محاضرات في تاريخ مصر في العصر العثماني PDF

Document Details

AdaptiveSymbolism1669

Uploaded by AdaptiveSymbolism1669

كلية البنات للآداب والعلوم والتربية

2019

د/سعاد عبدالغني محمود

Tags

تاريخ مصر العصر العثماني تاريخ السياسة

Summary

هذه المحاضرات تتناول تاريخ مصر في العصر العثماني، من الفتح العثماني حتى دخول الفرنسيين، وتقدم لمحة عامة عن هذه الفترة، وتناقش وجهات النظر المختلفة حول بداية التاريخ الحديث في مصر في هذا السياق..

Full Transcript

‫كلية البنات لآلداب‬ ‫والعلوم والتربية‬ ‫قسم التاريخ‬ ‫محاضرات في تاريخ مصر‬ ‫في العصر العثماني‬ ‫إعداد‬ ‫د‪/‬سعاد عبدالغني محمود‬ ‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬ ‫ال خالف بين المؤرخين على بداية التاريخ العثماني في‬ ‫مصر أنه يبدأ م...

‫كلية البنات لآلداب‬ ‫والعلوم والتربية‬ ‫قسم التاريخ‬ ‫محاضرات في تاريخ مصر‬ ‫في العصر العثماني‬ ‫إعداد‬ ‫د‪/‬سعاد عبدالغني محمود‬ ‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬ ‫ال خالف بين المؤرخين على بداية التاريخ العثماني في‬ ‫مصر أنه يبدأ منذ الفتح العثماني لها ‪ ،‬ولكن الخالف يكمن‬ ‫في كونه بداية للتاريخ الحديث أم ال ‪ ،‬أسوة بتحديد تلك الفترة‬ ‫بداية للتاريخ األوربي ‪ ،‬والخالف قد نشأ بسبب إعتبار‬ ‫البعض أن الحكم العثماني لمصر والذي إستمر قرابة الثالث‬ ‫قرون يعد فترة عزلة للمصريين عن العالم الخارجي ‪،‬‬ ‫وبالتالي عدم مواكبته لتطورات األحداث التي نقلت أوربا من‬ ‫العصور الوسطى إلى العصور الحديثة وبدايات عصر‬ ‫النهضة ‪ ،‬واعتبر أصحاب تلك المدرسة أن التاريخ الحديث‬ ‫ليس فترة زمنية معينة ‪ ،‬وإنما تحول جذري في أسلوب حياة‬ ‫الشعوب في تلك البقاع نتيجة حدوث النهضة ‪ ،‬وهو ما لم‬ ‫يحدث في مصر ‪ ،‬وال في المناطق التي وقعت تحت الحكم‬ ‫العثماني ‪.‬‬ ‫وهناك رأي آخر يزعم أن التاريخ الحديث بداياته كلها واحدة‬ ‫وال فرق في ذلك بين منطقة وأخرى ‪ ،‬وأن بلدان العالم أجمع‬ ‫قد تأثرت بشكل أو بأخر باألحداث الموجودة بداخل كل منها‬ ‫‪ ،‬وأن هناك مبالغة في كون مصر لم تتطور خالل تلك‬ ‫الثالث قرون وأنها كانت في عزلة عن العالم األوربي ‪،‬‬ ‫وبالتالي يرى أصحاب تلك المدرسة أن الفتح العثماني لمصر‬ ‫يصلح بداية للتاريخ الحديث بها ‪ ،‬وليست الحملة الفرنسية‬ ‫على مصر ‪ ،‬أو عصر محمد علي كما يرى البعض األخر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫على أية حال ال نختلف على أن الحكم العثماني لمصر حالة‬ ‫خاصة تستحق الدراسة ‪ ،‬على الرغم من قلة الكتابات‬ ‫والدراسات عن تلك الفترة مما يشكل صعوبة في الحكم على‬ ‫تلك الفترة وأحداثها بشكل منصف ‪.‬وقد جعلت قلة الدراسات‬ ‫البعض يعمد إلى تشويه تلك الفترة من حكم مصر وإلحاق‬ ‫أبشع اإلتهامات بالعثمانيين وحكمهم لمصر بشكل خاص‬ ‫والعالم العربي بشكل عام ‪ ،‬مع أن المؤرخ المنصف عليه أن‬ ‫يحلل األحداث بحياد تام ويذكر كل حكم بما له وما عليه ‪،‬ال‬ ‫أن يكيل اإلتهامات جزافا ً هنا وهناك دون رؤية ثاقبة منصفة‬ ‫لما يرويه البعض‪.‬‬ ‫وقد إخترنا هنا في تلك الدراسة المتواضعة أن ننهج منهج‬ ‫اإلختصار لتعريف طالبنا بفترة الحكم العثماني لمصر منذ‬ ‫الفتح حتى دخول الفرنسيين إلى مصر ‪ ،‬بما يتناسب مع‬ ‫الفترة الزمنية المتاحة لنا لشرح ذلك الجزء من تاريخ مصر‪.‬‬ ‫وبالطبع فإن الكمال هلل وحده فإن كان هناك نقص فمن نفسي‬ ‫ومن الشيطان ‪ ،‬وإن كان من توفيق فمن هللا أوالً وأخيراً ‪.‬‬ ‫والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬ ‫د‪/‬سعاد عبدالغني محمود‬ ‫القاهرة في ‪ 6‬سبتمبر ‪2019‬‬ ‫‪3‬‬ ‫تمهيد‬ ‫من المسلم به أنه ال يمكن دراسة التاريخ ككتلة واحدة‪ ،‬وإنما‬ ‫البد من تقسيمه إلى فترات للدراسة‪.‬‬ ‫وعلى هذا األساس فقد تم تقسيم التاريخ كله إلى أربع مراحل‬ ‫هي ‪ :‬العصر القديم‪ ،‬والعصر الوسيط‪ ،‬والعصر الحديث‪ ،‬ثم‬ ‫التاريخ المعاصر‪ ،‬وهذا التقسيم األوروبي للتاريخ قد لبي‬ ‫حاجات ثقافية ودراسية معينة عند األوروبيين‪.‬‬ ‫وقد اصطلح التقسيم األوروبي للتاريخ على أن يبدأ العصر‬ ‫الحديث بالقرن السادس عشر‪ ،‬حيث شهد العالم في أواخر‬ ‫القرن الخامس عشر عدداً كبيراً من التغيرات‪ ،‬أدت إلى‬ ‫ظهور العالم الحديث‪ ،‬ومن تلك األحداث‪ ،‬سقوط القسطنطينية‬ ‫(‪19۵3‬م)‪ ،‬ووصل الخطر العثماني إلى قلب أوروبا‪،‬‬ ‫واكتشاف األمريكتين (‪ ،)1492‬واكتشاف طريق رأس‬ ‫الرجاء الصالح (‪149۸‬م) وال شك أن كل هذه األحداث‬ ‫كانت‪ ،‬من وجهة النظر األوروبية‪ ،‬مقدمات و عوامل‬ ‫ساهمت في تشكيل العالم بعصره الحديث‪.‬‬ ‫وال شك أننا لو سلمنا بالتقسيم األوروبي للتاريخ‪ ،‬نرى مصر‬ ‫فيه قد مرت بكل مراحل ذلك التقسيم ‪،‬وهي التاريخ القديم‬ ‫والذي حكم فيه الفراعنة مصر‪،‬ثم من بعدهم اليونان عند‬ ‫غزو اإلسكندر لمصر ‪،‬ثم البطالمة فالرومان حتى القرن‬ ‫الثالث الميالدي ‪،‬ثم تأتي حقبة التاريخ الوسيط وتبدأ بانتشار‬ ‫المسيحية في مصر وتستكمل فترة التاريخ الوسيط بالفتح‬ ‫اإلسالمي لمصر في القرن السابع الميالدي ‪ ،‬وتمر الفترة‬ ‫‪4‬‬ ‫اإلسالمية بمصر بعدة مراحل هي عصر الوالة (في عهد‬ ‫الخلفاء الراشدين –ثم األمويين – ثم العصر العباسي األول )‬ ‫وتلك الفترة تبدأ من خالفة سيدنا عمر‪ ،‬وتنتهي باستقالل بن‬ ‫طولون بحكم مصر‪،‬ثم يأتي من بعد عصر الوالة العصر‬ ‫اإلخشيدي ثم مصر في العصر الفاطمي الشيعي ‪ ،‬ثم‬ ‫األيوبيين ومن بعدهم المماليك ‪ ،‬الذين ينتهي على أيديهم‬ ‫عصر الدويالت المستقلة في مصر ‪ ،‬وتنتهي حقبة العصور‬ ‫الوسطى في مصر أيضا ً ‪،‬ويبدأ عصر جديد بفتح العثمانيين‬ ‫لمصر ‪.‬‬ ‫والمفروض العصر العثماني في مصر سيكون بداية لتاريخها‬ ‫الحديث‪ ،‬وعلى هذا األساس سارت مدرسة تاريخ العصور‬ ‫الوسطى في مصر‪ ،‬تلك المدرسة التي تنتهي دراستها بهزيمة‬ ‫المماليك أمام العثمانيين كما ذكرنا من قبل ‪.‬‬ ‫ولكن ظهرت مشكلة وهي أن مدرسة التاريخ الحديث في‬ ‫مصر‪ ،‬انقسمت إلى فريقين‪ ،‬أحدهما يرى أن الفتح العثماني‬ ‫لمصر ال يعد بداية موضوعية لتاريخ مصر الحديث‪ ،‬فإن‬ ‫كان القرن السادس عشر بأحداثه يعد بداية موضوعية لتاريخ‬ ‫أوروبا في العصور الحديثة‪ ،‬فاألمر ليس كذلك بالنسبة‬ ‫لمصر‪" ،‬فقد ترك العثمانيون أمور البالد الداخلية على ما‬ ‫كانت عليه‪ ،‬ولما كانت المنطقة تعاني من كبوة حضارية‬ ‫نتجت عن إغالق باب االجتهاد في القرن الثالث عشر‬ ‫الميالدي‪ ،‬كرد فعل للتحدي الخارجي‪ ،‬فقد كرس اإلبقاء على‬ ‫األوضاع القائمة‪ ،‬التدهور الحضاري الذي عانت منه البالد‬ ‫قبل الفتح العثماني‪ ،‬ومن ثم فقد استمر الركود‪ ،‬بل استحال‬ ‫‪5‬‬ ‫خموداً ‪ ،‬وزادت والعقول جهالً‪ ،‬وتضاعت في نواحي الدولة‬ ‫بوارق النهوض األدبي أو الفني التي كانت تضیء بالخير في‬ ‫بعض نواحي مصر والشام‪ ،‬وانقطعت الصالت التجارية‬ ‫والحضارية بين الشرق والغرب‪ ،‬بعد أن كانت قائمة‪ ،‬ماضية‬ ‫في سبيل القوة في أواخر أيام المماليك‪ ،‬فكان انقطاع الصالت‬ ‫هذا أكبر العوامل في تفوق أوروبا على العالم اإلسالمي‪ ،‬إذ‬ ‫أنه وقف مكانه ومضت أوروبا في سبيلها قدما ً)‪.‬‬ ‫وقد رأى أنصار هذا الفريق أن العصر الحديث لمصر يبدأ‬ ‫من عصر محمد علي(‪1۸4۸-1۸05‬م) ‪ ،‬حيث شهد المجتمع‬ ‫المصرى تغيرات جذرية حقيقية شملت جميع نواحي الحياة‬ ‫ومؤسساتها‪.‬‬ ‫وهكذا سقط العصر العثماني من حساب مدارس التاريخ‬ ‫المصرية‪ ،‬فال هو ينتمي إلى تاريخ العصور الوسطى الذي‬ ‫ينتهي في أواخر القرن الخامس عشر‪ ،‬وال هو ينتمي إلى‬ ‫العصور الحديثة التي ال تبدأ إال مع بداية القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫وانعدم التأليف والبحث في العصر العثماني ‪.‬‬ ‫غير أنه منذ منتصف السبعينيات ظهر اتجاه أخر من دارسي‬ ‫التاريخ‪ ،‬وجه انتقادات عنيفة إلى االتجاه الذي يتجاهل‬ ‫العصر العثماني في مصر‪ ،‬وعلى أساس تلك االنتقادات‬ ‫تبلور ذلك االتجاه الذي يرى أن "أوربة" التاريخ العربي بما‬ ‫يسود الدراسات التاريخية من تقسيم التاريخ زمنا على نحو‬ ‫مواز للتقسيم األوروبي‪ ،‬أمر يجرد التاريخ العربي من‬ ‫عناصره األساسية ويحيله إلى مجرد عنصر زمنی‪ ،‬يخفي‬ ‫التمايز القائم بينه وبين التاريخ األوروبي" ‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫كما يرى هذا الفريق أن الدولة العثمانية قد ظهرت كتحد‬ ‫للقوى األوروبية االستعمارية التي حاولت التهام العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬بعد طرد المسلمين من األندلس (‪1492‬م) ونقل‬ ‫الصراع األوروبي اإلسالمي إلى شمال أفريقيا‪ ،‬ثم اكتشاف‬ ‫طريق رأس الرجاء الصالح‪ ،‬ومحاوالت القوي األوروبية‬ ‫تطويق العالم اإلسالمي من الجنوب والشرق‪ ،‬ومن هنا لعبت‬ ‫الدولة العثمانية دورا كبيراً في مناوئة القوى األوروبية‪،‬‬ ‫وتجنيب العالم اإلسالمي من الوقوع في يد تلك القوى‪.‬‬ ‫ويرى هذا الفريق أيضا ً أن الدولة العثمانية كانت إحياء لدولة‬ ‫الخالفة اإلسالمية التي ضمت معظم األقطار اإلسالمية تحت‬ ‫لوائها ووقفت ترد عنها أعداء اإلسالم‪.‬‬ ‫ولم يتوقف التأثير األوروبي عند حد تجاهل العصر العثماني‪،‬‬ ‫بل تجاوزه إلى اتهام العصر العثماني بأنه عصر ركود‬ ‫وتخلف‪ ،‬فقد تأثر الكتاب األوروبيون ومن ثم العرب‪ ،‬بنظرة‬ ‫معاصريهم للدولة العثمانية التي ظلت تشكل بالنسبة ألوروبا‬ ‫لمدة ستة قرون ‪ -‬أي منذ نشأتها حتى الحرب العالمية األولى‬ ‫‪ -‬مشكلة كبرى فهي في بادیء األمر كانت تمثل رد الفعل‬ ‫اإلسالمي ضد الخطر الصليبي‪ ،‬ثم ما لبثت أن اعترضت‬ ‫المشروعات االستعمارية األوروبية‪ ،‬وحين ضعفت أثارت ما‬ ‫عرف في المصطلح األوروبي "بالمسألة الشرقية" التي‬ ‫شغلت أذهان األوروبيين ولم يسدل عليها الستار إال بانهيار‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬وهكذا ظل األوروبيون ردحا ً طويالً‬ ‫من الزمن يعتبرون الدولة العثمانية العدو األكبر للمسيحية في‬ ‫‪7‬‬ ‫أوربا‪ ،‬ووصمة سوداء تلطخ الحضارة الغربية‪ ،‬وكابوسا ً‬ ‫يخيم على التطور التاريخي للبشرية‪.‬‬ ‫وعندما اتجه البعض إلى دراسة تاريخ هذه الفترة ظهر لهم‬ ‫أن الدولة العثمانية لم تكن بالصورة التي رسمها األوروبيون‪،‬‬ ‫فدراسة وثائق العصر تثبت أن الدولة العثمانية لم تضع قيودا‬ ‫على حراك السكان‪ ،‬وانتقالهم من بلد إلى آخر وال على‬ ‫ممارستهم لألنشطة االقتصادية والمهنية‪ ،‬مما جعل االستقرار‬ ‫االقتصادي يعود إلى السوق المصرية‪ ،‬بعد أن كان هذا‬ ‫االقتصاد قد ضرب ضربة شديدة على أثر اكتشاف طريق‬ ‫رأس الرجاء الصالح‪ ،‬وساد السوق المصرية الكساد‬ ‫االقتصادي‪ ،‬وعدم االستقرار‪ ،‬مما أثر بالتالي على البنيان‬ ‫السياسي واالقتصادی للدولة المملوكية‬ ‫وعند دراستنا للتاريخ العثماني لمصر ‪ ،‬نجد أيضا ً أن ذلك‬ ‫العصر أحاطته الغيوم ولفه الضباب‪ ،‬كان بعض تلك الغيوم‬ ‫من صنعنا‪ ،‬وكان أغلب الضباب من صنع غيرنا لهدف في‬ ‫نفس يعقوب‪ ،‬فقد ظل الباحثون العرب عامة والمصريون‬ ‫خاصة ينظرون إلى العصر العثماني في ضوء التأثر‬ ‫بالكتابات الخاصة بعصر محمد على باشا وخلفائه التي بالغت‬ ‫في تصوير مالمح القبح في العصر العثماني لتبين عظمة‬ ‫وبهاء ما أنجزه محمد على على طريقة "وبضدها تتميز‬ ‫األشياء‪.‬‬ ‫أما الذين أثاروا الضباب عمداً حول العصر العثماني فهم‬ ‫المستشرقون الذين أرادوا أن يقنعوا من يقرأ لهم أن الحضارة‬ ‫الغربية تعني وحدها الرقي والتقدم والحداثة‪ ،‬وأن ما كان‬ ‫‪۸‬‬ ‫قبلها ليس إال نظما تقليدية جلبت على مجتمعاتها الركود‬ ‫والجمود واإلضمحالل‪ ،‬وهكذا لم يشرق نور الحضارة على‬ ‫العرب والشعوب اإلسالمية إال عندما جاء الغرب إليهم حامالً‬ ‫مشاعلها‪ ،‬وشاعت أفكار أولئك المستشرقين عن طريق‬ ‫الترجمة حينا ً‪ ،‬وعن طريق كتابات من تأثر بها حينا ً آخر‪،‬‬ ‫وروج لها دعاة التغريب على وجه الخصوص‪ ،‬وتأثر بهذه‬ ‫األفكار بعض الباحثين الذين أغرتهم ندرة الكتابة عن العصر‬ ‫العثماني على تبنى بعض تلك األفكار في مرحلة ما من‬ ‫حياتهم العلمية ‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من ذلك هناك دراسات قدمها للمكتبة‬ ‫العربية باقة من الباحثين العرب والمصريين ألقت أضواء‬ ‫باهرة على العصر العثمانی اعتماداً على المصادر الوثائقية‪،‬‬ ‫وخرجت تلك الدراسات بنتائج غيرت تماما ً الكثير مما شاع‬ ‫عن العصر العثماني من خضوع لثالثية الركود والجمود‬ ‫واالضمحالل‪ ،‬والزالت الظالل تلف مساحات أخرى من هذا‬ ‫العصر لم تخضع للدراسة بعد رغم توفر مصادرها ‪.‬‬ ‫ولقد استمرت السيادة العثمانية على مصر لمدة تصل إلى‬ ‫ثالثة قرون بعد هذا التاريخ أى حتى ‪1۸00‬م‪ ،‬حيث تولى‬ ‫محمد على حكم مصر واتجه بها اتجاها ً معارضا ً للسيادة‬ ‫العثمانية‪،‬وهذه القرون الثالثة من السيطرة العثمانية على‬ ‫مصر‪ ،‬لم تجد على المستوى التاريخي العام االهتمام الكافي‪،‬‬ ‫أما على مستوى التاريخ الثقافي والحضاري فهی لم تجد إال‬ ‫أقل اهتمام من الباحثين ‪ ،‬وفي هذا اإلطار تأتي أهمية دراسة‬ ‫العصر العثماني في مصر‪ ،‬فإن هذه الفترة لم تشهد اهتماما ً‬ ‫‪9‬‬ ‫من جانب الباحثين بالشكل الكافي ‪ ،‬وهذه محاولة بسيطة‬ ‫إللقاء الضوء على مالمح التاريخ العثماني في مصر ‪ ،‬لتكون‬ ‫معبراً متواضعا ً لدارسي تاريخ مصر لألنتقال من بعده‬ ‫للفترات التاريخية الالحقة ‪.‬‬ ‫وسوف نبدأ بالحديث عن الفتح العثماني لمصر ثم التنظيم‬ ‫السياسي لها في العهد العثماني ‪ ،‬ثم الحالة اإلقتصادية‬ ‫واإلجتماعية والثقافية التي كانت عليها مصر في العصر‬ ‫العثماني ‪ ،‬ونتعرض أيضا ً لبعض الحركات اإلنفصالية التي‬ ‫قام بها بعض المماليك لإلنفصال عن الحكم العثماني ‪،‬‬ ‫ونتعرض في النهاية لخصائص الحكم العثماني لمصر على‬ ‫وجه الخصوص ‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الفصل األول‬ ‫الفتح العثماني لمصر‬ ‫فى عهد السلطان سليم األول(‪)1520-1512‬حدث انقالب‬ ‫فى استراتجية الدولة العثمانية ‪،‬فتوقف زحفها أو كاد نحو‬ ‫الغرب فى أوروبا ‪ ،‬واتجهت الدولة اتجاها ً شرقيا ً نحو قلب‬ ‫المشرق العربى ‪ ،‬مهبط الدين االسالمى ‪ ،‬وحيث توجد‬ ‫األراضى المقدسة اإلسالمية ‪.‬‬ ‫ويختلف المؤرخون فى تفسير هذه الظاهرة ‪ ،‬فيعتد البعض‬ ‫أن الدولة العثمانية قد بلغت فى نهاية القرن الخامس عشر‬ ‫مرحلة التشبع فى فتوحاتها الغربية ‪ ،‬وأنه كان عليها فى‬ ‫أوائل القرن السادس عشرأن تبحث عن ميادين جديدة للنشاط‬ ‫والتوسع‪.‬‬ ‫وهناك فريق آخر من المؤرخين يعتقد أن االحداث التى‬ ‫دارات داخل المشرق العربي أو حوله فى مطلع القرن‬ ‫السادس عشر ‪ ،‬هى التى جذبت الدولة العثمانية إلى الدخول‬ ‫فى هذه المنطقة ‪.‬‬ ‫ومرة أخرى يختلف أصحاب الرأى األخير حول تفسير‬ ‫المقصود بأحداث المشرق العربى فالبعض يرى أن سياسة‬ ‫الدولة الصفوية فى إيران المتمثلة فى محاولة بسط المذهب‬ ‫الشيعى فى المناطق المجاورة وخصوصا ً العراق وآسيا‬ ‫الصغرى‪ ،‬هى التى دفعت الدولة العثمانية إلى الخروج إلى‬ ‫الشرق العربى لحماية أسيا الصغرى بصفة خاصة والعالم‬ ‫السنى بصفة عامة ‪،‬فى حين يرى البعض األخر أن المقصود‬ ‫‪11‬‬ ‫بأحداث المشرق العربى هو الزحف األوروبى أو البر تغالى‬ ‫على حدود المشرق العربى ونوافذه البحرية ‪ ،‬وأن خروج‬ ‫العثمانيين إلى هذه المنطقة كان يقصد به الوصول إلى حدود‬ ‫ومنافذ المشرق العربى قبل البرتغال ‪،‬وحماية الشرق األدنى‬ ‫اإلسالمى من الخطر البرتغالى‪.‬‬ ‫ورغم تحمس كل فريق من المؤرخين لرأيه ‪ ،‬إال أنه ليس‬ ‫هناك ما يمنع أن تكون هذه العوامل جميعها مسئولة مسئولية‬ ‫مشتركة عن اإلتجاه الشرقى للدولة العثمانية‪.‬وعلى كل حال‪،‬‬ ‫فعندما إلتقت جيوش السلطن سليم األول مع قوات قنصوه‬ ‫الغوري سلطان الدولة المملوكية فى ساحة مرج دابق في‬ ‫سوريا (أغسطس ‪)1516‬لم يكن ذلك لقاء بين دولتين‬ ‫متكافئتين ‪ ،‬بل كان لقاء بين دولتين إحداهما فتية قوية ‪،‬‬ ‫واألخرى هرمة ضعيفة ‪ ،‬واحدة تستخدم فى القتال المدافع‬ ‫الحديثة واألخرى تقاتل بالسالح األبيض‪،‬ومن ثم كان طبيعيا ً‬ ‫أن ينهزم المماليك ويقتل سلطانهم فى المعركة‪.‬‬ ‫وأسرع األتراك العثمانيون بالتوغل جنوبا ً متعقبين فلول‬ ‫المماليك المهزومين ‪ ،‬وسقطت المدن السورية تباعا ً فى يد‬ ‫السلطان سليم‪ ،‬فاستولى على حلب وحماه وحمص‬ ‫ودمشق(‪،)1516‬ثم تابع زحفه على مصر‪ ،‬فدخل يافا وغزة‬ ‫والعريش‪ ،‬ثم عبر صحراء سيناء ودخل الدلتا زاحفا ً إلى‬ ‫بلبيس‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫معركة الريدانية ‪: 1517‬‬ ‫بعد أن انهى السلطان سليم فتح الشام واالنتصار الذي حققه‬ ‫سنان باشا على جان بردي الغزالي في خان يونس ‪ ،‬كان ال‬ ‫يريد في بادئ األمر متابعة زحفه على مصر‪ ،‬فبانتصاره في‬ ‫معركة مرج دابق حطم التحالف أو إمكانية قيامه بين‬ ‫المماليك والصفويين‪ ،‬باإلضافة إلى احتالله بالد الشام‪ ،‬ثم أن‬ ‫حملته على مصر ستعرضه دون شك لمخاطر اجتياز‬ ‫صحراء سيناء ‪ ،‬بما في ذلك تعرضه الهجمات البدو‪ ،‬وامتداد‬ ‫خطوط مواصالته‪.‬‬ ‫وكان المماليك يجمعون قواتهم في مصر برئاسة النائب‬ ‫الغيبة طومان باي‪ ،‬الذي بايعه والد الخليفة العباسي المحتجز‬ ‫لدى العثمانيين‪.‬وعالوة على ذلك فإن زحف العثمانيين على‬ ‫مصر من شأنه أن يشجع الصفويين على استغالل ذلك‬ ‫وتهديد أراضي الدولة العثمانية‪.‬‬ ‫ولهذه األسباب أراد سليم أن يعقد الصلح مع طومان باي‪،‬‬ ‫فأرسل إليه وهو في دمشق كتابة يطلب منه فيه االعتراف‬ ‫بالسيادة العثمانية على مصر‪ ،‬على أن يكون طومان باي نائبا‬ ‫عن سليم في حكم البالد حتى مدينة غزة ‪ ،‬وأن يذكر اسمه‬ ‫في الخطبة وعلى السكة ‪.‬ولكن طومان باي ‪ -‬بتحريض‬ ‫أمراء المماليك ‪ -‬رفض عوض التبعية هذا‪ ،‬وإزاء ذلك‬ ‫وبإلحاح من خايربك‪ ،‬الذي خشي على حياته من بقاء‬ ‫السلطنة المملوكية‪ ،‬وطمع في حكم مصر تابع سليم زحفه‬ ‫جنوبة فاستولى على يافا وغزة والعريش ‪ ،‬ثم عبر سيناء‬ ‫ودخلى الدلتا زاحفة إلى بلبيس ومنها اتجه نحو القاهر بدأ‬ ‫‪13‬‬ ‫التقدم باتجاه مصر ‪ ،‬لكنه وقبل التوجه إلى مصر‪ ،‬أرسل‬ ‫السلطان سليم رسوالً إلى الزعيم الجديد للمماليك طومان باي‬ ‫يطلب منه الخضوع له والطاعة للدولة العثمانية وذكر اسمه‬ ‫بالخطبة وعرض عليه أن تكون مصر له بدءاً من غزة‬ ‫ويكون هو واليا ً عليها من قبل السلطان العثماني على أن‬ ‫يرسل له الخراج السنوي لمصر وحذره من الوقوع فيما وقع‬ ‫فيه سلفه قونصوه الغوري‪.‬‬ ‫بدا طومان باي قابالً للعرض خصوصا ً مع ضياع معظم‬ ‫الجيش في معركة مرج دابق لكن أتباعه الجراكسة غضبوا‬ ‫وقتلوا الرسل مجبرين إياه على محاربة العثمانيين ‪.‬‬ ‫بعد حادثة مقتل الرسل‪ ،‬قرر السلطان سليم األول التوجه‬ ‫بجيشه صوب مصر بجيش مقداره مائة وخمسون ألف مقاتل‬ ‫وصحبة كثير من المدافع مجتازاً الصحراء مع جيشه‪ ،‬حيث‬ ‫وصل السلطان منطقة العريش في ‪11‬يناير ‪ 1517‬قاطعا ً‬ ‫صحراء فلسطين‪.‬أثناء ذلك‪ ،‬حث طومان باي أصحابه على‬ ‫التجمع لمواجهة العثمانيين هناك حيث يكون عبور الصحراء‬ ‫قد أنهك العثمانيين وإستنفذ مياههم‪ ،‬لكنه واجه تخاذل أتباعه‬ ‫و إتكالهم على الدفاعات الحصينة في الريدانية‪ ،‬لدرجة أن‬ ‫بعضهم كان يبقى في المعسكر نهاراً ليكون أمام طومان باى‬ ‫ثم يرجع ليالً إلى بيته في القاهرة‪.‬‬ ‫و قد نزلت األمطار على أماكن سير الحملة مما يسر على‬ ‫الجيش العثماني قطع الصحراء الناعمة الرمال وذلك بعد أن‬ ‫جعلتها األمطار الغزيرة متماسكة‪ ،‬األمر الذي سهل اجتيازها‬ ‫‪14‬‬ ‫‪.‬وصل السلطان سليم األول منطقة الصالحية مع جيشه بعد‬ ‫عبوره الصحراء بخمسة أيام ‪.‬‬ ‫تعرض الجيش العثماني إلى غارات البدو أثناء اجتيازه‬ ‫للصحراء حيث كان السلطان المملوكي يحث البدو على ذلك‬ ‫و يدفع مقابل كل رأس تركي وزنه ذهبا ً‪ ،‬األمر الذي أدى إلى‬ ‫تواتر غارات البدو لدرجة أن الوزير األعظم خشي حدوث‬ ‫معركة كبيرة كادت تودي بحياته هو اآلخر‪.‬‬ ‫جمع طومان باي ‪ 90‬ألف جندي نصفهم من أهالي مصر‬ ‫والنصف اآلخر من العسكر المماليك وفي قول آخر كان عدد‬ ‫جيشه ‪70‬ألف مقاتل‪.‬وقد استقدم ‪ 200‬مدفع مع مدفعيين من‬ ‫الفرنجة ووضعها في الريدانية والهدف منها هو مباغتة‬ ‫العثمانيين عند مرورهم واالنقضاض عليهم وحفرت الخنادق‬ ‫وأقيمت الدشم لمئة مدفع وكذلك الحواجز المضادة للخيول‬ ‫على غرار ما فعله سليم األول في معركة مرج دابق ‪،‬ولكن‬ ‫استخبارات العثمانيين تمكنت من اكتشاف خطة الجيش‬ ‫المصري حيث تمكن والي حلب المملوكي خاير بك والذي‬ ‫دخل بخدمة العثمانيين من تأمين خيانة صديقه القديم جان‬ ‫بردي والذي كان على خالف مع السلطان طومان باي وهو‬ ‫الذي أشار على السلطان سليم بااللتفاف على جيش المماليك‪.‬‬ ‫وقد علم طومان باي بالخيانة بعد فوات األوان وتردد‬ ‫بمعاقبته خوفا ً من أن يدب الخلل في صفوف الجند‪.‬‬ ‫قام السلطان العثماني بعملية تمويهية بعد اكتشافه للخطة‬ ‫المصرية‪ ،‬بأن أظهر نفسه سائراً نحو العادلية على الطريق‬ ‫للريدانية ولكنه التف وبسرعة حول جبل المقطم ورمى بكل‬ ‫‪15‬‬ ‫ثقله على المماليك بالريدانية من الخلف وكانت تلك حيلة جان‬ ‫بردي الغزالي الذي أبلغ خاير بك ذلك‪ ،‬فوقعت المواجهة في‬ ‫يناير‪.1517‬‬ ‫وقد قررت معركة الريدانية مصير دولة المماليك فى مصر ‪،‬‬ ‫كما قررت موقعة مرج دابق من قبل مصير دولتهم فى الشام‬ ‫‪ ،‬فخضعت مصر والشام منذ ذلك الوقت للعثمانيين ‪ ،‬بل لقد‬ ‫قرر خضوع مصر للحكم العثمانى مصير الخالفة اإلسالمية‬ ‫نفسها ‪ ،‬فلم يلبث المشرق العربى أن انتقل إلى اإلمبراطورية‬ ‫العثمانية‪ ،‬وانتقلت الخالفة اإلسالمية إلى آل عثمان‪ ،‬سواء‬ ‫حدث تنازل عن الخالفة من الخليفة العباسي المتوكل على هللا‬ ‫الذى كان يقيم فى مصر للسلطان سليم األول أم لم يحدث‬ ‫‪،‬وأصبح سالطين العثمانيين زعماء العالم اإلسالمى‪ ،‬وورثوا‬ ‫بذلك مركز سالطين المماليك فى مصر‪.‬‬ ‫ومن وجهة النظر اإلسالمى ‪ ،‬لم يكن الفتح العثمانى لمصر‬ ‫عام ‪ 1517‬إعتداء من قوة غير إسالمية على دولة إسالمية‬ ‫بل هو ضغط من جزء من العالم اإلسالمى على آخر‪.‬وكان‬ ‫كثيرون يرون أن هذا الحادث فى صالح العالم اإلسالمى‬ ‫بوجه عام‪.‬إذا أصبح من الواضح أن الدولة العثمانية قد‬ ‫تقدمت إلى الصف األول من دول العالم اإلسالمى ‪ ،‬وأن لها‬ ‫من صفات شعبها العسكرية ‪ ،‬ومن موقعها الجغرافى الفريد ‪،‬‬ ‫ومن إتصالها بأوروبا ‪ ،‬ما يمكنها من أن تخدم اإلسالم‬ ‫خدمات جليلة ‪ ،‬وأنها بإمتالكها هذا الجزء من الشرق األدنى‬ ‫الذى يقع على طرق مواصالت الشرق والغرب ‪ ،‬تستطيع أن‬ ‫تحميه من أى إعتداء أوروبى مسيحى ‪ ،‬ومن الجدير بالذكر‬ ‫‪16‬‬ ‫أنه منذ دخول السلطان سليم األول القاهرة وقراءة الخطبة‬ ‫المساجد(‪24‬يناير‪)1517‬انتهى عهد الدولة‬ ‫باسمه في‬ ‫المملوكية التى أنقذت مصر والشام من أطماع الغرب‬ ‫األوروبي ‪ ،‬وخضعت الديار المصرية لحكم آل عثمان ‪ ،‬فبدأ‬ ‫منذ ذلك عهد جديد فى تاريخ البالد ‪ ،‬هو العهد العثمانى‬ ‫المملوكى الذى إستمر قرابة ثالثة قرون ‪ ،‬أى إلى وقت‬ ‫مجيءالحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة بونابرت فى أواخر‬ ‫القرن الثامن عشر ‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫التنظيم اإلداري لمصر في العصر العثماني‬ ‫أهمية مصر فى العهد العثمانى‪:‬‬ ‫رغم أن مصر قد فقدت نتيجة الفتح العثمانى مركزها فى‬ ‫زعامة العالم اإلسالمى فى الشرق األوسط ‪ ،‬إال أنه من‬ ‫الخطأ أن يظن أن مصر قد فقدت إبان العهد العثمانى مكانتها‬ ‫تماما ً ‪.‬إذ ظلت مصر على الرغم من ذلك أهم والية فى‬ ‫الدولة العثمانية فى المشرق العربى‪.‬وفضالً عن ذلك‪ ،‬كان‬ ‫السالطين العثمانيون يعتبرون مصر ثانى والية فى الدولة‬ ‫بعد والية المجر ‪ ،‬ولذا كانوا يختارون لها‪-‬نظراً ألهمية‬ ‫مركزها‪ -‬والة أو باشوات ممن تقلبوا فى مناصب رئيسية فى‬ ‫حكم األقاليم أو في البالط العثماني‪.‬‬ ‫وكانت أهمية مصر تأتى من ناحيتين‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬موقعها الجغرافى المتوسط بين الواليات‬ ‫(اإلياالت)العربية فى المشرق العربي من ناحية وأوجاقات‬ ‫المغرب العربى (طرابلس الغرب وتونس والجزائر)من‬ ‫ناحية أخرى‪.‬وقد أدى هذا الموقع إلى أن مصر أصبحت‬ ‫مركزاً لقوافل الحج الوافدة من بالد المغرب‪.‬وهذه الحقيقة‬ ‫تفسر أهمية قافلة الحج المصرية بالنسبة لقوافل الحج‬ ‫اإلسالمى فى ذلك العصر‪.‬فقد كانت قافلة الحج المصرى تأتى‬ ‫فى المرتبة الثانية بعد قافلة الحج الشامى‪.‬‬ ‫‪1۸‬‬ ‫الثانية‪:‬إعتماد الدولة العثمانية عليها إلى حد ما فى تطبيق‬ ‫إتجاهات السياسة العثمانية فى البحر األحمر بصفة عامة ‪،‬‬ ‫وفى الحجاز بصفة خاصة‪ ،‬ألن الكثير من األوقاف المصرية‬ ‫كانت محبوسة على الحرمين الشريفين ‪ ،‬كما كانت السلطنة‬ ‫العثمانية تتخذ من قافلة الحج المصرى وسيلة لتنفيذ سياستها‬ ‫فى الحجاز‪.‬‬ ‫التنظيم اإلدارى لمصر في العصر العثمانى‪:‬‬ ‫لم يمكث السلطان سليم األول فى مصر مدة طويلة ‪ ،‬فلم‬ ‫تتعد إقامته بها ثمانية شهور(يناير‪ -‬سبتمبر ‪)1517‬قضاها‬ ‫فى دراسة أحوال مصر الداخلية بنفسه ‪ ،‬واستطاع فى خالل‬ ‫هذه الفترة أن يجمع بعض المعلومات عن األحوال اإلدارية‬ ‫والمالية فى البالد حتى يسترشد بها آل عثمان فى حكم مصر‬ ‫وإدارتها‪.‬وال عجب فقد اتصفت فلسفة العثمانيين فى حكم‬ ‫الشعوب الخاضعة لهم باإلبقاء على النظم الموجودة من نظم‬ ‫البالد المفتوحة وتقاليدها وتحويلها إلى آداة من أدوات الحكم‬ ‫العثمانى‪.‬وال شك أن السلطان سليم األول قد إستنار بهذه‬ ‫المعلومات فى وضع القواعد ورسم المبادئ العامة التى أقام‬ ‫عليها العثمانيون نظام حكومتها فى مصر‪.‬‬ ‫وحين تولى السلطان سليمان الحكم (‪ ، )1566-1520‬وكان‬ ‫مهتما ً بوضع القوانيين حتى عرف بسليمان القانونى‪،‬أكمل‬ ‫نظم الحكم التى وضعها والده‪ ،‬وكانت هذه تقوم على مبدأ‬ ‫تقسيم السلطة فى مصر بين هيئات متعددة ‪ ،‬لكى تتنافس فيها‬ ‫بينها ويوازن بعضها بعضا ً‪ ،‬حتى ال تستطيع إحداها أن‬ ‫‪19‬‬ ‫تستأثر بالسلطة ‪ ،‬وبذالك يتحقق هدف السلطان النهائى ‪ ،‬وهو‬ ‫بقاء مصر خاضعة للدولة العثمانية ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك ‪ ،‬فقد إشترك فى حكم مصر العثمانية ثالثة هيئات‬ ‫‪ ،‬هى الباشا ومعاونوا الباشا ‪ ،‬وأمراء المماليك‪.‬وقد نجح هذا‬ ‫النظام إلى حد ما فى عهدي سليم األول وسليمان القانونى ‪،‬‬ ‫ولكن مساوءه لم تلبث أن أخذت تظهر تدريجيا ً‪.‬فقد أدى‬ ‫توزيع السلطة بين الباشا ورجال الحماية والمماليك إلى قيام‬ ‫نزاع دائم بين هذه القوة الثالثة ‪ ،‬مما إنعكس على أحوال‬ ‫مصر الداخلية وأدى إلى تدهورها‪.‬‬ ‫والسطور التالية تحوي وصفا ً عاما ً عن أهم عناصر الحكومة‬ ‫واإلدارة فى مصر العثمانية وإختصاصات كل منها‪:‬‬ ‫الباشا‪:‬‬ ‫كان وكيل السلطان ورئيس الهيئة اإلدارية العثمانية فى مصر‬ ‫‪ ،‬ويسمى فى الوثائق العثمانية تارة بـ "والى مصر"وتارة‬ ‫أخرى بـ "محافظ مصر المحروسة"‪.‬‬ ‫ومن أهم إختصاصاته ‪ ،‬تطبيق قواعد الحكم العثمانى فى‬ ‫مصر كما نظمها قانون سليمان ‪ ،‬مع إدخال بعض التعديالت‬ ‫التى إقتضتها الظروف على ذلك القانون‪.‬وفضالً عن ذلك‬ ‫‪،‬فهو مكلف بإرسال خزينة السلطان ومعتادات األستانة مثل‬ ‫مهمات بناء السفن وبعض منتجات مصر ‪ ،‬وبالمواظبة على‬ ‫إرسال المؤن والهدايا إلى الحرمين‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫وكان الباشا يدفع للسلطان العثمانى مبلغا ً من المال نظير‬ ‫تعينه وكيالً أو نائبا ً عنه فى مصر ‪ ،‬ولذلك قيل أن الباشا كان‬ ‫يشترى باشوية مصر ‪ ،‬أو بمعنى آخر كان يشترى إلتزاماتها‬ ‫المتعددة‪.‬وكان الباشا يتقاضي كل هذه األموال بطريقة‬ ‫قانونية منظمة خاضعة للقيد والتسجيل والضبط‪.‬وكان عليه‬ ‫أن يدفع رواتب الجند ‪ ،‬ويجهز الحمالت العسكرية إلى‬ ‫استانبول ‪ ،‬ويجهز قافلة الحج السنوية ‪ ،‬ورواتب الموظفين‬ ‫وتوضح لنا الوثائق الدخل السنوي للباشوات والتي تدلنا على‬ ‫مدى جشع الباشوات وحرصهم على جمع أكبرقدر من الثروة‬ ‫في فترة واليتهم القصيرة ‪.‬‬ ‫ويرأس الباشا الهيئات الحاكمة في مصر ‪ ،‬وهو مسئول أمام‬ ‫الدولة العثمانية عن كثير من الواجبات ‪ ،‬كما هو مسئول أمام‬ ‫الديوان العالي بمصر ‪ ،‬ومن هذه الواجبات جمع األموال‬ ‫األميرية (الخزنة) فكان عليه أن يبذل قصارى جهده في‬ ‫جمعها وإرسالها في حماية فرقة عسكرية كل عام إلى‬ ‫الحكومة المركزية في استانبول ‪ ،‬كما تتمثل في معتادات‬ ‫األستانةوهي كميات كبيرة من السكر المصري واألرز والبن‬ ‫والتمرو التي يتم ارسالها إلى القصر السلطاني باستانبول كل‬ ‫عام أيضا ً ‪.‬أما ثالث هذه الواجبات فكانت أموال الحرمين‬ ‫الشريفين أو(صرة الحرمين الشريفين) والقمح والزيت التي‬ ‫كان يبعث بها الباشا‪.‬‬ ‫وكان فيضان النيل هو الذي يسير بالباشا إلي موطن النجاح‬ ‫إذا كان معتدالً أو إلى مواطن اإلخفاق إذا كان مرتفعا ً للغاية‬ ‫أو منخفضا ً للغاية في الحالة األولى تفيض البالد‬ ‫‪21‬‬ ‫بالخيروالثمار وال يجد الباشا صعوبة في تحصيل (خزنة)‬ ‫الدولة واموال و(صرة) الحرمين الشريفين و "معتادات‬ ‫األستانة وفي إحدي الحالتين األخيرتين غالبا ما يخفق الباشا‬ ‫في جمع كل هذه األموال‪.‬‬ ‫وكان الباشا مسئوالً أمام السلطان العثماني عن استقراراألمن‬ ‫في مصر ‪ ،‬وكان عليه تنظيم األسواق ‪ ،‬واعتماد قناصل‬ ‫الدول األجنبية ‪ ،‬وهو الرئيس األعلى في اإلحتفاالت الرسمية‬ ‫والعامة ‪ ،‬وكان عليه أيضا ً إرسال مهمات بناء السفن ‪ ،‬وأن‬ ‫يفصل في شكاوي األهالي‪ ،‬وهو المسئول عن تنظيم مالية‬ ‫مصر يساعده في ذلك الدفتردار والروزنامجي واإلدارة‬ ‫المالية التابعة لهما ‪ ،‬وأن يضمن حسن استغالل مصادر‬ ‫الثروة في مصر ‪ ،‬وله حق تعيين كل موظفي اإلدارة في‬ ‫مصر ما عدا الكتخدا والدفتردار وقاضي القضاه وأمير الحج‬ ‫‪ ،‬ويرأس الديوان العالي أو مجلس الحكومة ‪ ،‬ويشارك في‬ ‫االحتفاالت و المناسبات الدينية ‪.‬‬ ‫حددت مدة حكم الباشوات أو الوالة في مصر بعام واحد وال‬ ‫يزيد عن ثالث سنوات ‪ ،‬وفي حاالت نادرة تجاوز بعض‬ ‫الباشوات هذه المدة ومنهم سليمان باشا الخادم (‪- 1۵2۵‬‬ ‫‪1۵3۵‬م) وداود باشا الخادم (‪1۵49 -1۵3۸‬م) ومسيح باشا‬ ‫(‪ )15۸0 - 1۵74‬وأويس بها (‪1۵90 -1۵۸۵‬م) وذلك‬ ‫بسبب الهدوء النسبي الذي ساد فترة واليتهم ‪ ،‬ولقضاء‬ ‫بعضهم على عناصر التمرد التي شاركت في ثورات‬ ‫السنوات األولي للحكم العثماني‪ ،‬أو ما قدموا من خدمات‬ ‫جليلة للدولة في حروبها الخارجية أمثال سنان باشا وسليمان‬ ‫‪22‬‬ ‫الخادم ‪ ،‬وبسبب أن السلطنة في تلك الفترة كانت ال تزال‬ ‫على قوتها األولي وبالتالي فلم تكن في حاجة إلى تغييرهم ‪،‬‬ ‫ولم تخش بأسهم أو انقالبهم عليها ولعل ذلك كان فرصة‬ ‫لهؤالء الوالة إلقامة منشآت هامة والسير في سياسة‬ ‫اإلصالح وتوطيد أقدام السلطنة في البالد ‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بأسباب عزل الباشا فقد انحصرت فيما يلي ‪:‬‬ ‫أ) انتهاء مدة واليته وتولي والي جديد حتي ولو كان األول لم‬ ‫يمض علي واليته سوي بضعة أشهر ‪.‬‬ ‫ب) سوء تصرف الوالي أو لفساد خلقه أو تصرفاته ‪.‬‬ ‫ج) توليته لمنصب أعلى من منصبه كمنصب "الصدر‬ ‫األعظم" باألستانة ‪ ،‬أو للنقل إلي والية أخري‪.‬‬ ‫د) دسائس البالط العثماني وانتشار الفساد والرشوة ‪ ،‬ودفع‬ ‫البعض لتلك الرشاوي لعزل الوالي القائم ‪ ،‬أو نتيجة‬ ‫لمؤامرات الحامية وأمراء المماليك وعزلهم للوالة وإقرار‬ ‫السلطان لتلك اإلجراءات خاصة بعد ضعف السلطة‬ ‫المركزية ‪.‬‬ ‫وكان يتم عزل الباشا بعد وصول الفرمان السلطاني بالعزل ‪،‬‬ ‫ويتم عقد الديوان العام وتكون الكلمة الفاصلة فيه نابعة من‬ ‫الدفتردار ورجال الروزنامة وقاضي عسكر أفندي وقادة‬ ‫الحاميات ‪ ،‬ويمثل الباشا أمام أعضاء الديوان ليقرروا براءة‬ ‫ساحته المالية أو أنه مدين للدولة ‪ ،‬وذلك بناء على ما انتهت‬ ‫إليه حسابات الروزنامه ‪.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫وفي حالة براءته يعطيه الديوان حجة " البراءة " وبها يمكنه‬ ‫الخروج من مصر عائداً إلى الدولة العثمانية ‪ ،‬وبهذه البراءة‬ ‫يصبح أهالً الثقة ولتقلد ما تراه الحكومة المركزية من‬ ‫مناصب ‪.‬‬ ‫أما إذا كان مدينا ً فإن الديوان يطالبه بدفع ما عليه لخزانة‬ ‫الدولة فإذا ما أداه حصل علي حجة البراءة ‪ ،‬وإذا تباطأ أو لم‬ ‫يدفع فإنه قد يكتفي بكتابة إيصال عليه بالمبالغ المتبقية في‬ ‫ذمته ويتعهد بتسديدها لدي وصوله إلي اآلستانة ‪ ،‬أو أن‬ ‫يتعهد الروزنامجي بالوفاء بالمتبقي في ذمة الباشا بعد اتفاقه‬ ‫معه على ذلك ‪ ،‬أو أن يقوم الوالي الجديد بالتخفيف عنه أو‬ ‫بإعفائه من بعض المستحق عليه‪.‬‬ ‫وكانت هذه األحوال جميعا ً تتم في األحوال العادية ‪ ،‬أما في‬ ‫حالة شك الدولة في ذمته فكان القائمقام (نائب الوالي) يقوم‬ ‫بالقبض عليه وتحديد إقامته ‪ ،‬وقد يشمل أمر القبض على‬ ‫الباشا كتخداه (وكيله) وكبار مساعديه ويصبح شبه معتقل‬ ‫ويفوض أمره إلى السلطان ليري رأيه فيه ‪.‬وفي مثل هذه‬ ‫الحاالت فإن السلطان كان يأمر بإرساله إلي استانبول‬ ‫مقبوضا عليه لمحاكمته ومصادرة أمواله ‪ ،‬وفي بعض‬ ‫األحيان كان السلطان يرسل فرمانا ً بقتله في مصر إذا ما‬ ‫اقترنت مسئوليته بخيانة مالية أوسياسية ‪.‬‬ ‫وقد تولى الحكم في مصر من عام ‪179۸ - 1517‬م ‪ ،‬والي‬ ‫واحد من المماليك الجراكسة ‪ ،‬و ‪ 127‬واليا ً من الباشوات‬ ‫العثمانيين ‪.‬ولم يكن لمصر دور في اختيار الباشا الذي يتولى‬ ‫‪24‬‬ ‫حكمها إال في حاالت التذمر السياسي فإنه كان لمصر أدوار‬ ‫خاصة في إسقاط بعض الباشوات وتولية آخرين ‪.‬‬ ‫القائمقام ‪:‬‬ ‫يقصد بلفظ القائمقام الشخص الذي يقوم مقام الباشا ‪ ،‬وكان‬ ‫يقوم بكل أعمال الباشا خالل فترة خلو منصب الباشوية حتى‬ ‫قدوم باشا جديد ‪ ،‬فيصدر األوامر ويرأس الديوان وغير ذلك‬ ‫من األعمال ‪ ،‬وخالل القرن ال‪ 16‬كان منصب القائمقام يسند‬ ‫إلى قاضي القضاة أو الدفتردار أي إلى شخصية عثمانية‪.‬‬ ‫ولكن في القرن ال‪ 17‬وال‪ 1۸‬أسند هذا المنصب في أغلب‬ ‫األحيان إلى البكوات المماليك ‪ ،‬ونادراً ماكان يتم تعيينه من‬ ‫خارج صفوف المماليك ‪.‬‬ ‫معانوا الباشا ‪:‬‬ ‫‪-1‬الكتخدا‬ ‫كان على رأس معاوني الباشا ‪ ،‬وهو وكيله ‪ ،‬ويعينه السلطان‬ ‫العثماني من موظفي الدولة العثمانية ‪،‬وهو من األتباع‬ ‫الخواص ويشرف على القصر ‪ ،‬ويعاون الباشا في كل‬ ‫أعماله ‪ ،‬ويالزم الباشا مالزمة دائمة ‪ ،‬ويقيم معه وينتقل معه‬ ‫من إقليم إلى آخر في مصر ‪ ،‬ويرأس جلسات الديوان في‬ ‫حال غياب الباشا ‪ ،‬وأسند إليه بمرور الوقت متابعة زراعة‬ ‫القرى وتحصيل الضرائب منها وارتبطت مدة خدمة الكتخدا‬ ‫بمدة حكم الباشا ويتغير بتغير الباشا ‪ ،‬وتمتع بسلطات واسعة‬ ‫منذ أوائل العهد العثماني في مصر ‪ ،‬وأحيانا كان يتولى‬ ‫باشوية مصر‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫وكان من مهام الكتخدا العمل على تنفيذ األوامر السلطانية‬ ‫وإال فإن للباشا حق معاقبته وكان عليه أيضا ً الخروج في‬ ‫الحمالت التي يوجهها الباشا ضد المتمردين من العربان ‪،‬‬ ‫وإبالغ مطالب األمراء المماليك للباشا ‪ ،‬وإعالمه بمؤامراتهم‬ ‫ضده ‪ ،‬وكثيراً ما كان يشترك في الصراعات والمنازعات‬ ‫السياسية التي شهدها تاريخ مصر في العصرالعثماني‪.‬‬ ‫وعندما ضعفت سلطة الوالة ونوابهم فقد صارت مهمتهم ال‬ ‫تتجاوز بعض المطالب كاستقبال رسل الدولة العثمانية‬ ‫والنيابة عن الباشا في السفر إلى استانبول ‪.‬وفي أواخر‬ ‫القرن الثامن عشر ضعفت سلطة الكتخدا ولم يعد يدير شئون‬ ‫الدولة كما كان في أوائل العصر العثماني ‪.‬‬ ‫‪-2‬الدفتردار ‪:‬‬ ‫كان يتم تعيينه مباشرة من إستانبول ‪ ،‬وله حق اإلشراف على‬ ‫اإلدارة المالية في مصر ويساعده في ذلك الروزنامجي ‪،‬‬ ‫وكان هو المسئول الفعلي عن اإلدارة المالية إلى منتصف‬ ‫القرن السابع عشر ‪.‬عندما أصبحت اإلدارة المالية الفعلية في‬ ‫يد الروزنامجي ‪ ،‬وبمرور الوقت سيطر المماليك علي‬ ‫إختصاصات الدفتردار ووظيفته ‪ ،‬وأصبح هذا المنصب منذ‬ ‫أواخر القرن السابع عشر منصبا ً سياسيا ً ‪ ،‬ويختار لقوته‬ ‫العسكرية ومركزه السياسي وليس لمؤهالته الوظيفية ‪،‬‬ ‫وأصبح البكوات المماليك هم الذين يشغلون هذا المنصب ‪.‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪-3‬المهردار ‪:‬‬ ‫يقصد بهذا اللفظ حامل أختام باشا وحامل كل األختام‬ ‫العثمانية في مصر‪ ،‬ويتبع الوالي شخصيا ً ويجئ معه من‬ ‫إستانبول ويذهب معه مثل الكتخدا ‪ ،‬وكان يحصل علي‬ ‫مرتبه من خزانة الوالي‪ ،‬وكانت كل ما يستصدره الباشا من‬ ‫تمكينات (تراخيص ) مختومه بخاتمه مثل تمكين الملتزم ‪،‬‬ ‫وفي القرن الثامن عشر حصل المهردار على عمل إضافي‬ ‫وهو االحتفاظ بأسرار الدولة والمراسالت الشخصية الخاصة‬ ‫بالوالي وحراسة السجالت وعدم إطالع الممالك عليها ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الخزندار ‪:‬‬ ‫وهو مدير مالية الباشا شخصيا ً ‪ ،‬ويتولى اإلشراف علي‬ ‫خزانة الحاكم ويتسلم االيرادات التي يحضرها الكتخدا ‪،‬‬ ‫ويتولى عملية اإلنفاق في الحاالت الضرورية فقط ‪ ،‬ويشرف‬ ‫علي المبني الموجود به خزانة الوالي ‪ ،‬ويأخذ مرتبه من‬ ‫الوالي مباشرة‪ ،‬وله عوائد على األمراء والكشاف وأرباب‬ ‫المناصب حين توليتهم ‪.‬‬ ‫‪ -5‬الترجمان ‪:‬‬ ‫لما كان الجهاز الحاكم في مصر من األتراك فالباشا‬ ‫والقائمقام والكتخدا والدفتردار والروزنامجي والقضاه وكبار‬ ‫الموظفين أتوا من استانبول فكانوا ال يعرفون اللغة العربية ‪،‬‬ ‫وكذلك الموظفين األتراك فإنهم كانوا ال يتكلمون اللغة العربية‬ ‫وقليل منهم له معرفة قليلة للغاية بالعربية ‪ ،‬وكذلك كان‬ ‫المماليك الذين حكموا مصر وسيطروا عليها وعلى وظائف‬ ‫‪27‬‬ ‫حكومة في مصر خالل القرن الثامن عشر فقد جاءوا من‬ ‫أقاليم آسيا الصغرى وبالتالي فهم ال يجيدون العربية وال‬ ‫يعرفون اللغة التركية وقد يتحدثون العربية بصعوبة بالغة‬ ‫حتي انهم ال يعرفون العربية إال كلغة ثانوية ‪.‬‬ ‫لكل هذه األسباب السابقة كان حاكم مصر في حاجة إلي‬ ‫تراجمة (مترجمين) في كل مجال من مجاالت اإلدارة للقيم‬ ‫باالتصال بالشعب وللقيام بأعمال ترجمة األوامر والتعليمات‬ ‫وغيرها من هذه األعمال‪.‬ومن ثم فقد عين بكل إدارة أو‬ ‫مجلس أو محكمة أحد التراجمة‪.‬أما ترجمان الوالي فكان‬ ‫المماليك هم الذين يعينونه لكي يكون جاسوسا لهم ‪ ،‬وكان له‬ ‫راتب على المماليك وعلي الكشاف وعلي الوالي ‪.‬‬ ‫وكان من معاوني الباشا رئيس الديوان ‪ ،‬وديوان أفندي‬ ‫(وسكرتير الديوان) ‪ ،‬وكاتب الديوان ‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ -‬الديوان ‪:‬‬ ‫أطلقت كلمة الديوان في مصر في العصر العثماني علي كل‬ ‫مجالس الحكم واإلدارة ‪ ،‬وللباشا ديوان أي مجلس للحكم‬ ‫‪،‬ولألمير المملوكي ديوان خاص به وهكذا ‪ ،‬فالديوان يعني‬ ‫في ذلك الوقت مجلس الحكم ‪ ،‬كما أطلق على اإلدارات أيضا ً‬ ‫لفظ دواوين ‪ ،‬فكان هناك ديوان الروزنامة ‪ ،‬ودواوين‬ ‫الجمارك ‪ ،‬والدواوين تعني في هذا المقام الهيئات المختصة‬ ‫بالحكم أو اإلدارة والسلطة ‪ ،‬وكان هناك ديوانان األول‬ ‫الديوان العالي أو الديوان الكبير ‪ ،‬والثاني الديوان الصغير ‪.‬‬ ‫‪2۸‬‬ ‫أ‪ -‬الديوان العالي (الكبير) ‪:‬‬ ‫أنشئ هذا الديوان في مصر بعد إصدار قانون نامه عام‬ ‫‪ ،1525‬وكان مقره األساسي في القلعة ‪ ،‬ويرأسه الباشا‬ ‫‪،‬وهو أعلى مجلس إداري في الوالية ‪ ،‬وكان يعقد أربع‬ ‫مرات أسبوعيا ً ‪ ،‬وكانت عضويته عضوية وظائف وليس‬ ‫أشخاص فهو يضم الكتخدا ‪ -‬وكان أحيانا ً يرأس جلسات هذا‬ ‫الديوان ‪ -‬وقاضي عسكر أفندي أو قاضي القضاة والدفتردار‬ ‫(رئيس اإلدارة المالية) والروزنامجي والمهردار والمفتون‬ ‫علي المذاهب األربعة ‪ ،‬وكبار علماء الدين وأمير الحج‬ ‫واألمراء ‪ ،‬وامراء وقادة األوجاقات السبع(وتعني الفرق‬ ‫العسكرية) وغيرهم ‪.‬‬ ‫ويبحث الديوان الكبير جميع الشئون اإلدارية والمالية‬ ‫والقضائية ‪ ،‬وتعيين الصناجق وشيخ البلد ومحاسبة الباشا ‪،‬‬ ‫كما كان بمثابة محكمة اإلستئناف ‪-‬في وقتنا الحالي ‪ -‬حيث‬ ‫تعرض عليه قضايا رجال الباشا وكبار األمراء وأرباب‬ ‫المناصب الهامة والتي ترفع إليه إلعادة بحث قضاياهم عند‬ ‫عدم االقتناع بأحكام المحاكم المحلية ‪.‬‬ ‫وكان لهذا الديوان أيضا إختصاصات قضائية تمثلت في‬ ‫قضايا منازعات كبار موظفي اإلدارة العثمانية في مصر‬ ‫سواء من المماليك أو غيرهم ‪ ،‬باإلضافة الى قضايا منازعات‬ ‫كبار الملتزمين ‪ ،‬وقضايا األوقاف والتي تنشأ لوقوع خالف‬ ‫بين نظار األوقاف أنفسهم أو بينهم وبين األمراء الملتزمين ‪،‬‬ ‫وكذلك قضايا األحوال الشخصية مثل شئون الميراث‬ ‫والوصاية و التي يكون أحد طرفيها من رجال اإلدارة ‪.‬‬ ‫‪29‬‬ ‫ويقوم رئيس الديوان بخدمة الديوان وتنفيذ قراراته‪ ،‬كما أنه‬ ‫كان مسئوالً عن األشخاص الذين يحكم الديوان باعدامهم‬ ‫وهناك ديوان أفندي (الملقب ب أفنديس) وهو رئيس كتاب‬ ‫الديوان أو سكرتيره‪ ،‬وكان يخدم الحاكم شخصيا ً ‪ ،‬وكان‬ ‫يشرف على كتاب الديوان وتعينهم وأخالقهم وتدريبهم ‪،‬‬ ‫ويقوم معهم بإعداد ملخص للسجالت في مناقشات الديوان و‬ ‫عوائد ديوان أفندي من التقاسيط و الفرمانات و التذاكر‬ ‫الديوانية التي يقع فيها التغبير أو التبديل بالبيع و الشراء ‪،‬‬ ‫وله خراج على الباشا في كل يوم‪.‬وهناك أيضا ترجمانان‬ ‫أحدهما عربي ويعين من قبل المماليك والثاني تركي يعين‬ ‫من استانبول ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الديوان الصغير ‪:‬‬ ‫كان يجتمع بصفة يومية في قصر الباشا ‪ ،‬ويحضره الكتخدا‬ ‫والدفتردار والروزنامجي ورؤساء الفرق العسكرية وينظر‬ ‫في المسائل اإلدارية العاجلة ‪ ،‬ويشرف على تطبيق قواعد‬ ‫اإلدارة العثمانية في مصر ‪.‬‬ ‫وهكذا كان باشا مصر يسير وفق نظام معين فيما يتصل‬ ‫بطريقة اختياره للوالية ‪ ،‬وعالقته بالباب العالي ‪ ،‬ومدة إقامته‬ ‫بمصر ‪ ،‬والقوي األخرى التي تركها نظام الحكم العثماني‬ ‫إلي جواره ‪.‬وكل ذلك في جو من المؤامرات ‪ ،‬وحركات‬ ‫التمرد ‪ ،‬وروح النهم والجشع والرغبة في اإلثراء السريع ‪.‬‬ ‫وقد مثل الباشا الدولة العثمانية في قوتها وجبروتها كما مثلها‬ ‫أيضا في ضعفها وإنهيارها ‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫ج‪ -‬ديوان الروزنامة ‪:‬‬ ‫كلمة روزنامة كلمة فارسية تعني دفتر الحوادث اليومية أو‬ ‫السجل اليومي للدخل والمنصرف‪ ،‬وقد أصبح معناها في‬ ‫االستعمال التركي ‪ :‬الديوان الذي يقوم بتحرير وضبط‬ ‫الحسابات في الدفاتر الرسمية‪ ،‬وكان ينقسم إلى عدة أقالم أو‬ ‫مقاطعات‪ ،‬يرأس كل منها أفندي (كاتب) وكانت‬ ‫االختصاصات المالية الحسابية موزعة على هذه األقالم‪،‬‬ ‫ورئيس ديوان الروزنامة يسمی روز نامجي ‪.‬‬ ‫هيئة المماليك ‪:‬‬ ‫شارك المماليك في إدارة شئون مصر في العصر العثماني ‪،‬‬ ‫فإلى جانب الهيئة الحاكمة العثمانية التي تقلدت الوظائف‬ ‫الكبرى مثل الباشا والكتخدا والدفتردار والروزنامجي‬ ‫وغيرهم والذين كان يتم تعيينهم من قبل السلطان العثماني من‬ ‫استانبول ‪ ،‬كانت هناك أيضا هيئة أخري من المماليك الذين‬ ‫شاركوا في إدارة البالد من خالل ما عرف بـ"صناجق‬ ‫مصر" ‪ ،‬والصناجق جمع صنجق أو سنجق وهو لفظ تركي‬ ‫بمعني علم أو لواء ‪ ،‬وقصد به قسم من والية كبيرة "‬ ‫صنحقية " أو حاكم على صنجقية أو إقليم كبير مثل الشرقية‬ ‫أوالبحيرة ‪ ،‬وكانت رتبة الصنجقية من أستي الرتب في مصر‬ ‫العثمانية ‪ ،‬وكان لها امتيازاتها النقدية والعينية ‪.‬‬ ‫هاما ً من‬ ‫وشكل الصناجق من أمراء المماليك عنصراً‬ ‫و عرف‬ ‫عناصر الحكم في مصر في العصر العثماني ‪،‬‬ ‫يلي نفود‬ ‫زعيمهم بشيخ البلد ومقره القاهرة‪ ،‬وكان نفوذه‬ ‫‪31‬‬ ‫الباشا ‪ ،‬بل إنه كان في بعض األحيان يحل محل الباشا‬ ‫المخلوع إلى أن يصل الباشا الجديد‪.‬وكان الباشا يعهد إلي‬ ‫بعض الصناجق بمهمة حفظ األمن واالستقرار بالقاهرة من‬ ‫اعتداءات العربان‪ ،‬كما كان الصناحق يقومون ببعض‬ ‫السفارات الخاصة سواء إلى استانبول لحمل خزينة مصر‬ ‫السنوية ‪ ،‬أو قيادة بعض فرق الحامية العثمانية في مصر‪ ،‬أو‬ ‫قيادة الفرق الحربية المصرية العثمانية المشاركة في حروب‬ ‫السلطان ‪.‬‬ ‫وانحصرت إختصاصات الصناجق في اإلشراف على‬ ‫الزراعة وأعمال الري من إقامة الجسور وتطهير الترع‬ ‫وتوطيد األمن ومنع العربان من التعدي علي الفالحين وإقامة‬ ‫العدل واإلشراف على أعمال الكشاف التابعين لهم ‪.‬‬ ‫والكشاف هم أتباع الصناجق من مماليكهم الممتازين وهم‬ ‫ينوبون عنهم في حكم أقاليمهم إذا ما آثروا البقاء في القاهرة‬ ‫على الذهاب إلى مقر والياتهم ‪ ،‬وقد تولى الكشاف حكم‬ ‫بعض األقاليم التي لم تبلغ مرتبة الصنجقية وتسمي كاشفيات‬ ‫أو كشوفيات ولم تكن هذه الكشوفيات ثابته العدد طوال‬ ‫العصر العثماني ‪ ،‬كما أنها لم تكن ذات مساحات متساوية ‪،‬‬ ‫وكان بعضها مالصق للبعض اآلخر‪.‬‬ ‫أما اختصاصات الكشاف فقد كانت قريبة إلي حد كبيرمن‬ ‫اختصاصات الصناجق ‪ ،‬وهي اإلشراف على تنظيم اإلستفادة‬ ‫من مياه النيل وخاصة أثناء الفيضان بإقامة الترع والجسور‬ ‫الرتباط ذلك بثروة البالد الرئيسية وقتئذ وهي الزراعة ‪،‬‬ ‫‪32‬‬ ‫واإلشراف علي جمع األموال األميرية ومراقبة الجباة الذين‬ ‫كان يعهد إليهم بتحصيل األموال األميرية من األهالي ‪.‬‬ ‫وكان الكشاف يقومون بجمع الغالل وتحويلها إلى الشون‬ ‫الخاصة ‪ ،‬باإلضافة إلى مسئولياتهم في حفظ األمن وحماية‬ ‫القري من اعتداءات العربان وغيرها من المهام‪ ،‬كما تولى‬ ‫بكوات المماليك أيضا إمارة الحج ‪ ،‬وكان علي أمير الحج‬ ‫حماية قوافل الحج أثناء ذهابهم للحجاز من اعتداءات القبائل‬ ‫العربية المنتشرة على طول الطريق من القاهرة إلى السويس‬ ‫ثم الحجاز‪.‬‬ ‫‪33‬‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫الحياة اإلقتصادية في مصر في العصر العثماني‬ ‫إختلت الحياة اإلقتصادية في مصر العثمانية نوعا ً ما وكان‬ ‫هناك أسباب عديدة إلختالل اإلقتصاد المصري ‪ ،‬وقد‬ ‫تضافرت عدة عوامل ساهمت في ذلك منها تعدد أنواع النقد‬ ‫المتداول ‪ ،‬وتغير العملة المستمر ‪ ،‬فالنقد في مصر إرتبط في‬ ‫ذلك العهد بالنقد العثماني ‪.‬‬ ‫وفي القرن ال‪ 16‬كان ذلك النوع من النقد موضع تغييرات‬ ‫جمة ‪ ،‬وقد أثر ذلك على اإلقتصاد المصري ‪ ،‬لدرجة أن تم‬ ‫إلغاء العملة المتداولة وسك غيرها والتي كانت قد تقل قيمتها‬ ‫أو تزيد عن العملة الملغاة ‪ ،‬أو سك عملة جديدة ذات قيمة‬ ‫قانونية أعلى من قيمتها الحقيقية ‪ ،‬أو حظر ضرب عملة‬ ‫معينة ‪ ،‬أو سحب غيرها من التداول وهكذا ‪.‬‬ ‫وكان من أسباب زيادة فوضى النقد ‪ ،‬دخول العملة األجنبية‬ ‫إلى مصر ‪ ،‬وهي العملة الفضية أو الذهبية ذات القيمة‬ ‫الموثوق بها والتى أحضرها الفرنج معهم ‪ ،‬ومنها الدوالر‬ ‫الهولندي المعروف باسم «أبو كلب ‪ ،‬أو التالير أو اللاير‬ ‫األسباني المعروف باسم ‪ :‬أبو طاقة ‪ ،‬ثم "البندقي" وهذه‬ ‫كلها كانت مقبولة ومفضلة على غيرها في التعامل ‪.‬‬ ‫وكذلك كان من أسباب اختالل الحياة االقتصادية في البالد ‪،‬‬ ‫انخفاض النيل وانتشار األوبئة والطاعون وكثرة الوفيات تبعا ً‬ ‫لذلك ‪ ،‬و انتشار المجاعات ‪ ،‬و تأخر الزراعة‪ ،‬وتحول‬ ‫‪34‬‬ ‫الشطر األعظم من المتاجر عن طريق البحر األحمر إلى‬ ‫طريق رأس الرجاء الصالح ‪ ،‬وإخفاق محاوالت اإلنجليز‬ ‫والفرنسيين خصوصا ً في إحياء الطريق البري القديم ‪ ،‬لحمل‬ ‫تجارة الهند والشرق األقصى عبر برزخ السويس إلى‬ ‫أوروبا ‪.‬وعلى العموم ‪ ،‬كانت مصر قد عانت (بعض‬ ‫الوقت ) في العهد العثماني المملوكي من تأخراً عاما ً في‬ ‫الزراعة والصناعة والتجارة ‪.‬‬ ‫الزراعة في مصر في العهد العثماني ‪:‬‬ ‫الزراعة هي مصدر ثروة مصر في كل العصور التاريخية ‪،‬‬ ‫ولذا عني السالطين العثمانيون بشئون الزراعة في مصر ‪،‬‬ ‫وأصدروا أوامرهم إلى الباشوات والكشاف والملتزمين‬ ‫بوجوب العناية بحفر الترع والمصارف ‪ ،‬وبمعاملة الفالحين‬ ‫بالعدل والرحمة ‪.‬‬ ‫وحين فتح العثمانيون مصر كانت األراضي الزراعية‬ ‫موزعة بين "إقطاع السلطان" وكان يتكون من مساحات‬ ‫واسعة من أراضي الدولة‪ ،‬وإقطاع األمراء" وهي مساحات‬ ‫من األرض أعطيت ألمراء الجند کرواتب نظير خدماتهم‬ ‫للسلطان زمن الحرب‪ ،‬وتفاوتت مساحة كل منها بتفاوت حجم‬ ‫األعباء الملقاة على عاتق األمير صاحب اإلقطاع‪ ،‬ثم‬ ‫"األطيان الخراجية" وتمثل ما خال ذلك من األراضي‬ ‫الزراعية الموزعة بين القرى المختلفة التي يكلف أهل القرية‬ ‫جميقا بفالحتها وأداء ما عليها من أموال‪ ،‬دون أن يكون لهم‬ ‫‪35‬‬ ‫حق ملكيتها‪ ،‬وأخيرا كانت هناك أطيان الرزق الموقوفة على‬ ‫أعمال البر‪ ،‬ودور العبادة"‪.‬‬ ‫وبعد أن تم للسلطان سليم األول فتح مصر‪ ،‬قام بمسح شامل‬ ‫لألراضي الزراعية‪ ،‬واعتبر نفسه الحاكم الوحيد لألرض‬ ‫كلها‪ ،‬وقام بتقدير الضرائب على األرض على هذا األساس)‪،‬‬ ‫حتى أنه ألغي الرزق واألوقاف‪ ،‬ولكن معارضة العلماء‬ ‫اضطرته إلى االعتراف بالرزق واألوقاف من األراضي‬ ‫الزراعية‪ ،‬واالعتراف باألغراض التي أوقفت األرض عليها‪.‬‬ ‫وقد انقسمت األراضي في مصر إلى األنواع التالية ‪:‬‬ ‫أراضي االلتزام‪:‬‬ ‫وكانت تنقسم بدروها إلى قسمين‪ :‬أولهما أرض الفالحة أو‬ ‫أرض األثر‪ ،‬وكانت تسمى في الصعيد بأرض المساحة‪،‬‬ ‫وهي األرض التي كان يزرعها الفالحون عاما بعد عام‬ ‫طالما يؤدون ما عليها من ضرائب‪ ،‬ويحق لهم توريثها‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫األوسية‪:‬‬ ‫كانت تمنح للملتزمين مقابل قيامهم بأعباء االلتزام وعلى‬ ‫رأسها جمع الضرائب‪ ،‬وقد اختلفت نسبة أرض األوسية إلى‬ ‫أرض الفالحة بين فترة وأخرى‪ ،‬ومنطقة وأخرى‪ ،‬حتى‬ ‫وصلت في بعض األحيان إلى أكثر من نصف أرض‬ ‫الفالحة‪ ،‬وقد كانت أرض األوسية معفاة من الضرائب كما‬ ‫كان للملتزم حق إجبار الفالحين على العمل فيها بنظام‬ ‫السخرة‪ ،‬وإلى جانب أراضي األوسية سيطر شيوخ القرى‬ ‫‪36‬‬ ‫الذين كانوا يعاونون الملتزم في جمع الضرائب على حصص‬ ‫من األرض معفاة أيضا من الضرائب وكانت تسمى" مسموح‬ ‫المشايخ"‪.‬‬ ‫أراضي الرزق واألوقاف‪ :‬وكانت أكثرها موقوفة على مكة‬ ‫والمدينة‪ ،‬وعلى المساجد واألضرحة‪ ،‬وعلى أعمال البر‬ ‫والصدقة واإلحسان‪ ،‬من تكايا ومكاتب وأسبلة‪ ،‬ومقارئ‬ ‫لتالوة القرآن‪ ،‬وبعض طلبة العلم وقد تزايد حجم أراضی‬ ‫الرزق واألوقاف بمختلف أنواعها مع زيادة االضطراب‬ ‫السياسي واالجتماعي في مصر) وكانت تلك األراضي معفاة‬ ‫من الضرائب‪ ،‬وال يدفع عنها للروزنامة إال ضريبة رمزية‬ ‫باسم "مال الحماية نظير حماية رجال اإلدارة لهذه األراضي‬ ‫من العبث بها‪ ،‬أو السطو عليها‪.‬‬ ‫أراضي األوتالق‪ :‬وهي أرض معفاة من الضرائب خصصت‬ ‫أساسا لمرعی خيل الباشا والبكوات المماليك‪ ،‬وهي بذلك‬ ‫أراض تابعة للحكومة‪ ،‬وقد سمح للملتزمين الذين تقع هذه‬ ‫األراضي في حصص التزامهم بضمها إلى أواسيهم واالنتفاع‬ ‫بها مقابل مبلغ من المال يدفع للباشا‪.‬‬ ‫وقد بلغت جملة مساحة األراضي المزروعة حوالي‬ ‫‪3٫217، 971‬فدان ‪،‬وقد بلغت اإليرادات المحصلة من‬ ‫األراضي الزراعية حوالي خمسة وستين في المائة من‬ ‫إجمالي إيرادات الخزانة العامة‪.‬‬ ‫وقد كان نظام الري السائد في مصر في العصر العثماني هو‬ ‫نظام الرى الحوضی ‪ ،‬وكان يعترض مجرى الترع سدود‬ ‫‪37‬‬ ‫عرضية تسد مجراها بحيث ترتفع المياه التي توقفها هذه‬ ‫السدود فتغرق جزءا من األراضي التي تحيط بها‪ ،‬وعندما‬ ‫يبلغ غمر المياه أقصى ارتفاع له‪ ،‬يقطع السد الذي يحجز‬ ‫المياه‪ ،‬فتسيل عندئذ إلى ما وراء السد‪ ،‬حتى يعترضها سد‬ ‫آخر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ولقد ترتب على هذا النظام للري‪" ،‬قيام كثير من المشاحنات‬ ‫والمشاجرات وسفك الدماء بين القرى التي ترغب كل منها‬ ‫في االستحواذ على أكبر كمية من المياه أو إبقاء المياه في‬ ‫أراضيها فترة أطول‪.‬بحيث أن قرى متجاورة‪ ،‬ومنذ أحقاب‬ ‫ال تحصى في عداء ال مهادنة فيه وال صلح ‪ ،‬وقد ترتب على‬ ‫هذا العداء أحيانا هجر قرى بأسرها‪ ،‬ألن جيرانها األقوياء‪،‬‬ ‫يكونون قد استحوذوا بالقوة على المياه التي كانت مخصصة‬ ‫لها‪.‬‬ ‫وقد أدار العثمانيون أرض مصر إدارة مباشرة عن طريق‬ ‫بيت المال الذي قسم البالد إلى "أمانات" أو "مقاطعات تضم‬ ‫كل منها عدة قرى متجاورة تشكل وحدة مالية يتولى‬ ‫مسئوليتها مفتش أو "أمين" مقابل راتب معلوم يتقاضاه من‬ ‫بيت المال‪ ،‬ويعد مسئوال عن زراعة أرض المقاطعة الموكل‬ ‫إليه أمرها فال تترك أي مساحة صالحة للزراعة دون أن‬ ‫تزرع‪ ،‬ويتولى تحديد ما يخص األرض من الخراج على أن‬ ‫يدون ذلك بسجل معين من بيت المال‪ ،‬حتى ال يفرض األمين‬ ‫الضرائب على الفالحين وفق هواه)‪.‬‬ ‫وكان هؤالء األمناء يأخذون مرتبات ثابتة من الحكومة غير‬ ‫مرتبطة بكمية اإليرادات التي يقدمونها لها‪ ،‬وكانت أهم‬ ‫‪3۸‬‬ ‫واجبات األمين التأكد من صالحية كل قنوات الري والسدود‬ ‫في مقاطعته لتحمل فيضان النيل‪ ،‬كما كان عليه ضمان توفير‬ ‫العدد الكافي من الفالحين المستعدين لزراعة األرض وجمع‬ ‫محاصيلها وقت الحصاد‪ ،‬وتوفير الحماية للفالحين من‬ ‫هجمات األعراب‪ ،‬وأن يكون قادرا على جمع الضرائب في‬ ‫موعدها وتسليمها للحكومة)‪.‬‬ ‫غير أن نظام األمانات الذي دام قرنا من الزمان قد فشل في‬ ‫إدارة أراضي مصر على النحو الذي يحقق دخالً وفيراً‬ ‫لخزانة الدولة نتيجة استبداد األمناء باألهالي‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫الفساد البيروقراطي والمظالم التي فرضها األمناء ووكالؤهم‬ ‫على الفالحين والتي جعلت الكثيرين منهم يهربون من‬ ‫األرض)‪.‬‬ ‫وهذا ما جعل الدولة تفكر في تطبيق نظام جديد يضمن‬ ‫لخزانتها دخالً وفيراً ويخلصها من التورط في مباشرة إدارة‬ ‫الزراعة‪ ،‬وفي سنة ‪ 165۸‬ألغى "مقصود باشا" والی مصر‬ ‫نظام األمانات وأقام نظام االلتزام) حيث تنقطع صلة الدولة‬ ‫بالقرى التي تدخل في إطار هذا االلتزام‪ ،‬ويصبح الملتزم‬ ‫نائبا عن الروزنامة ‪ ،‬في إدارة أمور زراعة تلك القرى‬ ‫وجباية أموالها‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ولم تكن اإلدارة العثمانية في مصر تتولى مباشرة جمع‬ ‫الضرائب من الفالحين ‪ ،‬بل كانت تعطى هذا الحق بطريق‬ ‫المزايدة لبعض األفراد األقوياء من بكوات المماليك أو رجال‬ ‫‪39‬‬ ‫الحامية أو التجار أو الموظفين أو مشايخ العرب ‪ ،‬بل للنساء‬ ‫في بعض االحيان ‪.‬وعلى العموم ‪ ،‬كان أصحاب العصبيات‬ ‫هم الذين يضعون أيديهم على حصص االلتزام ‪ ،‬وهؤالء‬ ‫يلتزمون بتحصيل الضرائب من الفالحين ودفع األموال‬ ‫األميرية للحكومة ‪ ،‬وكانوا بذلك بمثابة حلقة الوصل بين‬ ‫الحكومة والفالحين ‪.‬ومع ذلك‪ ،‬فقد حدث أثناء القرن الثامن‬ ‫عشر أن إستطاع الملتزمون ‪ -‬وغالبيتهم من بكوات الماليك ‪-‬‬ ‫الحصول على مكاسب طائلة جعلتهم في مرتبة مالك‬ ‫األرض الحقيقيين ‪.‬‬ ‫وال شك أن نظام االلتزام من الناحية النظرية كان في صالح‬ ‫الحكومة والفالحين والملتزمين على السواء ‪ ،‬فالحكومة‬ ‫بفضل هذا النظام تلقي عن كاهلها أعباء جمع األموال‬ ‫األميرية من الفالحين ‪ ،‬والملتزمون الذين يتولون هذه‬ ‫العملية كان من صالحهم أن يقوم بينهم وبين الفالحين نوع‬ ‫من التعاون ‪ ،‬فيمدونهم بالبذور واألسمدة وبكافة مايحتاجون‬ ‫إليه حتى ينصرفونا إلى زراعة األرض وفالحتها ‪،‬‬ ‫فينتفعون بخيراتها ويسددون منها ما عليهم من ضرائب‬ ‫للحكومة والملتزمين ‪ ،‬مما يعود بالنفع على الحكومة‬ ‫والفالحين والملتزمين ‪.‬‬ ‫ولكن الذي حدث كان على عكس ذلك تماما ً ‪ ،‬فقد وضع‬ ‫الملتزمون نصب أعينهم أن يجمعوا ألنفسهم من الفالحين‬ ‫اكبر قدر ممكن من األموال ‪ ،‬فاشتطوا عليهم في الضرائب‪،‬‬ ‫وأرهقوهم في زراعة األواسي‪ ،‬وهى خالف االراضي التي‬ ‫التزموا بها ‪ ،‬وكانت الحكومة تهبها لهم بهدف مساعدتهم‬ ‫‪40‬‬ ‫على القيام بما عليهم من واجبات ‪( ،‬كإيواء المسافرين‬ ‫وصيانة المساجد والمدارس والحمامات ‪ ،‬والقيام بقسم من‬ ‫نفقاتها‪ ،‬على أن يتولى فالحو الناحية زراعتها وفالحتها‬ ‫سخرة أي دون أي مقابل ‪.‬وقد إعتاد الفالحون ذلك حتى‬ ‫صاروا يرونه واجبا ً ‪.‬‬ ‫وكان من األمور الشائعة في مصر العثمانية المملوكة‬ ‫تعرض الفالحين لظلم جباة الضرائب و تعذيبهم ‪ ،‬فقد كانت‬ ‫الضرائب المفروضة على الفالحين في هذا العهد كثيرة‬ ‫ومتنوعة ‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ا ‪ -‬مال الميري وهو المال المطلوب للسلطان عن األراضي‬ ‫الزراعية وقد زيد عدة مرات ‪ ،‬فسميت الزيادة األولى ‪"،‬‬ ‫براني"‪ ،‬أي خارجة عن " الميرى "‪ ،‬ثم" مضاف "‪ ،‬ثم "عدة‬ ‫مضافات "‪ ،‬بتوالى السنين ‪.‬وكان تحصيل هذا المال على‬ ‫أقساط شهرية في عهد السلطان سليمان ‪ ،‬ثم جعل تحصيله‬ ‫على موسمين صيفي وشتوي ‪.‬وكانت تصرف منه أجزاء‬ ‫لمرتبات العسكر ولنفقات أمير الحج وصرة الحرمين ‪ ،‬وما‬ ‫يتبقى يضاف خزينة السلطان‬ ‫‪ -2‬مال الكشوفية ويفرض على بعض القرى ويلتزم الكشاف‪،‬‬ ‫وكان مخصصا ً لسد نفقات االدارة المحلية في األقاليم ‪.‬‬ ‫‪ -3‬فائض االلتزام ‪ :‬وهو الفرق بين ما يدفعه الفالح للملتزم‬ ‫و بين ما يورده الملتزم لخزينة الروزنامة ‪.‬وهذا الفائض‬ ‫كان يصرف للملتزم من ديوان الروزنامة في نظير تحميل‬ ‫المال الميري‪.‬‬ ‫‪41‬‬ ‫و لقد حدث منذ أواخر القرن السابع عشر أن صار‬ ‫الملتزمون يتفنون في ابتزاز األموال من الفالحين ‪ ،‬فذكر‬ ‫الجبرتي أن الفالحين كانوا يالقون من المغالطة في‬ ‫الضرائب الشيء الكثير ‪ ،‬فقد يدفعون هذه الضرائب أكثر من‬ ‫مرة ‪ ،‬ألنهم ال يستطيعون مراجعة المحصلين وال طلب‬ ‫"الورد"‪ ،‬منهم حتى يكون حجة في يده على السداد ‪.‬وقد‬ ‫يدفعون قدراً من المال يوازي الضريبة نفسها هدية ‪،‬‬ ‫للمحصلين‪ ،‬أو تفرض ضرائب أخرى من المحصلين‬ ‫يأخذونها ألنفسهم وهي" حق الطريق" ‪ ،‬وإذا ادعي مدع على‬ ‫آخر ماال كتب بذلك إلى الحاكم ‪ ،‬ويأمر هذا األخير رجاله‬ ‫بالذهاب إلى المدعى عليه ليدفع ما ادعاه علية المدعي ‪ ،‬حتى‬ ‫لو لم يكن معه سند ‪ ،‬ثم يدفع بعد ذلك حق الطريق لرجال‬ ‫الحاكم ‪ ،‬فإذا تأخر في الدفع ‪ ،‬أرسل إليه الحاكم آخرين ‪،‬‬ ‫ولهم حق طريق آخر لالستعجال ‪ ،‬فإذا لم يدفع ضرب‬ ‫وحبس حتى يدفع ما عليه كله‪.‬‬ ‫وفضال عن ذلك‪ ،‬فقد كان الفالحون في هذا العهد مربوطين‬ ‫بأرضهم بمعنى أنهم كانوا مستقرين في األرض ال‬ ‫يستطيعون مبارحتها ‪.‬وقد كان من حق الفالحين المسلمين‬ ‫قبل الفتح الثاني أن يتركوا أراضيهم و يذهبون إلى القاهرة‬ ‫للدراسة في األزهر ‪ ،‬إال أن قانون السلطان سليمان حتم‬ ‫على الفالحين المصريين المسلمين منهم واألقباط عدم‬ ‫مبارحة أراضيهم ‪ ،‬وقد سن السلطان هذا القانون ليضمن‬ ‫إستمرار زراعة األرض من قبل أصحابها ‪.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫وعلى هذا النحو عانى الفالحون في العهد العثماني المملوكي‬ ‫األمرين ‪ ،‬ولم يجدوا إزاء ما حل بهم من فادح األعباء‬ ‫وصارخ المظالم مناصا ً من هجرة قراهم ‪ ،‬حتى أقرت من‬ ‫سكانها جهات كالفيوم معى شهرتها بخصب أرضها ووفرة‬ ‫خيراتها ‪.‬وترتب على تأخر الزراعة ‪ ،‬بسبب اعمال حفر‬ ‫الترع وإقامة الجسور وتطهير الجداول وانصراف الفالحين‬ ‫عن العناية بشيء سوى ما يكفي لسداد الضرائب المفروضة‬ ‫عليهم ‪ ،‬أن أصبح ما يقرب من ثلث األراضي الزراعية في‬ ‫الوجه البحرى غير صالح للزراعة ‪.‬إذ طغت الرمال على‬ ‫القنوات والترع وسائر المجاري المائية الصغيرة حتى‬ ‫انطمرت ‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أهمية الزراعة سواء بالنسبة للسكان من‬ ‫الفالحين وغيرهم أو بالنسبة للدولة باعتبارها تمثل المصدر‬ ‫الرئيسي من مصادر الدخل القومی وأنها المصدر األول بل‬ ‫األوحد للرزق وللثروة في البالد‪ ،‬فقد أدى إهمالها إلى اختالل‬ ‫الحياة االقتصادية برمتها في مصر في ذلك العهد ‪ ،‬ولم تلق‬ ‫تشجيعا ً كبيرا من الحكومة أو من المماليك الذين تولوا زمام‬ ‫األمور لفترات طويلة في العصر العثماني‪.‬حيث كانت‬ ‫األرض الزراعية تئن تحت وطأة كل أنواع الضرائب التي‬ ‫يمكنها أن تتحملها ‪ ،‬فقلما كانوا يقلقون أنفسهم بتحسين حالة‬ ‫األرض‪ ،‬وكذلك كان االقتتال المستمر بين البيوت المملوكية‪،‬‬ ‫وبين قبائل العربان ينشر الخراب في القرى التي ينهبها‬ ‫مهاجموها والمدافعون دونها على حد سواء ‪.‬‬ ‫‪43‬‬ ‫ب‪-‬الصناعة‪:‬‬ ‫أجمعت الدراسات التاريخية على أن مصر شهدت في‬ ‫العصر المملوکی ازدهارا اقتصاديا ً كبيراً‪ ،‬نتيجة لسيطرتها‬ ‫على طرق التجارة العالمية في البحرين‪ :‬األحمر والمتوسط‪.‬‬ ‫األمر الذي انعكس على وجود نشاط صناعي متقدم حيث‬ ‫كانت مصر تصدر الكثير من مصنوعاتها إلى الكثير من‬ ‫دول العالم ‪.‬‬ ‫ويروى ابن إياس وهو أحد المؤرخين المعاصرين للفتح‬ ‫العثماني بأن السلطان سليم األول بهرته آيات الروعة‬ ‫والجمال والفن التي تمثلت في المصنوعات المصرية في‬ ‫الدور والمساجد‪ ،‬فأمر بنزع كثير من أبوابها المصنوعة من‬ ‫الحديد والنحاس‪ ،‬ورخام واجهاتها المنقوش‪ ،‬فضالً عن‬ ‫الصناعات الصغيرة والتي بلغت حمولتها ما يزيد على حمل‬ ‫ألف من الجمال ‪.‬‬ ‫وعلى حد قوله لم يتوقف األمر عند هذا الحد بل تعداه إلى‬ ‫انتزاع آالف الصناع (الذين أنتجوا تلك الصناعات من‬ ‫طوائف شتى مثل الحدادين‪ ،‬والبنائين والنجارين‪ ،‬وا صانعي‬ ‫الرخام) وتوجيههم إلى إستانبول لنقل ذلك الشكل الحضاري‬ ‫عن طريقهم إلى عاصمة الخالفة ‪.‬‬ ‫وقد ذكر بن إياس أيضا ً أن أدى هذا االستنزاف للصناع‬ ‫والحرفيين إلى آثار وخيمة أصابت الصناعة حيث "أبطل من‬ ‫مصر نحو خمسين صنعة وتعطل منها أصحابها ‪.‬‬ ‫‪44‬‬ ‫والحقيقة أن أقوال بن إياس بها كثير من المبالغة ‪ ،‬لتأثره‬ ‫بتحول الخالفة عن المماليك الذين كانوا يغمرون بن إياس‬ ‫وأمثاله بعطايهم ‪ ،‬وكان هو بمثابة المتحدث السياسي عن‬ ‫المماليك في ذلك العصر فطبيعي أن يكون ذلك موقفه من‬ ‫الفتح العثماني ‪.‬‬ ‫وأقواله هذه مردود عليها من قبل مؤرخي ذلك العصر أيضا ً‬ ‫‪ ،‬والذين شهدوا للعصر العثماني بتقدم في الصناعة المصرية‬ ‫‪ ،‬أكثر مما كانت عليه في أواخر العهد المملوكي ‪.‬‬ ‫وأن الصناعة وإن أصابتها نكبة في بداية الفتح العثماني‬ ‫لمصر نتيجة لما يرويه بن إياس من نقل السلطان سليم األول‬ ‫للصناع المصريين ولبعض من ممتلكات البالد إلى إستانبول‬ ‫‪ ،‬فإن فترة حكم سليم األول لم تستمر سوى ثالث سنوات بعد‬ ‫الفتح العثماني لمصر ‪ ،‬فمالبث أن توفي في عام ‪1520‬‬ ‫‪.‬وتولى الحكم من بعده إبنه سليمان ‪ ،‬الملقب بالقانوني أو‬ ‫ال

Use Quizgecko on...
Browser
Browser