الوحدة الخامسة النظام الاجتماعي في الإسلام PDF
Document Details
Uploaded by SlickAzurite
جامعة الزرقاء - كلية الشريعة
Tags
Summary
This document is a lecture from a course on the Islamic social system. It explores the necessity of social order in human society and discusses the foundations and characteristics of the Islamic social system, including aspects like family, marriage, and the importance of good conduct. It highlights concepts such as brotherhood, justice, and the prohibition of tribalism and prejudice.
Full Transcript
# الوحدة الخامسة النظام الاجتماعي في الإسلام ## المحاضرة التاسعة عشرة ### ضرورة النظام الاجتماعي وأساسه #### أولاً: النظام الاجتماعي ضرورة إنسانية: - أشار العلامة ابن خلدون في مقدمته أن الاجتماع الإنساني ضروري وهو ما يعبر عنه بقول بعضهم: الإنسان مدني بالطبع، ومعنى ذلك أن المجتمع ضروري للإنسان، و...
# الوحدة الخامسة النظام الاجتماعي في الإسلام ## المحاضرة التاسعة عشرة ### ضرورة النظام الاجتماعي وأساسه #### أولاً: النظام الاجتماعي ضرورة إنسانية: - أشار العلامة ابن خلدون في مقدمته أن الاجتماع الإنساني ضروري وهو ما يعبر عنه بقول بعضهم: الإنسان مدني بالطبع، ومعنى ذلك أن المجتمع ضروري للإنسان، وهو ما يؤيده الواقع، فالإنسان يولد في المجتمع ويعيش فيه ويموت. - إذا كان المجتمع ضرورياً للإنسان ولا بد من وجوده، فإن النظام - على أي نحو كان - ضروري للمجتمع، لا يتصور وجوده بدونه، لأن الأفراد لا يمكنهم العيش بحرية مطلقة داخل المجتمع، وإلا كان في ذلك هلاكهم، أو اضطراب حياتهم وانقلاب مجتمعهم إلى مجتمع حيوانات كالذي نشاهده في الغابات. - لهذا كان لا بد من نظام للمجتمع يتضمن الحدود، التي يجب أن يقف عندها الجميع، والضوابط العامة التي يجب أن يلتزموا بها في سلوكهم حتى يستطيعوا العيش بأمان واستقرار. - وإذا كان لكل مجتمع نظام على نحو ما، فإن هذا النظام لا بد له من أساس، وأصول، وأفكار يرتضيها المجتمع، ويقوم عليها نظامه، الذي يسير بموجبه والنظام يكون صالحاً، أو فاسداً ، تبعاً لصلاح أساسه، وأصوله، وأفكاره، التي يقوم عليها، الفرع يتبع الأصل في الصلاح والفساد. - وإذا كان نظام المجتمع قد يكون صالحاً أو فاسداً، فإن صلاحه وفساده ينعكس على أفراده ويتأثرون به ويتحملون تبعاته فيسعدون به أو يشقون.. ## المحاضرة العشرون ### أسس النظام الاجتماعي الإسلامي #### أولاً: الأخوة الإيمانية: - يعتبر الإسلام المؤمنين بالعقيدة الإسلامية إخوة في الدين، قال تعالى: *إنما المؤمنون (أخوة)* وفي الحديث الشريف *(( المسلم أخو المسلم))*. والإخوة الإيمانية أعظم الروابط بين المسلمين، وعلى أساسها تكون الموالاة، وقد يشترك المسلم مع أخيه المسلم بروابط أخرى كرابطة النسب أو الإقليم، وهذه الروابط غير مغفلة ولا مرفوضة في الإسلام، ولكن بشرط أن لا تحمل شيئا من الباطل، وأن لا تعلو على رابطة الإيمان ومستلزماتها . - لغير المسلم حق المواطنة الكاملة والرابطة الإيمانية لا تقتضي اضطهاد غير المسلمين أو إيذائهم، فقد قلنا : إن الإسلام يقبل في عضوية المجتمع الإسلامي غير المسلم ويأمر بحمايته، فإذا فات غير المسلم رابطة الإيمان وإخوة الدين، فلن تفوته حماية المسلمين، وعدل الإسلام، وبر المجتمع الإسلامي، فقال تعالى: *﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَتَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وقال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ تُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )* وقال صلى الله عليه وسلم *ألا) من ظلم معاهداً أو انتقضه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا خصمه يوم القيامة))*. - ثانيا: التناصر بالحق لا بالعصبية : - المقصود بالعصبية التناصر بالحق وبالباطل لاشتراك المتناصرين بالنسب أي نسب القبيلة أو السلالة أو الأسرة، وكان هذا المفهوم للعصبية هو الشائع عند العرب قبل الإسلام، فكان أفراد القبيلة ينصر بعضهم بعضا في الحق وفي الباطل، لانتسابهم إلى قبيلة واحدة. - وقد أنكر الإسلام هذه العصبية، وأمر بنبذها، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: *(( ليس منا من دعا إلى العصبية وليس منا من مات على عصبية)).* وقال عليه الصلاة والسلام عن العصبية: *((دعوها فإنها منتنة)).* - وبعد أن كان شعار الجاهلية: **انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً**, بمعنى كن بجانبه في الحالتين، أصبح الشعار في الإسلام **النصر أخاك ظالماً - بأن تمنعه عن الظلم - أو مظلوماً بأن تقف بجانبه ضد ظالمه ..** - وذم العصبية في الإسلام لا يقف عند حد العصبية على أساس المشاركة في القبلية أو الجنس، وإنما تتعداها إلى كل عصبية قائمة على سبب آخر، ما دام جوهر العصبية موجودا ، وهو نصرة الغير بالباطل بسبب هذه المشاركة. - وعلى هذا فانتصار أصحاب الإقليم الواحد أو الحرفة الواحدة، أو المذهب الواحد، بعضهم لبعض في الباطل هو من العصبية المقيتة. - إن خلو المجتمع الإسلامي من العصبية بأنواعها يقلل فرص الاعتداء والظلم والبغي، ويساعد على شد الأفراد إلى معاني الحق والعدل وفي هذا كله خير للمجتمع ولأفراده. - ثالثا: التفاضل بالتقوى المساواة : - وبزوال العصبية تزول نتائجها ، ومنها التفاخر بالأحساب والأنساب والعظام البالية... فليس مجرد انتساب الفرد إلى قبيلة معينة، وإنما المعقول أن يقدر فضل الإنسان بقدر ما تحمله نفسه من فضائل وأخلاق كريمة وبقدر ما يقدمه من صالح الأعمال. وهذا كله يحققه تقوى الله، وأما الانتساب إلى القبائل فهو للتعارف فقط كانتسابه إلى بلدة معينة أو حرفة معينة أو بيت معين أو تسميته باسم معين، فكل هذا الأسماء يقصد بها التعارف وما يترتب عليه من تعاون أو لتعريف بعضهم ببعض.. - تكاليف، قال تعالى في كتابه العزيز: *يَأْسَى النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ * (الحجرات (13). - وبهذا الميزان الدقيق العادل لمعرفة أقدار الناس وفضلهم أصبح المجال واسعاً للتنافس في الخير وبلوغ المنزلة العالية التي يطمح إليها الإنسان، فلا يمنعه منها مانع من فقر أو لون أو ذكورة أو أنوثة أو خسة نسب، أو دمامة خلقة، أو ضعف، كما لا يرفع الإنسان إذا فاتته التقوى - شرف نسبه، أو كثرة ماله، أو سعة سلطانه، أو كثرة ولده أو كثرة أتباعه، أو جمال صورته. وقد أشار الرسول الكريم إلى هذه الأمور بقوله الموجز البليغ ) *من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه))* وذكر النسب إشارة أو فصاحة لسانه، إلى غيره من الأشياء التي لا علاقة لها في تقيم الشخص معرفة مقدار فضله. ## المحاضرة الحادية والعشرون #### خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام ##### مراعاة الأخلاق: - للأخلاق منزلة رفيعة جداً في الإسلام، ولها آثار ظاهرة في مختلف أنظمته، ومنها النظام الاجتماعي، فهذا النظام يمتاز بحرصه الشديد على طهارة المجتمع ونظافته من القبائح والرذائل، فالزنى محرم وعقوبته الجلد والتغريب أو الجرم، و القذف - وهو رمي الغير بالزنى - محرم وعقوبته الجلد لئلا تعتاد الألسنة على هذا القول البذيء فتألفه، وفي هذا تلويث للمجتمع وتسهيل لوقوع الفاحشة. - ولهذا كان عقابه غليظاً ولكنه عادل ويتفق ورعاية الأخلاق الفاضلة، وبذاءة اللسان مثل السباب والشتم محظورة في الإسلام وعقوبته التغرير، والقمار بأنواعه محرم في شرع الإسلام ولا يقره المجتمع الإسلامي، وشهادة الزور من الكبائر في الإسلام والتجسس والغيبة والنميمة وكل ما يوقع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع منكرات لا يقبلها النظام الاجتماعي في الإسلام. - والمعاملات يجب أن تقوم على الطهر وحسن النية والأمانة فلا يجوز الخداع والتضليل والغش والكذب في أية معاملة بين الناس. - والمنكرات لا يجوز إقرارها في المجتمع أبداً لأنها كالجراثيم إن بقيت انتشرت وصارت كالوباء، ولهذا يشدد الإسلام النكير على من يظهر هذه المنكرات أو يتكلم بها إذا جره الشيطان إليها ويجعل إعلانها والتحدث بها جريمة ثانية فقد جاء في الحديث *((أيها الناس من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات فاستتر فهو في ستر الله، ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد)).* ## المحاضرة الثانية والعشرون #### العناية بالأسرة - الأسرة هي كيان المجتمع لأن من مجموعها يتكون المجتمع، فهي بالنسبة له كالخلية لبدن الإنسان، ويترتب على ذلك أن الأسرة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع ولهذا اعتنى النظام الاجتماعي الإسلامي بالأسرة عناية كبيرة تظهر في الأحكام الكثيرة بشأنها، وأكثر هذه الأحكام وردت بها آيات في القرآن الكريم يتعبد المسلمون بتلاوتها في صلاتهم وفي خارج صلاتهم، فضلاً عن الأحاديث النبوية الكريمة الواردة في موضوع الأسرة. - وليس من شأننا هنا أن نفصل بين القول في أحكام الأسرة، فهذا أمر يطول ولا تتسع له دراستنا ولا هو مطلوبنا ، وإنما يكفينا أن نشير إلى معالم التنظيم الإسلامي في موضوع الأسرة وهو من صميم النظام الاجتماعي في الإسلام. #### أ. الزواج : - الزواج هو السبيل الطبيعي لتكوين الأسرة وبقاء الجنس البشري، وقد رغب فيه الإسلام وجعله من سننه، فقد جاء في الحديث الشريف *((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))*. والغرض من الزواج إيجاد النسل وتكوين الأسرة الصالحة جاء في الحديث *((تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)).