤﻴﺎة ﺗﺴﺘﺤﻮذَ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺘﻜﻮن ِ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻻ ﺗﺪاﺧِ ُﻞ اﻟﺮوح ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﺒﺪ ﺑﻬﺎ ،وﻻ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﺣﺘﻰ ﻟﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻓﻜﺮة ﰲ ذاﺗﻪ. وﻛﻞ ﻋﻠﻮم اﻟﺒﻼﻏﺔ إﻧﻤﺎ ﺗﺪور ﻋﲆ ﴍح أﻣﺜﻠﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ وﻏري ﺑﻠﻴﻐﺔ.ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﺎﺗﺐ ﻳﺤﺎول أن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﺗﺼﻮ َره ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻮم ﻋﲆ أن ﻳﻨﺰﻟﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻷﺻﻮل واﻟﻀﻮاﺑﻂ إﻻ اﻧﺘﻬﻰ إﱃ ﻣَ ﻠﻜﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺗﺘﺼﻞ ﻣﻨﻪ ﺑﻌﻘﻞ ﺟﺎﻣﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﻏﻼف ﻟﻔﻈﻲ ﻧﺴﺠﺘﻪ اﻟﻘﻮاﻋﺪ واﻷﻣﺜﺎل، ﻓﺈﱃ أن ﻳَﻌﻘﺪ املﻮت ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻤﺮه ﻗﺪ أرﺑَﺖ ﰲ اﻟﺒﻼﻏﺔ ﻋﲆ ﺛﻤﻦ ﻛﺘﺎب ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻮم اﻟﺒﻼﻏﺔ … وﻻ ﻏﺮو ﻓﺈن ﻣﻦ ﺿﻼل اﻟﻌﻘﻞ أن ﻳﻌﻤﻞ املﺮء ملﻘﺪﻣﺎت ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔ ﻳُﻨﺘﺞ ﺑﻌﻀﺎ وﻟﻴﺲ ملﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ. ﺑﻌﻀﻬﺎ ً ً )ﺑﻠﻴﻐﺎ( ﰲ َرﺟْ ﻊ أﻣﺮه أﻧﻪ ﻻ ﻳﺰال ﻳﻨﴩ أذﻧﻴﻪ ﻋﲆ اﻟﺒﻼﻏﺔ ﻃﻤﻌً ﺎ وﺣﺴﺐ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻓﻴﻬﺎ وﻫﻮ ﻣﻮﻗﻦ ﺑﺎﻟﻴﺄس ﻣﻨﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﴐب ﻣﻦ املﻄﻤﻊ ﻻ ﺗُﺒﺘﲆ اﻟﻨﻔﻮس ﺑﺄﺷﺪ ﻣﻨﻪ ،ﺣﺘﻰ إن ﻧﻔﺲ اﻷﺛﻴﻢ اﻟﺬي أﻧﺴﻠﺦ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻟﺘَ َﻘ ﱡﺮ ﻋﲆ ﻛﺜري ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻌﺬاب وﻻ ﻳﻌﺬﺑﻬﺎ ﳾء ﻛﺮؤﻳﺔ ﻫﺬا املﺠﺮم ﻟﻠﻔﻀﻴﻠﺔ ﰲ ﻏريه وﻫﻮ ﻳﻌﺮف أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺤﺮزﻫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ. 8 ﻏﺮض اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺒﻼﻏﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎء ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﺎ ﻋﲆ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﺧ ﱠﻠﻄﻮا ﻻ ﺗﻌﺪو ﻛﻠﻤﺘني :ﻗﻮة اﻟﺘﺼﻮر ،واﻟﻘﻮة ﻋﲆ ﺿﺒﻂ اﻟﻨﺴﺒﺔ ﺑني اﻟﺨﻴﺎل واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؛ وﻫﻤﺎ ِﺻﻔﺘﺎن ﻣﻦ ُﻗﻮى اﻟﺨﻠﻖ ﺗﻘﺎﺑﻼن اﻹﺑﺪاع واﻟﻨﻈﺎم ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وﺑﻬﻤﺎ ﺻﺎر أﻓﺮاد اﻟﺸﻌﺮاء واﻟ ُﻜﺘﱠﺎب ﻳﺨﻠﻘﻮن اﻷﻣﻢ ﺧﻠﻘﺎ ،ورب ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ أﺣﺪﻫﻢ ﺗﻠ ُﺪ ﺗﺎرﻳﺦ ﺟﻴﻞ. اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ً ﻓﺈذا ﻣُﺴﺦ اﻟﺘﺼﻮر ﰲ اﻹﻧﺸﺎء ﻓﺠﺎء ﻛﺘﺼﺪﱡر املﺮﻳﺾ ،وﺛﺮد اﻟﺨﻴﺎل ﻓﺬﻫﺐ ﻛﺨﻴﺎل املﺠﺎﻧني ،وأدﻳﺮ اﻹﻧﺸﺎء ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﲆ أﻧﻪ ﺑﻠﻴﻎ ،ﻓﺎﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﺑﻼﻏﺔ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺬاﻫﺒﺔ ﰲ ً ﻣﺮﺿﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ وﻟﻘﺪ اﻹﻧﺤﻼل ﺑﺂﻓﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎع وأﻣﺮاﺿﻪ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ﰲ اﺻﻄﻼح ﻓﺸﺎ ذﻟﻚ ﰲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺣﻮال اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻟﻠﻬﺠﺮة إﱃ ﻋﻬﺪﻧﺎ ،ﻓﺜ َ ﱠﻢ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻜﺘﱠﺎب ﺑﻼ ﺷﻌﺮ وﻻ ﻛﺘﺎﺑﺔ1. وﻣﺎ اﻟﺒﻠﻴﻎ إﻻ ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺆﺗﻴﻚ ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻷﺷﻴﺎء — اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ — ﰲ ﻏريُ ﺻﻮرﻫﺎ ،ﺛﻢ أﻧﺖ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ إﻻ ﰲ ﺻﻮرﻫﺎ ،ﻓﻜﺄﻧﻪ ﻧﺎﺳﺐ ﺑني ﻗﻮﺗﻬﺎ وﺿﻌﻔﻚ ﺿﻌﻔﻚ ،وﺣﻘﻴﻘﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ َ ﺑﺼﻨﺎﻋﺘﻪ وﺳﺤﺮه؛ إذ ﻳﻤﺎزﺟﻬﺎ ﺑﺨﻴﺎل ﻗﻮي ﻛﺎﻟﻌﻘﻞ ﻳﻮازن ﻛﺎﻟﻘﻠﺐ ﺗﻮازن ﻗﻮﺗﻬﺎ؛ وﻫﻮ ﻻ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﻋﲆ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ إﻻ ﺑﺘﺼﻮره ،وﻻ ﻳﺴﺘﻬﻮي ﻃﺒﻴﻌﺘﻚ إﻻ ﺑﻘﺪرﺗﻪ ﻋﲆ ﺿﺒﻂ اﻟﻨﺴﺒﺔ ﺑﻴﻨﻚ وﺑﻴﻨﻬﺎ. ﻓﺎﻟﺒﻠﻐﺎء ﻫﻢ أرواح اﻷدﻳﺎن واﻟﴩاﺋﻊ واﻟﻌﺎدات ،وﻫﻢ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض ،وإذا ً ﺗﺎرﻳﺨﺎ ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ﺷﻬﺪ ﻋﴫ ﻣﻦ اﻟﻌﺼﻮر أﻣﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻠﻴﻎ ﻓﺬﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﻌﴫ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﻷﺿﻌﻒ ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻷﻣﻢ. وﻛﺘﺒﺖ ﻫﺬه املﻘﺎﻟﺔ وﺑﺤﺴﺒﻲ ﻣﻨﻬﺎ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ذُﺧﺮﻫﺎ ،وﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﺎل ﺷﻜ ُﺮﻫﺎ ،وﻋﻨﺪ ﷲ أﺟ ُﺮﻫﺎ. 1ﺳﺘﻈﻬﺮ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺒﺴﻮﻃﺔ ﰲ ﻣﻮﺿﻌﻬﺎ ﻣﻦ املﺠﻠﺪ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ »ﺗﺎرﻳﺦ آداب اﻟﻌﺮب« ﻋﻨﺪ اﻟﻘﻮل ﻋﲆ اﻹﻧﺸﺎء اﻟﻌﺮﺑﻲ وأﺳﺎﻟﻴﺒﻪ وﺗﺎرﻳﺨﻪ. 9 اﻟﻔﺼﻞ اﻷول أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ! اﻵن وﻗﺪ أﻇﻠﻢ اﻟﻠﻴﻞ وﺑﺪأت اﻟﻨﺠﻮم ﺗﻨﻀﺢ وﺟﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﻴﺖ ﻣﻦ ﻃﻮل ﻣﺎ اﻧﺒﻌﺜﺖ ﰲ اﻟﻨﻬﺎر — ﺑﺮﺷﺎش ﻣﻦ اﻟﻨﻮر اﻟﻨﺪيﱢ ﻳﺘﺤﺪر ﻗﻄﺮات دﻗﻴﻘﺔ ﻣﻨﺘﴩة ﻛﺄﻧﻬﺎ أﻧﻔﺎس ﺗﺘﺜﺎءب ﺑﻬﺎ اﻷﻣﻮاج املﺴﺘﻴﻘﻈﺔ ﰲ ﺑﺤﺮ اﻟﻨﺴﻴﺎن اﻟﺬي ﺗﺠﺮي ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻜﺒرية ﻣﻦ ﻗﻠﻮب ﻋﺸﺎق ﻣﻬﺠﻮرﻳﻦ ﺑﺮﺣﺖ ﺑﻬﻢ اﻵﻻم ،واﻟﺰوارق اﻟﺼﻐرية ﻣﻦ ﻗﻠﻮب أﻃﻔﺎل ﻣﺴﺎﻛني ﺗﻨﺘﺰﻋﻬﺎ ﻣﻨﻬﻢ اﻷﺣﻼم ،ﺗﻠﻚ ﺗﺤﻤﻞ إﱃ اﻟﻐﻴﺐ ﺗﻌﺒًﺎ وﺗﺮﺣً ﺎ ،وﻫﺬه ﻟﻌﺒًﺎ وﻓﺮﺣً ﺎ واﻟﻐﻴﺐ ﻛﺴﺠ ﱢﻞ أﺳﻤﺎء املﻮﺗﻰ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ اﻷﻟﻘﺎب ،وﺗﺘﺒﺎﻳﻦ اﻷﺣﺴﺎب واﻷﻧﺴﺎب ،وﺗﺘﻨﺎﻓﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺸﻴﺐ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺸﺒﺎب ،وﻫﻮ ﻳﻌﺠﺐ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﺑﻐري اﺳﻤﻪ وﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن أﻧﻪ ﻛﺘﺎب ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻋﴫ ﻣﻦ ﻋﺼﻮر اﻟﱰاب. … واﻵن وﻗﺪ ﺑﺪأت اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗﺘﻨﻬﺪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗُﻨ َ ﱢﻔﺲ ﺑﻌﺾ أﻛﺪارﻫﺎ ،أو ﻫﻲ ﺗُﻤﲇ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب اﻷﺳﻮد أﺧﺒﺎر ﻧﻬﺎرﻫﺎ ،وﺑﺪأ ﻗﻠﺒﻲ ﻳﺘﻨﻔﺲ ﻣﻌﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﺻﻐﺮى.ﺑﻞ ﻃﺒﻴﻌﺔ أﺧﺮى ،وهلل ﻣﺎ أﻛﱪ ﻗﻠﺒًﺎ ﻳﺴﻊ اﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﻠﻘﺎء إﱃ ذﻛﺮاﻫﺎ ،وﻣﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﺼﺒﻲ اﻷوﱃ إﱃ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ أو اﻟﻨﺎر ﰲ أﺧﺮاﻫﺎ ،إن ﻫﺬا ﻟﻬﻮ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺬي ﺗﺮى ﻓﻴﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻛﺘﺎب دﻳﻨﻬﺎ املﻘﺪس ،ﻓﺈذا ﻟﺤﻖ اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻪ ﺑﺮﺑﻪ ﺗﻨﺎوﻟﺘﻪ وﻫﻲ ﺟﺎﺛﻴﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﰲ ﺻﻼة اﻟﺤﺰن ،ﺛﻢ ﻗ ﱠﻠﺒﺘﻪ ﻣﺘﻠﻬﻔﺔ ،ﺛﻢ ﻗﻠﺒﺘﻪ ﻣﺘﺨﺸﻌﺔ ﺛﻢ أودﻋﺘﻪ ﰲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻷﺑﺪ ﻷﻧﻪ ﺗﺎرﻳﺦ ﻗﻠﺐ آﺧﺮ ،ﺑﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ املﻮﺳﻮﻋﺎت اﻟﻜﱪى اﻟﺘﻲ ﻳﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻫﺮ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺗﻌ ﱠﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻪ أن ﻳﺒ ِﺪﺋُﻮا ﻟﻐﺎﺗﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺑﺤﺮف »اﻷﻟﻒ« ﻻ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ أﻗﴡ اﻟﺤﻠﻖ … ﺑﻞ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ أﻗﴡ اﻟﻘﻠﺐ ،ﺑﻞ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ أﻗﴡ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﺑﻞ ﻷﻧﻪ أول اﺳﻢ »آدم« ذﻟﻚ اﻟﻌﻠﻢ اﻷول ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺐ. ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ رﻗﺖ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﺴﻤﺎء رﻗﺔ املﻨﺪﻳﻞ ،أﺑﻠﺘﻪ ُﻗﺒَﻞ اﻟﻌﺎﺷﻖ ﰲ ﺑﻌﺎد ﻃﻮﻳﻞ، … واﻵن وﻗﺪ ﱠ أو ﻫﺠﺮ ﻏري ﺟﻤﻴﻞ ،وﺗﻸﻷت اﻟﻨﺠﻮم ﻛﺎﻻﺑﺘﺴﺎم اﻟﺤﺎﺋﺮ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻲ اﻟﺤﺴﻨﺎء اﻟﺒﺨﻴﻠﺔ ﺣرية اﻟﻘﻄﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺪى إذ ﺗﻠﻤﻊ ﰲ ﻧﻮر اﻟﻀﺤﻰ ﺑني ورﻗﺘني ﻣﻦ اﻟﻮرد؛ وأﻗﺒﻞ اﻟﻔﻀﺎء ﻳُﴩق ﻣﻦ أﺣﺪ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﻛﺎﻟﻘﻠﺐ اﻟﺤﺰﻳﻦ ﺣني ﻳﻨﺒﻊ ﻓﻴﻪ اﻷﻣﻞ ،وﻣ ﱠﺮت اﻟﻨﺴﻤﺎت ﺑﻠﻴﻠﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗِ ﻄﻊ رﻗﻴﻘﺔ ﺗﻨﺎﺛﺮت ﰲ اﻟﻬﻮاء ﻣﻦ ﻏﻤﺎﻣﺔ ﻣﻤﺰﻗﺔ وأﻗﺒﻠﺖ ﻛﻞ ﻧﻔﺲ ﺷﺠﻴﺔ ﺗﺮﺳﻞ آﻣﺎﻟﻬﺎ إﱃ ﻧﻔﺲ أﺧﺮى ﻛﺄن اﻵﻣﺎل ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ أﺣﻼم اﻟﻴﻘﻈﺔ ،وﻧﻈﺮ اﻟﺤﺰﻳﻦ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ،واﻟﻌﺎﺷﻖ ﰲ ﻗﻠﺒﻪ؛ وﻧﺎم ﻗﻮم ﻗﺪ َﺧ َﻠﺖ ﺟﻨﻮﺑﻬﻢ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻧﻔﻮس وﻻ ﻗﻠﻮب ،وﻟﺒﺲ اﻟﻜﻮن ﺗﺎﺟﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﺄﴍق ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﻤﺮ. واﻵن وﻗﺪ ﻃﻠﻌﺖ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ﻟﺘﻤﻸ اﻟﺪﻧﻴﺎ أﺣﻼﻣً ﺎ وﺗُﴩف ﻋﲆ اﻷرض ﻛﺄﻧﻚ روح اﻟﻨﻬﺎر املﻴﺖ ﻣﺎ ﻳﻨﻔﻚ ﻳﺘ ﱠﻠﻤﺲ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺴﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﻔﺬًا ﻓﻴﻐﻴﺐ ،ﻓﻬﻠ ﱠﻢ أﺑﺜﻚ ﻧﺠﻮاي أﻳﻬﺎ اﻟﺮوح املﻌﺬب ،وأﻃﺮح ﻣﻦ أﺷﻌﺘﻚ ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻌﲇ ﱠ أﺗﺒني ﻣﻨﺒﻊ اﻟﺪﻣﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻪ ﻓﺄﻧﺰﻓﻬﺎ.إن روﺣﻲ ﻻ ﺗﺰال ﰲ ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺤﺲ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗُﺠﻬﺶ ﻟﻠﺒﻜﺎء ﻣﺎ داﻣﺖ.ﻫﺬه اﻟﺪﻣﻌﺔ ﻓﻴﻪ ﺗﺠﻴﺶ وﺗﺒﺘﺪر ،وﻟﻜﻦ إذا أﻧﺎ ﺳﻔﺤﺘﻬﺎ وﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﺄﺷﻌﺘﻚ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ املﺴﱰﺳﻠﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ َﻏﺰﱄ ﻳﺤﻤﻠﻪ اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻔﺎﺗﺮ ﻓﻼ ﺗُﻠﻘﻬﺎ ﻋﲆ اﻷرض أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ،ﻓﺈن اﻷرض ﻻ ﺗﻘﺪﱢس اﻟﺒﻜﺎء ،وﻛﻞ دﻣﻮع اﻟﻨﺎس ﻻ ﺗُﺒ ﱡﻞ ﻇﻤﺄ اﻟﻨﺴﻴﺎن وﻟﻮ اﻧﺤﺪرت ﻛﺎﻟﺴﻴﻞ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ً ﺑﻌﻀﺎ. أرأﻳﺖ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺼﺎﰲ اﻟﺬي ﻳﺠﺮي ﻛﺄﻧﻪ دﻣﻮع اﻟﺴﺤﺮ ﻣﻦ أﺟﻔﺎن ﻫﺎروت وﻣﺎروت.وﻳﻄﺮد ﺑﺠﻤﻠﺘﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻫﺎرﺑﺔ ﰲ اﻷرض؛ وﻫﻞ ﺗُﺒﴫ ﰲ ﺷﺎﻃﺌﻪ ﻳﺘﺼﻔﺤﻬﺎ اﻟﻬﻮاء؟ ﻫﺬه ﻫﻲ ﻣﺜﺎل ﱠ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻨﺎﴐة املﻤﺘﻠﺌﺔ ﺑﺎﻷوراق ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻜﺘﺒﺔ ٍ ﺟﺎف اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻓﻜﻞ ﺣﻜﻴﻢ ﻻ ﻳﻨﺒﺖ ﻋﲆ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺪﻣﻮع اﻟﴩﻳﻔﺔ ﻓﻬﻮ ﻓﻴﻠﺴﻮف ﻧﺒﺖ ﰲ ﺷﺎﻃﺌﻪ ،وﻫﻲ أﻃﻬﺮ ﳾء ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ ﺟﻠﻮد اﻟﻜﺘﺐ؛ وﻣﺎ دﻣﻌﺘﻲ إﻻ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺬي ﱡ وأﺻﻔﺎه؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻨﺎﴏ ﺗﻘﺎﺑﻞ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻳﻘﺎﺑﻞ ﻋﻨﴫ اﻟﻨﺎر ،وﻣﻦ اﻟﻠني اﻟﺬي ﻳﻘﺎﺑﻞ ﻋﻨﴫ اﻟﻬﻮاء ،وﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء اﻟﺬي ﻳﻘﺎﺑﻞ ﻋﻨﴫ املﺎء. ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻣَ ﻦ ﻋَ َﴫ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻓﻘﺪ ﺑﻜﻰ؛ إن اﻟﺒﻜﺎء ﻷﴍف ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وﻛﻤﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﻀﺤﻚ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺣﺮﻛﺔ ﰲ اﻷﻓﻮاه ﺗﺒﻌﺜﻬﺎ اﻟﻌﺎدة ﻛﺤﺮﻛﺔ اﻟﺤﻮاس اﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ﻓﻴﻀﺤﻚ املﺮء وﻗﻠﺒﻪ ﺻﺎﻣﺖ، ً ﺣﺎﺳﺔ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻤﺮﻳﻨﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺎء ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﻠﻢ اﻷﳻ؛ ﻷن ﰲ اﻟﻌني ﺗُﺴﻤﻰ ﺣﺎﺳﺔ اﻟﺪﻣﻮع. ً ﻣﻘﺒﻼ ﻋﲇ ﱠ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ :ﺗﺮى ﻣﻦ أﻳﻦ ﻳُﺬﺑﺢ اﻹﻧﺴﺎن وﻣﺎ إن ﻟﻘﻴﺖ ﺑﺎﻛﻴًﺎ إﻻ رأﻳﺖ وﺟﻬﻪ إذا ﻛﺎﻧﺖ دﻣﻮﻋﻪ ﻫﻲ دﻣﺎء روﺣﻪ؟ ذﻟﻚ ﻷن اﻟﺪﻣﻮع ﻟﻢ ﺗَﻌُ ﺪ ﻋﲆ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ دﻣﻮﻋً ﺎ ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﻋﻼﻣﺎت اﻷﻟﻢ أو اﻟﺴﺨﻂ.اﻷﻟﻢ ﻣﻦ املﺨﻠﻮق واﻟﺴﺨﻂ ﻋﲆ اﻟﺨﺎﻟﻖ ،ﻓﻬﻲ أﻟﻔﺎظ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ اﻟﻌﺠﺰ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن أﻓﺼﺢ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻷداء ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺴﻔﺎه واﻟﻐﻴﻆ واﻟﺤﻨﻖ وﻣﺎ إﻟﻴﻬﺎ. 12 اﻟﻔﺼﻞ اﻷول وﻟﻜﻦ اﻟﺒﺎﻛﻲ ﺑﻬﺎ ﻻ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ ﻗﻮة اﻟﺠﺮاءة ﻣﺎ ﻳﺮﻓﻊ ﺻﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﺣﻔﺮة اﻟﺤﻠﻖ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻇﺎ ﻛﺜرية ﻣﻦ ﻋﺒﺎرات اﻟﺬل واﻟﺘﻤﻠﻴﻖ ﻓﻼﺗﻤﺘﻠﺊ ،ﻣﻊ أن ﻧﻔﺲ اﻟﺤﺮ ﺗَ ِﺌ ُﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻳﻮم أﻟﻔﺎ ً ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻬﺎ ،وﺗﺌﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﺬﻟﻴﻞ ﻛ ﱠﻞ أﻟﻔﺎظ اﻹﺑﺎء واﻷﻧﻔﺔ ﻓﻼ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻮاﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﻟﻌﺠﺰ اﻟﺒﺎﻛﻲ وﻟﻀﻌﻒ إﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺎﻟﺬل اﻟﺴﻴﺎﳼ ،أو ﻟﻀﻌﻒ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮى اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ، ﻓريﻓﻊ ﺻﻮت روﺣﻪ وﻫﻲ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻌني ﺑﻬﺬه املﻌﺎﻧﻲ اﻟﺴﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ اﻟﺪﻣﻮع. أرﻳﺪ أن أﺑﻜﻲ ﺑﻜﺎﺋﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ،ﻷﻧﻪ ﻳﺨﻴﻞ إﱄ ﱠ أن ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻛﺜرية ﺗﻐﺘﺴﻞ ﺑﺪﻣﻮﻋﻲ؛ وإﻧﻲ ﻻ أﻛﻮن ﰲ ﺣﺎﺳﺔ إﱃ اﻟﺒﻜﺎء إﱃ ﺣني ﺗﻜﻮن ﻫﻲ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﺪﻣﻮع ،وﻟﻘﺪ ﺗﺼﻔﺢ اﻷﺳﻔﺎر ،واﺿﻄﺮاب ﻧﻔﴘ ﰲ ﻣﺘﺎﺣﻒ اﻵﺛﺎر ،واﺧﺘﻼج ﱡ ﺷﻌﺮت ﻣﺮا ًرا ﺑﺤﺮﻛﺔ ﻋﻘﲇ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ ﰲ ﻣﻌﺎﺑﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺠﺒﺎل ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ أﺣﺠﺎر؛ ﻓﻤﺎ أﻓﺪت ﻣﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﺎ أﻓﺪﺗُﻪ ﻣﻦ دﻣﻌﺔ ﺗﻔﻮر ﰲ ﺻﺒﻴﺒﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ روح ﻋﺎﺷﻖ ﻳﻄﺎردﻫﺎ املﻮت ﺑني ﻳﺪي ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ ﻓﺈن ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻣﻌﺔ ﺛﻮاب ﻛﻞ آﻻﻣﻲ ،وﻳﻘﻈﺔ ﻛﻞ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﻦ أﺣﻼﻣﻲ. وﻣﺎ زﻟﺖ ﺣﺎﺋ ًﺮا ﰲ أﻣﺮ ﻣﺸﺘﺒﻪ ﻻ أﺻﻴﺐ اﻟﻮﺟﻪ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻼ أدري إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺪﻣﻮع املﺘﺴﺎﻗﻄﺔ ﺗﻨﻘﺾ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻴﻨﻬﺪ ،أو ﻫﻲ ﺗﻀﺎف إﻟﻴﻪ ﻟﻴﺸﺘﺪ :ﻓﺈﻧﻲ أرى أﻗﻮاﻣً ﺎ ﻳﺤﻴَﻮْن ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع وآﺧﺮﻳﻦ ﻳﻤﻮﺗﻮن ﺑﻬﺎ ،وﻟﻌﻞ ﻋني اﻹﻧﺴﺎن ﻣُﻠﺌﺖ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ أﺻﻞ اﻟﻔﻄﺮة ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻨﺎدق ﻣﺴﺘﻔﻴﻀﺔ ﺣﻮل اﻟﺮوح ﻓﻼ ﻳﻘﺘﺤﻤﻬﺎ اﻟﻔﻜﺮ وﻻ ﻳُﺮى أﺑﺪًا إﻻ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ، وﻟﻮﻻ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺑﻘﻴﺖ اﻟﺮوح ﻣﻦ أﻣﺮ ﷲ ،أوﻟﺴﻨﺎ ﻧﺮى اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﻜﻮن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺎء واﻟﺠﻬﺎل ﻋﲆ اﻟﺴﻮاء ﻳﺆﻣﻠﻮن أن ﻳﺪرﻛﻮا ﻣﻦ أﴎار اﻟﺮوح ﻛﺜريًا إذ ﻳﺮون ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻨﺎدق ﻗﺪ أﺧﺬت ﺗﻤﺞﱡ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻜﺄﻧﻬﻢ ﺑﺎملﺎء ﻗﺪ ﻏِ ﻴﺾ وﻛﺄﻧﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻗﺪ ُﻗﴤ؟ وﻟﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺲ إﻟﻪ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﺻﺎﺑ ًﺮا وﻳﺼﱪ ﺑﺎﻛﻴًﺎ ،وﻣﺘﻰ اﻧﻜﺸﻔﺖ أرض اﻟﺨﻨﺎدق اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻇﻬﺮت ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻔﺮة اﻟﻘﱪ ،وﻛﺎﻧﺖ آﺧﺮ دﻣﻌﺔ ﺗﺠﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻲ دﻣﻌﺔ املﻮت. ﺑﻴﺪ أن اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﻴﺊ ﻟﻠﺒﺎﺋﺴني ذﻟﻚ اﻷﻣﻞ ﺑﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﺗﻔﻴﺾ أﻋﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻊ، ﻫﻲ ﰲ رأي اﻟﻨﺎس ﻋﻠ ٌﻢ وﻓﻠﺴﻔﺔ؛ ﻷن اﻟﺠﻬﻞ ﰲ اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﺣ ﱠﺪ ﻟﻪ ،ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻇﻔﺮ ﺑﻪ ﻋﺪﱠه ﺣﺪٍّا ﻋﻠﻤﻴٍّﺎ؛ أوﻻ ﺗﺮى أن أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت واﻟﴩاﺋﻊ ﻗﺪ ﺗﺤﻮل إﱃ ﺣﺠﺎرة اﻟﺒﻴﻊ واﻟﺼﻮاﻣﻊ ﺗﻔﻬﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ واملﺴﺎﺟﺪ واﻷﴐﺣﺔ واﻟﺤﺒﻮس وﻛﺜري ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻫﺬه اﻷﺑﻨﻴﺔ ِ ﴐوب املﻌﺎﻧﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻔﻬﻤﻬﻢ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ﰲ اﻷرض ،واﻷرﺿﻴﺔ ﰲ اﻟﺴﻤﺎء؟ ﻣﺎ ﱄ وﻟﻚ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ﻻ أﺣﺐ أن أﻓﻴﺾ ﻋﻠﻴﻚ دﻣﻌﺘﻲ ﻓﻘﺪ ﺗﺮى ﻓﻴﻬﺎ أﺷﻌﺔ ﻛﺜرية ﻣﻦ أﻟﻮان اﻷﴎار املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﻞ أﻧﺎ أراﻫﺎ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ وﻗﺪ اﺷﺘﻤﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺤﺰﻳﻦ ،ﺧﻴﺎ ُل ﻫﺬا اﻷﻣﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﻤﻴﻪ اﻟﻨﺎس »اﻟﺤﺐ« وﺗﺴﻤﻴﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ »اﻟﺤﻴﺎة املﻌﺬﺑﺔ« ﻷن اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﻣﻀﻮا 13 ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ ﻋﲆ أن ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮا اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إﻻ ﺑﺄوﺻﺎﻓﻬﺎ ،وﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻣﻦ أوﺻﺎﻓﻬﺎ إﻻ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺮف إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،أﻣﺎ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻮي اﻟﴪ املﺤﺰن ﻓﻬﺬا ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﻳﻔﻬﻢ ﻟﻐﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وﻣﺎ ﻟﻐﺘﻬﺎ إﻻ أﻓﻌﺎﻟﻬﺎ. وأﻧﺖ ﻓﺈذا أردت أن ﺗﺪرس ﻋﻠﻢ اﻟﺒﻼﻏﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﺎدرس املﺼﺎﺋﺐ واﻵﻻم واﻷﺣﺰان؛ إﻧﻬﺎ ﻫﻲ أﻗﺎﻧﻴﻢ اﻟﺒﻼﻏﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ :املﻌﺎﻧﻲ واﻟﺒﻴﺎن واﻟﺒﺪﻳﻊ ،وإﻧﻚ إن درﺳﺘﻬﺎ وﺗﺪﺑﺮت ﺷﻮاﻫﺪﻫﺎ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺼﻨﻌﻬﺎ رواﺗﻬﺎ وﻟﻢ ﻳﺠﻴﺌﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﻨﻜﺮ اﻟﻘﻮل وزوره، أﺻﺒﺤﺖ أﻓﺼﺢ ﻣﻦ ﻳﻨﻄﻖ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ﻫﺆﻻء اﻟﺒُﻜﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺮأ أﺣﺪﻫﻢ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﺰﻫﺮ ﺑﻌﻴﻨني ﰲ ﻋﻘﻼ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻼ ،ﻛﺄن ﰲ أﻧﻔﻪ ً ً أﻧﻔﻪ … 1وﻻ ﻳﺴﺘﺤﻲ اﻟﻐﺒﻲ أن ﻳﻘﻮل ﻟﻚ إن ﰲ اﻟﺰﻫﺮة ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻌﻘﻮل اﻟﻌﴩة …! ﻓﻤﻦ أﺣﺐﱠ ورأى ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﻣﻦ ﻓﺮط إﺟﻼﻟﻪ إﻳﺎﻫﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﻴﺎل ﻣَ َﻠﻚ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻟﻪ ﰲ ﺣﻠﻢ ﺗﻮﻗﺪ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﻟﻬﻲﻣﻦ أﺣﻼم اﻟﺠﻨﺔ ،ورأى ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺻﻔﺎء اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ،وﰲ ﺧﺪﻳﻬﺎ ﱡ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻋﲆ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ اﺣﻤﺮار اﻟﺸﻔﻖ اﻟﺬي ﻳﺨﻴﻞ ﻟﻠﻌﺎﺷﻖ داﺋﻤً ﺎ أن ﺷﻤﺲ روﺣﻪ ﺗﻜﺎد ﺗﻤﴘ :ورآﻫﺎ ﰲ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﺠﻤﺎل ﺗﻤﺜﺎل اﻟﻔﻦ اﻹﻟﻬﻲ اﻟﺨﺎﻟﺪ اﻟﺬي ﻳُﺪ َرس ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ واﻟﺘﺄﻣﻞ ﻻ ﺑﺎﻟﺤﺲ واﻟﺘﻠﻤﱡ ﺲ ،ﻓﺄﻃﺎﻋﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ إرادﺗﻪ واﺳﺘﻨﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﻮﺗﻪ ،وﻋﺎش ﺑﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ روﺣﻪ ً ﺻﺎدﻗﺎ — ﻓﺬﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺤﺐ وﻳﻔﻬﻢ ﻣﻌﻨﺎه اﻟﺴﻤﺎوي ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻘﻮل ﻟﻚ ﺻﻠﺼﻠﺔ املﻠﻚ اﻟﺬي ﻣﺼﺪوﻗﺎ.إن ﻛﻞ ﻟﻔﻈﺔ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﰲ ﺗﻔﺴري ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺤﺐ ﻛﺄﻧﻬﺎ َ ً ﻳﻔﺠﺄ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﺑﺎﻟﻮﺣﻲ ﰲ أول اﻟﻌﻬﺪ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ. ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺒﻚ ﻳﺮﺿﻴﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﺿﻴﻚ ﻳﻌﺠﺒﻚ ،ﻓﺎﻟﺠﻤﺎل اﻟﻮﺻﻔﻲ اﻟﺬي ﻣﻌﺠﺒًﺎ؛ ﻳﻘﺎس ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ وﻳﺨﺮج ﻣﻨﻪ اﻟﻔﻜﺮ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ،ﺟﻤﺎل ﺻﺤﻴﺢ وﺣﺮيﱞ أن ﻳﻜﻮن ِ وﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل ﺑﻨﺎء ﺟﺴﻤﻲ ﻛﺎﻟﻘﴫ املﺸﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻌﺠﺐ اﻟﻔﻘري املﻌﺪِم ﻓﻴﺘﻤﻨﺎه ،ﻓﺈن ُﺮﺿﻪ ،ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻠﺘﺤﻒ ﺳﻘﻮﻓﻪ املﻤﻮﻫﺔ ،وﻻ ﻳﻔﱰش أرﺿﻪ املﻮﻃﺄة، ﻫﻮ ﺻﺎر ﻟﻪ ﺧﺎﻟﻴًﺎ ﻟﻢ ﻳ ِ ُﺮﴈ ﻓﻬﻮ اﻟﺬي وﻻ ﻳﻠﺒﺲ ﺟﺪراﻧﻪ ﱠ املﻮﺷﺎة ،وﻻ ﻳﻘﺘﺎت ﻣﻦ ﻫﻮاﺋﻪ اﻟﻄﻠﻖ؛ أﻣﺎ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﻳ ِ ﱡ ﻳﺸﻒ ﻋﻦ ﻳﺸﻒ ﻋﻦ ﺻﻮرة روﺣﻚ ﺑﻐري ﻣﺎ ﻳﺨﻴﻠﻬﺎ ﻟﻚ ﻣﺎء اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﻜﺮ — ﻫﺬا اﻟﺬي ﻻ ﱡ ﳾء وﻻ ﻳﺰال ﻳﻀﻄﺮب ﻓﻴﺠﻌﻞ ﺷﺒﺤﻚ ﰲ اﺧﺘﻼﻃﻪ ﻛﺄﺷﺒﺎح اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻳُﺨﻠﻖ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ً ﺧﻠﻘﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﻛﻠﻤﺎ ﴐﺑﺖ اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﰲ املﺎء ﺑﺄرﺟﻠﻬﺎ — ﻓﱰى ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل ﻛﺄن ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻫﺒﻂ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء وﰲ ﻳﺪه ﻣﺮآه ﻓﻨﻈﺮت ﻓﺈذا ﺻﻮرﺗﻚ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﰲ ﻳﺪ ﻣﻠﻚ. 1ﻣﻨﺨﺮﻳﻪ. 14 اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ﻣﺜﺎﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻓﻜﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺠﺤﺪون وﻳﺮوﻧﻪ ﴐﺑًﺎ ﻣﻦ وﻗﻠﻴﻞ أن ﻳﺠﺪ اﻟﻨﺎس ً اﻟﻮﺻﻒ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺬي ﻳﻈﻬﺮ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ وإﺑﺮازه ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﰲ اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﻦ روح ﷲ؛ وإﻧﻤﺎ ﻳﺠﺤﺪ ﻣﺜﺎل اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺜﺎل اﻟﺤﺐ اﻟﻜﺎﻣﻞ ،وإذا ﻛﺎﻧﺖ املﺮآة ﺺ إﱃ روﺣﻚ ﻣﻦ ﻃني ﻫﺬه ﻗﺪ ﻋﻼﻫﺎ اﻟﺼﺪأ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﻠﻮﻫﺎ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﻛﻴﻒ ﺗﺨﻠُ ُ اﻟﻜﺄس اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ )املﺮآة اﻟﺼﺪﺋﺔ( ﻧﺸﻮة اﻟﺠﻤﺎل وﻟﻮ ُﺳﻜﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻮر اﻟﺠﻨﺔ ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ ﺧﺪودﻫﺎ؟ 2 وﻟﻘﺪ ﻗﻴﻞ :إن ﻗﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﺗﺮﺣﻠﻮا ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ﻓﻜﺎن ﻣﻦ أﻧﺴﺎﺋِﻬﻢ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﺮآة ﺻﻘﻴﻠﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ وﺟﻪ املﻠﻴﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻴﺘﻬﺎ ،ﻓﻤﺮت ﺑﻬﺎ ﺿﺒﻊ ﻛﺄﺷﺄم ﻣﺎ ﺧﻠﻖ ﷲ ُﻗﺒﺢ ﻃﻠﻌﺔ اﻟﺠﻴﻒ اﻟﺘﻲ اﻏﺘﺬت ﺑﻬﺎ ،ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗَﻌﺠﺐ وﺟﻬﺎﻣﺔ ﻣﻨﻈﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺄن ﰲ وﺟﻬﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺦ ِ ﻣﻦ إﴍاﻗﻬﺎ وﺳﻨﺎﺋﻬﺎ ،وﻣﺎ ﻛﺎدت ﺗﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ راﻋﻬﺎ وﺟﻬﻬﺎ وﻻ ﻋﻬﺪ ﻟﻬﺎ ﺑﺮؤﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؛ ﻷن ﷲ رﺣﻴﻢ ،وﻣﻦ رﺣﻤﺘﻪ أن ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﻮﺣﻮش أﻧﻬﺎ وﺣﻮش ،وأن ﻻ ﺗﺠﺪ أﺳﺒﺎب ﻫﺬه اﻟﻀﺒُﻊ وزوت وﺟﻬﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ :ﻣﻦ ﴍ ﻣﺎ اﻃ َﺮﺣَ ﻚِ أﻫﻠُﻚ أﻳﺘﻬﺎ املﺮآة …!املﻌﺮﻓﺔ ،ﻓﺎﻧﻘﺒﻀﺖ ﱠ ﻓﺠﻤﺎل ﻫﺬه اﻟﻀﺒﻊ اﻟﺬي ﺟﺤﺪﺗﻪ املﺮآة ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺤﺪ اﻟﻜﺎﻓﺮ رﺣﻤﺔ ﷲ وﺣﺴﻨﻬﺎ اﻟﺬي أﺣﺎﻟﺘﻪ املﺮآة ﻗﺒﺤً ﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺨﻴﻞ اﻟﻄﺒﻊ اﻟﻠﺌﻴﻢ ﻛﻞ ﺣﺴﻨﺔ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻪ إﱃ ﺳﻴﺌﺔ.ﻫﻤﺎ أﺷﺒﻪ ﳾء ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ واﻟﻘﻠﺐ ﰲ املﺤﺐ اﻷﺧﺮق اﻟﺬي ﻳﺤﺐ ﺣﻮاﺳﻪ ﻓﺘﺠﻮع روﺣﻪ وﺗﺸﺒﻊ وﺗﻌﺘﻞ ﺑﺎﻟﺘﺨﻤﺔ أﻳﻀﺎ … وﻛﻢ ﰲ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻀﺒﻊ ،وﻛﻢ ﰲ اﻟﺤﺴﺎن ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ املﺮآة! ً أﺣﺲ وﻣﺎ أﺣﺴﺐ اﻹﺣﺴﺎس إﻻ ﻧﻜﺘﺔ ﺻﺎﻓﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﻠﺐ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﻧﻜﺘﺔ اﻟﻌني اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮن ﺑﻬﺎ اﻟﺒﴫ ،ﻓﻜﻞ ﻣﺎ اﻧﻄﺒﻊ ﰲ ﻫﺬه اﻧﻄﺒﻊ ﰲ ﺗﻠﻚ ،ﻟﻜﻲ ﺗﻜﻮن اﻟﺮوح ﺑني ﻣﺮآﺗني ﻓﻴﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺪرس اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎملﻘﺎﺑﻠﺔ ،ﻓﺈذا ﻧﺰل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺪﻗﻴﻖ اﻟﺤِ ﺲ ﺑﺮوﺿﺔ ﻏﻨﺎء ﻧﴬة أﺣﺲ ﺑﻘﻠﺒﻪ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺨﴬ ﺑﻌﺪ ﻳُﺒﺲ ،وإذا أﻃﻞ ﰲ اﻟﻐﺪﻳﺮ اﻟﺼﺎﰲ أﺣﺲ ﺑﻤﻌﻨﻰ املﺎء ﻳﻨﺴﺎب ً ﺟﻤﺎﻻ ﺣﺘﻰ ﰲ ﻋﺮوﻗﻪ ،وإذا ﻧﻈﺮ إﱃ وﺟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺤﺴﻨﺎء ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﻳﺤﺲ أن ﻗﻠﺒﻪ اﻣﺘﻸ ﻛﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺸﻖ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﺷﻴﺌًﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ؟ ﺑﲆ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻟﻴﻜﺘﺐ ﻋﻤﻦ ﻳﺤﺒﻬﺎ ﻓريى ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﻔﺦ ﰲ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﺘﺐ ﻛﻼﻣً ﺎ ﺑﻞ ﻳﺨﻂ ﺻﻮرة ﻗﻠﺒﻪ؛ واﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﺤﻴﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﺣﻴﺔ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺳﻮﻣﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﰲ ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﺬي ﺗﻨﺘﻬﻲ إﻟﻴﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﺮ ﰲ أدوار 2اﻷﻧﺴﺎء :ﻣﺎ ﻳﻨﺴﺎه اﻟﻘﻮم املﱰﺣﻠﻮن ﻣﻦ ﻫﻨﺎت املﺘﺎع وﻛﺎن اﻟﻌﺮب إذا ﺗﺤﻤﻠﻮا ﻗﺎﻟﻮا :اﻧﻈﺮوا أﻧﺴﺎءﻛﻢ. ﻳﺮﻳﺪون ﻫﺬا. 15 ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﺘﺄﻟﻔﻬﺎ اﻷرواح وﺗﺼري ﻛﺎﻟﻠﻔﻆ املﺄﻧﻮس :ﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ أن ﻳُﺬﻛﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺮى ﻣﻌﻨﺎه ﻟﻠﺬﻫﻦ ً ﻣﺎﺛﻼ. ﺑﲆ وﻟﻘﺪ ﻳﺨﻴﱠﻞ إﱄ ﱠ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﺣني أﻛﺘﺐ ﻋﻤﻦ أﻫﻮاﻫﺎ أﻧﻚ ﻟﻔﻆ ﰲ أﻟﻔﺎﻇﻲ ﺗﻄﻠﻊ ﻣﻦ املﺪاد ،ﻓﺈذا ﻗﻠﺖ» :وﺟﻬﻬﺎ« ﻓﻬﻞ ﺗﻈﻦ ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ اﻟﺬي ﻫﻮ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﺠﻤﺎل إﻻ ﻗﻤ ًﺮا ﰲ اﻟﻜﻼم؟ وإذا ﻗﻠﺖ» :اﺑﺘﺴﺎﻣﻬﺎ« ﻓﻬﻞ ﺗﺮى ﻫﺬه اﻟﺤﺮوف اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﻔﺲ ﻋﲆ اﻟﻘﻠﺐ إﻻ أﺷﻌﺔ اﻟﻔﺠﺮ اﻟﻨﺪي؟ وإذا ﻗﻠﺖ» :ﻫﻲ« ﻓﻬﻞ ﺗﺮى إﻻ »ﺿﻤري« اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺧﺬ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ دﻳﻨَﻬﺎ؟ آه ﻟﻮ ﺗﻌﻠﻢ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ﻣﻦ »ﻫﻲ«!؟ 