طبقات الشعراء لابن سلام PDF

Summary

This document discusses Ibn Salim al-Jamhi and his theory of classifying poets. It analyses the criteria used for categorization and evaluates the historical and aesthetic values. The document explains the differences in opinion of various scholars on the subject. It also includes the different views on the classification of poets.

Full Transcript

‫ابن سالم الجمحي ونظرية الطبقات‬ ‫كان لرواة القرن األول والثاني للهجرة األثر الكبير في تحديد مسار القضايا النقدية‬ ‫التي وجدت طريقها في مؤلفات القرون التالية‪.‬فقد تسللت الكثير من أفكارهم‬ ‫وآرائهم ومصطلحاتهم إلى الدراسات المنهجية الموسعة التي صاحبت حركة التأليف‬ ‫بد ًءا من القرن الثالث‪.‬...

‫ابن سالم الجمحي ونظرية الطبقات‬ ‫كان لرواة القرن األول والثاني للهجرة األثر الكبير في تحديد مسار القضايا النقدية‬ ‫التي وجدت طريقها في مؤلفات القرون التالية‪.‬فقد تسللت الكثير من أفكارهم‬ ‫وآرائهم ومصطلحاتهم إلى الدراسات المنهجية الموسعة التي صاحبت حركة التأليف‬ ‫بد ًءا من القرن الثالث‪.‬وقد مر بنا طرف مما كان يشغل بال رواة البصرة ولغوييها‬ ‫مما له صلة بالشعر والشعراء تحليالً ونقدًا وتقوي ًما‪.‬غير أن تلك اآلراء لم تجد من‬ ‫ينظمها ويستنبط منها أو يبرهن عليها غير ابن سالم في كتابه (طبقات فحول‬ ‫الشعراء)‪.‬‬ ‫ويقول األستاذ طه أحمد إبراهيم عنه إنه (خالصة ما قيل إلى عهده في أشعار‬ ‫الجاهلية واإلسالم)‪.‬ويرى د‪.‬إحسان عباس أكثر مما يراه األستاذ طه أحمد إبراهيم‪،‬‬ ‫إذ يجد في كتاب ابن سالم إعادة صياغة للنظريات التي تلقاها ابن سالم من أساتذته‬ ‫وتوسيعًا لبعض أفكار األصمعي مثل فكرة (الفحولة)‪.‬ومهما يكن من شيء‪ ،‬فكتاب‬ ‫ابن سالم هو أول مؤلف نقدي موجود يستند إلى نظرية (الطبقات)‪ ،‬وألنه كذلك فقد‬ ‫اعتمد ابن سالم منهجية واضحة جعلت بعض مؤرخي النقد العربي يرون فيه أول‬ ‫ناقد متخصص يصدر عن منهج مستقيم وروح‪.‬‬ ‫وقد قلنا إنه أول كتاب موجود في الطبقات‪ ،‬ألن واقع األمر أن ابن سالم لم يكن أول‬ ‫من ألف في الطبقات‪.‬فقد سبقه إلى ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى‪ ،‬وقد أشار إلى‬ ‫ذلك ابن النديم في "الفهرست"‪.‬غير أن ضياع كتاب أبي عبيدة جعل مؤرخي النقد‬ ‫يشيرون إلى ابن سالم بصفته أول من ألف في الطبقات‪.‬ومع أن الرجلين‬ ‫متعاصران‪ ،‬فالمرجع أن أبا عبيدة توفي عام (‪ 208‬هـ) بينما توفي ابن سالم عام‬ ‫(‪ 331‬هـ)‪.‬ومن الثابت أيضًا أن ابن سالم روى عن أبي عبيدة أكثر من مرة‬ ‫ووصفه بأنه من أهل العلم‪.‬إن الروايات التي ينقلها ابن سالم عن أبي عبيدة تخص‬ ‫نحل الشعر وأخبار الشعراء‪ ،‬وخاصة شعراء العصر األموي‪ ،‬وال عالقة لها مباشرة‬ ‫بنظرية الطبقات وتوزيع الشعراء‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فالمظنون أن ابن سالم انتفع مما في تقسيمات أبي عبيدة للشعراء‪،‬‬ ‫فاألثنان يتفقان على توزيع المخضرمين على الجاهليين واإلسالميين‪ ،‬بمعنى أنهما لم‬ ‫يعترفا بوجود طبقة مخضرمين‪.