أنوار األنبياء PDF - تأمالت في المنهج اإلصالحي للأنبياء
Document Details
Uploaded by DexterousElegy6633
2023
أحمد بن يوسف السيد
Tags
Summary
هذا الكتاب بعنوان "أنوار الأنبياء" يتضمن تأملات وفوائد من الآيات القرآنية التي ذُكرت فيها قصص الأنبياء الكرام، إبراهيم وموسى عليهما السلام. يركز الكتاب على المنهج الإصلاحي للأنبياء، وبيان السنن الإلهية المتعلقة بنصر دين الله وأوليائه.
Full Transcript
أنوار األنبياء تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء أﻧــــﻮار اﻷﻧــﺒــﻴﺎء ﺗﺄﻣﻼت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎج اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻟﻸﻧﺒﻴﺎء إﺑﺮاﻫﻴــﻢ وﻣـﻮﺳـﻰ ﻋﻠﻴﻬـﻤـﺎ اﻟﺴـﻼم أﺣـﻤـﺪ ﺑــﻦ ﻳـﻮﺳﻒ اﻟــﺴـﻴـﺪ ﺣﻘﻮق اﻟﻄﺒﻊ واﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ٢٠٢٣ - ١٤٤٥ ﻣﻨﺎر اﻟﻔﻜ...
أنوار األنبياء تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء أﻧــــﻮار اﻷﻧــﺒــﻴﺎء ﺗﺄﻣﻼت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎج اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻟﻸﻧﺒﻴﺎء إﺑﺮاﻫﻴــﻢ وﻣـﻮﺳـﻰ ﻋﻠﻴﻬـﻤـﺎ اﻟﺴـﻼم أﺣـﻤـﺪ ﺑــﻦ ﻳـﻮﺳﻒ اﻟــﺴـﻴـﺪ ﺣﻘﻮق اﻟﻄﺒﻊ واﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ٢٠٢٣ - ١٤٤٥ ﻣﻨﺎر اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ اﻟﺪوﻟﻲ: AKŞEMSETTİN MAH. ŞAİR FUZULİ SK. GÜNAYDIN APT. NO: 5A FATİH İSTANBUL FikirManar +905556600088 www.fikirfeneri.net @ [email protected] أنوار األنبياء تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء تأليف :أحمد بن يوسف السيد جدول المحتويات 7 تَوطِ َئ ٌة 11 أوالًٌ : أنوار من قصص إبراهيم يف القرآن 11 (ويتضمن مخسة مقاطع من اآليات القرآنية) 13 املقطع األول من أنوار قصة إبراهيم ٌ آيات من سورة مريم 19 املقطع الثاين من أنوار قصة إبراهيم ٌ آيات من سورة األنعام ()1 25 املقطع الثالث من أنوار قصة إبراهيم آيات من سورة األنعام ()2 31 املقطع الرابع من أنوار قصة إبراهيم آيات من سورة البقرة 35 املقطع اخلامس من أنوار قصة إبراهيم آيات من سورة إبراهيم 37 ثان ًيا :أنوار من قصص موسى يف القرآن 37 (ويتضمن ستة عرش مقطع ًا قرآني ًا) 39 املقطع األول من أنوار قصة موسى آيات من سورة القصص 45 املقطع الثاين من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()1 49 املقطع الثالث من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()2 55 املقطع الرابع من أنوار قصة موسى آيات من سورة القصص ()2 59 املقطع اخلامس من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()3 63 املقطع السادس من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()4 69 املقطع السابع من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()5 75 املقطع الثامن من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()6 79 العرب والفوائد من املراحل التالية يف قصة موسى 81 املقطع التاسع من أنوار قصة موسى آيات من سورة األعراف 89 املقطع العارش من أنوار قصة موسى آيات من سورة يونس 95 املقطع احلادي عرش من أنوار قصة موسى آيات من سورة الشعراء املقطع الثاين عرش من أنوار قصة موسى آيات من سورة األعراف (99 )2 103 املقطع الثالث عرش من أنوار قصة موسى آيات من سورة املائدة املقطع الرابع عرش من أنوار قصة موسى آيات من سورة األعراف (109 )3 113 املقطع اخلامس عرش من أنوار قصة موسى آيات من سورة الكهف املقطع السادس عرش من أنوار قصة موسى آيات من سورة القصص (117 )3 119 اخلامتة * * ﷽ وط َئ ٌة َت ِ احلمـد هلل الـذي أكـرم عبـاده بإنـزال الوحـي على مـن اختارهـم من أنبيائـه فهداهـم بذلـك وأنـار هلـم الطريـق ،ونسـأله أن يصلي ويسـلم على خامتهـم وسـيدهم حممـد ﷺ ،وأن يرزقنـا االهتـداء هبديـه وهـدي {ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁﳂ}} [سـورة األنبيـاء مـن قبلـه: وأن جيمعنـا هبـم يف جنتـه. األنعـام]90: أمـا بعـد ،فهـذا كتاب سـميته بـ (أنـوار األنبيـاء) مجعت فيـه تأمالت وفوائـد مـن اآليـات التـي ُذكـر فيهـا األنبيـاء الكـرام عليهـم مـن اهلل واعتنيـت فيهـا باملنهـج اإلصالحـي لألنبيـاء ،وبيان ُ الصلاة والسلام، السـنن اإلهليـة املتعلقـة بنصر دينـه وأوليائـه والتمكين هلـم ،وإهلاك أعدائـه وقطـع دابرهـم بعـد اإلمهـال هلـم ،باإلضافـة إىل بيـان يشء مـن املنهـج التعبـدي والتزكـوي لألنبيـاء. وبعـد أن ِرِس ُت يف هـذه الرحلـة التدبريـة آليـات األنبياء ومـا يتعلق علمت –على وجه التفصيـل – أن هذا الباب ُ بمنهجهـم اإلصالحـي؛ عظيـم النفـع ،وأن حاجـة املصلحين وعامـة املؤمنين إليـه كبيرة ،وأن هـذا املوضـوع مركـزي يف كتـاب اهلل تعـاىل ،حـري باالهتمام والتأمـل والتدبـر ثـم االقتـداء واالهتـداء {ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 8 ﳁ} [سـورة األنعـام.]90: و ُيعـدّ هـذا الكتـاب اجلـز َء األول مـن سلسـلة أنـوار األنبيـاء املطبوعـة ،وهـو متعلـق باثنين مـن األنبياء ،ومهـا( :إبراهيم وموسـى) عليهما صلـوات اهلل وسلامه ،وسـيكون متبوعـ ًا بأجـزاء أخـرى بـإذن اهلل تعـاىل متعلقـة ببقيـة األنبيـاء بعـون اهلل وتوفيقـه ،ونسـأله التيسير، والعـون والربكـة والقبـول. وهـذا الكتـاب يـأيت ضمـن منظومة مـن الكتب واملـواد املرئيـة التي قدمتهـا يف جمـال التأصيـل اإلصالحي ،وهي: -1التزكية للمصلحين. -2معالجة الق رآن لنفوس المصلحين. -3السيرة النبوية للمصلحين. -4بوصلة المصلح. -5مركزيات اإلصالح. 9 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» واملنهـج املتبـع يف هـذا الكتـاب هـو عـرض مقاطـع اآليـات القرآنية ثـم التعليـق عليهـا بالفوائـد على شـكل نقـاط متتابعـة ،وأمـا املنهـج االسـتنباطي فقـد ابتعـدت فيه عـن التكلـف يف االسـتنباط ،واجتهدت للسير فيـه على مـا يوافـق سـياق اآليـات وألفاظهـا ،وأحيانـ ًا أستشـهد بأقـوال املفرسيـن املعتربيـن. واحلمد هلل رب العاملني أوالً وآخر ًا. أمحد بن يوسف السيد 26رمضان 1444 2023/4/17 * * أو ً ال :أنوا ٌر من قصص إبراهيم في القرآن (ويتضمن خمسة مقاطع من اآليات القرآنية) المقطع األول من أنوار قصة إبراهيم ٌ آيات من سورة مريم قـال اهلل تعـاىل{ :ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ ﳋﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ} [سـورة مريـم.]50-41: الفوائد: األوىل :يف قولــه ســبحانه{ :ﱜ ﱝﱞ} بيــان َرَش ِ ف منزلــة َ الصديقيــة عنــد اهلل تعــاىل ،إ ْذ وصــف هبــا خليلــه إبراهيــم ، والصديقيــة متعلقــة بكــال التصديــق