PDF دليل أريج للصحافة الاستقصائية العربية - الطبعة الثالثة

 ‫دليل “أريج” للصحافة االستقصائية العربية‬ ‫الطبعة الثالثة‬ ‫شبكة إعالميون‬ ‫من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)‬ ‫أول دليل إرشادي‪ /‬تفاعلي‬ ‫للصحافي المتقصي‬ ‫في العالم العربي‬ ‫بإشــراف د...

 ‫دليل “أريج” للصحافة االستقصائية العربية‬ ‫الطبعة الثالثة‬ ‫شبكة إعالميون‬ ‫من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)‬ ‫أول دليل إرشادي‪ /‬تفاعلي‬ ‫للصحافي المتقصي‬ ‫في العالم العربي‬ ‫بإشــراف د‪.‬مارك هنــتر‪ ،‬شارك في اإلعـداد الزمالء يسـري فـوده‪،‬‬ ‫بيا ثوردسن‪ ،‬رنا الصباغ‪ ،‬نيلز هانسون‪ ،‬لوك سنغرز‪ ،‬فلمنغ سفيث‪،‬‬ ‫يحيى شقير‪ ،‬محمد قطيشات‪ ،‬سعد حتر‬ ‫تحرير الطبعة العربية الثالثة‬ ‫محمود الزواوي ورنا الصباغ | تنقيح‪ :‬سعد حتر وعماد الرواشدة‬ ‫الترجمة إلى العربية‪ :‬غازي مسعود‬ ‫بدعم من منظمة يونسكو ‪ -‬باريس‬ ‫الطبعة الثالثة بدعم من الشعب الكندي‬  ‫إن مؤلفي هذا الكتاب مسؤولون عن اختيار وعرض احلقائق املتضمنة فيه وعن اآلراء املعبر عنها فيه‪ ،‬والتي ال تعبر بالضرورة عن آراء اليونيسكو وال‬ ‫تلزم هذه املنظمة بها‪.‬والدالالت واملعاني املستخدمة وعرض املادة في كل جزء من أجزاء هذا الكتاب ال تشير ضمنا إلى التعبير عن أي رأي مهما كان‬ ‫لليونسكو فيما يتعلق بالوضع القانوني ألي دولة أو إقليم أو مدينة أو منطقة‪ ،‬أو لسلطاتها‪ ،‬أو فيما يتعلق مبنطقة حدودها‪.‬‬ ‫‪.....................................................................................................................................................................‬‬ ‫امللكة األردنية الهاشمية‬ ‫رقم اإليداع لدى دائرة املكتبة الوطنية‬ ‫( ‪) ٢٠١٧ / ١١ / ٥٧٩٤‬‬ ‫الطبعة الثالثة‬ ‫يتحمـــل املـؤلـف كامـل املسؤوليـة القـانـونيـة عــن محتــوى مصنفــه‬ ‫وال يعبر هذا املصنف عن رأي دائرة املكتبة الوطنية أو أي جهة حكومية أخرى‬ ‫‪7‬‬ ‫تقدمي‪ :‬يسري فودة‪ ،‬عضو مجلس إدارة «أريج»‬ ‫‪11‬‬ ‫مقدمة‪ :‬دليل أريج التدريبي‪ :‬أسرة أريج‬ ‫‪15‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬ما هي الصحافة االستقصائية‬ ‫‪29‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬استخدام الفرضيات‪ :‬جوهر األسلوب االستقصائي‬ ‫‪51‬‬ ‫الفصل الثالث‪ُ :‬عبور األبواب املفتوحة‪ :‬خلفيات واستنتاجات‬ ‫‪69‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬استخدام املصادر البشرية‬ ‫‪93‬‬ ‫الفصل اخلامس‪ :‬كيف تنظم نفسك لتنجح في استقصائك‬ ‫‪107‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬كتابة االستقصاءات‪ :‬مناذج عاملية وعربية مختلفة‬ ‫‪133‬‬ ‫الفصل السابع‪ :‬السرد البصري التلفزيوني ‪ ،‬بناء التقرير املتلفز‬ ‫‪143‬‬ ‫الفصل الثامن‪ :‬فن املواجهة في الصحافة االستقصائية‬ ‫‪157‬‬ ‫الفصل التاسع‪ :‬تقنيات مراقبة اجلودة قبل النشر‬ ‫‪173‬‬ ‫الفصل العاشر‪ :‬النشر‬ ‫‪183‬‬ ‫الفصل احلادي عشر‪ :‬مناذج عمل‬ ‫‪187‬‬ ‫الفصل الثاني عشر‪ :‬مقومات الثقافة القانونية لإلعالميني؟‬ ‫‪199‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪ :‬أخالقيات املهنة‬ ‫‪207‬‬ ‫الفصل الرابع عشر‪ :‬من أين تأتي باألفكار؟‬  ‫ال لمهنـة البحث عن المتاعب‬ ‫ضمير الصحافة االستقصائية‬ ‫يسري فوده‬ ‫عضو مجلس إدارة «أريج»‬ ‫وُلدت “أريج” في عام ‪ 2007‬في عاصمة عربية‪ ،‬و بعدها بعامني قدمت للعالم‬ ‫العربي «دليل الصحافة االستقصائية»‪.‬اآلن‪ ،‬بعد عقد من زمن مضطرب‪ ،‬أين‬ ‫نحن في العالم العربي و أين الصحافة االستقصائية؟‬ ‫الذي ال شك فيه أن الصحافة االستقصائية‪ ،‬و هي سن الرمح في العمل الصحفي‪،‬‬ ‫قطعت عددًا من اخلطوات إلى األمام لم أكن أتوقعه‪ ،‬ال بهذه السرعة و ال على هذا النطاق‪.‬‬ ‫حتى في مجتمعات ديكتاتورية‪ ،‬صارت للصحافة اجلادة كلم ٌة أمام الفاسدين و أصحاب‬ ‫املعوجة يتمنون زوالها‪ ،‬و يجهدون في إلقاء العراقيل أمامها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السلطة‬ ‫رغم إمياني دائ ًما بأن أرفع جائزة توجد لدى «الناس»‪ ،‬حصد صحفيو «أريج» و غيرهم‬ ‫على مدى السنوات املاضية عددًا ضخ ًما من اجلوائز احمللية و اإلقليمية و الدولية‪ ،‬و أسهم‬ ‫جانب من حتقيقاتهم في الكشف عن فساد أو عن ظلم أو عن إهمال‪ ،‬مثلما أسهم في‬ ‫إجبار السلطة أو أصحاب الشأن على تعديل قوانني أو استحداثها أو استدراك موقف ما‬ ‫بشكل أو بآخر نحو مجتمع أفضل‪.‬‬ ‫سوى هذا‪ ،‬توجد اآلن أمامنا دالئل على صحوة استقصائية على أربعة مستويات‪:‬‬ ‫اجلمهور‪ ،‬و الصحفي‪ ،‬و رئيس التحرير‪ ،‬و السلطة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فأول‪ :‬املصطلح نفسه‪“ ،‬حتقيق استقصائي”‪ ،‬لم يعد على تلك الدرجة من الهالمية‬ ‫‪7‬‬  ‫تقديم‬ ‫في أذهان الناس‪.‬هذه نتيجة أولية حاسمة النتشار ثقافة اإلعالم الباحث في التفاصيل‪،‬‬ ‫احملمول على دافع اإلميان بالوصول إلى مجتمع أفضل‪.‬‬ ‫وثانيًا‪ :‬أدرك الصحفيون املفتونون بلقب «صحفي استقصائي» أخيرًا أن لهذا اللقب‬ ‫ً‬ ‫طويل نحو اجلائزة الكبرى‪ ،‬يبدأ بالعودة إلى إتقان أسس العمل‬ ‫ثمنًا كبيرًا و مشوارًا‬ ‫الصحفي العام قبل محاولة التعرف على مفاهيم الصحافة االستقصائية و أدواتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وثالثا‪ :‬كنتيجة طبيعية النتشار هذه الثقافة‪ ،‬انفتحت أخيرًا شهية متخذ القرار في‬ ‫غرف األخبار العربية بعد أن علم شيئًا أو شيئني عن هذا اللون القاني من العمل الصحفي‪،‬‬ ‫و بعد أن رأى مردوده لدى الناس‪.‬كانت هذه عقبة كبرى أمام الطامحني من الصحفيني‪،‬‬ ‫حتى إذا توفرت لدى مؤسساتهم القدرة املادية و الفنية‪.‬‬ ‫ورابعا‪ :‬صار املسؤولون و أصحاب الشخصيات العامة‪ ،‬وهم أبرز اخلاضعني عاد ًة‬ ‫ً‬ ‫للتحقيق الصحفي‪ ،‬أكثر وع ًيا بطبيعة الصحافة االستقصائية و أهدافها‪ ،‬حتى إذا لم‬ ‫يكونوا أكثر تعاون ًا‪.‬و صار لتجاهل نتائج حتقيق معني ثم ٌن يفكرون اآلن أكثر من مرة في‬ ‫حتمله‪.‬‬ ‫مدى القدرة على ّ‬ ‫و لكن‪ ،‬باملقابل‪ ،‬تضاعفت التحديات كثيرًا‪ ،‬ليس في وجه الصحافة االستقصائية‬ ‫وحسب‪ ،‬بل في وجه العمل الصحفي بشكل عام تزامنًا مع ردة أنظمة عربية في وجه‬ ‫أحالم الشعوب بعد الربيع العربي‪.‬يضاف هذا إلى حتديات تقليدية تخص طبيعة العمل‬ ‫الصحفي االستقصائي بوجه عام‪ ،‬و حتدياتها في العالم العربي بوجه خاص‪ ،‬حتى من قبل‬ ‫انبعاث الربيع العربي‪.‬حتديات كبرى في حد ذاتها تشمل ‪ -‬كما استعرضنا في مقدمة‬ ‫الطبعة األولى لهذا الدليل ‪ -‬جوانب مهنية و إدارية و قانونية و أخالقية و أمنية و سياسية‪.‬‬ ‫ستبقى هذه التحديات معنا‪ ،‬نحن املشتغلني بالصحافة االستقصائية‪ ،‬في أي زمان‬ ‫وفي أي مكان‪.‬اجلديد هو سن الشفرة الذي انشحذ في السنوات القليلة املاضية في‬ ‫محاولة ملصادرة اجملال العام كله في العالم العربي‪ ،‬و من أبرز مكوناته العمل الصحفي‬ ‫بكل تأكيد‪.