الوحدة السابعة: العقوبات في الإسلام PDF

Document Details

SlickAzurite

Uploaded by SlickAzurite

جامعة الزرقاء - كلية الشريعة

Tags

Islamic law Punishment Islamic studies religious studies

Summary

This document provides an overview of Islamic teachings on punishment. It examines the concept of punishment in Islam from different perspectives, including the principles behind punishment and its objectives. The document highlights the importance of justice and upholding moral values in Islamic law.

Full Transcript

# الوحدة السابعة: العقوبات في الإسلام ## المحاضرة الخامسة والثلاثون: تشريع العقوبة من وجهة النظر الإسلامية نتناول العقوبة في هذا البحث من حيث هي جزاء مقرر ثبت في الشريعة الإسلامية لمصلحة الجماعة تنزله الجماعة على الجاني بمحض أمر الشارع، تتجه إلى تحقيق العدالة، وحماية الفضيلة والأخلاق، وهي تفرض لحق...

# الوحدة السابعة: العقوبات في الإسلام ## المحاضرة الخامسة والثلاثون: تشريع العقوبة من وجهة النظر الإسلامية نتناول العقوبة في هذا البحث من حيث هي جزاء مقرر ثبت في الشريعة الإسلامية لمصلحة الجماعة تنزله الجماعة على الجاني بمحض أمر الشارع، تتجه إلى تحقيق العدالة، وحماية الفضيلة والأخلاق، وهي تفرض لحق الله تعالى، حماية للمجتمع أو لحق الأفراد من أجل الاستقرار وتثبيت قواعد الأمن. ## تتمثل وجهة النظر الإسلامية بالنسبة للعقوبة باتجاهين: 1. **الاتجاه الأول:** النظر الى العقوبة من حيث هي ضرورة عامة، دون النظر إلى تفصيلاتها، ومعرفة مدى مقدار مناسبتها للجرم، من أجل تحقيق الغاية التي شرعت لها من إحقاق الحق وإثبات العدل. 2. **الاتجاه الثاني:** البحث بكل عقوبة على حدة بشكل خاص، ومعرفة التفصيلات بكل جريمة، وما ينزل بحق مرتكبها من عقاب، يتناسب والحال الذي يقتضيه الأمر. ## *أولا: الأساس التي تقوم عليه العقوبة:* - تقوم العقوبة على أسس من أهمها: الفصل بين السلطات، وحماية حريات الأفراد، وارتباطها بالمعاني الأخلاقية. ## *الأساس الأول: الفصل بين السلطات:* - السلطات أما تشريعية وإما قضائية وإما تنفيذية، فالأمر الصادر إلى السلطة القضائية من السلطة التشريعية يتعلق بأمور عامة، وتتوجه مهمة السلطة القضائية إلى معرفة مجريات كل جريمة وحيثياتها، ويتجلى هذا في رسالة عمر بن الخطاب ## *الأساس الثاني: حماية حرية الأفراد:* - يعلي الإسلام من شأن الإنسان، ويعتبره مخلوقاً مكرماً، قال تعالى: ``` وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ``` (سورة الإسراء الآية (70) - لذلك لا يجوز في الإسلام الضغط على حرية الإنسان أو إكراهه ليقر على نفسه بأمر لم يفعله، فقد جاء في كتاب الخراج قول عمر رضي الله عنه ليس الرجل بمأمون على نفسه أن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه)) (2). - وجاء في حديث محمد بن إسحاق عن الزهري قال : (( أتى طارق بالشام رجل قد أخذ في تهمة سرقة فضربه، فأقر بها فبعث إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن ذلك فقال ابن عمر : (لا يقطع فإنه إنما أقر بعد ضربه إياه)) (3). - إذن لا بد من استبانه الجريمة على الوجه الشرعي الصحيح فلا إكراه ولا ضغط على حرية أحد من أجل الإقرار على نفسه، ولا بد كذلك من انتقاء الشبهة الناتجة عن المحل أو الدليل أو عن جهل وعدم معرفة بالحكم الشرعي المتعلق بالعقوبة. ## *الأساس الثالث : ارتباط العقوبة بالمعاني الأخلاقية:* - تربط العقوبة في الشريعة الإسلامية بالمعاني الأخلاقية، والقيم الكريمة المستمدة من الشريعة السمحة، لذلك فهي قائمة على العدل، لعلاج حالة مريضة تهدد المجتمع، وليس معناها الانتقام من شخص الجاني، بقدر ما هي تأديب وتهذيب وردع وجزر. - قال تعالى: ``` إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ``` (سورة النساء الآية: 58)، فالحكم الذي يقوم على العدل هو حكم اختاره الله سبحانه وتعالى لعباده، وإذا خالف الحكم قاعدة العدل، فهو حكم جاهلي، قال تعالى في كتابه العزيز: `` ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ```` (سورة المائدة الآية: 50) وأصل العدل وأساسه يتمثل في تطبيق شرع الله تعالى. - ومما يجدر بنا ذكره أن احترام الإنسان أصل ثابت في الشريعة الإسلامية، وفي جميع أحوال التعامل ومها العقوبة، التي لا ينظر إليها في الإسلام على أنها انتقام من المجرم أو انتقاض بكرامته، وإنما هي تنبيه للإنسان، وإشعار بكرامته، ورد لجماح نفسه عن الغواية، ليصبح نافعاً لأمته (1). ## *ثانيا: شروط العقوبة:* - لتنفيذ العقوبة في الشريعة الإسلامية شروطها أهمها : 1. *أن تكون العقوبة شرعية:* أي تستند إلى نص مأخوذ من مصدر من مصادر الشريعة الثابتة، كأن يكون منصوصاً عليها في القرآن الكريم أو السنة **المطهرة** (1) 2. *أن تنصب العقوبة على شخصية الجاني وحده ، ولا تتعداه إلى غيره،* قال تعالى: ``` وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ``` (سورة فاطر الآية: 18) وقال تعالى في محكم تنزيله: ```` ﴿ وَكُلُّهُمْ وَآتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ``` (سورة مريم آية : 95) فلا تطال العقوبة ألا شخص الجاني ولا أحد يحمل جريرة أحد، قال تعالى : ``` كل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةُ ``` (سورة المدثر آية : (38). 3. *أن يتساوى عامة الناس فيه،* فتنفذ على الجميع دون تميز بين طبقة وطبقة، أو حاكم ومحكوم، أو غني وفقير، فهذا التميز ملغي في الشريعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسي هذا المبدأ : (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) (1) . ## *ثالثا: الغاية من العقوبة :* - تعبدنا الله تعالى بما كتب علينا من عبادات، وبما ألزمنا من أوامر ونواه والعقوبة شرعت لمصلحة الأمة، وحماية أفرادها من الخطر، وهي كما يلي: 1. *إرضاء الله تعالى* : فغاية المسلم في هذه الحياة إرضاء ربه، والإخلاص له في كل ما يأتي ويذر، قال تعالى: ```` وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَوٰةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ```` (سورة البينة الآية: 5) فقد كان من المسلمين من يأتي إلى القضاء، كي تطبق عليه العقوبة، تطهيراً لنفسه من 2. *حماية للفضيلة:* التي تحصن المجتمع، وتبعده عن تحكم الرذيلة مما يعود بالخير على الأمة وأفرادها وينشر الأمن ويحفظ الدماء من أن تسفك والدين من أن يتخذ هزوا وسخرية وتصان الأراض من أن تنتهك والأموال من أن تنتهب أو تؤكل بالباطل، والعقول من أن تغتال وتعطل .... وهذا ما أطلق عليه علماء الأصول الضروريات *الخمس*: الدين النفس، العقل العرض المال فهذه الضروريات هي محور إقامة الحدود، وتطبيق العقوبة، إذ المحافظة عليها أمر لازم 3. *حماية المصلحة العامة:* فالعقوبة في ذاتها مفسدة، وليست مصلحة، فقتل فرد من أفراد المجتمع إنقاص لأفراده، وسجنه وتعطيل لعمله والقيام بواجبه، لكن الشريعة أوجبت تطبيق العقوبة، لما فيها من مصلحة غالبة للمجتمع على تلك المفسدة. ## *الشبهات العقوبات وردها:* - دأب أصحاب السوء ممن عميت أبصارهم، وبصائرهم على الطعن بالتشريعات الإسلامية عامة والجنائية منها خاصة، ورددوا كلاماً يثير شبهاً لا دليل لهم عليها، وإنما هم أمثال الببغاوات كرروا ما قاله الأعداء، وبنوا على تلك الاداعائات نظريات خرقاء، مفادها أن الشريعة الإسلامية لا تناسب هذا العصر من حيث التطبيق، وأن أحكام العقوبات فيها قاسية، وشديدة بلغت درجة لا تتناسب مع المستوى الحضاري الذي وصلت له الإنسانية، فهي لا تراعي نفسية المجرم، ولا تتفق مع روح العصر المتطور. - من المعلوم أن العقوبة وفق المنهج الإسلامي، تحفظ على المسلمين دينهم وأنفسهم، وعقولهم، وأموالهم، وهي بذلك تحافظ على مقومات المجتمع الإسلامي، وتحافظ على الثمار التي جناها المسلمون، وللرد على هذه الشبهات نقول: ### *أولا : لمن ادعى عدم مناسبة روح العصر:* - إن الذي فرض هذه الأحكام هو الحكيم العليم، الذي خلق الخلق ودبر شؤونه وهو أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم، قال تعالى: ```` ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (سورة الملك الآية (14). - ولو لم يستحق الجناة هذه العقوبات لما فرضها، إذن ```` ( من رحمة الله سبحانه وتعالى أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان، والأعراض، والأموال، والقتل والجراح، والقذف، والسرقة. فحكم سبحانه وتعالى على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع ، فلم يشرع الكذب قطع اللسان، ولا القتل ولا في الزنا الخصاء ، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته، ولطفه وإحسانه وعمله، لنزول النوائب - وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه )) (1) . - والعقوبات في الإسلام لها معان رادعة، فهي جزاء من جنس العمل، ففي القتل جاءت عقوبة القصاص مماثلة، والعرب قالت قديماً : الموت أنفى للموت. - وفي جريمة الزنا شرع الرجم، وهو يحمل في معناه أن الزاني يهدم البيوت العامرة بفعلته، ويشتت الأسر، فيجب أن تنهار الحجارة عليه، لتقضي على فتنته وفتنة أمثاله، والسارق تقطع يده التي تمتد إلى السرقة، وهذا رادع يجعل المجرم يفكر ألف مرة في فعلته أكثر مما يخيفه الحكم عليه بالمؤبد ..... وهكذا . ### *ثانيا: ادعاء أن العقوبات لا تراعي ظروف ونفسية المجرم:* - نظر أصحاب هذا الادعاء إلى الجريمة بعين واحدة، ومن طرف قاصر يخفي الحقيقة، فهو ينظر برحمة إلى المجرم، وينسون الضحية الذي استجار بهذا المجرم فلم يجره، واستغاثه فخذله، فرحموا المجرم الذي عاث فسادا في المجتمع، ولم يكترثوا بالدماء التي سفكت والأعراض التي انتهكت والأموال التي سلبت ونهبت.... وتغفلوا عن الآثار الخطيرة التي تسببها الجريمة للمجتمع والأسر والصغار والكبار... فبالله قوله: أي الفريقين أحق بالأمن والرحمة الجاني أم المجني عليه ؟! ### *ثالثا: ادعاء أن العقوبات الإسلامية لم تثبت جدوى في الحد من العقوبة:* - قبل أن نتحدث عن جدوى تطبيق العقوبات في الشريعة، نتوجه بالسؤال إلى أصحاب الشبهة، هل لكم أن تحصوا لنا عدد الجرائم التي تقع يومياً في العالم المتمدن قتلاً، وفضحا للأعراض، وسرقة ، وانتهابا ......؟ وهل لكم أن تحصوا لنا عدد مرضى الإيدز؟ أن تبينوا لنا ما تنفقه الدول على علاج المدمنين ؟ وكم تضع من نفقات على السجون وحراسة المجرمين ؟ لا شك أن الرقم سيكون هائلاً، وهل هذا التراخي - تطبيق العقوبات مراعاة نفسية المجرم ؟ مقارنة بسيطة مع وضع البلاد الإسلامية التى طبقت الشريعة وأحكام، فإننا سنجد فرقاً واسعاً، حيث الأمن والسلامة، والاستقرار في المجتمعات الإسلامية، ولا نجده في غيرها . - ففي مطلع عام 1982 قال ```` (رونالد ريغان) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في خطاب موجه إلى الكونغرس الأمريكي: ```` (( بأن الخوف من الاغتصاب والقتل قد خيم على معظم الأمريكيين .... وكل عائلة من ثلاث أصبحت ضحية للجريمة ، وحسب إحصائيات مكتب التحقيق الفيدرالي، فإن عدد الجرائم في الولايات المتحدة قد ازداد من أحد عشر مليوناً في عام 1975 إلى ثلاث عشرة مليونا في عام 1981 ```` (أنه لا يسعنا الاعتقاد بأن في مقدور المواطنين القيام بالنزهات المسائية في الحدائق بشكل هادئ وطبيعي)) (2). - والجرائم تزداد في كل مكان من العالم المتمدن، وامتدت أيدي المجرمين إلى علية القوم في بعض البلاد، فقتلت الألوية الحمراء (الدومورو) رئيس وزراء إيطاليا، وقد ألقته جثة هامدة في سيارة في وسط المدينة عام 1978م، وأخبارهم في هذا المجال لا تنقطع. - فأي العقوبات أكثر جدوى في القوانين الوضعية ، أم الشريعة الإسلامية التي أمنت الجميع وساوت بين الجميع ؟ ## *المراجع* - (1) نحو الثقافة إسلامية أصيلة عمر سليمان الأشقر ص 278 ، عن جريدة الوطن الكويتية عدد 1/8/28 - (2) المرجع السابق.

Use Quizgecko on...
Browser
Browser