تاريخ وحضارات الشرق الأدنى في العصر الهللينستي PDF

Summary

This document is a syllabus or course outline for a history course focusing on the history of the Near East during the Hellenistic period, from the time of Alexander the Great. It covers topics like Alexander's conquests, the establishment of Hellenistic kingdoms, and the cultural aspects of the period. The document appears to be a summary of a course outline.

Full Transcript

‫هاني عمر محمد منجود‬ ‫حسن أحمد حسن اإلبياري‬ ‫كمية اآلداب ‪ -‬جامعة الفيوم‬ ‫كمية اآلداب ‪ -‬جامعة عين شمس‬ ‫‪0202‬‬ ‫فهرس المحتويات‬ ‫رقم الصفحة‬ ‫الموض ـ ـ ـ ــوع‬ ‫‪5‬‬ ‫رؤية ورسالة كلية ا...

‫هاني عمر محمد منجود‬ ‫حسن أحمد حسن اإلبياري‬ ‫كمية اآلداب ‪ -‬جامعة الفيوم‬ ‫كمية اآلداب ‪ -‬جامعة عين شمس‬ ‫‪0202‬‬ ‫فهرس المحتويات‬ ‫رقم الصفحة‬ ‫الموض ـ ـ ـ ــوع‬ ‫‪5‬‬ ‫رؤية ورسالة كلية اآلداب ‪..................................‬‬ ‫‪6‬‬ ‫رؤية ورسالة قسم التاريخ ‪..................................‬‬ ‫‪7‬‬ ‫توصيف المقرر ‪...........................................‬‬ ‫‪66-9‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني ‪.....‬‬ ‫‪03-67‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬حملة اإلسكندر األكبر على الشرق ‪.........‬‬ ‫‪59-06‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬تأسيس الممالك الهللينستية ‪...............‬‬ ‫‪99-66‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬المملكة السلوقية ‪..........................‬‬ ‫‪635-95‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬مملكة مقدونيا ‪...........................‬‬ ‫‪611-637‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬روما وسقوط الممالك الهللينستية ‪.........‬‬ ‫الفصل السابع‪ :‬بعض المظاهر الحضارية للشرق األدنى في‬ ‫‪653-610‬‬ ‫العصر الهللينستي ‪........................................‬‬ ‫‪-3-‬‬ ‫رؤية ورسالة الكلية‬ ‫رؤية الكلية‪:‬‬ ‫تتطلع كلية اآلداب إىل إعداد خريج مؤهل أكادمييًا وعلميًا وفكريًا وثقافيًا مبا‬ ‫يتطابق مع ادلعايري العادلية‪ ،‬صاحب كفاءة عالية يف التعليم‪ ،‬والقيام بالبحث العلمي‪،‬‬ ‫ولديه مقدرة على اكتساب مهارات التفكري‪ ،‬له دور ملموس يف ادلشاركة اجملتمعية‬ ‫الفعالة يف العلوم االجتماعية واإلنسانيات‪ ،‬وقادر على ادلنافسة‪ ،‬ومواجهة‬ ‫التحديات‪.‬‬ ‫رسالة الكلية‪:‬‬ ‫إمداد اجملتمع جبيل من اخلرباء وادلتخصصني يف فروع ادلعرفة األدبية‪ ،‬واإلنسانية‪،‬‬ ‫والشخصيات القيادية اليت تسهم ىف تطوير اجملتمع‪ ،‬والثقافة اإلنسانية من خالل‬ ‫االلتزام ادلهين واألخالقي‪ ،‬وفق أفضل ادلعايري‪ ،‬لتلبية احتياجات اجملتمع احمللي‪،‬‬ ‫واإلسهام يف البحث يف مجيع ادليادين‪ ،‬وتقدمي خدمات تعليمية ذات جودة عالية‬ ‫تواكب حتديات ادلستقبل‪.‬‬ ‫‪-5-‬‬ ‫رؤية ورسالة قسم التاريخ‬ ‫رؤية قسم التاريخ‪:‬‬ ‫التميز واإلبداع يف الدراسات التارخيية حمليًا وعادليًا‪ ،‬واإلسهام ىف توعية اجملتمع‬ ‫باحلفاظ على الًتاث اإلنساين‪.‬‬ ‫رسالة قسم التاريخ‪:‬‬ ‫إعداد خريج ميتلك مهارات النقد والتحليل والتحقيق والبحث باستخدام األساليب‬ ‫ادلعرفية احلديثة يف حقل الدراسات التارخيية‪ ،‬وقادر على ادلنافسة حمليًا وعادليًا‪،‬‬ ‫وتأهيله للعمل بادلؤسسات ادلختلفة التعليمية والثقافية واإلعالمية من خالل برنامج‬ ‫تدريىب حتويلي على اعتبار أن التاريخ أساس العلوم ادلختلفة‪ ،‬مع احلفاظ على اذلوية‬ ‫العربية واإلسالمية والوطنية والقيم اجملتمعية‪ ،‬وتقدمي ادلعرفة التارخيية الصحيحة اليت‬ ‫تعني على فهم وحل العديد من ادلشاكل اليت تواجه تطور اجملتمع‪.‬‬ ‫‪-6-‬‬ ‫تىصيف مقرر‬ ‫(تاريخ وحضارات الشرق األدنى في العصرالهللينستي)‬ ‫رقم ادلقرر (‪204 :)No.‬‬ ‫كود ادلقرر (‪Hist. :)Code‬‬ ‫توصيف ادلقرر‪:‬‬ ‫يهدف هذا ادلقرر إىل دراسة محلة اإلسكندر األكرب على الشرق وسيطرته على‬ ‫واليات اإلمرباطورية الفارسية بعد إسقاطها حىت وفاته‪ ،‬مؤمتر بابل وحروب اخللفاء‬ ‫وقيام ادلمالك اذلللينستية وهى دولة البطادلة والدولة السلوقية والدولة ادلقدونية‪،‬‬ ‫مراحل تطور كل من الدولة السلوقية وادلقدونية وعالقتهما اخلارجية‪ ،‬ظهور دولة‬ ‫روما وسيطرهتا ممالك الشرق‪ ،‬بعض اجلوانب احلضارية من الدولتني‪.‬‬ ‫‪-7-‬‬ ‫الفصل األول‬ ‫الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني‬ ‫جيدر بنا قبل البدء يف سرد تاريخ وحضارة الشرؽ األدىن خالؿ العصر اذلللينسيت‬ ‫أف نوضح مفهوـ كل من "الشرؽ األدىن" و"العصر اذلللينسيت" ‪ ،‬وأف نتعرؼ بإجياز‬ ‫شديد على أوضاع الشرؽ األدىن قبيل محلة اإلسكندر األكرب ادلقدوين على الشرؽ ‪،‬‬ ‫والعالقات بُت اإلمرباطورية الفارسية وبالد اليوناف قبيل ىذه احلملة ‪ ،‬ودوافع مقدونيا‬ ‫وبالد اليوناف للقياـ هبذه احلملة ‪ ،‬وذلك حىت ال نقطع تسلسل األحداث التارخيية وحىت‬ ‫ال نبدو وكأننا نبدأ من فراغ ‪ ،‬وذلك على النحو التايل‪:‬‬ ‫مفهوم الشرق األدنى‪:‬‬ ‫مصطلحا غربيًا أطلقو اآلثاريوف الغرب‬ ‫ً‬ ‫يعد مصطلح الشرؽ األدىن ‪Near East‬‬ ‫الذين قاموا بالكثَت من احلفائر يف مناطق الشرؽ األدىن ‪ ،‬وردبا أخذه ىؤالء اآلثاريوف من‬ ‫ادلسميات اليت أطلقها ال ُكتّاب اليوناف والروماف الذين عُرفوا بال ُكتّاب الكالسيكيُت الذين‬ ‫زاروا تلك ادلناطق يف عصور قدمية وألّفوا عنها العديد من ادلؤلفات اليت أطلقوا فيها اسم‬ ‫الشرؽ األدىن على ىذه ادلناطق ‪ ،‬على األرجح ألهنا تقع إىل الشرؽ األدىن من بالدىم ‪،‬‬ ‫ومن ىؤالء ال ُكتّاب‪" :‬ىيكاتيوس ادللييت" و"ىَتودوت" و"ديودور الصقلي" و"سًتابو"‬ ‫و"بلوتارخ" وغَتىم‪.‬‬ ‫تبعا لذل ك فقد اعتاد معظم ادلؤرخوف إطالؽ اسم الشرؽ األدىن على تلك‬ ‫وً‬ ‫ادلنطقة اليت تفصل بُت الشرؽ األقصى ‪ Far East‬وبُت جنوب أوروبا ‪ ،‬وسبتد ىذه‬ ‫ادلنطقة من حدود إيراف مع اذلند شرقًا وحىت حدود مصر الغربية غربًا ‪ ،‬ومن األناضوؿ‬ ‫مشاال وحىت حدود مصر اجلنوبية جنوبًا ‪ ،‬أي أف منطقة الشرؽ األدىن تضم مصر والشاـ‬ ‫ً‬ ‫‪-9-‬‬ ‫الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني‬ ‫الفصل األول‬ ‫(سوريا ولبناف وفلسطُت) وآسيا الصغرى (أرمينيا واألناضوؿ وبعض األجزاء اجلنوبية من‬ ‫تركيا) وبالد الرافدين (العراؽ) وفارس (إيراف) وشبو اجلزيرة العربية (ادلملكة العربية‬ ‫السعودية واليمن ومنطقة اخلليج العريب)‪.‬‬ ‫مفهوم العصر الهللينستي‪:‬‬ ‫من ادلعروؼ أف العصور اليونانية األوىل قد أطلق عليها اسم "العصر اذللالدي"‬ ‫‪ Helladic‬الذي امتد حىت قياـ األلعاب األوليمبية عاـ ‪ ٚٚٙ‬ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬وىو العاـ الذي‬ ‫بدأ فيو عصر جديد أُطلق عليو "العصر اذللليٍت" ‪ ، Hellenic‬وتتميز مالمح العصر‬ ‫اذللليٍت بإحساس ادلواطنُت اإلغريق بالقومية العرقية على غَتىم من الشعوب الذين أطلقوا‬ ‫عليهم برابرة ‪ ، Barbaroi‬حيث اعتز كل مواطن إغريقي بادلدينة اليت انتسب إليها‬ ‫ورفض أي فكرة تدعو الرباد اإلغريق ربت دولة واحدة حىت ال يفقد مزاياه الفردية اليت‬ ‫كاف يتمتع هبا داخل عامل مدينتو احملدود‪.‬‬ ‫وقد امتد العصر اذللليٍت حىت صلاح مقدونيا يف ضم بالد اليوناف بعد االنتصار يف‬ ‫معركة خايرونيا عاـ ‪ ٖٖٛ‬ؽ‪.‬ـ مث غزو اإلسكندر للشرؽ األدىن ‪ ،‬شلا أدى إىل فقداف‬ ‫ادلدف اليونانية ‪ Poleis‬لشخصيتها واستقالذلا الذي سبتعت بو خالؿ العصر اذللليٍت‪.‬‬ ‫وبذلك بدأ عصر جديد أطلق عليو اسم "العصر اذلللينسيت" الذي ميكن أف نُطلق عليو‬ ‫حكرا على بالد اليوناف‬ ‫"العصر ادلتأغرؽ" ‪ ،‬أي أف احلضارة مل تُعد إغريقية خالصة وال ً‬ ‫معا ‪ ،‬فقد امتزجت حضارة‬‫وحدىا وإمنا أصبحت مزجيًا بُت العناصر الشرقية واإلغريقية ً‬ ‫اإلغريق الوافدة مع حضارة الشرؽ األدىن بعد االحتالؿ ادلقدوين ‪ ،‬كما تطورت احلضارة‬ ‫كثَتا عن العصور السابقة‪.‬‬ ‫اذلللينية والكالسيكية إىل مناخ جديد سلتلف ً‬ ‫‪- 01 -‬‬ ‫الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني‬ ‫الفصل األول‬ ‫ويبدأ العصر اذلللينسيت بوفاة اإلسكندر األكرب عاـ ٖٕٖ ؽ‪.‬ـ وينتهي بقياـ‬ ‫اإلمرباطورية الرومانية رمسيًا على يد أوكتافيوس أغسطس عاـ ‪ ٕٚ‬ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬أي أنو استمر‬ ‫ثالثة قروف تقريبًا(ٔ)‪.‬‬ ‫أهمية منطقة الشرق األدنى‪:‬‬ ‫كانت ادلنطقة ادلمتدة من النيل إىل الفرات ىي قلب الشرؽ األدىن ‪ ،‬وىي منطقة‬ ‫تتميز بالسهوؿ واألهنار والتنوع اجلغرايف والتنوع السكاين والعرقي ‪ ،‬كما كانت مهد‬ ‫احلضارات القدمية اليت قامت على ضفاؼ األهنار يف النيل والرافدين ويف سهوؿ الشاـ ‪،‬‬ ‫وفضال عن ذلك فقد اتسمت‬ ‫كما أف ىذه ادلنطقة مهبط األدياف السماوية الكربى ‪ً ،‬‬ ‫تلك ادلنطقة باالنفتاح شلا جعلها قبلة للهجرات السكانية ادلختلفة منذ أقدـ العصور‪.‬ودلا‬ ‫كانت ىذه ادلنطقة تطل على حبرين من أىم حبار العامل مها البحر ادلتوسط والبحر األمحر‬ ‫(خبليجيو اذلامُت ومها اخلليج العريب وخليج السويس) ‪ ،‬فقد لعبت منطقة الشرؽ األدىن‬ ‫دورا أساسيًا يف ذبارة العامل القدًن اليت كانت تأيت إليها إما ًبرا عرب الطرؽ التجارية الكربى‬ ‫ً‬ ‫حبرا من اذلند‬ ‫اليت كانت تربط بُت مشاؿ العراؽ وآسيا الوسطى ‪ ،‬أو تلك اليت تأيت إليها ً‬ ‫مهما يف حياة‬ ‫دورا ً‬ ‫والشرؽ األقصى حىت البحر األمحر‪.‬ويف الواقع فقد لعبت التجارة ً‬ ‫شعوب منطقة الشرؽ األدىن ؛ فمن ناحية ظهرت من بُت شعوبو شعوب عرفت دبهارهتا‬ ‫التجارية مثل الفينيقيُت والسبأيُت الذين قاموا بنقل ذبارة الشرؽ األقصى وشرؽ أفريقيا إىل‬ ‫مناطق األسواؽ يف جنوب أوروبا ‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإف االحتكاؾ التجاري الدائم بُت‬ ‫(ٔ )‬ ‫من اجلدير بالذكر أف احلضارة اذلللينستية مل تُشرؽ فجأة بعد وفاة اإلسكندر األكرب ‪ ،‬بل ظهر ذلك‬ ‫تدرجييًا قبل ىذا التاريخ ‪ ،‬وذلك عندما تطورت احلضارة يف بالد اليوناف خالؿ القرف الرابع ؽ‪.‬ـ وبدأت تبتعد‬ ‫عن الروح الكالسيكية وتتطور يف طريقها إىل عامل جديد محمل روح العصر اذلللينسيت ولكن معادلو مل تكن قد‬ ‫اتضحت بعد‪.‬كما أف مظاىر العصر اذلللينسيت مل زبتف فجأة بقياـ اإلمرباطورية الرومانية ‪ ،‬بل صلد أف‬ ‫حضارة العصر الروماين قد امتزحت مع الفكر والثقافة اذلللينستية عقب ضم روما ذلذه ادلمالك مكونة حضارة‬ ‫أطلق عليها اسم احلضارة اليونانية‪-‬الرومانية (‪.)Graeco-Roman‬‬ ‫‪- 00 -‬‬ ‫الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني‬ ‫الفصل األول‬ ‫ىذه الشعوب قد مسح لسكاف الشرؽ األدىن بادلزج بُت تلك احلضارات اليت تعاملوا معها‬ ‫شلا ساعد على نضوج حضاراهتم العريقة‪.‬‬ ‫ونظرا لتلك ادلميزات ادلهمة فقد كاف الشرؽ األدىن زلل صراعات دائمة ‪ ،‬وشهد‬ ‫ً‬ ‫على طوؿ تارخيو قياـ عدة إمرباطوريات حاولت ضم أكرب جزء منو خاصة يف ادلنطقة‬ ‫ادلهمة الواقعة بُت النيل والفرات ‪ ،‬وتعد اإلمرباطورية ادلصرية يف وادي النيل واإلمرباطورية‬ ‫األكادية يف بالد الرافدين من أىم ىذه اإلمرباطوريات‪.‬‬ ‫أوضاع اإلمبراطورية الفارسية خالل القرن الرابع ق‪.‬م وأثر ذلك على الشرق األدنى‪:‬‬ ‫(ٔ)‬ ‫قبيل محلة اإلسكندر األكرب على الشرؽ كانت اإلمرباطورية الفارسية األمخينية‬ ‫ىي سيدة الشرؽ األدىن بال منازع ‪ ،‬ولكن منذ القرف الرابع قبل ادليالد بدأ الضعف يدب‬ ‫يف أوصاذلا ‪ ،‬حيث بدأ يتوىل شئوهنا ملوؾ ضعاؼ فضعفت سيطرهتم على اإلدارة ‪،‬‬ ‫وانتشر الفساد ‪ ،‬وكثرت مؤامرات القصور ‪ ،‬وتدخلت النساء يف احلكم ‪ ،‬وازدادت سطوة‬ ‫(ٕ)‬ ‫(الوالة) يف األقاليم ‪ ،‬وفقدت شعوب اإلمرباطورية محاستها الشديدة‬ ‫السًتابات‬ ‫(ٔ) يعد ادللك "قورش" ىو مؤسس اإلمرباطورية الفارسية األمخينية ‪ ، Achaemenian‬وعند وفاتو عاـ ‪ٕ٘ٛ‬‬ ‫مشاال إىل بالد الرافدين‬ ‫ؽ‪.‬ـ كانت دولتو سبتد من حبر إجية غربًا إىل جباؿ ىندوكوش شرقًا ‪ ،‬ومن حبر قزوين ً‬ ‫وصحراء العرب جنوبًا‪.‬وقد توىل بعده ابنو "قمبيز" الذي أمت احتالؿ مصر وضمها إىل اإلمرباطورية الفارسية ‪،‬‬ ‫وصلح يف احتالؿ ادلستوطنة اإلغريقية قوريٍت ‪( Cyrene‬برقة)‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫سًتاب )‪ :(Old Persian khšaçapâvâ‬سبقت ىذه الكلمة ظهور اإلمرباطورية الفارسية ‪ ،‬وكانت‬ ‫تعٍت "حامي ادلملكة" ‪ ،‬فكانت تصف ادللوؾ ادليديُت يف القرنُت السابع والسادس قبل ادليالد ‪ ،‬ويف العصر‬ ‫الفارسي كاف ملوؾ الفرس يرسلوف إىل والياهتم مفتشوف محملوف لقب "سًتاب" دبعٍت "عُت ادللك" ومهمتهم‬ ‫اإلشراؼ على الواليات التابعة لإلمرباطورية الفارسية األمخينية ‪ ،‬مث أصبحت ىذه الواليات تُعرؼ باسم‬ ‫"السًتابيات" ‪ ،‬وكانت على النحو التايل‪ :‬والية بَتثيس – عالـ – بابل وآشور – ميديا – أورثوكوروبانتيانس‬ ‫(تيجرا – اكسودا) – بامفيليا – أيونيا – مقدونيا – اإلغريق – كاريا – ليديا – أرمينيا – قبادوقيا – ليكيا‬ ‫– سوريا – مصر – ليبيا – بنجاب – جندارا – السند ‪ - Thatagudia‬ماكا (سلطنة عماف) – باكًتيا –‬ ‫بارثيا – سوجاديا (سهوؿ وسط آسيا) – تراقيا ‪ -‬أثيوبيا – القوقاز – العربية‪.‬‬ ‫‪- 01 -‬‬ ‫الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني‬ ‫الفصل األول‬ ‫لإلمرباطورية الفارسية وأضحت ساخطة عليها ‪ ،‬كما دب الضعف يف جيوش اإلمرباطورية‬ ‫وسيطر عليها اجلنود ادلرتزقة‪.‬ودبعٌت آخر كانت اإلمرباطورية الفارسية قد بلغت من‬ ‫الضعف لدرجة تكاد ذبعلها يف انتظار َم ْن يُسقطها‪.‬‬ ‫ودلا كانت معظم مناطق الشرؽ األدىن خاضعة لسيطرة اإلمرباطورية الفارسية ‪ ،‬فقد‬ ‫كاف من الطبيعي أف تتأثر أوضاع تلك ادلنطقة حبالة الضعف اليت حاقت باإلمرباطورية‬ ‫الفارسية يف القرف الرابع قبل ادليالد ‪ ،‬إذ بدأت بعض الواليات يف زلاولة االستقالؿ عن‬ ‫اإلمرباطورية ‪ ،‬فعلى سبيل ادلثاؿ صلد أنو قد نشبت ثورة يف مصر ضد احلكم الفارسي‬ ‫بزعامة "آموف‪ -‬حر" الذي صلح يف طرد الفرس وأسس األسرة الثامنة والعشروف (ٗٓٗ‪-‬‬ ‫‪ ٖٜٛ‬ؽ‪.‬ـ)‪.‬وعلى الرغم من صلاح ادللك أرتا خشتار شاي الثالث ‪- Artaxerxes‬‬ ‫الذي لقبو اإلغريق باسم أوخوس ‪ – Ochos‬يف إعادة مصر حلوزة اإلمرباطورية الفارسية‬ ‫عاـ (ٖٔٗ ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬إال أف ادلقارمة الوطنية ادلصرية لالحتالؿ الفارسي مل تتوقف طيلة‬ ‫فمثال صلح أحد أمراء‬ ‫األعواـ الثمانية اليت قضاىا الفرس خالؿ احتالذلم الثاين دلصر ‪ً ،‬‬ ‫الدلتا ويدعى "خباشا" يف االستقالؿ بالبالد لبعض الوقت خالؿ تلك الفًتة‪.‬‬ ‫العالقات بين الفرس واإلغريق قبيل االحتالل المقدوني للشرق األدنى‪:‬‬ ‫خالؿ القرنُت اخلامس والرابع ؽ‪.‬ـ مل تكن العالقات بُت الفرس واإلغريق على ما‬ ‫يراـ ‪ ،‬وكانت بداية الصراع بينهما حينما قاـ الفرس باالستيالء على آسيا الصغرى وضم‬ ‫ادلدف وادلستوطنات اليونانية ىناؾ حلوزة اإلمرباطورية الفارسية ‪ ،‬فأصبح بذلك حبر إجية‬ ‫حبرا فارسيًا ‪ ،‬شلا ىدد االقتصاد والتجارة األثينية ‪ ،‬واليت كانت قد تعرضت لنكسة سابقة‬ ‫ً‬ ‫وتبعا لذلك مل يتوقف‬ ‫بعد استيالء الفرس على مصر وحرماهنم من التجارة معها‪ً.‬‬ ‫األثينيوف وحلفاؤىم عن ربريض ادلصريُت على الثورة ضد الفرس ‪ ،‬كما حرضوا ادلدف‬ ‫األيونية يف آسيا الصغرى على الثورة ضد الفرس ‪ ،‬وربت تأثَت ىذا التحريض ثارت أيونيا‬ ‫ونظرا للمجهود الكبَت الذي بذلو ادللك الفارسي "دارا‬‫ضد الفرس عاـ (‪ ٜٜٗ‬ؽ‪.‬ـ) ‪ً ،‬‬ ‫األوؿ" وحلفاؤه الفينيقيوف يف قمع ىذه الثورة األيونية ‪ ،‬فقد عزـ دارا على معاقبة أثينا‬ ‫‪- 02 -‬‬ ‫الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني‬ ‫الفصل األول‬ ‫الرأس ادلدبرة للثورة ‪ ،‬ولذلك قاـ خالؿ الفًتة (ٕ‪ ٜٗٓ-ٜٗ‬ؽ‪.‬ـ) بإرساؿ بعض‬ ‫احلمالت لغزو بالد اليوناف وربطيم أثينا مركز الكراىية والثورة ضد الفرس فيما يعرؼ بػ‬ ‫أسطوال إىل سواحل آسيا الصغرى‬ ‫ً‬ ‫"احلروب ادليدية" ‪ ،‬حيث أرسل يف عاـ (ٕ‪ ٜٗ‬ؽ‪.‬ـ)‬ ‫الشمالية صلح يف إدخاؿ مقدونيا يف حوزة اإلمرباطورية الفارسية ‪ ،‬وبعد ذلك بعامُت‬ ‫أسطوال آخر إىل حبر إجية أخضع جزر األرخبيل اليونانية وأنزؿ العقاب جبزيرة أرتريا‬ ‫ً‬ ‫أرسل‬ ‫أسطوال‬ ‫ً‬ ‫اليت كانت أحد احملرضُت إباف ثورة ادلدف األيونية ‪ ،‬ويف عاـ (ٓ‪ ٜٗ‬ؽ‪.‬ـ) أرسل‬ ‫آخر إىل سواحل آسيا الصغرى ‪ ،‬إال أف ىذه احلملة قد باءت بالفشل بعد اذلزمية يف‬ ‫معركة "سهل ادلاراثوف" ‪ ،‬وبعدىا تُويف دارا األوؿ‪.‬‬ ‫أصر ابنو وخليفتو "خشار شاي" على إكماؿ مشروع والده‬ ‫بعد وفاة دارا األوؿ ّ‬ ‫فجهز محلة كبَتة عاـ (ٓ‪ ٗٛ‬ؽ‪.‬ـ) صلح من خالذلا يف‬ ‫لغزو بالد اليوناف وتأديبها ‪ّ ،‬‬ ‫ودمر معابدىا فوؽ األكروبوؿ ومحل‬ ‫االستيالء على مشاؿ اليوناف ‪ ،‬ودخل أثينا وهنبها ّ‬ ‫معو بعض آثارىا لتعرض يف عاصمة اإلمرباطورية ‪ ،‬لكن اإلغريق قاوموا الغزو حىت ىزموا‬ ‫الفرس يف معركة "سالميس" عاـ (ٓ‪ ٗٛ‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬مث ىزموا أسطوذلم يف حبر إجية عاـ‬ ‫قائما بُت‬ ‫(‪ ٜٗٚ‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬فانسحبت اجليوش الفارسية إىل بالدىا‪.‬وقد استمر الصراع ً‬ ‫الفرس واإلغريق إىل أف حدث يف فارس بعض القالقل وادلؤامرات على العرش ‪ ،‬ويف نفس‬ ‫الوقت كاف الصراع يف بالد اليوناف يوشك أف يندلع بُت أثينا وإسربطة فيما يعرؼ بػ‬ ‫"احلروب الببليونيسية" ‪ ،‬وذلذا اضطر الطرفاف إىل عقد ىدنة عاـ (‪ ٗٗٛ-ٜٗٗ‬ؽ‪.‬ـ)‬ ‫عُرفت باسم "كالياس" ‪ Calias‬اعًتؼ فيها كل طرؼ دبصاحل الطرؼ اآلخر‪.‬وعلى‬ ‫الرغم من تلك اذلدنة إال أف ادلناوشات ادلتبادلة مل تتوقف بُت اإلمرباطورية الفارسية وبُت‬ ‫بالد اليوناف سواءً أثينا أو إسربطة‪.‬‬ ‫دوافع مقدونيا وبالد اليونان لغزو الشرق األدنى‪:‬‬ ‫مهما يف احليلولة دوف قياـ كياف سياسي‬ ‫دورا ً‬‫لعبت طبيعة بالد اليوناف اجلبلية ً‬ ‫موحد ؛ فقد قسمت السالسل اجلبلية ىذه البالد إىل أقاليم منفصلة ‪ ،‬شلا أدى إىل قياـ‬ ‫‪- 03 -‬‬ ‫الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني‬ ‫الفصل األول‬ ‫كل من ىذه األقاليم عُرفت باسم دويالت ادلدف ‪، Polis‬‬ ‫كيانات سياسية مستقلة يف ٍ‬ ‫ويعد ىذا النظاـ ىو زلور احلضارة اإلغريقية ‪ ،‬وكاف اإلغريق يروف أف نظاـ دولة ادلدينة‬ ‫ىو النظاـ األمثل الذي ينبغي لإلنساف احلر أف يعيش يف كنفو ‪ ،‬وكانوا ينظروف إىل َم ْن‬ ‫يعيشوف يف ظل أنظمة أخرى نظرة ال زبلو من اإلحساس بالتعايل ويطلقوف عليهم لفظ‬ ‫"برابرة" ‪.Barbaros‬‬ ‫وعقب انتهاء احلروب البيلوبونيسية ‪ Peloponnesian war‬عاـ (ٔٓٗ ؽ‪.‬ـ)‬ ‫اليت انت هت بتدمَت اإلمرباطورية األثينية ‪ ،‬بدأت تظهر بوادر فشل نظاـ دولة ادلدينة‬ ‫دبفهومو الكالس يكي ‪ ،‬فقد تسبب ىذا النظاـ يف حدوث الكثَت من احلروب والصراعات‬ ‫الدموية اليت أدت إىل استنزاؼ اقتصاد اإلغريق ‪ ،‬وقضت على شطر كبَت من قواىم‬ ‫وتبعا‬ ‫البشرية ‪ ،‬ودفعت احلضارة اإلغريقية شبنًا باىظًا ذلذه احلروب التعصبية اجلوفاء‪ً.‬‬ ‫لذلك فقد بدأ بعض ادلثقفُت اإلغريق من أمثاؿ أيسقراط وغَته يف ترديد بعض اآلراء اليت‬ ‫تدعو إىل ضرورة ارباد دويالت ادلدف اليونانية والتنازؿ عن كربيائها ومبادئها ادلمثلة يف‬ ‫االستقالؿ واالكتفاء الذايت والتمسك حبريتها ورفض االندماج أو االرباد مع باقي ادلدف‬ ‫يف دولة واحدة‪.‬‬ ‫وقضت الضرورة بالتوسع ناحية الشرؽ وليس ناحية الغرب ‪ ،‬إذ أف قرطاجة كانت‬ ‫إذ ذاؾ تسيطر على البحر يف الغرب وتستأثر بأفضل األسواؽ ‪ ،‬كما أف اإليطاليُت كانوا‬ ‫قد بدأوا يستي قظوف من سباهتم فيقاوموف كل تدخل يف شئوهنم ‪ ،‬وكانت بالد اليوناف قد‬ ‫بدأت تطفح بالسكاف‪.‬‬ ‫وفضال عن الرغبة القوية لدى اإلغريق يف القياـ حبملة انتقامية لتدمَت اإلمرباطورية‬ ‫ً‬ ‫الفارسية ‪ -‬على النحو سالف الذكر‪ -‬باعتبارىا حلقة من حلقات الصراع بُت الشرؽ‬ ‫‪- 04 -‬‬ ‫الشرق األدنى قبيل اإلسكندر المقدوني‬ ‫الفصل األول‬ ‫(ٔ)‬ ‫‪ ،‬فإف احتالؿ الفرس دلعظم مناطق الشرؽ األدىن قد أدى إىل إغالؽ رلاؿ‬ ‫والغرب‬ ‫كسادا اقتصاديًا يف ذبارهتا ‪ ،‬وذلذه‬ ‫الكسب والتجارة يف وجو ادلدف اليونانية ‪ ،‬شلا أحدث ً‬ ‫األسباب رأى اإلغريق ضرورة فتح أبواب الشرؽ األدىن بكنوزه وثرواتو الغنية أماـ‬ ‫(ٕ)‬ ‫لتعويض احلالة ادلًتدية لالقتصاد اليت تعاين منها بالدىم ‪ ،‬وحىت تتم إزالة‬ ‫اإلغريق‬ ‫العوائق اليت أقامها الفينيقيوف ‪ -‬حلفاء الفرس‪ -‬يف وجو ذبارة ادلدف اليونانية ‪ ،‬وبذلك‬ ‫يتحوؿ البحر ادلتوسط إىل حبَتة ثقافية وذبارية‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى كاف ادلفكروف اإلغريق يعتقدوف أف ارباد دويالت ادلدف اليونانية‬ ‫يف محلة عسكرية واحدة الحتالؿ الشرؽ األدىن ستجعل تلك ادلدف تنسى خالفاهتا‬ ‫عدوا خارجيًا بربريًا يتمثل يف الفرس والفينيقيُت ‪ ،‬كما رأوا أف مثل‬ ‫الداخلية لكي تواجو ً‬ ‫ىذه احلرب الكربى ستكوف تنفيثًا للطاقة العدوانية لدى ىذه ادلدف ‪ ،‬باإلضافة إىل أف‬ ‫الغنائم واألسالب اليت سيعود هبا اجلنود ادلنتصروف من الشرؽ الثري سوؼ تساعد يف‬ ‫إنقاذ االقتصاد اإلغريقي من اإلفالس‪.‬‬ ‫(ٔ )‬ ‫يروي ىَتودوت عن ادلؤرخُت الفرس أف قياـ الفينيقيُت باختطاؼ األمَتة "آيو" ابنة "ايناكوس" ملك‬ ‫"آرجوس" (جنوب بالد اليوناف) كانت بداية الفظائع بُت الشرقيُت واإلغريق ‪ ،‬ذلك أهنم ًردا على ىذا‬ ‫االعتداء قاـ اإلغريق باختطاؼ "أوربا" ابنة ملك مدينة صور ‪ ،‬وأنو عندما قاـ "باريس بن برياـ" الطروادي‬ ‫باختطاؼ األمَتة "ىيلينا" زوجة ملك اسربطة يف حوايل القرف الثالث عشر قبل ادليالد رد اإلغريق على ىذا‬ ‫االعتداء بغزو مدينة "طروادة" وحصارىا دلدة عشرة أعواـ وتدمَتىا ‪ ،‬ونتيجة ذلذا العداء القدًن قاـ الفرس بغزو‬ ‫بالد اليوناف يف القرف اخلامس قبل ادليالد ‪ ،‬شلا أدى إىل فتح حلقة جديدة من حلقات الصراع بُت الشرؽ‬ ‫والغرب‪.‬وكانت "أودلبياس" أـ اإلسكندر األكرب ت ّدعي االنتساب إىل "أخيليوس" بطل اإلغريق يف حرب‬ ‫طروادة ‪ ،‬ومن أجل ىذا كاف اإلسكندر يفسر عبوره مضيق "اذللسبونت" (الدردنيل حاليًا) بأنو تتبع خلطوات‬ ‫"أخيليوس" واستيالئو على آسيا بأنو استكماؿ للعمل الذي بدأه جده األعلى يف طروادة‪.‬‬ ‫(ٕ) من اجلدير بالذكر أف اإلغريق كانوا قد عرفوا الشرؽ األدىن منذ العصور ادلوكينية ‪ ،‬مث عرفوه مرة أخرى يف‬ ‫عصر التوسع واالنتشار خالؿ القروف السابع والسادس واخلامس ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬ولكن األوضاع السيئة لبالد اليوناف ‪،‬‬ ‫فضال عن احتالؿ الفرس دلنطقة الشرؽ األدىن ‪ ،‬قد حاال دوف سعيهم للسيطرة عليو‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪- 05 -‬‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫من السنن الكونية أف الدوؿ واإلمرباطوريات الكربى ال تظهر فجأة ‪ ،‬بل تتطلب‬ ‫وتبعا لذلك فإف‬ ‫نشأهتا مقدمات طويلة يُبذؿ فيها الكثري من اعبهد والتعب والتخطيط ‪ً ،‬‬ ‫جناح اإلسكندر األكرب يف قيادة مقدونيا وغزو الشرؽ األدىن وتأسيس إمرباطورية شاسعة‬ ‫يف العامل القدًن ‪-‬كما سنرى الح ًقا‪ -‬مل يظهر فجأة من فراغ ‪ ،‬بل بذلت مقدونيا قبل‬ ‫كبريا لتوحيد ببلد اليوناف ربت قيادهتا مث االذباه إىل التوسع‬ ‫جهدا ً‬‫عهد اإلسكندر ً‬ ‫اػبارجي من أجل تكوين إمرباطورية مقدونية‪.‬‬ ‫بروز قوة مقدونيا وأحالم فيليب في غزو الشرق األدنى‪:‬‬ ‫خبلؿ القرف الرابع قبل اؼبيبلد أخذت دويبلت اؼبدف اليونانية تضعف يف الوقت‬ ‫الذي كانت مقدونيا ال تزاؿ ربافظ على قوهتا خاصة بعد موقفها اغبيادي الذي التزمت‬ ‫بو خبلؿ اغبروب البيلوبونيسية ‪ ،‬وقد ساعدىا على ربقيق اؼبزيد من االستقبلؿ يف‬ ‫سياستها حالة الضعف اليت سيطرت على اإلمرباطورية الفارسية يف النصف الثاين من‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ملك قوي طموح ىو‬ ‫القرف اػبامس ؽ‪.‬ـ‪.‬وخبلؿ ذلك الوقت توىل عرش مقدونيا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الذي جنح يف القضاء على الفنت الداخلية اليت‬ ‫"فيليب الثاين" (‪ 336-359‬ؽ‪.‬ـ)‬ ‫(‪ )1‬تقع مقدونيا يف أقصى مشاؿ ببلد اليوناف ‪ ،‬وقد ظلت لفًتة طويلة دبعزؿ عن اغبضارة اؽبللينية ‪ ،‬ومل يعًتؼ‬ ‫اإلغريق بأف اؼبقدونيني ينتموف للعنصر اؽبلليين اؼبتحضر وإمنا اعتربوىم برابرة (أجانب مهجيني) ‪ ،‬حىت قاـ‬ ‫اإلسكندر األوؿ (‪ 458-494‬ؽ‪.‬ـ) ملك مقدونيا دبساعدة اإلغريق يف طرد الفرس من ببلد اليوناف خبلؿ‬ ‫اغبملة الفارسية الثانية (‪ 484‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬ونتيجة ؽبذا اؼبوقف وصف اإلغريق اإلسكندر األوؿ بأنو ملك ؿبب‬ ‫للهللينيني ‪ ،‬ومنذ ذلك اغبني بدأ ملوؾ مقدونيا يف قبوؿ اللةة والثقافة اؽبللينية واالندماج يف العامل اإلغريقي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ولد فيليب يف عاـ (‪ 383‬أو ‪ 382‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬وقضى ثبلثة أعواـ خبلؿ الفًتة (‪ 365-369‬ؽ‪.‬ـ) كرىينة‬ ‫سياسية يف طيبة ‪ ،‬وكاف معو يف األسر ‪ 24‬من أبناء أىم نببلء مقدونيا ‪ ،‬وقد كاف ؽبذه الفًتة دور كبري يف‬ ‫‪- 71 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫واجهتو يف بداية حكمو ‪ ،‬مث أخذ يعمل على تقوية مملكتو بتنمية اقتصادىا وبناء جيش‬ ‫وأسطوؿ قويني مسلحني بأحدث أسلحة العصر‪.‬‬ ‫وقد رأى فيليب أف ينتهز حالة ببلد اليوناف السيئة فيوحدىا بزعامة مقدونيا حبجة‬ ‫الرغبة يف التصدي للخطر الفارسي احمليط بببلد اليوناف ‪ ،‬وربرير اؼبدف اليونانية يف ساحل‬ ‫آسيا الصةرى من قيود الفرس‪.‬وعندما فشل فيليب يف إقناع اؼبدف اليونانية باالنضماـ إىل‬ ‫مقدونيا اشتبك معها يف حروب طويلة كانت أمهها معركة "خايرونيا" اليت ىزـ فيها أثينا‬ ‫وحلفائها عاـ (‪ 338‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬وألف يف العاـ التايل (‪ 337‬ؽ‪.‬ـ) عصبة مقرىا مدينة‬ ‫"كورنثة" ضمت صبيع اؼبدف اليونانية ما عدا إسربطة‪.‬ومل تلبث ىذه العصبة أف قررت‬ ‫ؿباربة الفرس بقيادة فيليب ‪ ،‬وتعهدت دبده بالرجاؿ والسبلح وأال حيارب إغريقي يف‬ ‫صفوؼ أعدائو‪.‬وقد جنحت مقدونيا من خبلؿ ىذا اغبلف يف تةيري موازين القوى‬ ‫السياسية يف ببلد اليوناف ‪ ،‬وفرض ىيمنتها على اؼبدف اليونانية يف إطار دبلوماسي حبجة‬ ‫ؿباربة الفرس‪.‬غري أف القدر مل ديهل فيليب لتحقيق حلمو األكرب يف القضاء على‬ ‫اإلمرباطورية الفارسية ‪ ،‬ذلك أنو بينما كاف يستعد لةزو الشرؽ األدىن ‪ ،‬فقد مت اغتيالو‬ ‫على يد أحد ضباطو ويدعى "بوزالياس" عاـ (‪ 336‬ؽ‪.‬ـ)(‪.)1‬‬ ‫تدرب فيليب على التكتيكات اغبربية اعبديدة خاصة ما يتعلق بتطوير نظاـ الفيلق ‪ Phalanx‬الذي ساعد‬ ‫طيبة على اكتساح مشاة اعبيش اإلسربطي يف أكثر من معركة ‪ ،‬وبذلك كاف لفيليب خربات وقدرات عسكرية‬ ‫متنوعة‪.‬وخبلؿ عاـ (‪ 359‬ؽ‪.‬ـ) سقط "بريديكاس الثالث" اؼبقدوين صر ًيعا أثناء معركة ضد األللرييني ‪ ،‬وؼبا‬ ‫طفبل ‪ ،‬فقد اُختري فيليب شقيق بريديكاس كوصي على اؼبلك الطفل ‪ ،‬ولكن‬ ‫كاف ابنو "أمونتاس" ال يزاؿ ً‬ ‫فيليب سرعاف ما أزاح الطفل وتوىل عرش مقدونيا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬يُعتقد أف "أوؼببياس" زوجة فيليب الثاين كانت وراء اغتيالو ‪ ،‬إذ أف العبلقة بني فيليب الثاين وزوجتو‬ ‫أوؼببياس كانت متوترة ‪ ،‬ووصل اػببلؼ بينهما إىل ذروتو عندما ىجر فيليب زوجتو ورحلها إىل مشاؿ مقدونيا‬ ‫غبلما أصبح يهدد ابنها اإلسكندر يف وراثة عرش‬ ‫‪ ،‬وتزوج بأمرية مقدونية تدعى "كليوباترا" وأجنب منها ً‬ ‫مقدونيا‪.‬وقد قامت أوؼببياس انتقا ًما لكرامتها وحفاظًا على العرش البنها بتحريض "بوزالياس" على قتل‬ ‫فيليب‪.‬‬ ‫‪- 71 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫اعتالء اإلسكندر األكبر عرش مقدونيا‪:‬‬ ‫ولد اإلسكندر األكرب يف "بيلبل" ‪ Pella‬العاصمة‬ ‫القددية ؼبقدونيا ‪ ،‬وذلك عاـ (‪ 356‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬وىو ابن‬ ‫اؼبلك فليب الثاين ‪ ،‬ومل تكن أمو "أوؼببياس" أمرية‬ ‫مقدونية ‪ ،‬حيث تزوجها فليب الثاين بعد أف ربالف مع‬ ‫أخيها ملك إبريوس‪.‬وقد تعلم اإلسكندر على يد‬ ‫الفيلسوؼ اليوناين الشهري "أرسطو" الذي دعاه اؼبلك‬ ‫عاما‬ ‫فليب الثاين لتعليم ابنو الذي كاف بعمر ثبلثة عشر ً‬ ‫أثر كبري على حياتو ‪ ،‬إذ انطبعت بنفسو‬ ‫‪ ،‬وكاف ؼبعلمو ٌ‬ ‫تعاليم وآراء ذلك الفيلسوؼ ‪ ،‬فشب على حب‬ ‫اغبضارة اليونانية واألدب اليوناين‪.‬‬ ‫أؾبادا عسكرية ؛ فقد روي‬ ‫وطموحا لتحقيق ً‬ ‫ً‬ ‫وقد أظهر اإلسكندر منذ صباه نبو ًغا‬ ‫عن اإلسكندر عندما ظبع باالنتصارات الباىرة اليت كانت من حظ أبيو قولو‪" :‬إف أيب مل‬ ‫ببلدا أفتتحها" ‪ ،‬برغم أنو كاف اليزاؿ يف عامو الثاين عشر‪.‬وؼبا قيل لو‪" :‬أال‬ ‫يًتؾ يل ً‬ ‫تدخل إىل اؼبسابقة لنيل اعبائزة يف األلعاب األوؼببية؟" أجاهبم‪" :‬نعم لو وجدت ىنالك‬ ‫ملوًكا من اؼبناظرين"‪.‬وقد اعتمد عليو أبوه يف حكم مقدونيا يف فًتات غيابو عنها وىو مل‬ ‫يتعدى بعد السابعة عشرة من العمر ‪ ،‬ويف الثامنة عشرة قاد ميسرة اعبيش يف معركة‬ ‫خايرونيا‪.‬‬ ‫وبعد مقتل فيليب الثاين يف عاـ (‪ 336‬ؽ‪.‬ـ) انتقل اؼبلك إىل ابنو "اإلسكندر‬ ‫الثالث" (األكرب) ‪ ،‬وكاف حينها يف العشرين من عمره ‪ ،‬ويبدو أف صةر سن اإلسكندر‬ ‫مشجعا على الثورة ؛ إذ أف اؼبدف اليونانية قد قابلت خرب اغتياؿ فيليب‬ ‫ً‬ ‫عامبل‬ ‫كاف ً‬ ‫الثالث بالفرح والتهليل وعظمت قاتلو ‪ ،‬حيث رأت أف فيليب قد سلبها حريتها ‪ ،‬وقاموا‬ ‫بطرد اغباميات اؼبقدونية من أراضيها ‪ ،‬غري أف اإلسكندر جنح يف سحق حركات التمرد‬ ‫‪- 71 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫اليت قامت هبا اؼبدف اليونانية ‪ ،‬فاستوىل على طيبة ودمر أجزاء كبرية منها وأمر بقتل عدد‬ ‫كبري من أىلها وبيع عدد آخر كعبيد‪.‬كانت قسوة اإلسكندر على طيبة رسالة إىل‬ ‫اإلغريق سرعاف ما أتت أكلها ‪ ،‬حيث نزلت أخبار تدمري ىذه اؼبدينة ذات اؼبكانة‬ ‫الكبرية كالصاعقة على اإلغريق الذين أسرعوا للخضوع ؼبقدونيا والعودة إىل حلفهم مع‬ ‫عاما ‪ Strategos‬للمدف اليونانية ومقدونيا ‪ ،‬والتعهد بتقدًن‬ ‫قائدا ً‬ ‫اإلسكندر ‪ ،‬وانتخابو ً‬ ‫اؼبساعدات العسكرية البلزمة للقياـ بتنفيذ مشروع والده فيليب وغزو الشرؽ األدىن‬ ‫والقضاء على اإلمرباطورية الفارسية ‪ ،‬وذلك باستثناء مدينة "اسربطة"‪.‬‬ ‫بداية الحملة‪:‬‬ ‫بعد عامني من اعتبلء اإلسكندر العرش ‪ -‬أي يف عاـ (‪ 334‬ؽ‪.‬ـ)‪ -‬شرع‬ ‫اإلسكندر يف القياـ حبملتو العسكرية ضد اإلمرباطورية الفارسية ‪ ،‬وقد شجع اإلسكندر‬ ‫على القياـ بتلك اؼبةامرة معرفتو دبدى ضعف اإلمرباطورية الفارسية والصراع السياسي بني‬ ‫األمراء الفرس للفوز بالعرش وسوء إدارة الواليات الفارسية‪.‬وىكذا واتت اإلسكندر‬ ‫الفرصة لتحقيق الفكرة اؼبشار إليها آن ًفا اليت نادى هبا بعض كبار اؼبفكرين اإلغريق من أف‬ ‫القياـ بتوجيو ضبلة كربى ضد الشرؽ األدىن سيكوف فرصة جيدة لتوحيد اإلغريق وتوجيو‬ ‫بدال من اغبروب الداخلية فيما بينهم واليت استنزفت‬ ‫طاقتهم العسكرية ضد عدو خارجي ً‬ ‫قواىم البشرية واالقتصادية‪.‬ويف الوقت نفسو إشباع رغبتو يف حب اؼبةامرة وركوب‬ ‫اؼبخاطر اؼبرتبطة بتحقيق الثروة واجملد العسكري الذي كاف اإلسكندر يتطلع إىل ربقيقو‬ ‫منذ صباه‪.‬‬ ‫ويقاؿ أف اإلسكندر قبل مةادرتو ببلده إىل ساحة القتاؿ قسم كل ضياعو اؼبلكية‬ ‫وأموالو بني أصدقائو وعندما سألو القائد برديكاس‪" :‬ما الذي تركتو لنفسك؟" أجابو‬ ‫قائبل‪" :‬األمل" ‪ ،‬ولعلو كاف يقصد هبذا األمل تطلعو لبلستيبلء على خريات‬ ‫اإلسكندر ً‬ ‫الشرؽ األدىن وثرواتو الوفرية واستبداؿ حكم مملكة مقدونيا حبكم إمرباطورية تشمل أغلب‬ ‫مناطق العامل القدًن يكوف مقرىا إحدى مدف الشرؽ األدىن‪.‬‬ ‫‪- 02 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫وديكن تقسيم ضبلة اإلسكندر على الشرؽ األدىن إىل ثبلث مراحل ‪ ،‬وذلك على‬ ‫النحو التايل‪:‬‬ ‫المرحلة األولى‪ :‬السيطرة على آسيا الصغرى (‪ -333‬نوفمبر ‪ 333‬ق‪.‬م)‪:‬‬ ‫يف ربيع عاـ (‪ 334‬ؽ‪.‬ـ) عرب اإلسكندر األكرب مضيق "اؽبلسبونت"‬ ‫‪( Hellespontes‬الدردنيل حاليًا) على رأس جيش يتألف من حوايل ثبلثني ألف من‬ ‫دعما بأسطوؿ كبري‬ ‫اؼبشاة وطبسة آالؼ من الفرساف باإلضافة إىل جنود اػبدمات ‪ُ ،‬م ً‬ ‫يضم مائة وستني سفينة بقيادة "ىيفايستوف" ‪.Hephaiston‬ونزؿ اإلسكندر جبيشو‬ ‫بسهل طروادة يف الركن الشمايل الةريب آلسيا الصةرى ‪ ،‬وعند هنر "جرانيكوس"‬ ‫جيشا فارسيًا قوامو أربعوف ألف مقاتل‬ ‫‪( Granicus‬كوجو شاي حاليًا) سبكن من ىزدية ً‬ ‫‪ ،‬مما فتح الطريق أمامو لبلستيبلء على كاريا وليكيا وفرجييا واألناضوؿ‪.‬‬ ‫ومن اؼبفارقات الةريبة أف اؼبدف اليونانية يف ساحل آسيا الصةرى قاومت جيش‬ ‫اإلسكندر مقاومة شرسة على الرغم من ادعائو أنو جاء لتحريرىا من قيود االحتبلؿ‬ ‫الفارسي ‪ ،‬بيد أف ىذه اؼبدف مل تنخدع هبذه الرسالة القومية ‪ ،‬والسيما وأهنا نعمت‬ ‫بالرخاء االقتصادي يف ظل اغبماية الفارسية نتيجة لسيطرهتا على التجارة يف حبر إجية‬ ‫وآسيا الصةرى‪.‬فقاـ اإلسكندر بإخضاعها بالقوة مثلما قاـ من قبل بإخضاع دويبلت‬ ‫اؼبدف يف ببلد اليوناف‪.‬‬ ‫توالت انتصارات اإلسكندر يف آسيا الصةرى ‪ ،‬وتوج ذلك باالنتصار على اؼبلك‬ ‫"دارا الثالث" يف معركة "إسوس" ‪( Issus‬خليج اإلسكندرونة حاليًا) يف ‪ 12‬نوفمرب عاـ‬ ‫(‪ 333‬ؽ‪.‬ـ) اليت انتهت بتمزيق مشل اعبيش الفارسي الذي ذكرت بعض اؼبصادر أنو‬ ‫كاف يتألف من ستمائة ألف مقاتل ‪ ،‬حيث أف اإلسكندر تةلب عليو خبطة حربية ماكرة‬ ‫تعتمد على استخداـ اػبيالة الخًتاؽ صفوؼ العدو خبفة وسرعة كبرية واستخداـ اؼبشاة‬ ‫للدفاع‪.‬وقد ىرب اؼبلك الفارسي بةري توقف ‪ -‬تارًكا أمو وزوجتو أسريتني لدى‬ ‫‪- 07 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫فاصبل بينو وبني اؼبقدونيني‪.‬واحتفاالً هبذا‬ ‫حدا ً‬‫اإلسكندر‪ -‬إىل أف جعل هنر الفرات ً‬ ‫النصر أمر اإلسكندر ببناء مدينة عند خليج إسوس أُطلق عليها اسم "اإلسكندرونة"‬ ‫(خيمة اإلسكندر)‪.‬‬ ‫المرحلة الثانية‪ :‬السيطرة على الساحل الفينيقي ومصر (نوفمبر ‪333-333‬‬ ‫ق‪.‬م)‪:‬‬ ‫كاف يف استطاعة اإلسكندر أف يُتابع زحفو خلف اؼبلك اؽبارب إىل العاصمة‬ ‫جيشا آخر حملاربتو ‪ ،‬ولكنو اتبع خطة اعتربىا البعض‬ ‫الفارسية ويقضي عليو قبل أف يؤلف ً‬ ‫دليبل على بُعد نظره وعبقريتو العسكرية ‪ ،‬وتتمثل يف االستيبلء ًبرا على قواعد األسطوؿ‬ ‫ً‬ ‫الفارسي يف اؼبدف الفينيقية ومصر وقوريين (برقة حاليًا) ‪ ،‬فيضمن بذلك سبلمة مؤخرتو‬ ‫عندما يتجو شرقًا للقضاء على اؼبلك الفارسي ‪ ،‬ويف نفس الوقت يًتؾ األسطوؿ الفارسي‬ ‫ببل مأوى يلجأ إليو أو بلد ؿبالف يستمد منو اؼبؤف واؼبدد‪.‬‬ ‫جنح اإلسكندر بعد ذلك يف االستيبلء على اؼبدف الفينيقية الواحدة تلو األخرى‬ ‫فيما عدا مدينة "صور" اليت قاومت جيش اإلسكندر مقاومة عنيفة ؼبدة سبعة أشهر‬ ‫فضبل عن حصانة‬ ‫بسبب موقعها اعبةرايف اغبصني ‪ ،‬فالبحر حييط هبا من ثبلث جهات ‪ً ،‬‬ ‫أسوارىا ومناعتها مما كاف يصعب معو حصارىا ‪ ،‬وكاف هبا أسطوؿ فينيقي قوي ‪ ،‬وكانت‬ ‫اإلمدادات تصلها بسهولة عن طريق البحر ‪ ،‬باإلضافة إىل استبساؿ سكاهنا يف الدفاع‬ ‫عن اؼبدينة‪.‬وؼبا استوىل عليها آخر األمر أواخر عاـ (‪ 332‬ؽ‪.‬ـ) ذبح من أىلها شبانية‬ ‫آالؼ وباع منهم شبانني ألف يف أسواؽ النخاسة‪.‬‬ ‫وأثناء حصار اإلسكندر ؼبدينة "صور" عرض عليو اؼبلك "دارا الثالث" ؿبالفتو‬ ‫وتزوجيو من ابنتو "ستاتريا" ‪ Staterra‬وبقاء أبيو "أوخوس" رىينة لديو وإعطائو كل أجزاء‬ ‫فضبل عن جزية سنوية‪.‬وؼبا عرض اإلسكندر ذلك على قادتو‬ ‫إمرباطوريتو يف غريب الفرات ً‬ ‫قاؿ لو بارمينيوف‪" :‬لو كنت أنا اإلسكندر لقبلت ىذا العرض" ‪ ،‬فرد عليو اإلسكندر‬ ‫‪- 00 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫أيضا"‪.‬ويف ىذا داللة ثقة اإلسكندر يف‬ ‫بعبارتو الشهرية‪" :‬وأنا لو كنت بارمينيوف لقبلتو ً‬ ‫قدراتو وعلى اتساع األىداؼ اليت كاف اإلسكندر يريد ربقيقها من وراء ضبلتو على الفرس‬ ‫‪ ،‬ولذلك فلم يقبل من اؼبلك الفارسي إال التسليم التاـ دوف قيد أو شرط‪.‬‬ ‫بعد استيبلء اإلسكندر على اؼبدف الفينيقية اذبو صوب مصر غري أنو واجو مقاومة‬ ‫عنيفة من اغبامية الفارسية اؼبرابطة يف مدينة "غزة" ‪ ،‬وأمضى شهرين يف حصارىا تكبد‬ ‫فيهما خسائر فادحة قبل أف يستويل عليها وينتقم من أىلها أشد االنتقاـ يف نوفمرب‬ ‫(‪ 332‬ؽ‪.‬ـ)‪.‬‬ ‫ويف أكتوبر عاـ (‪ 332‬ؽ‪.‬ـ) تقدـ اإلسكندر جنوبًا حنو مصر ‪ ،‬فاستسلمت لو‬ ‫اغبامية الفارسية اؼبوجودة يف "بيلوزيوـ" (الفرما) اؼبدخل الشرقي للببلد‪.‬وأحبر بعد ذلك يف‬ ‫الفرع البيلوزي للنيل حنو منف ‪ ،‬وىناؾ استسلم "مازاكيس" ‪ Mazakes‬الوايل الفارسي‬ ‫ؼبصر ‪ ،‬وسلم كل ما يف اؼبدينة من كنوز ومتاع ‪ ،‬ويرجع ذلك إىل قلة عدد اعبنود الفرس‬ ‫مستبعدا‬ ‫ً‬ ‫فضبل عن موقف اؼبصريني الذين مل خيفوا عواطفهم حنو اإلسكندر(‪.)1‬وليس‬ ‫‪ً ،‬‬ ‫أف يكوف اؼبصريني قد ظبعوا بقصة ارتباط اإلسكندر باإللو "آموف رع" واحنداره من نسل‬ ‫(‪)2‬‬ ‫جديرا بوراثة‬ ‫"نقتنبو الثاين" (‪ 343-364‬ؽ‪.‬ـ) آخر الفراعنة اؼبصريني ‪ ،‬وردبا وجدوه ً‬ ‫حشودا من‬ ‫ً‬ ‫(‪ )1‬من اؼبدىش أف اإلسكندر عندما وصل إىل منف مل جيد أبواهبا مفتوحة لو وحسب ‪ ،‬بل رأى‬ ‫اؼبصريني قد ذبمعوا لريحبوا دبقدمو ‪ ،‬وردبا يرجع تفسري ذلك إىل كراىية اؼبصريني الشديدة للفرس الذين انتهكوا‬ ‫احتفاال‬ ‫ً‬ ‫ضبارا يف معبد "بتاح" وذحبوا العجل اؼبقدس "أبيس" وتناولوا غبمو‬ ‫حرمة الديانة اؼبصرية عندما أسكنوا ً‬ ‫بسيطرهتم على مصر عاـ (‪ 343‬ؽ‪.‬ـ)‪.‬ومن ناحية أخرى يبدو أف اؼبصريوف قد ظنوا أف اإلسكندر جاء إىل‬ ‫مصر ليحررىم من نري االحتبلؿ الفارسي البةيض مثلما جاء اإلغريق مر ًارا ؼبساعدهتم يف ثوراهتم ضد الفرس ‪،‬‬ ‫فقد كاف اؼبصريوف واإلغريق حلفاء طبيعيني ضد عدوىم اؼبشًتؾ الفرس‪.‬‬ ‫شكل‬ ‫ببلده كلها من الفرس‪ -‬تقم‬ ‫(‪ )2‬شاعت بني اؼبصريني قصة أف اإللو آموف ‪ -‬عندما أراد أف ُخيل‬ ‫"فيليب الثاين" واجتمع بػ "أوؼببياس" وأجنب منها اإلسكندر‪.‬ويف رواية أخرى أف اؼبلك "نقتنبو الثاين" بعد‬ ‫ىزديتو من الفرس ىرب إىل مقدونيا ‪ ،‬وسبكن دبا لديو من قدرات فائقة يف السحر من التنكر يف صورة آموف رع‬ ‫‪- 02 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫ملوكهم الفراعنة باعتباره مصريًا من نسل اإللو "آموف رع"‪.‬ويف اؼبقابل حرص اإلسكندر‬ ‫على إظهار تعظيمو لآلؽبة اؼبصرية فقدـ القرابني يف معبد اإللو "بتاح" لآلؽبة الوطنية‬ ‫والعجل أبيس ‪ ،‬كما قدمها لئللو "رع" يف "ىليوبوليس" كوسيلة لكسب ود الكهنة‬ ‫بوصف كوهنم يشكلوف الزعامة الوطنية يف الببلد والذين بدورىم بادلوا اإلسكندر الود‬ ‫وقاموا بتنصيبو فرعونًا حسب التقاليد الدينية اؼبصرية‪.‬‬ ‫وبعد انتهاء مراسم تتويج اإلسكندر فرعونًا يف "ىليوبوليس" ‪ ،‬سار اإلسكندر مع‬ ‫عدد من رجالو إىل مشاؿ الدلتا يف طريقو إىل ساحل البحر اؼبتوسط ‪ ،‬حيث كاف ينوي‬ ‫االذباه غربًا دبحاذاة ىذا البحر إىل "قوريين" اليت كاف الفرس حيتلوهنا ويهددوف منها مصر‬ ‫وببلد اليوناف‪.‬وقد اسًتعى نظر اإلسكندر موقع قرية مصرية صةرية تدعي " راقوتيس"‬ ‫تقع بني حبرية "مريوط" والبحر اؼبتوسط ‪ ،‬وىناؾ أمر اإلسكندر بتأسيس مدينة ربمل اظبو‬ ‫وىي "اإلسكندرية"(‪ )1‬ووضع زبطيطها وأمر بأف تتخذ عاصمة ؼبصر‪.‬‬ ‫اذبو اإلسكندر بعد ذلك غربًا يف اذباه "قوريين" (برقة) ‪ ،‬وعند مدينة "بارايتونيوـ"‬ ‫(مرسى مطروح) التقى مع وفد ديثل أعياف مدينة "قوريين" وحاميتها الذين أعلنوا الوالء‬ ‫لئلسكندر وقدموا لو اؽبدايا الثمينة‪.‬وعلى ىذا النحو مل يعد ىناؾ ما يدعوه إىل مواصلة‬ ‫السري إىل "قوريين" ‪ ،‬وقرر أف خيًتؽ الصحراء جنوبًا إىل "واحة سيوة" حيث يوجد معبد‬ ‫اإللو "آموف رع" ‪ ،‬وىناؾ أعلن الكهنة بنوتو آلموف رع وحصل اإلسكندر على مباركة‬ ‫اآلؽبة ؼبشروعاتو التوسعية وبشرتو بالنصر على أعدائو‪.‬وبعد عودة اإلسكندر من واحة‬ ‫مصر من الفرس وإخضاع العامل‬ ‫واالجتماع بأوؼببياس وأجنب منها الطفل الذي بشرت النبؤة بأنو سيخل‬ ‫كلو‪.‬‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫يروي اعبةرايف "ياقوت اغبموي" أف اإلسكندر بين ثبلث عشرة مدينة ‪ ،‬ظباىا كلها باإلسكندرية رغبة منو‬ ‫مؤسسا (‪ )οικιστης‬لكل مدينة من ىذه اؼبدف اليت انتشرت يف‬ ‫ً‬ ‫يف زبليد اظبو ‪ ،‬وردبا لعبادتو بوصف كونو‬ ‫ببلد اليوناف وإيراف وبابل والشاـ ومصر ‪ ،‬غري أف ىذه اؼبدينة األخرية كانت أعظم عواصم العصر اؽبللينيسيت‪.‬‬ ‫‪- 02 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫سيوة أمضى الشهر األخري من إقامتو يف مصر دبدينة منف حيث قاـ بتنظيم الببلد دبا‬ ‫يتفق ومصلحة حكمو‪.‬‬ ‫المرحلة الثالثة‪ :‬السيطرة على قلب اإلمبراطورية الفارسية وشرقها (‪335-333‬‬ ‫ق‪.‬م)‪:‬‬ ‫بعد أف فرغ اإلسكندر األكرب من تنظيم شئوف مصر غادرىا يف ربيع عاـ (‪331‬‬ ‫سبهيدا للزحف على مدينة بابل قلب اإلمرباطورية الفارسية ‪،‬‬ ‫قاصدا مدينة صور ً‬ ‫ؽ‪.‬ـ) ً‬ ‫حيث أنو بسيطرة اإلسكندر على مصر أصبحت كل السواحل الشرقية للبحر اؼبتوسط‬ ‫مع ما جاورىا من اعبزر قد خضعت لو‪.‬وكاف دارا الثالث قد تراجع بعد ىزديتو يف إسوس‬ ‫إىل بابل ‪ ،‬وىناؾ صبع اعبموع من صبيع ما تبقى من البلداف ربت سلطتو فتجمع لديو‬ ‫استعدادا للقاء خصمو ‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫عدد غفري فعسكر هبم يف سهوؿ العراؽ وراء هنر دجلة‬ ‫آثر اؼبلك دارا انتظار اإلسكندر يف سهل يتمكن فيو من اؼبناورة والصمود عند عقبتني‬ ‫طبيعيتني كبريتني كالفرات ودجلة ‪ ،‬فانتقى سهل "جاوصبيبل" ‪ Gaugamela‬بالقرب من‬ ‫نينوى القددية واؼبوصل‪.‬وىناؾ التقى الطرفاف يف موقعة "جاوصبيبل" عاـ (‪ 331‬ؽ‪.‬ـ)‬ ‫وسبكن اإلسكندر من االنتصار على اؼبلك دارا الثالث الذي الذ بالفرار‪.‬‬ ‫بعد موقعة "جاوصبيبل" رفض اإلسكندر أي ؿباوالت للصلح وإيقاؼ القتاؿ ‪،‬‬ ‫كبريا على كل ما حققو‬ ‫خطرا ً‬ ‫حيث كاف يرى أف وجود اؼبلك دارا على قيد اغبياة ديثل ً‬ ‫سرعا حنو بابل إحدى عواصم الدولة‬‫من إجنازات ‪ ،‬ولذلك فقد ىب اإلسكندر ُم ً‬ ‫الفارسية اليت آثر قائدىا االستسبلـ ‪ ،‬بل وخرجت بابل برجاؽبا ونسائها وكرباءىا‬ ‫حاكما عليها‬ ‫ً‬ ‫الستقباؿ اإلسكندر ‪ ،‬فأبقى اإلسكندر على قائدىا الفارسي ونصبو‬ ‫وأحسن إىل البابليني واحًتـ عاداهتم وآؽبتهم‪.‬اذبو اإلسكندر بقواتو بعد ذلك فاحتل‬ ‫‪- 02 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فاحتلها وأمر‬ ‫مدينة "سوسا" ‪ ،‬مث اذبو إىل العاصمة "برسيبوليس" ‪Persepolis‬‬ ‫بإحراقها يف صيف عاـ (‪ 334‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬وردبا كاف اؽبدؼ من ىذا القرار األخري ىو‬ ‫االنتقاـ من الفرس وإحداث نفس األثر الذي تركو تدمري طيبة على اليونانيني‪.‬‬ ‫اذبو اإلسكندر بعد ذلك إىل منطقة باكًتيا ‪( Bactria‬إقليم البلخ يف مشاؿ‬ ‫أفةانستاف اغبالية) جنوب حبر قزوين ؼبطاردة دارا الثالث الذي كاف حينها يعيش ظروؼ‬ ‫حرجة ويتعرض للمؤامرات من جانب معاونيو‪.‬وعندما وصل اإلسكندر إىل تلك اؼبنطقة‬ ‫وجد أف اؼبلك الفارسي قد قُتل على يد أحد األمراء الفرس الطامعني يف العرش ويدعى‬ ‫"بيسوس" ‪ Bessus‬الذي أعلن نفسو مل ًكا وتلقب باسم "أرتاكسركيس الرابع" واعًتفت‬ ‫بعض اؼبناطق بسيادتو مثل "باكًتيا" و"سوكديا" و"أراخوزيا"‪.‬‬ ‫كاف على اإلسكندر أف يواجو ىذا العدو اعبديد وأف ُخيضع لسيطرتو كل ىذه‬ ‫اؼبناطق الشرقية البعيدة ‪ ،‬فأعلن نفسو وريثًا لعرش اؼبلك دارا وأنو ضبل السبلح لبلنتقاـ‬ ‫من قتلتو ‪ ،‬إال أف اإلسكندر قد واجو الكثري من التحديات مثل قسوة اؼبناخ يف تلك‬ ‫اؼبنطقة وانتشار السبلسل اعببلية باإلضافة إىل قدرة تلك الشعوب على اؼبقاومة وربمل‬ ‫شظف العيش يف سبيل صيانة استقبلؽبا مما جعلهم يقاومونو مقاومة عنيفة بل وينجحوف‬ ‫يف اسًتداد "مركندا" ‪( Maracanda‬ظبرقند اغبالية) وقتل حاميتها اليونانية اليت تضم‬ ‫ألفي جندي‪.‬وإزاء ىذه الصعوبات رأى اإلسكندر من اغبكمة أف يُةري أسلوبو يف القتاؿ‬ ‫؛ فطرح اغبرب النظامية جانبًا واقتصر خبلؿ الفًتة (‪ 327-334‬ؽ‪.‬ـ) على حرب‬ ‫العصابات ‪ ،‬كما عهد إىل اؼبهادنات السياسية وتزوج من "روكسانا" ‪ Roxana‬ابنة أحد‬ ‫ملوؾ باكًتيا ويدعى "أوكسيارتيس" ‪ ، Oxyartes‬وهبذه اػبطة جنح اإلسكندر يف‬ ‫السيطرة على أىم األقاليم الفارسية الشرقية‪.‬‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫منذ عهد اؼبلك دارا األوؿ كانت مدينة "برسيبوليس" ىي العاصمة الرظبية لئلمرباطورية الفارسية ‪ ،‬بينما‬ ‫أيضا عواصم إدارية لئلمرباطورية مثل مدينيت "بابل" و"سوسا"‪.‬وتقع أطبلؿ مدينة برسيبوليس إىل‬ ‫كاف ىناؾ ً‬ ‫الشماؿ الشرقي من شيزار يف السهل اػبصيب لنهر بولفار ‪ Pulvar‬حيث حيميها عدد من اعبباؿ‪.‬‬ ‫‪- 02 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫نهاية الحملة‪:‬‬ ‫اذبو اإلسكندر بعد ذلك إىل اؽبند واستوىل على بعض أجزائها (‪325-327‬‬ ‫ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬بيد أف جنوده الذين كاف قد أصاهبم اإلرىاؽ رفضوا متابعة الفتوحات ‪ ،‬خاصة‬ ‫بعد أف أغضبهم اإلسكندر حبرصو بعد موت اؼبلك دارا على الظهور دببلبس فارسية يف‬ ‫مناسبات معينة مشارًكا يف االحتفاالت الفارسية ‪ ،‬ردبا على اعتبار أنو وريث عرش اؼبلك‬ ‫فضبل عن أف اإلسكندر بدأ يعني بعض الفرس يف مراكز ذات‬ ‫الفارسي كما سبق الذكر ‪ً ،‬‬ ‫أمهية وضم فرسانًا من الفرس إىل صفوؼ قواتو وعمل على تدريبهم على الطريقة اؼبقدونية‬ ‫يف القتاؿ ‪ ،‬وقد أدى ىذا كلو إىل نوع من التمرد واإلثارة والةرية يف صفوؼ اؼبقدونيني‬ ‫الذين بدأ بعضهم يف التآمر ضد اإلسكندر ‪ ،‬ومع أف اإلسكندر قد قضى على ىذه‬ ‫قابضا على ناصية األمور يف اعبيش ‪ ،‬إال أنو اضطر يف ظل ىذه‬ ‫التمردات وكاف ما يزاؿ ً‬ ‫بدال من أف يسلك نفس الطريق الذي‬ ‫الظروؼ لئلذعاف لرجالو والعودة إىل بابل ‪ ،‬ولكنو ً‬ ‫سبق أف سلكو عند قدومو من ميزوبوتاميا ‪ ،‬فإنو اختار أف يسري جنوبًا يف هنر اؽبندوس‬ ‫إىل احمليط اؽبندي ‪ ،‬وىناؾ قاـ بتقسيم قواتو إىل قسمني‪ :‬يعود أحدمها عن طريق الرب‬ ‫حبرا من خبلؿ أسطوؿ أُعد ؽبذا الةرض بقيادة‬ ‫ربت قيادتو ‪ ،‬بينما يعود القسم اآلخر ً‬ ‫أحد رجالو ويدعى "نيارخوس" ‪ ، Nearchos‬وكاف اإلسكندر يهدؼ بذلك اكتشاؼ‬ ‫طريق للربط بني الشرؽ والةرب عن طريق البحر‪.‬‬ ‫وؼبا كاف اإلسكندر بعد أف أمت فتوحو يرغب يف إقامة جسور احملبة والتفاىم بني‬ ‫الشعوب الشرقية والةربية وتكوين طبقة مشًتكة من نببلء الفرس واؼبقدونيني ‪ ،‬فقد أقاـ‬ ‫عددا من اؼبستوطنات اإلغريقية يف آسيا وأشرؾ بعض الفرس يف مراكز حكومية عليا ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حفبل صباعيًا طب ًقا للتقاليد الفارسية يف عاـ (‪224‬‬ ‫وفضبل عن ذلك فقد أقاـ يف "سوسا" ً‬ ‫ً‬ ‫ؽ‪.‬ـ) دبناسبة ازباذه وشبانني من كبار رجالو زوجات فارسيات من أسر األسر الفارسية‬ ‫النبيلة تنفي ًذا ألوامر اإلسكندر ‪ ،‬حيث تزوج اإلسكندر من فتاتني فارسيتني باإلضافة إىل‬ ‫روكسانا اليت كاف قد سبق لو الزواج هبا ومها "بارسني" ابنة االبنة الكربى للملك دارا‬ ‫‪- 01 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫و"باريساتيس" ‪ Parysatis‬ابنة أرخوس(‪ ، )1‬وخبلؿ ىذا اغبفل مت االعًتاؼ بشرعية زواج‬ ‫حوايل عشرة آالؼ جندي مقدوين من سيدات آسيويات‪.‬وردبا كاف اإلسكندر يرمي من‬ ‫وراء ذلك الوئاـ إىل إجياد نوع من اؽبدوء النسيب يف إمرباطوريتو اؼبًتامية األطراؼ‪.‬‬ ‫وبعد وصوؿ اإلسكندر إىل بابل أعاد تنظيم بعض األمور ‪ ،‬أخذ يُعد غبملة‬ ‫كشفية كبرية هبدؼ الطواؼ حوؿ شبو اعبزيرة العربية واالنتصار عليها ‪ ،‬ولكن سرعاف ما‬ ‫أصيب اإلسكندر باغبمى ومات يف شهر يونيو عاـ (‪ 323‬ؽ‪.‬ـ) قبل أف يتم عامو الثاين‬ ‫عاما استطاع خبلؽبا أف يةزو العامل بسيفو‬ ‫والثبلثني ‪ ،‬بعد أف قضى يف اغبكم ثبلثة عشر ً‬ ‫مثلما استطاع ُمعلمو أف يةزو العامل بعقلو‪.‬‬ ‫خريطة (‪ )3‬خط سير حملة اإلسكندر األكبر على الشرق األدنى‬ ‫(‪ )1‬كاف من أشهر ىؤالء القادة الذين زوجهم اإلسكندر من فارسيات يف ىذا اغبفل ىيفايستوف الذي زوجو‬ ‫من إحدى بنات اؼبلك دارا ‪ ،‬وزوج كراتريوس من أرناسًتين ‪ Arnastrine‬ابنة شقيق اؼبلك دارا ‪ ،‬وزوج‬ ‫بريديكاس من ابنة وايل ميديا ‪ ،‬كما زوج بطلميوس ويومينيس من ابنيت أرتابازوس‪ :‬أرتاكاما ألحدمها وأريونيس‬ ‫‪ Ariones‬لآلخر‪.‬‬ ‫‪- 01 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫اإلسكندر األكبر وذو القرنين‪:‬‬ ‫ظهر عامل األسطورة بشكل واضح خبلؿ سرية اإلسكندر األكرب حىت دخلت‬ ‫سريتو الًتاث العريب ‪ ،‬ووصل األمر إىل مزج شخصييت اإلسكندر األكرب وذي القرنني‬ ‫ك َع ْن ِذي الْ َق ْرنَ ْي ِن قُ ْل َسأَتْ لُو َعلَْي ُك ْم ِم ْنوُ ِذ ْك ًرا *‬ ‫اؼبشار إليو يف قولو تعاىل‪َ " :‬ويَ ْسأَلُونَ َ‬ ‫ض َوآتَ ْي نَاهُ ِم ْن ُك ِّل َش ْي ٍء َسبَبًا * فَأَتْ بَ َع َسبَبًا *" ‪ ،‬وبالتايل كاف من‬ ‫إِنَّا َم َّكنَّا لَوُ ِفي ْاأل َْر ِ‬ ‫الضروري أف نتتبع ‪ -‬ولو بشكل موجز‪ -‬طبيعة ىذه العبلقة وؼباذا مت ىذا اػبلط بني‬ ‫وم ْن وراء ىذا اػبلط؟ وما ىي أسبابو ودوافعو‪.‬‬ ‫الشخصيتني؟ َ‬ ‫ويف الواقع فعلى ما يبدو أف إعجاب الناس بشخصية اإلسكندر جعل األقواـ‬ ‫واألساطري وينسبوف إليو خواريق‬ ‫تتهافت لتنسبو إليها وجعلهم ينسجوف حولو القص‬ ‫األعماؿ ويُصدقوف كل ما يُروى عنو حىت أصبح شخصية أسطورية خاصة عند الفرس‬ ‫الذين قاموا بتمجيده إىل حد جعلو نبيًا كرديًا ‪ ،‬وردبا كانوا يرغبوف بذلك التمجيد نسب‬ ‫اإلسكندر إىل تارخي هم وتراثهم والتحايل يف جعلو أحد أبنائهم حىت ال يكوف يف شكل‬ ‫ؿبتل غازي وبالتايل ديحو عنهم عار اؽبزدية‪.‬وعلى العموـ فقد اختلف اؼبؤرخوف واؼبفسروف‬ ‫ذي القرنني ؛ فرأى بعضهم أنو ىو اإلسكندر األكرب وتضم‬ ‫للقرآف الكرًن حوؿ شخ‬ ‫ىذه اجملموعة ابن ىشاـ والطربي والعسقبلين واؼبسعودي والسيوطي والقاظبي واؼبراغي‬ ‫أشخاصا آخرين مثل اؼبلك دارا‬ ‫ً‬ ‫وغريىم ‪ ،‬ولكن رفض البعض اآلخر ىذا الرأي واقًتحوا‬ ‫الكبري الفارسي أو قوروش األطبيين واؼبصعب بن اغبارث اغبمريي وتضم ىذه اجملموعة أبو‬ ‫الكبلـ والعامل اؽبندي شيلي النعماف وعبد اهلل العسكر وغريىم ‪ ،‬يف حني أف ىناؾ فريق‬ ‫ثالث من اؼبفسرين قد ذبنب التحديد لبلسم واكتفى فقط بتفسري اآليات يف إطارىا‬ ‫القرآين وعلى رأس ىؤالء القشريي واؼبنتخب ‪ ،‬ولكن ديكن بإجياز شديد تفنيد ىذه اآلراء‬ ‫كالتايل‪:‬‬ ‫‪- 01 -‬‬ ‫حملة اإلسكندر األكبر على الشرق‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫اإلسكندر ‪ ،‬فإف‬ ‫أوال‪ :‬إذا كاف ىؤالء اؼبؤرخني واؼبفسرين قد اختلفوا حوؿ شخ‬ ‫ً‬ ‫رجبل صاغبًا أو نبيًا كرديًا‪،‬‬ ‫ىناؾ اتفاؽ بينهم مبعثو القرآف الكرًن على أف ذي القرنني كاف ً‬ ‫غري أف األخبار التارخيية الصحيحة اليت جاءت عن اإلسكندر تشري إىل أف معظم‬ ‫تصرفاتو زبالف مبدأ اإلدياف ؛ فقد قاـ بقتل بعض أصدقائو وقواده ‪ ،‬كما كاف يشرب‬ ‫فضبل عن إجباره كهنة آموف‬ ‫اػبمر إىل حد اإلدماف ‪ ،‬كما أنو ادعى أنو سلسل ىرقل ‪ً ،‬‬ ‫للقياـ بإعبلنو أماـ اؼبؤل ابنًا للرب ‪ ،‬بل اؼبشهور عنو ادعائو أف أصلو إؽبي والدعوة إىل‬ ‫السجود لو وتأليهو ‪ ،‬وعلى ما يبدو أف ىذه التصرفات كانت دبثابة وسيلة لتحقيق‬ ‫طموحاتو الشخصية ونزواتو وذلك من خبلؿ توظيف الدين ػبدمة السياسة ‪ ،‬يف حني أف‬ ‫ذي القرنني قد كلفو اهلل بالدعوى إىل التوحيد وكاف منهجو ؿباربة الفساد ونشر العدؿ‬ ‫واػبري بني العباد‪.‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬ذكرت اآليات أف اهلل قد مكن لذي القرنني يف األرض ومنحو من القوة‬ ‫حىت وصل بفتوحاتو إىل أقصى اؼبةرب واؼبشرؽ ‪ ،‬وىذا ما مل يقم بو اإلسكندر ‪ ،‬كما أنو‬ ‫مل ترد أي إشارة إىل قياـ اإلسكندر ببناء أي سد يف حياتو‪.‬‬ ‫‪- 22 -‬‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫تأسيس الممالك الهللينستية‬ ‫ؼبا كاف اإلسكندر األكرب قد وافتو اؼبنية فجأة ‪ ،‬وىو يف ريعاف الشباب وقمة اجملد‬ ‫مؤىبل ػببلفتو أو وصية أو يرشح خل ًفا لو أو ينظم طريقة اغبكم يف‬ ‫‪ ،‬دوف أف يًتؾ وريثًا ً‬ ‫طارا متباينة أشد التباين حبيث‬ ‫تلك اإلمرباطورية اؼبًتامية األطراؼ اليت تضم شعوبًا وأق ً‬ ‫يصعب على شخص واحد أف يسيطر عليها ‪ ،‬فقد وقعت تلك اإلمرباطورية الوليدة‬ ‫فريسة لؤلىواء واؼبطامع الشخصية ؛ إذ أنو على الرغم من أف اإلسكندر عند وفاتو كاف‬ ‫حامبل يف شهرىا السادس إال أاها كانت سيدة شرقية‬ ‫قد ترؾ زوجتو الفارسية "روكسانا" ً‬ ‫وكاف الكثَتوف ينكروف على جنينها حق الًتبع على عرش اإلمرباطورية اؼبقدونية ‪ ،‬وكاف‬ ‫يوجد يف بابل أخ غَت شقيق لئلسكندر من والده يدعى "فيليب أرىيدايوس"‬ ‫معتوىا مصابًا بالصرع ‪ ،‬ومل يكن ابنًا شرعيًا للملك فيليب الثاين‬ ‫‪ Arrisaeus‬وكاف شابًا ً‬ ‫وتبعا لذلك فقد واجهت تلك اإلمرباطورية الوليدة عوامل‬ ‫بل كاف ابن إحدى خليبلتو ‪ً ،‬‬ ‫فنائها‪.‬‬ ‫وقد ذكرت إحدى الروايات أف اإلسكندر وىو يف النزع األخَت سألو أحد معاونيو‬ ‫عمن ىو جدير حبكم اإلمرباطورية من بعده؟ فأجاب‪" :‬لؤلقوى منكم"‪.‬بيد أننا ال نقبل‬ ‫مثل ىذه الرواية إال بوصفها قد دست لتدعيم موقف القادة اؼبقدونيُت ‪ ،‬وبصفة خاصة‬ ‫(ٔ)‬ ‫الذي كاف أكرب قادة اإلسكدر سنًا ‪ ،‬وكاف اإلسكندر قد‬ ‫"بَتديكاس" ‪Perdicas‬‬ ‫(ٔ) بَتديكاس ‪ ٖٕٔ-ٖ٘٘( Pirdecas‬ؽ‪.‬ـ)‪ :‬من أسرة مقدونية نبيلة ‪ ،‬وكاف أكرب قادة اإلسكندر األكرب‬ ‫قائدا أعلى للجيش اؼبقدوين ووصيًا على اؼبلكُت "فيليب أرىيدايوس"‬ ‫سنًا ‪ ،‬و ُعُت دبوجب قرارات مؤسبر بابل ً‬ ‫و"اإلسكندر الرابع" ‪ ،‬فسعى لفرض ىيمنتو على اإلمرباطورية اؼبقدونية مما أدى إىل دخولو يف صراع مع باقي‬ ‫كبار قادة اإلسكندر األكرب ‪ ،‬انتهي دبصرعو على يد قواتو ‪ ،‬بسبب فشلو يف ضبلتو ضد بطلميوس بن‬ ‫الجوس يف مصر عاـ (ٕٖٔ ؽ‪.‬ـ)‪.‬‬ ‫‪- 13 -‬‬ ‫تأسيس الممالك الهللينستية‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫سلمو أختاـ اؼبلك وىو على فراش اؼبوت‪.‬وؼبا كاف كل قائد من قادة اإلسكندر يعترب‬ ‫نفسو األقوى واألجدر خببلفتو فقد نشبت بينهم حروبًا طاحنة استمرت ما يزيد عن‬ ‫عاما ربطمت خبلؽبا اإلمرباطورية اؼبقدونية‪.‬‬ ‫أربعُت ً‬ ‫مؤتمر بابل (‪ 323‬ق‪.‬م) وتقسيم اإلمبراطورية المقدونية بين قادة اإلسكندر‪:‬‬ ‫يف أعقاب وفاة اإلسكندر اجتمع كبار قادة اعبيش اؼبقدوين يف بابل (ٖٕٖ ؽ‪.‬ـ)‬ ‫الختيار ملك جديد لعرش اإلمرباطورية ‪ ،‬حيث كاف العرؼ اؼبقدوين القدًن ينيط باعبيش‬ ‫اختيار اغباكم اعبديد‪.‬وقد انقسم اعبيش اؼبقدوين إىل فريقُت‪[ :‬فريق الفرساف] ويتزعمو‬ ‫"بَتديكاس" ويرى أف ينتظروا إىل أف تلد "روكسانا" ما يف بطنها فإذا كاف و ًلدا سيكوف‬ ‫ىو اؼبلك اعبديد ربت الوصاية‪.‬أما الفريق الثاين فتمثل يف [اؼبشاة] الذين تزعمهم‬ ‫قائدىم "ملياجروس" فقد رفضوا أف يكوف ملكهم اعبديد من نسل امرأة آسيوية حيمل دـ‬ ‫الربابرة يف عروقو ‪ ،‬وقالوا حبق أرىيدايوس شقيق اإلسكندر من أبيو يف اؼبلك‪.‬بينما كاف‬ ‫قائدا آخر طموح يدعى "بطلميوس بن الجوس" رفض أف حيكمو رجل معتوه من‬ ‫ىناؾ ً‬ ‫نسل غَت شرعي مثل "فيليب أرىيدايوس" أو سليل سيدة شرقية مثل ابن روكسانا ‪ ،‬ألنو‬ ‫وتبعا لذلك اقًتح أف‬ ‫كاف يرى أف اؼبقدونيُت مل يقهروا الفرس لكي خيضعوا لسبللتهم ‪ً ،‬‬ ‫شاغرا ‪ ،‬وأف يعهد بإدارة اإلمرباطورية إىل قادة اعبيش‪.‬وال جداؿ يف أف ىذا‬ ‫يبقى العرش ً‬ ‫شديدا للسلطة ورغبة قوية يف االستقبلؿ حبكم إحدى‬ ‫ً‬ ‫تعطشا‬ ‫ً‬ ‫االقًتاح خيفي وراءه‬ ‫واليات اإلمرباطورية وحيمل يف طياتو بذور تفتيت اإلمرباطورية اؼبقدونية واحنبلؽبا‪.‬‬ ‫وبعد مناقشة ىذه اآلراء استقر رأي القادة على قبوؿ اقًتاح "بَتديكاس" ‪ ،‬غَت أف‬ ‫اؼبشاة الذين كانوا يعتربوف أنفسهم ممثلي األمة اؼبقدونية وأصحاب اغبق يف اؼبناداة باؼبلك‬ ‫اعبديد ثاروا على ىذا االقًتاح وقرروا اؼبناداة بفيليب أرىيدايوس مل ًكا وأكدوا أاهم‬ ‫ودما ‪،‬‬ ‫غبما ً‬ ‫نصبونو بالقوة ألنو ال جيب أف جيلس على العرش إال مل ًكا مقدونيًا ً‬ ‫سي ّ‬ ‫وكادت أف تنشب اغبرب بُت الفريقُت لوال تدخل اغبكماء أمثاؿ "يومنيس" أمُت خزانة‬ ‫حبل وسطًا بتعُت أرىيدايوس ‪ -‬الذي ضبل اسم "فيليب الثالث"‪-‬‬ ‫اإلسكندر الذي اقًتح ً‬ ‫‪- 13 -‬‬ ‫تأسيس الممالك الهللينستية‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫مل ًكا على اإلمرباطورية اؼبقدونية مع االحتفاظ حبق ابن اإلسكندر من روكسانا ‪ -‬إذا كاف‬ ‫ذكرا‪ -‬يف مشاركة فيليب اؼبلك ربت الوصاية ‪ ،‬وعندما ربقق ذلك أصبح فيليب الثالث‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫أقر مؤسبر بابل ً‬ ‫واإلسكندر الرابع ملكُت باالشًتاؾ على اإلمرباطورية اؼبقدونية‪.‬وقد ّ‬ ‫تعيُت "بَتديكاس" يف منصب "اػبيليارخيس" ‪ ، Chiliarches‬وىي تسمية فارسية يتوىل‬ ‫صاحبها القيادة العامة للجيش كما يصبح اؼبستشار األكرب لئلمرباطورية ‪ ،‬كما قرر اؼبؤسبر‬ ‫استمرار "أنتيباتروس" نائبًا للملكُت على مقدونيا وببلد اليوناف ‪ ،‬وكاف اإلسكندر قد تركو‬ ‫فيها قبل خروجو يف ضبلتو على الشرؽ ‪ ،‬كما مت تعيُت "كراتَتوس" ‪ -‬الذي كاف غائبًا ىو‬ ‫اآلخر يف ضبلة عسكرية ‪ -‬وصيًا على اؼبلكُت وأمينًا للخزانة اؼبلكية‪.‬‬ ‫وهبذا اغبل أمكن االحتفاظ بوحدة اإلمرباطورية ‪ ،‬ولكنها مل تكن إال وحدة يف‬ ‫الشكل فقط ‪ ،‬إذ أف تعيُت اؼبلكُت كاف يف الواقع بداية اؼبصاعب وليس اهايتها ‪،‬‬ ‫فاؼبلكاف كانا ؾبرد رمز بغَت سلطة أو إرادة ‪ ،‬وعندئذ ظهرت أطماع القادة واؼبرافقُت‬ ‫مستغبل غياب‬ ‫ً‬ ‫لئلسكندر ‪ ،‬إذ أف بَتديكاس سرعاف ما وضع اؼبلكُت ربت سيطرتو‬ ‫كراتَتوس ‪ ،‬وأصبح بذلك صاحب السلطة األكرب يف اإلمرباطورية‪.‬‬ ‫وعلى اعبانب اآلخر فقد ازبذ مؤسبر بابل قر ًارا بإيقاؼ إرساؿ أية ضببلت جديدة‬ ‫وتبعا لذلك فقد كاف‬ ‫لتوسيع حدود اإلمرباطورية واالستعاضة عن ذلك بتدعيم أركااها ‪ً ،‬‬ ‫على اؼبؤسبر إجياد مهاـ للقادة والرفقاء اآلخرين الذين كاف وجودىم يف اعبيش مرتبطًا‬ ‫دبشروعات اغبرب والتوسع خاصة بعد أف ظهرت أطماع الكثَتين منهم ‪ ،‬ومن ىنا‬ ‫قُ ّسمت إمرباطورية اإلسكندر األكرب بُت قادتو الذين مت توزيعهم على الواليات اؼبختلفة‬ ‫ليحكموىا باعتبارىم والة تابعُت لؤلسرة اغباكمة يف مقدونيا ‪ ،‬وذلك هبدؼ إبعاد‬ ‫البعض عن مركز الدولة والتخلص من مشاكلهم أو هبدؼ اسًتضاء البعض اآلخر‬ ‫ومكافأهتم على أدوارىم يف إقرار األوضاع اعبديدة ‪ ،‬فتسلّم "بطلميوس بن الجوس"‬ ‫مصر ‪ ،‬وتوىل "الوميدوف" ‪ Laomedon‬رفيق اإلسكندر يف الصبا أمور سوريا ‪ ،‬وعُُت‬ ‫"فيلوتاس" واليًا على "قيليقيا " ‪ ،‬و"يومنيس" على "كبادوكيا" وبعض اؼبناطق الواقعة على‬ ‫‪- 11 -‬‬ ‫تأسيس الممالك الهللينستية‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫البحر األسود ‪ ،‬و"ميناندروس" على ليديا ‪ ،‬و"ليوناتوس" على فرجييا اؼبضايق ‪،‬‬ ‫و"لوسيماخوس" على تراقيا ‪ ،‬و"بيثوف" على ميديا ‪ ،‬و"كونوس" على سوسيان?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser