كمكمك.docx
Document Details
Uploaded by EvocativeSerpentine9961
Tags
Full Transcript
أوَّلًا: الامتزاج بالأمم الأجنبيَّة كيف أثَّر هذا على الشِّعر والشُّعراء في العصر الأمويِّ؟ 1ً: عندما توسَّعت الفتوحات الإسلاميَّة في البلدان وخرج العرب من جزيرة العرب ينشرون الإسلام في أقطار الدُّنيا فتحوا بلاد العراق وإيران وخراسان والشَّام ومصر وبلاد المغرب وكذلك وصلوا إلى مضيق جبل طارق وما يق...
أوَّلًا: الامتزاج بالأمم الأجنبيَّة كيف أثَّر هذا على الشِّعر والشُّعراء في العصر الأمويِّ؟ 1ً: عندما توسَّعت الفتوحات الإسلاميَّة في البلدان وخرج العرب من جزيرة العرب ينشرون الإسلام في أقطار الدُّنيا فتحوا بلاد العراق وإيران وخراسان والشَّام ومصر وبلاد المغرب وكذلك وصلوا إلى مضيق جبل طارق وما يقرب كذلك من بلاد الهند في كلِّ هذه الرُّقعة الواسعة بدأت هذه الأقطار الَّتي دخل إليها العرب والمسلمون تتعرَّب بمعنى أنَّها بدأت تأخذ اللُّغة العربيَّة فلم يعد الإنسان العربيُّ خاصًا بجزيرة العرب أو العرب الَّذين يسكنون في الجزيرة وإنَّما انتقل هذا الإنسان إلى كلِّ تلك البلاد الَّتي وصلوا إليها وصارت اللُّغة العربيَّة تشيع عند أهل تلك البلاد هذا الأمر الأوَّل: تعريب الأقطار الَّتي انتشر فيها الإسلام. 2ً. الأمر الثَّاني هو: تأثير نظام الموالي في الشِّعر والشُّعراء، كيف يؤثِّر نظام الموالي؟ المقصود بذلك أنَّهم كانوا يتَّخذون رقيق الحروب عبيدًا لهم ويكون الولاء لهم فيعيش معهم هؤلاء الموالي في البلاد الَّتي بنوها وسكنوا فيها كما في البصرة والكوفة ويختلطون بهم وهؤلاء كانت لهم حرف وكانت لهم معارف كانوا يقدِّمونها للعرب، وقام كثير من العرب بالزَّواج من الإماء وهذا طبعًا ظهر له أثر كبير فيما بعد ذلك، ثمَّ بدأت اللُّغة العربيَّة تتطوَّر شيئًا فشيئًا ووصلت إلى مرحلة توحيد اللَّهجات العربيَّة، فمُحيت الكثير من اللَّهجات بفضل القرآن الكريم واللُّغة القرشيَّة الغالبة على القرآن الكريم وذهبت لهجات كثيرة فأصبحت لغة القرآن هي اللُّغة العامَّة الَّتي يتخاطب بها العرب سواء كانوا من المضَريِّين أو من اليمنيِّين وذلك في كلِّ الأماكن ثمَّ ظهر بعد ذلك لغة تفاهم لغة يمكن أن نسمِّيها اللُّغة الَّتي يستعملها العامَّة في معاملاتهم وفي حياتهم اليوميَّة وهي لغة بعيدة عن اللُّغة الأدبيَّة ذات الألفاظ والأساليب العالية وإنَّما هي لغة تكون بتعبيرات بسيطة يفهمها الموالي وينطقون بها إذًا نظام الموالي واتِّخاذ الموالي وامتزاج الموالي مع العرب وسكنهم وعيشهم مع العرب، أدَّى إلى ظهور لغة تفاهم بسيطة ذات تعبيرات يفهمها الموالي ويستطيعون أن يفهموها ويستطيعون كذلك أن يخاطبوا