‬وكالهما يضع الحطيئة في طبقة شعراء ما قبل‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وحسان بن ثابت في طبقة اإلسالميين‪.‬ويزيد ابن سالم بوضعه كال من‬ ‫كعب بن جعيل وعمر بن أحمد الباهلي وسحيم بن وثيل — وهم مخضرمون —‬ ‫في الطبقة الثالثة من اإلسالميين‪ ،‬وحميد بن ثور في الطبقة الرابعة وأبي زبيد‬ ‫وقرا بن حنش وبشامة بن عذير في الطبقة الثامنة‪ ،‬مع‬‫الطائي في الطبقة الخامسة‪ّ ،‬‬ ‫أن األخيرين لم يسلموا‪.‬‬ ‫ووضع ابن سالم مع الحطيئة كعب بن زهير في الطبقة الثانية من الجاهليين‪ ،‬أما‬ ‫الخنساء وهي مخضرم أيضًا‪ ،‬فلم يضعها مع الجاهليين وال مع اإلسالميين‪ ،‬وإنما‬ ‫في طبقة مستقلة أسماها (أصحاب المراثي)‪.‬وكان ابن سالم قد وضع شعراء‬ ‫المراثي في طبقة مستقلة مع طبقات الشعراء الجاهليين وحقّها بطبقة (شعراء القرى‬ ‫العربية)‪ ،‬وعددها خمس‪.‬وكأنه بهذا يعترف بأساس آخر في توزيعه الطبقي‪ ،‬وهو‬ ‫الغرض الواحد الذي جعله يجمع ذوي المراثي في مكان واحد‪.‬‬ ‫وهناك أساس آخر اعتمده ابن سالم وهو (البيئة)‪ ،‬الذي جعله يفرد الشعراء القرى‬ ‫العربية في طبقة خاصة‪.‬والمالحظ أن ابن سالم لم يعترف بطبقة الشعراء‬ ‫المحدثين‪ ،‬على الرغم من أنه عاصر بعضهم مثل بشار بن برد ومروان بن أبي‬ ‫حمزة وأبي نواس وأبي العتاهية والعباس بن األحنف‪.‬ولعل أهماله للمحدثين ناشئ‬ ‫عن عصبية للقديم‪ ،‬وكان التعصب ظاهرة الزمت رواة القرن الثاني للهجرة كما‬ ‫الحظنا‪.‬‬ ‫الناظر في طبقات أبي عبيدة كما ترويها المصادر القديمة‪ ،‬يجد أنه وضع في كل من‬ ‫الطبقة األولى والثانية من الجاهلية أربعة شعراء‪.‬وهذا ما فعله ابن سالم مع‬ ‫شاعرا في الطبقة‬ ‫ً‬ ‫اختالف في ترتيب الشعراء‪.‬إال أن أبا عبيدة وضع اثني عشر‬ ‫الثالثة‪ ،‬األمر الذي ال نجده عند ابن سالم‪ ،‬كما لم تعثر عند أبي عبيدة على طبقة‬ ‫رابعة أو خامسة جاهلية‪ ،‬كما ال نجد طبقة ثانية أو ثالثة إسالمية‪.‬وقد يكون السبب‬ ‫فقدان الكتاب‪ ،‬هذا إذا لم يكن السبب كون منهجية ابن سالم أكثر دقة وتنظي ًما من‬ ‫منهجية أبي عبيدة‪.‬‬ ‫شاعرا جاهليًا على عشر طبقات‪ ،‬في كل طبقة أربعة‬‫ً‬ ‫لقد وزع ابن سالم أربعين‬ ‫شاعرا‪ ،‬وزعهم‬ ‫ً‬ ‫شعراء‪.‬تال ذلك مجموعة من الشعراء بلغ تعدادهم أربعة وثالثين‬ ‫على طبقتين‪ :‬واحدة أسماها طبقة (أصحاب المراثي) وعددها أربعة‪ ،‬وأخرى‬ ‫أسماها طبقة (شعراء القرى العربية) اختارهم على النحو التالي‪ :‬خمسة من شعراء‬ ‫المدينة‪ ،‬وتسعة من شعراء مكة‪ ،‬وخمسة من شعراء الطائف‪ ،‬وثالثة من شعراء‬ ‫البحرين‪ ،‬وثمانية من شعراء يهود‪.‬وبهذا ينتهي من الشعراء الجاهليين‪.‬أما‬ ‫شاعرا وزعهم على عشر طبقات‪ ،‬وفي كل طبقة‬ ‫ً‬ ‫اإلسالميون فقد اختار منهم أربعين‬ ‫أربعة شعراء‪.‬وقد خصص الطبقة التاسعة بالرجاز‪.