16 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﲏ ﻟﴪا ﻣﻦ اﻟﺤﺐ ﺗﺘﺠﺪد وآه إن ﰲ »ﺿﻤري اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ« وﰲ املﻌﻨﻰ املﺴﺘﱰ ﰲ اﻟﻬﺎء واﻟﻴﺎء ٍّ ﰲ اﻟﻨﺎس ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ا ُملﻌﻀﻠﺔ ﻛﺄن ﻓﻴﻪ ﺣﻴﺎة ﻏﺮﻳﺒﺔ ﺗﻐﺬوه ﺑﺘﻠﻚ املﻌﺎﻧﻲ ،ﻓﻬﻮ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻟﺮوح ﻛﺎﻟﺮوح ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن. ﻧﻔﺲ،ذاﻫﻼ ﻛﺄﻧﻪ ﺣﻲ ﺑﻼ ْ ً وإذا ﺗﻨﺎوﻟﺘﻪ ﻧﻔﺲ املﺤﺐ و َ ﻃﻔِ ﻘﺖ ﺗﻌﺎﻟﺠﻪ رأﻳﺖ املﺤﺐ ﻋﻤﻘﺎ ﺑﻌﻴﺪ اﻟﻐﻮر ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺬي ﻣﺮت ﻣﻨﻪ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن وآﻧﺴﺖ ﻣﻦ ﻧﻈﺮه ً ﻳﻜﻮن ﰲ ﻳﻘﻈﺔ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻢ؟ ﻏﻔﻠﺖ اﻵن ﻋﻦ ﻧﻔﴘ ﻫﻨﻴﻬﺔ أو ﻫﻲ ﻏﻔﻠﺖ ﻋﻨﻲ؛ ﻓﻤﺎ ﻧﺒﱠﻬﻨﻲ إﻻ اﺿﻄﺮاب ﻳﻨﺘﻔﺾ ُ ﻟﻘﺪ ﻟﻪ ﻗﻠﺒﻲ ﻛﺄن ﺣﻮاﳼ ﻛﻠﻬﺎ ﻧﻬﻀﺖ ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ روﺣﻲ وﻗﺪ اﻧﻘﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ ﻃﻮﻳﻞ ﺗﺤﻒ ﺑﻬﺎ اﻟﺤﺎﺷﻴﺔ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر واﻵﻣﺎل. ﺗﻄﺮف ﻛﻞ ﺣﺎﺳﺔ ﺑﺘﺤﻔﺔ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﻣﻦ ﻫﺪاﻳﺎﻫﺎ وﻫﻦ ﻳﺘﻨﺎﻫﺒﻨﻬﺎ ،وأﻧﺎ ﻓﺘﻠﻘﺘﻬﻦ وﺟﻌﻠﺖ ِ ﰲ ذﻟﻚ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﻣﻘﺴﻢ إﱃ ﺣﺰب أو ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺣﺰب؛ وﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ردﻧﻲ إﱃ وﺣﺪﺗﻲ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺣﻔﻴﻒ ﻛﻨﺠﻮى اﻟﻨﺴﻴﻢ ﻟﻠﺰﻫﺮ وﻟﻴﺲ ﺑﻬﺎ ،وﻛﺼﻮت اﻟﻘﺒﻠﺔ املﺨﺘ َﻠﺴﺔ ﻋﲆ ﺣﻴﺎء وﻟﻴﺲ ﺑﻬﺎ: وﻛﺄﻧﻪ آﻫﺔ رﻗﻴﻘﺔ اﻧﺒﻌﺜﺖ ﻣﻦ ﺷﻔﺘﻲ ﺣﻮرﻳﺔ ﺳﻤﺎوﻳﺔ ﻓﺄرﺳﻠﺘﻬﺎ املﻼﺋﻜﺔ إﱃ اﻷرض؛ ﻷﻧﻬﺎ دار اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻓﻤﺎ زاﻟﺖ ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ﺗﺘﺼﻔﺢ ﻛﻞ وردة وﻛﻞ ﺧﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻮردة وﻛﻞ ﺷﻔﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺪ ،ﺣﺘﻰ رأت »ﻟﻴﲆ« وﻫﻲ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻓﺎﺧﺘﺒﺄت ﰲ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ وﻣﺎ ﺗﺸﻚ ﻣﻦ ﻃﻴﺒﻬﻤﺎ أﻧﻬﺎ رﺟﻌﺖ إﱃ ﺻﺎﺣﺒﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺠﻨﺔ. ﻗﻠﻴﻼ ﻓﻼ وﷲ ﻣﺎ ﻣﻨﻪ ﻧﺸﻮة اﻟﺨﻤﺮ وﻻ ﻧﻔﺜﺔ اﻟﺴﺤﺮ وﻻ رﺟﻔﺔ ﻗﻠﻴﻼ ًﴎى ﻫﺬا اﻟﺤﻔﻴﻒ ً ُ اﻧﺘﻔﻀﺖ ﻛﺄن ﻗﺒﻠﺔ ﺣﺎرة ﻗﻠﻴﻼ ﻓﻤﺎ ﻫﻮ إﻻ أن أﺻﺎب ﻗﻠﺒﻲ ﺣﺘﻰ ﻗﻠﻴﻼ ً اﻟﻄﺮب ،ﺛﻢ ﴎى ً اﻧﻄﺒﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻣﺴﺘﻪ ﺑﺸﻔﺘﻴﻬﺎ اﻟﺮﻗﻴﻘﺘني؛ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻓﺔ ﻫﺪﻳﺔ اﻟﺮوح إﱃ اﻟﻘﻠﺐ. ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ وﻣﺎ أﴎع ﻣﺎ اﺟﺘﻤﻌﺖ أﺷﺘﺎت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ ﺗﻮزﻋﺘﻬﺎ اﻵﻣﺎل ﻟﺘﻨﻐﻤﺲ ﰲ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﻌﺬﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺒﻬﺎ اﻟﻬﻮى ﻋﲆ اﻟﻘﻠﺐ ﺻﺒٍّﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻨﺎول اﻟﺴﻌﺎدة ﻗﻠﺐ ﻃﻔﻞ ﺣﺰﻳﻦ ﻓﺘﻐﺴﻠﻪ ُ اﻧﺘﺒﻬﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﺈذا أﻧﺎ ﻣﺴﺘﻴﻘﻆ أو ﻛﺎملﺴﺘﻴﻘﻆ! ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﻦ أﻣﻪ ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﻻ أدري أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ ﻛﻢ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة ﻣﻦ ﺣﺴﺎب اﻟﺰﻣﻦ؟ ﻓﺈﻧﻲ ﻟﻢ أﻧﻈﺮ ﰲ ﺳﺎﻋﺘﻲ ،أو ﺑﺎﻟﺤﺮي ﻟﻢ أﻧﻈﺮ وﺟﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻓﻘﺪ أﺑﻐﺾ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻴﺰان ﺗﺒني ﻣﻘﺪار اﻟﺴﻢ اﻟﺒﻄﻲء اﻟﺬي ﻳﻨﻔﺜﻪ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ذﻧﺐ )ﻋﻘﺮﺑﻬﺎ( ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﻤﺔ املﺴﺪدة إﱃ اﻟﺴﺎﻋﺎت واﻟﺪﻗﺎﺋﻖ. ودع اﻟﻨﺎس ﻳﺰﻧﻮن ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة ﻻ املﻮت ،ﻓﺈن ﻛﻞ ﳾء ﰲ ﻳﺪ اﻹﻧﺴﺎن أﺻﺒﺢ ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﺑﺜﻤﻦ وﻣﻘﺪار ،وﻟﻮ ﻋ ﱠﺪ ﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺐ اﻟﻐﻤﺎم أو ﺣﺐ اﻷرض ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﲆ َ ﺗﺪﺑﺮت اﺧﺘﻼف أﺛﻤﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻟﻬﻠﻜﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻬﻠﻚ اﻟﻴﻮم ﺑﻌﻀﻬﻢ ً ﺑﻌﻀﺎ ،وﻟﻮ ﻫﺬه اﻷﺟﺴﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺤﻮاﻧﻴﺖ ﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻘﻀﻴﺖ ﻋﺠﺒًﺎ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﺮب دﻗﻴﻘﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ ﺣﻴﺎة رﺟﻞ ﺗُﺒﺬل ﰲ ﺛﻤﻨﻬﺎ ﺣﻴﺎة ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﻣﻦ رﺟﻞ أو رﺟﺎل. ورب ﻳﻮم ﻳﺒﻴﻌﻪ رﺟﻞ 1ﻓﻼ ﻳُﺴﺎوم ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﻈﺮة ازدراء ،وﻳﻮم آﺧﺮ ﺗﺒﺬل ﻓﻴﻪ ﻛﻞ أزﻣﻨﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ املﺠﻬﻮﻟﺔ وﻛﺜري ﻣﻦ أﻳﺎﻣﻪ املﻌﺪودة ﻟﻴﻤﻸ ﺑﻌﻈﻤﺘﻪ ذاﻛﺮة اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ. وﱄ ﺻﺪﻳﻖ ﻓﻴﻠﺴﻮف ﻳﻀﺤﻚ ﻋﺎﻟﻴًﺎ ِﻣ ْﻞء ﻓﻤﻪ ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺨﻴﻞ إﱄ ﱠ أﻧﻪ وُﻟﺪ ﰲ ﻳﻮم رﻋﺪ ﻗﺎﺻﻒ.وذﻟﻚ ﻛﻠﻤﺎ ﺣﺪﱠث ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﻟﻪ واﻋﺪه ﻳﻮﻣً ﺎ أن ﻳُﻮاﻓﻴﻪ ﰲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،ﺛﻢ واﻓﺎه ً ﻣﺘﻤﻠﻤﻼ :أوﻟﻴﺲ …؟ ﻓﻘﻄﻊ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف وﻗﺪ ﻣﺮت اﻟﺴﺎﻋﺔ وﻟﺤﻘﺖ ﺑﻬﺎ أﺧﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ ﻣﺎ وراء اﻟﺴني وﻗﺎل.دﻋﻨﻲ ﻣﻦ اﺳﻢ ﻫﺬا اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻨﺎﻗﺺ وﺧﱪه ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺤﺮص اﻟﺰﻣﻦ ﻋﲆ أن ﻻ ﻳﺨﻄﺊ ﰲ ﺣﺴﺎﺑﻨﺎ ﻧﺤﺮص ﻋﲆ أن ﻻ ﻧﺨﻄﺊ ﰲ ﺣﺴﺎﺑﻪ! وأﻧﺎ ﻻ أﻗﻮل ﺑﺈﻏﻔﺎل اﻟﻮﻗﺖ وإرﺳﺎﻟﻪ ﻛﺄﻧﻔﺎس املﺨﺘﻨﻖ :ﻻ ﺗﺬﻫﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة وﻟﻜﻦ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻫﺬا ﻗﺪ ﻛﺎن ﰲ ﻋﻬﺪ آﺑﺎﺋﻨﺎ وآﺑﺎء اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺣني ﻛﺎن اﻟﻠﻴﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻠﻜﻴﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺠﻮم أرﻗﺎﻣﻬﺎ ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ دﻗﺎﺗﻬﺎ ﺻﻴﺎح دﻳﻚ ﻋﻨﺪ ﺟﻤﺎﻋﺔ وﻧﻬﻴﻖ ﺣﻤﺎر ﻋﻨﺪ آﺧﺮﻳﻦ. وإﻧﻤﺎ أرﻳﺪ أن ﻻ ﻳﺤﺎﺳﺐ أﺣﺪﻧﺎ رﺑﻪ ﺑﺎﻟﺪﻗﻴﻘﺔ؛ ﻓﺈذا ﺳﺒﺐ ﻟﻪ ﻣﻦ وﻗﺘﻪ ﻃﺮﺑًﺎ أو ﺳﺎق إﻟﻴﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﺣﻆ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻠﻴﻄﺮب وﻟﻴﻨﺘﻬﺰ ﻣﻦ ﻓﻮره وﻟﺴﺎﻋﺘﻪ وﻟﻴﺄﺧﺬ ﻣﺎ آﺗﺎه ﺑﻘﻮة؛ ﻓﺈن اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﻮاﺣﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻔﻠﺴﻒ ﻓﻴﻬﺎ وﻗﺘﺌﺬ رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺬي ﺗﻤﺮ ﻣﻨﻪ 1ﻳﻘﺎل أﺑﺎﻋﻪ :إذا ﻋﺮﺿﻪ ﻟﻠﺒﻴﻊ؛ وﺑﺎﻋﻪ :إذا وﻗﻌﺖ اﻟﺼﻔﻘﺔ وﻓﺮغ ﻣﻨﻪ. 18 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻔﺮﺻﺔ إﱃ ﻣﺎ وراء اﻟﺰﻣﺎن ﻓﺘﻠﺤﻖ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﺑﺎﻟﺒﻌﻴﺪ ﻣﻦ اﻷﺑﺪ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﳾء ﻣﻦ أوﻫﺎم ذﻟﻚ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف املﻔﻜﺮ وﻟﻮ ﺧﺮﺟﺖ روﺣﻪ ﺗﺸﺘﺪ وراءﻫﺎ ﻋﺪوًا … ﻓﺈذا اﺗﻔﻘﺖ ﱄ ﻫﻨﻴﻬﺔ ﻛﺎﻟﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ اﻵن ﺑﻬﺪﻳﺔ اﻟﺮوح إﱃ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻘﻠﻤﺎ ﻳﻌﻨﻴﻨﻲ ﻣﻘﺪارﻫﺎ، اﻟﻬﺮم ﻳﻮم ﻣﻴﻼده ﺑﻌﺪ أن أﺳﻨﺪ ﰲ ﺣﺪود املﺎﺋﺔ، ﺑﻞ أﻧﺎ أﺣﺴﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎ أﺷﺎء وﻻ أذﻛﺮﻫﺎ إﻻ ذﻛﺮة ِ ﻓﺎﻋﺘﱪ ﻣﻘﺪارﻫﺎ ﺑﺴﻨﺔ وﺑﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ،ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻣﻦ ﻗﻠﻴﻞ وﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻣﻦ ﻛﺜري؛ ﻷﻧﻬﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﱄ ﻻ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ وﻻ ﻟﻠﺴﺎﻋﺔ.وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﱄ ذﻛﺮى اﻟﺤﻴﺎة ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻼ أﺳﻠﻤﻬﺎ ﰲ ﻳﺪ اﻟﻐﻴﺐ إﻻ ﻣﻊ آﺧﺮ ﻧﻔﺲ ﻣﻦ أﻧﻔﺎﳼ.وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻲ أﺣﺮص ﻋﲆ أن أﺟﻌﻠﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻧﻔﺲ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة اﻵﺧﺮة ﺧﺮج ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺘﻈﻞ روﺣﻲ واﻗﻔﺔ ﻋﲆ اﻟﺠﺴﻢ ﻟﺤﻈﺔ وﻫﻲ ﻗﺪ ﻓﺎرﻗﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﱪد أﺛﺮ اﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻄﺒﻌﺖ ﻋﲆ اﻟﻘﻠﺐ وﻳﱪد املﻮت ﻋﲆ ﺟﻨﺒﻲ ،وﺣﻴﻨﺌﺬ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺠﺴﻢ ﳾء ﻣﻦ اﻟﺤﺐ وﻻ أﺛﺮ زﻓﺮة ﻣﻦ زﻓﺮاﺗﻪ ﻓﺘﺼﻌﺪ ﻣﺘﺒﺎﻃﺌﺔ … ﻟﺴﺖ أﺷﻚ أن ﻟﻠﻴﻘﻈﺔ أﺣﻼﻣً ﺎ.وإﻻ ﻓﻤﺎ ﺷﺄن اﻟﺬاﻛﺮة إذن ،وﻫﻞ ﻫﻲ إﻻ ﺑﻴﺖ اﻷﺣﻼم؟ وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻻ ﺗﻘﺎم ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻔﻼت إﻻ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ،ﻓﻴﻤﻮج ﺑﺄﻫﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻳﺮى ﺻ َﻔﺢ ﻋﻨﻪ اﻟﺒﲆ ﻣﻦ ﺳﻄﻮر ﻛﺘﺎب ﻗﺪﻳﻢ. اﻟﻌﻘﻞ إﻻ أﺷﺒﺎﺣً ﺎ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﺎ َ وﻣَ ﻦ اﻟﺬي ﻳُﻨﻜﺮ أن اﺳﺘﺒﺪاد املﻠﻮك اﻟﻄﻐﺎة وﻣﺎ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﺳﱰﻗﺎق اﻟﺸﻌﻮب وﺗﻌﺒﱡﺪ اﻟﻀﻌﻔﺎء وﻇﻠﻢ املﺴﺎﻛني إﻧﻤﺎ ﻫﻲ أﺣﻼم ﻣﺰﻋﺠﺔ ﻣﻦ أﺣﻼم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ املﺴﺘﻴﻘﻈﺔ. إﻧﻚ ﻟﺘﺸﱰي اﻟﺬﻫﺐ ﺑﺎﻟﻔﻀﺔ ،وﺗﺴﺘﺒﺪل اﻟﻔﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﺜﺮ ﰲ ﺣﺎﻟﺘﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺎوي ﰲ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﺗﺸﱰﻳﻪ ﺑﻬﺎ أو ﻣﺎ ﺗﺸﱰﻳﻬﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ املﻌﺪن اﻟﻨﻔﻴﺲ؛ ﻓﺈذا ﻧﻘﺼﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ً ﻗﻠﻴﻼ وﻟﻮ درﻫﻤً ﺎ ﺑﻘﻲ اﻟﺬﻫﺐ ﺳﻴﺪًا وذﻫﺐ اﻟﻨﻘﺺ ﺑﺎﻟﺘﻜﺎﻓﺆ ﺑني اﻟﺮﺗﺒﺘني. اﻧﻈﺮ أﺗﺮى ﺛﻤﺔ ﺷﻌﺒًﺎ ﻣُﺴﺘَﻌﺒﺪًا ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻛﻤﺎ ﺗﱰاﻛﻢ اﻷﻧﻘﺎض وﻳﺘﻔﺮق ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺒﺪد وﻟﻴﺲ ﻣﻨﻪ ﰲ اﻻﺟﺘﻤﺎع واﻟﺘﻔﺮق إﻻ ﺻﻮرﺗﺎن ﻟﻠﺨﺮاب ﻛﺎﻟﺒﻮﻣﺔ واﻟﺒﻮﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺸﺎؤم؟ إﻧﻚ ﻟﺘﻨﻈﺮ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي ﻳﺤﻠﻢ وﻫﻮ ﻣﺴﺘﻴﻘﻆ؛ أﻻ ﺗﺮاه ﻳﻌﻤﻞ ﻋﲆ اﻟﺴﺨﺮة وﻳﻄﺒﻊ ﺑﺎﻹرادة أو ﺑﺎﻟﻮﻫﻢ اﻟﺬي ﺻﺎر ﻟﻪ ﻛﺎﻹرادة ،وﻳﺸﻚ ﰲ أﻧﻪ ﻳﺨﺎف ﻣﻦ املﺴﺘﺒﺪ أو ﻳﺨﺎف ﻣﻦ أن ﻳَﺸﻚ ﻓﻴﻪ ،وﻳﺮﺟﻮ ﻋﲆ ﻗﻮﱠﺗﻪ ﻣﺎ ﻳﺮﺟﻮه اﻷﺟري أن ﻳﻤﻠﻚ ﻳﺪه ﺳﺎﻋﺔ ﻟﻴﺘﻨﺎول ﺑﻬﺎ ﻟﻘﻴﻤﺎت ﻳﻘﻤﻦ ﺻﻠﺒﻪ ،وأن ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻋﻤﻞ ﻳﻮﻣﻪ ﻟﻴﻮﻗﻦ أﻧﻪ إﻧﺴﺎن ﻛﺎﻟﻨﺎس ﻟﻪ ﻳﺪ ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ؟ ُ ﻫﺬا دأب اﻻﺳﺘﺒﺪاد ودأب اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻀﻌﻴﻒ اﻟﺬي اﺑﺘﲇ ﺑﺎﻟﻨﻘﺺ ﻋﻦ ﻣﻜﺎﻓﺄة املﺴﺘﺒﺪ ﺑﻪ وﻣﺴﺎواﺗﻪ؛ وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﻨﻘﺺ ﻓﻴﻪ إﻻ ﺑﻤﻘﺪار درﻫﻢ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻦ ﻣﻘﺪار اﻟﺬﻫﺐ. 19 ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ وﻟﻜﻦ أﻳﻦ ﻫﺬا اﻟﺪرﻫﻢ املﺘﻤﻢ؟ درﻫﻢ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ ﻳﻜﻮن اﻟﺸﻌﺐ ﻛﻠﻪ وﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﺎﻟ ًﻜﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻣﻤﻠﻮ ًﻛﺎ ،وﺣﺎﻛﻤً ﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻣﺤﻜﻮﻣً ﺎ ،وﻳﺨﺮﺟﻪ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ رﺗﺒﺔ إﱃ رﺗﺒﺔ. ﻫﺬا اﻟﺪرﻫﻢ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺒﻘﻰ ﰲ ﻳﺪ اﻟﻘﺪر ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻲء ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب اﻟﺬي وُﻋﺪت ﺑﻪ ً رﺟﻼ وﻟﻜﻨﻪ اﻟﺤﺮﻳﺔ املﻈﻠﻮﻣﺔ ﻟﻼﻧﺘﺼﺎف ﻣﻦ ﻇﺎملﻴﻬﺎ ﻓﻴﻌﻄﻴﻪ ﷲ ﻟﻠﺸﻌﺐ ،وﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ رﺟﻞ إﻟﻬﻲ. أﻓﺘﺪري ﻣﻦ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻹﻟﻬﻲ؟ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻪ اﻟﺤﻴﺎة وﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ املﻮت ﻓﻼ ﻳﺬ ﱡل ﻷﺣﺪﻫﻤﺎ؛ ﺗﺘﱪج ﻟﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻼ ﺗﻐﺮه ،وﻳﺘﺠﻬﻢ ﻟﻪ املﻮت ﻓﻼ ﻳﴬه؛ وﻳُﺒﺘﲆ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﻮء وﻳﴪ ﻓﻼ ﻳﺴﻮءه وﻻ ﻳﴪه … ﻫﻮ رﺟﻞ روﺣﻪ ﰲ ﻛﻔﻪ — وﻫﻲ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻴﻪ — ﻓﻤﺎ إن ﻳﺰال ﻳَﺜِﺐ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﱪ ﻳﺤﺘﻔﺮ ﻟﻪ وﻻ ﻳﺴﻘﻂ أﺑﺪًا.وﻛﻞ رﺟﻞ إﻟﻬﻲ ﻻ ﻳﺨﻄﻮ إﻻ ﻓﻮق اﻟﻘﺒﻮر؛ ﺣﺘﻰ إن ﺗﺎج املﻠﻚ ﻟﻴﻨﻜﺸﻒ ﻋﻦ رأس ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺠﻼﻟﺔ إذا رآه وﻫﻮ ﻳﻬﻮي إﱃ اﻷرض ﻋﺴﺎه ﻳﻜﻮن ﻟﺘﻠﻚ اﻷﻧﻔﺔ ﻗﱪًا ذﻫﺒﻴًﺎ :ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﺠﻲء إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﴤ اﻟﺴﻤﺎء ﻋﲆ اﻷرض ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻦ أﺣﻜﺎﻣﻬﺎ ،ﻓﻴﺨﻠﻖ ﷲ ﺑني ﺟﻨﺒﻴﻪ ﻗﻠﺒًﺎ ﻫﻮ املﻌﻨﻰ املﺘﺠﺴﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﻜﻢ. وﺗﺴﺒﻖ ﻣﺠﻴﺌﻪ أﻋﺎﺻري وﻣِﺤﻦ ﺗَﻬُ ﺐ ﻋﲆ اﻷرض ﻓﺘﻘﻴﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻗﻴﺎﻣﺔ ﻻ ﻟﻈﻠﻢ اﻟﻨﺎس وﻟﻜﻦ ﻟﺘﻤﻬﺪ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﻋﺼﺎر اﻟﺴﺎﻛﻦ اﻟﺬي ﻳﻮﻟﺪ ﻫﺎدﺋًﺎ ﻣﻨﻄﻮﻳًﺎ ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ اﻧﻄﻮاء اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ. وإﻧﻪ ﻟﻴﺨﻴﻞ إﱄ ﱠ أن ﻫﺬه اﻷﻋﺎﺻري ﻻ ﺗﺮﺳﻞ ﻋﲆ اﻷرض إﻻ ﻟﻐﺮض واﺣﺪ ﻫﻮ ﻣﻦ أﻣﺮ ﷲ؛ وذﻟﻚ أن ﺗَ ْﺴﻔِ ﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻬﺔ ﰲ اﻷرض َﻫﺒﻮة ﻣﻦ اﻟﱰاب ﻓﺘﺠﻤﻊ ﻣﻨﻪ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﻐﻀﺐ ﻛﻞ ذرة ﻗﺪ ُﻛﺘﺐ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻷزل أن ﺗﻜﻮن ﰲ ﺣﻔﺮة ﻫﺬا اﻟﺒﻄﻞ ﻓﻴُﻨﺘﺰع ﻗﱪه ﻣﻦ اﻷرض ،وﻳﻤني ﺧﻮﺿﺎ وﻛﺄﻧﻪً ﷲ ﻟﻮ ُﻓﺘﺤﺖ ﻟﻪ اﻟﻘﺒﻮر ﻛﻠﻬﺎ ملﺎ ﺳﻘﻂ ﰲ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻞ ﻳﻈﻞ ﻳﺨﻮض املﻮت ﻳﻐﺴﻞ رﺟﻠﻴﻪ ﰲ ﻧﺒﻊ ﺑﺎرد؛ وﻟﻮ ﺷﺒﱠﺖ ﺣﻮﻟﻪ ﺟﻮاﻧﺐ اﻷرض ﺳﻌريًا ﻳﺘﻠﻈﻰ ملﺎ ﻋﺪت أن ﺗﻜﻮن ﻧﺎ ًرا ﻳُﻨﻀﺞ ﺑﻬﺎ ﻏﺬاء ﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻟﴩه. ﻓﻤﺘﻰ ﻧﻔﺬ ﺣﻜﻢ اﻟﺴﻤﺎء وﺗﻤﺖ ﻛﻠﻤﺔ رﺑﻚ واﺳﺘﻐﻔﺮت اﻷرض ﻣﻦ ﺳﻴﺌﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻧﺰل ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻘﺎب ﻷﺟﻠﻬﺎ ،أﺣﺲ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ أﻧﻪ إﻧﺴﺎن وأﻧﻪ ﺑﺪأ ﻳﻌﺮف اﻟﺤﻴﺎة واﺳﺘﺸﻌﺮ ٍّ ﻇﻼ ﻳﻤﺮ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﺮف أﻧﻪ ﺗﺮاب ﻗﱪه اﻟﺬي ﻳﺘﺴﺎﻗﻂ إﱃ اﻷرض ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺘﻤﻊ ،وﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ رﻳﺚ ﻳﺘﻬﻴﺄ ﻣﻨﻪ ﻣﻘﺪار ﻳﻮارﻳﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺮف املﻮت إذ ﻳﻐﺪو ﻋﲆ اﻷرض ﻳﺘﻔﻘﺪ َ اﻟﺤﻔﺮ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ وﻳﺠﻤﻊ ﻣﻨﻬﺎ اﻷوراق اﻟﺬاﺑﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺜﺮﻫﺎ اﻟﻘﻀﺎء ﻣﻦ ﺷﺠﺮة اﻷﻋﻤﺎر. ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺮﺟﻞ اﻹﻟﻬﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﺜﻨﻲ؛ ﻷﻧﻪ اﻟﺤﻖ ،وﻻ ﻳﻨﺤﺮف؛ ﻷﻧﻪ اﻟﻌﺪل ،وﻻ ﻳﺨﺎف؛ ﻷﻧﻪ اﻟﺒﺄس ،وﻻ ﻳﻀﻌﻒ؛ ﻷﻧﻪ اﻟﻘﻮة ،وﻻ ﻳﺤﻴﻒ؛ ﻷﻧﻪ اﻹﻧﺼﺎف؛ وﻟﻮ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻪ أﻫﻞ اﻷرض 20 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ملﴙ ﺑﻬﻢ ﻣﻄﻤﺌﻨًﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻧﻈﺎم اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺬي ﻳﺠﺬب اﻷرض ﰲ ﻓﻀﺎﺋﻬﺎ. ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻻﺻﻄﻼﺣﺎت اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ، َ وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺮف ﺑﻪ اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻟﺸﻬﺎﻣﺔ واﻟﻨﺠﺪة واﻟﺼﺪق واﻹﺧﻼص واﻹﻳﺜﺎر وﻣﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ املﻔﺮدات اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ. وﻫﻮ ﰲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﺄﻧﻪ ﻗﺎﻋﺪة ﻣﻦ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻌﻠﻮم ،ﺗﻌﻄﻴﻚ املﺜﻞ اﻟﺬي ﺗﺮﻳﺪه ﻷﻧﻬﺎ ﻫﻲ ذﻟﻚ املﺜﻞ ﻻ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻄﻲ وﺗﻤﻨﻊ. ﻓﻠﻮ أرﻳﺪ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﲆ اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ واﻟﻠﺆم واﻟﺠﺒﻦ واﻟﺘﻤﻠﻖ وﻧﺤﻮﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﰲ املﺘﺸﺒﻬني ﺑﻪ ﻟﺰاد وﻓﺎء وﻛﺮﻣً ﺎ وإﻗﺪاﻣً ﺎ وأﻧﻔﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻃﻴﺐُ اﻟﻌﻮد ﺑﺈﺣﺮاﻗﻪ. ﻳﺰن أﻛﺜﺮأرأﻳﺖ إذن ﻣﻘﺪار اﻟﺪرﻫﻢ اﻟﺬي ﻳﻨﻘﺺ اﻟﺸﻌﺐ؟ إن أﻛﱪ رﺟﺎل اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻻ ِ ﻣﻦ درﻫﻢ واﺣﺪ ﰲ ﻣﻴﺰان ﷲ. وﻣﻦ ﻧﻜﺪ اﻟﺪﻧﻴﺎ أﻧﻚ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺮى املﺼﻠﺤني ﺣﻴﺚ ﺗﺮى ﻧﻔﺴﻚ ﻻ ﺗﻔﻘﺪﻫﻢ ﰲ ﻣﻜﺎن ،ﺛﻢ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ اﻷﻣﺮ ﻣﻌﻬﻢ إﻻ ﻓﺴﺎدًا؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺼﻠﺤﻮن ﺑﺎﻟﺘﺸﺒﻪ واﻟﺘﻘﻠﻴﺪ أو ﺑﻘﻮة اﻹرادة أو ﺑﺈرادة اﻟﻘﻮة؛ وإن أﺣﺪﻫﻢ ﻟريﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺼﻠﺤً ﺎ ﻓﻴﻜﻮن ،ﺛﻢ ﻳﺒﺘﻐﻲ أن ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻞ املﺼﻠﺤني ﻓﻼ ﻳﱪح ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻔﺴﺎد ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺪه أو ﻳُﻮﺟﺪه ،ﺛﻢ ﻻ ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻳﺘﺨﺬ اﻷﻃﺒﺎء ﰲ ﺗﺠﺎرﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎﻗري ،ﻓﻴﺴﺘﺤﻖ ﻃﺎﺋﻔﺔ وﻳﻤﺰج ﻃﺎﺋﻔﺔ وﻳﺬﻳﺐ ﻃﺎﺋﻔﺔ؛ ﻛﻞ ﻫﺬا واﻟﺸﻌﺐ ﻳﻘﻴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻠﻮث ﺑﺎﻟﻘﺬَر ﻛﺎﻟﺒﺬﻟﺔ ﰲ ﻧﻄﺎق املﺘﺒﺬل؛ وﻫﻮ داﺋﺐ ﻋﲆ أﻣﺮه ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻔﺮ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻋﻦ ﻣﺰﻳﺞ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ ﻓﻴﻌﺮف ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮة اﻷوﱃ أﻧﻪ ﻋَ َﺮق اﻟﺨﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﱠ ﺗﻔﺼﺪت ﺑﻪ ﻣﻦ ﻃﻮل ﻣﺎ أﺟﻬﺪﻫﺎ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ … ﻣﺜﻼ واﻗﺮأه ﺛﻢ ﺗﺪﺑﺮه ﺛﻢ أرﺳﻠﻪ ﻣﻦ ﻳﺪك وأرﺳﻞ أﻟﻔﺎﻇﻪ ﻣﻦ روﺣﻚ، ﺧﺬ أﺣﺪ اﻟﻘﻮاﻧني ً وﺗﻐﻠﻐﻞ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ ﰲ رﺟﺎﻻ ﻳﺘﺴﻠﻠﻮن ،ﻓﺄﺗﺒﻌﻬﻢ ﻗﻠﺒﻚ واﻧﻈﺮ أﻓﻌﺎﻟﻬﻢ َ ً ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺳﺘﻨﻘﻠﺐ ﻣﻜﺎﻣﻦ اﻟﻨﻴﺎت وأﺑﻌﺪ إﱃ ﻣﻄﺎرح اﻟﻈﻨﻮن وﻛﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻄﻨﺔ وﺣِ ﺬا ًرا ﻛﺄﻧﻚ ﺗﺴﺘﻨﺒﺊ أﺧﺒﺎر ﻛﻞ ﻧﻔﺲ ﻣﻦ ﻣَ ﻠﻜﻴﻬﺎ ،ﻓﺈذا وَﻋَ ﻴﺖ وﺗﺒﻴﻨﺖ واﺳﺘﱪأت ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﻚ ﻓﻴﻪ إﱃ ﻣُﻨﻘﻄﻊ اﻟﻴﻘني ﻇﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا واﺟﻬﺪ ﺟﻬﺪك ﰲ ﻓﻬﻤﻬﻢ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺈﻧﻚ ﺳﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻓﺎﻣﺴﺨﻬﻢ أﻟﻔﺎ ً وُﺿﻌﺖ ﻟﺘﻔﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺜﺒﺖ ﰲ أذﻫﺎن واﺿﻌﻴﻬﺎ ﻻ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺤﻮل ﰲ أذﻫﺎن اﻟﻨﺎس ،وﺳﱰى ذﻟﻚ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺘﺎب ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﻨﺤﺎة املﺘﺄﺧﺮﻳﻦ :ﻗﻠﻤﺎ ﺗﻌﺮض ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺎﻋﺪة إﻻ ﻛﺎن أﺳﺎﺳﻬﺎ »زﻳﺪًا وﻋﻤ ًﺮا وﺑﻜ ًﺮا وﺧﺎﻟﺪًا …« ﻓﻴﺪﺧﻞ ﻫﺆﻻء املﺴﺎﻛني ﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﺎب ﻟﻴﻄﺒﻘﻮا ﻋﲆ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻻ ﻟﻜﻲ ﺗﻄﺒﱠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ … وﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﺄﺗﻰ ذﻟﻚ إﻻ ﻣﻦ اﻟﻔﻬﻢ املﻴﺖ ﰲ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻹﺻﻼح، 21 ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ ﻓﺈن املﻌﺎﻧﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﻤﻮت ﻣﻌﻪ وﻳﺒﻘﻰ ﻛﻞ ﻟﻔﻆ ﻛﺄﻧﻪ ﻗﱪ ﻳﺘﻔﺎءل ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ وﺗﺠﺮي ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺪﻣﻮع وﺗﻨﺸﻖ املﺮارات وﻫﻮ ﻻ ﻳﺠﻴﺐ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻛﻞ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﻄﻠﺐ ﻣﻴﺖ ﺟﺪﻳﺪ. ﻻ ﻣﻔﺮ ﻟﻠﺨﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ،وأﻧﻰ ﻟﻬﻢ املﻔﺮ واﻟﺴﻤﺎء ﻓﻮﻗﻬﻢ واﻟﴩاﺋﻊ ﺗﺤﺖ اﻟﺴﻤﺎء واﻟﻘﻮاﻧني ﺗﺤﺖ اﻟﴩاﺋﻊ واﻟﺮذاﺋﻞ ﺗﺤﺖ اﻟﻘﻮاﻧني واﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺮذاﺋﻞ؟ ﻓﻮﻳﻞ ﻟﻠﻤﺴﺘﻀﻌﻔني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﺮون ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺮﺟﺔ ﺑني املﺨﺎﻟﺐ واﻷﻧﻴﺎب وﰲ أرﺟﻠﻬﻢ اﻟﻘﻴﻮد اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ،ووﻳﻞ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎهلل ﰲ ﺳﻤﺎﺋﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻌﺒﺪ ﻟﺼﻔﺎﺗﻪ ﰲ أﻫﻞ اﻷرض؛ ﻓﺎﻟﺠﱪوت ﰲ املﻠﻮك! واﻟﻜﱪﻳﺎء ﰲ اﻟﺤﻜﺎم ،واﻟﺘﻘﺪﻳﺲ ﰲ اﻟﻘﻮاﻧني ﻋﺎدﻟﺔ وﻇﺎملﺔ. واﻟﻌﺰة ﰲ اﻟﻘﻮة وﻣﺎذا ﺑﻘﻲ هلل وﻳﺤﻚ؟ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺬي ﻳﴩق ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻛﺄﻧﻪ وﺟﻪ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﺑَﻌُ ﺪ ﻓﺂﻣﺎﻟﻪ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻧﻔﺲ ﺣﻘرية ،إﻧﻲ أرى اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ هلل وﺣﺪه؛ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻜﺮ اﻟﺮوح ﰲ ﻣﺒﺪﺋﻬﺎ واﺗﺼﺎﻟﻬﺎ ﺑﻪ ،وإن ﻛﺎن ﰲ اﻷرض ﻋﺒﻮدﻳﺔ ﴍﻳﻔﺔ ﻓﻬﻲ ﻟﻠﺤﺐ وﺣﺪه ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻜﺮ اﻟﻘﻠﺐ ﰲ ﻣﺮﺟﻌﻪ واﺗﺼﺎﻟﻪ ﺑﻪ؛ وﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﺒﻌﺪ اﻷﻋﻤﻰ ﻟﻌ ﱠﻜﺎزﺗﻪ ﻷﻧﻪ ﻳﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﴫًا ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮ ،واﻟﺸﻴﺦ اﻟﻬﺮم ﻟﻌﺼﺎه ﻷﻧﻪ ﻳﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﴫً ا ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ،واﻟﻄﻔﻞ اﻟﺼﻐري ﻟﻠﻌﺒﺘﻪ ﻷﻧﻪ ﻳﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﴫًا ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ — ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﺒﻌﺪ ﻋﺎﺷﻖ اﻟﺠﻤﺎل ﻟﻠﺠﻤﺎل؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺮى ﻓﻴﻪ ﻟﺮوﺣﻪ وﻗﻠﺒﻪ ﻧﻈ ًﺮا وﻋﻘﻼ ،ﻓﻴﺒﴫ وﻳﻘﻮى وﻳﻌﻘﻞ إذا ﻋﻤﻲ ﻏريه وﺿﻌﻒ وﺧﺮف؛ وﻳﻌﻠﻢ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺑﻨﻈﺮة ً وﺷﺒﺎﺑًﺎ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ أن اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻟﻠﺤﺐ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻫﻲ ﻣﺒﺪأ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ هلل. 22 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ وﻟﻌﻤﺮي أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ إﻧﻲ ﻷﺷﻜﻮ إﻟﻴﻚ ﺑﺜﻲ وﺣﺰﻧﻲ ،وأﻧﺎﺟﻴﻚ ﺑﺄﺣﻼم اﻟﻨﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وإﻧﻚ آﺧﺬ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ً ﻗﻮﻻ وأرﺟﻊ إﻟﻴﻚ ﻟﺘُﺠﻴﺒﻨﻲ اﻟﺠﻮاب اﻟﺼﺎﻣﺖ اﻟﺒﻠﻴﻎ ﻓﺘﻄﺮح أﺷﻌﺘﻚ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ ُ ﻗﻮﻻ ،ﻛﺎﻟﻌﺎﺷﻖ ﻳﺮى ﰲ أﻟﺤﺎظ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮة اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ وﻣﺎ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﺑﻌﻀﻬﺎ ً وﻟﻘﺪ أرى ﻟﻚ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﺷﻌﺎﻋً ﺎ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻗﺪ اﺳﺘﺒﻬَ ﻢ ﻋﲇ ﱠ ﻓﻠﺴﺖ أﻋﻠﻤﻪ ،وﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ أﺑﻌﺪ َﺳﻤْ ﺖ ﰲ اﻟﺴﻤﺎء إﱃ أﻋﻤﻖ َﻏﻮْر ﰲ اﻟﻘﻠﺐ ،وإﻧﻤﺎ اﻧﺤﺪر ﰲ أﺷﻌﺘﻚ ﻟﻴﻤﺘﺰج ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﻐﺰل ﻳﺴﺘﺄذن ﺑﻪ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺬي ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻓﻴﻚ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل. وﻣﺎ أدري ﻣﺎ أﻣﺮ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺎع؛ ﻏري أﻧﻲ أﺣﺲ أﻧﻪ ﻳﻨري ﰲ ﺣﻠﻚ اﻟﻈﻠﻤﺔ اﻟﺨﺎﻟﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﻤﻌﺎن رﻗﻴﻘﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ٍ ﻓﺼﻠﺖ ﺑﻴﻨﻲ وﺑني أﻳﺎم وُﻟﺪت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻌﻲ ،ﻓﺄراه ﻳﻘﺎﺑﻞ ﻧﻔﴘ ﻓﺼﻼ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔً أرواح ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم املﺎﺿﻴﺔ ،ﻛﺄﻧﻪ اﺗﺴﻖ أﺳﻄ ًﺮا ﻧﻮراﻧﻴﺔ أﻗﺮأ ﺑﻬﺎ اﻟﺬي ﺗﻀﺤﻚ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ اﻟﻀﺤﻚ. ً ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻃﻔﺎل واﻟﺘﻲ ﻳﻀﺤﻚ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل أﺣﻴﺎﻧﺎ إذا اﺳﺘﻤﻌﻮا ﻟﻬﺎ ﻷن ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ أﺛﺮﻫﺎ. ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ املﻮﺳﻴﻘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻴﺾ أﻟﺤﺎﻧًﺎ ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﺤﺰن ،واﻟﺘﻲ ﺗﻮﻗﻊ أﻧﻐﺎﻣﻬﺎ ﻋﲆ ﻛﻞ ﳾء ﺗﺼﺎدﻓﻪ ﻛﺄن ﻛﻞ ﳾء ﻳﻨﻘﻠﺐ ﰲ ﻳﺪ اﻟﻄﻔﻞ أوﺗﺎ ًرا ﻣ ُِﺮﻧ ﱠ ًﺔ وﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻌﺼﺎ اﻟﺘﻲ ﻳُﴬب ﺑﻬﺎ … ﱠ ﺑﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻮﻓﻖ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺴﻌﻴﺪة إﱃ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﴚء ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻜﱪ ﻓﺘﻜﻮن ﻓﻴﻪ ﻳﻨﺒﻮﻋً ﺎ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﴩب ﻣﻨﻪ اﻟﺤﺐ اﻟﻈﻤﺂن ،وﺗﺴﱰوح إﻟﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎة املﺠﻬﻮدة اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺗﻜﺎد ﺗﺘﻨﻔﺲ ،وﺗﺒﱰد ﻋﻨﺪه اﻷﺣﺰان املﻠﺘﻬﺒﺔ ،وﺗﺼﻐﺮ ﻟﺪﻳﻪ ﻛﻞ املﺼﺎﺋﺐ ﻓﺘﺨﺮج ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ إﱃ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺑﻬﺎ دﻣﻮﻋً ﺎ ﺣﺎرة؛ وﻫﻮ ﰲ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺮي ﻣﻦ ﻣﺎء اﻟﺠﻨﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ وﻳﻮم ﻛﺎن ﻻ ﻳﻈﻤﺄ ﻓﻴﻬﺎ وﻻ ﻳَﻀﺤﻰ. ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ و َﻟ َﺸﺪ ﻣﺎ اﺟﺘﻬﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺴﻌﺎدة ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻋﺮﻓﻮﻫﺎ ﺑﺘﻨﻜريﻫﺎ، ﻇﺎ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ اﻟﺒﺆس ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﻛﺜﻴﺎب اﻟﺤﺪاد اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻛﻔﺎن اﻟﺤﻲ املﺘﺼﻞ إذ أﻟﺒﺴﻮﻫﺎ أﻟﻔﺎ ً ﺑﺎملﻮت ،أو املﻴﺖ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻤﺖ؛ ﻓﺈذا أردت اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻦ ﺗﻌﺮﻳﻔﺎﺗﻬﻢ واﺑﺘﻐﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ أوﺻﺎﻓﻬﻢ ﻓﺈﻧﻚ ﺗﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪًا ﺟﺪٍّا ﺑﻞ أﺳﻌﺪ اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻓﺔ؛ ﻷن ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺘﻮﻫﻤﻚ ﺳﻌﻴﺪًا ﻣﺘﻰ ري أن ﺗﺒﻘﻰ ﺑﺈزاء ﻛﻞ ﻫﺬا ﻟﺒﺴﺖ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ،ﻓﺘﺴﻌﺪ ﺑﻌﴩﻳﻦ أو ﺛﻼﺛني ﺳﻌﺎدة ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ،وﻻ َ ﺿْ َ َ ﺑﺎﺋﺴﺎ ﰲ ﻳﻘﻴﻨﻚ اﻟﺬي ﻻ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ ﻣﺎ ﺗﺤﺲ ﺑﻪ أﻧﺖ ،وﻣﺎ ﻳﻘﻴﻨﻚ ﻫﺬا أﻳﻬﺎ اﻷﺣﻤﻖ اﻟﻨﻌﻴﻢ ً ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺛﻼﺛني ﻇﻨٍّﺎ ﻣﻦ ﻇﻨﻮن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ! إﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺘﺪﱡوﻧﻚ ﺷﻘﻴٍّﺎ اﻟﺒﺘﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﻘﻰ ﺑﺜﻼﺛني ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺆس ﻛﻤﺎ ﺳﻌﺪت ﺑﺜﻼﺛني ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة …! ﻛﻠﻤﺘﺎن ﻫﻤﺎ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﺿﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺿﻼل اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ اﻟﺴﻌﺎدة ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ ﻷن ﻟﻐﺘﻬﺎ ﺳﻠﺴﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ املﻘﺎﻃﻊ ﻛﻠﻐﺔ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻄﻮي اﻟﺤﺮف اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺷﻌﻮر اﻟﻨﻔﺲ ﻛﻠﻬﺎ.