بها أسيادهم. هذا أثَّر في ناحية وهي أنَّ العرب صاروا يأخذون ويستعيرون كلمات وألفاظًا من الموالي يعني صار هناك تأثير بالعكس ليس فقط من جهة أنَّ الموالي يأخذون اللُّغة البسيطة من العرب ويفهمونها ويتخاطبون بها وإنَّما كذلك العرب أخذوا بعض الألفاظ من الموالي لا سيَّما فيما يتعلَّق بالأطعمة وأدوات الحضارة ونحو ذلك. ثمَّ زاد هذا الأمر بعد ذلك وخطا خطوة أكبر مفادها أنَّ الشُّعراء صاروا يستخدمون بعض هذه الألفاظ المأخوذة من الموالي صار الشُّعراء يستعملون هذه الألفاظ في أشعارهم وفي قصائدهم يمكن أن نضرب مثالًا لذلك من شعر الشَّعيرين الكبيرين الَّذين هما من أقطاب الشَّعر في العصر الأمويِّ وهما: جرير والفرزدق فقد عاش هذان الشَّاعران في البصرة وأخذوا بعض الألفاظ من الموالي ومن غيرهم مثل كلمة: البيذق والبياذق، البيذق: مفرد، والبياذق: جمع، والمقصود بالبيذق طبعًا هو الجندي الَّذي يُستعمل في لعبة الشُّطرنج فيقول الفرزدق مخاطبًا جريرًا: ونحنُ إِذا عَدَّت تميمٌ قديمَها مكانُ النَّواصي من وجوهِ السَّوابقِ مَنعتُك ميراثَ الملوكِ وتاجَهم وأنتَ لدرْعي بيذقٌ في البياذق هنا الشَّاهد بيذق في البياذق، يعني: أنت جنديٌّ في الجنود الَّتي تكون في لعبة الشَّطرنج يعني أنَّه يكون مؤخَّرًا وليس صاحب مكانة وصاحب تقدُّم بخلاف الفرزدق الَّذي يفتخر بنفسه وبقومه وبأنَّهم يكونون مكان النَّواصي يعني يكونون في المقدِّمة في المقابل أيضًا نجد أنَّ جريرًا في هجائه للفرزدق يستعمل كلمة فارسيَّة وهي كلمة الرَّوذق، الرَّوذق معنى هذه الكلمة: الحمَل يعني الخروف، الحمل المنتوف صوفه بعد السَّلق يقول: لا خيرَ في غضبِ الفرزدقِ بعدما سلخوا عجانَك سلخَ جلدِ الرَّوذق هنا الشَّاهد: سلخ جلد الرَّوذق يعني كما قلنا: الخروف الَّذي يُنتَف صوفه بعد أن يتمَّ سلقه. ننتقل إلى فكرة جديدة مرتبطة بهذه الأفكار جميعًا: انتشار اللُّغة العربيَّة في الأقطار الَّتي فتحها المسلمون وتعرُّب هذه الأقطار واتِّخاذ نظام الموالي وسكنهم مع العرب وظهور لغة بسيطة للتَّفاهم والتَّعامل ثمَّ أخْذ العرب بعض الكلمات من الموالي واستعمالها في حياتهم اليوميَّة ثمَّ تطوُّر هذا الأمر وانتقاله إلى شعر الشُّعراء الكبار كالفرزدق وجرير باستعمالهم كلمات للموالي أو لغير العرب في أشعارهم وهجائهم وفي غير ذلك هذا من جوانب التَّأثير المتبادل لكن هذا التَّأثير له مظاهر سلبيَّة. من جملة المظاهر السَّلبيَّة الَّتي تتعلَّق بهذا الأمر: 1\. ظهور اللُّكنة في اللُّغة العربيَّة عندما يستعملها الموالي، اللُّغة العربيَّة كما تعلمون لغة لها خصائص ولها حروف تنفرد بها وفيها جزالة لا توجد في لغات أخرى فبالتَّالي المولى