‬وبذلك يكون مجموع من ترجم‬ ‫شاعرا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لهم ووزعهم منازلهم التي يستحقونها مائة وأربعة عشر‬ ‫لم تكن فكرة الطبقة (والجمع طبقات) من بنات أفكار ابن سالم‪ ،‬فقد رأينا أن الرواة‬ ‫األول نظروا في شعر الشعراء الثالثة الكبار في العصر األموي‪ :‬الفرزدق وجرير‬ ‫واألخطل‪ ،‬ووجدوا أنهم يتماثلون في أشياء ويختلفون في أخرى‪ ،‬إال أنهم مع ذلك‬ ‫يشكلون طبقة واحدة من حيث الجودة والمستوى الفني‪.‬ثم وازن اللغويون بينهم‬ ‫وبين األربعة الكبار من الجاهليين وهم أمرؤ القيس والنابغة واألعشى وزهير‪،‬‬ ‫كبيرا وأنهم يكادون يشكلون طبقة واحدة‬‫ً‬ ‫ووجدوا أن هؤالء أيضًا ال يتفاوتون تفاوتًا‬ ‫متميزة‪.‬ومن هنا‪ ،‬يقول األستاذ طه أحمد إبراهيم‪ ،‬نشأت فكرة الطبقات‪.‬ويضيف‬ ‫إلى أن فكرة الطبقة األولى توحي بالضرورة بطبقات أخرى‪.‬‬ ‫وكذلك فعل ابن سالم فجعل الشعراء األربعة الجاهليين الذين أشرنا إليهم قبل قليل‬ ‫طبقة أولى جاهلية‪ ،‬وجعل الثالثة اإلسالميين ورابعهم الراعي النميري طبقة‬ ‫إسالمية أولى‪.‬ليس يعنينا هنا أن يكون كتاب (طبقات فحول الشعراء) كتابين ال‬ ‫كتابًا واحدًا‪.‬األول في (طبقات فحول الشعراء الجاهليين)‪ ،‬والثاني في (طبقات‬ ‫فحول اإلسالميين)‪.‬فقد ناقش هذه المسألة طه أحمد إبراهيم‪ ،‬وقبله ناشر الكتاب‬ ‫المستشرق األلماني جوزيف هل‪ ،‬ورأى أن اضطراب المقدمة يوحي بأنهما مقدمتان‬ ‫أدمجت الواحدة باألخرى‪.‬وفي المقدمة أيضًا ما يوحي أن ابن سالم ألف ً‬ ‫أوال في‬ ‫طبقات الجاهلية وثناه بكتاب آخر في طبقات اإلسالميين‪.‬يقول‪" :‬فاقتصرنا في هذه‬ ‫على فحول الشعراء اإلسالميين لالستغناء عن فحول الشعراء الجاهليين بطبقاني‬ ‫المؤلفة في ذلك"‪.‬‬ ‫معايير النظرية‪:‬‬ ‫لقد كان ال بد البن سالم أن يأخذ في االعتبار األساس التاريخي في توزيع الشعراء‬ ‫إلى طبقات‪.‬فينظر إلى شعراء ما قبل اإلسالم بمعزل عن اإلسالميين؛ ألنهم يشكلون‬ ‫حقبة أدبية متميزة في أسلوب حياتها ولغتها وشعرها‪.‬وكذلك الحال مع الشعراء‬ ‫اإلسالميين والمحدثين أيضًا‪.‬ومع أن النظرة التاريخية هذه حقيقة ال يجوز التفاضي‬ ‫عنها‪ ،‬فإن اعتماد ابن سالم لألساس التاريخي ال يشكل غير اعتراف بحقيقة تميز‬ ‫شعراء كل حقبة عن األخرى بجملة خصائص‪ ،‬وربما في إبراز أثر السابق على‬ ‫الالحق‪.‬‬ ‫لكن األساس الفني الذي يميز الشعراء بعضهم عن بعض في الطبقة الواحدة أو في‬ ‫الطبقات المتعددة يبقى هو األهم‪.‬فهنا تبدو الممارسة النقدية السليمة؛ ألن معيار‬ ‫المفاضلة ليس "الزمن" (أو التاريخ) وإنما "الفن"‪.‬والحقيقة أن كتاب الطبقات كله‬ ‫قائم على تلك المعايير التي تضع الشاعر في طبقة دون أخرى أو في المنزلة األولى‬ ‫في الطبقة وليس في المنزلة الثانية أو الثالثة ً‬ ‫مثال‪.‬‬ ‫وقد كان التمائل والتناظر أساس جمع أربعة شعراء في طبقة واحدة‪.‬يقول ابن سالم‪:‬‬ ‫"فالفنا من تشابه منهم إلى نظرائه"‪ ،‬وإذا أردنا الدقة قلنا إن الكثرة و"الجودة" هما‬ ‫المعياران اللذان دفعا ابن سالم لوضع شاعر ما في المرتبة األولى وآخر في المرتبة‬ ‫الثانية‪ ،‬أو أن يضع مجموعة منهم في طبقة أولى وأخرى في طبقة ثانية‪.