* - ب. إجراءات الزواج : - وقد شرع الإسلام للزواج إجراءات معينة تشريفاً وتكريماً لهذه العلاقة علاقة الزواج، وأول هذه الإجراءات: - الخطبة: مقدمة الزواج أي طلب الرجل للمرأة بالزواج بالطرق المعروفة عند الناس، وإذا كان من الجائز شرعاً أن يتزوجها . - والغرض منها أن يعرف كل من الرجل والمرأة عن الآخر ما يجعله يقدم على النكاح أو يحجم عنه، ولهذا أباح الإسلام للخاطب أن يرى مخطوبته ولكن لا يجوز الخلوة بها لأنها لا تزال أجنبية عنه، والخلوة بالأجنبية حرام، لأن الخطبة وعد بالزواج وليس بعقد زواج. - و المرجوب فيه في شرع الإسلام تخير الرجل الصالح، فإن صلاح الشخص وتقواه وخلقه أرجح. في ميزان الشرع مما عدا ذلك من كثرة المال أو المنصب أو الجاه، وفي الحديث الشريف *((تنكح المرأة لأربع المالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك))*. والمرأة ذات الدين لها تأثير كبير جداً في صلاح الأسرة وتربية أبنائها على معاني الإسلام وحسن الأخلاق، ولذلك وجه أعداء الإسلام غارتهم على المرأة المسلمة لاستئصال ما في نفسها من معان الخير والدين. - فإذا حصل الاتفاق أفرغ في عقد النكاح الشرعي القائم على الإيجاب والقبول والمتضمن رضى الطرفين بحضور شهود عدول تكريماً لهذا العقد وتميزاً له عن السفاح. - ويستحب أن يكون المهر قليلاً لا كثيراً لأنه ليس ثمناً للزوجة ولكنه رمز التكريم للمرأة في عقد النكاح، وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على استحباب عدم المغالاة في المهور، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: *((خير الصداق - أي المهر - أيسره أيسر النساء صداقاً أعظمهم بركة)).* والواقع أن شيوع عادة المغالاة في المهور يجعل الراغبين بالزواج قلة، ويبقى الكثيرون عازفين عنه لعدم قدرتهم عليه وهذا العزف عن الزواج يجر إلى مفاسد لا تخفى. - والحقيقة أن الإسلام بسط إجراءات النكاح وسهل الوصول إليه، فعقد النكاح يتم بإيجاب وقبول كما قلنا ولا يشترط له إجراءات شكلية معينة ولا تراتيل ولا لغة معينة ولا مكان معين، وإنما يشترط له مع الإيجاب والقبول موافقة ولي المرأة، لأن عقد النكاح لا يهم المرأة وحدها بل يهم وليها وعائلتها والضرر الذي يلحقها بسبب سوء اختيارها ينسحب على عائلتها وعلى رأسهم وليها كالأب والأخ فمن العدل أن يكون للولي رأي مسموع في زواجها. - كما يشترط حضور الشهود عند عقد النكاح لكي يعرف العقد ويشيع وتحفظ حقوق المرأة ويثبت مركزها القانونى كزوجة وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات، كما يشترط شرط آخر لصحة النكاح وهو أن لا تكون المرأة محرمة على الرجل كالأخت والخالة وسائر المحرمات. #### ج. حقوق الزوجة : - ويترتب على عقد النكاح حقوق معينة للزوجة. - 1. المهر : - وهو حق خالص لها دون ذويها، ولا تكلف أن تشتري جهازاً لها إلا إذا رغبت هي، لأن تجهيز البيت الزوجية بما يلزمه من أثاث وفراش ونحوها من واجبات الزوج لا الزوجة. - 2. حق النفقة للزوجة: - كما يترتب على عقد النكاح حق النفقة للزوجة على زوجها، لأنها متفرغة لشؤون البيت وتربية الأطفال فكان من العدل أن يقوم الزوج بالنفقة عليها، لأن كل واجب يقابله حق، وفي الحديث الشريف ...... *وَلهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).* - وحق النفقة يبقى للزوجة ما دامت قائمة بواجباتها نحو زوجها، فلو خرجت على طاعته وتركت بيت الزوجية عدت ناشزة، وسقطت نفقتها عنها مدة نشوزها، فإذا ما عادت عادت النفقة لها . #### 3. المعاملة الحسنة: - وللزوجة على زوجها حق المعاملة بالحسنى، قال تعالى: *﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَعَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمُ ))* (البقرة: 228) ، وفي الحديث الشريف *((خيركم خيركم لأهله)).* والإسلام يوصي بالصبر على المرأة فلا ينبغي للزوج أن يتعجل إذا رأى منها ما يكره قال تعالى: *﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾* (النساء: 19). #### د. حقوق الزوج : - وكما للزوجة حقوق على زوجها فإن له حقوقا عليها، فالحقوق متقابلة بين الطرفين. - 1. طاعته بالمعروف - فمن حقوقه طاعته بالمعروف لأن القوامة له قال تعالى : *الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )* (النساء : (34) . - وقوامة الرجل على زوجته شيء طبيعي جداً ومعقول ولا بد منه، لأن الحياة الزوجية شركة خطيرة، وكل شركة لا بد فيها من رئيس، فكيف بالعلاقة الزوجية التي تخص أخطر علاقات الإنسان بغيره ؟ - إن هذه العلاقة الكريمة والشركة الخطيرة لا بد لها من رئيس يطاع في موضع الخلاف حتى تبقى الشركة قائمة بلا انفصام، والرجل أحق بهذه القوامة من المرأة وهذا ما قرره الإسلام ويشهد له الواقع ويطبقه البشر وإن جادل بعضهم فيه. ثم أن هذه القوامة لا غضاضة فيها على المرأة، لأنها خالية من الاستعلاء والتسلط والأهواء والتعسف وإرادة الشر، لأن الزوج يحرص على الخير لزوجته ولا يريد برياسته عليها استعلاء ولا تكبراً ولا تسلطاً ولا يتعسف في استعمال قوامته عليها، وفضلاً عن ذلك كله فإن علاقته بزوجته مبنية على المودة والرحمة قال تعالى : *وَمِنْ ءَايَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم: (21)* فقوامة الرجل على المرأة قائمة على المودة التي غرسهما الله تعالى في قلبيهما، فلا يتصور فيها ما يضايق المرأة أو يجرح كرامتها . - إن الإنسان يطيع باختياره وبكل يسر صديقه المخلص المحب له، بل ويفرح إذا صار رئيسا له في دائرة من دوائر الدولة. فكيف الحال برئاسة الزوج وقوامته على زوجته وما بينه وبين زوجته من المودة والرحمة والإخلاص والحرص على ما ينفع الطرفين ما لا نسبة بينه وما بين صديقين مخلصين؟ - إن بعض الناس يسارعون وينكرون حق الزوج في القوامة على زوجته، ويوغرون صدر المرأة على التمرد على هذه القوامة التي يسمونها عبودية. - وهذه الاتجاه من هذا البعض لا يجوز في شرع الله وقد يكون كفراً إذا أصر عليه الإنسان لأنه مصادمة لنصوص الشريعة، كما أنه يدل على جهالة صاحبه أو هواه أو إرادته السوء والشر بالمرأة أو رغبته في تفكيك الأسرة وإشاعة الفوضى فيها . - كل هذه الأمور نتائج لازمة للدعوة إلى تمرد المرأة على قوامة الزوج، فيجب أن تمنع كما يمنع أي شيء ضار، وأن تبصر المرأة المسلمة بضلال هذا القول وضرره. وقد يكون من النافع أن نذكر لهذا البعض من الناس أن ملكة الإنكليز عندما تزوجت سألها الكاهن قبل أن يجري الطقوس الدينية لعقد النكاح، سألها : هل تطيعين زوجك، قالت: نعم. ومن هذا كله يتضح لكل منصف أن قوامة الزوج على زوجته هو ما جاء به الشرع ويقره العقل السليم ويطبقه البشر. - 2. حفظ أسراره وتربية أولاده - ومن حقوق الزوج على زوجته أن لا تخونه في شيء، وأن تعاونه لأنها شريكة حياته، وأن تقوم بتربية أولاده وهم أولادها أيضاً وهي أقدر على هذه المهمة الخطيرة من غيرها بل لا يسد مسدها أحد في هذه التربية، فليس أحد يملك مثل حنانها وعاطفتها على أولادها . فإذا ما قامت بمهمتها هذه ساهمت في تنشئة جيل سليم، وكان عملها هذا أفضل من أي عمل آخر تقوم به خارج بيتها . - ه. تعدد الزوجات : - أعطى الشرع حقاً للزوج، أن يتزوج أكثر من واحدة إلى حد أربع زوجات، وهذا ما نطق به القرآن وثبت بالسنة وذكره الفقهاء جميعاً ولم يخالف فيه أحد من المسلمين. ففي القرآن *وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَنَاهَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا )* (النساء: 3) - والمقصود بالعدل هنا العدل بين الزوجات في النفقات ونحوها مما يكن فيه العدل. - وتعدد الزوجات ليس واجباً ولا مندوباً وإنما هو مباح، والمباح يجوز فعله وتركه، فهو خاضع لتقدير الشخص نفسه، فإن رأى المصلحة فيه، فعله، وإلا تكره ولا تثريب عليه في الحالين. - ولا داعي لإقحام القاضي أو غيره لتقدير مدى الحاجة أو المصلحة في التعدد، لأن هذه المسألة خاصة بالإنسان، والأصل في كل إنسان عاقل أن أحرص من غيره على تقدير ما يصلح له لا سيما في مسألة الزواج حيث تترتب على الزوج تبعات ثقيلة مالية وغير مالية، فهو لا يقدم على التعدد إلا إذا وجد الحاجة داعية إلى ذلك. - ولا نستطيع هنا أن نحصر مبررات التعدد التي تدفع الرجل إليه وإنما نذكر منها على سبيل التمثيل: عقم الزوجة وتطلع الزوج للذرية، ومرض الزوجة وعدم صلاحيتها للقيام بمهام الزوجية ، ونبل الزوج وكرم أخلاقه حيث يتزوج يتيمة أو أرملة أو قريبة له فاتتها فرص الزواج، إلى غير ذلك من الدوافع النبيلة للتعدد. - وفي التعدد علاج حاسم لمشكلة اجتماعية خطيرة تتعرض له المجتمعات البشرية في أعقاب الحروب بل حتى في الأوقات العادية، وهي كثرة عدد النساء وقلة عدد الرجال، وهذه المشكلة لا يمكن حلها بصورة شريفة وناجحة إلا بإباحة التعدد شرعاً، وإلا حلت نفسها عن طريق السفاح والعلاقات غير المشروعة. - ولاشك أن كل امرأة عاقلة تفضل أن تكون زوجة ثانية ولا تكون عشيقة لرجل. وعلى هذا فما يقوله البعض من اعتراض على مبدأ التعدد، إنما هو قول متهافت في نفسه هزيل في حجته مخالف لشرع الإسلام. - وقد يكون من المفيد أن أبين هنا أن بعض الفقهاء ذهب إلى أن للمرأة أن تشترط على زوجها في عقد النكاح عدم الزواج عليها وإذا تزوج فمن حقها أن تطلق نفسها منه يمكن الأخذ بهذا الرأي الفقهي الاجتهادي لأن المسلمين عند شروطهم. ## المحاضرة الثالثة والعشرون ### التفريق بين الزوجين إذا استحالت الحياة بينهما - ومن حق الزوج أن يطلق الزوجة، والطلاق في الأصل غير مرغوب فيه نظر الشريعة الإسلامية، جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم *((أبغض الحلال عند الله الطلاق))* وعلى هذا فلا ينبغي على المسلم أن يقدم عليه دون مبرر مقبول. - وقد