بــاهلل وخــره ووعــده ،كــا أهنــا أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 14 متعلقــة بتــام الصــدق يف األقــوال واألفعــال ،بحيــث يكــون الصدّ يــق موافقــ ًا ِ بعملــه قو َلــه متــام املوافقــة. وما يصف اهلل به األنبياء يف القرآن فهو عىل قسمني: يختص بهم؛ وهو النبوة ول وازمها. ّ أ -قسم غيرهـم مـن المؤمنيـن؛ كالصديقيـة ب -قسـم ُي شـاركهم فيـه ُ المذكـورة عـن إب راهيـم فـي هـذا المقطـع. يختصون بـه هي من ّ -والصفـات التـي ام تُـدح بهـا األنبيـاء ممـا ال تقرب بـه إلى اللـه تعالى ،فعلـى المؤمـن والمصلح الذي أعظـم مـا ُي ّ يتحـرى هـدي األنبيـاء أن يحـرص علـى تحقيـق صفـة (الصدّ يقيـة) التـي هـي كمـال التصديـق وكمـال الصدق كمـا تقدم. -الثانيـة :مقـام الولـد أمـام والـده يحـول – عـاد ًة – بينـه وبيـن النصيحـة ،غيـر أن إب راهيـم يقـوم أمـام والـده مقـام الناصـح المحـاور المب ِّي ن صاحـب الحجة ،وهذا تأسـيس للدعوة في البيوت ولألق ربـاء ولـو كانـوا كبـار ًا. الثالثـة :مقـام الدعـوة واإلرشـاد والتوجيـه يتطلـب اسـتعامل جسرا مـن القبول، ً األلفـاظ احلسـنة التـي جتعـل بين الداعـي واملدعو وهـذا ظاهـر يف هـذه اآليـات يف دعوة إبراهيـم ألبيه ،واهلل تبـارك تعاىل اللين ،والنفـور من قـد جبـل نفـوس الناس على قبـول الرفـق والقول ّ 15 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» الغلظـة والفجاجـة. أسـاس يف االتبـاع{ :ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ٌ معيـار ٌ الرابعـة :أن العلـم ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ} [سـورة مريـم ]43:فليـس الرشـد مرتبطـ ًا بكبر السـن دائم ًا أو باخلبرة والتجربـة وحدهـا ،فقد ُهُيـدى الفتـى -بالعلم- إىل مـا مل ُهُيـد إليه الشـيخ. اخلامسـة :يف قول إبراهيم ألبيه {ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ} بيـان عجـز مـا يتعلـق به املتعلقون مـن دون اهلل يف إشـارة إىل متام كامل اهلل الذي هو السـميع البصري الذي يغني عمن شـاء واسـتحضار ذلـك أثنـاء العبـادة والصلاة من أعظـم ما حيقق ُ مـا شـاء، العبوديـة هلل تعـاىل ،ويقـود إىل ُحسـن التذلـل واالفتقـار والدعـاء ،وفيه مـن الفائـدة اإلصالحيـة كذلـك :أمهيـة تعريـة مـا يتعلـق بـه النـاس من غير اهلل ببيـان عجـزه وضعفـه مـع بيان متـام قـدرة اهلل وغنـاه وإحاطته، وهـذا يشـمل الديـن والرشيعـة والقوانين كذلـك ،فبيـان قبـح األهواء البرشيـة مقابـل متـام وكمال املنهـج الربـاين والرشيعـة اإلهليـة أمـر مهـم كام قال سـبحانه{ :ﳍ ﳎ ﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} [سـورة املائدة.]50: أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 16 السادسـة :قال إبراهيم ألبيه{ :ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ} ويف هـذا فائدتان: :)1أن ثمرة العلم« :اهلداية» وليس االستكثار من املعلومات. :)2أن إبـراز الثمـرة للمدعـو أمـر مهـم ،خاصـة وأهنـا تبـدد شـبهة االتبـاع ملجـرد الرئاسـة والتقـدم ،وإنما الغـرض مـن قـول {ﱻﱼ} السـوي فقـط. ّ اهلدايـة إىل الصراط السـابعة :حينما خترج من سـلطة األضـواء ،وتكون عنـدك مرجعية صحيحـة حتتكـم إليهـا؛ فـإن احلقائـق تنكشـف أمامـك كما انكشـفت إلبراهيـم حين قـال{ :ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} [سـورة مريـم]42: بينما كان أبـوه يعتقـد يف األصنـام أمـر ًا عظي ًام. الثامنـة :إظهـار احلـرص والشـفقة على املدعـو مـن هـدي األنبيـاء {ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ} [سـورة مريـم.]45: التاسـعة :أن وجود اخلطاب اللني ،واألسـلوب احلسن ،والعلم؛ ال يلـزم منـه اسـتجابة الطـرف اآلخر ،بل قـد يزداد عنـاد ًا {ﲠﲡ} [سورة مريم.]46: ُ القـرآن يبين نفـوس أصحـاب الباطـل ،ومقـدار كرههـا العـارشة: للحـق ومعاداهتـا لـه ،فالقضيـة ليسـت يف وجـود األسـلوب ،وإنما يف حمبـة الباطـل وكراهيـة احلـق يف ذاتـه ،واحلـق والباطـل ال جيتمعـان. 17 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» احلاديـة عشرة :صاحـب احلـق وإن ُقوبـل بالتكذيـب فلا يلـزم أن يكـون موقفـه شـديد ًا جتاه ذلـك{ :ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ} [سـورة مريم.]47: الثانيـة عشرة :املصلـح قـد متـر بـه مرحلـة حيتـاج فيهـا إىل االنتقـال مـن وطنـه ابتعـاد ًا عن الباطـل{ :ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ} [سـورة مريـم.]48: الثالثـة عشرة :إذا فارق املصلح األهـل والوطن واألحباب يف ذات اهلل؛ فإنـه حيتـاج ملـا ُيغنيـه مـن التعلـق بـاهلل واالسـتئناس بـه ،مـا خيفـف عنـه هـذا الفراق ،كما قال إبراهيم يف هـذه اآليات{ :ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ} [سـورة مريـم.]48: الرابعـة عشرة{ :ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ} [سـورة مريـم :]49:اهلل تبـارك وتعـاىل ُيعطـي عبـاده ضحـوا يف سـبيله عطـاءات ال ختطـر هلم عىل الثابتين الصابريـن الذيـن ّ وكثريا مـا يكون هـذا العطاء ً وكثيرا مـا تكـون بعـد االبتلاءات، ً بـال، مـن جنـس نـوع البلاء ،فإبراهيـم حين اعتـزل أهله وقومـه جازاه هلل بـأن وهـب لـه إسـحاق ويعقـوب وجعلهما أنبياء ،فـإذا ضحيت يف ا ُ سـبيل اهلل ،وصبرت يف ذلـك؛ فأحسـن الظـن بربك ،فإن عاقبـة البالء حسنة. المقطع الثاني من أنوار قصة إبراهيم ٌ آيات من سورة األنعام ()1 قـال اهلل تعـاىل{ :ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} [سـورة األنعام.]79-74: الفوائد: أصحاب ُ األوىلّ : أن الـذي ينظـر ببصر نافـذ فإنـه ال يغرت بام ُيز ِّيـن به الباطـل باطلهـم ،بـل يـرى حقائـق األمـور دون هبـرج أو تلبيـس، وغيره مـن قومـه ،كانـوا ُ فاألصنـام التـي كان يتّخذهـا والـد إبراهيـم وخُتشـى وتُرجـى ُ وخُتـاف ،بينما ينظـرون هلـا على ّأهّنـا آهلـة تنفـع وتضر ُ صاحـب البصيرة إبراهيـم كان يراهـا عىل حقيقتها ،فهي أخشـاب أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 20 أو أحجـار ال تضر وال تنفـع. ولـكل زمـان أصنامـه وفتنتـه وتأثرياتـه ،فالـذي يريـد الوصـول إىل احلـق ينبغـي له أن خيترق ببصريته احلجب الظاهـرة ،وينظر إىل حقائق القضايـا بالدليـل والربهان. الثانيـة :منهـج األنبيـاء يف التعامل مع العقائـد الباطلة ال يقترص عىل وصف َمـن يتبناها بام يسـتحق ُ نقـد الفكـرة وحدهـا ،وإنما يكـون معها كذلـك ،فهنـا قـال إبراهيـم { :ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [سـورة األنعام.]74: الثالثـة :اهلل سـبحانه وتعـاىل حيـب مواجهـة صاحـب احلـق للباطل، ولذلـك ُيكثـر سـبحانه مـن ذكـر هـذه املقامـات يف قصـص األنبياء. الرابعـة{ :ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ} :النظـر يف املخلوقـات وآثـار صنـع اهلل تعـاىل مـن األسـباب التـي تـؤدي إىل زيـادة اإليمان واليقين ،فقولـه أي نتيجـة [سـورة األنعـام]75: سـبحانه {ﱗ ﱘ ﱙ} رؤيتـه ملكـوت السماوات واألرض ،وهذا يبني أمهيـة التفكر يف آيات اهلل الكونيـة وأهنـا مـن أعظـم أسـباب حتصيـل اليقين. اخلامسـة :املـُـصلح حيتـاج إىل اليقين قبل أن ينطلـق يف دعوته ،ومن يتأمـل كتـاب اهلل تعـاىل جيـد أن اهلل هي ّيئ ألنبيائه مـن الدالئل والرباهني 21 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» يف بدايـة دعوهتـم ما جيعلهم على يقني تام من صحة طريقهم ،وسـيأيت يف قصـة موسـى أن اهلل أراه ابتـداء آيـة العصـا وقـال {ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ} [سـورة طـه ]23:قبـل أن يأمره بالتوجـه إىل فرعون ،وهذا يـدل على أمهية تعزيـز اليقني بالنسـبة لإلنسـان املصلح. السادسـة :يف قـول اهلل تعـاىل { :ﱢ ﱣ ﱤﱥ} ..ومـا بعدهـا مـن اآليـات ،اختلـف العلماء يف هـذه اآليـات الثلاث هـل كان املقـام فيها مقـام «مناظـرة» مـع قومـه الذين كانـوا يعبـدون األصنـام والكواكب، أو مقـام «نظـر» للبحـث عـن الدليـل املوصـل لإليمان ويكـون هـذا يف بدايـة أمـره قبـل النبـوة ،واملقـام هنـا ليـس للتفصيـل يف هـذه املسـائل وأدلتهـا ،ولكـن الفوائـد سـتنبني على ترجيـح أحـد القولين ،ولعـل رجحـه ابـن كثير وغيره أن املقـام مقـام األقـرب – واهلل أعلـم –مـا ّ مناظـرة -وإن كان قـد قـال بالقـول اآلخـر كثير من أهل العلـم ،-ومما يرجـح ذلك: أن هـذه اآليـات مسـبوقة بقـول اهلل{ :ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ} ،وكما قـال ُـوت لِي ِ وقـ َن َف َل َّما َأ ْي َقـ َن ترا ُه َأ َرا ُه ا َْمْل َلك َ ُ البغـوي رمحـه اهلل يف تفسيرهَ ( :أ َف َ َ ُـون َأ َبـدً ا). يِّب» ُم ْعت َِقـدً ا؟ َف َه َـذا َمـا َاَل َيك ُ «ه َـذا َر ِّ َ َر َأى ك َْو َك ًبـا َق َ ـالَ : أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 22 السـابعة :قـد حيتـاج الداعيـة إىل ّ التنـزل يف اخلطـاب مـع املخالـف حتـى يصـل إىل النتيجـة الصحيحـة يف إبطـال قـول املـُـخالف ،كام فعل إبراهيـم ،قـال السـعدي رمحه اهلل يف تفسيرهَ «( :ق َال َه َـذا َر ِّيِّب» أي: على وجـه التنـزل مـع اخلصـم أي :هـذا ريب ،فهلـم ننظر ،هل يسـتحق الربوبيـة؟ وهـل يقـوم لنـا دليل على ذلك؟). الثامنـة :قـول إبراهيـم { :ﱩ ﱪ ﱫ} تـدل على أن عالقـة إبراهيـم بالربوبيـة ليسـت عالقـة معرفيـة فحسـب ،وإنما عالقـة قلبيـة تكـون املحبة فيها أساسـ ًا ومبـدأ ،ويف هـذه اآليات اجلمع بني العقل والقلب ،بني االسـتدالل الربهاين وبني الشـعور الوجداين. التاسـعة :إبراهيـم إمام احلنفاء املائلين عن الرشك املتربئني منه، املقبلين إىل اهلل إقبـال إخلاص وتوحيـد ،كما قـال{ :ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} [سـورة األنعـام.]79-78:ولذلـك فـإن مـن يسـتدل باسـم «إبراهيـم» على التقريـب بين احلـق والباطـل، وبين اإلسلام والكفـرُ ،مل ّقبـ ًا هـذا التقريـب باإلبراهيميـة أو الديـن اإلبراهيمـي فقـد تعلـق باسـ ٍم هـو أبعـد األسماء عـن هـذا املعنـى ،فهو دائما ،وهـذه الرباءة جزء أسـايس إمـام احلنفـاء الـذي يتبرأ مـن الرشك ً مـن حتقيـق التوحيـد هلل تعـاىل ،إذ ّ إن هـذا التحقيق ال يكـون إال باجلمع 23 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» بين «النفـي» و «اإلثبـات»؛ نفـي األلوهية عام سـوى اهلل تعـاىل ،وإثباهتا لـه وحـده ،وأمـا مـا يسـمى بالديـن اإلبراهيمـي فـاألوىل بـه أن يسـمى ديـن التلفيـق والتحريـف ،ال ديـن اإلمـام احلنيف. العـارشة :كان قـوم إبراهيـم ال يـرون يف الكواكـب إال املشـهد اجلزئـي الصغير ،فريوهنـا وحدهـا مسـتقلة عـن خالقهـا -كام هـو حال املنهـج املـادي اليـوم ،-وأراد إبراهيـم أن يلفـت انتبـاه قومـه إىل املشـهد الـكيل األعظـم ،إىل مـا وراء هـذه الكواكـب ،فقـال هلـم{ :ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} ،فكأنـه يقول هلم :إن كنتـم مبهوريـن هبـذه الكواكـب؛ فأنـا قـد وجهـت وجهـي خلالـق هـذه ِ ومكوكبِهـا. الكواكـب * * المقطع الثالث من أنوار قصة إبراهيم آيات من سورة األنعام ()2 قال اهلل تعاىل{ :ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱠ ﱡ ﱢ ﱝ ﱞ ﱟ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 26 ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} [سـورة األنعـام.]90-80: الفوائد: األوىل :يف قولـه سـبحانه{ :ﲢ ﲣﲤ} [سـورة األنعـامّ ]80: أن مـن هـدي األنبيـاء :االسـتامع للنـاس ،والدفـاع عـن احلـق باحلجـة والب ّينـة والربهـان ،بـل واملبـادرة إىل عـرض احلـق بدليلـه دعـوة إىل اهلل تعـاىل ،ولذلـك أكثـر اهلل تعـاىل من ذكـر حـوارات األنبياء مـع أقوامهم وجداهلـم إياهـم. الثانيـة :مـن أعظـم مـا يثبت املصلـح يف طريقه أمـام حجج اخلصوم وكيدهـم وشـبهاهتم :ما هيبه اهلل له مـن اهلداية اخلاصة ،كام قال إبراهيم اد ُلونَنِي ِيِف { :ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ} قال ابن كثريَ ( :أيَ ُ :جُت ِ ْ احْل ِّق َو َأنَا َع َىَل َب ِّين ٍَة ِ هَّللَّ َو َأنَّـ ُه َاَل إِ َلـ َه إِ َّاَّل ُه َو* َو َقدْ َب ِ رَّصيِن َو َهـدَ ايِن إِ َىَل ْ َ َّ َ َأ ْم ِـر ا ِ اسـدَ ِة َو ُشـ َب ِهك ُُم ا ْل َباطِ َل ِة؟!) وهذه ـت إِ َىَل َأ ْقوالِكُم ا ْل َف ِ َ ُ ـف َأ ْلت َِف ُِمنْـ ُه؟ َف َك ْي َ وتـذوق حالوتـه ،وتسـتلزم ُّ اهلدايـة تسـتلزم رؤيـة أنـوار طريـق احلـق األنـس بـاهلل والثقـة به ،وتسـتلزم كذلـك إبصـار نقص طريـق الباطل، وهـذا كلـه مـن أعظـم املث ّبتات ،وال يكفـي امتالك احلجـة والقدرة عىل النقـض املعـريف لقـول املخالـف دون أن يعيـش املصلـح حقيقـة اهلداية ونعيـم األنس بـاهلل وبدينه. 