عندما يستعمل اللُّغة العربيَّة لن يستطيع نطق جميع الحروف العربيَّة وجميع الألفاظ العربيَّة كما ينطفها العرب يعني هكذا بسهولة وبسلاسة بل يجد فيها عُسرًا يجد عسر في نطق بعض الحروف لعدم وجودها في لغتهم وهذا طبعًا نلاحظه نحن عندما نجد أجنبيًّا يتكلَّم الإنكليزيَّة أو الفرنسيَّة أو الإسبانيَّة ثمَّ يتعلَّم اللُّغة العربيَّة فنستطيع بكلِّ سهولة أن نلاحظ بأنَّ هذا الَّذي يتكلَّم بالعربيَّة ليس عربيًّا لأنَّه يصعب عليه بعض الحروف فتجد أنَّه ينطق بعض العين بما يشبه الهاء وأشياء كثيرة وهذا الأمر لم يكن مقصورًا على عوام الموالي يعني ليس فقط عوام الموالي هم الَّذين يصعب عليهم نطق بعض الألفاظ أو الكلمات العربيَّة بل إنَّ هذا الأمر سرى حتَّى إلى شعر شعراء منهم مثل: زياد الأعجم فهو من الشُّعراء الكبار لكن كان في كلامه الَّذي ينطقه إذا تحدَّث لُكنة فارسيَّة فبالتَّالي العين همزة يلفظها والطَّاء تاء والسِّين شين وهكذا فيقولون مثلًا: إنَّه كان يمدح المهلَّب فقال له في بعض مديحه: فتًى زاده السُّلطانُ في الوُدِّ رفعةً إذا غيَّر السُّلطانُ كلَّ خليل يقال عندما نطقها بلسانه قال: زاده الشُّلتان يعني السِّين أبدلها شينًا والطَّاء أبدلها تاءً، وتكرَّر منه ذلك حتَّى قام المهلَّب وهبه غلامًا ينشد شعره، يعني هو يؤلِّف الشِّعر والغلام ينشد بدلًا عنه حتَّى لا يقع في هذا الخطأ وفي هذا اللَّحن. كذلك من جملة الأشياء الطَّريفة أنَّ أحد الشُّعراء وصف جارية عنده وهي أمُّ ولد له يعني أنجبت منه ولدًا وطبعًا معروف هذه أنَّها بعد وفاة السَّيِّد تصبح حرَّة فيقول هذا الشَّاعر في وصف اللُّكنة الَّتي كانت عليها هذه الجارية الَّتي عنده: أوَّلُ ما أسمعُ منها في السَّحر تذكيرُها الأنثى وتأنيث الذَّكر والسَّوءة السَّوآءُ في ذكرِ القمر يعني عندما تتحدَّث المذكَّر تصفه بالمؤنَّث والمؤنَّث بالمذكَّر يقول: والسَّوءة السَّوآء يعني القبيحة في ذكر القمر يعني عندما كانت تنطق القمر كانت تنطقه: الكمر القاف تبدلها كافًا إذًا الموالي سواء كانوا الفصحاء والشُّعراء أو من عوام النَّاس كانت تصعب عليهم كلمات عربيَّة بسبب عدم قدرتهم على نطق بعض الحروف بالشَّكل الصَّحيح كما ينطقه العرب، هذا من الجوانب السَّلبيَّة لكن هذا اللَّحن لم يبق مقتصرًا على الموالي بل سرى حتَّى إلى ألسنة بعض العرب أنفسهم، هنا أصبح الدَّاء أكبر كما يقولون لأنَّ اللَّحن لم يكن فقط على ألسنة الموالي الَّذين لا يجيدون العربيَّة بل انتقل إلى ألسنة العرب ففسدت سلائق النَّاس ولذلك صار خلفاء بني أميَّة يعتنون بتأديب أولادهم وتعليمهم اللُّغة العربيَّة الفصحى لأنَّ هؤلاء الأولاد يعيشون حياة مرفَّهة في القصور يعيشون مع الخدم والعبيد والجواري فبالتَّالي سيسري اللَّحن إلى ألسنتهم ولذلك اعتنى الخلفاء بتربية أولادهم وبتعليمهم اللُّغة العربيَّة الفصحى ويقال إنَّ عبد الملك بن مروان أهمل تأديب ابنه الوليد فجرى اللَّحن على لسانه ويقولون مثلًا من جملة ألحانه أو من جملة اللَّحن الَّذي وقع فيه انَّه نطق يومًا كلمة لِص لُص بضمِّ اللَّام ويقال أيضًا أنَّ الحجَّاج وكان معروفًا بالفصاحة ونشأ في البادية ومع ذلك كان لا يسلم من اللَّحن بل وقع مرَّة بلحن في قراءة آية في القرآن الكريم ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ﴾ (أحبُّ إليكم) هكذا قرأ بدل ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ﴾ كأنَّه لمَّا طال الكلام وطالت المعطوفات نسي أوَّل الكلام فرفع الكلمة وأقسم بعد ذلك أنَّه لن يلحن وأنَّه سيتعلَّم أكثر. إذًا هذا الجانب السَّلبي الَّذي انتقل إلى العرب أنفسهم أدَّى إلى أن دفع علماء اللُّغة والنَّحو إلى أن يقوموا بجمع اللُّغة والهجرة إلى البوادي من أجل جمع اللُّغة وتدوين قواعد اللُّغة لصيانة العربيَّة ممَّا دخلها من الفساد، ونشط هذا الأمر في البصرة بالدَّرجة الأولى وكذلك في الكوفة وكان بعض هؤلاء العلماء يلازم الشُّعراء وينتقدهم إذا أخطؤوا أو لحنوا كما هو شأن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي الَّذي كان يراجع الفرزدق في أشعاره حتَّى قال فيه -الفرزدق في أشعار عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي-: ولو كان عبد الله مولىً هجوته ولكنَّ عبد الله مولى مواليَا فقال له: كان يحسن أن تقول: مولى موالٍ، ولكن طبعًا هذا اللَّحن أو هذا النَّقد كان قليلًا بالنِّسبة للفرزدق وإنَّما نجد أنَّه يكثر على شعراء آخرين مثل: الطِّرماح فقد كان يستخدم الألفاظ البدويَّة الغريبة في شعره استخدامًا غير دقيق وكان يتكلَّف بإدخال ألفاظ آراميَّة في شعره ونتيجة لكلِّ ذلك طبعًا قام العلماء بوضع حدٍّ فاصل ما بين شعر المحتجِّ به والشِّعر غير المحتجِّ به فقالوا: المحتجُّ به هو الشِّعر الجاهليّ وشعر المخضرمين وأمَّا شعر الامويِّين فيقبلون شعر مثل جرير والفرزدق والأخطل ولا يقبلون شعر مثل الطِّرماح والكميت ويميِّزون بين من نشأ في البادية وبين من نشأ في الحضر وأمَّا شعر شعراء الدَّولة العبَّاسيَّة فهذا يسمَّى شعر المولَّدين ولا يُحتجُّ به. \- تعريب الأقطار، تحدَّثنا عن نظام الموالي نشوء لغة يتعلَّمها الموالي ويتكلَّمون بها بسهولة \- استعارة العرب بعض الألفاظ من الموالي، \- اللُّكنة الَّتي كانت على لسان الموالي ثمَّ سرت بعد ذلك إلى ألسنة بعد العرب وممَّا دفع علماء اللُّغة إلى جمع اللُّغة والقواعد