‬‬ ‫إذا طبقنا هذا على املستويات األربعة السابق ذكرها‪ ،‬و هي اجلمهور و الصحفي ورئيس‬ ‫التحرير و السلطة‪ ،‬ميكننا أن نالحظ األمناط التالية‪.‬‬ ‫أول‪ :‬وقع “الناس”‪ ،‬من جراء ضخامة األحداث و إيقاع تواترها و حمالت التضليل‬ ‫ً‬ ‫املصاحبة لها‪ ،‬في حالة عميقة من االستقطاب احلاد‪ ،‬بلغت بأطراف مختلفة منهم ح ًدا‬ ‫«ال يريد» معه أن يسمع إال ما يوافق هواه‪ ،‬و بلغت بالبعض اآلخر حد التخمة و العزوف‬ ‫ضخم أمام صحفي يفتش في التفاصيل و يسعى إلى‬ ‫ٌ‬ ‫مع تراجع العقل و املنطق‪.‬هذا حت ٍّد‬ ‫‪8‬‬  ‫تقديم‬ ‫األطراف جميعها في سبيل الوصول إلى ما يوافق العقل واملنطق‪.‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬انبهر بعض الصحفيني بلقب «الصحفي االستقصائي» فاستعجل بعضهم‬ ‫استحقاقه‪ ،‬و خلط بعضهم فيه بني املفهوم و األداة‪ ،‬وغابت الصورة الكلية عن البعض‬ ‫اآلخر‪ ،‬بينما وقعوا جمي ًعا حتت وطأة الواقع اجلديد‪.‬في ظل هذا‪ ،‬ينتعش عاد ًة أصحاب‬ ‫َ‬ ‫شرط أن يتقنوا فن حساب‬ ‫القشور و يتوارى أصحاب اجلوهر‪.‬سيتذكر هذا الصنف الثاني‪،‬‬ ‫اخملاطر‪ ،‬أن الشجاعة أم الفضائل‪ ،‬و أن جهدك هدرٌ و أحالمك ُسدى إن امتلكت الفضائل‬ ‫كلها دون شجاعة اإلفصاح عنها‪.‬‬ ‫خطوات واسع ًة إلى اخللف‪ ،‬إما‬ ‫ٍ‬ ‫ثالثا‪ :‬عادت الغالبية من متخذي القرار في غرف األخبار‬ ‫ً‬ ‫جبرًا أو طو ًعا‪ ،‬في ظل التطورات السياسية‪.‬هذه ضرب ٌة مقصودة للصحافة بشكل عام‪،‬‬ ‫فما بالك بالصحافة االستقصائية التي تسعى إلى فرض الرقابة و احملاسبة؟ الصحفي‬ ‫احلصيف يدرك هذا حني يقترح فكرة حتقيق استقصائي على رئيس حترير يرفضها‪ ،‬و يعلم‬ ‫أيضا أن ثمة طر ًقا و‬ ‫إن كان هذا مغلوبًا على أمره ح ًّقا أو أن تلك ح ًّقا طبيعته‪.‬لكنه يدرك ً‬ ‫وسائل أخرى ميكن من خاللها تنفيذ فكرته‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬لم تركب السلطة في العالم العربي حصان ًا شاه ًقا في وجه حرية الصحافة‬ ‫ً‬ ‫بأسوأ مما تفعل اليوم‪.‬هذا بكل تأكيد حت ٍّد آخر كبي ٌر يجعل من احلسابات السياسية و‬ ‫لكن هذا نفسه ميكن أن يكون خبرًا‬ ‫حتديات ضخمة في حدود ذواتها‪ّ.‬‬‫ٍ‬ ‫القانونية و األمنية‬ ‫جي ًدا؛ فمن ناحية‪ ،‬من الصعب الهبوط إلى أسوأ من هذا كثيرًا‪ ،‬و من ناحية ثانية‪ ،‬هذا‬ ‫اعتراف مباشر من سلطة ديكتاتورية مبا ميكن للصحافة اجلادة أن تقدمه من أجل مجتمع‬ ‫ٌ‬ ‫أفضل‪ ،‬و من ناحية ثالثة‪ ،‬هذا تدريب رائع في عمق البحر على تطوير حواس الصحفي‬ ‫االستقصائي و على إتقان فن حساب اخملاطر عمليًّا‪.‬‬ ‫و أخيرًا‪ ،‬هذه بكل تأكيد مهنة البحث عن املتاعب‪ ،‬يزيد تعبها في مجتمعات متر‬ ‫بإرهاصات من التحوالت التاريخية‪ ،‬و تختلط أوراقها أحيان ًا في ظل املستحدثات التقنية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ابحث عن املتاعب؛ فهذا دورك على أية حال‪ ،‬و ال تبحث عن املتابع؛ فسيأتيك هذا وحده‬ ‫‪9‬‬  ‫الطبعة الثالثة‬ ‫دليل أريج التدريبي‬ ‫هدف صحافة االستقصاء اإلحترافية ال يتعلق بالبحث عن النجومية أو الثأر‬ ‫اجلهات املتسببة‬ ‫أو اإلبتزاز‪ ،‬وإمنا بكشف املستور وتوثيق قضايا اجملتمع على أمل لفت انتباه ّ‬ ‫للتجاوزات (بقصد أو باإلهمال)‪ ،‬وحتقيق أركان السلطة الرابعة‪ :‬العدالة‪ ،‬الشفافية‬ ‫وترسيخ مبدأ املساءلة‪.‬‬ ‫يضع هذا الدليل بني يديك حزمة نصائح حول أساليب وتقنيات تتعلق بأساسيات‬ ‫صحافة االستقصاء ‪ Investigative Journalism‬التي ملّا تتج ّذر بعد وفق منهجية‬ ‫متقدمة في غرف األخبار العربية – املرئي واملسموع‪ ،‬املقروء واملواقع اإللكترونية اإلخبارية‪.‬‬ ‫تأمل أريج أن يغلق هذا الدليل اإلرشادي فجوة في أدبيات مهنة املتاعب‪.‬فغالبية‬ ‫املراجع التدريبية ذات الصلة بصحافة االستقصاء تك ّرس ح ِّيزا ً كبيرا ً ملسألة البحث عن‬ ‫املعلومات‪.‬وتفترض أن اإلعالمي سيكون قادرا ً على كتابة قصة حيويَّة‪ ،‬مبجرد العثور على‬ ‫ضالته من املعلومات‪.‬‬ ‫أما نحن ‪ -‬القائمون على إعداد أول دليل تدريبي في العالم العربي يلخّ ص منهجية‬ ‫شبكة أريج ‪ -‬فال نوافق على ذلك اإلفتراض‪.‬ألننا بصراحة ال نعتقد أن املسألة األساس‬ ‫مجرد العثور على املعلومات‪.‬بل نؤمن بأن املهمة املركزية تكمن في رواية قصة مكتملة‬ ‫األركان تكشف قضية عامة لها مساس بحياة الناس‪ ،‬وذلك من خالل تطوير فرضية قابلة‬ ‫للنفي أو للتأكيد بعد جمع معلومات تتحول – في احملصلة‪ -‬إلى حقائق ساطعة ال لبس‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫القصة (القضية مثار‬ ‫ّ‬ ‫يفضي ذلك إلى االبتكار املنهجي لدليل أريج‪ :‬استخدام‬ ‫التقصي) باعتبارها اسمنتا تلتصق به كل خطوة من خطوات العملية االستقصائية؛‬ ‫بدءا بالبحث عن املعلومات مرورا بكتابة النص وانتهاء مبراقبة اجلودة وموافقة محام على‬ ‫النسخة النهائية قبل نشرها‪.‬‬ ‫في أريج نسمي هذه التقنية «التحقيق القائم على فرضية» ‪Hypothesis --‬‬ ‫‪11‬‬  ‫دليل أريج التدريبي‬ ‫‪.Inquiry-Based‬وأي قصة (قضية) تظل في إطار الفرضية إلى أن يتم إثباتها أو دحضها‪.‬‬ ‫ومن خالل ذلك يدرك اإلعالمي ‪ -‬بسهولة أكبر‪ -‬املعلومات التي يجب أن يسعى وراءها‪،‬‬ ‫يفسرها في سياق السرد النهائي‪.‬‬ ‫وكيف ّ‬ ‫كما يستطيع أي ُم َحرِّرٍ أو ناشر أن يُق ِّيم – بيسر‪ -‬جدوى املشروع االستقصائي وكلفته‬ ‫من حيث اجلهد‪ ،‬املال والوقت‪ ،‬وصوال إلى تنفيذه وفق اخملطط املقترح‪ ،‬وأيضا معرفة‬ ‫انعكاسات القصة على اجملتمع‪.‬‬ ‫وبينما يتقدم البحث ويتطور‪ ،‬سيساعد أسلوب شبكة أريج الفريق اإلعالمي أو‬ ‫االستقصائي على تنظيم مواده وإعدادها ملرحلة الكتابة‪ ،‬وصوغ أجزاء مح َّددة من القصة‬ ‫النهائية‪.‬‬ ‫تسهل هذه التقنية مراقبة اجلودة وقياس مدى التزام القصة باملعايير القانونية‬ ‫كذلك ّ‬ ‫واألخالقية‪.‬‬ ‫فعال ٍة ومؤثرة‬ ‫جمل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وفي احملصلة‪ ،‬تكون النتيج ُة قص ًة ميكن اختصارها في بضع‬ ‫ونشرها‪.‬‬ ‫نحن في أريج ال نزعم أننا ابتكرنا أسلوب التحقيق القائم على فرضية‪.‬إذ استُخدمت‬ ‫سابقا ً أساليب مشابهة في مناحي مختلفة؛ منها االستشارات التجارية‪ ،‬العلوم‬ ‫االجتماعية والعمل الشرطي‪.‬ويقتصر جهدنا على تكييف اآللية وتطبيقها في العمل‬ ‫الصحفي‪ ،‬لتحقيق أهداف الصحافة االستقصائية القائمة على تسليط الضوء على‬ ‫مشاكل الناس‪.‬‬ ‫دام إعداد هذا الدليل االول باللغة العربية أزيد من عامني‪.‬ثم أض ّيفت إليه تقنيات‬ ‫وأمثلة أخرها في هذه النسخة الثالثة (نهاية ‪.)2017‬وتط ّلب األمر تعاون جميع احملررين‬ ‫واملشرفني والصحافيني الذين تدربوا على استخدام أسلوب عمل الشبكة خالل السنوات‪.‬‬ ‫الفضل األكبر يعود للبروفسور مارك هنتر‪ -‬أستاذ اإلعالم والصحافة االستقصائية في‬ ‫جامعتي باريس‪ -2‬وانسياد ومؤلف عدة كتب استقصائية؛ منها كتاب عن اليمني السياسي‬ ‫في فرنسا‪.‬وساندت جهوده مديرة أريج التنفيذية رنا الص ّباغ والزميلة بيا ثوردسن‪ ،‬عضو‬ ‫مجلس إدارة الشبكة وعضو مجلس إدارة جمعية الصحافيني االستقصائيني سابقا في‬ ‫الدمنارك؛ إذ وضعتا تص َّورا لهذا املشروع الرائد‪.‬‬ ‫بالنسبة للدكتور هنتر‪ ،‬جاءت هذه الفكرة في اللحظة املناسبة‪ ،‬سيما وأنها‬ ‫َّ‬ ‫شكلت امتدادا ألنشطته السابقة‪ ،‬وبالتحديد أطروحته لدرجة الدكتوراه التي قارنت‬ ‫‪12‬‬  ‫دليل أريج التدريبي‬ ‫تولى منصـــبا في معهـــد‬ ‫بني األساليب االستقصائـية الفرنسية واألمريكية‪.‬ثم ّ‬ ‫الصحافة الفرنسي (‪ )Institut Francais de Presse‬في جامعـــة باريــس‪ /‬بانثيون –‬ ‫أســاس (‪ ،)Pantheon-Universite de Paris/ Assas‬حيث استفاد على مدى عشر سنوات‬ ‫من صحبة زمالء ملتزمني‪ ،‬طلبة ماجستير متحمسني قبل أن يباشر العمل كمستشار‬ ‫مع شبكة أريج عام ‪.2006‬وساعدت هاتان اجملموعتان من الر ّواد في اجلامعة د‪.‬هنتر على‬ ‫خوض اختبار ميداني للعديد من األساليب التي يتبناها في هذا الدليل‪.‬‬ ‫ظن أنه سيكون إجازة عمل في إنسياد ‪ ،INSEAD‬كلية‬ ‫في ‪ ،2001‬بدأ الدكتور هنتر ما ّ‬ ‫مؤقت إلى موقع أستاذ ّية إضافي‪ ،‬واألهم أن ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫بحث‬ ‫منصب ٍ‬‫ُ‬ ‫التجارة الدولية‪.‬وحتـ ّول‬ ‫مكن د‪.‬هنتر من االستفـــادة من وجهات نظر وخــبرات زمــالء عــديدين مثـــل إيف‬ ‫ّ‬ ‫دوز ‪ ،Yves Doz‬لودو فان دير هايدن ‪ Ludo Van der Hayden‬وكيفن كالسر ‪.Kevin Kalser‬‬ ‫ذلك أن هؤالء الباحثني أجبروه على التفكير بشكل أكثر جتريدا ً في ممارسات وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫وأيضا الكيفية التي ميكن من خاللها حتسني العملية االستقصائية في مجاالت أوسع‪،‬‬ ‫مبا فيها الصحافة‪.‬‬ ‫وكسائر الرفاق املشاركني في تأليف هذا الدليل‪ ،‬كان د‪.‬هنتر في الوقت ذاته منخرطا ً‬ ‫في ممارسة صحافة االستقصاء‪.‬وهو يستذكر تأسيس شبكة الصحافة االستقصائية‬ ‫العاملية ‪ Global Investigative Journalism Network‬عام ‪ ،2001‬كمنصة استثنائية‬ ‫لتبادل فضلى التقنيات في عالم االستقصاء‪.‬‬ ‫وأظهرت التشبيكات الصحافية أن أسلوب التحقيق االستقصائي القائم على قصة‬ ‫تستند إلى فرضية كانت منهاجا يج ّرب بشكل مستقل في عدة بلدان‪.‬كان د‪.‬هنتر‬ ‫والزميلة ثوردسون من بني األعضاء املؤسسني لتلك الشبكة‪ ،‬إلى جانب اثنني من القياديني‬ ‫هما نلز ميولفاد ‪ Nils Mulvad‬من املعهد الدمناركي للتغطية اإلعالمية مبساعدة تقنيات‬ ‫الكمبيوتر (‪ )Computer-Assisted Reporting for Danish Institute‬وبرانت هيوسنت ‪Brant‬‬ ‫‪ Houston‬من منظمة محررون وإعالميون استقصائيون (‪Editors and Investigative‬‬ ‫‪.)Reporters‬‬ ‫وبالتالي استفاد دليل أريج مباشرة من خبرة شبكة الصحافة االستقصائية العاملية‪،‬‬ ‫ألن األخيرة وف ّرت محطة تالق مع الذين ساهموا معنا في بلورة منهجية الشبكة‪.‬ومن‬ ‫املفيد التذكير أن املؤلف املساعد الرئيس لهذا الدليل‪ ،‬السويدي نلز هانسون ‪،Nils Hanson‬‬ ‫أعطى دورات تدريبية مع الشبكة العاملية منذ تأسيسها‪.‬واكتشف الزميل الهولندي لوك‬ ‫سنغرز ‪ Luuk Sengers‬أن بناء الفرضية كأساس للتحقيق الصحافي ميكن أن يُط ّبق على‬ ‫إدارة املشروع من ألفه إلى يائه‪.‬وط َّور الدمناركي فلمنغ سفيث ‪ Flemming Svith‬أدوات‬ ‫‪13‬‬  ‫دليل أريج التدريبي‬ ‫فعالة وبسيطة لتنظيم االستقصاءات‪.‬وجنح الزميل األمريكي املقيم في‬ ‫كومبيوترية ّ‬ ‫البلقان درو سوليفان ‪ Drew Sullivan‬في حتديد مسارات التقصي فيما يتصل باجلرمية‬ ‫َّ‬ ‫املنظمة‪.‬وجنحت تقنيته في حاالت عديدة أخرى‪.‬واألهم من ذلك‪ ،‬أن النُصح والنقد اإليجابي‬ ‫من املشاركني في مؤمتر الشبكة الذي يُعقد كل عامني‪ ،‬يؤكدان احلاجة إلى اإلرشادات‬ ‫املوجودة في دليل أريج‪ ،‬املطبوع بدعم سخي من منظمة اليونيسكو (‪.)UNESCO‬‬ ‫تعززت عملية التطوير التراكميـة بإنشـاء مركز لندن للتغطية االستقصائية‬ ‫‪ London Centre for Investigative Reporting‬ومدرسته الصيفية ‪Summer School‬‬ ‫السنوية‪.‬إذ ساهم ذلك في استكشاف طرق جديدة لتعليم السرد القصصي بناء على‬ ‫أسلوب الفرضية‪.‬وأخيراً‪ ،‬و ّف ّرت عشرات الورش التدريبية برعاية أريج فرصة الختبار األفكار‬ ‫الواردة في هذا الدليل أثناء تأليفه‪ ،‬وفي إطار التنوع الثقافي‪.‬‬ ‫وقد قرأ مسودة هذا الدليل وراجعه إعالميون مخضرمون من العالم العربي‪ ،‬معظمهم‬ ‫انضموا للشبكة كمشرفني‪.‬وهم من األردن‪ :‬رنا الصباغ‪ ،‬جورج حوامتة‪ ،‬سعد حتر‪ ،‬محمود‬ ‫الزواوي‪ ،‬ومن فلسطني ‪،‬هشام عبداهلل‪ ،‬ومن سورية‪ :‬إبراهيم ياخور‪ ،‬الدكتور مروان قبالن‪،‬‬ ‫علي حسون وحمود احملمود‪ ،‬ومن لبنان‪ :‬ندى عبد الصمد‪ ،‬بيسان الشيخ‪ ،‬وحازم األمني‪ ،‬ومن‬ ‫مصر‪ :‬يسري فوده‪ ،‬وعمر كحكي‪.‬‬ ‫صحافة االستقصاء تختصر على أنها مهنة ومهارة‪.‬وهي أيضا ً عائلة منتشرة حول‬ ‫العالم‪.‬د‪.‬هنتر والزمالء األجانب والعرب يبدعون في كنف هذه العائلة‪ ،‬ويتابعون ازدهارها‪.‬‬ ‫وهذا الدليل مدخلُ َك إلى العائلة‪.‬فنحن في شبكة أريج نرحب بك فردا فاعال‪ ،‬نتش ّرف بك‬ ‫ونحترمك حلرف ّيتك وأخالقك املهنية الرفيعة والتزامك اخللقي جتاه مجتمعك‪.‬‬ ‫أسرة أريج‬ ‫‪14‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫ما هي صحافة االستقصاء؟‬ ‫كيف تعمل‪ ،‬ولماذا يتحتم علينا خوضها؟‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫ما هي صحافة االستقصاء؟‬ ‫كيف تعمل‪ ،‬ولماذا يتحتم علينا خوضها؟‬ ‫مارك هنتر و نلز هانسون*‬ ‫‪Mark Hunter and Nils Hanson‬‬ ‫صحافة االستقصاء ليست تغطية عادية خلبر ما‪ ،‬بل هي أعمق من ذلك‪.‬وال‬ ‫يزال القرّاء والصحفيون غير متفقني على حتديد هوية صحافة االستقصاء بعد‬ ‫أكثر من ‪ 35‬عاما على فضيحة ووترغيت التي أنهت احلياة السياسية للرئيس‬ ‫األمريكي ريتشارد نيكسون عام ‪.1974‬وهذا ما نعتقده نحن مؤلفو هذا الفصل‪:‬‬ ‫من بني مهام صحافة االستقصاء كشف أمور خف ّية للجمهور – أمور إما‬ ‫أخفاها عمدا ً مسؤول في السلطة أو اختفت صدفة خلف رُكام من املعلومات‪.‬‬ ‫ويتطلب االستقصاء استخدام مصادر معلومات ووثائق سرية وعلنية‪.‬‬ ‫تعتمـد التغطية اإلخبــارية التقليــدية بصورة عامة ‪ -‬وأحيانا كل ّيا ً ‪ -‬على‬ ‫مواد ومعلومات يو ّفــرها آخــرون (في الشرطة واحلكومات والشركات العامة‬ ‫واخلاصة ‪...‬إلخ)‪.‬وتعتمد أيضـا على جمع ردود فعل متعددة حيالها‪.‬وعلى العكس‬ ‫من ذلك‪ ،‬تعتمد التغطية االستقصائية على مواد ُجمعت أو استُقيت مببادرة‬ ‫ُسمى أحيانا ً «صحافة املشروع الذاتي»‬ ‫شخصية من اإلعالمي‪.‬ولهذا فإنها ت ّ‬ ‫(‪.)Enterprise Reporting‬‬ ‫تستهدف التغطية اإلخبارية التقليدية رسم صورة موضوعية للعالم كما‬ ‫هو‪.‬أما التغطية االستقصائية‪ ،‬فتستخدم ‪ -‬بطريقة موضوعية‪ -‬مواد ومعلومات‬ ‫تتحول إلى حقائق يوافق أي مراقب عقالني على أنها حقيقية‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــ‬ ‫* نيلز هانسون‪ :‬عضو مجلس إدارة شبكة اريج ورئيس حترير اشهر برنامج استقصائي أسبوعي‬ ‫عبر شاشة التلفزيون السويدي‬ ‫‪17‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫يحرك الصحافي االستقصائي هدف ذاتي غير موضوعي يتمثل برغبة في‬ ‫إصالح العالم‪.