27 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» الثالثـة :أن ْ أصحـاب الباطل خيافـون آهلتهم ورموزهم ،وينسـجون حوهلـا األسـاطري واخلرافـات التـي جتعـل هلـا اهليبـة يف النفـوس ،ومـن أهـل احلـق ،وهيددوهنـم بقوهتـم وقدرهتـم على إحلاق خيوفـون هبـا َ ثـم ّ الضرر هبـم أو إخراجهـم مـن أرضهـم ،وهـذه سـنة متوارثـة بينهـم هيـددون هبـا األنبيـاء ،وجتـد -يف املقابـل -األنبيـا َء على متـام الثقـة بـاهلل والتـوكل عليـه واالعتصـام بـه ،ومـن ثـم عـدم االكتراث هبـذه التهديـدات والتخويفـات ،وهـذا ظاهـر يف هـذا املقطـع مـن قصـة إبراهيـم ،وسـأذكر لتمام الفائـدة بعـض املواضـع القرآنيـة املشـاهبة املتعلقـة بغيره مـن األنبيـاء كذلـك ،فمنهـا مثلاً :مـا قاله قـوم هود عنـه ،ومـا أجاهبم به{ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ} [سـورة هـود.]55-54: ومـن ذلـك أيضـا قولـه سـبحانه عـن األنبيـاء يف قيلهـم ألقوامهـم: { ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} [سورة إبراهيم.]12:ومن ذلـك أيضـ ًا مـا ذكـره اهلل يف شـأن نـوح { :ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [سورة يونس.]71:ثم توصية اهلل لنبيه حممد ﷺ بقوله: أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 28 {ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ} [سورة األعراف.]196-195: الرابعـة :كلما تشـ ّبع قلـب املصلـح بالعلـم بـاهلل وعظمتـه وجاللـه تغرّي مفاهيمـه ،بل كان كان أعلى مـن املؤثـرات األرضية املحـدودة أن ّ قـادر ًا على أن يقلـب على أصحـاب الباطل باطلهـم ّ وجيرهـم إىل مر ّبع احلـق ليضعهـم فيـه عـراة أمـام احلـق ،وهـذا مأخـوذ مـن قـول إبراهيم { :ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ} [سـورة األنعـام.]81: اخلامسـة :يف قولـه سـبحانه{ :ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ [سـورة ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ} األنعـام.]83: ّ أن إنجـازات املصلـح وإن بـذل فيهـا اجلهد والسـبب؛ فـإن عليه أن يتذكـر دائم ًا أن الفضـل هلل ،فهـو الذي ُيؤيت املصلح حجتـه ،وهو الذي هيديه ويسـدده ويلهمه رشـده. حماّل لالقتداء؛ ألن ِ الرسـل وك َُملوا وكانوا ًاّ ُ شـأن السادسـة :إنّام عال اهلل هداهـم { :ﱣ ﱤﱥ} [سـورة األنعـام ]84:ومـن أعظـم مـا ُهـدوا إليـه :حتقيـق االستسلام هلل تعـاىل ومتـام التـوكل عليه يف تبليغ الرسـالة 29 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» والصبر على األذى يف سـبيل ذلـك ،وهـذه اآليـات مـن قولـه { ﱣ ﱤﱥ} [سـورة األنعـام ]84:إىل قولـه {ﳀ ﳁﳂ} [سـورة األنعـام]90: مـن أعظـم اآليات التي تُربز قيمة اهلداية ومنزلتها وشـأهنا يف اإلسلام. السـابعة :مـن أعظـم مـا ينبغـي أن خيافـه املصلـح :أن يتسـلل يشء مـن الشرك إىل عملـه وقلبـه ،فـإن ذلـك سـبب لسـلب النعمـة وحبوط العمـل ،فقـد قـال اهلل سـبحانه يف هـذه اآليـات يف حـق األنبيـاء{ :ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ} [سـورة األنعـام.]88: الثامنـة :مـن أعظم سمات األنبيـاء أهنم حيققـون بأعامهلم مـا يدعون إليـه بأقواهلـم ،فكانـوا نماذج عمليـة ال جمـرد مقـوالت نظريـة ،ولذلك يأمـر اهلل باختاذهـم قـدوات وأئمـة ،فقال سـبحانه{ :ﳀ ﳁﳂ} وهكـذا يكـون املصلـح حني يقتـدي هبم ،عام ً لا بعلمه ،فيسـتمد العلم والعمـل مـن األنبياء. * * المقطع الرابع من أنوار قصة إبراهيم آيات من سورة البقرة قـال اهلل تعـاىل{ :ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃ ﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} [سـورة البقـرة.]131-124: أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 32 الفوائد: األوىل :أن التكليـف الرشعـي ابتلاء ،وأن أوىل النـاس بإمتـام متطلبـات هـذا االبتلاء هـم األنبيـاء ثـم مـن تبعهـم مـن الصاحلين ا ملصلحين . الثانيـةّ : أن ُحسـن االمتثـال ملا أمر اهلل بـه من العبـادات والتكاليف، وإمتـام ذلـك على وجهـه وتوفيتـه = مـن مقدمـات اإلمامـة يف الديـن: {ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ} [سـورة البقـرة ،]124:وال ينتظـر بمجـرد العلـم. ّ املـرء أن يكـون إما ًمـا الثالثة :يف قول إبراهيم { :ﲢ ﲣ} تنبيه إىل أمهية االهتامم باألجيال القادمة ،والسـعي إلجياد األئمة واملصلحني فيها. الرابعـة :ال جتتمـع اإلمامـة يف الديـن مـع الظلـم {ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [سـورة البقـرة ،]124:فمـن أراد أن جيعلـه ا ُ هلل إما ًمـا فليجتنـب الظلـم. اخلامسـة :أمهيـة كثـرة الدعـاء يف خمتلـف األحـوال واملقامـات، يبين مقـدار التـزام إبراهيـم للدعـاء يف مجيـع أحواله، فهـذا املقطـع ّ وهـذا ظاهـر يف عامـة اآليـات املتعلقـة بإبراهيم يف سـورة الشـعراء وإبراهيـم ومريـم ،ولذلـك وصفـه اهلل بأنـه {ﱯ} [سـورة هـود ]75:وقد رجـح اإلمـا ُم الطبري بعـد أن رسد األقـوال يف تفسير كلمـة {ﱯ} ّ 33 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» [سـورة هـود ]75:بأنـه الد ّعـاء ،أي كثير الدعـاء ،وهـذا مـن أهم مـا ينبغي على املؤمـن أن يقتبسـه مـن أنـوار األنبيـاء. السادسـة :عـدم الركـون إىل العمـل الصالـح وحـده مهما بـذل اإلنسـان فيـه وتعـب ،بـل ال بـد مـن إتباعـه بالدعـاء بالقبـول {ﱈ [سـورة البقـرة.]127: ﱉ ﱊﱋ} السابعة :أن من أنوار األنبياء :معرفة األسامء احلسنى التي حيسن استعامهلا مع الدعاء املناسب هلا ،فهنا نجد استعامل إبراهيم السمي اهلل {ﱎ ﱏ} مع الدعاء بالقبول. الثامنـة :أن مـن هـدي األنبيـاء الدعـاء بتحقيـق أصـل اإلسلام وأسـاس العبوديـة هلل تعـاىل ،وأنـه مـن أهـم مـا ينبغـي التفكير فيـه للنفـس ولألمـة ولألجيـال القادمـة{ :ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ [سـورة البقـرة.]128: ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ} التاسـعة :أن اإلعـراض عـن ملـة إبراهيـم (التـي هـي االستسلام هلل وحـده والبراءة مـن الشرك وأهلـه) أسـاس السـفه واجلهل{ :ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ} [سـورة البقـرة.]130: أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 34 العـارشة :هـذه اآليـات تبين قيمة االستسلام هلل وحـده ،وأن عليه ف اهلل بـه خليله{ :ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ وص َ مـدار الفلاح ،ألنـه من أهم ما َ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} [سـورة البقـرة ،]131:واملتأمـل يف سـورة البقـرة عمومـ ًا جيد أن هـذه القضيـة مركزية فيها. * * المقطع الخامس من أنوار قصة إبراهيم آيات من سورة إبراهيم قـال اهلل تعـاىل{ :ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿ ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ} [سـورة إبراهيـم.]41-35: الفوائد: األوىل :وصـف اهلل إبراهيـم بأنـه {ﱯ} [سـورة هـود ،]75:ومعنى ذلـك – كما تقـدم – أنـه كان كثير الدعـاء ،وهـذه اآليـات أنمـوذج تفصيلي على أدعيـة إبراهيـم اخلليـل ،فليتأملهـا املصلـح ،وليتعلـم مـن افتقـاره واسـتكانته لربـه ،فـإن مـن أهم قبسـات أنـوار األنبياء: أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 36 تعلـم عبوديـة الدعـاء منهـم عليهـم صلـوات اهلل وسلامه. الثانيـة :أن املصلـح مهما بلـغ من الدرجـة عند اهلل تعـاىل ومن العلم بدينـه فإنـه يظـل يدعـو ربـه أن جينبـه الشرك والكفـر والتعلـق بغيره: {ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} [سـورة إبراهيـم.]35: الثالثـة :مـن سمات إبراهيـم :الرمحـة بالذريـة واحلـرص عىل أن تصلهـم أنـوار الرسـالة وأن يكونـوا مـن العابديـن الشـاكرين{ :ﱿ ﲀ ﲁ}{ ،ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ}، {ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ} ،ولذلـك فلا عجـب أن يكـون ابنُـه إسماعيل حريصـ ًا على أهلـه بـأن يقيمـوا الصلاة فقـد تربـى على يـد إبراهيـم ،ولذلـك قـال اهلل تعـاىل عـن إسماعيل: { ﱞ ﱟﱠﱡ} [سورة مريم.]55: الرابعـة :يسـتحب يف الدعـاء أال يكـون سـؤاالً وطلبـ ًا فقـط ،بـل ضمـن معنـى االعرتاف واإلقـرار واحلمد والثناء هلل سـبحانه جيـب أن ُي ّ وتعـاىل ،فيراوح القانت يف دعائه بني هذه املعـاين ليوافق أدعية األنبياء وقنـوت اخلليـل ،وإذا تأملـت يف هذه اآليات سـتجد فيها االنتقال مـن املسـألة إىل اإلقـرار واالعتراف ثـم إىل املسـألة فالثنـاء واحلمـد ثـم إىل املسـألة والدعاء. ثان ًيا :أنوار من قصص موسى في القرآن (ويتضمن ستة عشر مقطعًا قرآنيًا) المقطع األول من أنوار قصة موسى آيات من سورة القصص {ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵ أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 40 ﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁ ﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ} [سـورة القصـص.]14-1: الفوائد: األوىل :أن وجـود الطغـاة املفسـدين املتجربيـن إنما هـو بعلـم اهلل تعـاىل وحتـت إحاطتـه ،فـاهلل يتلـو علينـا مـن نبـأ هـذا الطاغيـة املجـرم، ويفصـل لنـا بعض ّ ويقـص علينـا أخبـاره يف هـذه السـورة ويف غريهـا، جرائمـه ،ثـم يبين لنا كيـف كان املخرج من تسـلطه وجربوتـه ،وكيف صلحـت أحـوال املسـتضعفني يف زمنـه ،والفائـدة مـن ذلـك أنـه إذا عـاش املسـلمون زمنـ ًا تسـلط عليهـم فيـه طاغيـة أو متجبر يسير على هنـج فرعـون يف اسـتضعاف النـاس وقهرهـم وحماربـة دينهـم؛ فعليهـم أال جيعلـوا ذلـك سـببا لليـأس مهما بلـغ طغيانـه ،فـاهلل يـرى ويسـمع ويد ّبـر سـبحانه ،ويسـتفاد مـن ذلـك أيضـ ًا :أمهيـة فهـم السـنن اإلهليـة يف التعامـل مـع هـؤالء املجرمين ،وهـذا مـن أهـم ما ُيسـتفاد مـن قصة موسـى مـع فرعـون. 41 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» الثانيـة :أن الطغـاة املتكربيـن قـد َي ِصلـون يف سـبيل تثبيـت ملكهـم إىل درجـات مـن الظلـم ال ختطـر على بـال ،فهذا فرعـون يذ ّبـح أجياالً الر ّضـع ألنـه ُمتخـوف مـن طفـل واحـد منهـم ال يعلـم مـن األطفـال ُّ عينـه ،فجعـل الوسـيلة للتخلـص منـه هـي أن يذبـح كامـل اجليـل، وهـذا مـا ال خيطـر على بـال إنسـان فيـه فطـرة الرمحـة ،ثـم إن العجـب ليـس منـه وحـده ،بـل مـن جنـوده وأعوانـه ،فهـو مل يكـن ُيبـارش متريـر السـكني على رقـاب األطفـال وإنما كان يأمـر بذلـك ،واملنفـذون هـم اجلنـود ،ولذلـك قـال سـبحانه{ :ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ} [سـورة القصـص ،]8:ومـن املهـم للمؤمـن أن يفهـم سـبيل املجرمين ،ويفقه مناهجهـم ،فإن قلوهبم متشـاهبة وإن اختلفت أزماهنـم وأدواهتم. الثالثـة :اهلل سـبحانه وتعاىل ينظر إىل املسـتضعفني من عبـاده ،و ُيد ّبر هلـم ،ويأمـر املؤمنين بنرصهتـم ،ولذلك قال سـبحانه -بعـد أن وصف حـال املسـتضعفني زمـن فرعـون -قـال{ :ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ} [سـورة القصـص ،]5:ولـو ت َ ُـرك املتجربون عىل طول الزمن دون دفع هلم لفسـدت األرض ،كام قال سـبحانه{ :ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ} [سورة البقرة،]251: وهـو سـبحانه يدافـع عـن املسـتضعفني تـارة بالقـدَ ر املحـض (بإهالك أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 42 الظاملين) ،وتـارة بالتكليـف الرشعـي للمؤمنين كما قـال سـبحانه: {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} [سـورة النسـاء.]75: الرابعـة :أن ميـزان املسـتضعفني يف توقيت النصر خيتلف عن ميزان اهلل سـبحانه وتعاىل ،فاملسـتضعفون املقهورون يريـدون ال َف َرج املبارش، والنصر الرسيـع ،واإلهلاك العاجـل للظـامل ،وأمـا يف ميـزان اهلل وحجـج وإعـذار ،وإمالء تعـاىل فاألمـر خمتلـف ،فهنـاك سـنن مقـدرةُ ، وإمهـال ،وابتلاء ومتحيـص ،وشـهداء وأوليـاء ،وقـد ييـأس املظلـوم خلال ذلـك ،غير متن ّبـه للسـنن اإلهليـة ،والتقديـرات الربانيـة. ومـن يتأمـل هـذه اآليـات يف قصـة موسـى ُ يبصر ذلـك جليـ ًا، بين إرادتـه يف التمكين للمسـتضعفني ،وق ْل ِ ـب فـإن اهلل سـبحانه ّ أحواهلـم :مـن الـذل واالسـتضعاف ،إىل التمكين واإلمامـة ووراثـة األرض ،ولكنـه سـبحانه مل جيعـل الطريـق إىل ذلـك قصير ًا ،بل أعقب هـذه اآليـات بقولـه{ :ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ} [سـورة القصـص ،]7:فالطريـق ابتـدأ مـن والدة موسـى ،ثـم تنشـئته يف قصر فرعـون ،ثـم االبتلاءات والشـدائد والفتـن التـي صنعـه اهلل هبـا ،ثـم الرسـالة ،ثـم الدعوة ،ثـم املناظرة والتحـدي ،فظهور احلـق ،ثم الصرب الطويـل ،ثـم كانـت هنايـة فرعـون. 43 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» وهـذا الطريـق الطويل فيـه عرب عظيمـة ،وفوائد جسـيمة ،ودروس عميقـة ،سـيأيت بياهنـا يف سـياق التأمـل يف قصـة موسـى بـإذن اهلل تعـاىل ،فسـبحان اهلل العلي العظيـم ،اهلـادي بكتابه من يشـاء إىل رصاط مستقيم . اخلامسـة :هـذه اآليـات فيهـا ذكـر األلطـاف العجيبـة مـن اهلل تعـاىل اليـم ،مـع أن لنبيـه موسـى ،فمنهـا :أنـه جعـل نجاتـه يف إلقائـه يف ّ هـذا اإللقـاء مهلكة يف أصله ،إال أنه كان ملوسـى نجاة ،ومنها :تسـخري زوجـة فرعـون لـه ،وعطـف قلبهـا عليـه{ :ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ} [سـورة القصـص ،]9:ومنهـا :حتريم املراضع عليه ،حتى يعـود إىل حجـر أمـه فريضـع منهـا وتقـر عينها به. وقصة موسى عجيبة عظيمة ،وسيأيت بيان ما فيها بإذن اهلل. السادسـة :أن ال ُعمـر لـه تأثير على مسيرة املصلـح ،فاهلل سـبحانه مل يـؤت موسـى النبـوة إال بعـد أن بلـغ أشـده واسـتوى ،وكذلـك قال يف ِ يوسـف . وبلـوغ األشـد قـال بعـض املفرسيـن إنه بلـوغ األربعين ،وقيل عند الثالثين وقيـل عنـد الثالثـة والثالثني ،وقيـل غري ذلـك ،وكذلك النبي ﷺ مل يبعثـه اهلل إال بعـد أن بلـغ األربعني. أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 44 واملعنـى املسـتفاد من ذلـك ،أن حضور الـدروس والربامج العلمية واملشـاركة يف حلقـات التحفيـظ ال يكفـي ليتحمـل املصلـح األعبـاء العظيمـة ،بـل إن ممـا ينبغـي أن ُيدركـه املصلـح أن العمـر والتجربـة هلام أثـر يف مسيرته ،وقـد يقـوده هـذا إىل التـأين يف القـرارات اإلصالحيـة املصريية. * * المقطع الثاني من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()1 قـال اهلل تعـاىل{ :ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﱁﱂﱃﱄ ﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [سورة طه.]16-9: الفوائد: ّأو ًاًل :قولـه تعـاىل{ :ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} هـذا األسـلوب وتعظيـم للحـدَ ث ،فاحلديـث ٌ لفـت لالنتبـاه االسـتفهامي يف اآليـة فيـه ٌ الـذي سـيأيت سـيكون عـن أمـر عظيـم ،وهـذا يفيد بـأن األمـور املتع ّلقة خاصا ،وقد تكرر هذا يف شـأن موسـى باألنبيـاء جيـب أن تُعطى اهتام ًما ًّ مرتين بنفـس اللفـظ ،يف سـوريت طـه والنازعـات ،وهـذا يـدل على أمهيـة قصـة موسـى ،وهكـذا ينبغـي للداعيـة واملصلح أن يسـتعمل مـن أسـاليب اخلطـاب ما ُيناسـب مقـام احلديث. أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 46 ومعـاين جتعل َ ثان ًيـا :أن اهلل تعـاىل جيعـل لألمـور العظيمـة مقدمـات ال عظيم ًا كانت هلـا يف النفـس هيبـة ومكانـة ،فلما كان شـأن الوحـي ثقي ً قصـة تلقـي موسـى للوحـي عجيبـة عظيمـة كذلـك ،فقد أبـرز اهلل يفر حين رأى لـه مـن اآليـات والعجائـب ما اسـتدعى مـن موسـى أن ّ وبين لـه وع ّلمـه، بعضهـا مـن الرهبـة واخلـوف ،ثـم طمأنـه اهلل تعـاىلّ ، حيسـن بمن يسير ويمكـن أن نسـتفيد مـن هـذا على املسـتوى العام أنه ُ يف طريـق رشيـف يتّبـع فيـه األنبيـاء يف الدعـوة واإلصلاح أن يـدرك مـا ُيبين لـه رشف هـذا الطريـق ومكانتـه؛ حتى يسـتقبل مـا يتط ّلبه هذا الطريـق مـن األعبـاء ويقدّ ر املسـؤولية. ثالثـ ًا :أن العلـم بـاهلل تعـاىل هـو أسـاس الطريـق بالنسـبة للمصلـح، عرفـه عليـه قبـل أن وأول خطواتـه؛ فـاهلل سـبحانه حين كلـم موسـى ّ يأمـره بالذهـاب إىل فرعـون {ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ}. رابعـ ًا :أن الثمـرة املرتتبـة على متـام العلـم بـاهلل هـي عبادتـه وحـده {ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} فليست القضيـة يف العلـم املعـزول عـن العمـل ،وإنما يف العلـم احلامـل على العمل. خامسـ ًا :أن الصلاة مـن أعظـم العبـادات التـي حيتاجهـا املصلـح لتكـون زاد ًا لـه يف الطريق {ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} [سـورة طـه ]14:وممـا يؤ ّيـد ذلـك :أن اهلل فـرض قيـام الليـل يف أول اإلسلام عىل 47 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» النبـي ﷺ وأصحابـه ليكـون زاد ًا هلـم يف الطريـق. سادسـ ًا :أمهيـة إدراك املقاصـد من العباداتّ ، وأن إجـراء العبادة مع وضـع العين على الثمـرة واملقصـد مـن أهـم مـا حيتـاج املؤمـن أن ُيذكّر بـه ،وهـذا مأخـوذ مـن قولـه سـبحانه{ :ﱏ ﱐ ﱑ} [سـورة طـه ]14:قـال الطبري رمحـه اهلل( :معنـاه :أقـم الصلاة لتذكـرين فيهـا) ،وقـال ابـن سـعدي رمحـه اهلل( :وقولـه{ :ﱑ} اللام للتعليـل أي :أقـم الصلاة ألجـل ذكـرك إيـاي ،ألن ذكـره تعـاىل أجـل املقاصـد ،وهـو عبوديـة القلـب ،وبه سـعادته ،فالقلب املعطـل عن ذكر اهلل ،معطـل عـن كل خير ،وقـد خـرب كل اخلـراب ،فشرع اهلل للعبـاد أنـواع العبـادات ،التـي املقصود منها إقامة ذكـره ،وخصوصا الصالة). سـابع ًا :أمهيـة اسـتحضار السـاعة وفنـاء الدنيـا بالنسـبة للمصلـح ،وأن ذلـك مـن أهـم مـا ينبغـي أن ُيسـتعان بـه على الثبـات ،وعـدم االغترار بشـبهات املبطلين وإغـراءات الفاسـدين، قـال اهلل تعـاىل{ :ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ}. * * المقطع الثالث من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()2 قـال اهلل تعـاىل{ :ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠ ﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮ ﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋ ﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘ ﳙ} [سـورة طـه.]36-17: الفوائد: أو ًاًل :يف جـواب موسـى عـن سـؤال اهلل تعـاىل{ :ﱩ ﱪ ّ ﱫ ﱬ}؛ قـال{ :ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ }؛ ّ أن اإلنسـان الفطـن حيـاول إدراك أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 50 مقاصـد األلفـاظ واألسـئلة وال يقـف عنـد ظاهرهـا فقـط ،فلـو وقـف موسـى عنـد ظاهـر السـؤال لقـال( :عصـا) أو {ﱰ} [سـورة متجـاوزا للامه ّيـة، ً طـه ،]18:ولكنـه فهـم مـن السـياق ّ أن السـؤال كان فذكـر اسـتعامالت العصـا كذلـك. ثانيـ ًا :املصلـح حيتـاج إىل التدريـب والتجربـة قبـل االنطلاق يف املشـاريع اإلصالحيـة الكبيرة الصعبـة ،فـاهلل سـبحانه هيـأ موسـى وعلمـه كيـف يتعامـل مـع العصـا ،ويـرى كيـف تسـتحيل إىل حيـة سـهل عليه ضخمـة ،ثـم كيـف يأخذهـا ويرجعهـا مـرة أخـرى ،وهـذا ّ فعـل نفـس الشيء أمـام فرعـون. ثالثـ ًا :املصلـح حيتاج إىل تثبيت ْ وطمأنـة ،خاصة إذا كثرت املخاوف وصعـب الطريـق وكثـرت أعبـاؤه ،ولذلـك نجـد يف قصـة موسـى تكـرارا للطمأنـة اإلهليـة لـه{ :ﲇ ﲈ ﲉﲊ} [سـورة طـه،]21: { ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ} [سـورة طه{ ،]68:ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ} [سـورة القصـص{ ،]25:ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ} [سـورة القصـص.]31: رابع ًا :من املهم أن ينطلق املصلح يف رسالته وهو موقن بصحتها، فيكون عىل بصرية وب ّينة ،وهذا هو ما كان عليه املرسلون الذين تكرر يف خطاهبم{ :ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ} [سورة هود.]28: 51 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» وقـد كان اهلل سـبحانه يرهيـم مـن اآليـات والبينـات مـا جيعلهم عىل هذا اإليامن واليقني ،كام قال سبحانه{ :ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ} [سـورة األنعـام.]75:وقـال اهلل يف شـأن نبيـه حممـد ﷺ{ :ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ} [سـورة النجم.]18: وهكـذا نجـد يف هـذا املوضـع مـن قصـة موسـى أن اهلل أراه من اآليـات الكبرى كذلك. واملسـتفاد مـن كل ذلك :أمهية العناية بتعزيـز اليقني وتثبيت اإليامن يف سـياق إعـداد الدعاة وبناء املصلحني. بخامسـ ًا :يؤخـذ مـن تأييـد اهلل أنبيـاءه باملعجـزات أنـه سـبحانه ُحُي ّ أن هـذه املعجزات قـد انقطعت بانقطاع أن يؤ ّيـد احلـق بالرباهين ،وبام َّ الوحـي مـن السماء ،فـإن املصلح املتبـع لألنبيـاء حيرص على أن يكون ُمب ْينـ ًا يف دعوتـه ،مسـتدالً باحلجـج الصحيحـة ،قـادر ًا على إثبات احلق بدليلـه ،متمكنـ ًا مـن قطـع حجـة املخالـف ،فـإن هـذا كلـه ممـا حيبـه اهلل تعاىل. أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 52 [سـورة سادسـ ًا :يف قولـه سـبحانه{ :ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} طـه.]24:أن اهلل تبـارك وتعـاىل ال جيعـل الطغيان يسـتمر يف األرض دون أن هييـئ األسـباب إلزالتـه ،طالت املدة يف ذلك أو قصرت ،فالطغيان ال يسـتمر ،لكـن ذلك بميـزان اهلل وليـس بميزاننا. سـابع ًا :يف دعـاء موسـى { :ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ ﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ ﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘ ﳙ} [سـورة طـه ،]36-25:فوائـد ،منهـا :أن اإلنسـان مهما بلـغ يف العلـم واإليمان واملنزلـة عنـد اهلل فهو حيتـاج دوم ًا إىل االفتقـار والتذلل هلل واالسـتعانة بـه ،وأنـه حيتـاج كذلـك إىل رفقـاء مؤنسين ووزراء معينين ،ولذلـك قـال اهلل لنبيـه حممـد ﷺ{ :ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} [سـورة األنفـال ،]62:وقـال ﷺ يف احلديـث الصحيـح: واحلـواري :النـارص. ُّ ( ّ إن لـكل نبـي حوار ًّيـا)(((، ومـن الفوائـد كذلـك :أن املصلـح حيتـاج إىل املـدد يف شـأنه الداخيل واخلارجـي ،ففـي داخـل نفسـه حيتاج إىل انشراح الصـدر ،ويف اخلارج حيتـاج إىل تيسير األمـر وحيتـاج إىل األعـوان واألنصار. ((( أخرجه البخاري.)2847( ، 53 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» حيـب كثـرة ذكـره وكثـرة التسـبيح بحمـده، ثامنـ ًاّ : أن اهلل سـبحانه ّ وحيـب أن يكـون هـذا الذكـر غايـة مـن الغايـات التـي يسـعى املصلـح توسـل موسـى إىل ربـه هبـا، اللتزامهـا واملحافظـة عليهـا ،ولذلـك ّ فأجـاب اهلل دعـاءه وآتـاه سـؤله. * * المقطع الرابع من أنوار قصة موسى آيات من سورة القصص ()2 قـال اهلل تعـاىل{ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ} [سـورة القصـص.]35-29: أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 56 الفوائد: األوىل :حين جـاء موسـى إىل الـوادي مبتغيـ ًا مـن النار قبسـ ًا أو مـن أهلهـا هدايـة الطريـق ،فنـاداه اهلل ذو اجللال واإلكـرام وك ّلمه ،ثم أراه مـن اآليـات الكبرى مـا أراه ،كان ذلـك كلـه مـن أعظـم املشـاهد التـي حصلـت يف تاريـخ البشر ،وكان أرشف يـوم يف حيـاة موسـى وأعظمـه يـو َم أن كلمـه اهلل تعـاىل ،وهـذا ك ّلـه هيـأ اهلل بـه موسـى ألعبـاء الرسـالة العظيمـة ،وملواجهـة الطاغيـة األكبر يف األرض. ِ ومـن هـذا املشـهد نسـتفيد ّ أن املصلحين الذيـن يسيرون عىل سـنن األنبيـاء واملرسـلني ويواجهـون املجرمين مـن أعـداء الديـن ،أنـه بقدر تكليفهـم وبقـدر صعوبـة مـا يواجهـون؛ فإهنـم حيتاجـون إىل التهيئـة الداخليـة ،وحيتاجـون إىل اليقين والرباهين ،وحيتاجـون إىل معرفـة اهلل والعلـم بـه ،قبـل االنطلاق إىل تلـك األعبـاء والتكاليـف الشـديدة. الثانيـة :مركزيـة العلـم بـاهلل تعـاىل يف بدايـة طريـق املصلـح ،فهـو أسـاس كل علـم ،وكل األعمال القلبيـة تبـدأ منـه. وطريق حتقيق هذا العلم به سبحانه يكون بخمسة أمور: ُ -1التدبر في كتاب الله. -2والتفكر في مخلوقاته. -3واالعتبار بأقداره وأ ّيامه ومعرفة سننه. 57 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» -4والبصيرة بسبيل أنبيائه. -5والعمل المورث المزيد من الهداية. العلـم بـاهلل يف نفـس املؤمـن عبر الطـرق املذكـورة؛ فإنه ُ فـإذا حتقـق يكـون سـب ًبا لثالثـة أصـول عظيمة مـن أصـول العبودية ،هـي القواعد الكبرى ألعمال القلـوب ،وهـي( :اليقين ،واملحبة ،واخلشـية). تكـرر يف مواضعهـا يف القـرآن ونالحـظ يف قصـة موسـى أنـه ّ ذكـر هـذا املعنـى (أي العلـم بـاهلل) ،ففـي هـذا املوضـع نـودي موسـى بقـول اهلل{ :ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} [سـورة القصـص ،]30:وورد يف سـورة طـه{ :ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} [سـورة طـه ،]14:ويف سـورة النمـل{ :ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [سـورة النمـل.]9: الثالثـة :مـن أهـم املشـكالت املوجبـة لإلصلاح :وجـود الظلـم، والفسـق ،والطغيان ،فاهلل سـبحانه وتعاىل قال ملوسـى حني أرسـله إىل فرعـون وقومـه -مب ّينـ ًا سـبب ًا مـن أسـباب إرسـاله إيـاه{ :-ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} [سـورة طـه.]24:ويف موضعين آخريـن{ :ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} [سـورة القصـص.]32: ويف موضـع رابـع{ :ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ} [سـورة الشـعراء ،]10:وهـذا يبين أن وجـود هـذه الصفـات يف النـاس ُيعـدّ سـبب ًا رشعيـ ًا لوجـود املصلحين ،فعلى املصلحين ْ أن يتنبهـوا أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 58 لألسـباب الرشعيـة املوجبـة لإلصلاح ،وأن مـن أمههـا وجـود الظلـم واالسـتضعاف ،وأن حتريـر املسـتضعفني جمـال إصالحـي مـن أعظـم املجـاالت. الرابعةّ : أن وجود املشـاركني للمصلح يف طريقه ،املؤازرين له ،من أهـم مـا يشـد من عضـده ،ويقويـه ،ويسـهل عليـه مواجهـة التحديات ّ واملصاعب{ :ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ} [سـورة القصص.]35: * * المقطع الخامس من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()3 قـال اهلل تعـاىل{ :ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ} [سـورة طه.]41-37: الفوائد: األوىل :أن الرسـالة اإلصالحيـة كلما عظمـت متطلباهتـا ،وكانـت األخطـار املحدقـة هبـا شـديدة؛ فـإن ذلـك يتطلـب مزيـد ًا مـن التهيئـة حلاملهـا والرتبيـة لـه ،وهـذا مـا جـرى ملوسـى ،إذ كانـت رسـالته وعرضه فيهـا مواجهـة لفرعـون الطاغية األكبر ،فصنعه اهلل عىل عينـهّ ، لالبتلاءات والشـدائد ،ففتنـه وامتحنـه حتى خلـص وصفا{ :ﱸ ﱹﱺ} [سـورة طـه.]40: أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 60 الثانيـة :مـع أن اهلل سـبحانه قـال ملوسـى { :ﱜ ﱝ ﱞ} تعـرض للشـدائد واالبتالءات والفتن.واملسـتفاد [سـورة طـه ]39:إال أنـه ّ مـن ذلـكّ : أن اإلنسـان وإن كان حتـت رعايـة اهلل وعنايتـه؛ فهـذا ال يتعـرض للفتـن واملصاعـب ،بـل قـد تكـون تلـك الفتـن يعنـي أنّـه لـن ّ واملصاعـب مـن مقتضى عنايـة اهلل باملؤمـن ليصنعـه ويربيـه وهييئـه. الثالثـة :إذا وضـع اهلل القبـول يف األرض ٍ لعبـد؛ فلا يمكن ألحد أن حاجـزا بينـه وبين قلـوب النـاس ،فهـذا موسـى قـال اهلل له: ً يضـع {ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ} [سـورة طـه ]39:فلا يـراه أحـدٌ إال أح ّبـه ،مـع أن فرعون سـعى بكل أدواته لتشـويه سـمعة موسـى وتشـويه رسـالته، وقـال حمـذر ًا منـه{ :ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ} [سـورة غافـر ]26:وقـال{ :ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ} [سـورة الزخـرف ،]52:ومـع ذلـك فقـد جعـل اهلل ملوسـى املحبـة والقبـول. الرابعة :أن اهلل سـبحانه إذا أراد حفظ عبده فإنه يرعاه ولو أحدقت بـه األهـوال واملخاطـر مـن كل اجتـاه ،ولـو كان العبـدُ عاجـز ًا عـن دفع األذى ،فهـذا موسـى يرعـاه اهلل وهـو يف التابـوت وحيـدً ا يف خضم هنـر عريـض عميـق ،ثـم يرعـاه يف قصر الطاغيـة ّ اجللاد فرعـون حتـى نموه واشـتدّ . كمـل ّ 61 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» اخلامسـة :سـار موسـى مـن مديـن وهـو ال يـدري عـن ال َقـدَ ر الـذي ينتظـره ،واقترب مـن النـار وهو ال يـدري ما وراءهـا ،بل كانت غايتـه االقتبـاس منها أو السـؤال عندها ،وعين اهلل ترعاه ،وكل خطوة خيطوهـا موسـى فهـي مكتوبـة يف القـدر {ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ} [سـورة طـه ،]40:واملسـتفاد مـن ذلـك أن يـدرك املصلـح أنه إذا قـدّ ر اهلل له الرفعـة والسـبق وقسـم لـه اخلير؛ فإنـه س ُيسـاق إىل قـدره ،فليطمئـن، وليبـذل مـا عليـه ،فـاهلل ول ّيـه ومواله. * * المقطع السادس من أنوار قصة موسى آيات من سورة طه ()4 قـال اهلل تعـاىل{ :ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘ ﳙﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠﳡﳢﳣﳤﳥﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﳬ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ} [سـورة طـه.]53-42: الفوائد: األوىل :هـذا الديـن جـاء إلصلاح النـاس وهدايتهـم ،ومل ِ يـأت لالنتقـام منهـم ،حتـى فرعـون وهـو الطاغيـة املفسـد ،إذا تـاب وتذكـر وخشي اهلل ّ فـإن اهلل يتـوب عليـه ،ويقبـل إيامنـه ،ولذلـك فـإن على املصلـح أال ينسـى أن وظيفتـه األوىل هـي الدعـوة إىل اهلل تعـاىل ،وأن أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 64 آالم املسـتضعفني مهما بلغـت وآ َمَل ْ ـت فيجـب أال تُنسـيه هـذه الوظيفـة الرشيفـة. الثانية :أن مقام الدعوة والتذكري جيب أن يكون مصحوب ًا بالقول اللني ،واخلطاب احلسن ،فإن الثمرة ال تتحقق إال بذلك. الثالثة :أن وجود اخلطاب اللني والقول احلسـن ال يقتيض اسـتجابة املدعـو ،فقد يمنعه هواه ،أو جاهه وسـلطانه. ّ الرابعـة :األنبيـاء بشر ،ففيهـم غريـزة اخلـوف ،ولذلك قال موسـى وهـارون{ :ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ} [سـورة طـه ،]45:ولكنهـم يتغلبـون على هـذه الغريـزة باليقني والتـوكل واالعتامد على اهلل ،فحني قـال اهلل هلما{ :ﲭ ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} [سـورة طـه ]46:انطلقـا غير مرتدديـن ،حتـى حين ضـاق األمـر بعـد سـنني أمـام البحـر تذكـر موسـى هـذا الوعـد اإلهلـي فقـال{ :ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [سـورة الشـعراء.]62: اخلامسـة :أن اليقين بمعيـة اهلل مـن أعظـم مـا ُيطمئـن املصلـح يف مسيرته ودعوتـه ،وهـي رتبة صعبـة املنال لغير األنبيـاء ،ولكن يمكن حتقيقهـا إذا اجتمـع يف املصلـح هـذه اخلصـال: )1العلم باهلل ورشيعته وسننه. )2متام التصديق بأخباره. 65 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» )3االستحضار الدائم ملراقبته «مرتبة اإلحسان». )4متام التوكل عليه سبحانه. )5االستهداء الدائم به. )6الصرب وعدم استعجال الثمرة. السادسـة :أن مـن أعظم ما يعين املصلح عىل أداء رسـالته ومكابدة املصاعـب ومواجهـة التحديـات( :دوام ذكـر اهلل) ،فـاهلل سـبحانه أمـر موسـى وهـارون إذا انطلقا برسـالة اهلل أال يفترا وال يضعفا عن ذكره: «{ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ} [سـورة طـه ،]42:قـال الطبري رمحـه اهلل{« :ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ} يقـول :وال تضعفـا يف أن تذكراين فيما أمرتكام وهنيتكام ،فإن ذكركما إيـاي يقـوي عزائمكما ،ويثبت أقدامكما ،ألنكما إذا ذكرمتاين، مجـةِ ، ومنَنًا ال حتصى كثرة». ذك َْر ُمُتـا َمنِّـي عليكما نِ َعام َّ السـابعة :أن حتريـر املسـتضعفني مـن أعظـم املقاصـد اإلصالحيـة الرشيفـة ،وذلـك ألن رسـالة موسـى جـاءت ألمريـن: أ -دعـوة فرعـون وقومـه إىل توحيـد اهلل تعاىل وعبادتـه ،وهي دعوة كل الرسـل {ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ} [سـورة النحـل.]36: أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» 66 ب -حترير املستضعفني من الذل والقهر{ :ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ} [سورة طه.]47: وهذا فيه فوائد مهمة منها: نبـي كان أوالً :أمهيـة العنايـة بمشـكالت العصر ،وذلـك ّ أن كل ّ يعتنـي بمشـكالت عصره ،فاعتنـى لـوط بمشـكلة الفاحشـة، واعتنى شـعيب بمشـكلة التطفيف يف امليزان ،واعتنى موسـى بمشـكلة املسـتضعفني. ثانيـ ًا :أن وجـود مشـكلة كبيرة يف زمـن املصلـح ال ينبغـي أن تُغفله عـن املشـكلة يف أصـل الديـن وأساسـه؛ ألن األنبيـاء اعتنـوا بكليهما. هـذا ّ وإن زماننـا فيـه مشـكالت كثيرة ،غير أن من أمهها( :مشـكلة االسـتضعاف والقهـر للمؤمنين يف كثير مـن بقـاع األرض) ،ولذلـك فـإن مـن األمهيـة بمـكان عالجهـا والعناية هبا. الثامنة :يف قول موسى { :ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ} [سـورة طـه :]48:أن اإلنـذار بذكـر العـذاب ال يتعارض مـع القـول اللين ،وأن مـن املهـم للمصلـح أن جيمـع بين الرتغيـب والرتهيـب ،بـل إن اخلطـاب الـذي يكتفـي بالرتغيـب دون الرتهيـب -أو العكـس -فهـو خطـاب ناقـص ال تتـم الدعـوة بـه ،بـل ال بـد مـن اجلمـع بين األمريـن ،وقـد قـال اهلل تعـاىل لنبيه حممـد ﷺ{ :ﱋ ﱌ 67 أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء» ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} [سـورة األحـزاب.]45: التاسـعة :ينبغـي على الداعيـة أن يتن ّبـه ألصـول احلـوار الصحيـح، والــمشتِّتات التي يطرحها اخلصـم ،بل ُيركز ُ فلا ينزلـق إىل املغالطات على القضيـة األساسـية ،ويعيـد طـرح الربهـان عليـه إن اقتضى األمـر ليظـل احلديـث ُمركَّـز ًا حوهلـا ،يؤخـذ هـذا مـن عـدم اسـتمرار موسـى مـع فرعـون حين قال لـه{ :ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ} [سـورة طه،]51: أي فما باهلـا مل تؤمـن برسـالة التوحيـد؟ فلـم يدخـل موسـى