أﺗﺪري ﻣﺎ ﻫﻤﺎ؟ أﻓﺘﺪري ﻣﺎ اﻟﺴﻌﺎدة ﻃﻔﻮﻟﺔ اﻟﻘﻠﺐ! ذاك أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ وإﻧﻲ ﻷﺣﺲ ﻛﺬﻟﻚ أن ﻗﻠﺒﻲ ﻳﻄﺮح ﻋﲆ ﺳﺎﺣﻞ أﺷﻌﺘﻚ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻵﻣﺎل املﺤﻄﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎل ﻣﺜﻮاﻫﺎ ﰲ ﻟُﺠﺞ اﻟﻬﻢ ،ﻛﺒﻘﺎﻳﺎ اﻟﻐﺮﻗﻰ ﰲ أﻋﻤﺎق اﻟﻴﻢ؛ وﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ﻣﺎض ﰲ زﻣﻦ وﻗﻊ واﻧﻘﻄﻊ ،أو ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺎ ﻋﴗ أن ﺗﺠﺪي ﻫﺬه اﻟﺒﻘﺎﻳﺎ؟ إﻧﻬﺎ أﺛﺮ ﻣﻦ رﺟﺎء ٍ ﻃﻴﺒﺔ ﻗﺪ ﻣﺎت أﻫﻠﻬﺎ ،أو ﺷﻌﺎع اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ أﺧﻠﺪﻫﺎ اﻟﺤﺐ ﰲ ﻗﻠﺒﻲ؛ ﻷﻧﻬﺎ روح ﺷﺒﺎﺑﻲ واﻷرواح ﺧﺎﻟﺪة ،أو ﻣﻌﻨﻰ ﺣﺰﻳﻦ ﺗُﻌﺸﻘﻪ اﻟﺪﻣﻮع ﻓﻼ ﺗﺰال ﺗﻨﺎزع إﻟﻴﻪ ،أو ﻗﻄﻌﺔ ﻣُﺜ ﱠﻠﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮى ﺗﻤﺮ اﻷﺣﺰان ﻣﻦ ﺻﺪوﻋﻬﺎ أو آﻣﺎل ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻛﺄﻧﻬﺎ أﺣﻼم ﻳﻌِ ﱡﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺎﺋﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺎم … وﻳﻜﺴﻮﻫﺎ اﻟﻬﻢ اﻟﺒﻠﻴﻎ ﺛﻮب اﻻﺳﺘﻌﺎرة ﻓﻴﺘﺨﻴﻠﻬﺎ اﺑﺘﺴﺎﻣﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ﻛﻤﺎ ﻳﺮى املﺪﻣﻦ ﰲ ﻋﻨﺎﻗﻴﺪ اﻟ َﻜﺮم ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺮ ،أو ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة ﻣﻌﺬﺑﺔ ،ﻳﻘﻮل ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﺒﺆس :إن اﻟﻘﺪر أﺑﻘﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺼﺔ اﻟﻘﻀﺎء ،وﻳﻘﻮل ﺣﻜﻤﺎء اﻹﻳﻤﺎن :إﻧﻬﺎ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﻣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﺬاب إﻟﻴﻬﺎ »أي اﻟﻐﺎﻳﺔ« رأﻳﻨﺎ ﺛﻤﺔ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﷲ! ﻓﺪﻋﻨﻲ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ أﺣﻤﻞ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻋﻤﺮي :إﻧﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﻗﻄﻌﺖ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﻴﺎة وﺿﻌﺖ ﻋﻨﺪﻫﺎ أﺣﻤﺎﱄ وﻋﺪت أدراﺟﻲ ﻷﺟﻤﻊ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﻨﺎﺛﺮ ﻣﻨﻲ ،ﻓﺄﻗﻄﻊ ﻛﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺛﻼث ﻣﺮات؛ ً ﺧﻔﻴﻔﺎ ً ﻣﺜﻘﻼ ﺑﺄﻳﺎﻣﻪ ،وأﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺄﻣﴤ ﻓﻴﻬﺎ أﻣﺎ إﺣﺪاﻫﺎ ﻓﺄﻛﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﺸﻴﺦ اﻟﻔﺎﻧﻲ ﻳَﺪﻟﻒ ﻻ أﺣﻤﻞ إﻻ اﻟﻨﻮم ﰲ أﺟﻔﺎﻧﻲ ،وأﻣﺎ اﻷﺧﺮى ﻓﺄﻋﻮد ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄﺛﺎرة ﻣﻦ اﻷﺣﻼم ﺗﺨﻒ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ ﻟﻮﻻ ﻣﺎ ﻳﺨﺎﻟﻄﻬﺎ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ اﻟﻔﻜﺮ ﰲ ﻗﻄﻊ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨﻬﺎر اﻟﺠﺪﻳﺪ. 24 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ً ﺣﻤﺎﻻ … وﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺪاء ﻟﺴﺨﺮ ﱄ اﻟﻘﺪر ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻲ ،ﺑﻞ ﻟﻜﺎن ﻇﲇ ﻧﻔﺴﻪ وإذا أردت أن ﺗﺮى ﻗﻮﻣً ﺎ ﻳﺮﺛﻮن ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻠﺪﻫﻢ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ذوي ﻗﺮﺑﺎﻫﻢ وﻟﻢ ﻳﻤﺖ إﻟﻴﻬﻢ ً وأﺛﻘﺎﻻ ﻣﻊ أﺛﻘﺎﻟﻪ.وﻟﻴﺲ ﺑﺴﺒﺐ واﺻﻞ ﻓﺎﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﺒﺎﺋﺴني؛ ﻓﺈن ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺤﻤﻞ أﺛﻘﺎﻟﻪ أﺧﻒ ﻣﻦ أﺣﻤﺎل اﻟﺒﺆس وﺣﺪه؛ إذ ﻫﻲ ﻻ ﺗﻌﺪو اﻟﺠﻮع اﻟﺬي ﺗﻜﴪ ِﴍﱠﺗﻪ ﺑﻜﴪة ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ، واﻟﺘﻌﺐ اﻟﺬي ﻳﺬوب ﰲ ﻏﻤﻀﺔ اﻟﻌني ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻨﻮم ،وﻣﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ اﻟﺒﺎﺋﺴﻮن ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ أﺛﻘﺎل اﻟﺴﻌﺪاء؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻇﻬﻮر ﻟﻠﺤﻤﻞ … ﻓﻤﻦ ﻳﺤﻤﻞ اﻷﻣﺮاض اﻟﺘﻲ ﻻ ﻗﻮام ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ إﻻ ﺑﻬﺎ ﻣﺪة ﺻﺤﺔ اﻟﺴﻌﺪاء؟ وﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻬﻤﻮم ﻣﺪة ﻧﻌﻴﻤﻬﻢ واﻏﱰارﻫﻢ وﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺪﻣﻮع ﻣﺪة ﺿﺤﻜﻬﻢ واﻓﱰارﻫﻢ؟ وﻣَ ﻦ وﻣَ ﻦ وﻣَ ﻦ إﻻ ﻫﺬا اﻟﺒﺎﺋﺲ اﻟﺬي ﺗﺼﻴﺒﻪ داﺋﻤً ﺎ ً واﻗﻔﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻷﻗﺪار ﻷﻧﻪ ﺑﺮﻗﺔ ﻗﻠﺒﻪ وﺳﺬاﺟﺔ روﺣﻪ ﻳﻜﻮن داﺋﻤً ﺎ أﻗﺮب اﻟﻨﺎس إﱃ اﻟﺴﻤﺎء! أﻣﺎ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻐﻴﺒﻮن ﰲ ﻇﻠﻤﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺘﻬﺞ اﻟﺴﻤﻚ ﻛﻠﻤﺎ ﻏﺎص ﰲ ﻇﻠﻤﺎت املﺎء ،ﻓﻜﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺘﻌﺎون اﻷﻗﺪار وﺗﺘﻈﺎﻫﺮ ﻟﺠ ﱢﺮ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺨﻴﻮط اﻟﺸﺒﻜﺔ وﻫﻮ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺠﺎﻫﺪﻫﺎ ﻟﻴﻔﻠِﺖ ،ﻓﱰى ﺷﺒﻜﺔ ﻫﺬا اﻟﺤﻮت اﻟﺬﻫﺒﻲ وﻗﺪ ﻋَ ﻠﻘﺖ ﺑﻬﺎ اﻷﻳﺪي ﻳﻘﺮض ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻣﻦ ﺟﻬﺔ واﻷﻃﺒﺎء ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺈن ﻣﺎﻟﻪ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ إﱃ ﻣﻘﺎرﻳﺾ ﺗﺄﺧﺬ ﺷﺒﻜﺔ اﻷﻗﺪار ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻬﺎﺗﻪ. ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ ﻓﻜﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻤﻮت ﻫﺬا اﻟﺴﻌﻴﺪ وﻫﻮ ﻳﺠﺬب اﻷﻗﺪار أو ﻫﻲ ﺗﺠﺬﺑﻪ، ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻮﺗًﺎ ﻟﻠﻤﻮت ،وﻳﺼﺪف وﺟﻬﻪ ﻣﺮة وﻳﺸﻴﺢ ﺑﻪ ﻣﺮة ﻛﺄن اﻷرض ذاﺑﺖ أو ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أن ﺗﻤﺴﻜﻪ ،وﻛﺄن اﻟﺠﻬﺎت اﻷرﺑﻊ اﻧﺰوت ً ﺗﺨﻠﺨﻠﺖ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻻ ﺗﻘﻮى أن ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻧﻔﺲ ﰲ ﻓﻤﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻼ ﻳﺮى إﻻ ﺟﻬﺔ اﻟﺴﻤﺎء ،ﺛﻢ ﻳﺤﺘَﴬ واﻟﺤﻴﺎة أﻣﺮ ﻣﺎ وﺟﺪﻫﺎ ،وﻛﻞ َ ُﻗﺒﻠﺔ ﻣﺮة ﺗﻘﻄﺮ ﻣﻦ ﻓﻢ اﻟﺮذﻳﻠﺔ اﻟﺸﻮﻫﺎء ،وﻳﻜﺸﻒ ﻋﻨﻪ ﻏﻄﺎؤه ﻓريى ﻣﺎﺿﻴﻪ ﺑﻌني ﺻﺎﻓﻴﺔ ﻋﻘﻮﻻ ﻣﻔﻜﺮة ،ﻓﻼ ﺗﻨﻔﺬ إﺣﺪاﻫﺎ إﱃ أﻣﺮ ﻣﻦ أﻣﻮره أو ﻓﻌﻠﻪ ﻣﻦ ﻓﻌﻼﺗﻪ ً ﺗﻜﺎد ﻧﻈﺮاﺗﻬﺎ ﺗﻜﻮن إﻻ أﺑﺎﻧﺖ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻤﻦ ﺣﻴﺜﻤﺎ اﻟﺘﻔﺖ ﻻ ﻳﺮى إﻻ وﺟﻮه اﻷدﻟﺔ، وﻣﻦ ﺣﻴﺜﻤﺎ أﺻﻐﻰ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ إﻻ إﻗﺮارﻫﺎ ،وﻳﺪرﻛﻪ املﻮت ﻓﻴﻘﻮل إﻧﻲ ﺗﺒﺖ اﻵن … ﻛﻼ إﻧﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﻫﻮ ﻗﺎﺋﻠﻬﺎ ،وإﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﷲ ﻣﻦ ﳾء ،وإﻧﻪ ﻟﻴﻘﺒﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﷲ وﻫﻲ ﰲ ﻓﻤﻪ ﻛﺎﻟﻔﻀﻴﺤﺔ أو أﺷﺪ ﺧﺰﻳًﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻤﻮت وﻗﺪ ﺟﻬﺪ ﺑﺎملﻮت وﺟﻬﺪ املﻮت ﺑﻪ ،ﻓﻴﺼﻌﺪان وﻛﻼﻫﻤﺎ ً ﺧﻔﻴﻔﺎ ﻫﺎدﺋًﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺘﺒﺎﻃﺊ واملﻮت ﻣﺎ ﻳﻜﺎد ﻳﺤﻤﻠﻪ وﻳﺤﻤﻞ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻻ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻮت اﻟﻔﻘري ﺧﻔﻴﻔﺎ ﻫﺎدﺋًﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺟﻤﻴﻞ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻪ رﺳﺎﻟﺔً ﻃﺎﺋﺮ ﺑﺴﻂ ﺟﻨﺎﺣﻪ وﻃﺎر ،وﻻ ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻌﺪ ﻣﻌﻄﺮة. 25 ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ وأﻛﱪ ﻇﻨﻲ أن ﺑﻌﺾ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻳﻤﻮت ﰲ اﻷرض وﻳﻨﺘﻬﻲ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻴﺘًﺎ وﻻ ﻳﺤﻴﺎ ﻫﻨﺎك إﻻ ﺑﻌﻼج … ﻳﺪﻓﻊ ﺛﻤﻨﻪ ﺑﺒﺪﻧﻪ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﰲ اﻵﺧﺮة ﻏريه ،ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺴﺠني املﻔﻠﺲ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ أﺟ َﺮ ﻣﺎ ﻳﺄﻛﻠﻪ ﰲ ﺳﺠﻨﻬﺎ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻪ. وﻣﺎ ﻛﺘﺐ املﻼﺋﻜﺔ ﻗﻂ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻫﻲ أﺷﺎم ﻃﺎﺋ ًﺮا ﰲ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻦ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻏﻨﻲ ﺣني ﻳﺤﺘﴬ ،وﻫﺬه اﻟﺼﺤﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄري ﺑﻤﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﺒﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻇﻨﻮن اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺮاﺣﻠﺔ ﺳﻄﻮ ًرا ﻛﺄﻧﻬﺎ »ﻓﻨﻐﺮاف« املﻮت ،وأﺣﺴﺐ أن اﻟﺴﻄﺮ اﻷول ﻣﻦ »اﻟﻈﻨﻮن اﻟﻐﻨﻴﺔ« ﻳﻜﻮن ﺟﺒﻨًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ،وﻳﻜﻮن اﻟﺴﻄﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺧﻼء ﻷﻧﻪ ﻣﻮﺿﻊ رﻋﺪة ﻓﻼ ﺗﺜﺒﺖ ﻓﻴﻪ ﻳﺪ املﻠﻚ ،وﻳﻜﻮن ﻣﺴﺘﺤﻴﻼ ،واﻟﺴﺎدس ً أﻣﻼ ﻣﻀﺤ ًﻜﺎ ،واﻟﺴﺎﺑﻊ ً اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻧﺪﻣً ﺎ ،واﻟﺮاﺑﻊ ﻣﺠﺎزﻓﺔ ،واﻟﺨﺎﻣﺲ رﺟﺎءً ﻛﻠﻤﺎت رﻛﻴﻜﺔ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﻀﺌﻴﻞ ،واﻟﺜﺎﻣﻦ ﺣﺮوف ﺧﻴﺎﻻت ﻣﻦ املﺎﴈ اﻷﺛﻴﻢ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻘﺒﻠﺔ ﺑﻤﺨﺎزﻳﻬﺎ؛ أﻣﺎ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻤﺎ ﻳﻮﰱ ﻋﲆ اﻟﺘﺘﻤﺔ ﻓﺈﱃ ﷲ أﻣﺮه وﰲ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﺎ إن ﻗﻠﻴﻠﻪ أﻫﻞ ﻷن ﻳﺴﺘﻌﻈﻢ ﻓﻴﺴﺘﻌﺎذ ﺑﺎهلل ﻣﻨﻪ :وﻣﺎ ﻛﻞ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻳﻠﻘﻮن رﺑﻬﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺼﺤﻴﻔﺔ اﻟﺴﻮداء ،إن أرﻳﺪ إﻻ اﻟﻐﻨﻰ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻘريًا ﻟﻴﻤﻮت ﻏﻨﻴٍّﺎ ،ﻓﱰى أﻣﻮاﻟﻪ أرﻗﺎﻣً ﺎ ﻻ ﻋﺪاد ﻟﻬﺎ ﺗﻤﻸ اﻟﺴﻔﺎﺗﺞ »اﻟﺤﻮاﻻت« واﻟﺪﻓﺎﺗﺮ واﻟﺪواوﻳﻦ وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ رﻗﻢ ﻣﺆﻣﻦ ﺗﺜﺒﺘﻪ املﻼﺋﻜﺔ ﰲ ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻟﺤﺴﻨﺎت ﻟﻴﺨﺮج ﻣﻦ ﺣﺴﺎب اﻟﻨﺎس إﱃ ﺣﺴﺎب ﷲ! وﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ﻣﺎذا ﻳﺮﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﻐﻨﻲ اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ؟ أﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺸﱰي اﻷرض أم أﻫﻠﻬﺎ؟ وﻫﻞ ﻳﻈﻦ أﻧﻪ ﻳﻮم ﻳﺸﱰي اﻷرض ﻻ ﻳﺸﱰي ﻓﻴﻬﺎ ﻗﱪه ،وﻳﻮم ﻳﺴﱰق اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺸﱰي ﺑﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻳﻠﻌﻨﻪ؟ وإذا دﻓﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻣﺮئ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻪ ﻟﻌﻨﺔ ﺑﻐﻴﻀﺔ ﻣﻦ ﻟﻌﻨﺎت اﻟﻨﺎس، وﻳﻬﺎل ﻋﻠﻴﻪ أﻟﻔﺎظ ﺑﻐﻴﻀﺔ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻘﺎر ﻓﻴﺜﻮى ﻣﻦ ذﻟﻚ ﰲ ﻗﱪ أﺑﺪي. املﺎل اﻟﻜﺜري ﺣﺎﺟﺎت ﻛﺜرية ،وﺣﺎﺟﺎت ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻣﻌﺪودة ﻣﺤﺪودة ،وﻣﻬﻤﺎ ﺣﺎول وزاول ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻌﺪو ﺣﺪه اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ؛ إذ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻏﺮوره وﻃﻤﺎﺣﻪ ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻗﻔﻼ ﺻﻐريًا ،ﺑﻴﺪ أﻧﻪ ﻣﺘني ﻻ ﻳﻘﺘﺤﻤﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ املﻌﺪة ﻗﻴﺪًا ﰲ ﺑﺎﻃﻨﻪ ووُﺿﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺐ ً إﻻ املﻮت ،ﻓﻠﻴﻔﻌﻞ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻣﺎ ﺷﺎءوا ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺣﻴﺚ ﻫﻢ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻔﻘﺮاء واملﺴﺎﻛني ﻫﻬﻨﺎ وﻫﻬﻨﺎ.واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺤﺪودة داﺋﻤً ﺎ ﺑﺬاﺗﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻮﻫﻢ ﻗﺒﺤﻪ ﷲ؛ ﻫﻞ رأﻳﺖ رﺟﻼ ﻳﻨﻈﺮ ﺑﻌﻴﻨﻲ رأﺳﻪ إﱃ ﴍف ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻓﻴﻠﻤﺢ ﻓﻴﻪ رأس رﺟﻞ ﻗﺪ أﻃﻞ ﺛﻢ ﻳﺤﺴﺐ ﺿﻠﺔ ً أن ﻫﺬا اﻟﺮأس ﻗﺪ اﻧﺨﻠﻊ ﻣﻦ ﻣﻐﺮز اﻟﻌﻨﻖ ﻓﺎرﺗﻔﻊ ﺣﻴﺚ ﻳﻠﻮح وﺗﺮك ﺟﺜﺘﻪ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻋﲆ اﻷرض؟ إﻧﻚ ﻻ ﺗﺠﺪ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ وﻻ ﺑني املﺠﺎﻧني ،وﻟﻜﻨﻚ ﺗﺠﺪ ﻋﺎ ًملﺎ ﺑني اﻟﻔﻘﺮاء ﻛﻠﻪ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﻗﻠﻴﻼ وﺻﺎر اﻻرﺗﻔﺎع ﰲ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻐﻨﻰ دون ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻬﻮاء؛ ﻷن اﻟﻔﻘري ﻣﺘﻰ اﻟﺘﺒﺲ اﻷﻣﺮ ً 26 اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻐﻨﻲ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺮى ﺣﺪٍّا ﱢ اﻟﻐﻨﻲ ﺑﺈرادﺗﻪ ﻻ ﺑﻌﻴﻨﻪ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ إرادﺗﻪ ﰲ ﱢ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﻟﻠﻐﻨﻲ ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺮاه ﻣﻦ اﻻرﺗﻔﺎع واﻟﺴﻤﻮ ﰲ ﻣﻜﺎن ﻟﻮ ﻗﺬﻓﻪ ﻣﻨﻪ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺳﺨﻂ ﻟﻘﺘﻠﻪ …! ﱢ وﻛﺬﻟﻚ ﻳﻠﻘﻰ اﻟﻐﻨﻲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﺣني ﻳﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﻔﻘري وﻻ ﻳﺮاه إﻻ ﺑﻬﻮاه وﻟﺬاﺗﻪ؛ ﻓﻘﻞ اﻵن َ وأوﺳﻌﻪ ﰲ ﻗﴫ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺻﺪَﻓﺔ ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻋﻦ ﻟﺆﻟﺆﺗﻬﺎ ،ﻗﺪ ﺑﺎﻟﻎ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﰲ ُزﺧﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺷﻬﻮات ﻧﻔﺴﻪ وأﻗﺎﻣﻪ ﻋﲆ اﻷرض ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻬﺎ ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻠﻪ ﻇﺎﻣﺌًﺎ ﻇﻤﺄ اﻟﺸﺒﺎب وﻗﺪ ً ﻣﺘﺸﺎوﺳﺎ ﻣﺎ ﻳُﻤﺴﻚ ﻋﻄﻔﻴﻪ ﻛﱪًا وﺧﻴﻼء، ﻣﻠﻜﺘﻪ ﺳﻮرة اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ وﻳﺠﻮل ﰲ أﺑﻬﺎﺋﻪ وﺣﺠﺮاﺗﻪ وﻳﻨﺘﻬﻲ إﱃ أﺟﻤﻞ ﻣﻮﺿﻊ ﻣﻨﻪ ﻓﺈذا ﻫﻮ ﻻ ﻳﺮى ﺛﻤﺔ إﻻ ﺛﻮﺑًﺎ أدﻛﻦ ﻣُﻐﱪًا ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻨﺴﻮج ﻣﻦ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺬﺑﺎب وﻗﺪ ﺑﲇ وﺗﻬﺘﻚ واﺳﺘﻮﺿﺤﺖ ﰲ ﺟﻮاﻧﺒﻪ رﻗﻊ ﺑﺎدﻳﺔ ﻣﻦ أﺿﻼع ﻓﻘري ﺑﺎﺋﺲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ رﺋﺘﺎه 1ﻓﻤﺎ ﻳﻨﻔﻚ ﻳﺼﺐ ﻓﻤﻪ دﻣً ﺎ وﺻﺪﻳﺪًا وﻫﻮ ﻣﻬﺰول ﻳﻀﻄﺮب ﰲ ﺛﻮب أﺿﻴﻖ ﻣﻦ رﺋﺘﻪ وﻣﺎ ﻳﻜﺎد ﻳﻤﻠﺆه ﻛﺄﻧﻪ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻋﻈﺎم املﻴﺖ ﰲ ﻛﻔﻨﻪ اﻟﻘﺪﻳﻢ! وﻟﻮ ﻋﻘﻞ اﻟﻔﻘري املﺴﻜني ﻟﻌﺮف أﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺻﻐﺮت ﻗﻄﻌﺔ اﻟﺰﺟﺎج املﻠﻮﻧﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺼﺒﻎ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻮاﺳﻊ ﻛﻠﻪ ﺑﻠﻮﻧﻬﺎ ﰲ رأي اﻟﻌني ،ﻓﺎﻟﻔﻘﺮ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺻﺒﻎ اﻟﻐﻨﻲ ﺑﺄﻟﻮاﻧﻪ اﻟﺒﻬﺠﺔ اﻟﺮﻓﺎﻓﺔ ﻻ اﻟﻐﻨﻲ ،وﻟﻮ ﺻﺢ ﻧﻈﺮ اﻟﻔﻘري ﻟﺼﺤﺖ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻐﻨﻲ وﻟﺼﺎر أﻣﺮ ﻫﺬا اﻟﻘﻴﺎس إﱃ اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻜﻠﻴﻬﻤﺎ ،وﻫﻤﺎ ﺳﻮاء ﻓﻴﻬﺎ ،ﻳﺠﺪﻫﺎ اﻟﻐﻨﻲ ﺑﻼ ﻛﺪ ﻓﻤﺘﻰ ﺗﻨﺎوﻟﻬﺎ أﺗﻌﺒﺘﻪ وﻣﻠﻬﺎ ،وﻳﻜﺪح ﻟﻬﺎ اﻟﻔﻘري ﻓﻤﺘﻰ ﺗﻨﺎوﻟﻬﺎ أراﺣﺘﻪ ورﺿﻴﻬﺎ أﻛﺜﺮﻫﺎ وأﻗﻠﻬﺎ ،وﺣني ﻳﻨﺎم ﻛﻼﻫﻤﺎ وﻳﺨﺮﺟﺎن ﻋﻤﺎ ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﻗﻠﺘﻪ وﻛﺜﺮﺗﻪ وﻳﻨﻄﺮﺣﺎن ﻋﲆ ﺗﺮاب اﻷﺑﺪﻳﺔ اﻟﺬي ﻳﺘﺴﺎﻗﻂ ﺑﻪ اﻟﻠﻴﻞ وﻳﺮﺗﻘﺒﺎن ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ رﺣﻤﺔ ﷲ ﻧﻬﺎ ًرا ﺟﺪﻳﺪًا ،ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻻ ﻳﺮاﻫﻤﺎ اﻟﻨﺎﻇﺮ إﻻ ﺟﺜﺘني ﻋﲆ ﺻﻮغ واﺣﺪ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﻳﻬﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺴﻜﻬﺎ ﷲ وأﻳﻬﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺳﻠﻬﺎ ﻓﺘﺴﺘﻴﻘﻆ! ﻃﻮﻳﻼ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ واﻟﻐﻨﻰ ﻋﻦ ﻃﺎﻋﺔ ﷲ ﻓﺘﻨﺎﻓﺮا وﺗﺪاﺑﺮا ﺛﻢً وﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل إﻧﻤﺎ اﻓﱰﻓﺎ ً اﻟﺘﻘﻴﺎ ﻟﻮﺟﻬﻪ ﺑﻐﺘﺔ ﻓﺨﺮ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﺻﻌﻘﺎ. ﻟﻴﻬﻨﺄ اﻟﻔﻘري أﻧﻪ اﻷﺳﺎس اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻣﻦ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﺼﻠﺒﺔ ﰲ ﺑﻨﺎء ﻫﺬا املﺠﺘﻤﻊ وأن اﻟﱰﻣﻴﻢ ﻻ ﻳﺘﻨﺎول إﻻ ﻣﺎ ﻓﻮﻗﻪ ،وﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﺼﻼﺑﺔ ﺑﻼ ﳾء ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺸﱰي اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻔﻘﺮه ﻧﻌﻤً ﺎ ﻛﺜرية ﻣﻦ ﷲ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻠﺆم ﻳﺴﻮل ﻟﻪ أن ﻳﺴﺎوم اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺸﱰي ﻣﻨﻪ إﻻ ﻗﻮﺗﻪ وﻋﻤﻠﻪ؛ ﻷن اﻷﻳﺪي اﻟﺘﻲ ُﺧﻠﻘﺖ ﻟﺤﻤﻞ اﻟﺬﻫﺐ ﻟﻢ ﺗﺨﻠﻖ ﻟﺤﻤﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻓﻴﺒﺘﺌﺲ ﻫﺬا اﻟﻔﻘري وﻳﺤﺴﺐ أﻧﻪ وﺣﺪه اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ املﺰﺟﺎة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﻮم ﰲ ﺳﻮق اﻟﻐﻨﻰ ﺑﺜﻤﻦ إﻻ ﺑﻀﻊ رﻏﻔﺎن ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ، ﻓﺘﺠﻒ أﺻﻮل اﻟﺪﻣﻮع اﻟﻠﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻴﻬﻤﺎ إﻻ اﻟﻠﺤﺎظ اﻟﺨﺸﻨﺔ ،وﺗﺼﺒﺤﺎن ﰲ 1ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ املﺮض ﺑﺎﻟﺴﻞ. 27 ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻤﺮ ﻧﻈﺮﻫﻤﺎ إﱃ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﻋﻴﻨﺎ ﺑﻨﺪﻗﺔ اﻟﺼﺎﺋﺪ ﻳﺴﺪدﻫﻤﺎ إﱃ اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﻼ ﺗﻘﺬﻓﺎن إﻻ ﺑﺎملﻮت ،وﻳﺼﺒﺢ ﻫﺬا اﻟﻔﻘري اﻟﺒﺎﺋﺲ وﻗﺪ ﺧﻠﻂ ﻓﻀﺎﺋﻠﻪ اﻟﺮﺛﺔ ﻣﻦ ﻣﺘﺎع ﺑﻴﺘﻪ اﻟﻘﺬر ،وﻻ ﻳﺰال ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻳﺮوﺿﻬﺎ وﻳﴪي ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺨﻮف املﻄﻤﱧ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ اﻹﻳﻤﺎن ﺣﺘﻰ ﺗﺰول ﻋﻨﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺰول اﻟﻨﻬﺎر ﻓﺈذا ﻫﻲ ﺣﺎﻟﻜﺔ ﻋﻤﻴﺎء ،وﻳﺨﺮج اﻟﺘﻌﺲ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ ﻛﻤﺎ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻰ! وﻻ ﻋﺠﺐ أن ﻳﺨﺮج ﺑﺎﺋﺲ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ؛ ﻓﺈن وراء ﻫﺬا اﻟﻔﻘﺮ ﻣﻨﺰﻟﺔ أﺧﺮى ﻻ ﻳﻨﺤﺪر إﻟﻴﻬﺎ إﻻ أﺗﻌﺲ ﺧﻠﻖ ﷲ وﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ ﻧﻔﺴﻪ! ﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ! وﻻ ﺗﺤﺴﺒﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء املﺠﺮﻣني ﻋﲆ ﻏِ ﻨﻰ؛ ﻓﺈن ﻛﻞ ﳾء ﻳﴪق ﺣﺘﻰ اﻟﻐﻨﻰ ،وﺣﺘﻰ اﻟﻠﺺ ﻳﴪق ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻳﺪ اﻟﴩﻃﻲ ﺑﻌﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺟﻤﻌﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،واﻟﻔﻘري اﻟﺬي ﻳﻄﻤﺢ إﱃ اﻟﻐﻨﻲ ﻛﺎﻟﻐﻨﻲ اﻟﺬي ﻳﻄﻤﺢ إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ أﻏﻨﻰ :ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻓﻘﺮ وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻃﺮﻳﻖ إﱃ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ! وﻳﺤﻚ ِﻟ َﻢ ﺗﺒﺘﺌﺲ أﻳﻬﺎ اﻟﻔﻘري؟ اﻟﻐﻨﻲ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺠﻌﻞ ﺣﻈﻮظ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺣ ٍّ ﻈﺎ واﺣﺪًا ﻟﻴﺨﺺ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﻆ … وأﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺤﻆ اﻟﻐﻨﻲ … ﻓﻤﺎذا ﺗﺮﻛﺘﻤﺎ هلل ﻳﺆﺗﻲ املﻠﻚ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء وﻳﻨﺰع املﻠﻚ ﻣﻤﻦ ﻳﺸﺎء؟ إن ﷲ ﻗﺪ اﺋﺘﻤﻨﻚ ﻋﲆ أﺛﻤﻦ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ وأﻋﺰﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﱪ واﻟﻘﻨﺎﻋﺔ وﴍف اﻟﻀﻤري، وأﴍف ﺑﻚ ﻋﲆ ﻣﺼﺎرع اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻓﺮأﻳﺖ ﻛﻴﻒ ﻳﺨﻔﻖ ﻗﻠﺐ أﺣﺪﻫﻢ وﻫﻮ ﻳﺤﺴﺒﻪ ﻛﺮة اﻷرض زﻟﺰ?
