مفهوم المعجم والقاموس والموسوعة PDF
Document Details
![RaptShofar2004](https://quizgecko.com/images/avatars/avatar-9.webp)
Uploaded by RaptShofar2004
جامعة الجزائر 1
Tags
Summary
This document provides an overview of lexicography, including the concepts of dictionaries, encyclopedias, and specialized lexicons in the Arabic language. It explains the different types of lexicons based on their scope and purpose, alongside the theoretical and application aspects.
Full Transcript
**1- مفهوم المعجم (lexique):** أ- **المعنى اللّغوي لكلمة (عَجَم**): يقول ابن جني \"اعلم أنّ (عَجَم) وقعت في كلام العرب الإبهام والإخفاء وضد البيان والإفصاح. فالعجمة: الحُبسة في اللّسان، ومن ذلك رجل أعجم وامرأة عجماء، إذا كان لا يفصحان ولا يبيّنان كلامهما. والعجَم والعجَمي: غير العرب لعدم إبانتهم أص...
**1- مفهوم المعجم (lexique):** أ- **المعنى اللّغوي لكلمة (عَجَم**): يقول ابن جني \"اعلم أنّ (عَجَم) وقعت في كلام العرب الإبهام والإخفاء وضد البيان والإفصاح. فالعجمة: الحُبسة في اللّسان، ومن ذلك رجل أعجم وامرأة عجماء، إذا كان لا يفصحان ولا يبيّنان كلامهما. والعجَم والعجَمي: غير العرب لعدم إبانتهم أصلا. واستعجم القراءة لم يقدر عليها لغلبة النعاس عليه، والعجماء البهيمة لأنّها لا توضّح ما في نفسها، واستعجم الرجل: سكت، واستعجمت الدار عن جاب سائلها سكتت\"[^1^](#fn1){#fnref1.footnote-ref}. يتّضح من استعمال مشتقات كلمة عجم، أنّها لا تفيد الوضوح، وإنّما تدل على الغموض فكيف يكون المعجم من مشتقاتها؟ والمعروف أنّ هدفه الأساس التيسير والتسهيل. ويقول ابن جني أيضا \"واعلم أنّ أعجمت وزنه أفعلت، وأفعلت هذه وإن كانت في غالب أمرها تأتي للإثبات والإيجاب نحو أكرمت زيدا؛ أي أوجبت له الكرامة، فقد تأتي أفعلت أيضا بمعنى السلب والنفي وذلك نحو أشكيت زيدا؛ أي أزلت له ما يشكوه، وكذلك قولنا أعجمت الكتاب أي أزلت عنه استعجامه\"[^2^](#fn2){#fnref2.footnote-ref}، وبذلك يكون المعجم لإزالة العجمة والغموض، ويُجمع المعجم معاجم ومعجمات. ولم يكن اللّغويون أوّل من استخدم لفظ معجم، وإنّما سبقهم إلى ذلك رجال الحديث النبوي[^3^](#fn3){#fnref3.footnote-ref}، فقد أطلقوا كلمة معجم على الكتاب المرتّب هجائيا، والذي يجمع أسماء الصحابة ورواة الحديث و\"يقال إنّ البخاري كان أوّل من أطلق لفظة معجم، وصفا لأحد كتبه المرتّبة على حروف المعجم\"[^4^](#fn4){#fnref4.footnote-ref}. أمّا اللغويون القدماء فلم يستعملوا لفظ معجم، ولم يطلقوه على مجموعاتهم اللّغوية، وإنّما كانوا يختارون لكلّ منها اسما خاصا، فهذا العين، وذاك الجمهرة وآخر الصحاح. أمّا إطلاقنا للَفظ معجم على هذه الكتب فإطلاق متأخر. **- كلمة (المَعجم) مرادفة لكلمة (قاموس)**: من استعمالات العصر الحديث إطلاق اسم القاموس على أيّ معجم سواء كان باللغة العربية، أو بأيّ لغة أجنبية، أو مزدوج اللغة و \"لفظ القاموس في اللغة هو قعر البحر، أو وسطه أو معظمه\"[^5^](#fn5){#fnref5.footnote-ref}، ومرجع هذا المعنى الذي أُلصق بلفظ قاموس، أنّ عالما من علماء القرن الثامن الهجري، وهو الفيروزآبادي ألّف معجما سمّاه القاموس المحيط، وهو وصف للمعجم، بأنّه بحر واسع أو عميق. و \"قد حقّق معجم الفيروزآبادي شهرة وشيوعا، وصار مرجعا لكلّ باحث. وبمرور الوقت، ومع كثرة تردد اسم هذا المعجم على ألسنة الباحثين، ظنّ بعضهم أنّه مرادف لكلمة معجم، فاستعملوه بهذا المعنى\"[^6^](#fn6){#fnref6.footnote-ref} وصار يُطلق لفظ القاموس على أيّ معجم، كما أنّ مجمع اللغة العربية بالقاهرة أقرّ استخدام (معجم) للدلالة على (قاموس) وذكره ضمن معاني كلمة قاموس في معجمه الوسيط \" البحر العظيم، وعلم على معجم (الفيروزآبادي) وكلّ معجم لغوي على التوسع (مج)\"[^7^](#fn7){#fnref7.footnote-ref} واعتبر إطلاق لفظ قاموس على أيّ معجم من قبيل المجاز، أو التوسع في الاستخدام. ب**- المعجم بالمعنى العلمي**: إنّ تعريف المعجم هو \"كتاب يضم أكبر عدد ممكن من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها، على أن تكون المفردات أو المواد اللّغوية مرتّبة ترتيبا خاصا، إما بحروف الهجاء، أو حسب المواضيع، والمعجم الكامل هو الذي يضمّ كل كلمة في اللغة، مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها، وطريقة نطقها، وشواهد تبيّن مواضع استعمالها\"[^8^](#fn8){#fnref8.footnote-ref}، ولقد ورد في المعاجم الأجنبية: المعجم هو ما يقابل في الفرنسية (Lexique) ويعرّفه قاموس اللّسانيات لجان دوبوا (Jean Dubois ) كالتالي \"يدل المعجم كمصطلح لساني عام على مجموع الوحدات المكوّنة للسان جماعة بشرية أو نشاط علمي أو نشاط متكلم ما\...\"[^9^](#fn9){#fnref9.footnote-ref} يعني أنه مدوّنة تضم وحدات أو مفردات جماعة لغوية معيّنة. **2-المعجمية**: يعرّف علم المعاجم أو المعجمية بأنّه \"فرع من فروع علم اللّغة المعاصر يقوم بدراسة المفردات وتحليلها في أيّة لغة وخاصّة معناها أو دلالتها المعجميّة، ثمّ تصنيف هذه المفردات استعدادا لعمل المعجم\...\"[^10^](#fn10){#fnref10.footnote-ref} وينقسم هذا العلم إلى فرعين أساسيين هما: علم المعاجم والصناعة المعجمية. **- علم المعاجم النّظريLexicologie :** هو \"علم يهتمّ بدراسة المفردات أو الكلمات في لغة معيّنة أو عدّة لغات من حيث المبنى والمعنى، أمّا من حيث المبنى فهو يدرس طرق الاشتقاق والصّيغ المختلفة،\...وكذا العبارات الاصطلاحيّة وطرق تركيبها، أمّا من حيث المعنى فهو يدرس العلاقات الدّلاليّة بين الكلمات مثل التّرادف والمشترك اللّفظي وتعدّد المعنى، وغير ذلك.\"[^11^](#fn11){#fnref11.footnote-ref} وبذلك يتبيّن لنا أنّ علم المعاجم النّظري مرتبط بدراسة الكلمات من حيث المبنى والمعنى. **- علم المعاجم التطبيقي La lexicographie**: هو فن تحرير وإنشاء وتصنيف وطباعة المعاجم، ويقوم بتحديد معالم تطبيق المعارف المستنبطة من العلوم الروافد (علم المفردات- علم تأصيل الكلمات- علم الصرف- علم التراكيب- علم الدلالة وعلم المصطلح). ويكيّفها لتكون وثيقة حاملة لمعارف متنوعة، بحسب ما يقتضيه الهدف التربوي الذي يحدّده المعجمي من عمله أثناء الوصف الدّلالي للقائمة الاسمية، التي تمثل المداخل المعجمية المتبوعة بالتحديدات والشواهد الموضِّحة، وما يمكن أن يتفرع عنها من وظائف دلالية لغوية أخرى.[^12^](#fn12){#fnref12.footnote-ref} وبذلك يكون الإنجاز الفعلي للمعجم، مهمة الصناعة المعجمية، التي تنشئ وتصنّف وتطبع ما اتّفق عليه في المعجمية النظرية، إلاّ أنّ المعجمية التطبيقية تجاوزت مَهمة الترتيب والطبع في عصر المعاجم الإلكترونية، إلى إيجاد طرائق بحث وبرامج لحوسبة كل المعلومات التي ترفق المدخل، وذلك بالتعاون مع الحاسوبيين، وكذا اللسانيين. وتجدر الإشارة إلى أنّ المقابل العربي لهذين العلمين قد اختلفت فيه الأقوال، فالمسدي مثلا يرى أنّ علم المعاجم النّظري هو المعجميّة، وفن صناعة المعاجم هو القاموسيّة، والخولي يسمّي الأوّل علم المفردات، والثّاني صناعة المعاجم،\...[^13^](#fn13){#fnref13.footnote-ref} في حين نجد أنّ حلمي خليل يفرّق بين علم المعاجم النّظري وعلم المفردات vocabulary)) الذي يعرّفه بأنّه \"علم يدرس المفردات بما لها من صلة بمجالات محدّدة مثل : - حصيلة المفردات التي يتصرّف فيها المتكلّم أو الكاتب أو الشّاعر. - ـمقدار الثّروة اللّفظيّة في لغة أو لهجة معيّنة. - ـمجموعة المصطلحات التي تستخدم في دائرة علميّة أو فنيّة محدّدة. - إحصاء ومقارنة المفردات المستعملة في عدّة لغات أو لهجات طبقا لحاجة المتكلمين بها. - أنواع المعاجم المستعملة في كلّ لغة وطرق تصنيفها. - حصر وإحصاء الألفاظ المقترضة من اللّغات الأخرى داخل لغة معيّنة.\"[^14^](#fn14){#fnref14.footnote-ref}وبذلك نجد أنّ علم المفردات -حسب حلمي خليل- مرتبط بدراسة المفردات في اللّغات واللّهجات. **3- المصطلحية:** يعرف علي القاسمي علم المصطلح بأنّه العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها، وهو يتناول جوانب ثلاثة متصلة من البحث العلمي والدراسة الموضوعية، وهي: أ- يبحث علم المصطلح في العلاقات بين المفاهيم المتداخلة، والتي تتمثل في صورة أنظمة المفاهيم التي تشكل الأساس في وضع المصطلحات المصنفة التي تعبر عنها في علم من العلوم. ب- يبحث علم المصطلح في المصطلحات اللغوية، والعلاقات القائمة بينها، ووسائل وضعها، وأنظمة تمثيلها في بنية علم من العلوم. ج- يبحث في الطرق العامة المؤدّية إلى خلق اللغة العملية والتقنية[^15^](#fn15){#fnref15.footnote-ref}. وقد زادت عناية العرب بالمصطلحات، بعد أن تشعبت العلوم وكثرت الفنون، وكان لا بدّ من وضع معاجم متخصصة لما يُستجد من مصطلحات. **4- المعجم المتخصص والمعجم العام:** **- المعجم المتخصص:** هو المعجم الذي يضمّ ألفاظ ومصطلحات علم، أو فن معيّن، ويقوم بشرحها حسب تخصّص مستعمليها سواء كان ذلك في الزّراعة، أو الطّب أو الموسيقى، أو علم النّفس، أو غيره من العلوم. وتعود الارهاصات الأولى لهذا النوع من المعاجم إلى تلك الرسائل اللغوية الصغيرة التي اختصت بموضوع واحد، إلا أن الموضوع كان أساس الجمع والترتيب في تأليفها، وليس الترتيب حسب الحروف[^16^](#fn16){#fnref16.footnote-ref}. ومن المعاجم العربيّة القديمة التي اهتمّت بذلك: معجم \'التّذكرة\' لداود الأنطاكي الضرير الذي تطرّق إلى قسم كبير من الألفاظ الخاصّة بالعقاقير، والأعشاب الطّبيّة، و\'كتاب الحيوان\' للدّميري الذي ذكر عدّة تعريفات لأسماء الحيوان، والحشرات، والزّواحف، والطّيور، وخصائصها.[^17^](#fn17){#fnref17.footnote-ref} وبذلك تعتبر هذه المعاجم من أهمّ المصادر التي يلجأ إليها كلّ متخصّص أو دارس لفن معيّن. وبعد ذلك انبرى نخبة من العلماء إلى تصنيف ما زخرت به اللغة العربية من مفردات جديدة في عصر النهضة العربية الإسلامية في شتى المجالات، وفي العصر الحديث ازدهرت هذه المعاجم واهتمت بجمع وتصنيف مصطلحات أحد الميادين المتخصصة، فظهر المعجم الفلكي والمعجم الطبي والمعجم الزراعي\...وغيرها. \- **المعجم العام:** يشمل المعجم العام كل ما يمكن جمعه من مواد اللغة، قديمها وحديثها من المستعمل أو المهمل، وقد يتناول المعارف بأنواعها دون حدود، لذا فهو يتميز بصفة التوسع [^18^](#fn18){#fnref18.footnote-ref}، لأنه يهتم بإعطاء معلومات حول طبيعة الكلمات وأنواعها النحوية، وصيغها الخطية والصوتية، ومعانيها واستعمالاتها، ومستوياتها اللغوية، والبحث في أصلها مرتبة بحسب المسلك التاريخي لظهورها أو بحسب نظام ترددها. **1- مفهوم الموسوعة أو دائرة المعارف:** إنّ الموسوعات هي المعاجم التي تقوم بدراسة العلوم والفنون والمعارف بشكل موسّع كالتّطرّق إلى نشأتها، وميدانها، وأصحابها، ومراجعها، وغيرها من المعلومات. وتعتبر الموسوعات من أهم الكتب المرجعية لأنها مراجع شاملة تحيط بالمعرفة البشرية، وهي من أقدم المراجع التي عرفها الإنسان، وقد دخل المصطلح إلى اللغة اللاتينية من اللغة اليونانية مركبة في الأصل من مقطعينenklio) ) بمعنى تعليم وpedia)) بمعنى دائرة، ومن خلال التركيب يصبح المعنى التعليم الدائري[^19^](#fn19){#fnref19.footnote-ref}، أو دائرة العلوم والمعارف، أما مصطلح موسوعة فقد شاع استعماله كبديل لمصطلح دائرة المعارف. ونجد في اللغة العربية أن ما زخرت به لغتنا من مفردات جديدة في عصر النهضة العربية الإسلامية، قد شكّل مادة لغوية خصبة انبرى لها مجموعة من العلماء المتخصصين، وصنفوها حسب مجالات تخصصها، \" فكانت البداية في العلوم الدينية واللغوية، ثم طبّقت فكرتها على العلوم الأخرى من إنسانية وطبيعية ورياضية \"[^20^](#fn20){#fnref20.footnote-ref} فظهرت معاجم متخصصة في شتى مجالات العلوم والفنون المختلفة كمعجم الحيوان، والمعجم الفلكي، ومعجم الألفاظ الزراعية ، والمعجم الطبي وغيرها\... ثم ما لبثت أن جمعت كل هذه المعلومات والمعارف في مؤلفات ضخمة شملت مختلف المجالات العلمية، وعرفت بالموسوعات. وأوّل من استعمل مصطلح دائرة المعارف هو بطرس البستاني حين أطلقه عام 1876 م على عمله. **2- أنواع الموسوعات**: تقسم الموسوعات من حيث موضوعاتها إلى عامة وخاصة. **أ- الموسوعات العامة**: هي التي تعالج مختلف موضوعات المعرفة البشرية في ترتيب موضوعي دون تقييد موضوعي أو جغرافي[^21^](#fn21){#fnref21.footnote-ref}، ومن أمثلتها: \- الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال. \- دائرة معارف القرن العشرين لمحمد فريد وجدي. \- دائرة المعارف لبطرس البستاني. ويتميز هذا النوع من الموسوعات بما يلي: \- مقالاتها قصيرة ومبسطة. \- مقالاتها في شتى الموضوعات يفهمها العام والخاص لبساطة أسلوبها. \- تشمل موضوعاتها شتى المجالات والعلوم المختلفة. \- تفتقر إلى الدقة والموضوعية أحيانا. \- كبر حجمها وكثرة أجزائها نظرا لشمولها مختلف مواضيع المعرفة. \- تعدد مؤلفيها واختلاف تخصصاتهم. **ب- الموسوعة المتخصصة:** وهي التي تعنى بجانب معين ومحدد من جوانب المعرفة البشرية كالفلسفة أو المكتبات أو الطب، أو تغطي عدة مجالات متصلة مثل العلوم الاجتماعية أو الفنون[^22^](#fn22){#fnref22.footnote-ref}، ومن أمثلتها: الموسوعة الفلسفية، دائرة المعارف الإسلامية، الموسوعة العربية في الوثائق والمكتبات، ويتميز هذا النوع من الموسوعات بما يلي: \- مقالاتها مطولة وفيها إسهاب في الشرح. \- موضوعاتها تستهدف فئة معينة من الباحثين. \- تختص مقالاتها البحثية بمجال موضوعي محدد. \- مقالاتها لا يفهمها إلا أهل الاختصاص نظرا لأسلوبها العلمي المتخصص. \- الدقة في مجالها والموضوعية العلمية. \- عدد أجزائها قليل لتخصصها في موضوع واحد. \- محرروها من أساتذة الاختصاص لا يتجاوزون الثلاثة. كما تتنوع دوائر المعارف لتتناسب مع مستويات القراء حسب أعمارهم، فنجد دوائر معارف للكبار، ودوائر للشباب، وأخرى تخاطب الأطفال، وتكون مكتوبة بلغة مبسطة ومفهومة، ومصورة بالألوان في أغلب الأحيان، ومن أمثلتها: الموسوعة الذهبية بإشراف إبراهيم عبده، ودائرة معارف الناشئين لفاطمة محجوب. وتتنوع أيضا باعتبار حجمها فمنها ما طبع في مجلد واحد، ومنها ما طبع في عدد كبير من المجلدات يتجاوز المائة أحيانا. وتجدر الإشارة إلى أن التراث العربي كان حافلا بالمؤلفات الموسوعية، وإن لم تتخذ شكل دوائر المعارف على ما نألفه اليوم من حيث التنظيم وطريقة المعالجة، فكتابات الجاحظ، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والعقد الفريد لابن عبد ربه، ولطائف المعارف للثعالبي، ونهاية الإرب في فنون الأدب للنويري، وصبح الأعشى للقلقشندي وغيرها كثير\... من المؤلفات الموسوعية من الطراز الأول[^23^](#fn23){#fnref23.footnote-ref}، إلا أنها لم تلتزم بترتيب مادتها، وإنما قسمتها إلى أبواب وفصول، كما في الكتب والمؤلفات الأخرى، كما انفرد أصحابها بتأليفها على خلاف الموسوعات الحديثة، التي يشترك في تأليفها عدد من العلماء المتخصصين. **3- مميزات الموسوعة:** \- استخراج المعلومة بأسرع وقت وأسهل الطرق من خلال ترتيبها اللفظي أو الموضوعي. \- تحتوي الموسوعة على كلمات مكثفة ومبسطة مفهومة وموضحة أحيانا بالصور والرسوم لموضوعات متنوعة في شتى العلوم. \- تضم الموسوعة بين دفتيها مختلف العلوم والموضوعات، فهي توضح معاني اللفظ في مختلف الموضوعات. \- أغلب الموسوعات يعدها متخصصون في حقول المعرفة وتكون موقعة من قبلهم. \- تقدم للقارئ أو الباحث معلومات مفصلة وموسوعية كثيرة جدا ليس في مجال اختصاصه فحسب بل حتى في العلوم الأخرى. \- تعد مصدرا لإرشاد القارئ الذي يريد الاستزادة من المعلومات في موضوع معين بواسطة البيبليوغرافية التي تقدمها في نهاية مقالاتها. \- تقوم الكثير من الموسوعات بعمليات مراجعة مستمرة تمكنها من تجديد محتوياتها وملاحقة التطورات العلمية في مجال اهتمامها، من خلال إضافة ملاحق وكتب سنوية، تساعد الباحث في الوقوف عند أحدث المستجدات. سبقت أمم عديدة العرب في صناعة المعاجم ومن ذلك: الآشوريون والصينيون واليونانيون، ولقد أشار أحمد مختار عمر إلى بداية التّأليف المعجمي بقوله \"بدأت صناعة المعاجم منذ عهد سحيق علي يد الهنود، واليونانين، والمصريين القدماء، والصينين، ثمّ نمت في العصر الوسيط على أيدي العرب، ومنهم استفاد العبرانيون وغيرهم\"[^24^](#fn24){#fnref24.footnote-ref}. ولكنّ العرب سبقوا الأوربيين بعامة في هذا المجال، فأوّل معجم عربي كان في القرن الثّامن للميلاد بينما يرجع تأليف أوّل معجم أوروبي إلى القرن السّابع عشر[^25^](#fn25){#fnref25.footnote-ref}. **- نشأة المعجم عند الغرب**: أ**- أهل بابل وأشور:** (Babylanians, Assyrians) كانت الكتابات الأولى عند هؤلاء كتابة صوريّة، ولمّا تخلّوا عنها واستبدلوها بالكتابة الأبجديّة أصبحت الرّموز الأولى غير مفهومة، فقاموا بشرحها على أسطوانات رأسيّة في ألواح خزفيّة تمّ إيداعها في المكتبة العظيمة للآشوريين(Ashurlanipal) في بلدة نيانيقيا (Nineveh) (669 -633) قبل الميلاد، ولقد عرف الأشوريون المعجم قبل العرب بألف سنة، وقاموا بشرح مفردات لغتهم الآكادية، وترتيبها حسب الموضوعات التي تقترن بها، مع وضع قوائم من الرّموز السّومريّة المصوّرة لبيان قيمتها الصّوتيّة ومدلولاتها[^26^](#fn26){#fnref26.footnote-ref}؛ وهذا يعني أنّ التّأليف المعجمي لدى هؤلاء يعود إلى الرّغبة في معرفة دلالات الرّموز الصّوريّة الأولى، بعد تحويلها إلى كتابة أبجديّة. ب - **الصّينيّون:** عرف الصّينيّون المعاجم قبل الميلاد، وقاموا بترتيب بعضها حسب المعنى، والبعض الآخر على حسب الرّمز الكتابي للكلمة، القائم على جمع الصّور المتشابهة تحت باب واحد -وهو الغالب لديهم- ثمّ لجأوا فيما بعد إلى التّرتيب الصّوتي. ومن أقدم المعاجم الصّينية معجم يوبيان (Yupien) لكوي وانج (Kuyewang)، ومعجم شووان(Shwo wan) لهوشن(Hu-Shin) الذي طبع في عام 150ق.م ومعجم أرهيا (Erhya) الذي اعتمد على التّرتيب الموضوعي لمفرادته[^27^](#fn27){#fnref27.footnote-ref} ؛ وبذلك نجد تعدّدا في الترتيب المعجمي للمفردات لدى هؤلاء. ج**- اليونانيون**: اختصّت أغلب المعجمات اليونانيّة بمفردات كتاب معيّن، أو شخص معيّن، أو موضوع معيّن، ومن ذلك المعجم الخاص بشرح ألفاظ الشّاعر هومير الذي ألّفه أبولونيوس السكندري في عهد الإمبراطور أغسطس قبل الميلاد، والمعجم المرتّب بحسب الموضوعات ليوليوس بولكس(Yulius Pollux)، والمعجم الذي ألفه هلاديوس(Helladius) السكندري في القرن الرّابع للميلاد، ومعجم شبيه بالمعجم العصري لفاليريوس فيلكس(Valerius Flaccus) ومعجم \'اللّهجات والمحليات\' لهزيشيوس (Hesyehius) السكندري في ق4 الميلادي، ومعجم \'ما اتّفق لفظه واختلف معناه\' لأمونيوس(Ammonius) السكندري، والمعجم الاِشتقاقي لأريون الطيبي (Arion of Thebes) الذي طبع في ليبزج سنة 1820م ، \"وهناك بعض المعجمات الخاصّة بالغريب أو الفاسد أو الدّخيل، أو العامي من الألفاظ والعبارات، أو المعجمات الخاصّة بالطّعام والشّراب والحيوان، والمترادف، والأدوية، وغيرها.\" [^28^](#fn28){#fnref28.footnote-ref} وبذلك نجد تنوّعا في التّأليف المعجمي لدى هؤلاء. **د- الهنود:** عرف الهنود التّأليف المعجمي، إذ \"وضعوا معجمات لألفاظ اللّغة السّنسكريتيّة مُرتّبة على الحروف، وقد نسب إلى هذه اللّغة أنّها كانت ترتّب حروفها بحسب مخارجها، ابتداء من أقصى الحروف مخرجا إلى أدناها، كما وضعوا معجمات خاصّة بالمترادف والمشترك\" ، مثل: معجم أماراكوسا (Amara kosa) الذي أُلّف قبل القرن السّادس للميلاد، ورُتّب جزأه الخاص بالمترادفات بحسب الموضوعات، وجزأه المتعلّق بالمشترك اللّفظي بحسب الحروف السّاكنة في أواخر مفرداته، والمعجم الذي ألّفه ساسفاتا(Sasvata)، ورتّبه بحسب الموضوعات، والمعجم المُرتّب بحسب عدد مقاطع الكلمات نظرا إلى الحرف الأوّل والحرف السّاكن الأخير لهيما كاندرا (Hemacandra ) [^29^](#fn29){#fnref29.footnote-ref} ، وبذلك يتبيّن لنا أنّ ترتيب المعجم كان على طريقتين: بحسب الحروف، وبحسب الموضوعات. **عوامل نشأة المعجم عند الغربيين قبل الإسلام:** يمكن تلخيص الدوافع التي أدّت إلى نشأة المعاجم عند هذه الأمم القديمة في النقاط الآتية: \- الاتصال بين أمتين، تختلف لغة كل واحد منهما عن الأخرى، وهما يحتاجان إلى التعرّف عن المفردات التي من شأنها المساعدة على الاتصال بينهما، لذلك كانت معاجم الترجمة سابقة في الظهور والنشأة عن سواها من بقية أنواع المعاجم. \- وجود ألفاظ غريبة داخل اللغة نفسها، وتحتاج إلى من يكشف النقاب عنها ويوضح معناها ويزيل غموضها ، لذلك وجد ما يسمّى بمعاجم )الغريب( وعرف هذا النوع من المعاجم في اللغة العربية، ووجدنا معاجم تتناول غريب القرآن الكريم، وغريب الحديث الشريف. \- وقد يخطر بالفكر معنى لا يجد له الإنسان لفظا فيما وعته ذاكرته من كلمات، فيشعر بالحاجة إلى البحث عن هذا اللفظ في كنوز لغته التي تراكمت فيها ثروة ضخمة من الألفاظ عبر الزمن[^30^](#fn30){#fnref30.footnote-ref}. ويتّضح لنا بناء على ما سبق أنّ التّأليف المعجمي عند الغرب يعود إلى ما قبل الميلاد، ويختلف من ناحية ترتيب المفردات وموضوعاتها من أمّة إلى أخرى، كما في هذا الشكل: شكل1: نشأة المعجم عند الغرب انشغل النّاس في عهد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والصّحابة الكرام، بالسّؤال عن معاني الألفاظ الغريبة الواردة في القرآن الكريم، وبغية تفسير ألفاظ غريب القرآن الكريم، والحديث النّبوي الشّريف، بدأت الحركة المعجميّة عند العرب في منتصف القرن الأوّل للهجرة، ومن أقدم مظاهر هذا النّشاط في تفسير ألفاظ القرآن الكريم، سؤالات نافع بن الأزرق لابن عباس رضي الله عنه، وكتاب أُلّف في غريب القرآن لأبان بن تغلب، يليه كتاب مؤرج السدوسي[^31^](#fn31){#fnref31.footnote-ref}، وفي تفسير ألفاظ الحديث نجد كتاب \'معجم الصحابة\' لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى وكتابَي \'المعجم الكبير\' و\'المعجم الصغير\' لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب[^32^](#fn32){#fnref32.footnote-ref}، و\"\... بعد ظهور اللّحن بسبب اختلاط العرب بغيرهم من الأمم، ودخول النّاس أفواجا في دين الإسلام باتت الرّغبة ملحّة لجمع اللّغة الفصيحة من أفواه أصحابها، قبل أن يفسدها الأعاجم. ومنذ القرن الثّاني الهجري صارت العربيّة تحصّل بالدّراسة لا بالممارسة، وغدت المادّة المعجميّة ضروريّة لهذه الدّراسة.\"[^33^](#fn33){#fnref33.footnote-ref} وبذلك نجد أنّ التّأليف المعجمي عند العرب بدأ في عصر الإسلام. **1- المعجم العربي ومراحل تطوره:** مرّت حركة التّأليف المعجمي عند العرب بعدّة مراحل هي: **المرحلة الأولى:** بدأت منذ أواخر القرن الهجري الأوّل وخلال القرن الهجري الثّاني عن طريق جمع اللّغة العربيّة من الفصحاء، والأخذ من القرآن الكريم، والحديث النّبوي والأدب، ومن ثمّ تدوينها في رسائل غير مرتّبة، ومن ذلك: كتاب \'النّوادر في اللّغة\' لأبي زيد الأنصاري الذي شرح من خلاله المفردات النّادرة الواردة في النّصوص الشّعريّة، والنّثريّة دون ترتيب[^34^](#fn34){#fnref34.footnote-ref}، ومن الذين اهتمّوا بتدوين الألفاظ الغريبة، والشّاذة والوحشيّة أيضا أبو عمرو بن العلاء البصري، ويونس بن حبيب الضبي، وقطرب محمد بن المستنير البصري.[^35^](#fn35){#fnref35.footnote-ref} وبذلك تميّزت هذه المرحلة بجمع اللّغة، والاهتمام بتدوين مفرداتها الغريبة. **المرحلة الثّانية:** اهتمّ العرب في هذه المرحلة بجمع الألفاظ الخاصّة بموضوع معيّن على شكل رسائل لغويّة صغيرة سمّيت بالمعاجم الخاصّة، ومن أشهرها ما كتبه الأصمعي في الدارات، والسّلاح، والإبل، والخيل،\...وغيرها، وما ألّفه ابن دريد في المطر، واللّبن، والغرائز، كما كتب أبو حنيفة الدينوري في النّبات، وابن قتيبة في المنزل[^36^](#fn36){#fnref36.footnote-ref}، وجُمعت\"\...مجموعة من الألفاظ التي تشترك في حرف واحد، أو التي ترتبط برابطة الأضداد، أو الرّسائل التي ألّفت في مثلث الكلام\...ومن أشهرها \'مثلّثات قطرب\'(ت: 206ه) كما ألّفت في هذه المرحلة رسائل أخرى جمعت فيها الأمثال المتماثلة في أوزانها الصّرفيّة ككتاب \'فعل وأفعل\' لقطرب أو كتاب \'فعلت وأفعلت\' للزجاج.\"[^37^](#fn37){#fnref37.footnote-ref} وبذلك تميّزت هذه المرحلة عن سابقها بالاهتمام بمواضيع مختلفة، وتدوين كل منها في رسائل صغيرة. **المرحلة الثّالثة:** تميّزت هذه المرحلة بوضع معاجم شاملة للّغة رُتّبت حسب تكوينها الأبجدي، وانتقلت من الخصوص إلى العموم؛ لحصر أكبر قدر ممكن من ألفاظ اللّغة ومن ذلك: الجمهرة لابن دريد، وديوان الأدب للفارابي، والبارع للقالي، وتهذيب اللّغة للأزهري، والمحيط للصاحب بن عباد،\...وغيرها. وينتمي معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي لهذه المرحلة؛ نظرا لشمولية ألفاظه، بيد أنّ صاحبه قد سبق عصره بهذا التّأليف الذي كان في القرن الثّاني الهجري لا الرّابع.[^38^](#fn38){#fnref38.footnote-ref} وبذلك يتبيّن لنا أنّ التّأليف المعجمي في عصر الإسلام، مرّ بعدّة مراحل بداية من تدوين الألفاظ على شكل رسائل صغيرة متعدّدة المواضيع، وصولا إلى تأليف كتاب شامل لمفردات اللّغة. وبعد انتشار الطّباعة في العصر الحديث، قام البعض بإعادة طبع المعاجم القديمة في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر للميلاد، ومن ذلك طباعة \'تاج اللّغة وصحاح العربيّة\' للجوهري سنة1865م، و \'مختار الصحاح\' للرازي سنة1870م و\'تاج العروس\' للزبيدي سنة 1889م الذي يعتبر من أضخم المعاجم العربيّة عُرف حتّى الآن،\...وغيرها[^39^](#fn39){#fnref39.footnote-ref}، وبعد ذلك ظهرت\"\...محاولات متعدّدة للتّغلّب على مشاكل المعجم العربي\...قدّمها بعض الأفراد، كما أنّ هناك محاولات قامت بها بعض المجامع اللّغويّة\...\"[^40^](#fn40){#fnref40.footnote-ref} والمتمثّلة في إعادة ترتيبه ترتيبا سهلا والاتّجاه نحو الاختصار والتّركيز، وكذلك تزويده بالصّور والرّسوم من أجل التّوضيح[^41^](#fn41){#fnref41.footnote-ref}، وتأليف معاجم ميسّرة، كما دعا إلى ذلك \"أحمد فارس الشدياق\...