‬‬ ‫التفضيالت والتصنيف‪:‬‬ ‫على هذا األساس‪ ،‬فضل ابن سالم حسانًا على شعراء المدينة الخمسة ألنه "كثير‬ ‫الشعر جيده"‪ ،‬ومما أخر شعراء الطبقة السابعة الجاهلية أنهم "في أشعارهم قلة‪،‬‬ ‫فذلك الذي أخرهم"‪.‬وجعل األسود بن يعفر الثالث من الطبقة الجاهلية الخامسة ألنه‬ ‫"له واحدة طويلة رائعة الحقة بأول الشعر‪ ،‬لو كان شفعها يمثلها قدمناه على أهل‬ ‫مرتبته"‪.‬‬ ‫وليعفر شعر جيد كثير‪ ،‬كما يقول المفضل الضبي‪(.‬ونحن ال نعرف نه ذلك وال‬ ‫قريبًا منه)‪ ،‬كما يعقب ابن سالم ويضيف معلقًا على اتجاه الكوفيين في رواية الشعر‬ ‫سا على رواة البصرة‪" :‬وقد علمت أن أهل الكوفة يروون له أكثر مما نروي‬ ‫قيا ً‬ ‫ويتجوزون في ذلك أكثر من تجوزنا"‪.‬‬ ‫الجودة والكثرة‪:‬‬ ‫إذا كانت كثرة الشعر وطول القصائد ال تحتاج إلى توضيح ألنها مسألة "كم"‪ ،‬فإن‬ ‫اقترانها بالجودة يعد ً‬ ‫دليال مقنعًا على فحولة الشاعر وطول باعه في النظم‪.‬على أن‬ ‫الجودة الشعرية وحدها لها وجوه متعددة لم يغفلها ابن سالم‪.‬فقد تتمثل جودة الشعر‬ ‫في الكثير مما له صلة بالل فظ أو المعنى أو التركيب أو الصورة‪.‬ولكل معيار‪.‬‬ ‫من مقاييس المعنى االبتداع والجدة والسبق‪.‬ولذلك اجمع النقاد على أولوية أمرئ‬ ‫القيس ألنه أول من استوقف الصحب وابكى الديار وقيد األوابد‪.‬وأول من‪...‬ومن‬ ‫أسباب تفضيل زهير أنه جمع الشعراء الكثير من المعاني في قليل من اللفظ‪،‬‬ ‫وأشدهم مبالغة في المدح‪ ،‬في حين أن األعشى "أذهبهم في فنون الشعر"‪.‬‬ ‫التفضيل حسب األغراض‪:‬‬ ‫يقول‪" :‬من احتج التبعة كان أحسنهم ديباجة شعر وأكثرهم رونق كالم وأجزلهم بيتًا‪،‬‬ ‫كأن شعره كالم ليس فيه تكلف"‪.‬أما جرير‪ ،‬فيحسن ضروبًا من الشعر ال يحسنها‬ ‫الفرزدق‪ ،‬وكان له تفوق في غرض واحد ما يدعو إلى تفضيله على غيره‪.‬وعلى‬ ‫هذا كان جرير يغلب في الفخر‪ ،‬وجميل مق ّد ًما على كثير في النسيب‪.‬‬ ‫االختالف في المقاييس‪:‬‬ ‫وقد يكون بعض الدارسين يرون أن في تقديم الكثرة على الجودة وتنوع األغراض‬ ‫على االقتصار على غرض واحد دليالً على اضطراب المقاييس‪.‬وقد يكون ذلك‬ ‫معيارا لوضع مجموعة من‬ ‫ً‬ ‫صحي ًحا إذا أدركنا أن ابن سالم اعتمد الغرض الواحد‬ ‫الشعراء في طبقة مستقلة‪ ،‬مثل "أصحاب المراثي" و"الرجاز"‪.‬‬ ‫موقف ابن سالم من الشعراء‪:‬‬ ‫نظر ابن سالم في شعر جميل وكثير وهما من الغزليين‪ ،‬لكنه أهمل عمر بن أبي‬ ‫ربيعة‪ ،‬وهو شاعر غزل أيضًا ومتميز وذو موهبة ال تُجحد‪.‬وقد يكون السبب في‬ ‫عمرا بخالف صاحبيه شاعر غزل حسي‪ ،‬وصاحباه من شعراء الغزل‬ ‫ً‬ ‫إهماله أن‬ ‫العذري‪.‬ولو أردنا أن نمضي في االستنتاج إلى أبعد من ذلك‪ ،‬قلنا أن هذا قد يمثل‬ ‫موقفًا البن سالم بشأن الغزل الحسي‪.‬‬ ‫مقاييس البناء والتركيب‪:‬‬ ‫أما مقاييس البناء والتركيب واللفظ‪ ،‬فمنها أحكام الشعر‪ ،‬أي متانته‪ ،‬والبعد عن‬ ‫السخف (أي ضعف البناء أو رقته) وشدة متون الشعر وشدة أسر الكالم‪.‬كما عند‬ ‫لبيد‪.