‬فمن املسؤولية أن نعرف احلقيقة كي نتمكن من تغيير العالم‪.‬‬ ‫خالفا ً ملا يحب بعض احملترفني قوله‪ ،‬فالصحافة االستقصائية ليست مجرد‬ ‫صحافة تقليدية جيدة وحسنة التنفيذ‪.‬صحيح أن شكلي الصحافة هذين يرك ّزان‬ ‫على خمسة عناصر هي‪ :‬من‪ ،‬ماذا‪ ،‬أين ومتى؟ ولكن العنصر اخلامس للتغطية‬ ‫التقليدية “ملاذا”‪ ،‬يقترن في االستقصاء ب “كيف”؟ وال يتم تطوير العناصر األخرى‬ ‫كم ّيا ً فقط‪ ،‬بل ونوعيا ً أيضاً‪.‬‬ ‫“من” ليست مجرد اسم ولقب‪ ،‬بل شخصية ضمن شخوص متحركة لها‬ ‫صفة وأسلوب مميزان‪.‬‬ ‫“متى” ليست مجرد حاضر وقوع األخبار‪ ،‬بل سياقا تاريخيا للسرد‪.‬‬ ‫حدث‪ ،‬بل ظاهرة لها أسباب ونتائج‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫“ماذا” ليست مجرد‬ ‫“أين” ليست مجرد عنوان‪ ،‬بل موقعا أو مكانا تصبح فيه إمكانية وقوع أحداث‬ ‫معين ٌة ممكنة أكثر أو أقل‪.‬‬ ‫هذه العناصر والتفاصيل متنح صحافة االستقصاء ‪ -‬في أفضل أحوالها ‪ -‬ميزة‬ ‫فن َّية تُعزز أثرها العاطفي على املتلقي‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬ورغم أن اإلعالميني قد ينتهجون التغطية اليومية التقليدية والعمل‬ ‫االستقصائي في مجرى مهنتهم‪ ،‬فإن كال النوعني يشمالن أحيانا ً مهارات وعادات‬ ‫مفصلة في اجلدول التالي‪.‬ولكن يجب‬‫َّ‬ ‫عمل وعمليات وأهدافا مختلفة جداً‪ ،‬وهي‬ ‫على القارئ أن ال يقرأ هذه االختالفات على أنها تعارضات متناقضة‪.‬على العكس‬ ‫من ذلك‪ ،‬حني ينسجم عمل الصحفي بشكل أكبر مع اجلانب األيسر من اجلدول‪،‬‬ ‫فذلك يعني أنه يقوم بتغطية تقليدية؛ وحني ينتقل عمله إلى يسار اجلدول‪ ،‬يبدأ‬ ‫اإلعالمي بالتصرف بأسلوب استقصائي‪.‬‬ ‫يتطلب العمل االستقصائي مجهودا أكبر بكثير من الصحافة العادية‪.‬لكنك‬ ‫تستطيع إجناز كل خطوة من اخلطوات العملية بكفاءة ومتعة وستشعر بـأن مردود‬ ‫االستقصاء كبير ‪ --‬بالنسبة للجمهور‪ ،‬لوسيلتك اإلعالمية ولك‪.‬‬ ‫للجمهور‪ :‬يحب املشاهدون القصص التي تُق ِّدم لهم قيما ً إضافية – أي‬ ‫معلومات ال يعثرون عليها في أي مكان آخر‪ ،‬ويستطيعون الثقة بها‪.‬ميكن‬ ‫للمعلومات أن تكون عن السياسة أو الشؤون املالية أو املنتجات التي يستخدمونها‬ ‫‪18‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫صحافة االستقصاء‬ ‫الصحافة التقليدية‬ ‫البحث‬ ‫ُتمع املعلومات وتُنشر‪ /‬تبث وفق إيقاع ثابت ال ميكن نشر املعلومات إال إذا مت التأكد من‬ ‫اكتمالها وترابطها‪.‬‬ ‫(يومياً‪ ،‬أسبوعياً‪ ،‬شهرياً)‬ ‫يكتمل البحث بسرعة‪.‬وال يتم القيام بأي يستمر البحث إلى أن يتم التثبت من القصة‪،‬‬ ‫وقد يتواصل بعد نشرها‪ /‬ب ّثها‪..‬‬ ‫بحث آخر بعد أن تكتمل القصة‪.‬‬ ‫تقوم القصة على حد أدنى من املعلومات تقوم القصة على احلد األقصى من املعلومات‬ ‫صلة‪ ،‬وميكن أن تكون طويلة جداً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫امل َ َّ‬ ‫وميكن أن تكون قصيرة جداً‪.‬‬ ‫ميكن لتصريحات املصادر أن حتلّ محلّ التوثيق تتطلب بحثا ميدانيا وتوثيقا ً لدعم تصريحات‬ ‫املصادر أو نفيها‪.‬‬ ‫العالقات باملصدر‬ ‫قدم‬ ‫الثقة في املصدر ُمفترضة‪ ،‬وفي األغلب دون ال ميكن افتراض الثقة باملصدر؛ فقد يُ ّ‬ ‫املصدر معلومات مزيفة أو مضلّلة؛ وال تستطيع‬ ‫التحقق منها‬ ‫استخدام أي معلومات دون التحقق منها‪.‬‬ ‫تُقدم املصادر الرسمية املعلومات لإلعالمي تُخفى املعلومات الرسمية عن اإلعالمي‪ ،‬ألن‬ ‫يعرض مصالح السلطات أو‬ ‫ّ‬ ‫كشفها قد‬ ‫مجاناً‪ ،‬ل ُتعزز دورها وتروج ألهدافها‪.‬‬ ‫املؤسسات للخطر‪.‬‬ ‫يتحدى اإلعالمي بصراحة الرواية الرسمية‬ ‫ّ‬ ‫ال مجال أمام الصحافي إال قبول الرواية‬ ‫الرسمية للقصة‪ ،‬رغم أنه ميكن أن يعارضها للقصة أو ينفيها‪ ،‬بناء على معلومات‬ ‫يستقيها من مصادر مستقلة‪.‬‬ ‫بتعليقات أو بيانات من مصادر أخرى‪.‬‬ ‫‪19‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫يتصرف اإلعالمي مبعلومات أقل مما تتصرف بها يجمع اإلعالمي ويتصرف مبعلومات أكثر مما‬ ‫يتصرف به أي مصدر منفرد من مصادره‪،‬‬ ‫معظم مصادره أو كلّها‬ ‫ومبعلومات أكثر مما يتصرف بها معظم‬ ‫مصادره أو جميعها‬ ‫تعرف املصادر لضمان أمنها‪.‬‬ ‫أحيانا ال ّ‬ ‫عرفة غالبا‪.‬‬ ‫املصادر ُم ّ‬ ‫النتائج‬ ‫يُنظر إلى التحقيق الصحافي كانعكاس يرفض اإلعالمي قبول العالم كما هو‪.‬فهدف‬ ‫للعالم الذي يقبله كما هو‪.‬وال يأمل اإلعالمي القصة اختراق وضع معني أو تعريته‪ ،‬كي‬ ‫في الوصول إلى نتائج أبعد من مجرد إخبار يصلحه‪ ،‬يدينه‪ ،‬أو ‪ -‬في حاالت معينة‪ -‬يعرض‬ ‫مثاال نحو طريق أفضل‪.‬‬ ‫اجلمهور مبوضوعه‪.‬‬ ‫ال يتطلب التحقيق الصحافي انخراطا ً دون انخراط شخصي وحماس من اإلعالمي‪ ،‬لن‬ ‫تكتمل القصة أبداً‪.‬‬ ‫وحماسا شخصيا ً من اإلعالمي‪.‬‬ ‫يسعى اإلعالمي ألن يكون موضوعيا ً قدر يسعى اإلعالمي ألن يكون عادال ً ومدققا ً في‬ ‫حتيز ألي طرف في القصة أو حقائق القصة‪ ،‬وبناء على ذلك‪ ،‬قد يحدد‬ ‫املستطاع دون ُّ‬ ‫يقدم‬ ‫ّ‬ ‫ضحاياها وأبطالها ومذنبيها‪.‬وقد‬ ‫حكم عليه‪.‬‬ ‫اإلعالمي أيضا ً حكما ً على القصة أو يتخذ‬ ‫أو يصدر قرارا ً بشأنها‪ ،‬باالستناد إلى مصادره‪.‬‬ ‫البنية الدرامية ليست مهمة جدا في بنية القصة الدرامية ضرورية لتأثيرها‪ ،‬وتقود‬ ‫التحقيق الصحافي‪.‬وليس للقصة نهاية‪ ،‬ألن إلى استنتاج يق ِّدمه اإلعالمي أو مصادره‪.‬‬ ‫األخبار مستمرة‪.‬‬ ‫اإلعالمي جلزاءات رسمية أو‬ ‫َ‬ ‫أخطاء‪ ،‬ولكنها حتمية تُعرِّض األخطا ُء‬ ‫ً‬ ‫قد يرتكب اإلعالمي‬ ‫غير رسمية‪ ،‬ميكن أن ُتطم مصداقيته وتؤثر‬ ‫وعادة ليست مهمة‪.‬‬ ‫على سمعة وسيلته اإلعالمية‪.‬‬ ‫‪20‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫في منازلهم‪.‬وما يهم أن حياتهم ميكن أن تتغير مبا ميكننا كشفه في هذه املواضيع‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬الحظ كيف أن الصحافة االستقصائية ليست فقط منتجا ً إعالميا‪ ،‬إنها خدمة‬ ‫جتعل حياة الناس أفضل‪.‬‬ ‫لوسيلتك اإلعالمية‪ :‬ال تسمح ألي شخص بأن يقول لك إن االستقصاء ترف‬ ‫بالنسبة لوسائل اإلعالم اإلخبارية‪ ،‬ألن وسائل اإلعالم التي تنفذ استقصاءات‬ ‫بكفاءة‪ ،‬وتستخدمها إلغناء قيمتها‪ ،‬قد حتقق أرباحا مالية‪(.‬ليست األسبوعية‬ ‫لو كنار إنشني ‪ Le Canard Enchainé‬في فرنسا ومجموعة اإلكونومست ‪The‬‬ ‫‪ Economist Group‬في اململكة املتحدة إال مثالني مختلفني‪ ،‬حيث تكتفي االولى‬ ‫مبردود البيع االشتراكات‪ ،‬وااليكونوكست تعتمد على جزء في االعالنات)‪.‬وفي‬ ‫العالم العربي ثمة أمثلة رائدة ترعرت لدى أريج منها برنامج يعتمد منهجية‬ ‫االسقصاء بإسم «حتت طائلة املسؤولية» في تلفزيون اجلديد بلبنان‪ ،‬و «البعد‬ ‫الرابع» في تلفزيون رؤيا االردني‪.