في مقدّمة كتابه \'الجاسوس على القاموس\' وكذا في ثنايا القاموس المحيط.\"[^42^](#fn42){#fnref42.footnote-ref} وبذلك نجد دعوة ظاهرة إلى تأليف الجديد، والواضح من المعاجم ومن المجامع اللّغويّة التي ظهرت آنذاك نجد: مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة الذي كان يسعى إلى وضع معجم تاريخي للّغة العربيّة، وإنشاء معاجم صغيرة لمصطلحات العلوم والفنون[^43^](#fn43){#fnref43.footnote-ref}، و\"كذلك كان\...للمجمع العلمي العراقي، ومجمع اللّغة العربيّة الأردني دور كبير، وجهد مشكور في مجال المصطلحات التي تتّصل بصناعة المعجم المتخصّص.\"[^44^](#fn44){#fnref44.footnote-ref} وبذلك يتبيّن لنا أنّ المجامع اللّغويّة اختلفت توجّهاتها وأهدافها. ومن أبرز المعاجم الحديثة التي ألّفها مجمع اللّغة العربيّة نجد: \'المعجم الكبير\' الذي ظهرت منه عدّة مجلدّات، واتّسم بالشّموليّة نظرا لاستقاء مادته من المعاجم التّراثيّة واحتوائه على العديد من المصطلحات العلميّة الحضاريّة[^45^](#fn45){#fnref45.footnote-ref}، وكذا \'المعجم الوسيط\' والمعجم الوجيز، أمّا المعاجم التي أُلّفت من قبل الأفراد فنجد: معجم \'البستان\' لعبد الله البستاني الذي ذكر فيه العديد من أسماء المخترعات والمصطلحات العلميّة الجديدة، و\'المنجد\' للويس المعلوف الذي يعتبر معجما دراسيّا عربيّا، يتّسم باستعماله الصّور في شرح مفرداته وإضافته لبعض الجزئيّات من المعاجم الأجنبيّة[^46^](#fn46){#fnref46.footnote-ref}،\...وغيرهما. ويمثّل الشكل الموالي حركة تأليف المعاجم عند العرب: شهدت الحركة المعجمية عند العرب ثلاث مراحل، أوّلها مرحلة الرسائل اللّغوية، ليخرج التأليف بعدها، من ضيق هذه الرسائل إلى مرحلة معاجم المعاني والموضوعات، التي تعتبر امتدادا لها، بما اشتمل عليه الغريب المصنف والمخصص، وغيرهما من أبواب وموضوعات وينتظم التأليف المعجمي بعدها في مرحلة معاجم الألفاظ والمفردات، التي تنوع فيها الترتيب والتنظيم منذ معجم العين للخليل إلى يومنا. **1- مرحلة الرسائل اللغوية:** وسُميت كذلك لأنّها عبارة عن كتيّبات صغيرة وتسمى أيضا بمعاجم ذات الموضوع الواحد، والغريبُ أنَّ النظرة لهذه الرسائل لم يوفّها الدارسون حقّها من حيث التحقيق والدراسة، وقد مرّوا عليها مرورا عابرا حيث كان ما يشغلهم أكثر هو المعجم العربي بالمعنى الكامل لكلمة معجم، ولهذا فإنّهم دائمًا يركزون على الخليل ومعجمه )العين(، ثم إنَّ هذه الرسائل قد اهتمت بهذه الموضوعات، من الناحية المعجميّة والثروة اللفظية لا غير، وأنّها قد ذابت في المعاجم الكبرى وصارت مادةً لها، وقد عُرف التأليف المعجمي عند العرب بفضلها لأوّل مرة شكلًا منتظمًا، بعد أن كان مجرّد كلمات مشروحة مبعثرة غير مرتّبة وغير مستوفية لشرط الشموليّة. ولقد كان للأعراب دور رائد في مجال وضع الرسائل، إذ يقول ابن النديم في كتابه الفهرست: نسب إلى كثير منهم بعض هذه الرسائل، فأبو زياد الكلابي وضع عدّة رسائل أهمّها: الفرق، الإبل، وخلق الإنسان، ولأبي خيرة نهشل بن زيد كتاب في الحشرات، ولأبي ثروان العُكلي كتاب خلق الإنسان، فهذه الرسائل تناولت موضوعات متنوعة، كما أنّ مصادرها محصورة في القرآن الكريم، والحياة في شبه الجزيرة العربيّة، والشعر العربي بألفاظه المختلفة وفنونه المتنوعة، فبعض هذه الرسائل تناولت خلق الإنسان منذ نشأته، وولادته ورضاعه وفطامه وغير ذلك، ودونوا فيها كل ما ظهر من الإنسان حتى بعض ما في جوفه، وبيّنوا الصفات المختلفة التي تعتري كُل عضو من أعضائه، وأوّل من ألّف في ذلك أبو مالك عمرو بن كركرة. وألّفوا رسائل في الخيل، واهتموا بها اهتمامًا كبيرا، لأنّها أداة انتقال العرب في الحرب وغيرها، وممن ألّف في ذلك النضر بن شُميل، والأصمعيّ، وأبو عبيدة. واهتم العرب في رسائلهم بموضوع الحشرات، وأوّل من كتب فيها أبو خيرة الأعرابي ورسائل الشاء، التي تتناول حمل الغنم ونتاجها، وأسماء أولادها، نعوتها في ولادتها، وأسماء أولادها، نعوتها من قبل أسنانها، نعوتها من قبل ألبانها، ضرع الشاء وعيوبه، نعوتها من قبل هزالها، نعوتها من قبل أمراضها، نعوتها من قبل قرونها، نعوتها من قبل علفها، نعوتها من قبل جماعاتها. ورسائل الفرق تتناول مسمّيات أعضاء الجسم وصفاته بين الإنسان والبهائم والطيور، وتسمّى أيضا )ما خالف فيه الإنسان البهيمة( وتهدف إلى ذكر عضو من أعضاء الإنسان أو صفته، وذكر ما يقابله من أعضاء البهائم والطيور وصفاتها[^47^](#fn47){#fnref47.footnote-ref}. \- رسالة المطر لأبي زيد الأنصاري (ت 215 ه) تحدّث في هذا الكتاب عن أسماء المطر والرعد والبرق والسحاب والمياه، ويقّل في الكتاب الاستشهاد بالشعر. \- رسالة الإبل للأصمعيّ(ت 215) تحدّث فيه عن نتاج الإبل وحلبها وأسماء أعضائها وألوانها وطريقة ورودها الماء وأدوائها وسيرها وغير ذلك[^48^](#fn48){#fnref48.footnote-ref}. \- رسالة الأيّام والليالي والشهور للفراء (ت 207 ه) عالج فيها الأسماء القديمة والحديثة للأيام والشهور العربيّة، وأسماء الهلال والقمر والشمس وظلمة الليالي، والأيام الباردة والحارة كما أنّه يستشهد على ما يقوله دائمًا بالقرآن والشعر والأمثال[^49^](#fn49){#fnref49.footnote-ref}. **2- مرحلة معاجم الموضوعات:** وتسمّى أيضا بمعاجم المعاني أو المعاجم المبوّبة، وهي معاجم جامعة لمادة اللغة، مرتّبة حسب الموضوعات والمعاني، حيث تحصي المفردات الموضوعة لمختلف المعاني والموضوعات، وتحت كل معنى أو موضوع تندرج الألفاظ التي تستعمل لذلك المعنى، وهي لا تفيدنا بمعاني وشروحات المفردة، وإنما بمجموع الألفاظ المتعلقة بذلك المعنى أو الموضوع، كما أنّ هذا النوع من المعاجم يفيد المترجمين والكتاب والشعراء الناشئين؛ لأنّه يمدهم بالألفاظ المناسبة لمعنى من المعاني يجول في خواطرهم، ولكنّهم يقفون حائرين لا يدركون كيف يعبّرون عنه بدقّة، ولا يجدون ما يقابله من الألفاظ. ونشير إلى أنّ الفرق بين الرسائل اللغوية ومعاجم الموضوعات، هو أنّ الرسائل اللغوية أسبق ظهورا من معاجم المعاني والموضوعات، والأولى تُعدّ مصدرا مهمًّا من مصادر الثانية، وكلاهما اعتمد الترتيب الموضوعي لتقديم المادة اللغوية، والحقيقة المهمّة هي أن الرسائل اللغوية أضيق مادة من معاجم المعاني والموضوعات، فالأولى تختص بموضوع واحد في مؤلّف واحد، ولذلك سُميت بمعاجم ذات الموضوع الواحد، أما الثانية فإنها حاولت أن تجمع أكبر قدر ممكن من هذه الرسائل اللغوية بين دفتي كتاب واحد، ومن أهمها[^50^](#fn50){#fnref50.footnote-ref}: \- كتاب الغريب المصنّف لأبي عبيد القاسم بن سلام ت 224 ه. \- كتاب الألفاظ لابن السكّيت ت 244 ه. \- الألفاظ الكتابية لعبد الرحمن ابن عيسى الهمذاني ت 320 ه. \- جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر ت 320 ه. \- فقه اللغة وسّر العربية للثعالبي ت. 429 ه. \- كتاب المخصّص لابن سيده ت 458 ه. مرّت الحركة المعجمية أو الصناعة المعجمية عند العرب، بثلاث مراحل، وتتمثّل المرحلة الثالثة في مرحلة معاجم الألفاظ. **- مرحلة معاجم الألفاظ:** وتسمّى أيضا بالمعاجم العامّة، وهي التي\" تهتم بتفسير معاني الكلمات وفق منهج معيّن وخطّة مدروسة.\"[^51^](#fn51){#fnref51.footnote-ref}؛ أي إنها معاجم تعالج اللفظة من حيث: ضبط كلماتها، وبيان أصلها ومعرفة اشتقاقها، وشرح مدلولها، واتخاذ نهجٍ خاصّ في ترتيبها. وقد مرّت معاجم الألفاظ في تطوّرها بثلاثة أنظمة، اتّبعها المعجميون في ترتيب المواد والمداخل المعجمية وهي: **1- النظام الصوتي ونظام التقليبات:** إنّ رائد هذا النظام ومبتكره هو الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه)، صاحب أوّل معجم شامل في تاريخ اللغة العربيّة، وهو معجم العين[^52^](#fn52){#fnref52.footnote-ref}، حيث جمع فيه الكلمات المكوّنة من أصل لغوي واحد في موضع واحد، مراعيا الجانب الصوتي المخرجي في الحروف، فهو يبدأ تقليب الأصل اللغوي بأبعد الحروف مخرجًا، ثم يتبعه بما يليه في المخرج ثم الذي يليه، إلى أن ينتهي بما مخرجه من الشفتين، ومن ثم فهو يبدأ بالحروف الحلقية، ثم يثني بالحروف اللسانية، ثم ينتهي بالشفوية فمثلا مادة )ب ر ع( يكون لها تقليبات ستة هي عرب، عبر، رعب، ربع، بعر، برع. ويدرج ضمن هذه المدرسة معجم العين للخليل ت 175 ه، معجم البارع للقالي ت 356 ه، تهذيب اللغة للأزهري ت 370 ه، المحيط في اللغة للصاحب بن عباد ت 385 ه، والمحكم لابن سيده ت 458 ه[^53^](#fn53){#fnref53.footnote-ref}. **2-التّرتيب الألفبائي:** ينسب هذا المنهج إلى نصر بن عاصم اللّيثي، الذي ظهر في زمن عبد الملك بن مروان، نتيجة لكثرة التّصحيف في قراءة القرآن، فقد ظهر التّأليف المعجمي في نهاية القرن الثّاني للهجرة، على يد أبي عمرو الشّيباني في معجمه \'الحروف\' الذي رتّبه على النّحو الآتي: أ، ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ع، غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، ه، و، ي. وجاء هذا التّرتيب على قسمين: **أ- التّرتيب الألفبائي حسب الحرف الأوّل:** اتّبعت هذه المدرسة النظام الألفبائي الهجائي غير أنها لم تتخلّص من التقاليب ومن الأبنية، التي أشاعت الصعوبة في المعاجم السابقة، فابن دريد تمسّك بالتقاليب، وابن فارس التزم بدء كل حرف بما بعده. وتضم مدرسة النظام الألفبائي حسب الأبنية، معجم جمهرة اللغة لابن دريد ت 321 ه، مقاييس اللغة ومجمل اللغة لابن فارس ت 395 ه. ونجد من الذين اعتمدوا الترتيب الألفبائي دون مراعاة الأبنية، الشيباني في معجمه الجيم، وكذا البرمكي محمّد بن تميم، الذي أعاد ترتيب \'الصّحاح\' للجوهري-المُرتّب حسب الحرف الأخير للكلمة- جاعلا الحرف الأوّل بابا والثّاني فصلا، وسار على منواله كل من معجم أساس البلاغة للزمخشري ت 538 ه، والمصباح المنير للفيومي ت 772 ه. **ب- التّرتيب الألفبائي حسب الحرف الأخير:** ويكون حسب الحرف الأخير من الكلمة مع النّظر إلى ترتيب حروف الهجاء عند ترتيب الفصول، وظهر هذا المنهج في تاج اللغة وصحاح العربيّة للجوهري ت400ه، ليسير على منواله معجم العباب للصاغاني ت 650 ه، ولسان العرب لابن منظور ت 711 ه، والقاموس المحيط للفيروز آبادي ت 817 ه، وتاج العروس للزبيدي 1205 ه.[^54^](#fn54){#fnref54.footnote-ref} ونجد أنّ هناك من يطلق على هذا النظام تسمية مدرسة القافية، وهو المصطلح المعتمد من قبل العروضيين، والسر في إتباعهم هذا النظام، هو أن الحرف الأخير من الكلمة أثبت وأقل تعرضا للتغيير والقلب والتسهيل، إلاّ أنّ البحث في هذه المعاجم يؤدّي إلى تشتيت ذهن الباحث؛ نظرا لانتقاله من الحرف الأخير إلى الحرف الأوّل، ثم إلى الحرف الثاني والثالث والرابع بحسب نوع اللفظة مما يُسمّى بحشو الكلمة، مما تطلّب الأمر إلى البحث عن نظام جديد يوفر الوقت والمجهود. نجد في مصطلحات علم اللغة الحديث، أنّ مصطلح علم المعجم lexicologie يعني دراسة المفردات ومعانيها في لغة واحدة أو عدة لغات، ويهتم من حيث الأساس باشتقاق الألفاظ وأبنيتها ودلالتها المعنوية والإعرابية، والتعابير الاصطلاحية والمترادفات وتعدد المعاني، أمَّا الصناعة المعجمية lexicographie فتشتمل على خطوات أساس هي: جمع المعلومات والحقائق، واختيار المداخل وترتيبها طبقا لنظام معين، وكتابة المواد، ثم نشر النتاج النهائي، وهذا النتاج هو المعجم أو القاموس الذي يمكن تعريفه على أنَّه: كتاب يحتوي على كلمات منتقاة، ترتب عادة ترتيبا هجائيا مع شرح لمعانيها، ومعلومات أخرى ذات علاقة بها، سواء أعطيت تلك الشروح والمعلومات باللغة ذاتها أم بلغة أخرى، ولذا فمن الجلي أن الصناعة المعجمية تعتمد على علم المعجم ولكنهما ليس شيئا واحدا[^55^](#fn55){#fnref55.footnote-ref}. **1- عناية العرب المحدثين بالصناعة المعجميّة:** أولت الجامعات في الوطن العربي صناعة المعجم عناية واهتماما، فأخذت تدرسه في أقسامها المتخصّصة، وازداد إقبال دور النشر على إصدار المعاجم العامّة والمتخصّصة، وفي طليعة دور النشر هذه، مكتبة لبنان التي أنشأت قسما متخصصا برئاسة المعجمي السيد أحمد شفيق الخطيب، الذي قام بنشر عشرات المعاجم في ميادين المعرفة المختلفة، ثم تولى رئاسة هذا القسم جورج عبد السميع، ويصدر مكتب تنسيق التعريب بالرباط التابع للمنظمة العربيّة للتربية والعلوم والثقافة مجلة )اللسان العربي) المتخصّصة في البحث المعجمي والمصطلحي، والتي أسسها المعجمي المغربي الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله قبل ربع قرن تقريبًا. وعقد مكتب تنسيق التعريب في أوائل أفريل 1981 م ندوة عالمية حول صناعة المعجم العربي للناطقين باللغات الأخرى، نشرت أبحاثها في كتاب أصدره المكتب، كما تمخضت أعمالها عن وثيقة المبادئ الأساس في تصنيف المعجم العربي، تلك المبادئ التي اتخذت أساسا لتصنيف\" المعجم العربي الأساسي\" الذي قامت المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة بنشره. وفي تونس تأسست جمعية المعجميّة التونسيّة، وأخذت تصدر مجلتها الموسومة بـ: (المعجميّة(، وفي المغرب تأسست الجمعية المغربية للدراسات المعجميّة وتصدر دورية عنوانها: الدراسات المعجميّة[^56^](#fn56){#fnref56.footnote-ref}. **2- محاولات التجديد في الصناعة المعجمية:** اعتمد مؤلفو المعاجم الحديثة على القدماء، وحاولوا التجديد في صناعة المعجم، ومن هؤلاء الأب لويس معلوف في معجمه المنجد، الذي استعمل الرموز والصور، وإن كان معظمها لأشياء مألوفة في حياتنا اليومية، واعتمد بطرس البستاني في معجميه المحيط وقطر المحيط على القاموس المحيط للفيروز آبادي، وقد أشار إلى أنَّ القاموس أشهر معجمات العربية، ثم إنّ مؤلّفه يحتوي على ما في محيط الفيروز آبادي، وعلى زيادات كثيرة استقاها من المعاجم، وعلى الرغم من أن البستاني قد حاول أن يتحرّر من قيود القدماء، فإنّه صرَّح في نهاية حرف الراء، وبعد تمثيله بشعر المحدثين، أنهم لا يعادلون السابقين عليهم، كما أنَّه لم يسوِّ بينهم[^57^](#fn57){#fnref57.footnote-ref}. وقد رأى مجمع اللغة العربيّة المصري، أن بعض اللغويين منذ أواخر القرن الماضي تداركوا هذا النقص في المعاجم \... وهم فيما يبدو متأثرون بالمعاجم الأوروبية الحديثة، ولكنهم لم يستطيعوا التخلّص من قيود الماضي، ولم يجرؤوا على أن يسجلوا شيئا من لغة القرن العشرين، وما كان لهم أن يفعلوا ذلك، والأمر يتطلب سلطة أعظم، وحجة لغوية أقوى، حيث رأى المجمع المصري وهو الجهة اللغوية العليا، أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة بتحقيق الأغراض التي من أجلها أنشئ، وذلك بإنهاض اللغة العربية وتطويرها بحيث تساير النهضة العلمية والفنّية في جميع مظاهرها، وتصلح موادها للتعبير عما يستحدث من المعاني والأفكار، وكان من بين هذه الوسائل اتخاذ قرارات لغوية مهمة منها: \- فتح باب الوضع للمحدثين بوسائله المعروفة من اشتقاق وتجّوز وارتجال. \- إطلاق القياس يشمل ما قيس من قبل وما لم يقس. \- تحرير السماع من قيود الزمان والمكان، ليشمل ما يسمع اليوم من طوائف المجتمع كالحداديين والنجّارين والبنائين وغيرهم من أرباب الصناعات والحرف. \- الاعتماد بالألفاظ المولّدة وتسويتها بالألفاظ المأثورة عن القدماء[^58^](#fn58){#fnref58.footnote-ref}. ويرى عبده الراجحي أن صناعة المعجم علم له مناهجه وأدواته، وهو يحظى الآن بعناية خاصّة في الأمم التي تحترم ذاتها وتحترم لغاتها، لما تعرفه من أهمية المعجم في تقدّم الأمّة وخاصة في عصر ثورة الاتصالات، ويكفي أن نعرف أن استعمال المعجم مهارة يجب أن يكون اكتسابها من الطفولة، ومن ثم نعرف الآن معاجم للأطفال، وأخرى للتلاميذ الصغار ومعاجم لطلاب مرحلة الثانوية، ثم نرى المكتبات زاخرة بأنواع لا تكاد تنحصر من المعجمات فضلا عن ظهور المعجم الالكتروني، الذي قد يفضي إلى ثروة في صناعة المعجم وفي استعماله، ونحن في العالم العربي، ننظر إلى ما يقدّمه الآخرون في بلاهة رائعة[^59^](#fn59){#fnref59.footnote-ref}. ظهرت المعاجم المتعددة اللّغات؛ من أجل الاتصال بين أمتين تختلف لغة كل واحدة منهما عن الأخرى، وهما يحتاجان إلى التعرّف على المفردات التي من شأنها المساعدة على الاتصال بينهما، لذلك كانت معاجم الترجمة أسبق في الظهور والنشأة. 1**- مفهوم المعجم متعدد اللغة:** وهو المعجم الذي تختلف فيه لغة الشرح عن لغة المدخل ويهتم بتقديم المعلومات عن اللغة المشروحة أكثر مما يهتم باللغة الشارحة، فإذا كان الشرح بلغة واحدة مختلفة فهو معجم ثنائي اللغة[^60^](#fn60){#fnref60.footnote-ref}. وهذا النوع من المعاجم ما يزال من أهّم الأنواع وألزمها لمقتضيات الحضارة مثال: معجم إنجليزي عربي، معجم فرنسي عربي\...الخ، وهناك معاجم ثنائية اللغة بشكل معاكس لما تقدّم؛ أيّ إنّها بترتيب الألفاظ في اللغة القومية، وإعطاء ما يقابلها في اللغة الأجنبية مثال: معجم عربي انجليزي، معجم عربي فرنسي، معجم عربي ألماني\....