ووضع حدٍّ فاصل ما بين الشِّعر المحتجِّ به والشِّعر غير المحتجِّ به. ثانيًا: الإسلام وأثره في موضوعات الشِّعر. من الطَّبيعيِّ أن يؤثِّر الإسلام في موضوعات الشِّعر الأمويِّ وهذا التَّأثير لم يكن على درجة واحدة وإنَّما يختلف بحسب طبيعة الشَّاعر ومدى تأثُّر الشَّاعر بالتَّعاليم الإسلاميَّة فهناك من تأثَّر كثيرًا وهناك من تأثَّر على نحوٍ بسيط. فالإسلام له تعاليم له آداب له أخلاق يجب مراعاتها فإذا تعلَّمها الشَّاعر وانغرست هذه الأخلاق والآداب والتَّعاليم والأخلاق في نفسه لا شكَّ أنَّه سيترك الكثير من العادات الَّتي كانت في شعر الجاهليَّة مثلًا. سنتحدَّث عن أبرز فنون الشِّعر الَّتي أثَّر فيها الإسلام، الشِّعر فيه الفخر وفيه المديح وفيه الهجاء وفيه الرِّثاء وفيه الغزل هذه كلُّها من فنون الشِّعر سنتحدَّث بشكل مختصر بسيط عن أثر الإسلام في كلِّ فنِّ من هذه الفنون. الغزل: كان للإسلام دور كبير في جعل الغزل غزل براءة وطهر وصفاء ونقاء أو ما يسمَّى بالغزل العذريِّ وهذا نجده طبعًا كثيرًا عند شعراء نجد وبوادي الحجاز وعند فقهاء المدينة ومكَّة، فظهر هذا الشِّعر العذريّ أو الغزل العذري وانتشر بشكل كبير وهذا الغزل يقوم على عدم الإسفاف وعدم الإسراف في وصف الجسد ومفاتن المرأة ونحو ذلك وإنَّما يقتصر على وصف الحبِّ والشَّوق ونحو ذلك. مثال ذلك قول جميل: إلى الله أشكو لا إلى النَّاس حُبَّها ولابدَّ من شكوى حبيب يروَّعُ ألا تتَّقين الله فيمن قتلتِه فأمسى إليكم خاشعًا يتضرَّع فيا ربِّ حبِّبني إليها وأعطني المودَّة منها أنتَ تُعطي وتَمنع نلاحظ أنَّه فقط يصف الحنين والشَّوق وما ناله من محبوبته ولا يتحدَّث عن وصف جسديٍّ وما يشبه ذلك. من جوانب تأثير الإسلام كذلك على الشُّعراء أنَّهم صاروا في أشعارهم يستلهمون في الغزل بعض الأفكار الإسلاميَّة كفكرة العفو والغفران، فيقول عمر بن أبي ربيعة مثلًا: فديتكِ أطلقي حَبلي وجودي فإنَّ الله ذو عفوٍ غفورُ. الشَّاهد: فإنَّ الله ذو عفوٍ غفور، ذِكر العفو والمغفرة هذا طبعًا ممَّا أخذه الشَّاعر من الأفكار الإسلاميَّة. كذلك نجد الشُّعراء في مقام الشَّكوى من المحبوبة يذكرون القتل وعقوبة القتل وإثم القتل، مثال ذلك ما نجده عند الفرزدق حيث يقول: يا أخت ناجية بن سامة إنَّني أخشى عليك بنيَّ إن طلبوا دمي فإذا حلفتِ هناك أنَّكِ من دمي لبريئةُ فتحلَّلي لا تأثمي فلئن سفكت دمًا بغير جريرةٍ لتخلَّدِنَّ مع العذاب الألأم نلاحظ أنَّه يتحدَّث عن عدم التَّأثُّم والحلف واليمين والخلود في العذاب كلُّ هذه من الأفكار الإسلاميَّة شاهدنا كيف أنَّ الإسلام نقَّى الغزل وجعله عذريًّا وكيف أنَّ الشُّعراء استلهموا أفكارًا إسلاميَّة في غزلهم وفي شكواهم ونحو ذلك. من فنون الشِّعر كذلك الَّتي أثَّر فيها الإسلام: المديح: معروف أنَّ الشُّعراء يمدحون الأمراء والخلفاء ونحو ذلك فإذا وجدنا المديح عند الشُّعراء نرى فيه تصوير الفضيلة الدِّينيَّة في الممدوح يعني كانت عادة الشُّعراء أن يصفوا ممدوحهم بالكرم والشَّجاعة والسَّخاء والمروءة ونحو ذلك. في هذا العصر صار يُمتدح بأنَّه تقيٌّ وورع وصالح فيه خير وأنَّه عادل ويقيم موازين العدل بين الرَّعيَّة ونحو ذلك. ومن جملة ذلك مثلًا الأبيات الَّتي قالها ُكثَيِّر في حقِّ عمر بن عبد العزيز الَّذي كان مثالًا للعدل في العصر الامويِّ فامتدحه كثيرًا من الشُّعراء وكان وصفه بالتَّقوى يعني أمر محوري عند هؤلاء جميعًا فيقول كثيِّر: وصدَّقتَ بالفعلِ المقالَ مع الَّذي أتيتَ فأمسى راضيًا كلُّ مسلم. وقد لبست لبس الهَلُوك ثيابها تراءى لك الدُّنيا بكفٍّ ومعصم. فأعرضتَ عنها مشمئزًّا كأنَّما سَقتك مدوفًا من سمامٍ وعَلقمِ. تلاحظون أنَّه يصفه بأنَّه الدُّنيا تزيَّنت له وظهرت أمامه في صورة الحسناء تريد أن تغريه لكنَّه أعرض عنها كارهًا لها ومبغضًا لها كأنَّها سقته السُّمَّ والعلقم. نجد مثلًا شاعرًا آخر يصف بني هاشم ويقول: نهاركم مكابدةٌ وصومٌ وليلكم صلاة واقتراء وليتم بالقران وبالتَّزكِّي فأسرعَ فيكمُ ذاك البلاءُ نجد أنَّه يصفهم بأنَّهم في النَّهار أهل صيام وفي اللَّيل أهل تلاوة للقرآن وأهل تهجُّدٍ وقيام. فنُّ الهجاء: فنجد أنَّ الشُّعراء إذا هجوا الخصوم يهجونهم بالانحراف عن الدِّين وبوصفهم بالفسوق والبغي والطُّغيان ونحو ذلك، كقول جرير في آل المهلَّب: آل المهلَّب فرَّطوا في دينهم وطغوا كما فعلت ثمود فباروا. يصفهم بالطُّغيان والتَّفريط بالدِّين وأنَّ عاقبتهم كانت هي الهلاك كما بارت يعني هلكت ثمود وممَّا يتعلَّق بفنِّ الهجاء أنَّه قد نشطت في هذا العصر العصبيَّات لأنَّ العصر الأموي كان عصرًا يموج بالفتن والحروب والقلاقل في العراق والجزيرة ومختلف البلدان فبالتَّالي كان الشَّاعر يمتدح قومه ويهجوا خصومه من الولاة والأمراء بل حتَّى من العلماء والقرَّاء إذا رأوا أنَّهم يميلون مع السَّلاطين أو نحو ذلك، كما يقول ذي الرِّمَّة: أمَّا النَّبيذُ فلا يَذْعَركَ شاربُهُ واحفظْ ثيابكَ ممَّن يشربُ الماءَ قومٌ يُوارُونَ عمَّا في صدورهُم حتَّى إذا استمكنوا كانوا همُ الدَّاءَ مشمِّرين إلى أنصاف سُوقِهم همُ اللُّصوص وهم يُدعون قرَّاء نلاحظ في هذه الأبيات أنَّه كان ناقمًا على هؤلاء القرَّاء ويرى أنَّهم هم الدَّاء وأنَّهم ليسوا على الحقِّ الَّذي يُطلب منهم. شعر الحماسة: والمقصود بالحماسة وصف الشَّجاعة والحروب والمعارك وكما قلنا العصر الأموي كان عصرًا يموج بالفتن والحروب والقلاقل والاضطرابات والثَّورات من فترة إلى فترة ومن مكان إلى مكان فظهر الكثير من الشُّعراء الَّذين كانوا في صفوف المحاربين وهؤلاء كانوا يحثُّون المحاربين على القتال وعلى الاستشهاد ونحو ذلك ويؤلِّفون في ذلك القصائد الَّتي فيها إلهاب للحماسة حتَّى تكون من المحفِّزات للمقاتلين على الإقدام على القتال حتَّى بعض المقطوعات الشِّعريَّة صارت تُتَّخذ بمثابة مواعظ يلجأ إليها الشُّعراء دائمًا في الحروب كما يقول مثلًا نصر بن سيَّار: دع عنكَ دنيا وأهلًا أنت تاركهم ما خيرُ دنيا وأهلٍ لا يدومونا وأكثِرْ تقى الله في الأسرار مجتهدًا إنَّ التُّقى خيره ما كان مكنونا واعلم بأنَّك بالأعمال مُرتَهَنٌ فكن لذاك كثير الهمِّ محزونا وامنح جهادك من لم يرجُ آخرةً وكن عدوًّا لقومٍ لا يصلُّونا فاقتلهم غضبًا لله منتصرًا منهم به ودعِ المرتابَ مفتونًا فنجد أنَّه يزهِّد في الدُّنيا ومتاعها الفاني ويذكِّر بأنَّ كلّ شيء سيهلك الدُّنيا وأهلها ويدعو إلى التَّقوى في السِّرِّ والخفاء مذكِّرٍا باليوم الآخر وما ينبغي أن يُتَّخذ له من الأعمال الصَّالحة وبيع النَّقس في سبيل الله طبعًا الحماسة أكثر ما نجدها في أشعار الخوارج الَّذين كانوا يكثرون منها ومعروف أنَّ الخوارج بقوا يقاتلون الأمويِّين وغيرهم فترة طويلة. فنُّ الرِّثاء: فنجد في رثائهم المعاني الدِّينيَّة القائمة على التَّسليم لله سبحانه وتعالى والرِّضا بالقضاء والقدر وبيان أنَّ كلَّ نفس ذائقة الموت وأنَّ الموت سبيل كلِّ إنسان وأنَّه حتم في عقاب العباد وأنَّ على من مات له أحد أن يتذرَّع بالصَّبر الجميل وما يشبه ذلك. هذه أبرز جوانب تأثير الإسلام في الشِّعر، رأينا تأثيره في: الغزل، المديح، الهجاء، شعر الحماسة. ثالثًا: تأثير السِّياسة على الشِّعر. طبعًا هذا الموضوع طويل الأذيال، العصر الأمويُّ كما قلنا عصر يموج بالفتن والاضطرابات والثَّورات والنِّزاعات وكانت الثَّورات تقوم على الأمويِّين من فترة لفترة وكان هناك صراع ما بين الخوارج والأمويِّين، وما بين الولاة والأمراء من فترة لفترة ومن حين على حين، صراع الأمويِّين مع ابن الزُّبير وأشياء كثيرة، فكلُّ طائفة من هذه الطَّوائف كان لها شعراء وكان لها أدباء يدافعون عنها ويرون أنها على الحقِّ وأنَّ خصومها على الباطل فكان هؤلاء ينتصرون لجماعتهم ويدعون النَّاس إلى اتِّباعها والوقوف في صفِّها وينهون النَّاس عن الوقوف في صفِّ أعدائها ويهجون أعدائها ويصفونهم بالظُّلم والفساد ونحو ذلك، إنَّ أكثر ما ظهر هذا الأمر في شعر شعراء الخوارج الَّذين عُرفوا بنظمهم لقصائد الحماسة الَّتي تلهب أنصارهم وتحثُّهم على مقاتلة خصومهم والدِّفاع عمَّا يعتقدون.