‬وأنشأت مؤسسات اعالمية قائمة بدعم فني‬ ‫وتقني من أريج‪ :‬ردايو البلد وصحيفة الغد في االردن‪ ،‬إضافة الى صحف املصري‬ ‫اليوم واليوم السابع ووطن وتلفزيون النهار و أون تي في (جميعهم في مصر)‬ ‫‪21‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫ووكالة انباء تونس أفريقيا الرسمية وصحيفة املغرب (تونس) وتلفزيون وطن في‬ ‫رام اهلل ووكالة أنباء معا في بيت حلم وصحيفة احلياة اللندنية‪.‬هذه املؤسسات‬ ‫انشأت وحدات استقصائية بدعم فني وتقني من شبكة أريج‪.‬‬ ‫لك‪ :‬في العقود التي أمضيناها في تدريب الصحافيني االستقصائيني‪ ،‬كثيرا ً‬ ‫ما سمعناهم يتساءلون‪“ :‬ألن أخلق لنفسي أعداء”؟ واحلقيقة هي أنك إن قمت‬ ‫بعملك على نحو دقيق‪ ،‬ستصنع أصدقاء أكثر مما ستخلق أعداء‪.‬كما ستكون‬ ‫معروفا ً بشكل أفضل في املهنة وخارجها‪.‬وستُق َّيم مهاراتك بشكل أفضل في‬ ‫سوق العمل؛ وسواء بقيت صحفيا ً أم هجرت هذه املهنة‪ ،‬لن جتد أبدا ً صعوبة‬ ‫في العثور على عمل آخر‪.‬فالصحافيون الذين يفتقرون للمهارات االستقصائية‬ ‫ميكن استبدالهم بسهولة‪.‬‬ ‫األهم أنك – كفرد‪ -‬ستتغير بطرق عديدة مدهشة‪.‬ستصبح أقوى‪ ،‬ألنك‬ ‫ستعرف أنك قادر على العثور على احلقيقة بنفسك‪ ،‬بدال ً من انتظار شخص ما‬ ‫ل ُيق ِّدمها لك‪.‬وستتعلم كيفية التغلب على مخاوفك وأن تنصت لشكوكك‪.‬‬ ‫وستفهم العالم بطريقة جديدة أعمق‪.‬باختصار‪ ،‬املردود سيكون كبيرا جدا ً إلى‬ ‫ح ٍّد سيساعدك‪ -‬إن كنت مهتما ً بالصحافة ومبستقبلك‪ -‬على أن ت َق ِّدم لنفسك‬ ‫وملشاهديك ولزمالئك القيمة اإلضافية التي يخلقها االستقصاء‪.‬وهذا ما حصل‬ ‫مع عديد الصحافيني العرب ممن تدربوا على منهجية أريج واجنزوا اكثر من حتقيق‬ ‫استقصائي بدعم الشبكة ومنهم‪:‬‬ ‫​سهير جــرادات ومصعــب الشــوابكة وعمــاد الرواشـده ومجدولني عالن‬ ‫‪22‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫وأبراهيم قبيالت وصبا ابو فرحة ومحمد عرسان وحنان خندقجي ورائدة حمرا‬ ‫(األردن) وعطاف الروضان وفي مصر علي زلط وهشام عالم ومها بهنساوي ودارين‬ ‫فرغلي ومحمد زيدان وعبدالرحمن شلبي ووائل ممدوح وعبد الوهاب عليوه ومحمد‬ ‫فرغلي ومروى ياسني ومحمد القزاز‪  ‬ومحمد السعيد وصالح رمضان ومحمد عبد‬ ‫العال ونعمان سمير وسعادة عبد القادر ومصطفي املرصفاوي‪  ‬وعلي السطوحي‬ ‫وأ حمد سيلمان وفي تونس حنان زبيس والعراقيان عمار الصالح وميادة داوود‬ ‫حالهم حال مؤسسي شبكة الصحافة االستقصائية في العراق (نيريج) وفي‬ ‫فلسطني محمد عثمان وهدى بارود وحسن دوحان وزهير دولة وفي البحرين هناء‬ ‫بوحجي وفي اليمن غمدان الدقيمي ووديع العبسي وخالد الهروجي وعبدالناصر‬ ‫ال هاللي ومحمد االحمدي وفي لبنان بيسان الشيخ وعمر وهبه وكارول كرباج‬ ‫ورياض القبسي ورامي االمني وسهيل حاتوم ورونا احللبي وفي سورية علي حسون‬ ‫وحمود احملمود ومحمد البسيكي‬ ‫اختيار القصة‬ ‫طا ملا يتساءل اإلعالميون املبتدئون‪« :‬كيف نختار قصة لنستقصيها”؟‬ ‫ويجدون‪،‬في العادة‪ ،‬صعوبة في العثور على واحدة من تلك القصص‪.‬ولكن كما‬ ‫قال لي أحد طلبتي ذات مرة‪« ،‬املادة موجودة في كل مكان»‪.‬إذن املشكلة هي في‬ ‫رؤيتها‪.‬وحلسن احلظ توجد طر ٌق عديدة الستشعار قصة تستدعي االستقصاء‪.‬‬ ‫تتمثل إحدى هذه الطرق في مراقبة وسائل اإلعالم‪.‬فمن األفكار اجليدة مراقبة‬ ‫قطاع إعالمي معني‪ ،‬كي تستطيع حتديد أمناطه‪ ،‬فتدرك بذلك‪ ،‬متى يحدث أم ٌر‬ ‫وفكرت‪“ :‬ملاذا حصل ذلك”؟‪ ،‬فسيكون حظك جيدا في‬ ‫غير عادي‪.‬إذا أنهيت قصة َّ‬ ‫أن جتد املزيد لتستقصيه‪.‬‬ ‫طريقة أخرى تتمثل في انتباهك ملا يتغير في بيئتك‪ ،‬وأن ال تعتبر التغير أمرا ً‬ ‫عاد ّياً‪.‬بدأ اإلعالمي البلجيكي الشهير كريس دو ستوب ‪ Chris de Stoop‬استقصا ًء‬ ‫حي َع َبرَ ُه ‪ -‬وهو‬ ‫حول ِّ‬ ‫االتار بالنساء بعد أن الحظ أن بائعات هوى بلجيكيات في ٍّ‬ ‫في طريقه إلى عمله‪ -‬قد أفسحن اجملال لبائعات هوى أجنبيات‪ ،‬وتساءل ملاذا؟‬ ‫وتتمثل طريقة ثالثة باالستماع إلى شكاوى الناس‪.‬ملاذا يجب أن تكون األمور‬ ‫على هذه الشاكلة؟ أال ميكن فعل شيء لتغييرها؟ ففي كل مكان يجتمع الناس‬ ‫‪23‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫فيه – أسواق‪ ،‬منتديات إنترنت‪ ،‬حفالت عشاء – ستسمع أشياء تبدو غريبة أو‬ ‫صادمة أو مدهشة‪.‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬ال تبحث عن أفعال سيئة فقط‪.‬قد تكتب عن قضية جتري بشكل‬ ‫صحيح – ككشف موهبة جديدة‪ ،‬أو مشروع تطوير حقق أهدافه‪ ،‬أو شركة‬ ‫تخلق ثروة ووظائف‪.‬وستقدم خدمة ق ِّيمة ملشاهديك لدى حتديدك عناصر النجاح‬ ‫املتكررة أو “فضلى املمارسات”‪.‬مثال‪ ،‬لينا العبد في سورية افترضت بداية في‬ ‫حتقيق أجنزته حتت إشراف أريج أن صيادلة يستغلون ضعف تطبيق قانون ّ‬ ‫ينظم‬ ‫عملهم لصرف أدوية طبية حتوي مواد مخدرة أو مهدئة تؤدي إلى اإلدمان‪.‬لكن‬ ‫بعد شهور من التقصي عبر محاولة شراء نوعني من األدوية حتتاج لوصفة طبية‬ ‫مسبقة‪ ،‬اكتشفت لينا أن غالبية صيدليات دمشق تلتزم بعدم بيع األدوية التي‬ ‫حتتوي على مواد مخدرة بدون وصفة طبية‪.‬‬ ‫سمى استقصا ًء صغيراً‪.‬بناء‬ ‫وتذكر‪ ،‬خصوصا ً حني تبدأ‪ ،‬أنه ال يوجد شيء ي ُ ّ‬ ‫َّ‬ ‫على خبرتنا نستطيع اجلزم أن املهارات الضرورية للقيام بتحقيق في قرية نائية‬ ‫هي ذات املهارات التي حتتاجها في العاصمة‪.‬لذا‪ ،‬ابدأ بالعمل على قصص تشعر‬ ‫بها في محيطك اآلني لتبدأ بناء مهاراتك‪.‬ال تنتظر حتى تنخرط في استقصاء‬ ‫صعب ومتشعب كي تتعلم ما عليك فعله‪.‬‬ ‫‪24‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫أخيراً وأوالً‪ ،‬اتبع مشاعرك‪.‬ولهذا املبدأ بُعدان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ما ندعوه “عقدة الرِجل املكسورة”‪.‬مبعنى ال يلحظ أحدنا كم من الناس‬ ‫يعرجون إلى أن يتعرض لكسر في ساقه‪.‬بشكل عام‪ ،‬نحن ال نلحظ الظواهر إال‬ ‫حساسني جتاهها فعالً‪.‬إذا ً اسمح ملشاعرك أن جتعلك ّ‬ ‫حساسا ً لقصص ال‬ ‫إذا كنا ّ‬ ‫يبدو أن أي أحد آخر يأخذها على محمل اجلِ ِّد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُغضبك أو متنحك رغبة عارمة لرؤية‬ ‫البعد الثاني‪ :‬إن لم تُدهشك قصة‪ ،‬ت‬ ‫شيء يتغير‪ ،‬يجب عليك أن ال حتاول استقصاءها ألنك لن تنجح‪.‬اقترح القصة‬ ‫على غيرك ممن قد تعنيه الفكرة أكثر منك‪.‬وفي حال كنت محررا مسؤوال عن‬ ‫صحافي يستقصي قضية معينة والحظت أن حماسه فتر‪ ،‬استرجع املهمة منه‬ ‫وك ّلف بها شخصا آخر‪.‬‬ ‫ملاذا؟‪ :‬يتضمن االستقصاء عمالً إضافياً‪.‬إن لم تهتم بقصة بصورة خاصة‪،‬‬ ‫فلن تقوم بذلك العمل‪.‬وطبعا ً عليك أن تستخدم عقلك النقدي لتنجزها‪ ،‬ويجب‬ ‫أن حتافظ على املهنية واملوضوعية في مراحل العمل والظروف كافة‪.‬لكن إذا لم‬ ‫َ‬ ‫عواطفك‪ ،‬ستفشل في استقصائها‪.‬‬ ‫َس القصة مثار البحث‬ ‫تَ ْ‬ ‫‪25‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫ج‪.‬هل تستحق القصة كل هذا العناء؟‬ ‫أُجنزت استقصاءات عديدة ألسباب خاطئة‪.‬فرغم أن العاطفة مهمة‪ ،‬والثأر‬ ‫عاطفة‪ ،‬فإن بعض اإلعالميني والناشرين يستعملون التحقيقات ليحققوا ثأرا ً‬ ‫شخصياً‪.