الخ[^61^](#fn61){#fnref61.footnote-ref}، وإذا كان الشرح بأكثر من لغة، فهو معجم متعدد اللغات وتعرف المعاجم الثنائية والمتعددة بمعاجم الترجمة. **2- نشأة المعجم متعدد اللغة:** لقد عرف المعجم الثنائي في العراق القديم، إذ جاء الساميون من جزيرة العرب في غضون الألف الثالث ق م، وأسسوا لهم حضارة ودولة ونظمًا اجتماعية، معظم عناصرها الأساس من حضارة السومريين، سكان العراق قبل الساميين، وكان مما أخذوه عنهم الدين والكتابة، فاضطروا إلى تعلّم اللغة السّومرية، وترجموا أساطيرها وشرائعها وآدابها إلى لغتهم الأكادية السامية، وهي عبارة عن ألواح من الفخار مقسّمة إلى أعمدة أوّلها للسومري، والثاني للعلامة المسمارية العامّة التي تعبّر عنه في اللغتين؛ لأنّ هذه العلامة كانت ذات قيمة دلالية لا صوتية، بقيت في الخط المسماري منذ أن كان هيروغليفيا )أي تصويريا( لا مقطعيًّا كما هو الشائع فيه بعد ذلك، وفي عمود ثالث يسجّل معنى ذلك باللغة السامية الأكادية ثم البابلية أو الآشورية. وقد وجدت من هذه الألواح نماذج قيّمة جدًّا في مكتبة الإمبراطور الآشوري[^62^](#fn62){#fnref62.footnote-ref}. وتلك كانت نشأة المعجم متعدد اللغات في جزيرة العرب. **3- المعجم الثنائي عند العرب قديمًا:** كان انتشار اللغة العربيّة في البلاد التي فتحها المسلمون سببًا في تدهور كثير من لغات هذه الشعوب، فخاف العلماء من أهل هذه اللغات عليها، فألفوا المعاجم التي تجمع بين العربيّة وبينها لصيانتها، وليفهمها الناس الذين غلبت على ألسنتهم العربيّة، فأثمرت هذه الحركة معاجم عربيّة فارسية، تذكر اللفظ العربي ومرادفه في الفارسية، فكان منها ما احتضن نظام الأبنية، وما احتضن نظام الرسائل اللغوية الصغيرة، وما احتضن النظام الألفبائي الهجائي، ثم ظهرت معاجم أخرى تضع مع العربية اللغة التركية، وهذه المعاجم العربيّة التركية كثيرة تكاد تقارب المعاجم الفارسية في العدد، مثل: كتاب الأرب في لغة الترك والعجم والعرب لأحمد بن محمد عربشاه ت 854 ه. وكان منهج هذه المعاجم مقصور على ذكر اللفظ في العربية ثم مرادفه في اللغة الأخرى، ومن الظواهر البارزة في هذه الحركة أنَّ كثيرا من المؤلفين ترجموا الصحاح للجوهري والقاموس المحيط للفيروز أبادي إلى لغتين الفارسية والتركية[^63^](#fn63){#fnref63.footnote-ref}. **4- المعجم الثنائي عند العرب حديثا:** تدفقت المعاجم الثنائية، وتعددت لغتها ما بين إنجليزية وفرنسية وألمانية وروسية من الغربيات، وفارسية وتركيّة من الشرقيات، وعبرية وسريانية من الساميات إلى جانب العربيّة، مثل معجم \"بارانوف\" الروسي العربي 1948 م، ومعجم \"القاموس الطبي\" فرنسي عربي، لمحمود رشدي البقلي 1868 م، ثم ظهرت معاجم أخرى على يد مجمع العربيّة بالقاهرة؛ حيث تصدى إلى تعريب مصطلحات العلوم والفنون المختلفة، فأخذ يجمع هذه المصطلحات الأجنبية، ويطبعها في رسائل صغيرة، لينشرها في العالم العربي، كما أسهم المستشرقون في هذا المجال بمثل معجم \"مدّ القاموس لإدوارد لاين (E. lane) 1876 ، الذي ترجم فيه \"تاج العروس\" للزبيدي مع حذف ما تكرر من ألفاظ في مواده، وهو من أشهر معاجم المستشرقين وأكثرها أمانةً، وأحراها بالتصديق والثقة[^64^](#fn64){#fnref64.footnote-ref}. وقد التزمت المعاجم الثنائية الحديثة بالتنبيه إلى بعض الأمور فيما تذكره من ألفاظ بالرمز فترمز إلى كونه مفردًا أو جمعًا أو مذكرا أو مؤنثُا، اسمُا أو فعلًا أو مصدرا أو صفة، وبعض أمور أخرى تختلف قلّة وكثرة من معجم إلى آخر، مثل الفعل اللازم والمتعدي إلى مفعول والى مفعولين، والمصدر الذي أخذت منه الكلمة وما شابه ذلك. إن الموضوع البيداغوجي للمعجم هو تسهيل التواصل اللساني، بملء النقائص المعرفية للقارئ، والمعجم المدرسي يشترك مع المعجم العام في هذا التعريف، إلا أنه يخص فئة دون غيرها، فيفرض هذا الاختصاص مجموعة من المميزات تجعله يختلف عن المعجم العام. تركّز تعريفات المعجم المدرسي على المدوّنة التي تستمد منها المداخل والمتمثلة في الكتب المدرسية، فالمعجم المدرسي مرتبط بالمدرسة وبالمنهاج الذي يدرس في مستوى معين[^65^](#fn65){#fnref65.footnote-ref}، لكن اقتصار المدوّنة على الكتب المدرسية قد يشكل إجحافا يمس بمصداقية المعجم؛ لخلوّه من الكثير من الألفاظ التي قد تصادف التلميذ في مطالعاته للقصص أو المجلات أو من خلال متابعته للبرامج التلفزيونية، فيفقد الثقة في المعجم حين لا يجد فيه ضالته، والهدف من تأليف المعجم المدرسي هو تلبية حاجات الطالب إلى معجم لغويّ يعينه على فهم معاني الكلمات التي تعرض له، ويساعده على ضبطها ويجنبه الزلل في استعمالها[^66^](#fn66){#fnref66.footnote-ref}؛ يعني أنّ مداخل المعجم المدرسي مستمدّة من الاستعمال الفعلي للغة التلميذ. إنَّ الفرق بين المعجمين الموجّه للناطقين باللغة العربية، وغير الناطقين بها، يحتمه الفرق بين نوعين من القراء هما: الناطقون بالعربيّة، وغير الناطقين بها، والاختلاف بين هذين النوعين من القراء، هو أوّلا من الناحية اللغوية إذ ألِف الناطقون بالعربية نظامها الصوتي والصرفي والإعرابي والدلالي، وأصبحت لهم سليقة تعينهم عل أدائها وتعصمهم من الرطانة، أمَّا غير الناطقين بالعربيّة فتجابههم صعوبة نطق الوحدات الصوتية التي لم تعتد على أدائها أعضاء النطق؛ لعدم وجودها في لغتهم ويخطئون في مواضع النّبر والتنغيم وثانيا من الناحية الحضارية، إذ إنَّ الحضارة العربيّة الإسلامية تختلف بدرجات متفاوتة عن حضارات غير الناطقين بالعربية من حيث مظاهرها الفكرية والمادية[^67^](#fn67){#fnref67.footnote-ref}. وذلك هو الاختلاف في الوجهين اللّغوي والحضاري بالنسبة للناطقين باللغة العربية وغير الناطقين بها. وهكذا يقع على المعجم الأحادي اللغة الموجّه لغير الناطقين باللغة العربيّة عبء أكبر مقارنة بالمعجم المخصص للناطقين باللغة العربية. **- المعجم الوسيط معجم الناطقين باللّغة العربية:** إنّ أهم ما تضمّنه مرسوم إنشاء المجمع اللّغوي القاهري سنة 1932، محافظته على سلامة اللّغة العربيّة، وجعلها وافيّة بمطالب العلوم والفنون في تقدمها، ملائمة لحاجات الحياة في العصر الحاضر. ولقد وكّل المجمع القاهري وضع المعجم الوسيط، إلى لجنة من أعضائه، بعد الاسترشاد بما أقرّه مجلس المجمع ومؤتمره، من ألفاظ حضاريّة مستحدثة، أو مصطلحات جديدة موضوعة أو منقولة، في مختلف العلوم والفنون، أو تعريفات علميّة دقيقة واضحة للأشياء. وتكوّنت اللّجنة من كبار اللّغويين في المجمع؛ لإنشاء المعجم الوسيط[^68^](#fn68){#fnref68.footnote-ref}، فقامت بتحديد منهجه ورسم معالمه الرّئيسة. ولم تلبث وزارة المعارف أن طلبت إلى المجمع سنة 1932 وضع هذا المعجم على خير صورة حديثة، فكان بلغة العصر وروحه، مع إحكام التّرتيب. **- خصائص المعجم من حيث الجمع والوضع**: إنّ كلّ معجم يخضع لجمع ووضع في تأليفه. و\"الجمع والوضع مصطلحان يشملان في مفهومهما المسائل المتصلة بالمدوّنة المعجمية؛ أي الرصيد اللّغوي المتجمّع للمؤلف المعجمي وبالمنهج الذي يُعتمد في تخريج ذلك الرصيد\"[^69^](#fn69){#fnref69.footnote-ref} والجمع باعتباره قائما على مدوّنة، هو مجموع المصادر التي يعتمدها المعجمي لجمع مادة قاموسه، وعلى ضوئها يتحدد موقفه من المستويات اللّغوية التي يختار أن يدرجها ضمن المُدَوّنة. أمّا الوضع فقائم على الترتيب والتعريف. **أ- خصائص المعجم الوسيط من حيث الوضع:** اشتمل المعجم الوسيط على نحو ثلاثين ألف لفظة، وست مئة رسم، ووقع فيه بابان مهمان: باب الوضع للألفاظ، وباب القياس فيما لم يسجّل فيه قياس، كلّ ذلك اشتمل عليه تصدير الطّبعة الأولى سنة 1960، أما تصدير الطّبعة الثانيّة فذكر أنّ اللّجنة تتبعت بعض ما تركته الطّبعة الأولى من الألفاظ وفروعها، ومن بعض الشروح والتّفسيرات، وبعض الضوابط في صيغ الأفعال. وأضافت إلى المعجم طائفة كبيرة من أمهات المصطلحات العلميّة وألفاظ الحضارة، وراجعت تعريفات المصطلحات العلميّة، وزادتها دقة وإحكاما واستكملت الشواهد القرآنيّة. وينوّه تصدير الطّبعة الثّالثة بعنايّة اللّجنة، بمراجعة التّعريفات العلميّة وجعلها أكثر دقة وسدادا، وعُني فيها بوضوح الصّياغة للألفاظ، كما عُني بالرّسوم لتطابق الواقع المطلوب. والطّبعة الرّابعة والأخيرة للمعجم الوسيط، هي نفسها الطّبعة الثّالثة للمعجم[^70^](#fn70){#fnref70.footnote-ref} في ثوبها الجديد وبدون ريب زوّدته لجانه في الطّبعات الثّلاثة السّابقة بزاد لغوي وافر، ومن أهم ما تتميز به، أنها جاءت في مجلد واحد تيسيرا على مستعمليه، ملوّنة المداخل، مسايرة لتطور أنظمة الطّباعة في عصر الحوسبة. وهذه صورة لغلاف المعجم الوسيط: ![](media/image2.png) ونجد أنّه تهيّأ لهذا المعجم الوسيط، ما لم يتهيأ لغيره من وسائل التّجديد، واجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره من خصائص ومزايا، حيث تم إهمال الكثير من الألفاظ الوحشيّة الجافيّة أو التّي هجرها الاستعمال لعدم الحاجة إليها، كذلك أغفلت بعض المترادفات التّي تنشأ عن اختلاف اللّهجات، وتمّ الاعتناء بإثبات الحي السّهل المأنوس من الكلمات والصّيغ، وبخاصة ما يشعر الطّالب والمترجم بحاجة إليه، مع مراعاة الدّقة والوضوح في شرح الألفاظ أو تعريفها. وقد تمّ الاستعانة في شرح ألفاظ هذا المعجم بالنّصوص والمعاجم التّي يعتمد عليها وتعزيزه بالاستشهاد بالآيات القرآنيّة، والأحاديث النّبويّة، والأمثال العربيّة، والتّراكيب البلاغيّة المأثورة عن فصحاء الكتاب والشعراء، وتضمين المعجم ما يحتاج إليه من صور مختلفة، كما تمّ إدخال الألفاظ المولّدة أو المحدثة، أو المعرّبة والدّخيلة، التّي أقرّها المجمع وارتضاها الأدباء، وجرت بها أقلامهم، وجرى ترتيب مواد المعجم، كما هو المتعارف، وفقاً للترتيب الأبجدي الألفبائي. **- خصائص المعجم الوسيط من حيث الوضع:** إنّ المقاربة التي اعتمدت في ترتيب المداخل المعجمية في المعجم الوسيط، هي المقاربة الزمانية بدليل أنّ المداخل جاءت مرتّبة على أنها مشترك دلالي؛ بمعنى أن تدرج المداخل الفرعية تحت المدخل الرئيس، وليست منفصلة عنه، وجاء ترتيب المداخل الفرعية ترتيبا منطقيا؛ حيث بدأ بالفعل المجرّد بصيغه المختلفة (فعَل، فعُل، فعِل) وبعدها المزيد، وفي ترتيب المعاني يأخذ المعاني الحسّية ثمّ العقلية، والمعاني الحقيقية ثمّ المعاني المجازية وتظهر عبقرية هذا المعجم في هندسة المادة المعجمية، وفي بنية النص المعجمي، الذي نجد فيه مراعاة التسلسل المنطقي في الترتيب، وكذا مراعاة الجمهور والفئة التي يُوجّه إليها المعجم؛ لأنّه دقّق في الأخذ بالجوانب الدلالية في ترتيب المداخل الفرعية. والمعجم الوسيط من وضع مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، وهذا الأخير من أكثر المجامع اهتماما بمناهج تطوير العربيّة، فنجد انفتاح المعجم على الألفاظ العامة والاصطلاحات الطّارئة على العلوم والفنون المختلفة في العصر الحديث، إضافة إلى الألفاظ الأعجميّة والمولّدة[^71^](#fn71){#fnref71.footnote-ref}؛ فهو عمل حديث متفرد في مجاله. ولقد اعتمدت بعض الرّموز في المعجم الوسيط، والتّي نجدها واردة في الملحق وهي:- ج: لبيان الجمع؛ \- مو: مولّد (لفظ استعمل قديما بعد عصر الرّوايّة)؛ \- مع: معرّب (لفظ أعجمي غيّرت العرب لفظه)؛ \- د: دخيل (لفظ أجنبي دخل العربيّة دون تغيير)؛ \- مج: مجمعي (للفظ الذي أقرّه المجمع)؛ \- محدثة: لفظ استعمله المحدثون في العصر الحديث، وشاع في حياة العامة. تعددت المعاجم اللّغوية العربية والأجنبية لتعدّد أهدافها وتنوع فئاتها، فمن معجم موجّه للمثقفين، إلى آخر موجّه للمتعلمين من أبناء اللغة، أو غيرهم من الناطقين باللغات الأخرى. وكان السائد لدى المعجميّين العرب وغيرهم، اعتماد المعاجم الثنائية أو المتعددة اللغة، في تلبية حاجات غير الناطقين الأصليين باللغة، ولكن خليل الجر يؤلّف معجما عربيا حديثا موجّه لكلّ من يريد تعلّم العربية، من أبنائها أو من الأجانب. 1**- ماذا نتوخى في صناعة معجم الناطقين بغير اللغة العربية:** لقد بدأت فكرة صنع معجم عربي خاص لغير الناطقين بالعربية بشكل جدّي، حين انتبه العلماء للانتشار السريع الذي تحظى به اللغة العربية حاليا، بوصفها لغة عالمية وأدركوا أنّه من الصعب تصنيف معاجم عربية ثنائية اللّغة؛ لمساعدة المتعلمين على اختلاف لغاتهم وتنوع مستوياتهم، فاقترحوا تصنيف معجم عربي أحادي اللغة، يخدم الناطقين بغير العربية ويضع حاجاتهم وقدراتهم في الحسبان. وأكّد علي القاسمي \"أنّ هناك فرقا أساسا بين المعجم العربي المخصّص للناطقين باللغة العربية، والمعجم العربي المخصّص للناطقين باللغات الأخرى، من حيث الهدف والمحتوى وأسلوب عرض المادة اللّغوية\... وإنّ المعاجم العربية قديمها وحديثها، لا تصلح لخدمة هذا النوع من مستعملي المعجم\"[^72^](#fn72){#fnref72.footnote-ref}؛ وهذا لاختلاف الجانب اللّغوي والحضاري لدى كلّ من الناطقين باللّغة العربية والناطقين باللّغات الأخرى. **2- لاروس المعجم العربي الحديث معجم مدرسي لغير الناطقين بالعربية :** ألّف خليل الجر (لاروس المعجم العربي الحديث) سنة 1973 وأخرجته دار لاروس في 1307 صفحة وفي طباعة جد أنيقة، بعمودين في كل صفحة، يشتمل على 53500 كلمة مشروحة، و3525 رسما، و16لوحة ملونة، موجّه لفئة المتعلمين من أبناء العرب، ولأبناء غير العرب[^73^](#fn73){#fnref73.footnote-ref}. وهذه صورة لغلاف المعجم الذي ألّفه خليل الجر: **3- خصائص لاروس المعجم العربي الحديث من حيث الجمع**: من الأسس المتحكّمة في مفهوم الجمع وطبيعته، وعي المعجمي برسالة القاموس من خلال تكييف خطابه بحسب المتلقين، وأهم المسائل المتصلة بالجمع هي المصادر التي يعتمدها المعجمي في جمع مدوّنته، وثانيتها هي المستويات اللّغوية. يقول خليل الجر في مقدمة معجمه، حول المصادر التي اعتمدها لجمع مدوّنته: \"سنوات طويلة قضيناها في كتب اللغة، والمعاجم القديمة والحديثة، والمعاجم الخاصة بالنباتات والحيوانات، والفلك والرياضيات والعلوم المختلفة، وفي المجلات والمصنفات العلمية، في مختلف الأقطار العربية، حتى اجتمعت لديّ عشرات الألوف من البطاقات\"[^74^](#fn74){#fnref74.footnote-ref} ومنها يختار المصطلحات الأكثر استعمالا، مع تعريفاتها العلمية، مفضلا في ذلك، ما كان من أصل عربي على الدخيل، كما أنّ هناك أمورا حاول خليل الجر مراعاتها في معجمه، ومنها نذكر[^75^](#fn75){#fnref75.footnote-ref}: \- حذف الألفاظ النابية التي سقطت من الاستعمال، إلا إذا كانت واردة عند مشاهير الكتاب، والشعراء الأقدمين، ولابد من فهم معانيها لفهم آثارهم. \- إثبات الكلمات الجديدة المستعملة في مختلف فروع العلوم الحديثة من فلسفة، وعلم نفس، واقتصاد، وحقوق، ورياضيات، وكيمياء، وطب، وفلك، سواء كانت هذه الكلمات من أصل عربي\...أو كانت دخيلة أو معربة كالرادار والسينما والتلفزيون والبارومتر وغيرها. وعن المستويات اللّغوية في معجم لاروس العربي، فقد برز التصنيف اللغوي في التعليقات والمصطلحات التي كان يلحقها خليل الجر باللفظة داخل المادة المعجمية لتدلّ على درجة اللفظة من الفصاحة، وعلى تصنيفها اللغوي من حيث الشيوع (شاذ، نادر أو ضعيف) أو درجة الفصاحة (عامي، مولّد أو غريب) أو من حيث النوع (عربي أو دخيل) وهذه أمثلة توضيحية من معجمه: \- الأكار (جمع شاذ)، الأنصف (شاذ لبنائه من المزيد) \- اتّخم (الأصل نادر)، الجُماني (من نوادر النسب) \- البارومتر، التلفزيون (معرب) \- الخريطة، الزراعة، العائلة (مولّد) \- الاحتمال، الاختلاس (محدث) \- الأدونيس، الأرغول (دخيل) \- البارودة، الشنب (عامي) وبذلك نجد أنّ هذا المعجم يسعى إلى وصف العربية الحديثة؛ قصد تيسير استخدام القاموس، وجعله فعلا أداة مطواعة للمتعلّم والباحث والمستفيد عامة. **4- خصائص المعجم العربي الأساسي من حيث الوضع**: يقوم الوضع على التعريف والترتيب في المعجم. **أ-التعريف في لاروس المعجم العربي الحديث:** يجب أن تشتمل مقدمة المعجم على المعلومات اللّغوية (الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية\...) التي تُعين مستخدم المعجم، ونشير إلى هذه المعلومات أو الجوانب كما وردت في معجم خليل الجر: \- الجانب الصوتي: أفرد المؤلف صفحات في بداية المعجم، تحدث فيها عن كتابة الهمزة، ومعالجة أحرف العلة بالحذف أو القلب أو التسكين؛ ليتسنى لمستخدم هذا المعجم الوصول إلى مبتغاه بيسر وسهولة، وقام بضبط الكلمات بالشكل التام، بوضع الحركات على أحرف المدخل المعجمي، وذلك مثل: أرز- الأرْزُ- الأرُزُ- الأرُزِ. ونقترح في هذا الجانب أن يضاف التسجيل الصوتي لهذا المعجم، يكون على شكل قرص مضغوط يرفق بالمعجم الورقي، أو الإلكتروني \"رغم أنّ اللغة العربية يعبّر فيها المكتوب عن كلّ منطوق، بفضل حركاتها\"[^76^](#fn76){#fnref76.footnote-ref}، إلاّ أنّ الناطق بغير العربية يحتاج إلى تسجيلها صوتيا؛ لمعرفة كيفية النطق بأصواتها. \- الجانب الصرفي: جاءت مداخل المعجم مرتبة ترتيبا نطقيا، فلم تحفل بترتيب المشتقات من ناحية صرفية، كما في الترتيب الجذري، أين تجتمع شمل العائلة اللفظية في مدخل واحد، واستخدم الترتيب حسب النطق، سواء كانت الكلمة فعلا مزيدا أم مجردا، اسما ثلاثيا أم رباعيا\... \- الجانب المعنوي: نجد خلطا في ترتيب معاني مواد المعجم؛ وهذا لاعتماد الترتيب النطقي، إذ وقع عدم التمييز بين المعاني المحسوسة والمجردة، وكذا الحقيقية والمجازية، والأجدر أن يبدأ المعجمي بالمعاني الحسية ثمّ التجريدية، ويقدّم المعاني الحقيقية عن المجازية؛ وذلك لغرض تعليمي، إذ إنّ الانسان بطبعه يتعلّم أوّلا الأشياء المحسوسة ثمّ المجردة. ولقد أكثر خليل الجر من الشواهد، والأمثلة في تعريف الكلمات، لكنه حشر كثيرا من الكلمات نادرة الاستعمال، والمهجورة بحجة ورودها في نصوص الكتاب، والشعراء الأقدمين مثل حذلوم، الحراجل[^77^](#fn77){#fnref77.footnote-ref}، مع أنه أشار إلى اعتماد اللفظ المستعمل الشائع. **ب- الترتيب في لاروس المعجم العربي الحديث**: يعتبر الترتيب الجذري \"أفضل ترتيب مناسب للغات الاشتقاقية كاللغة العربية، وتتمثل فائدته في تجميع شمل العائلة اللفظية في مدخل واحد، مما يجعل التعريفات أقصر وأيسر على الفهم\"[^78^](#fn78){#fnref78.footnote-ref}؛ يعني أنّه يساعد على توضيح العلاقات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية بين مفردات الحقل الاشتقاقي الواحد، مما يساعد المستعمل على فهم المعلومات وتذكرها. ولقد اعتمد الجر المنهج النطقي في ترتيب كلمات معجمه، وهي الطريقة التي تتبعها المعاجم في اللغات الحديثة الأخرى، وادعى في مقدمة معجمه بأنه أول من حاول تطبيق هذا المنهج في العالم العربي، وأنه قد أعلن عن هذا التنسيق منذ عام 1955 وأسهم في تحرير القسم اللغوي منه محمد خليل الباشا وهاني أبو مصلح، وأعاد النظر فيه محمد الشايب[^79^](#fn79){#fnref79.footnote-ref}. والدافع الذي جعل المؤلف يعتمد منهج الترتيب الألفبائي النطقي، في ترتيب مواد معجمه، ليس لأنه من الذين تأثروا بالمعجميين الغربيين، الذين يرتبون معجماتهم حسب نطقها، وإنما من أجل تيسير استعمال المعجم من قبل المتعلمين العرب وغير العرب. ويرى الحاج صالح أنّ للترتيب الألفبائي \" جانب إيجابي وجانب سلبي، أمّا الجانب الإيجابي فيظهر جليا في سهولة العثور على المفردة، وخاصة بالنسبة للتلاميذ الذين لم يكتسبوا بعد المعارف الكافية في قواعد الاشتقاق والتصريف، ولا بأس في وضع ذلك للأطفال، وكلّ من يريد تعلّم العربية ( من الأجانب وغيرهم) للتسهيل عليهم في استعمال المعجم في وقت مبكر، إلاّ أنّ مثل هذه المعجمات إذا عممت فستشوّه العربية، وتعرقل إلى حد بعيد التعمق في معرفة معجمها، لأنّ العربية بنيت مفرداتها المتصرفة على أصول وصيغ\"[^80^](#fn80){#fnref80.footnote-ref}. وللحد من التشوه الذي سيصيب المعجمات لاعتمادها هذا الترتيب الألفبائي، نقترح وضع الجذر الذي اشتق منه المدخل بين قوسين، أو أن يوضع مدخلين اثنين للكلمات التي يصعب على المتعلّم معرفة أصولها، ومثل ذلك كلمة: \- ميناء\-- ونى (داخل جذرها) \- ميناء--- حرف الميم (حسب نطقها) \- مسافة--- سوف (داخل جذرها) \- مسافة--- حرف الميم (حسب نطقها) ويحيل كلّ مدخل إلى الآخر، وشرح اللفظة في المدخل الأوّل الذي ترد فيه، وهذا ليتيسر للمتعلّم البحث في هذا المعجم؛ والأجنبي خاصة لعدم تمكنه من قواعد الاشتقاق والتصريف، على العكس عند المتعلّم العربي. وبذلك نخلص إلى أنّ ركني الجمع والوضع في المعجم ، يبيّن لنا السعي إلى تغطية ما يبدو ضروريا من الاستعمالات اللّغوية قديمها وحديثها؛ وذلك خدمة للناطقين بالعربية ولغير الناطقين بها. إنَّ المعجم ليس قضية لغوية بحتة، ولكنه معبّر أيضا عن المعيار الثقافي السائد، إذ انقضى الزمن الذي كان فيه العمل المعجمي عبارة عن تلخيص لمعجمات سابقة. ولقد أسهم التطور التقني مع نمو الدراسات المعجميّة وتطورها، في اكساب هذا اللون من العمل اللغوي فضاءات جديدة وأساليب حديثة، تسهم بفاعلية في نشر المعرفة.[^81^](#fn81){#fnref81.footnote-ref} **1- قيمة المعاجم القديمة**: على الرغم مما فعل اللغويون القدامى مشكورين، من بذلهم الجهود السخيّة في الجمع، لا نستطيع الادعاء بأنهم جمعوا فأوعوا، ولم يتركوا شاردة ولا واردة فلازال العلماء المحدثون يعثرون فيما كشفوا عنه من دواوين ومجاميع ومختارات شعرية على ما لم يدوّنه اللغويون فيستدركون عليهم. إن الصورة المثلى للمعجم عند العرب هي المعجم الذي يلتزم بالترتيب الألف بائي بحروف الهجاء الأصول، يطبقها على الكلمات وفق صورتها الطبيعية، ومن أوائلها إلى أواخرها تدريجيا، وهو المعجم الذي يفصل بين المعاني المختلفة لكل مادة، ويورد الصيغ في مواضع محددة لا تعدوها، وهو المعجم الذي يضبط فيسهّل على الصغير القراءة كما تسهل على الكبير[^82^](#fn82){#fnref82.footnote-ref}، فهذه هي الصورة المثلى للمعجم العربي، وقد اقتربت منها معاجم وابتعدت عنها معاجم أخرى. **2- آفاق المعجم العربي**: إنّ المعجم عبارة عن ألفاظ وشرح لتلك الألفاظ وترتيب لها، ولذلك نوجه نظرة فاحصة الى كل نوع من الأنواع التي يتكون منها المعجم ليخرج في صورة حيّة. **أ - المفردات**: لقد كثر الكلام حول الفصيح، وتحديد أمده، وقد اتّجه مجمع اللغة العربيّة إلى تحديد أمده بالعصر الجاهلي إلى نهاية العصر العباسي الأوّل، وما وجد بعد هذه الفترة نتيجة تطور علمي ولغوي، فهو إمّا مولّد، واما معّرب من لغات أجنبية، وأنّه لا يجدر أن يحوي المعجم المأمول والجديد كلّ أصناف المفردات، مع وضع إشارات تميّز كّل صنف منها، حتى لا يضلّ الناشئ في تمييز أنواع المفردات. **ب- الشرح:** إنّ من يطّلع على المعاجم يجد في شروحها للمفردات أحيانا غموضا وابهاما، وليس هذا هو المقصود منها؛ لأنها وجدت لإزالة اللبس وكشف الغموض، ولذلك فإنه يجوز عند شرح الألفاظ مراعاة توضيحها توضيحا قويًّا، يدفع لُبسها، ويزيل غموضها ويحقّق الغرض من هذا المعجم. **ج - الترتيب**: مرّت مراحل تطور المعجم العربي بطرق ثلاث في ترتيبه، فقد بدأ في الترتيب الصوتي المخرجي، ثم بترتيب القافية، ثم بترتيب ألفبائي هجائي، إلاّ أنّه يكتنفه جميعاً صعوبة البحث؛ لاحتياج الإنسان إلى دراسة التصريف ليقف على التعقيدات التي حلت بالكلمة ليتمكن من الرجوع إليها، فكلمة )ميزان) إن لم يعرف أنّ الياء منقلبة عن واو، فلن يصل إلى مكانها في المعجم، حملا على المضارع، ولن يتمكن من الوقوف على مكانها. وكذلك ما لم يعرف الأصول، ومُميزها من الزوائد، فإنّه يبقى في مهمته يضّل سالكها، فمن هنا كانت الصعوبة مكتنفة للمعاجم[^83^](#fn83){#fnref83.footnote-ref}؛ ونظرا لوجود نقائص في المعاجم السابقة، سواء من حيث المصادر التي تعتمدها في مدونة المعجم، أومن حيث المعلومات التي ترفق المدخل داخل المعجم، من معلومات صوتية وصرفية ونحوية ودلالية، ولا ذكر لأصل المدخل - بسبب الافتقار للمعجم التاريخي- وكذلك عدم وجود تحديث لمعلومات المعجم، وإنشاء طبعات جديدة منقحة، فإنه يجب وضع معاجم وظيفية، كما يجب أن تتناسب وروح العصر من حيث الألفاظ والترتيب. ومع ظهور عصر التّكنولوجيا وما جاءت به للبشريّة، أصبح الباحث اليوم لا يستغني عن الوسائل التقنيّة الحديثة، لما قدّمته وتقدّمه من معلومات في وقت وجيز، ومن بين هذه الوسائل الحاسوب، الذي انكبّ الباحثون بمختلف توجّهاتهم العلميّة على استخدامه، ولم يكن حكرا على مجال دون آخر، وحتّى اللّغة استفادت من الحاسوب في كونه يحفظ مفرداتها لاكتسابه طاقة استيعاب مذهلة، وفي هذا الصّدد يقول عبد الرحمان الحاج صالح\" إنّ كل المعجميين\...أيقنوا بضرورة اللّجوء إلى الوسائل التّقنيّة الحديثة، والاِستعانة بها؛ لأنّهم عرفوا أنّ الحواسيب تقوم بالعمل المتقن، وفي وقت وجيز، ما تقوم به العشرات من الفرق في أشهر أوفي سنوات\"[^84^](#fn84){#fnref84.footnote-ref}. وبذلك يؤكّد عبد الرحمان الحاج صالح أهميّة استخدام الحاسوب وبرامجه الذي أدّى إلى ظهور عدّة تطبيقات لغويّة حاسوبيّة أهّمّها المعاجم الإلكترونيّة. **3- المعجم الإلكتروني:** يمثّل المعجم الإلكتروني مظهرا من المظاهر البارزة للمعالجة الآلية للّغات؛ لأنّها تسهّل على المستخدم البحث عمّا يحتاجه من معلومات؛ وبذلك يعرف عند أهل الاختصاص بأنّه \"قاعدة بيانات آلية تقنيّة للوحدات اللّغويّة وما تعلّق بها من معلومات من قبيل كيفيّات النّطق بها، وأصولها الصّرفيّة ومحاملها الدّلاليّة، وكيفيّات استخدامها ومفاهيمها المخصوصة التي تحفظ بنظام معيّن في ذاكرة تخزين ذات سعة كبيرة\...\"[^85^](#fn85){#fnref85.footnote-ref} أي إنّ المعجم الإلكتروني من أهمّ التّطبيقات الحديثة التي استفادت من برامج الحاسوب. إنّ المعجم الإلكتروني لا يتقيّد بحجم معيّن؛ لأنّه يحمل طاقة تخزين واسعة، كما يوفّر للمستخدم حرّيّة البحث عن المعلومة التي يريد الوصول إليها، إضافة إلى ذلك فهو يتميّز بالدّقة والسّرعة والشّموليّة، كذلك يسمح هذا النوع من المعاجم بتعديل مواده بالإضافة أو الحذف، واحتوائه على عدّة تطبيقات لغويّة يستفيد منها الباحث، كما يملك ميزة خاصّة تتمثّل في اعتماده على الوسائل الحاسوبيّة الحديثة، مثل: أصوات وصور ثابتة ومتحرّكة، وأفلام الفيديو لعرض المعارف[^86^](#fn86){#fnref86.footnote-ref}، فحظي المعجم الإلكتروني بمكانة هامّة من حيث الاستعانة به لِما يوفّره من نتائج إيجابيّة؛ فهو يساعد غير النّاطقين بلغة ما، على معرفة كيفيّة نطق الكلمات، ويُعين الباحثين على الحصول على نتائج البحث في وقت وجيز، فالمعاجم الإلكترونيّة ذات الإمكانيّات المتطوّرة أسّست لتسهّل على الطلبة والباحثين عمليّة بحثهم، وتساعدهم على التّعلّم دون بذل جهد، ووقت كبيرين. ويتبيّن لنا أنّ الحاسوب قدّم إمكانيّات ضخمة للعمل المعجمي، ودفع به إلى آفاق بعيدة لم تكن متاحة له من قبل[^87^](#fn87){#fnref87.footnote-ref}. وهذه الجوانب الجديدة في المعجم المعاصر، الغرض منها هو تحقيق ما هو وظيفي؛ أي وظيفة إكساب المتعلّم القدرة على التعبير أو الإنشاء، ووظيفة اطلاعه على الجوا?