Full Transcript

**بسم الله الرحمن الرحيم** **محتويات المقرر** ----------------------------------------------------------------...

**بسم الله الرحمن الرحيم** **محتويات المقرر** ---------------------------------------------------------------------------------------------- ----------------------------------------------------------------------------------------------------------- ------------ **الرقم** **الموضوع** **الصفحة** **1** مقدمة المقرر. **5** **2** الأهداف العامة للمقرر. **6** **3 الوحدة الأولى :** مفهوم الفلسفة والنظرية **7** **4** مقدمة الوحدة الأولى **9** **5** أهداف الوحدة الأولى **9** **6** معني \"فلسفة\". **10** **7** العلاقة بين الفلسفة والتربية. **11** **8** الفلسفة الكلية: **12** **9** أهمية الفلسفة الكلية:. **12** **10** الفلسفة الكلية والتقدم التربوي. **13** **11** الفلسفة الإسلامية. **13** **12** فلسفة التربية الإسلامية. **15** **13** الجانب التأملي في فلسفة التربية الإسلامية. **17** **14** أهداف التربية الإسلامية. **18** **15** النظرية ومعناها. **20** **16** النظرية العلمية. **20** **17** النظرية والإفتراض. **21** **18** النظرية العلمية والنظرية العملية. **21** **19** النظرية التربوية. **22** **20** بناء النظرية التربوية. **22** **21** هل النظرية التربوية (نظرية)؟. **22** **22** خلاصة الوحدة الأولى **25** **23** لمحة مسبقة عن الوحدة الثانية **25** **24** إجابة التدريبات **25** **25** مصادر ومراجع الوحدة الأولى **27** **26 الوحدة الثانية :** مبادئ وأُسس التربية والتعليم في الأقطار الاسلامية. **29** **27** مقدمة الوحدة الثانية **31** **28** أهداف الوحدة الثانية **32** **29** وضع منهاج تعليم إسلامي **33** **30** المواد الدراسية الهامة **34** **31** الخطوط العامة التي يقوم عليها منهج التربية الجديد **38** **32** الصعوبات التي تعترض التنفيذ **43** **33** الإسلام وأهداف التربية الغربية **45** **34** توجيه الاسلام في جوانب التربية المختلفة **47** **35** شمول الهدف الاسلامي للجانب الاجتماعي من جوانب التربية **50** **36** التربية الإسلامية والمواطنة الصالحة **52** **37** خلاصة الوحدة الثانية **54** **38** لمحة مسبقة عن الوحدة الثالثة **54** **39** إجابة التدريبات **54** **40** مصادر ومراجع الوحدة الثانية **55** **41 الوحدة الثالثة :**التربية الإسلامية : أسسها - خصائصها - وأساليبها. **56** **42** مقدمة الوحدة الثالثة **57** **43** أهداف الوحدة الثالثة **57** **44** خصائص التربية الإسلامية. **58** **45** اساليب التربية الإسلامية. **67** **46** خلاصة الوحدة الثالثة **73** **47** لمحة مسبقة عن الوحدة الرابعة **73** **48** إجابة التدريبات **73** **49** مصادر ومراجع الوحدة الثالثة **75** **50 الوحدة الرابعة :**فلسفة التربية الإسلامية : ماهيتها ومصادرها وشروطها. **76** **51** مقدمة الوحدة الرابعة **78** **52** أهداف الوحدة الرابعة **78** **53** ماهية فلسفة التربية الإسلامية وعلاقتها بالفلسفة الإسلامية العامة. **79** **54** أهمية بناء فلسفة إسلامية لتربيتنا وتعليمنا. **83** **55** المصادر التي يمكن أن تشتق منها الفلسفة الإسلامية للتربية. **85** **56** مقومات وشروط الفلسفة الإسلامية للتربية **89** **57** خلاصة الوحدة الرابعة **93** **58** لمحة مسبقة عن الوحدة الخامسة **93** **59** إجابة التدريبات **93** **60** مصادر ومراجع الوحدة الرابعة **94** **61 الوحدة الخامسة :**المبادئ التي تقوم عليها نظرة الإسلام إلى كل من الكون و الإنسان **95** **62** مقدمة الوحدة الخامسة **95** **63** أهداف الوحدة الخامسة **97** **64** 1\. المبادئ التي تقوم عليها نظرة الإسلام إلى الكون **97** **65** أ. إيمان المربى المسلم بأن التربية عملية نمو واكتساب للخبرة وتغيير مرغوب فيه في سلوك الفرد والجماعة. **98** **66** ب. أن المراد بالكون أو العالم أو الطبيعة هو كل ما عدا الله من سموات وأرضين وغيرها **98** **67** ج. إيمان المسلم المتعمق في دينه بأن الوجود مادة وروح على عكس الفلسفات الأخرى. **100** **68** د. الكون بجميع محتوياته متغير وفى حركة مستمرة حسب الغاية المرسومة له من خالقه **102** **69** ه. إن العالم بجميع محتوياته يسير فى حركة منتظمة تدل على وحدة التدبير. **104** **70** و. هنالك علاقة ثابتة راسخة بين الأسباب ومسبباتها **105** **78** 2\. المبادئ التي تقوم عليها نظرة الإسلام إلى الإنسان **106** **79** أ. الإيمان بأن الإنسان هو أفضل ما في هذا الكون من عناصر وموجودات ومخلوقات. **106** **80** ب. الإيمان بأن تكريم الإنسان وأفضليته على غيره لا ترجع إلى جنسه وغيره إنما ترجع إلى إيمانه وتقواه وخلقه. **108** **81** ج. الإيمان بأن الإنسان حيوان ناطق قادر على إستعمال اللغة كأداة للتفكير والإتصال وعلى وضع المصطلحات. **111** **82** خلاصة الوحدة الخامسة **114** **83** لمحة مسبقة عن الوحدة السادسة **114** **84** إجابة التدريبات **114** **85** مصادر ومراجع الوحدة الخامسة **115** **86 الوحدة السادسة :**المبادئ التى تقوم عليها كل من نظرية المعرفة وفلسفة الأخلاق في الفكر الإسلامي **116** ------------------------------------------------------------------------------------------------------------- ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- --------- **87** مقدمة الوحدة السادسة **118** **88** أهداف الوحدة السادسة **118** **89** **المبادئ التى تقوم عليها نظرية المعرفة في الفكر الإسلامي.** **118** **90** المبدأ الأول : الإيمان بأهمية المعرفة كهدف أساسى يسعى الأفراد والجماعات إلى بنائه وتكوينه من وراء التربية وكأداة للتقدم. **118** **91** المبدأ الثانى : الإيمان بأن المعرفة البشرية هي المعلومات والأفكار التى نتوصل إليها عن طريق حواسنا وعقولنا. **121** **92** المبدأ الثالث : الإيمان بأن المعارف البشرية تتفاوت في فضلها وقيمتها حسب موضوعها وغاياتها ووسيلتها. **123** **93** المبدأ الرابع : الإيمان بأن للمعرفة البشرية مصادر متنوعة وأن الخبرة البشرية والإدراك الحسى بعضاً منها. **124** **94** **المبادئ التى تقوم فلسفة الأخلاق في الإسلام.** **127** **95** المبدأ الأول : الإيمان بـأن الأخلاق من أهم المعانى في هذه الحياة تأتى مرتبتها بعد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. **127** **96** المبدأ الثانى : الإيمان بأن الخلق إتجاه راسخ تصدر عنه الأفعال وهو عامل يؤسر في مقدرة الإنسان على تكيفه مع البيئة. **130** **97** المبدأ الثالث : الإيمان بأن الأخلاق الإسلامية أخلاق إنسانية سامية. **132** **98** المبدأ الرابع : الإيمان بأن الغاية القصوى للدين والأخلاق هي تحقيق سعادة الدارين والكمال النفسى للفرد والمجتمع. **140** **99** خلاصة الوحدة السادس **141** **100** إجابة التدريبات **141** **101** مصادر ومراجع الوحدة السادسة **142** **102** خاتمة الكتاب **143** **مقدمة المقرر** سنحاول في هذا الكتاب المنهجى في فلسفة التربية الإسلامية ان نتحدث بإيجاز عن مفهوم ومبادئ التربية الإسلامية وفلسفتها وما يدخل تحتها أو يرتبط بها من موضوعات فرعية أخرى ، مثل أهداف التربية الاسلامية ، ومناهجها ، وطرق التدريس ومعاملة التلاميذ فيها ، وواجبات وحقوق المدرسين والتلاميذ فيها ، وغير ذلك من الموضوعات التي قد نرى أن الحاجة تدعو إلى دراستها ومناقشتها. ونحن في نقاشنا لكل هذه الموضوعات سنضع في اعتبارنا على الدوام أن المادة الدراسية أو المقرر الدراسي الذي يعدّ له هذا الكتاب هو مادة فلسفية في طبيعتها ، ومن ثمّ فإن تركيزنا سيكون في المقام الأول على بيان المبادئ والأسس والقواعد العامة التى ترتكز عليها موضوعات الكتاب بدلاً من التركيز على بيان الجزئيات والتطبيقات العملية. وسيكون رائدنا ومصدر إلهامنا وتوجيهنا في كل ما سنذكره هو الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية التي تنبع من كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم واجتهادات وآراء وآثار وإقرارات وممارسات السلف الصالح من امتنا الإسلامية المجيدة. وقد تم تصميم هذا الكتاب في شكل وحدات تشتمل كل وحدة في بدايتها على أهداف محددة للوحدة ، ثم موضوعات الوحدة ، تتخللها تدريبات يتم حلها في نهاية الوحدة ، كما تتخللها أسئلة للتقويم الذاتى يقوم الطالب بحلها من خلال مذاكرته للكتاب ، كما تشتمل الوحدة على بعض الأنشطة التى يمكن للطلاب أن يناقشوها مع بعضهم البعض بهدف تركيز الفهم. وقد ختمت كل وحدة بخاتمة تلخص ما ورد في الوحدة وتعطى لمحة عامة عن الوحدة التى تليها ، والتعريف بالمراجع التى تمت الإستفادة منها لكتابة محتوى الوحدة. الكتاب بطريقة تصميمه ، نحسب أنه يستجيب لطبيعة التعليم عن بعد ، فكتابة أهداف كل وحدة في بدايتها ، يسهل على الطالب ربط هذه الأهداف بالمحتوى ، ومن خلال التدريبات ، وأسئلة التقويم الذاتى والأنشطة يمكن للطالب أن يتعرف على مدى تحقق أهداف كل وحدة من خلال مذاكرته للكتاب ، ودراسته. نأمل أن يسهم كل ذلك في تمكين الطلاب من فهم موضوعات هذا الكتاب ، والإفادة منه إلى أقصى درجة ممكنة فيما يتعلق بفلسفة التربية الإسلامية. والله ولى التوفيق --------------------------- **الأهداف العامة للمقرر** --------------------------- **محتويات الوحدة الأولى** --------------------------- --------------------------------------------- ------------ **الرقم** **الموضوع** **الصفحة** **1** مقدمة الوحدة الأولى **9** **2** أهداف الوحدة الأولى **9** **3** معني \"فلسفة\". **10** **4** العلاقة بين الفلسفة والتربية. **11** **5** الفلسفة الكلية: **12** **6** أهمية الفلسفة الكلية:. **12** **7** الفلسفة الكلية والتقدم التربوي. **13** **8** الفلسفة الإسلامية. **13** **9** فلسفة التربية الإسلامية. **15** **10** الجانب التأملي في فلسفة التربية الإسلامية. **17** **11** أهداف التربية الإسلامية. **18** **12** النظرية ومعناها. **20** **13** النظرية العلمية. **20** **14** النظرية والإفتراض. **21** **15** النظرية العلمية والنظرية العملية. **21** **16** النظرية التربوية. **22** **17** بناء النظرية التربوية. **22** **18** هل النظرية التربوية (نظرية)؟. **22** **19** خلاصة الوحدة الأولى **25** **20** لمحة مسبقة عن الوحدة الثانية **25** **21** إجابة التدريبات **25** 22 مصادر ومراجع الوحدة الأولى **27** **معني \"فلسفة\":** بالإضافة إلى \"الشُبهات العقيدية\" التى يُنشئها الاستماع إلى كلمة \"فلسفة\" في اذهان بعض المسلمين ، فإن الكلمة توحي إلي العامة بعدة معان : منها كثرة الكلام ،والتعقيد ، والإبهام. أما بالنسبة للمثقفين فمعناها يتصل \"بالتعميق\" و \"عدم السطحية\" وكذلك أخذ الأمور مأخذاً جدياً مع الشمول ، واتساع النظرة واستعمال الحكمة والبصيرة. فعلى سبيل المثال نجد الدكتور محمد الهادي عفيفي يرى أن فلسفة التربية هي \"الرؤية الفكرية والنظرية الشاملة المتكاملة التى تستند إليها الأهداف العامة التى تُوجِّه النظام التعليمي أو النشاط التربوي كله. \" فمن صفات هذه الرؤية أنها شاملة ومتعمقة وفيها استعمال للحكمة والبصيرة. وفي الاستعمال اللغوي العادي عندما يشار إلى فلسفة شخص معين إنما يُقصد طريقته في التفكير. فالشخص الذي اعتنق فلسفة أو الذى التزم طريقة محدَّدة في معاجة الأمور هو شخص اتخذ لنفسه في الحياة مذهبا ، ويُمكن التنبؤ بأفعاله في مواجهة ما يستجد من مواقف في الحياة ،على عكس الشخص الذي لديه فلسفة أو مذهب ، فهو لا مبدأ له ويتذبذب ، ومن ثم لا يمكن التنبؤ بأفعاله.ففي هذه الحالة يكون : لأن يتفلسف الإنسان ،لأن يتخذ لنفسه في الحياة مذهبا. ويُلاحظ أنه في هذه الحالة ، حالة كون أن الفلسفة تعني التمذهب بمذهب حياتي ، أنها أي الفلسفة يُمكن ان تُحمل محمل العقيدة الكلية وتكون مُحدِّدة للبواعث والاهداف الأساسية للأفراد والجماعات وصالحة لتنظيم الحياة في جوانبها المختلفة بصورة كلية. ومن الناحية الأخري فإن معني كلمة \"فلسفة\" الذي يمتد في جذوره بالنسبة للغربيين إلى التراث الإغريقي القديم قد طُوّر في العصر الحديث لدى البعض ليدخل في إطار النظرة المادية للحياة التى تركز على المنهج العلمي ولا تعترف بوجود تصور نهائي لطبيعة الحياة وما ينبغي أن تكون عليه. فلم تعد الكلمة تعني \"حب الحكمة\" وهو المعني الحرفي للكلمة الإغريقية القديمة فيليا صوفيا أو التأمل في طبيعة وجود الأشياء وبحث الأوجه القيمية لها ، وإنما أصبحت تعني طريقة النظر إلى المعرفة الموجودة فعلاً مع التركيز على تنظيم ماهو كائن وتفسيره وتوضيحه ونقده. فالفيلسوف عند بعض الغربيين لم يعد هو الشخص الذي يستطيع أن يعطي إجابات على أسئلة ضخمة مثل : ماهي طبيعة الحياة ؟ أو ماهو سر الوجود؟ أو ماهو معنى السعادة؟ وإنما هو أخصائي يعمل في مجال معين ، ومهمته هي توضيح المعاني والمفاهيم الواردة في ذلك المجال ونقدها وتفسيرها. فمثلا إذا كان ميدان البحث في مجال التربية ، فإن فيلسوف التربية هو الشخص الذي يعمل في مجال على مستوى أعلى ، ويمكن أن يُميَّز عن الشخص الآخر الذي يتعامل مع مادة التعليم بشكل مباشر كالمدارس ، وإليه (أي فيلسوف التربية) تُرد المفاهيم التربوية مثل مفهوم \"التربية\"و\"التدريب\" و\"الخبرة\" ليحللها ويفسرها. وفي ضوء هذا المفهوم فإن مهمة الفلسفة عند البعض ليست هي البحث عن الحقيقة لأن الحقيقة إنما توجد فقط في العلم المادي (وهذا مجال العلم وليس مجال الفلسفة) ولذلك تُسند مهمة تجليتها بشكل متكامل إليه (أي العلم) لأنه يتعامل مع ما هو موجود فعلا. أما مهمة الفيلسوف فلا تزيد عن \"تنقية وإثراء وتنسيق اللغة التي تستخدم في تفسير الخبرة\" والفلسفة نفسها لم تعد ملكة العلوم أو العلم الأعلي الذي يستطيع أن يُعطي إجابات شافية عن مستقبل الإنسان في الحياة الأخري أو وضعه في الوجود اللامتناهي وإنما نشاط تحليلي في مجال محصور متخصص. إذاً فالفلسفة عند كثير من الفلاسفة الغربيين ماهي إلا نشاط تحليلي توضيحي ولايشترط فيها أن تعطي صورة كلية للحياة، أو تعليلا لأسباب سعادة الإنسان وتقدمه مثلا وهي كذلك عند هؤلاء لا يشترط فيها الشمول كأن تشتمل على البحث فيما وراء الطبيعة ، وإنما تتجه في إطار التسليم بمادية الحياة إلى البحث في بعض المجالات المتخصصة كمجال \"فلسفة التربية\"و\"فلسفةالعلوم\"و\"فلسفة التاريخ\"\...إلخ، ويكون النشاط الفلسفي في هذه الحالات عبارة عن عمليات تحليل وتوضيح ونقد للأفكار والمفاهيم الواردة في تلك المجالات. **العلاقة بين الفلسفة والتربية:** العلاقة بين الفلسفة والتربية علاقة وثيقة جدا ، إذ أن التربية تنبثق عن الفلسفة وتتأثر بها بطريقة مباشرة ، فالتربية نظام تابع معلّق على الفلسفة ، ولا يقف وحده. فلا يُعقل أن تقيم أي مجموعة من الناس نظاما تربويا بدون أن تكون لهم فكرة أساسية عن الحياة أو بدون أن يكونوا جادّين في ذلك وملتزمين به فعلا. فإذا أقاموه وأكدوا فيه على عناصر المعرفة فقط فإن نظامهم التعليمي يبقى بلا هوية فلسفية ، ويبقى خريجوه بلا موقف أساسي من الحياة. وهذا لا يجوز لأن عناصر المعرفة المجردة إنما تُوظّف لخدمة القيم النهائية التي يرتضيها الناس في الحياة ، والناس في أي ثقافة من الثقافات إنما يُربون أبناءهم كيف ما يتصورون الحياة. والتربية في الثقافة الإسلامية ليست هي الحياة نفسها أو غاية في حد ذاتها كما يقول ديوي بل هي وسيلة لإدراك الغاية القصوى وهي إخلاص العبودية لله. وهذه العلاقة الوثيقة بين الفلسفة والتربية هي التى تبرر القول بأن معني كلمة \"تربية\" يشتمل بالضرورة على عناصر قيم ومعتقدات. ويبدوا هذا جليا من الاستعمال اللغوي العادي لكلمة \"تربية\" في المجالات العربية العامية ، فإذا ذُكر مثلا : \" أنت أبوك لم يربك \"، فليس المقصود أن أباك لم يعن بلياقتك البدنية أو بنموك العقلي ، وإنما يُفهم من هذا القول مباشرة شيء ما يتصل بقلة الأدب وسوء الخلق ومن ثم يُحمل محملا أخلاقيا. ولما كان أساس الدين أو التصور الإسلامي هو تحقيق العبودية لله وتزكية الأخلاق ، ولما كانت صفة التربية الاسلامية الأساسية صفة أخلاقية ، فإن التربية الإسلامية في جانبها غير المادي لا تنفك عن المعتقد ولا تقف منه موقف الحياد بل تتأثر به وتعكسه دائما. هذا مع الإقرار بأن التربية لها جانب آخر علمي محايد لا يعكس بالضرورة الفلسفية الكلية وإنما يكون محايدا بالنسبة لها ، ولا يتأثر بها إلا في ترتيب أولويات البحث التربوي وكيفية الاستفادة من نتائجه. ومن الصفات الاساسية للتربية الإسلامية الصفة الخلقية بعد الصفة الاعتقادية.ولما كان الأمر كذلك ، فإن هذا يجعل من الممكن أن يُقال بصورة عامة أن علاقة التربية الإسلامية بالعقيدة أو الفلسفة الإسلامية هي علاقة انبثاق وأنها تتأثر بها تأثرا مباشرا وتعكسها دائما. ---------------------------------------------- **نشاط (1) :** ماذا تعنى لك كلمة فلسفة **؟** ---------------------------------------------- **الفلسفة الكلية:** إذا كانت الفلسفة تعني تصورا كليا للحياة ، فإن هذا التصور يمكن أن يتم من جانب الجماعة كما يتم من جانب الفرد، فإذا تصور قوم من الأقوام الحياة بطريقة كلية ، إذا رأوا أن الحياة الفاصلة هي التي يسودها كذا وكذا وإذا تمسَّكوا بقيم معينة ، وإذا كانت لهم آراء معينة عن طبيعة الوجود والمعرفة والأخلاق تعكس معتقدهم الأساسي هذا ، فإن فكرتهم الكلية هذه عن الحياة هي فلسفتهم ؛ ومن ثم فإن الفلسفة الكلية هي التي تُحدِّد طبيعة التنظيمات السائدة في المجتمع وتنسِّق بينها وتوجّهها ، ومنها ينبثق التقويم النهائي لحركات التقدم واعتماد النشاطات فيما يخطوه المجتمع من خطوات لتحقيق فكرته المُثلى عن الحياة. **أهمية الفلسفة الكلية:** للفلسفة الكلية أهمية قُصوي في حياة أي مجتمع من المجتمعات ، فبدونها لا تكون هناك عقيدة واحدة يؤمن بها الناس ولا قبلة واحدة يتجهون إليها وهيهات أن يكون التقدم في أي مجال من المجالات بلا اتجاه وبدون معايير تضبطه وتقومه وتربطه بالقيمة النهائية. أما بخصوص تحديد قِبلة أو اتجاه للأمة فإن هذا ضروري لكي تُوصِّل النشاطات المبذولة في المرافق كافة إلى شيء محسوس ذي قيمة ، وإلا فيمكن أن يكون السير في اتجاه ثم يُرجع عنه إلى ثان ، ثم إلى ثالث ورابع مع إلغاء نتائج العمل في اتجاه القبلات السابقة ، وتكسيرها عمدا ؛ أو يمكن أن لا تكون هناك قبلة إطلاقا ويدور المجتمع في هذه الحالة حول نفسه ولا يُحقِّق من النتائج إلا ماهو مظهري وممبت الصلة بكل ماهو قّيم وماكث في الارض. وانتقاء وجود عقيدة أخرى منافسة للعقيدة الأساسية يُجنِّب الناس الصراع ، فاختلاف الرأي في حدود العقيدة الواحدة لا يُفسد للود قضية ، ولكن اختلاف نهائي ومن شأنه أن يجذب المجتمع في اتجاهات متناقضة. من هنا يلزم تحديد عقيدة واحدة كلية للمجتمع والإفصاح عن ذلك والإلتزام بها التزاما فعليا وجادا حتى لا يُهيىء التباطؤ في ذلك وعدم التأكيد عليه - كأن يكون الموقف من العقيدة موقفا حياديا - لأن تتهيأ الظروف لتسلل أفكار أخرى تُخذ من عقائد مختلفة تُوضع موضع الاستلهام والتوجيه بالنسبة لقطاعات في حياة المجتمع. يُضاف إلى ذلك أن وجود عقيدة واحدة تُوجّه حياة المجتمع تجعل البناء متصلا ومتناسقا في الميادين المختلفة كافة ، لأنه تسودها روح واحدة. كذلك فإن وجود فلسفة واحدة تكون بمثابة العقيدة التى يلتزم بها الناس تجعل الأفراد يؤمنون بها ويخلصون لها ، وهذا من شأنه أن يعطي ضمانات بان يكون العمل لهدف مشترك ومن أجل الصالح العام ، بينما إذا تعددت العقائد التى يؤمن بها الناس والفلسفات المتنازعة على قيادة المجتمع وتوجيهه فإن الكثيرين يبقون بلا فلسفة أو عقيدة أصلا ، وتجدهم لا يؤمنون إلا بأنفسهم ، وبالتالي يكون العمل لصالح الأفراد وبذلك تُنهب ثروات الأمة وتُفتت بدلا من أن تُدخر لتُستثمر فيما يعود علي الأمة بالخير والمنفعة الاقتصادية والتقدم العلمي والأخلاقي. وأخيرا فإن الفلسفة الكلية أو العقيدة التي يؤمن بها الناس في أي مجتمع من المجتمعات تطبع ذلك المجتمع أو تلك الأمة بطابع محدّد ، فالذي يميِّز الأمة الإسلامية مثلا هو عقيدتها وتصورها الكلي للحياة وليس أي مظهر من مظاهر التقدم المادي والتحديث على النمط الغربي الذي تتسابق على تحقيقه كل مجتمعات الكرة الأرضية الحالية بدون تحديد نهائي للمقلييسالتى يُقاس بها ذلك التقدم. **الفلسفة الكلية والتقدم التربوي :** النظام التربوي هو أحد التنظيمات التى يُنشئها الناس في حياتهم الجماعية لترتيب الحياة وتوجيهها وفق تخطيطات المعتقد الأساسي أو التصور الكلي للحياة. فإذا كانت الفلسفة الكلية هي الإسلام مثلا ، فإن النظام التربوي في هذه الحالة يعد الإنسان لأن يتعامل مع كل ماحوله من ماديات وغير ماديات بالطريقة الإسلامية ويعتبر أن الهدف النهائي لتربيته هو تحقيق صفة الإنسان الصالح فيه على حسب المواصفات القرآنية. وهذا الهدف بدوره مأخوذ من الغاية القصوى لحياة المجتمع المسلم وهي تحقيق العبودية لله. والنظام التربوي مع التزامه بتحقيق هذه القيمة القصوى لحياة المجتمع بأكمله باعتبار القيمة النهائية التى تُقاس بها التربية ، فإنه يحقق أهدافاً أخرى على الطريق : فإن إعداد الإنسان الصالح العابد لله لا يتنافى مع تزويده بكل المعارف والمهارات في العلوم العصرية ، ولا يتعارض مع إتقانه لمنهج البحث العلمي الذي يتناسب مع تخصصه. وكذلك لأن يُهتم بتوجيه الابحاث وترتيب أولوياتها وتصميم مناهج بحثية لدراسة الظواهر غير الطبيعية باعتبارها ذات صلة بالصفة الأساسية للتربية الإسلامية وهي الصفة الأخلاقية ، فإن هذا لا يمنع من الاستمرار في دراسة الظواهر الطبيعية باعتبار أن حل المشكلات المادية من الأهداف التربوية المهمة وأن العملية واردة ومهمة في التربية. --------------------------------------------------------------------------------- **نشاط (2) :** عرَّف الفلسفة الكلية , واذكر العلاقة بينها وبين التقدم التربوى. --------------------------------------------------------------------------------- **الفلسفة الإسلامية :** ليس المقصود بالفلسفة الإسلامية هنا فلسفة الكندي أو فلسفة ابن سينا أو الفارابي أو ابن رشد أو غيرهم من الفلاسفة المسلمين الذين وضعوا بعض النظريات الفلسفية وتأثروا في ذلك بالأدب الإغريقي القديم ، وإنما يُقصد بهذا التعبير فقط التصور الإسلامي الكلي للحياة ، على أساس أن الفلسفة ماهي إلا محاولة للوقوف من الحياة موقفا كليا وفي هذه الحالة فإن التصور الإسلامي للحياة لا يُوجد في شكل حكم متناثرة في كتابات الإغريق وغيرهم من الحكماء القدامى والمحدثين يلتقطها المسلم ويضيفها إلى كنوز مصادره الإسلامية الأصلية ، وإنما في كتاب الله وسنة رسوله. والله سبحانه وتعالى يؤكد على ذلك : **(وَاٌحْذَرْهُم أن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآأنَزَلَ اٌللَّهُ إلَيْكَ) ، (فَذَلِكُمُ اٌللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ فأنى تُصرفُون)**. هذا وإن الحكمة التى يلتقطها المسلم منغيره ليست في مجال دينه وعقيدته ، وكل مايُستوحى منه تقويم وتوجيه لحياته الفردية والجماعية ، وإنما في مجال العلوم الطبيعية البحتة ، والجانب العلمي في العلوم الانسانية إن خلصوا نهائياً من آثار الفلسفات الأخرى. وعلى هذا الأساس فالفلسفة الإسلامية ماهي إلا التصور الإسلامي للحياة فيما يقفه هذا الدين من مواقف مبدئية منها بشأن طبيعة الوجود ، وأصل الحياة وطبيعة الإنسان وطبيعة المعرفة وطبيعة الأخلاق.ولقد وردت الإشارات مجملة في كتاب الله ومفصّلة في سنة رسوله عليه الصلاة والسلام عن بعض نواحي هذه المباحث الفلسفية التى يتناولها كل متفلسف وباحث في ماهية الحياة. أما المفهوم الفلسفي الغربي الحديث الذي يجعل من التفلسف طريقة من طرق البحث العلمي المتخصص وأداة لحصر المعرفة وتوضيحها وتحليلها وتفسيرها ونقدها ، والذي يتحاشى شمولية الحياة وابعادها غير المادية فغير وارد هنا لأن الفلسفة الإسلامية التى يجري بحثها تُركزّ على البعد غير المادي في الحياة باعتبار أن الدين هو أساساً إيمان بالغيب وموضوعه غير قابل لأن يُبحث فيه بالطرق العلمية التجريبية أو الطرق المنطقية العقلية التى يعتمدها فيلسوف الغرب الحديث دون غيرها. والفلسفة الإسلامية ليست فلسفة مثالية بمعنى أنها تعتمد فقط البعد غير المادي وإنما تركّز على العنصر الروحي باعتباره المقياس الأكبر لإمكانيات الكون وإمكانيات النفس البشرية. ومع ذلك فالإطار المادي للكون والإنسان موجود وله أهميته. فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من طين ونفخ فيه من روحه ، وأقام عالما روحيا -- بجانب المادي -- لا تدركه الابصار. ------------------------------------------------ **نشاط (3) :** ما المقصود بالفلسفة الإسلامية ؟ ------------------------------------------------ وبناء على ذلك فإن الفلسفة الإسلامية تقوم على البحث في طبيعة العالم بشقيه الروحي والمادي ، وعلى البحث في طبيعة الإنسان ، وطبيعة المعرفة ، وطبيعة الأخلاق. **طبيعة العالم :** ينقسم العالم في نظر الإسلام إلى جزأين : عالم روحي وعالم طبيعي أو مادي. والعالم الروحي في داخل نفس الإنسان وفي أنحاء الكون لا تحده حدود ولاتدركه الأبصار ، والحواس الخمس في الواقع تحجب هذا العالم أكثر مما تبديه إذ أنها صمّمت بحيث تقلّل الإدراك المباشر إلى الحجم الذي لا يفيض على حاجة الإنسان وطاقته. فليس في وسع الإنسان أن يسمع أو يرى كل ما هو كائن في الوجود ، وكثيرا من المؤثرات الموجودة لا تصل أبدا إلى إحساس الفرد المدرك. ولقد عمدت بعض منظمات الخبرات الروحية قديما إلى إلغاء وظيفة العزل بالنسبة للحواس وذلك بعرض المؤثر على الحاسة لمدة أطول. فمثلاً يردد أحدهم كلمة (الله) كثيرا جدا إلى أن يستقر المعنى الكبير لهذه الكلمة في العقل بعد تجاوزه لعمليات الفرز التي تتم عادة في الاجهزة السمعية والعصبية ، ويتمكن آخر من رؤية أجزاء غير مرئية من الكون أمامه بعد تركيز بصره عليه لفترة طويلة جدا. والعالم الروحي ليس هو بالضرورة منفصلا عن العالم المادي ، بل متداخل معه ، ولقد دلت بعض التجارب العلمية الحديثة أن للإنسان قدرات خارقة تتصل بطاقات غير عادية فيه وأنه يمكنه أن ينمي هذه القدرات إلى حد بعيدا جدا. **العلم الطبيعي :** يتكون في نظر الإسلام كذلك من أجزاء مادية مرئية يمكن الوصول إليها والبحث فيها بوساطة الحواس وقدرات الإنسان العقلية. وفي هذا الجانب من الكون المادي لا تُنكر الطريقة العلمية التجريبة التي تعتمد على الملاحظة والمشاهدة وتحاول أن تستنبط القوانين التي تحكم وجود الظواهر الطبيعية وتغيرها. **المعرفة:** أما المعرفة فهي من المباحث المهمة في الفلسفة الإسلامية ويمكن تقسيمها إلى قسمين كبيرين : 1. المعرفة التى تبحث في الطبيعة. 2. المعرفة التى تبحث فيما وراء الطبيعة. وتكوّن مصادر الدين الإسلامي الأساسية كالقرآن الكريم والسنة الجزء الأكبر والأهم من هذه المعرفة التى تبحث فيما وراء الطبيعة ويمكن للإنسان أن يستزيد من هذه المعرفة بتنمية قدراته الروحية والإلهامية ، كما يمكن أن يستعمل حواسه وعقله لتقصي النوع الأول من المعرفة. **الاخلاق:** أما بالنسبة للأخلاق فهي في الإسلام ذات صفة غير مادية ومردّها إلى القرآن الكريم وهو كلام الله سبحانه وتعالى **(إنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ)** وليس مصدرها المنطق العقلاني كما ذهب إلى ذلك الفلاسفة المسلمون من أمثال ابن سينا والفارابي اللذين حاولا إخضاع التفكير الأخلاقي لمنطق العقل ورأيا أن الحسن ما حسَّنه العقل والقبيح ما قبَّحه العقل. والرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو المثل الأعلى للمسلم كان خُلقه القرآن فأي شيء يحقق الإرادة الالهية ويمتثل لما وضعه الله من قيود أخلاقية فهو قّيم ، وكل قيمة لا تنسجم مع التصور الإسلامي الشامل للقيم فهي قيمة زائفة. فالأخلاق في الإسلام مرتبطة إذن بالتصور الإسلامي الكلي للحياة ، وترتبط بغاية وجود المجتمع الإسلامي وهي عبادة الله وترمز إلى مدي ما يبلغه المجتمع في هذا المجال من ارتقاء معنوي. والحق أن للأخلاق في كل مجتمع دورا في توجيه الحضارة على حد تعبير سير رتشارد لفنجستون. وهي في الإسلام جزء لا يتجزأ من الفلسفة الإسلامية ومطلقة ، فلا تُنسب إلى الإطار المادي والواقع الذي يعيش فيه الإنسان ولا تختلف من مكان إلى مكان أو زمان إلى زمان. وهي تنبثق عن أصل العقيدة الذي هو أساسا إيمان بالغيبيات وبالكمال المطلق لله سبحانه وتعالى.ولما كان الأمر كذلك ، فهذه الصفة غير المادية لمصدر الأخلاق تجعل من الممكن أن ينعتق الإنسان ذو الخلق القويم من الواقع المادي المحيط به ، فهو إن جاز أن يتأثر به ، إلا أنه لا يعكسه بالضرورة ، ويمكن أن يخالفه تماما كما بُعث نبيون ووُجد أناس صالحون في بيئات فاسدة ، بل وقد ينشأ الولد الصالح المؤمن في بيئة فاسدة ويُولد لوالدين كافرين كما يلد الرجل الصالح المؤمن ابنا كافرا. ------------------------------------------------------------------------------------------------- **أسئلة تقويم ذاتى(1) :** عدد المجالات التى تبحث فيها الفلسفة الإسلامية ثم تحدث عنها بالتفصيل. ------------------------------------------------------------------------------------------------- **فلسفة التربية الإسلامية :** لا يُوجد هنا مجال للحديث عن \"فلسفة\" للتربية الإسلامية بالمعنى الغربي الحديث الذى يركّز على تحديد المعاني وعلى صياغة الأفكار في القوالب اللغوية المناسبة التى تساعد على الوضوح ، وذلك لأن الإطار المادي العام الذي يُسلِّم به فلاسفة التربية الغربيون المعاصرون لا يتناسق مع الأساس الروحي للتربية الإسلامية. ومع هذا فليس هناك مانع من الإستفادة من أساليب تحديد المعاني وضبطها واعتمادها كجزء من وظيفة فلسفة التربية الإسلامية مادام ذلك منهجا علميا ومحايدا. ومن الناحية الأخرى فإن ما ذهب إليه بعض المفكرين المسلمين في العصور الوسطى كالفارابي وابن مسكوية أو غيرهما ممن تأثروا بكتابات الإغريق لم يتميز بالأصالة الإسلامية التى تُركّز على العنصر الروحي وتشير إلى إمكانيات ضخمة للتطور الإنساني في هذا المجال. وإضافة إلى هذا فإن الكتابات الحديثة في مجال التربية الإسلامية لا تعدو أن تكون في أكثر حالاتها سردا تاريخيا لتطور الفكر التربوي في العصور الإسلامية المختلفة ، أو وصفا لما يجري داخل مؤسسات التربية الحديثة في البلدان الإسلامية على طريقة فصل التعليم الديني واعتبار أنه يمكن أن يقدم في معاهد خاصة به ، بينما يبقى التعليم الرسمي مستقلا عنه ، غير ملتزم للدين الإسلامي فلسفيا وإن احتوى على مواد دينية. ولقد كانت هذه الأوصاف في مُعظمها وصفا لمضمون التعليم الغربي وطرقه في درجات متفاوتة من التركيز والمدى المساحي للبرامج. أما الأهداف النهائية للتربية الإسلامية فقد غابت مع غياب الفلسفة التربوية الإسلامية نفسها. وفي سبيل إيجاد الفلسفة تربوية إسلامية ، فإنه تجدر الإشارة إلى الآتي : 1\. إن الإسلام نظام فلسفي فريد ، فهو ينفرد بين النظم الفلسفية السائدة اليوم في العالم بالاعتقاد بوجود عالم روحي مطابق للعالم المادي ومتجاوز له. فالفلسفة الإسلامية مجالها مادي وغير مادي ، والرسالة الإسلامية دعوة إنسانية موجهة للإنسان حيثما كان ولا تتوقف فقط عند حدود إمكانيات تنظيم الحياة المادية ، بل تشير إلى إمكانيات ضخمة للحياة البشرية في بعد آخر غيربعد الزمان والمكان. 2\. يكوِّن الدين إطارا للمعرفة تلتزم به ولاتخرج عليه وفي الوقت نفسه يكون دافعا لتحصيل المعرفة ، \"فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة\". ولا يجوز البحث في ذات الله والتشكك في أنه قادر أو غير قادر لأن هذا ينقض الإيمان نفسه ، ولا سبيل للبرهنة عليه بالطريقة العقلية أو التجريبة. 3\. الدين وسيلة للمعرفة متفرّدة ، وبه يمكن أن تطّور الطاقات الروحية والإلهامية لدى الفرد بجانب الطاقات العقلانية المعروفة. ويمكن حينئذ الاستفادة من طاقات الإشراقات الروحية والإلهام لتطوير الاكتشافات العلمية في الأبعاد الحياتية غير المرئية لتكملة المعلومات عن الإمكانية الحياتية في حجمها الكامل بجميع أبعادها. 4\. بعض الاتجاهات الفلسفية الحديثة التي تحصر مجال فلسفة التربية في توضيح المفاهيم الواردة في محيط التربية ونقدها قاصرة جدا ، إذ أن دور الفيلسوف التأملي التقليدي لم يستنفذ أغراضه ، فالتربية في الثقافة الإسلامية متصلة بتنمية جوانب غير مادية ولابد من الخوض في هذه المسائل إذا كان القصد، وضع برنامج تربوي شامل يفي بجميع احتياجات الإنسان. وكذلك فإن مايراه بعضهم أن الحاجة ستكون إلى فلاسفة علوم متخصصين فقط رأي غير صحيح لأن هذه العلوم على حد تعبير د.سمعان صادق لابد أن ترتبط بإطار فلسفي عام. 5\. والفلسفة التحليلية الحديثة أيضا لا تصلح لأن تكون أساسا للتربية الإسلامية لأنها تنبثق عن أساس مادي فالفيلسوف في هذه المدرسة يسلّم بالأساس المادي للحياة ومن هنا ينتقل لبعض المسائل الفرعية مثل أهمية ضبط المعاني وتحديدها. بيد أن الأساس المادي للحياة غير مسلَّم به في الفلسفة الإسلامية ولذلك لا يمكن أن تهتم فلسفة التربية الإسلامية فقط بتحديد المعاني وضبطها بل يجوز لها أن تستفيد من هذا الأسلوب العلمي في المجال المناسب 6\. بما أن الفلسفة الإسلامية تبحث في الروحانيات لان هذا الدين أساسا إيمان بالغيب ، فيمكن القول بأن لها جانبا فلسفيا ميتافيزيقيا لا يمكن التخلي عنه أو إغفال أثره ، ولها مع ذلك جانب عملي تحليلي يتصل ببحثها في الماديات. وبالنسبة لجانبها العلمي التحليلي فإنه يتعلق ببحثها في الظواهر المادية ويُمكن الاستفادة هنا من طرق البحث العلمي المحايدة التي طُوّرتفي ثقافات أخرى. 7\. بعض المسائل لا يمكن برهنتها وتبريرها بالطرق العلمية المعروفة ، إذ أنها تحتوي على عناصر لا تخضع للأسس المادية ، ولا يمكن أن نُعطي تعليلا شاملا لهذه المسائل إلا إذا اعتبرنا الإنسان بكامل منافذه في علاقة شاملة مع البيئة المحيطة به. فحينئذ لا يلزم في برهنة هذه المسائل وتبريرها اعتماد البُعد المنطقي فقط ، وإنما الأبعاد الأخرى كذلك. ومن ناحية أخرى، فإنه من الصعب جدا برهنة المسائل الأخلاقية بالوسائل العقلية فقط ، ولا يمكن الادِّعاء بأنه يوجد هناك إحساس يقيني بوجودها وأهميتها وفعاليتها في الحياة ، فلابد من العمل على برهنتها بطريقة أخرى. **الجانب التأملي في فلسفة التربية الإسلامية :** بالرغم من أنه يجوز أن يكون هناك جانب في فلسفة التربية الإسلامية يعني بالتحليل الفلسفي لمعاني الألفاظ والمفاهيم التربوية لضبطها وتحديدها، إلا أن فلسفة التربية الإسلامية تبقى بالدرجة الأولى تأملية تهتم بالوضع الكلي لتطور الإمكانيات البشرية المتصلة بالإمكانيات الحياتية نفسها إذ أن هذا القصور الفلسفي لوظيفة الفلسفة التربوية التي يُمكن أن تُرسم لتوجيه الإنسان. ويُلاحظ هنا أن الكتابات الإسلامية الحديثة في مجال التربية تتميز بعدم الإفصاح عن الفلسفة الكلية التي يجب الارتكاز عليها في ابتكار السياسات التعليمية وتنظيمها. فبينما أحس البعض بأهميتة تحديد فلسفة مبنية على العقائد المُتفق عليها رفض البعض هذه العقائد وبحثوا عن عقائد أخرى. ولقد نسي هؤلاء أن العقائد غير المُتفق عليها لا تصلح أن تكون أساسا فلسفيا، ولا يمكن أن تُحرِّك وجدان الناس ومشاعرهم، ثم إن العقائد الوافدة هي في الواقع عقائد مادية ، تُفسر بعض الجوانب في الحياة ، وتهمل البعض الآخر. فعقائد الإسلام أصلح لأنها أحوط بجوانب الحياة وأشمل. ثم إن مثالية الإسلام لا تحظر الاستفادة من إنجازات المؤسسات التربوية الملتزمة بالأساس المادي مادامت هذه الإنجازات محايدة في محيط القيم. بل إن هذا واجب ومطلوب إذ الإسلام ينظر للكون على أساس أنه كيان واحد متصل لا يمتاز الجزء غير المرئي منه على المرئي ولا المرئي على غير المرئي. والمهم في الإسلام ليس هو إنتاج السلع المادية والبناء المادي للعالم وإنما الاستفادة منها لتحقيق مصلحة الإنسان الحقيقية المتصلة بسعادته الدنيوية والأخروية. وبناء على هذا فأعلى مفهوم للتربية في الإسلام هو صياغة الفرد على صفات ربانية. والتعليم الرسمي إنما يساعد في هذا المجال بتهيئة الفرص لتنمية الروح بجانب العقل والبدن، وهذا جزء من برنامج تربوي شامل يهدف لتطوير الإنسان بكل جوانبه. فالسياسات التربوية الإسلامية لا ينبغي أن تهدف إلى تعريف الإنسان ببيئته القومية أو المحلية فحسب وإنما بالبيئة الإنسانية الكلية المتصلة بالعالم المادي وغير المادي. ويمتاز التعليم الإسلامي بهذا المفهوم على التعليم الوضعي باتساع مجاله، إذ أنه لا يهتم فقط بتدريب الفرد وتثقيفه في المهارات والآداب والعلوم المختلفة وإنما يعني إلى جانب ذلك بتطوير إمكانياته الشعورية والروحية. وفلسفة التربية الإسلامية بهذا المفهوم لا تؤخذ من بيئة إسلامية بعينها، ولكن تتصل بالصورة الإسلامية الكلية عن حقيقة الوجود والحياة الفاضلة. فصفاتها المثالية وافتراضاتها الأساسية عن النفس الإنسانية تحملها عبر الحدود الثقافية والقومية وتجعلها عالمية بحق عندما تبحث في مشكلات الإنسان كإنسان. وفلسفة التربية الإسلامية لا تعتمد على تصور ذهني يقضي بتنظيم العلاقة بين الأفراد المسلمين والنظم السياسية والإجتماعية والاقتصادية القائمة وإنما تتمثل أساسا في تفسير المثل الإسلامية الأزلية وترجمتها إلى احتياجات البيئة الحديثة بما يوافق العصر. فمهمة فلسفة التربية الإسلامية إذن هي تحديد الصفات الأساسية التي يمكن على ضوئها صياغة الإنسانية المسلم العالمي، وبالطبع فإن هذه الصياغة تحدث لفرد معين في بيئة محددة ، ولكن على المستوى الفلسفي فإن هدف هذه الصياغة ليس هو الفرد المسلم في بيئة إقليمية ولكنه الفرد الإنساني المسلم القابل لأن يُصاغ وفقا للمثل الإسلامية الكلية. ويمكن بهذا المفهوم كذلك أن تصلح فلسفة التربية الإسلامية لتكون أساسا للتعليم العالي الذي يهدف لخلق مجتمع إنساني واحد. ولا غرابة في ذلك ففلسفة التربية الإسلامية تنبثق عن الفلسفة الإسلامية التى تؤكد أخوة الإنسان ولا تعترف بالحدود القومية أوالثقافية. **أهداف التربية الإسلامية :** بما أن التربية الإسلامية تعكس المعتقد غير المادي وتحترمه فإن فيها جوانب غير مادية، بل إن هذه الجوانب غير المادية تكوّن صفتها الأساسية. فالتربية الإسلامية تهتم أساسا بتنمية جوانب غير المادية في الإنسان إذ أنها تتوجه نحو تحقيق العبودية الكاملة لله وفي ذلك تزكية للإنسان وإصلاح لأخلاقه. فإذا تلقى الإنسان تربية إسلامية أو تعلم تعليما حديثا في إطار إسلامي ووفق سياسة تربوية إسلامية كانت ثمرة الجهود الكلية في النهاية بالدرجة الأولي أخلاقية. فخريج المؤسسات التربوية الإسلامية ينبغي أن يكون إنسانا عابدا لله ومترجما للقيم الإسلامية إلى أنماط سلوكية واقعية وبعد ذلك يُمكن لذلك الشخص المربّي إسلاميا أن يكون محيطا بالعلوم الإنسانية أو الطبيعية البحتة مُتقنا للمهارات العامة والمهارات الخاصة حسب مجال تخصصه. فتثقيف الفرد في العلوم والفنون والمهارات العصرية المختلفة ليس هو الغاية النهائية للتربية الإسلامية وإنما أحد أهدافها الوسيلية في الطريق إلى إنتاج الإنسان المسلم الذي اكتكلت تنمية جوانبه المختلفة حسب طاقاته والذي تميزت شخصيته بصفة أخلاقية غالبة مأخوذة عن المعتقد. فالشخص المربّي تربية إسلامية ليس هو الشخص الذي يستطيع أن يستعمل الأسلوب العلمي في دراسة الظواهر وحل المشكلات المادية والذي يستطيع أن يحسّن أوضاع الحياة المادية فحسب، وإنما هو بالدرجة الاولى الذي استطاع أن يحل مشكلة مصيره ومصير أمته النهائي مرورا بهذه الأشياء وإنشاء لها في واقع الحياة إذا لم تتعارض مع الغاية النهائية. أما إذا كانت تتعارض فلا يلزم إنشاؤها لأنه ليس المهم بناء الحياة المادية على أشلاء العقيدة ، وإنما بناؤها تحقيقا للعقيدة ووفقا لما تصوغه من تصورات وتحدّده من إمكانيات وأولويات. الأهداف التربوية العامة والهدف النهائي : الأهداف التربوية العامة على حد تعبير الدكتور محمد الهادي عفيفي هي تلك التي تشتق من فلسفة إجتماعية وتستند إليها وتعكس الأركان الأساسية التي تعبر عنها تلك الفلسفة. والهدف النهائي للتربية إذا كانت العقيدة التي تحكمها إسلامية هو بلوغ الانسان إلى أقصى حد ممكن من الناحية الروحية ، وإصلاح المجتمع أخلاقيا حيث يُسخّر كل شيء ويجعل في خدمة الأخلاق التي حددتها وتحددها العقيدة بصفة نهائية فالأخلاق الأساسية مردها إلى الله وتُوجد في القرآن الكريم وهيكاملة ومطلقة. أما المعرفة الطبيعية فهي تحت المعرفة الأخلاقية وتتسخر في سبيل تحقيقها ومردها إلى طاقات الإنسان وقواه الطبيعية بتيسير من الله وهي غير كاملة وفي حالة تغيُّر مستمر وقابلة للخطأ والصواب. وإذا كان الأمركذلك فلا معنى لأن يُبحث في المعرفة الطبيعية بمعزل عن المعرفة الاخلاقية لأولويات البحث وضبط لأوجه استعماله. فليس الغرض هو انتاج وسائل حياتية حديثة لبلوغ أهداف جزئية هي نفسها وسيلة وإنما بلوغ الهدف الحياتي النهائي. وفي الواقع لا مسوّغ في الإسلام لبلوغ أي هدف وإن كان جزئيا بمعزل عن الهدف الإسلامي النهائي الذى يرد الأمر كله لله ويرفع من قدر القيم الأخلاقية التي حددّها وأرادها الله. الأهداف الجزئية : الأهداف الجزئية هي تلك التي تتصل بهيئة الاسباب لاكتمال نمو الإنسان في جوانبه المختلفة استعدادا لوصوله لهدفه النهائي ، فهي ذات صلة باكتمال نموه البدني والحركي والعقلي والعاطفي والإجتماعي من حيث أنه بالضرورة يعيش في مجتمع وينمو من الخارج من حيث سلامة اتصاله بمن حوله ، كما ينمو بالداخل من حيث وجوب اكتمال قدراته الطبيعية المختلفة والتنسيق بينها. ويُمكن أن يُعتبر كسب العيش هدفا جزئيا من أهداف التربية. فإن تربية الإنسان تشمل أن يُعد ليكسب لقمة عيشه بالحلال. فيُدرَّب في العلوم والمهارات المختلفة التي تساعده لأن يقوم بأداء مهنة أو حرفة أو عمل يخدم به المجتمع وفي الوقت نفسه يثبت به نفسه ماديا ويعول به أسرته ، فيضعه هذا العمل موضعا يرفعه أخلاقيا ، عندما يجد ما ينفقه ليزكّي نفسه. ولا يُعتبر حُسن المواطنة هدفا جزئيا من أهداف التربية إذا قُصد به نعرة قومية وتعصبا إقليما لأنه في هذه الحالة يتعارض مع الهدف النهائي وهو أسلمة الإنسان وتزكيته أخلاقيا وتوحيده على العقيدة بصورة تتجاوز الحدود الثقافية. أما إذا كان القصد هو رعاية الإحساس الطبيعي لدي الإنسان المتمثِّل في حبة وحنينه إلى منطقة معينة نشأ وترعرع فيها ، وإذا قُصد به الاهتمام أولا بالأهل والعشيرة وذوي القربى ومن هم أولى من المسلمين من ناحية الرحم والجيرة ، فلا كفران لذلك. والتأكيد كل التأكيد على الإحسان لذوي القربى وأهل المنطقة ورد الفضل إليهم في حدود عدم الإساءة إلى العقيدة الواحدة ، أو تعميتها أو تقديم صلة القرابة أو الدم عليها واعتمادها هي دون العقيدة. -------------------------------------------------------------- **أسئلة تقويم ذاتى (2) :** اكتب عن أهداف التربية الإسلامية. -------------------------------------------------------------- **النظرية ومعناها :** في استعمالاتنا اللغوية العادية نستعمل كلمة (نظرية) في عدة مواطن ، فقد يزكر أحد الناس أنه عنده نظرية لحل مشكلة معينة ، وقد يقّدم آخر (نظرية) تقول أو تدّعي بأن سبب تكثيف بخار الماء على جدران الغرفة هو برودتها ، ويزعم ثالث أنه عنده (نظرية) تفسر ظاهرة تأخر القطار وذلك نسبة لهطول بعض الأمطار\... وفي كل هذه الحالات فإن كلمة (نظرية) تشير إلى محاولة بُذلت فعلا لتفسير كيف صارت الامور إلى ما آلت إليه. وفي حالات أخرى تستعمل الكلمة لتفسير ما يستجد في المستقبل ، ففي القرن الثامن عشر قدم توماس مالسس نظرية ادعى فيها أن معدل نمو تعداد السكان في العالم يزداد بسرعة أكثر من سرعة زيادة كمية الغذاء ، وأنه سوف يترتب على ذلك آثار اقتصادية معينة. ولقد كانت نظريته تلك ذات صفة غيبية من ناحية محاولتها تفسير ظواهر تحدث في المستقبل. وفي استعمالات اخرى تستعمل كلمة (نظرية) لتعني شيئاً مناقضا للشيء العملي \... فالدروس (النظرية) التي يتلقاها عامل الهندسة الميكانيكية تختلف عن التطبيقات العملية التى يقوم بها. واذا أمعنا النظر في كل هذه الحلات التى تستعمل فيها كلمة نظرية فإننا نجد أن الذى يوحد بينها هو محاولة استعمال معرفة عقدية أو علمية بحتة لتفسير ظاهرة ماضية أو حالية مستقبلة ومن هنا نتوصل الى معرفة شيء مهم بشأن النظرية ، ذلك ان مهمتنا أو الدور الذي تؤديه هو التوضيح أو التفسير (على ضوء مجرد افتراض بصحة هذا الاتجاه للحل) لظواهر حالية أو مستقبلية.. ثم يلزم بعد ذلك أن نخضع هذا الإفتراض للاختبار لاستكمال صحة النظرية. وهذه الصفة للنظرية في الواقع هي الصفة الأساسية التى تُميزَّها في شكلها النموذجي. وعى ذلك فما هي إلا أداة للتوضيح للحاضروالتنبؤ بالمستقبل في حين أن العملية كلها تكون مسنودة بالادلة اللازمة. وأمثل استعمالات (النظرية) بهذا المفهوم توجد مجالات العلوم الطبيعية البحتة. ذلك ان العلوم البحتة ما هي إلا انشطة تقف من الحياة موقف الواصف وتحاول أن تفسر الظواهر التى تحدث فعلاً. **النظرية العلمية :** النظرية العلمية هي محاولة لإعطاء تفسير لحادثة أو ظاهرة تحدث -- والعالم كله عبارة عن سلسلة متصلة من الوقائع والاحداث التى تحتاج الى تفسيرات خاصة وأن المتأمل فيها يجدها تتم بشكل منتظم ويحكمها قانون داخلي يعيد حدوثها بنفس الطريقة في الظروف المطابقة. ومن هنا يقف العلم من الحياة موقف الواصف ويهتم العالم بالانتظامات الثابتة في الطبيعة ويحاول أن يكتشف القوانين التى تحكم حدوث الظاهرة وتبدلها. ويبدأ ذلك بإمعان النظر للاحاطة بالحادثة وتسجيل تكراراتها وتسجيل المعلومات الأولية المتصلة بها ، ثم اعمال الفكر لعمل نظرية مبدئية لتفسير الحادثة وفرز المعلومات الاضافية واختيار الحل الأمثل بعد اخضاع النظرية للاختبار. فمهمة العالم الذي يقوم بوضع النظرية هى اذن ان يجعل العالم مفهوما أو الظواهر التى توجد فيه مفهومة أكثر. ومتى ما استطاع أن يقدم العالم نظرية مثبتة لتفسير بعض الظواهر والعلاقة بينها وبين ظواهر أخرى ، فإنه بهذه الطريقة لا يستطيع فقط أن يفسر الحاضر بل وأن يتنبأ بالمستقبل في حدود تفسيرة الموضوعي لأسباب التكرارات التى تحكم الظواهر المتجددة أو المتكررة. **النظرية والإفتراض:** هناك فرق بين النظرية والافتراض أو الفرضية العلمية.. فالفرضية في المفهوم العلمي هي تقرير لبعض التكرارات المنتظمة في الطبيعة بشكل افتراضي قابلة للإثبات أو النفي كأن يُقال مثلاً أن الغازات تتمدد بتعريضها للحرارة. أو أن الاجسام غير المعلقة على شيء أو غير المثبتة تسقط وتتجه في سقوطها نحو الأرض. وعندما تثبت فرضية معينة بعد اخضاعها للاختبارات اللازمةتصير قانونا طبيعيا أو تقريرا عاما لحتمية لا تتعطل لُو حظت في الطبيعة وسُجلت فالنظرية في شكلها النموذجي هي اذن محاولة لتبرير عدة فرضيات أو إعطاء اسباب لصحتها وذلك بجمعها تحت تبرير عام. وكمثال للنظرية في شكلها النموذجي هذا يمكن ان نذكر نظرية نيوتن التي كانت محاولة لتفسير أسباب حركة الأجسام ، وذلك بقوله ان اي حالة حركية يمكن ان تدرج تحت القانون العام وهو ان الاجسام تجذب بعضها على مقدار احجامها النسبية وبنسبة معينة للمسافة بينها. فهذه النظرية مثلا يمكن ان تساعد على تفسير عدة ظواهر كسقوط المطر وحدوث حركات المد والجزر وتحديد مدارات الكواكب والاجسام السماوية وذلك باخضاع عدة تفسيرات جزئية لتفسير كُلي يُقدم في اطار قانون عام. وبالرغم من أن هذا الشكل النموذجي للنظرية كقانون عام يجمع تغيرات علمية لظواهر مختلفة وارد ويهم في المحافل العلمية ، إلا أن المعنى الاخر المخفف (للنظرية) على أنها فرضية مثبتة أو قانون طبيعي بسيط يرد أكثر في المحافل التى لا تؤكد على الدقة النهائية ، ومثل هذا النوع من النظرية يوجد اكثر من مجال التربية الذي ترد فيه العلمية وتستعمل في بعض مجالاته ولكن لا يُؤكد عليها بنفس الطريقة المستعملة في العلوم الطبيعية المضبوطة كعلم الطبيعة مثلا. بصورة عامة اذن النظرية العلمية يشترط فيها ان تصف ما هو كائن وان تكون هي نفسها قابلة للتنفيذ أو الدحض العلمي وان يكون الوصف الذي تقدمه منسقا مع الحقائق المشاهدة ونتائج التجربة التى يمكن ان يعيدها اكثر من شخص واحد ذلك لان العالم الذي يُريد ان يثبت نظريته يجمع الحقائق لهذا الغرض من العالم التجريبي ثم يقيم الدليل بأن نظريته تتوافق مع تلك الحقائق ، فإذا لم يقم ذلك التوافق فيلزمه ان يطرحها أو يعدل صيغة فرضيتها ثم يعيد اختيارها أو تجربتها على الحقائق فإذا توافقت مع الحقائق قام الدليل على صحتها واعتبرت نظرية علمية مثبتة وضُمت كقانون طبيعي إلى جملة القوانين الطبيعية ، إلا أن صحتها تظل موقوتة بصحة البرهان الذي قامت عليه ، فإذا سقط يوما لم تعد نظرية علمية أو قانونا طبيعيا. **النظرية العلمية والنظرية العملية :** اذا نظرنا الى النظرية التربوية في كتابات كبار فلاسفة التربية في التاريخ القديم والحديث من أمثال افلاطون وروسو وفروبل فسوف تجد أنها لا تتوافق مع ما سبق ان تحدثنا عنه من شروط تميزت بها النظرية العلمية. والواقع ان هؤلاء الفلاسفة لم يذهبوا في كتاباتهم التربوية مذهب العالم الذي يتقيد بما هو مشاهد او موجود ويحاولو اثبات ذلك باجراء التجربة عليه ، بل ذهبوا في احيان كثيرة الى تقرير ما ينبغي ان يكون متأثرين في ذلك بفلسفة كلية مطلقة أو عقيدة مثالية ، أو مجرد مُعبرين عن خواطر الهامية أو شطحات خيال.. ولذا كانت نظرياتهم التربوية بمواصفاتها تلك ذات علاقة واهية بأي منهج وصفي لتقرير الحقيقة الواقعة وإقامة الدليل عليها بالتجربة في حين أن النظرية التربوية يمكن أن تكون في مجال مادي بحت مثل النمو الفزيولوجيللاطفال واثر الطاقة البدنية على أداء الطالب أو اثر البيئة المكانية -- كالتدفئة والتبريد والتصميم العازل للاصوات ورجع الصدى على مدى تركيز المتعلم واستيعابه. فمثل هذه النظرية وإن صغرت يشترط فيها العلمية لانه مجالها مادي ويستعمل فيها اسلوب علمي بحت كأسلوب الملاحظة والتجربة والبرهان ولكنها تبقى تربوية لانها في خدمة التربية والحق أنها تمثل الجانب العلمي في النظرية التربوية الذي يكون عندما يكون البحث في ظواهرمادية بحتة. وهناك الجانب الفلسفي في النظرية التربوية الذي يعكس الفلسفة التربوية والفلسفة (الكلية) فيهتم هذا الجانب بتقرير ما ينبغي ان يكون ويهتم بتحديد الغايات التربوية المأخوذة من الغايات الكلية في الحياة. **النظرية التربوية :** للنظرية التربوية اذن جانبان : جانب فلسفي ، وجانب علمي بحت وبما أن التربية كلها نظام تابع لفلسفة الحياة فإن الجانب الفلسفي أهم. وتبقى للجانب العلمي اهمية كبيرة إذ أن كثيراً من الظواهر الطبيعية ذات الصفة المادية التى تكون واردة في التربية يبحث فيها فقط بالطريقة العلمية ، وكل الاستنتاجات العلمية ونتائج البحث العلمي التربوية توضع في خدمة الغابات التربوية الكبرى المأخوذة من فلسفة الحياة. **بناء النظرية التربوية :** يبدأ بناء النظرية التربوية بعمل إفتراضات عما يمكن عمله أو ما ينبغي أن يُعمل في مجال التربية ، وعلى ضوء هذه الافتراضات (التى في حالة كونها بشأن قضية مادية بحتة يجب صياغتها وبرهنتها بالطريقة العلمية) تُعمل توصيات أو تصاغ اهداف مما يمكن أو يجب عمله من جانب المدرسين أو العاملين في حقل التربية العام ، أو المجال الضيق المحدد الذى تطبق فيه النظرية. ثم تحدد المضامين العلمية والأخلاقية والطرق لبلوغ الاهداف. أما النظريات العلمية البحتة الصغيرة داخل النظرية التربوية فانها تُبنى ويتوصل إليها بالطريقة العليا التى تتوخى الموضوعية وتسعى إلى الاثبات بالتجربة. فيوضع حل المشكلة في شكل إفتراض علمي ثم تجمع المعلومات من العالم الحقيقي ويختبر الافتراض فإذا ثبت في الاختبار قُبل وصار نظرية علمية. وبذلك نحصل على شكل النظرية التربوية أو هيكلها وهو عبارة عن : أهداف ومضمون ووسائل. **هل النظرية التربوية (نظرية) ؟ :** هناك من يدعي أن النظرية التربوية في شكلها التقليدي المنبثق عن إطار فلسفي محدد ليست نظرية ، لانه لا سبيل لاثبات جميع إفتراضاتها وتوصياتها بالطريقة العلمية.. وكمثال لذلك يمكن أن يُقال أن نظريات أفلاطون وروسو وفروبل التعليمية لم تكن نظريات لأن أولئك الفلاسفة لم يتوصلوا إليها بالمنهج العلمي ولم يثبتوا صحة نظرياتهم باختبارها على حقائق العالم التجريبي والحقيقة أن هناك بعض الحق في هذا الادعاء طالما كان الأمر المشار إليه هو بحث الظواهر المادية التىغطتها تلك النظريات.. كأن يكون الموضوع مثلا هو بحث أفضل الظروف المادية التى يتعلم فيها الأطفال كالبيئة المكانية وتأثير الغذاء على النمو الحركي.. لكن الشيء المؤكد أن النظرية التربوية لها صلات كذلك بالفلسفة التربوية أو الفلسفة الكلية وتبحث في ظواهر غير مادية ، بل أن غايتها القصوى والعامة غير مادية ، بل أن غايتها القصوى والعامة غير مادية كذلك وإن وجدت لها غايات صغيرة مادية بحتة. وإذا أردنا أن نرد الادعاء الاساسي بأن النظرية ليست نظرية فينبغي أن نتذكر الآتي : أن العلم بصفة أساسية انما هو نشاط لتقرير ووصف الواقع : فالنقطة الاساسية بشأن القيام بنشاط علمي انما هو السعي لمعرفة الحقيقة كما هي واكتشاف القانون الطبيعي الذي يحكمها وايضا من الصدق ان يذكر أن هذه القوانين الطبيعية هي متى ما أثبتت لا تستعمل فقط لتفسير الواقع أو ما يحدث في المستقبل. هذا صحيح ولكن ليست مهمة العالم ان يقترح وجه الاستعمال الذي تُصرف فيه المادة العلمية بعد توفرها أو أولوية الاستعمال لأن هذا يتضمن عدة أحكام قد تكون ذات صفة اقتصادية أو سياسية أو أخلاقية.. والحقيقة ان هذه الصفة العلمية للنشاط التربوي وارتباطه الوثيق بفلسفة الحياة والقيم الكلية هي التى تبعد التربية عن ان تنفتح نهائيا للمنهج العلمي وهي التى تجعل نظرياتها عملية بالدرجة الأولى وليست علمية بحتة. هذا ومن ناحية أخرى فإن مهمة النظرية التربوية الاساسية هي توجيه النشاط التربوي وإن وجدت بداخلها نظريات صغيرة علمية بحتة تقف من المادة المستعملة في النشاط التعليمي مواقف الواصف والمفسر والباحث عن القوانين التى تفسرها حتى تستعمل بصورة أفضل. وكذلك فإن النظرية التربوية انما هي إيجاد توصيات تقود العمل التعليمي وإن ساعدت على توفير بعض المواد العلمية البحتة المستعملة في المضمون التربوي. وإذا كانت هذه هي غاية النظرية التربوية وتلك مهمتها فإن الفرق بينها وبين النظرية العلمية البحتة يمكن أن يكون ببساطة أنه في حين أن النظرية العلمية تتنبأ بالضبط عما هو الواقع فإن النظرية التربوية تحاول أن تتنبأ عما ينبغي ان نفعل في المستقبل بيد أن هذا لا يعني أن النظرية التربوية لا يمكن أن تستعمل في بعض الحالات لتوضيح ما هو واقع كما يحدث أثناء شرح درس معين أو واقعة أو ظاهرة معينة تكون صفتها مادية \... إلا أن النظرية التربوية كما أسلفنا -- تبقى صفتها الأساسية صفة عملية وتتجه لان تقود العملية التربوية لما ينبغي ان يكون وهي تعكس في ذلك الفلسفة الحياتية الكلية والفلسفة التربوية وتتأثر بهما لأن التربية في الثقافات المختلفة إنما هي في النهاية ذات صفة قيمية وعنصرها الأساسي فلسفي أو عقيدي وان اشتملت على عناصر علمية مجردة. وعليه واذا كانت النظرية التربوية تحمل هذه الصفة الفلسفية الأساسية وتتجه هذا الاتجاه الجذري الذى يجعل من النشاط العلمي التربوي نشاطا محكوما بالقيمة الأساسية في الحياة فإن مسألة تبريرها بصفة كلية لا يشترط فيه أن تكون بالطريقة العلمية وليس ضروريا أن تكون في كل أجزائها متوفقة مع حقائق العالم التجريبي لانها لا توضح فقط ما هو كائن. وايضا إذا كانت النظرية العلمية ومهمتها الوصف والإيضاح نوع من النظريات فان النظرية التربوية ومهمتها تقديم توصيات لتوجيه النشاط التربوي هي نوع آخر -- وهي ببساطة نظرية عملية ويمكن من زاوية أخرى أن يذكر أن النظرية التربوية والنظرة العلمية البحتة يمثلان نوعان آخران من النظريات : النظريات التقليدية والنظريات التجريبية. اذ تختص النظرية التقليدية بدراسة المثاليات والأفكار المجردة كأن يدرس الباحث الشيء الذي يجب أن يكون عليه تصرف الأنسان في مجتمع معين مثلا، : كأن يهتمم بدراسة تطور العلاقات الدولية من وجهة نظر تاريخية صرفة. مثل هذه النظريات تتعلق بصورة مباشرة أو غير مباشرة بدراسة المفاهيم العقلية كالعدل والمساواة والاخاء والعبودية والربوبية ومصير الانسان والسعادة والحرية والديمقراطية ، اما النظرية التجريبة فإن محور دراستها التجربة العلمية ، الملاحظة وفحص الفروض وينصب البحث من خلال هذه النظرية على ما هو كائن بالفعل خلاف النظرية التقليدية التى تهتم بما يجب أن يكون عليه سلوك الإنسان ولذلك نجد أن النظرية التجريبية تهتم بواقع هذا السلوك كما هو. +-----------------------------------------------------------------------+ | **خلاصة الوحدة الأولى** | | | | هدفت هذه الوحدة إلى تحقيق جملة من الأهداف بالنسب

Use Quizgecko on...
Browser
Browser