‬في أحيان أخرى أجنزت استقصاءات تطلبت عمال شاقا ألنها كانت‬ ‫أسهل القصص املتوفرة إلعالمي ما‪.‬وكثيرا ما ينسى املُستقصون إن كانت‬ ‫القص ٌة التي يعملون عليها مهم ًة ملشاهديهم‪ ،‬وملاذا؟‬ ‫إذا ً اسأل نفسك األسئلة التالية حني تكون في مرحلة تقييم أهمية القص ٌة‪:‬‬ ‫عدد الناس الذين سيتأثرون؟‬ ‫ون ُسمي ذلك “حجم الوحش” ‪.The size of the beast‬‬ ‫ما مدى قوة تأثرهم؟ (وهنا تعد النوعية بذات أهمية الكمية‪.‬‬ ‫فإن مات شخص واحد‪ ،‬أو حتطمت حياته أو حياتها‪ ،‬تكون القصة مهمة)‪.‬‬ ‫إن تأثروا إيجابياً‪ ،‬هل ميكن تكرار السبب (الفعل) في مكان آخر؟‬ ‫ُبي كيف؟‬ ‫أو‪ ،‬هل هؤالء الناس ضحايا؟ هل ميكن جتنُّب معاناتهم؟ هل ميكننا أن ن ِّ َ‬ ‫هل هناك مذنبون يجب أن يُعاقبوا؟ أو على األقل‪ ،‬أن يُدانوا؟‬ ‫هل من املهم في أي حدث قول ما حصل‪ ،‬حتى يتكرر أو ال يتكرر مرة أخرى؟‬ ‫وإليك كيف ينظر أحدنا إلى األمر‪ :‬العالم مليء باملعاناة‪ ،‬معظمها نتيجة‬ ‫للرذيلة واخلطأ‪.‬فأي شيء يقلِّل املعاناة والقسوة يستحق الشروع به‪.‬ويؤدي‬ ‫االستقصاء في العادة إلى تقليل املعاناة‪.‬‬ ‫‪26‬‬  ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫حاول وضع تلك اخلدمة نصب عينيك أوالً‪ ،‬قبل أن تستخدمها لتطوير مهنتك‪.‬‬ ‫سالح‪ ،‬وأنك قد تؤذي آخرين به – عن عمد أو بسبب‬ ‫ٌ‬ ‫وال تنسى أن االستقصاء‬ ‫في حياة‬ ‫إهمالك‪.‬ففي مجرى مهنتك‪ ،‬قد تصبح أفضل أو أسوأ شيء حصل ً‬ ‫أشخاص آخرين‪.‬كن حذرا ً وأنت تختار الدور الذي ستلعبه‪ ،‬وملصلحة من تلعبه‪،‬‬ ‫وملاذا؟ أنظر بعمق في دوافعك الشخصية قبل أن تستقصي دوافع اآلخرين‪.‬إن لم‬ ‫تكن القصة أكثر أهمية لآلخرين مما هي مهمة لك‪ ،‬فرمبا يجب أن ال ترويها‪.‬‬ ‫في مجرى حياتنا املهنية‪ ،‬نفذنا مئات االستقصاءات‪.‬وفي كل منها‪ ،‬في‬ ‫حلظة ما‪ ،‬جاء شخص ما إلينا وقال‪ « :‬ملاذا تسأل هذه األسئلة كلها؟ أو ماذا‬ ‫ستفعل بهذه املعلومات؟ وماذا يعطيك حق التصرف بها»؟ ونحن نقول إن لم يكن‬ ‫جواب جي ٌد عن ذلك السؤال أكثر من‪« :‬للجمهور حقٌ في أن يعرف!» يكون‬ ‫ٌ‬ ‫لدينا‬ ‫االستقصاء قد انتهى‪.‬فجواب كهذا غير كاف‪.‬عادة ما نقول شيئا ً يشبه هذا‪« :‬ما‬ ‫مهم‪ ،‬لك وآلخرين‪.‬سأروي تلك القصة‪ ،‬وأريد أن تكون حقيقية‪.‬وآمل‬ ‫ٌ‬ ‫يحصل هنا‬ ‫أن تساعدني على كشفها وسردها»‪.‬‬ ‫ومهما كان ما تقول في حلظة كهذه‪ ،‬يجب أن تؤمن به‪.‬األهم أن ما تقوله‬ ‫يجب أن يكون معقوال ً للشخص الذي تتحدث إليه‪ ،‬أيا ً كان‪.‬فالناس غالبا ال‬ ‫يحبون الصحفيني‪ ،‬وأحد أسباب ذلك أنهم ال يثقون بدوافعنا‪.‬ونحن نتوقع منك‬ ‫أن تسهم في تغي ِّيرَ ذلك االنطباع‪.‬‬ ‫‪27‬‬  ‫الفصل الثاني‪:‬‬ ‫بلورة الفكرة واستخدام الفرضيات‪:‬‬ ‫جوهر األسلوب االستقصائي‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫بلورة الفكرة واستخدام الفرضيات‪:‬‬ ‫جوهر األسلوب االستقصائي‬ ‫مارك هنتر‪ ،‬لوك سنغرز*‪ ،‬بيا ثوردسن**‬ ‫‪Mark Hunter, Luuk Sengers and Pia Thordsen‬‬ ‫العملية إلى اآلن‪:‬‬ ‫‪.1‬نكتشف موضوعاً‪.‬‬ ‫‪.2‬تتبلور فكرة التحقيق‪.‬‬ ‫‪.3‬نطرح فرض َّية لنتحقق منها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫قصة وأسلوبٌ الختبارها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الفرضية هي‬ ‫أ‪.‬‬ ‫يتذمر اإلعالميون دائماً أن احملررين يرفضون أفكارهم القصصية العظيمة‪.‬‬ ‫من املؤكد أن ذلك يحصل‪.‬ولكن ما يرفضه احملرر‪ ،‬في األغلب‪ ،‬ليس قصة على‬ ‫اإلطالق‪ ،‬بل دعوة ملصيبة – حتقيقاً ُخ ِّطط له بشكل سيء وسوف يصرف ماالً‬ ‫ووقتاً لنتيجة مشكوك فيها‪.‬وهم محقون في ذلك‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــ‬ ‫* لوك سنغرز ‪ :‬عضو مجلس إدارة شبكة اريج وصحافي متخصص بالبيئة ‪ ،‬محاضر صحافة‬ ‫وإعالم ومؤلف مشارك في إعداد هذا الدليل‪.‬‬ ‫** بيا ثوردسن ‪ :‬عضو مجلس إدارة شبكة اريج ‪ ،‬ومراسل صحافي في التلفزيون الدمناركي‬ ‫‪31‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬حني تقول حملررك املسؤول «أود إجراء استقصاء عن الفساد»‪،‬‬ ‫قدمت له اقتراحا ً عظيما‪.‬ملاذا؟ ألن الفسادُ موجو ٌد في كل مكان من‬ ‫ال تكون ّ‬ ‫العالم‪.‬وإن صرفت وقتا ً كافيا ً في البحث عنه فستجد بعضا ً منه‪.‬ولكن الفسادَ‬ ‫بح ِّد ذاته موضوعٌ‪ ،‬وليس قص ًة‪ ،‬وما يفعله الصحفيون هو سرد قصص‪.‬فإن‬ ‫موضوع وليس قص ًة‪ ،‬قد تصبح خبيرا ً في املوضوع‪ ،‬ولكنك ستضيع‬‫ٍ‬ ‫سعيت إلى‬ ‫وقتا ً وماال ً وطاقة أثناء قيامك بذلك‪.‬وذلك هو السبب الذي يجعل أي محرر عاقل‬ ‫يقول لك «ال»‪.‬‬ ‫حطم آمال‬‫لكن إن ُقلْ َت‪ ،‬بدال ً من ذلك‪« :‬إن الفساد في النظام املدرسي قد َّ‬ ‫األهالي أن يعيش أطفالهم حياة أفضل»‪ ،‬فإنك تروي قصة ُم َح َّد ّد ًة‪.‬وهذا االقتراح‬ ‫بحد ذاته أكثر إثارة حملررك‪.‬‬ ‫عرفت أم لم تعرف‪ ،‬فإنك تكون قد طرحت فرض َّية – ألنك لم تثبت بعد‬‫َ‬ ‫وسواء‬ ‫أن قصتك هي القصة الصحيحة‪.‬إنك تقترح بأن الفساد في املدارس موجو ٌد‪،‬‬ ‫وأن له آثارا ً سلبية على فئتني من الناس في األقل؛ اآلباء واألطفال‪.‬قد يكون ذلك‬ ‫صحيحا ً أو ال يكون؛ فال يزال عليك أن حتصل على احلقائق‪.‬‬ ‫في هذه األثناء‪ ،‬تطرح فرضيتك أسئلة محددة يجب اإلجابة عنها إن كنت تريد‬ ‫ُقطع فيها الفرضية‬‫أن تعرف إن كانت معقولة أم ال‪.‬ويحدث هذا خالل عملية ن ّ‬ ‫إلى أجزاء (أو محاور) لنجيب عن اإلدعاءات احملددة املتعلقة بكل محور‪ :‬تأكيدا أو‬ ‫نفيا‪.‬بعد ذلك‪ ،‬نستطيع التثبت من كل واحد من تلك االدعاءات على حدة‪.‬أكثر‬ ‫من ذلك‪ ،‬سنرى أيضا ً ما نعنيه بالكلمات التي نستخدمها لنروي القصة‪ ،‬ألن‬ ‫لنعر َف إلى أين نحن ذاهبون‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫علينا أن نكتشف ونُعرِّ َف معانيها‬ ‫‪32‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫في ما يلي طريقة واقعية للنظر في هذه العملية‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫يحطم آمال األهالي‬ ‫أوالً‪ ،‬نطرح الفرض َّية‪“ :‬الفساد في النظام املدرسي‬ ‫أن يعيش أطفالهم حياة أفضل”‬ ‫اآلن ُنقطع عناصر الفرضية إلى محاور‪ :‬الفساد‪ /‬في النظام املدرسي‪/‬‬ ‫َّ‬ ‫حطم آمال األهالي‪ /‬أن يعيش أطفالهم‪ /‬حياة أفضل‪. /‬‬ ‫نعر ِّ ُف كل عنصر عن كثب‪ ،‬ونرى أي أسئلة تُ َول ِّ ُدها‪:‬‬ ‫بعد ذلك‪ُ ،‬نحاول أن َ‬ ‫الفساد‬ ‫“الفساد”‪ :‬ما الذي نعنيه بالضبط بـكلمة “الفساد؟”‬ ‫هل هي الرشاوى‪ ،‬احملسوبية‪ ،‬اإلهمال‪ ،‬سوء اإلدارة أو‬ ‫احملاباة في التوظيف؟ كيف يتم ذلك في املدارس‪ ،‬في‬ ‫حال كان موجودا ً أصالً؟‬ ‫“في النظام املدرسي”‪ :‬أي نوع من املدارس؟ وكم عددها؟‬ ‫هل يعمل الفساد بالطريقة ذاتها في كل مدرسة؟ ما‬ ‫هي األحكام التي يُفترض أن ُترِّم الفساد؟ ملاذا تظل‬ ‫تلك اإلجراءات غير فاعلة؟ أي نوع من الناس يعملون‬ ‫في النظام المدرسي‬ ‫ضمن هذا النظام‪ ،‬وكيف توزع مراكز القوى واملكافآت‬ ‫بينهم؟‬ ‫ِّ‬ ‫“حطم آمال األهالي”‪ :‬أي والِدين شهدوا فساداً؟ ما هي‬ ‫آمالهم؟ كيف كانوا يعتقدون أن التعليم سيساعد‬ ‫ِّ‬ ‫حطم آمال األهالي‬ ‫على حتقيق أحالمهم؟‬ ‫“أن يعيش أطفالهم”‪ :‬هل يعي األطفال ما يحصل‬ ‫حولهم؟ إن كان اجلواب نعم‪ ،‬كيف يؤثر ذلك عليهم؟‬ ‫أن يعيش أطفالهم‬ ‫“حياة أفضل”‪ :‬هل يجعل التعليم احلياة حقا ً أفضل‬ ‫لألطفال؟ وكيف؟‬ ‫حيـاة أفضــل‬ ‫‪33‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫ميكنك أن جتيب عن هذه األسئلة وفق أي ترتيب تشاء‪.‬ولكن الترتيب األسلم‬ ‫هو ً ذلك الذي ميكن اتباعه بسهولة‪.‬فأي استقصاء سيصبح صعبا ً عاجالً أم‬ ‫آجالً‪ ،‬ألنه يشمل جمع العديد من احلقائق من عديد مصادر‪ -‬ما يعني ضرورة‬ ‫تنظيم موادِّ َك بشكل أفضل‪.‬كما ستواجه مشاعر القلق حول ما إذا كنت قد‬ ‫وصلت إلى القصة احلقيقية قبل أن تخاطر بسمعتك كإعالمي محترف‪.‬‬ ‫في مثالنا االفتراضي‪ ،‬قد تكون البداية األسهل هي التحدث إلى األهل‬ ‫واألطفال عن آمالهم وإحباطاتهم‪.‬‬ ‫حال وجدت على األقل أربعة مصادر تؤكد وجود فساد في املدارس – أقل من‬ ‫أربع ٍة مصادر متطابقة قد تشكل أرضية خطرة جدا ً لتقف عليها – ميكنك البدء‬ ‫بالنظر في كيفية عمل النظام املدرسي‪.‬وستكون بحاجة لدراسة أحكامه‬ ‫وإجراءاته ومثالياته وأهدافه املقررة ومهمته‪.‬‬ ‫حني تعرف كيف يعمل النظام‪ ،‬سترى املناطق الرمادية والسوداء التي ميكن‬ ‫أن يقع الفساد فيها‪.‬‬ ‫وبعدها تستطيع مقارنة واقع ما سمعته واكتشفته مع ما يدعي القائمون‬ ‫على تطبيق النظام أو القانون‪.‬‬ ‫‪34‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫ب ‪.‬مزايا االستقصاء القائم على الفرضية‬ ‫هل يبدو لك أن مثال املدارس يتطلب كثيرا ً من العمل؟ قد يكون ذلك هو الواقع‪،‬‬ ‫لكن فقط إذا قارنته بالطريقة التي تكتب بها معظم القصص اإلخبارية‪ ،‬أي بالتحدث‬ ‫إلى مصدر أو مصدرين أو بإعادة كتابة بيان صحفي‪.‬فإن قارنت األسلوب االفتراضي‬ ‫مبعظم طرق االستقصاء األخرى‪ ،‬ستكون مزايا توفير الوقت في حالتنا واضحة‪.‬‬ ‫مينحك أسلوب الفرضية شيئا ً لتتحقق منه‪ ،‬بدال ً من محاولة كشف ٍ‬ ‫سر ما‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪.1‬‬ ‫الناس ال يكشفون أسرارهم بال سبب وجيه‪.‬وهم أكثر استعدادا ً لتأكيد املعلومات‬ ‫كنك من أن تسأ َل سؤاال محددا‬‫التي بحوزتك ألن الناس يكرهون الكذب‪.‬الفرضية تُ َ‬ ‫تضعك أيضا ً في موقف املُنفتح على اكتشاف أكثر مما هو‬ ‫َ‬ ‫لكي تؤك َد شيئا ما‪.‬وهي‬ ‫موجود في القصة‪ ،‬ألنك مستع ٌّد لقبول حقائق أبعد مما ظننت أنها موجودة عندما‬ ‫بدأت العمل االستقصائي‪.‬‬ ‫‪.2‬تزيد الفرضية ُفرصك في اكتشاف أسرار‪.‬‬ ‫كثير مما ندعوه «أسراراً» هو‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬حقائق لم يسأل أح ٌد عنها أبداً‪.‬‬ ‫للفرضية أثر نفسي يجعلك أكثر حساس ّية واستشعارا ً للمادة‪ ،‬بحيث تستطيع‬ ‫أن تسأل تلك األسئلة بطريقة واضحة‪.‬وكما قال الصحافي االستقصائي الفرنسي‬ ‫إدوي بلينيل ‪“ :Edwy Plenel‬إذا أردت العثور على شيء‪ ،‬عليك البحث عنه”‪.‬‬ ‫‪.3‬الفرضية جتعل إدارة مشروعك أكثر سهولة‪.‬‬ ‫بعد أن تكون قد عرَّفت وحددت ما تبحث عنه‪ ،‬ومن أين تبدأ البحث عنه‪ ،‬تستطيع‬ ‫تقدير الزمن الذي تتطلبه خطوات االستقصاء األول ّية‪.‬تلك هي اخلطوة األولى للتعامل‬ ‫مع االستقصاء كمشروع تستطيع إدارته‪.‬وسنعود إلى هذه النقطة في نهاية هذا‬ ‫الفصل‪.‬‬ ‫أدوات تستطيع استخدامها مرارا ً وتكراراً‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ات‬ ‫‪.4‬الفرض َّي ُ‬ ‫عندما تعمل بطريقة منهجية‪ ،‬ستشعر قطعا أن مهنتك تتغير‪.‬واألهم‪ ،‬ستتغير‬ ‫أنت‪.‬فلن حتتاج بعد ذلك شخصا ً يقول لك ما عليك فعله‪.‬وسترى ما يجب فعله‬ ‫ملواجهة بعض فوضى ومعاناة هذا العالم‪ ،‬وستكون قادرا ً على حتقيق نتيجة عبر لفت‬ ‫أنظار الرأي العام واملسؤولني‪.‬ألم تصبح صحفيا ً ألجل ذلك في املقام األول؟‬ ‫‪35‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫‪.5‬عملياً‪ ،‬تضمن الفرضية أنك ستقدم قصة‪ ،‬وليس فقط كمية من املعلومات‪.‬‬ ‫تذكر أن احمل ّررين يريدون ضمان احلصول على قصة لينشروها بعد صرف فترة زمنية‬ ‫محددة واستثمار موارد من خالل عملك االستقصائي‪.‬والفرض ّية تزيد فرصة الوصول‬ ‫إلى تلك النتيجة‪ ،‬إذ تُ ِّكن َُك من تو ّقع ح ٍّد أدنى لعملك وح ٍّد أقصى‪ ،‬وباملثل توقع األسوأ‪.‬‬ ‫بي التحقق األولي من الفرضية عدم وجود قصة‪ ،‬فيجري إنهاء‬ ‫األسوأ هو أن يُ ِّ ُ‬ ‫املشروع دون تضييع موارد مهمة وجهد ومال‪.‬‬ ‫يتمثل احلد األدنى من النتيجة اإليجابية بأن تكون الفرض َّية األول َّية التي وضعتها‬ ‫صحيح ًة‪ ،‬وميكن إثباتها بسرعة‪.‬‬ ‫وفي احلد األقصى إذا كانت هذه الفرض ّية صحيحة‪ ،‬فمنطقيا ً ال بد للفرض َّيات‬ ‫األخرى أن تتبع املسار ذاته‪ ،‬وسينتج عن ذلك إما سلسل ٌة قصص متشابهة أو قصة‬ ‫واحدة كبيرة‪.‬‬ ‫وهناك مزايا أخرى‪ ،‬ولكن قبل أن نذهب بعيداً‪ ،‬علينا أن نحذرك مما يلي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫خطرة‬ ‫ج‪.‬ميكن أن تكون الفرض َّي ٌ‬ ‫ات‬ ‫اإلعالم ّيون املبتدئون حذرون ازاء ما قد يحدث لهم حني يحصلون على قصة‬ ‫صحيحة‪.‬هل سيثأر أحد منهم؟ هل سترفع شكوى ضدهم؟ أما أصحاب اخلبرة‬ ‫فيعرفون أن املشاكل األسوأ حتدث حني يثبت أن القصة خطأ‪.‬طبعا ً ميكن أن‬ ‫يُحاكموا‪ ،‬وميكن أحيانا ً أن يُلقى بهم في السجن‪ ،‬سواء أكانوا ُمح ِّقني أو مخطئني‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫حتتفظ بهذا األمر في ذهنك‪ :‬إن كنت فقط حتاول أن تثبت‪ ،‬وبأي‬ ‫نرجوك إذا ً أن‬ ‫ثمن‪ ،‬أن فرض َّية ما صحيحة‪ ،‬خالفا ً للوقائع‪ ،‬فستلتحق بركب ك َذابي العالم‬ ‫احملترفني‪.‬نخوض االستقصاء بحثا عن شيء أكثر من مجرد إثبات أنك محقٌّ مبا‬ ‫تفترض‪.‬إنّه العثور على احلقيقة‪.‬واالستقصا ُء القائم على أسلوب الفرض َّية‬ ‫أدا ٌة للحفر والنبش عميقا ً بحثا ً عن احلقيقة‪ ،‬ولكنها تستطيع أيضا ً حفر قبر‬ ‫عميق للبريء أذا أص ّريت على حذف احلقائق التي تدحض فرضيتك‪.‬تذكر أن سوء‬ ‫استخدام الفرض ّية هو إحدى طرق ذهاب الصحفي إلى اجلحيم‪.‬لذا عليك أن‬ ‫تكون صادقا ً وحريصا ً وأنت تستخدم الفرض ّيات‪ :‬حاول دحضها كما حتاول إثباتها‪.‬‬ ‫نفصل املزيد عن هذا املوضوع في الفصل السابع حتت بند‬ ‫ّ‬ ‫وسنشرح أو‬ ‫«مراقبة اجلودة»‪.‬‬ ‫‪36‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫زميلتنا في العراق ميادة داوود مشت على حبل مشدود حني غامرت في‬ ‫ثالث حتقيقات؛ األول يكشف وسائل القاعدة في جتنيد أطفال لتنفيذ عمليات‬ ‫انتحارية والثاني عن جتنيد النساء في صفوف احلركات التكفيرية وسط إهمال‬ ‫السلطات هناك والثالث عن إمتيازات سنوية بنصف مليار دوالر العضاء في‬ ‫البرملان العراقي في اوسع ظاهرة فساد في العالم العربي‪.‬‬ ‫عن هذا املأزق يقول مشرف ميادة الزميل محمد الربيعي‪“ :‬يواجهنا في الغالب‪،‬‬ ‫حت ّدي الكتابة عن مواضيع خطيرة‪ ،‬مثل العنف واجلماعات املسلحة‪.‬فال ميكن ان تضمن‬ ‫حياتك في حال كتبت عن جهات مثل تنظيم القاعدة او اجلماعات املسلحة وامليليشيات‬ ‫األخرى‪.‬وفي ظل العنف اليومي الذي يشهده العراق‪ ،‬ميكن ان يخسر الصحفي‬ ‫االستقصائي حياته‪.‬وهذا التهديد أجبرنا على اخفاء اإلسم احلقيقي للكاتبة»‪.‬‬ ‫ذات التهديدات واجهت عملية بناء حتقيق االنتحار حرقا في كردستان للزميلني‬ ‫سامان نوح وموفق محمد‪ ،‬وايضا قصة ختان اإلناث في كردستان لدلوفان برواري‪ -‬ألن هذه‬ ‫املواضيع تعد محرمة في بلد محافظ‪.‬في تونس حيث حكومة برئاسة حزب النهضة‬ ‫االسالمي‪ ،‬قامت حنان زبيس بتقصي رياض اطفال تدرس مناهج دينية متشددة وتنتج‬ ‫نخبة وهابية‪.‬ورياض القبيسي الذي كشف فساد كشافي اجلمرك في مرفأ بيروت‬ ‫باعطائهم رشى تقاسمها عدد من املراقبني بدائرة اجلمارك‪.‬ومصعب الشوابكة في االردن‬ ‫الذي تخفى كطالب يخضع ألمتحان الشهادة الثانوية العامة (التوجيهي) مستخدما‬ ‫كاميرا سرية ليكشف أساليب وممارسات على مرأى ومسمع من مراقبي قاعات االمتحان‬ ‫بالرغم من قيام وزارة التربية أنذاك بنفي ان يكون األمر على مستوى الظاهرة‪.‬‬ ‫كما تلقت الزميلة رائدة حمرا شتائم واهانات من رئيس جامعة البلقاء التطبيقية‬ ‫االردنية آنذاك‪ ،‬بعد ما كشفت خبايا افتتاح فرع وهمي للجامعة في دولة االمارات‬ ‫العربية‪.‬وفي غزة تلقى محمد عثمان تهديدات لثنيه عن نشر حتقيقه الذي كشف‬ ‫فيه أن ‪ 18‬باملئة من النواب ال ‪ 48‬ميارسون مهنا أخرى حرة ويتقاضون مداخيل اضافية‬ ‫‪،‬في خرق واضح لقانون واجبات وحقوق أعضاء اجمللس التشريعي ونظامه الداخلي‪.‬‬ ‫د ‪.‬كيف تعمل الفرض َّيات؟‬ ‫مهما ً إن كانت الفرضية األولى غير صحيحة؟‬ ‫ّ‬ ‫‪.1‬ملاذا ليس‬ ‫منهجية االستقصاء باالستناد إلى أسلوب الفرض ّية إجرا ٌء قدميٌ قدم العلم‬ ‫ذاته‪ ،‬يُستخدم بنجاح في مجاالت مختلفة بدءا بعمل الشرطة وانتهاء بتقدمي‬ ‫‪37‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫االستشارات التجارية‪.‬لذا‪ ،‬من غير العادي أن ال يكون قد استُعمل في الصحافة‬ ‫واع إال أخيرا‪.‬في اجلوهر‪ ،‬يقوم هذا اإلجراء على خدعة عقلية‪.‬فأنت تبتكر‬ ‫كمنهج ٍ‬ ‫ثم تسعى‬ ‫بيانا َ ملا تعتقد أنه الواقع‪ ،‬بناء على أفضل املعلومات التي بحوزتك‪ّ ،‬‬ ‫للحصول على معلومات أخرى ميكن أن تُثبت أو تدحض بيانك‪.‬وهذه هي عملية‬ ‫التَّحقق‪.‬وكما أوضحنا أعاله‪ ،‬إن لم يكن ممكنا ً التثبت من الفرض ّية كلها‪ ،‬ميكن‪،‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬التحقق من عناصرها املنفصلة‪.‬وإال‪ُ ،‬عد إلى اخلطوة األولى واطرح‬ ‫فرض َّية جديدة‪.‬الفرضية التي ال ميكن إثباتها كل ّيا ً أو جزئيا ً ليست إال تخمينا‪.‬‬ ‫إذا متّ التأكد من البيان ببرهان‪ ،‬فذلك شيء عظيم‪ :‬وتكون قد حصلت على‬ ‫قصتك‪.‬وإذا اتضح أن الصيغة غير صحيحة‪ ،‬فذلك شيء عظيم أيضاً‪ ،‬ألن ذلك‬ ‫يعني احتمال وجود قصة أفضل من القصة التي تصورتها أصالً ‪ ،‬كما حصل مع‬ ‫الزميلة لينا العبد في سورية‪.‬‬ ‫‪.2‬بنا ُء الفرض َّي ِة‬ ‫يجب أال تتعدى الفرضيّة األوليّة ثالث جمل‪.‬فإن كانت أطول من ذلك‪،‬‬ ‫فلن تستطيع شرحها لشخص آخر‪.‬واألهم من ذلك أنها إن كانت أطول‬ ‫من ذلك فقد ال تفهمها أنت نفسك‪.‬‬ ‫لذا ابدأ بطرح الفرض َّية كقصة‪ ،‬ألن ذلك يعني أنك تنتهي حيث بدأت –‬ ‫بقصة‪.‬فنحن ال جنمع حقائق فقط‪ ،‬بل نروي قصصا ً نأمل أن تساعد على تغيير‬ ‫وناشرِ َك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الواقع‪.‬والفرض َّية ستساعدك على شرح القصة آلخرين‪ ،‬بدءا ً مب ُ َحرِّر ِ َك‬ ‫ثم اجلمهور‪.‬‬ ‫في أكثر الصيغ شيوعا‪ ،‬تكون القصة ً في إطار إحدى هذه اجلمل الثالث‪:‬‬ ‫س ِّب ُب معاناة كبيرة‪( ،‬أو نواجه وضعا ً يستحق أن يكون‬ ‫‪« -‬نواجه وضعا ً ي ُ َ‬ ‫معروفا ً بشكل أوسع كمثال جيد)»‪.‬‬ ‫‪“ -‬إليكم كيف وصلنا إلى هذه النقطة”‪.‬‬ ‫‪“ -‬هذا ما سيحصل إن لم يتغير أي شيء ‪...‬وإليكم كيف ميكننا تغيير األشياء‬ ‫إلى األفضل”‪.‬‬ ‫الحظ شيئا ً في هذه اجلمل‪ :‬إنها تتبع ترتيبا ً قائما على تسلسل زمني‬ ‫‪38‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫(كرونولوج َّيا ً ‪.)chronological‬لكن قد ال يبدو هذا األمر واضحاً‪ ،‬ألن الترتيب ليس‬ ‫وماض ومستقبل‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫خطا ً مستقيما ً من املاضي إلى املستقبل‪ ،‬بل يخبرنا عن حاضر‬ ‫‪ -‬أخبارُ املشكلة‪ ،‬أي احلاضر‪.‬‬ ‫‪ -‬سبب املشكلة‪ ،‬أي املاضي‪.‬‬ ‫‪ -‬ما يجب أن يتغ َّير إلنهاء املشكلة‪ ،‬أي املستقبل‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬حني نؤلف فرض َّية‪ ،‬نكون فعالً قد بدأنا بتأليف سردٍ – قصة تشمل‬ ‫شخوصا تتحرك في مكان وزمان معينني‪.‬أصعب األشياء يكمن في إبقاء تركيزك‬ ‫على السرد وإال تدفن حتت احلقائق الكثيرة التي جتمعها‪.‬فرض َّيتك تستطيع‬ ‫مساعدتك‪ :‬وحني تشعر أنك مغمور باحلقائق‪ ،‬توقف عن احلفر وابدأ النظر إلى‬ ‫القصة التي حتاول حقائقك قولها لك‪.‬وإذا لم تناسب تلك احلقائق الفرض َّية‬ ‫األصل َّية بادر إلى تغييرها‪.‬فرغم كل شيء‪ ،‬فهي مجرد فرضية‪.‬‬ ‫ي كيف ميكن وضع حد ملشكلة معينة‪.‬‬ ‫باملناسبة‪ ،‬قد يكون من الصعب أن نُ َب ِّ َ‬ ‫فأحياناً‪ ،‬يكون أفضل ما تستطيع فعله هو أن تُدين ُظلماً‪.‬ولكن غالبا ما يكون‬ ‫شخص ارتبط بقصتك قد بحث عن حل قبلك‪.‬فال تتردد في البحث عن ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫الشخص‪.‬‬ ‫‪.3‬املفاتيح األربعة لتفعيل الفرضيات‬ ‫استخدام الفرض َّيات ليس خدعة معقدة‪ ،‬ولكنها تتطلب منك عدة‬ ‫محاوالت قبل أن يصبح األسلوب سلسا وطبيعيا بالنسبة َ‬ ‫لك‪.‬وث َمة أربع مزايا‬ ‫كي يصبح األسلوب فاعالً‪:‬‬ ‫أ ‪.‬كن خالّقاً‬ ‫يستجيب الصحفيون عادة لألوضاع من حولهم‪.‬ويغطون ما يرونه أو‬ ‫يسمعونه أو يقر ُؤنه‪ ،‬أو يتابعون أخبار أمس‪.‬أما االستقصا ُء فهو محاولة لكشف‬ ‫فالصحفي ال يُغطي األخبار فحسب‪ ،‬ولكنه يصنعها‬ ‫ُّ‬ ‫شيء غير معروف إلى اآلن‪.‬‬ ‫أيضاً‪.‬ولذا‪ ،‬فإنه يقفز بالضرورة إلى مستقبل غامض‪ ،‬ما يتطلب محاولة تخيل‬ ‫القصة‪ ،‬وهذا عمل إبداعي بحد ذاته‪.‬‬ ‫‪39‬‬  ‫الفصل الثاني‬ ‫ب ‪.‬كن ُمحَ َّدداً جداً‬ ‫إذا كنت تستعمل كلمة «منزل» في فرض َّيتك‪ ،‬عليك أن تكون دقيقا وواضحا‪ ،‬فهل‬ ‫املنزل فيال أم شقة فاخرة‪..‬في الطابق العلوي للمبنى أو كوخ؟ جواب ذلك مهم‪.‬فكلما‬ ‫كنت أكثر دقة في حتديد حقيقة مفترضة‪ ،‬كلما كان أسهل لك التحقق منها‪.‬‬ ‫ج ‪.‬استثمر خبرتك‬ ‫إذا كنت قد رأيت كيف يعمل العالم بطرق معينة‪ ،‬ميكن تطبيق ذلك على‬ ‫القصة التي حتاول إثباتها‪.‬فخبرتك ميكن أن تساعدك على االنتهاء من فرض َّية‪.‬‬ ‫تذكر أنه حتى أكثر الناس خبرة ميكن أن يندهشوا لشيء لم يروه من قبل‪ ،‬وميكن‬ ‫حتى ألكثر الناس ثقة بأنفسهم أن يقللوا من قدر خبرتهم‪.‬‬ ‫نفذها مستهلكو منتجات شركة ألبان في‬ ‫مثال‪ :‬فشلت حملة مقاطعة ّ‬ ‫فرنسا‪ ،‬وفق ما أعلنته الشركة التي استهدفتها املقا?