ذهب بعض الجهال إلى الاعتراض على مبدأ الطلاق، وطالبوا بإلغائه، وكثيراً ما نسمع شيئاً من هذا اللغو أو نقرؤه في صحيفة أو كتاب. والواقع أن هذا القول لا يصدر إلا عن جاهل أو معاند لشرع الإسلام، فإن الطلاق في الإسلام من محاسن الشريعة وواقعيتها ، وهو بمثابة العلاج الذي تقدمه الشريعة حيث لا ينفع غيره، ولا عيب في تحضير العلاج استعداداً لحالات الطوارئ والمرض.... وخلاصة القول في مسألة الطلاق وحكمته أن الإسلام يرغب في إبقاء الرابطة الزوجية وإدامتها على المودة والوئام لتحقق أغراضها المرسومة لها. - وفي سبيل ذلك سهل الإسلام إجراءات النكاح وشرع فيها الخطبة وأباح رؤية المخطوبة لضمان بقاء الرابطة، وندب الزوج إلى الصبر على المرأة إذا رأى منها ما يكرهه كما بينا . - وبين الإسلام أن من الفضل للزوج أن يكون حسن الأخلاق مع زوجته، ومع هذا فإن الإسلام لا يغفل عن الواقع، فقد ينشب الخلاف بين الزوجين مما يؤدي إلى الطلاق. - طريقة العلاج : - نبه الإسلام الزوج انه إذا أحس بكره زوجته وذكره باحتمال خطئه وتسرعه قال تعالى: *﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ))* (النساء: 19). - 1. الوعظ والنصيحة، أو الهجر في المضاجع أو الضرب غير المبرح، إذا استمرت الزوجة في مشاكستها ومخالفاتها ، فللزوج أن يؤدبها عن طريق الوعظ والنصيحة والهجر في المضاجع والضرب غير المبرح قال تعالى في ذلك: *﴿وَالَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا )* (النساء : 34) . - 2. التحكيم إذا استشرى الخلاف وجب اللجوء إلى التحكيم بأن يختار الزوج حكماً من أهله وتختار الزوجة حكماً من أهلها، فيجتمعان وينظران في الخلاف بين الزوجين وأسبابه ويعملان على إزالته، وكثيراً ما ينجح هذا التحكيم لأن كلاً من الحكمين حريص على حسم الخلاف لمصلحتهما في حسمه، كما أنهما - لعلاقتهما العائلية - يمكنها الوقوف على أسباب الخلاف، ولا شك أن معرفة الأسباب الحقيقة تسهل معالجتها . قال تعالى في التحكيم بين الزوجين *وَإِنْ يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا .. - خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا - 3. الطلاق: إذا لم ينفع التحكيم واستمر الخلاف وأراد الزوج الفراق فعليه أن يسلك فيه مسلكاً يقيه شر العجلة والتسرع الغضب، فأوجب عليه الإسلام أن يوقع الطلاق بالكيفية الآتية: - أ. أن يطلقها وهي طاهرة غير حائض ولم يكن قد مسها في طهرها هذا، والحكمة في ذلك أن الزوج إذا طلقها في هذه الحالة فإن ذلك يعني أن نفسه راغبة عنها وأن هناك من الأسباب القوية ما يحمله على فراقها إلى درجة أن امتنع عن مسيسها قبل طلاقها . - ب. ومع هذا فإن الشرع الإسلامي احتاط للأمر احتياطاً آخر فقد يكون الزوج لم يقدر مسألة حق قدرها وتسرع في تصميمه على الطلاق، ولهذا أوجب عليه أن يطلقها طلقة واحدة هي التي تسمى في الاصطلاح الشرعي بالطلقة الرجعية ويكون له في هذا الطلاق الرجعي الحق في إرجاع زوجته خلال مدة العدة وهي عدة تمتد إلى ما يقرب من ثلاثة أشهر. - فإذا فكر بهدوء فقد يظهر له أنه قد تسرع في طلاقه، وقد يحمله تفكيره الهادئ إلى ترجيح إبقاء الرابطة الزوجية على قطعها وأن كان هناك ما يبرر قطعها