‬هذه المعايير استخلصت بالتحليل الدقيق والنظر المتمعن في الشعراء الذين‬ ‫ذكرهم في الطبقات‪ ،‬فهي تمثل الخصائص العامة لشعرهم‪.‬‬ ‫االختالف في التقييم‪:‬‬ ‫ومع هذا‪ ،‬فإن االختالف في تقويم الشعراء الكبار وتنزيلهم منازلهم التي يستحقونها‬ ‫ضمن طبقاتهم قائم‪ ،‬وهو يعكس اتجاهات النقد في القرن األول والثاني للهجرة‬ ‫والعوامل المؤثرة فيها‪.‬وهي عوامل يتحكم فيها أحيانًا الذوق الشخصي والميل‬ ‫والهوى‪ ،‬ويصور ابن سالم هذا قائالً‪" :‬إن علماء البصرة كانوا يقدمون أمرئ القيس‬ ‫زهيرا‬ ‫ً‬ ‫من حجر‪ ،‬وإن أهل الكوفة كانوا يقدمون األعشى‪ ،‬وإن أهل الحجاز يقدمون‬ ‫والنابغة"‪.‬‬ ‫وفي موضع آخر‪ ،‬يقول‪" :‬وكان كثير شاعر أهل الحجاز‪ ،‬وأنهم ليقدمونه على بعض‬ ‫من قدمناه عليه‪ ،‬وهو شاعر فحل ولكنه منقوص حظه بالعراق"‪.‬وقد نجد هذا الميل‬ ‫إلى شاعر دون آخر عند الرواة أنفسهم‪ ،‬مما يؤثر على ترتيبهم وتقييمهم للشعراء‪.‬‬ ‫تقدير الرواة‪:‬‬ ‫يشير محمد زغلول سالم إلى أن ابن سالم نفسه يذهب إلى تغليب رأي الجماعة من‬ ‫أهل البصرة في ترتيبه الطبقات‪ ،‬وأنه يحكم ذوقه مستعينًا باآلراء الشائعة في ترتيب‬ ‫بقية الشعراء‪.‬وهذا الموقف يؤكده تفضيل ابن سالم خلف األحمر البصري على‬ ‫حماد الراوية الكوفي‪.‬‬ ‫دور الناقد‪:‬‬ ‫لم يكن ابن سالم غافالً عن موقف الرواة من الشعراء إذ أشار إلى "اختالف الرواة‬ ‫فيهم" (أي في الشعراء) وأنهم (الرواة) "قالوا بآرائه"‪.‬ولذلك كان ال بد لدارس‬ ‫الشعر أن يكون من أهل العلم به‪.‬فالشعر صناعة وثقافة كسائر أصناف العلم‬ ‫والصناعات‪ ،‬وأن كثرة المدارسة تعين على العلم‪.‬‬ ‫الناقد والتمييز بين الشعر‪:‬‬ ‫وكان خلف بن حيان (خلف األحمر) نموذ ًجا لمثل هذا الناقد عند ابن سالم‪ ،‬فهو "من‬ ‫أفرس الناس ببيت شعر وأصدق لسانًا"‪.‬فجعل الصاحب العلم بالشعر خصيصتين‬ ‫أساسيتين‪ :‬الفراسة‪ ،‬أي القدرة على النظر في بواطن األمور ويريد بذلك فهم الشعر‪،‬‬ ‫والصدق في الرواية‪.‬والخصيصتان متالزمتان‪.‬‬ ‫فالناقد البصير بالشعر والشعراء يستطيع في الوقت نفسه أن يميز صحيح الشعر من‬ ‫منحوله‪ ،‬وهاتان هما المهمتان اللتان أسندهما ابن سالم للعالم بالشعر والناقد له‪.‬‬ ‫ولهذا يرى د‪.‬إحسان عباس أن ابن سالم أول من نص على استقالل النقد األدبي‬ ‫دورا حين جعل للشعر ‪ -‬أي لنقده والحكم عليه – صناعة يتقنها‬ ‫وأول من أسند للناقد ً‬ ‫أهل العلم بها‪.‬‬ ‫الشعر المنحول‪:‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬نظن أن ابن سالم أولى مسألة الشعر المنحول عناية أكبر‪ ،‬وأنه لذلك‬ ‫جعل مهمة الناقد األساسية تمييز الشعر الصحيح من الشعر المنحول‪.‬وكان قد شبه‬ ‫صناعة الشعر بصناعة تميز الدينار منهرجة وزائفة من صحيحه‪ ،‬وكأنه بذلك يؤكد‬ ‫على دور الناقد في التمييز بين الصحيح من المنحول والجيد والرديء‪.‬‬ ‫التحديات في تدوين الشعر‪:‬‬ ‫وكان ابن سالم ووجه في تلك المرحلة من مراحل رواية الشعر العربي وتدوينه‬ ‫معضلة كبيرة‪ ،‬وهي معضلة الشعر المنحول أو الموضوع‪.‬ورأى أن العالم البصير‬ ‫بالشعر هو األكثر قدرة – أو ينبغي له أن يكون – على ممارسة عملية التمييز هذه‪.‬‬ ‫ذلك أن من وظائف النقد ما يمكن أن يرتبط بمهمة محددة تتعرض لها المرحلة‬ ‫الثقافية التي يمر بها المجتمع‪.‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬قضية الشعر الموضوع‬ ‫نهاية الفرز والتأريخ‬ ‫انتهت عملية فرز الشعر الموضوع في أوائل القرن الثالث للهجرة‪ ،‬ولم تعد تشكل‬ ‫قضية نقدية بارزة‪.‬ولذلك‪ ،‬لم نجد ناقدًا بعد ابن سالم يهتم بها كما فعل هو‪ ،‬أو يعدها‬ ‫قضية نقدية ينبغي على مؤرخ الشعر وناقده أن يتصدى لها‪.‬إذ أن المرحلة التاريخية‬ ‫الجديدة بما فرضته من معضالت وقضايا أدبية ولغوية وبالغية جديدة قد وجهت‬ ‫النقد إلى مسار مختلف‪.‬‬ ‫الرأي النقدي لألستاذ طه أحمد إبراهيم‬ ‫يقول األستاذ طه أحمد إبراهيم إن الحديث عن الشعر الموضوع "طبيعي" ألن‬ ‫مرحلة تدوين الشعر قد انتهت‪ ،‬وأقبل العلماء على فحصه ودراسته‪.‬ولكن هذا الكالم‬ ‫قد ال يكون دقيقًا تما ًما‪ ،‬ألن عملية فحص الشعر وتمييزه بدأت مع بداية رواية‬ ‫الشعر وتدوينه‪ ،‬وانتهت بعد انتهاء التدوين‪.‬فقد مارس رواة اللغة والشعر هذه‬ ‫العملية جنبًا إلى جنب مع عملية الرواية والتدوين في النصف الثاني من القرن األول‬ ‫والقرن الثاني للهجرة‪.‬‬ ‫دور ابن سالم في معالجة القضية‬ ‫دورا ها ًما في‬ ‫ابن سالم كان أول من عرض اآلراء حول الشعر الموضوع وأدى ً‬ ‫تقويمها بشكل منظم ومنهجي‪.‬وقد أطلق عليه الدكتور مندور اسم "تحقيق‬ ‫نظرا لدوره في توثيق وتحليل اآلراء حول الشعر العربي‪.‬‬ ‫النصوص" ً‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬آراء ابن سالم حول الشعراء والشعر‬ ‫التمييز بين الشعر الجيد والمشكوك فيه‬ ‫الحظ ابن سالم أن بعض الشعراء كانت رواياتهم مشكو ًكا فيها‪.‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫ذكر عن "قراد بن حنش" أنه كان جيد الشعر ولكن شاعريته تعرضت للتشويه‬ ‫بسبب قبائل غطفان التي كانت تسرق شعره وتدعيه‪.‬كما أشار إلى زيادات وضعت‬ ‫في شعر حسان بن ثابت‪.‬‬ ‫التشويه في الشعر‬ ‫كما الحظ ابن سالم أن بعض الشعراء اآلخرين مثل عمرو بن العالء كانوا يشككون‬ ‫في الكثير من الشعر المنسوب إليهم‪ ،‬واعتبروا أن ما وصل إلينا من شعرهم قليل‬ ‫مقارنة بما كانوا يملكونه‪.‬وأشار إلى أن الشعراء الذين عاصروا اإلسالم ضاع جزء‬ ‫كبير من أشعارهم بسبب انشغالهم باإلسالم‪.‬‬ ‫تفسير أسباب فقدان الشعر‬ ‫ابن سالم يعتقد أن السبب في ضياع الكثير من الشعر يرجع إلى عدم وجود ديوان‬ ‫مدون أو كتاب مكتوب في الفترة الجاهلية‪.‬كما أضاف أن بعض الشعراء لم يحفظ‬ ‫لهم شيء من أشعارهم بسبب الهالك الذي أصاب الكثير من العرب‪ ،‬فاختفى الكثير‬ ‫من الشعر‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬تأثير العشائر والرواة في وضع الشعر‬ ‫إسهام العشائر في وضع الشعر‬ ‫عندما راجعت العرب رواية الشعر بعد اإلسالم‪ ،‬وجدت بعض العشائر أن ما يروى‬ ‫لهم من شعر قليل مقارنة بما كان لديهم في الجاهلية‪.‬فعملت على إضافة وقائع‬ ‫وأشعار مختلقة على لسان شعرائها‪.‬‬ ‫دور الرواة في نشر الشعر الموضوع‬ ‫تطرق ابن سالم أيضًا إلى دور الرواة في هذه العملية‪ ،‬مثل حماد الراوية‪ ،‬الذي كان‬ ‫ّ‬ ‫أول من جمع أشعار العرب‪ ،‬لكن لم يكن موثوقًا به بالكامل في نقل الشعر الصحيح‪.‬‬ ‫أشعارا من عنده ويزيد عليها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكان حماد يضيف‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬نقد ابن سالم لبعض الرواة المشهورين‬ ‫محمد بن إسحاق وانتقاده من ابن سالم‬ ‫حظي محمد بن إسحاق بنقد كبير من ابن سالم‪ ،‬حيث انتقده بسبب روايته ألشعار ال‬ ‫أشعارا ألشخاص لم‬ ‫ً‬ ‫تعود إلى أصحابها‪.‬كما أشار إلى أن محمد بن إسحاق نقل‬ ‫شعرا قط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقولوا‬ ‫أدلة ابن سالم على ضعف الرواية‬ ‫استخدم ابن سالم عدة أدلة لنقد روايات محمد بن إسحاق‪ ،‬مثل الدليل النقلي الذي‬ ‫استند إلى ما جاء في القرآن الكريم عن عاد وثمود‪ ،‬باإلضافة إلى األدلة اللغوية‬ ‫واألدبية التي تثبت أن العربية لم تكن موجودة في عهد عاد‪.‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬شروط توثيق الشعر ورفض الشعر الموضوع‬ ‫أسس توثيق الشعر عند ابن سالم‬ ‫ابن سالم كان يعتمد على أسس دقيقة لتوثيق الشعر‪ ،‬مثل فحص السند والمصدر من‬ ‫خالل الرواة الموثوق بهم‪.‬كما كان يطمئن إلى رواية العلماء عن الشعر‪ ،‬حيث‬ ‫اعتبر رواية العلماء أكثر دقة وموثوقية من رواية الرواة العاديين‪.‬‬ ‫إجماع العلماء على صحة الشعر‬ ‫من األمور التي زادت من توثيق الرواية عند ابن سالم هو اإلجماع بين العلماء‬ ‫على صحة الرواية‪.‬فقد كان يرى أن ما اتفق عليه العلماء ال يجوز أن يخرج عنه‬ ‫أحد‪.‬‬ ‫التقويم العام لكتاب "طبقات الشعراء" البن سالم‬ ‫‪.1‬أهمية ابن سالم في الكتاب‬ ‫ال شك أن ابن سالم يعد من الشخصيات البارزة في مجال النقد األدبي‪ ،‬حيث تجلى‬ ‫ذلك من خالل تفسيره وتعليله لكثير من الظواهر األدبية‪.‬على الرغم من أن ابن‬ ‫سالم وزع الشعراء إلى طبقات‪ ،‬إال أنه لم يغفل عن أهمية البيئة في تشكيل مالمح‬ ‫الشعراء‪ ،‬وهو ما جعله ينفرد بنظرة مختلفة تستند إلى البيئة في تحديد طبقات‬ ‫الشعراء‪.‬‬ ‫‪.2‬التفسير البيئي لشعراء المدن‬ ‫الحظ ابن سالم أن للشعراء الذين نشأوا في البيئة الحضرية‪ ،‬مثل شعراء القرى‬ ‫تأثيرا في ليونة شعرهم مقارنة بالشعراء البدو الذين نشأوا في الصحراء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫العربية‪،‬‬ ‫فتفسيره لليونة شعر عدي كان قائ ًما على أنه نشأ في الحيرة‪ ،‬وهي مركز حضري‪،‬‬ ‫بينما كان شعر أهل البادية‪ ،‬مثل قري ش‪ ،‬أكثر خشونة وصالبة بسبب بيئتهم‬ ‫الصحراوية‪.‬‬ ‫‪.3‬التفسير التاريخي وواقعية الشعر‬ ‫ابن سالم حاول أيضًا تفسير كثرة الشعر وقلة الشعر في بعض المناطق بنا ًء على‬ ‫الحروب التي كانت تدور بين القبائل‪.‬فشعراء المناطق التي شهدت حروبًا مثل‬ ‫حرب األوس والخزرج كان لهم إنتاج شعري غزير‪ ،‬بينما كانت المناطق التي لم‬ ‫تشهد حروبًا كقريش وعمان أقل إنتا ًجا شعريًا‪.‬‬ ‫‪.4‬مالحظات نقدية ومآخذ على منهج ابن سالم‬ ‫لقد تعرض منهج ابن سالم للنقد من قبل العديد من الدارسين‪.‬على سبيل المثال‪ ،‬د‪.‬‬ ‫محمد مندور انتقد تفسير ابن سالم لندرة الشعر في بعض المناطق كالمكة بعد‬ ‫مشيرا إلى أن الشعر ال يقتصر على الحروب فقط‪.‬كما تناول ابن سالم‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم‪،‬‬ ‫مسألة نحل الشعر‪ ،‬حيث رفض بعض الشعر المنسوب إلى قبائل معينة مثل عاد‬ ‫وثمود رغم أنه كان هناك شعرا ً نسب إليه‪.‬‬ ‫‪.5‬الطبقات الشعرية والتقسيمات المختلفة‬ ‫ابن سالم جعل هناك طبقات معينة من الشعراء‪ ،‬إال أن بعض النقاد أشاروا إلى أن‬ ‫التقسيم لم يكن مستندًا إلى أسس واضحة دائ ًما‪.‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬ضم ابن سالم‬ ‫الشعراء الرجاز إلى الطبقة التاسعة دون تقديم تفسير منطقي لذلك‪.‬كما أن بعض‬ ‫األسماء الشعرية الكبيرة مثل الكميت والطرماح وعمر بن أبي ربيعة لم يتم ذكرهم‬ ‫في كتابه‪.‬‬ ‫‪.6‬المآخذ على منهجية ابن سالم‬ ‫هناك العديد من المآخذ على منهجية ابن سالم‪ً.‬‬ ‫أوال‪ ،‬أغفل ذكر شعراء إسالميين‬ ‫وأمويين كبار مثل الكميت والطرماح‪.‬ثانيًا‪ ،‬لم يتعرض لمكانة شعراء القرى العربية‬ ‫بشكل كافٍ ولم يقدم تحليالً مناسبًا لبعض الشعراء الذين ذكرهم‪.‬كما أن الكتاب ال‬ ‫يحتوي على تحليل أدبي معمق وإنما يعتمد بشكل كبير على سرد األسماء دون‬ ‫تفصيل وتحليل للشعر نفسه‪.‬‬ ‫‪.7‬نقد الطبقات في األدب‬ ‫مؤثرا في النقد األدبي‪ ،‬إال أنه‬ ‫ً‬ ‫رغم أن منهج الطبقات الذي وضعه ابن سالم كان‬ ‫تعرض لالنتقادات ألنه لم يعتمد على دراسة تحليلية متعمقة للشعر نفسه‪.‬ولذلك فإن‬ ‫بعض النقاد مثل د‪.‬إحسان عباس رأوا أن هذا النظام الطبقي ال يكفي لوصف‬ ‫السمات المشتركة بين الشعراء وال يمكنه تفسير التنوع األدبي بشكل كامل‪.‬‬ ‫‪.8‬النقد األدبي بعد ابن سالم‬ ‫من بعد ابن سالم‪ ،‬قام بعض النقاد مثل ابن المعتز بدراسة الطبقات بشكل مختلف‪،‬‬ ‫صا للشعراء المحدثين‪.‬وقد اختلف منهج ابن‬ ‫حيث كتب "طبقات الشعراء" مخص ً‬ ‫المعتز تما ًما عن منهج ابن سالم‪ ،‬إذ اهتم بالشعراء المحدثين الذين أهملهم ابن سالم‪.‬‬ ‫كما أن بعض النقاد المحدثين في القرون التالية تجنبوا تناول نظرية الطبقات بسبب‬ ‫الصعوبة التي تتسم بها هذه الفكرة‪.‬‬ ‫خالصة‬ ‫رغم أن ابن سالم كان أول من أرسى فكرة "طبقات الشعراء" وجعلها محط أنظار‬ ‫النقاد‪ ،‬فإن منهجه في تقسيم الشعراء لم يكن خاليًا من المآخذ‪.‬فقد أغفل بعض‬ ‫ً‬ ‫تحليال عميقًا ألساليبهم الشعرية‪.‬‬ ‫الشعراء المهمين وركز على األسماء دون أن يقدم‬ ‫ورغم هذه االنتقادات‪ ،‬تظل "طبقات الشعراء" البن سالم حجر الزاوية في دراسة‬ ‫الشعر العربي القديم‪.‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser