دراسة عن تاريخ الفكر التربوي PDF

Summary

يُقدم هذا النص دراسةً شاملةً عن تاريخ الفكر التربوي‪ ،‬حيث يُسلط الضوء على التطورات التي طرأت على المفاهيم والأساليب التربوية عبر الزمن‪ .‬كما يسلط الضوء على أهم المفكرين والعلماء الذين ساهموا في تطوير الفكر التربوي؛ بدءًا من الحضارات القديمة وحتى العصر الحديث، مع التركيز على تطور المناهج التعليمية وأساليب التدريس.

Full Transcript

‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫المحور األول ‪ :‬المدخل المفاهيمي لعلوم التربية‬ ‫مقدمة‬ ‫دورا محوريًا في تطوير المناهج واألساليب التعليمية‪ ،‬مما يسهم في تعزيز جودة العملية‬...

‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫المحور األول ‪ :‬المدخل المفاهيمي لعلوم التربية‬ ‫مقدمة‬ ‫دورا محوريًا في تطوير المناهج واألساليب التعليمية‪ ،‬مما يسهم في تعزيز جودة العملية‬ ‫تلعب علوم التربية ً‬ ‫التعليمية وتهيئة المتعلمين ليكونوا أفرادًا فاعلين في مجتمعاتهم‪.‬تتعدد المفاهيم التي تقع تحت مظلة علوم‬ ‫التربية‪ ،‬ويبرز من بينها مفهوم التربية‪ ،‬والبيداغوجيا‪ ،‬والديداكتيك‪ ،‬وعلوم التربية بشكل شامل‪.‬تسعى هذه‬ ‫المفاهيم إلى تحقيق تكامل بين النظرية والممارسة‪ ،‬من خالل إرساء أسس تُعنى بتنمية المتعلم وتحسين‬ ‫العملية التعليمية‪.‬سنقوم في هذا الملخص بتناول كل من هذه المفاهيم‪ ،‬واستعراض أسسها وعالقتها ببعضها‬ ‫البعض‪ ،‬مع التركيز على كيفية تطبيقها في الواقع التعليمي‪.‬‬ ‫مفهوم التربية‬ ‫‪.I‬‬ ‫‪.1‬تعريف التربية ‪:‬التربية هي عملية إنسانية مستمرة تهدف إلى تنمية وتطوير الفرد من جميع الجوانب‪،‬‬ ‫جسديًا وعقليًا ونفسيًا واجتماعيًا‪ ،‬بهدف تحقيق اندماجه الكامل في المجتمع‪.‬تركز التربية على إكساب‬ ‫الفرد المعرفة والقيم والعادات االجتماعية التي تمكنه من التكيف مع مجتمعه‪.‬‬ ‫‪.2‬أهداف التربية ‪ :‬تشمل أهداف التربية تعليم الفرد المهارات األساسية‪ ،‬تعزيز القيم األخالقية‪ ،‬تنمية‬ ‫الشعور بالمسؤولية‪ ،‬والتأكيد على المساهمة اإليجابية في المجتمع‪.‬وتعد التربية وسيلة لنقل الثقافة‬ ‫والتراث بين األجيال وتحقيق التنمية المستدامة‪.‬‬ ‫‪.3‬أبعاد التربية‪:‬‬ ‫الشخصية ‪:‬تتناول تنمية شخصية الفرد وتهذيب سلوكياته‪.‬‬ ‫‪o‬‬ ‫االجتماعية ‪:‬تشمل تعليم القيم االجتماعية وتعزيز التفاعل اإليجابي‪.‬‬ ‫‪o‬‬ ‫االقتصادية ‪:‬تهدف إلى تأهيل الفرد لدخول سوق العمل والمساهمة في اإلنتاج‪.‬‬ ‫‪o‬‬ ‫‪.4‬أمثلة على التربية ‪:‬يتمثل ذلك في التنشئة التي يلقاها الطفل من أسرته ومدرسته ومجتمعه‪ ،‬مثل تعلم‬ ‫احترام اآلخرين‪ ،‬المسؤولية‪ ،‬العمل الجماعي‪.‬‬ ‫‪.5‬أبرز العلماء‪ :‬التربية‬ ‫جون جاك روسو )‪.1778 - 1712 (Jean-Jacques Rousseau‬يُعد من أبرز الفالسفة الذين‬ ‫‪o‬‬ ‫ساهموا في تطور التربية الطبيعية‪.‬اعتبر روسو أن الطفل يولد بفطرة نقية وأن التربية يجب أن تتيح‬ ‫له حرية االكتشاف دون قيود صارمة‪.‬في كتابه "إميل أو التربية ‪" (Émile, ou De‬‬ ‫مشيرا إلى‬ ‫ً‬ ‫)‪ ،l'éducation‬شرح رؤيته لتربية الطفل من خالل مراحل نمو تتناسب مع طبيعته‪،‬‬ ‫أهمية التجربة والتعلم الذاتي في تشكيل شخصية الطفل‪.‬‬ ‫جون ديوي )‪ ،1952 - 1859 (John Dewey‬فقد كان من رواد التربية التقدمية ‪(Progressive‬‬ ‫‪o‬‬ ‫‪Education).‬اعتقد أن التعليم يجب أن يكون عملية تربط بين المدرسة والحياة الواقعية‪ ،‬مشجعًا‬ ‫الطالب على التفاعل مع محيطهم‪.‬دعا ديوي إلى التعليم النشط والمشاركة الف ّعالة‪ ،‬مع التركيز على‬ ‫‪.‬‬ ‫حل المشكالت والعمل الجماعي كوسائل لتطوير مهارات الطالب‬ ‫‪1‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫مفهوم البيداغوجيا‬ ‫‪.II‬‬ ‫‪.1‬تعريف البيداغوجيا‬ ‫البيداغوجيا لغة‪ ،‬مصطلح يوناني األصل يتألف من كلمتي ‪ péda‬بمعنى "الطفل" و ‪ agogé‬التي‬ ‫تعني "القيادة" أو "التوجيه"‪.‬في العهد اليوناني‪ ،‬كان ‪pédagogue‬هو الشخص الذي يرافق‬ ‫األطفال ويوجههم إلى المدرسة‪ ،‬فكان يُعتبر راعي تعليمهم‪.‬واليوم‪ ،‬تستخدم كلمة "بيداغوجيا" في‬ ‫التربية للداللة على توجيه وتدريب المتعلم‪.‬‬ ‫البيداغوجيا إصطالحا‪ ،‬هي علم التدريس الذي يركز على تطوير أساليب تعليمية فعّالة‪ ،‬تتيح للمعلم‬ ‫تكييف طرقه التعليمية لتلبية احتياجات الطالب‪.‬تهدف البيداغوجيا إلى تعزيز التواصل بين المعلم‬ ‫والمتعلم‪ ،‬مما يسهم في إيصال المعرفة بشكل صحيح وتحقيق التعلم المطلوب للمادة الدراسية‪.‬‬ ‫‪.2‬أنواع البيداغوجيا‪:‬‬ ‫‪ 1.2‬بيداغوجيا األهداف‪ :‬هي منهج تعليمي يركز على وضع أهداف محددة وواضحة يجب تحقيقها في‬ ‫نهاية الدرس‪ ،‬مما يوجه العملية التعليمية نحو نتائج قابلة للقياس‪.‬تساعد هذه البيداغوجيا على‬ ‫تنظيم المحتوى إلى مهام صغيرة متتابعة‪ ،‬مما يسهل تقييم تقدم المتعلم ويعزز شعوره باإلنجاز‬ ‫والتحفيز المستمر‪.‬‬ ‫‪.2.2‬بيداغوجيا الخطأ‪ :‬تعتبر بيداغوجيا الخطأ الخطأ جز ًءا أساسيًا في عملية التعلم‪ ،‬حيث يُنظر إليه‬ ‫صا لتصحيح المفاهيم وبناء‬‫كأداة لتعزيز المعرفة وتحفيز المتعلم‪.‬يرى المعلم في األخطاء فر ً‬ ‫معرفة مالئمة للمتعلم‪.‬من خصائصها اعتبار الخطأ وسيلة للتغيير والتحفيز‪ ،‬وتجاوزه خطوة‬ ‫نحو النجاح‪ ،‬كما يسهم في بناء تصورات ومفاهيم جديدة للمتعلم‪.‬‬ ‫‪.3.2‬بيداغوجيا التعاقد‪ :‬تعتمد بيداغوجيا التعاقد على إطار تعاوني بين المعلم والمتعلم‪ ،‬حيث يتم‬ ‫تحديد األهداف بوضوح وبشكل تفاعلي‪.‬يشارك المتعلم في إعداد المحتوى التعليمي‪ ،‬مما‬ ‫يعزز من دافعيته للتعلم‪.‬تتسم هذه البيداغوجيا بحرية االقتراح وقبول األفكار أو رفضها‪،‬‬ ‫وتعتمد على التفاوض‪ ،‬وتمر بمراحل تشمل التشخيص والتقويم لتحقيق أهداف التعلم بفعالية‪.‬‬ ‫‪.4.2‬بيداغوجيا اللعب‪ :‬تهدف بيداغوجيا اللعب إلى تطوير مهارات المتعلم وتنمية شخصيته من خالل‬ ‫األنشطة الترفيهية الهادفة‪.‬تركز على غرس قيم التنافس اإليجابي‪ ،‬واالحترام‪ ،‬والتسامح‪.‬‬ ‫يعتبر اللعب وسيلة للتعلم وليس هدفًا بحد ذاته‪ ،‬حيث يساعد على تنمية المهارات النفسية‬ ‫والحركية لدى الطفل‪ ،‬ويشجعهم على استثمار وقتهم وجهدهم بفعالية‪.‬‬ ‫‪.5.2‬بيداغوجيا المشروع‪ :‬تركز بيداغوجيا المشروع على إنجاز مشاريع تعليمية مرتبطة بالمناهج‬ ‫الدراسية لتطبيق المعرفة النظرية بشكل عملي‪.‬تشجع هذه الطريقة الطالب على حل المشكالت‬ ‫وتطوير التفكير النقدي‪ ،‬مما يسمح لهم بربط التعلم النظري بالواقع العملي‪ ،‬ويعزز قدرتهم‬ ‫على التحليل واستنتاج الحلول‪.‬‬ ‫‪.6.2‬بيداغوجيا حل المشكالت ‪ :‬تعتمد هذه البيداغوجيا على وضع المتعلم في مواقف تتطلب منه‬ ‫التفكير النقدي والبحث عن حلول‪ ،‬ما يساعده على اكتساب مهارات تحليلية‪.‬وتستخدم عادة ً‬ ‫‪2‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫في معالجة مشكالت واقعية‪ ،‬مثل إيجاد حلول لقضايا بيئية في مادة الجغرافيا‪ ،‬مما ينمي‬ ‫قدرة المتعلم على التفكير المنهجي والتحليلي‪.‬‬ ‫‪.7.2‬بيداغوجيا الفارقية‪ :‬تهدف بيداغوجيا الفارقية إلى التعامل مع التباينات الفردية بين المتعلمين‪،‬‬ ‫بحيث تُعدل األنشطة التعليمية لتتناسب مع اختالف مستوياتهم واحتياجاتهم‪.‬تتيح هذه‬ ‫البيداغوجيا تقديم محتوى تعليمي متنوع ومرن‪ ،‬ما يدعم فرص التعلم لكل طالب وفق قدراته‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫‪.8.2‬بيداغوجيا اإلدماج‪ :‬تركز بيداغوجيا اإلدماج على دمج المتعلم في بيئة تعليمية متكاملة تضم‬ ‫أنشطة متنوعة‪ ،‬مما يساهم في تطوير مهاراته وقدرته على التكيف مع مختلف السياقات‬ ‫التعليمية‪.‬تساعد هذه الطريقة على إتاحة الفرص للمتعلمين لالندماج والمشاركة الفعالة‪،‬‬ ‫وتعزز قدراتهم في التعامل مع مختلف المواقف التعليمية‪.‬‬ ‫أبرز العلماء‪:‬‬ ‫مبتكرا‬ ‫ً‬ ‫ماريا مونتيسوري )‪ ،(Maria Montessori‬التربوية اإليطالية‪ ،‬طورت نه ًجا تعليميًا‬ ‫‪o‬‬ ‫يُعرف بـ "‪ "Montessori Method‬في عام ‪ ،1907‬عندما افتتحت أول بيت األطفال في روما‪.‬‬ ‫يعتمد هذا النهج على احترام استقاللية الطفل وتشجيع التعلم الذاتي ‪(Self-Directed‬‬ ‫)‪ Learning‬من خالل التفاعل مع البيئة المحيطة‪.‬ركزت مونتيسوري على ضرورة توفير بيئة‬ ‫تعليمية ُمنظمة و ُمجهزة بعناية تمنح األطفال حرية العمل ضمن حدود واضحة لتطوير مهاراتهم‪.‬‬ ‫يُطبق هذا النهج حاليًا في العديد من رياض األطفال والمدارس االبتدائية حول العالم‪ ،‬حيث يهدف‬ ‫إلى تحقيق تنمية شاملة لقدرات األطفال‪.‬‬ ‫جون بياجيه )‪ ،(Jean Piaget‬العالم السويسري‪ ،‬قدم خالل ثالثينيات القرن العشرين نظرية‬ ‫‪o‬‬ ‫ً‬ ‫تحوال في علم النفس التربوي‪.‬وضع‬ ‫"‪ ،"Cognitive Development Theory‬التي أحدثت‬ ‫بياجيه أربع مراحل رئيسية للنمو العقلي ‪:‬الحسية الحركية)‪ ، (Sensorimotor‬ما قبل العمليات‬ ‫)‪ ،(Preoperational‬العمليات الملموسة)‪ ، (Concrete Operational‬والعمليات الشكلية‬ ‫‪(Formal Operational).‬من خالل أبحاثه‪ ،‬أوضح كيف يكتسب األطفال معرفتهم تدريجيًا‬ ‫عبر التفاعل مع البيئة‪.‬أثرت أفكاره بشكل كبير على تصميم المناهج الدراسية لتتناسب مع مراحل‬ ‫النمو العقلي‪ ،‬مما ساهم في تطوير التعليم على المستوى العالمي‬ ‫‪3‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫مفهوم الديداكتيك‬ ‫‪.III‬‬ ‫‪.1‬تعريف الديداكتيك ‪:‬الديداكتيك هو علم يدرس أساليب وطرائق تدريس المواد الدراسية‪ ،‬ويهتم بتقديم‬ ‫المحتوى التعليمي بفعالية وفقًا لطبيعة كل مادة‪.‬يُعنى هذا المجال بتصميم الدروس وتنظيم التعليم‬ ‫وتقييم نتائجه بشكل منهجي‪.‬‬ ‫إطارا لفهم التفاعل في العملية التعليمية‪ ،‬وهو يتألف من‬ ‫ً‬ ‫‪.2‬المثلث الديداكتيكي ‪:‬يمثل المثلث الديداكتيكي‬ ‫ثالثة مكونات‪:‬‬ ‫المحتوى‬ ‫‪ o‬المعلم ‪:‬هو المسؤول عن نقل المعرفة واستخدام‬ ‫استراتيجيات تعليمية تُس ِّ ّهل فهم المحتوى الدراسي‪.‬‬ ‫المتعلم ‪:‬يتلقى المعرفة ويشارك في األنشطة‬ ‫‪o‬‬ ‫التعليمية‪ ،‬ويتفاعل مع المحتوى والمعلم‪.‬‬ ‫األستاذ‬ ‫تكوين‬ ‫المتعلم‬ ‫المحتوى ‪:‬هو الموضوع أو المادة التي يتم‬ ‫‪o‬‬ ‫تدريسها‪ ،‬وتشمل المعلومات والمهارات التي يجب تعلمها‪.‬‬ ‫يعكس المثلث الديداكتيكي العالقة المتبادلة بين المعلم‪ ،‬المتعلم‪ ،‬والمحتوى؛ حيث يؤثر كل عنصر في‬ ‫اآلخر‪.‬يهدف المعلم إلى تكييف المحتوى بحيث يتناسب مع احتياجات وقدرات المتعلم‪ ،‬ويعتمد النجاح‬ ‫في هذا التفاعل على مهارات المعلم وفاعلية طرق التدريس المتبعة‪.‬‬ ‫‪.3‬أقسام الديداكتيك‪:‬‬ ‫‪ o‬الديداكتيك العام ‪:‬يشمل مبادئ وطرق التدريس العامة التي يمكن تطبيقها على جميع المواد‪.‬‬ ‫الديداكتيك الخاص ‪:‬يتعلق بطرق وأساليب تدريس مادة معينة‪ ،‬مثل ديداكتيك الرياضيات الذي‬ ‫‪o‬‬ ‫يركز على أساليب نقل المفاهيم الرياضية‪.‬‬ ‫‪.1.3‬أهداف الديداكتيك ‪:‬تحسين جودة التدريس‪ ،‬وتسهيل عملية تعلم المفاهيم األساسية لكل مادة‪ ،‬وضمان‬ ‫تحقيق األهداف التعليمية المقررة‪.‬‬ ‫‪.2.3‬استراتيجيات الديداكتيك‪:‬‬ ‫‪ o‬التخطيط ‪:‬يشمل تحديد األهداف واختيار المواد التعليمية وتصميم األنشطة‪.‬‬ ‫التنفيذ ‪:‬تطبيق الخطة التعليمية ومراقبة تفاعل الطالب‪.‬‬ ‫‪o‬‬ ‫التقويم ‪:‬تقييم مدى فهم الطالب للمحتوى وتحديد نقاط القوة والضعف‪.‬‬ ‫‪o‬‬ ‫‪.2.3‬أمثلة على الديداكتيك ‪:‬‬ ‫في تدريس الرياضيات‪ ،‬يمكن للمعلم استخدام الديداكتيك لتحليل صعوبات فهم العمليات الحسابية‬ ‫واختيار استراتيجيات تعليمية مثل التمثيل البصري (كالرسوم البيانية) لتبسيط المفاهيم‪.‬‬ ‫‪.2.3‬أبرز العلماء‪:‬‬ ‫‪ o‬جيروم برونر ‪:‬ركز على كيفية تقديم المعلومات بطريقة تساعد الطالب على اكتشاف المعرفة‬ ‫بأنفسهم‪.‬‬ ‫لوسيان بروسيه ‪:‬يُعد من أبرز الباحثين في ديداكتيك الرياضيات‪ ،‬حيث عمل على تطوير طرق‬ ‫‪o‬‬ ‫‪.‬‬ ‫تدريسها بما يناسب مراحل التعلم المختلفة‬ ‫‪4‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫مفهوم علوم التربية‬ ‫‪.IV‬‬ ‫‪.1‬تعريف علوم التربية ‪ :‬علوم التربية هي مجموعة من العلوم التي تتناول قضايا التربية والتعليم بعمق‪،‬‬ ‫وتشمل تخصصات مثل علم النفس التربوي‪ ،‬علم االجتماع التربوي‪ ،‬الفلسفة التربوية‪ ،‬الديداكتيك‪،‬‬ ‫وغيرها‪.‬تهدف هذه العلوم إلى فهم وتطوير العملية التعليمية‪.‬‬ ‫‪.2‬أهداف علوم التربية ‪:‬تسعى لتحسين المناهج التعليمية‪ ،‬إعداد الكوادر التربوية‪ ،‬وتحديد األساليب‬ ‫ضا إلى ربط التعليم باحتياجات المجتمع‪.‬‬ ‫التعليمية التي تواكب التغيرات االجتماعية والعلمية‪.‬تهدف أي ً‬ ‫‪.3‬أقسام علوم التربية‪:‬‬ ‫✓ علم النفس التربوي ‪:‬يختص بدراسة سلوك الطالب وعوامل التعلم المؤثرة عليهم‪.‬يتناول موضوعات‬ ‫مثل الدافعية‪ ،‬اإلدراك‪ ،‬الذاكرة‪ ،‬والنمو العقلي‪ ،‬حيث يساعد في تطوير استراتيجيات تعليمية تالئم‬ ‫احتياجات الطالب المختلفة‪.‬مثالً‪ ،‬يُستخدم هذا العلم لفهم كيف يؤثر األسلوب التعليمي على قدرة‬ ‫الطالب على االحتفاظ بالمعلومات وكيفية تحفيزهم‪.‬‬ ‫✓ علم االجتماع التربوي ‪:‬يدرس العالقة بين المدرسة والمجتمع‪ ،‬وكيفية تأثير العوامل االجتماعية‬ ‫واالقتصادية والثقافية على التعليم‪.‬يُعنى بكيفية تأثير التربية على تشكيل الهويات االجتماعية وكيف‬ ‫يمكن للمؤسسات التعليمية تعزيز العدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫✓ الفلسفة التربوية ‪:‬تركز على المبادئ األخالقية والفكرية التي تدعم العملية التعليمية‪.‬تشمل مناقشة‬ ‫كيف يمكن للتعليم أن يساهم في بناء مواطنين مسؤولين قادرين على التفكير النقدي واتخاذ قرارات‬ ‫سا لوضع السياسات التربوية التي تتماشى مع قيم المجتمع‪.‬‬ ‫مدروسة في المجتمع‪.‬يُعد هذا المجال أسا ً‬ ‫‪.1.3‬أمثلة على علوم التربية ‪ :‬تُستخدم نتائج األبحاث في علم النفس التربوي لتطوير استراتيجيات تحفّز‬ ‫الطالب‪ ،‬مثل تحسين تقنيات التعلم التي تتناسب مع تطورهم النفسي والمعرفي‪.‬من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫تساهم الفلسفة التربوية في وضع سياسات تعليمية ترتكز على القيم األخالقية واالجتماعية‪ ،‬مما يعزز‬ ‫تطوير مناهج تتماشى مع احتياجات المجتمع‪.‬‬ ‫‪.2.3‬أبرز العلماء‪:‬‬ ‫✓ إيمانويل كانط‪ ،‬الفيلسوف األلماني‪ ،‬ركز على أهمية التربية في تطوير القدرات األخالقية‪ ،‬حيث أكد‬ ‫أن التعليم يجب أن يسهم في تعزيز التفكير األخالقي وتمكين األفراد من اتخاذ قرارات عادلة‪.‬‬ ‫✓ باولو فريري‪ ،‬الفيلسوف البرازيلي‪ ،‬دعا إلى "التربية من أجل الحرية"‪ ،‬حيث اعتبر أن التعليم ينبغي‬ ‫أن يكون أداة لتحرر األفراد من القيود االجتماعية والسياسية التي تفرضها المجتمعات‪.‬‬ ‫✓ إميل دوركايم ‪ ،‬الفيلسوف الفرنسي‪ ،‬فاهتم بدور التربية في ترسيخ القيم االجتماعية وتعزيز الشعور‬ ‫معتبرا أن التربية تساهم في تكامل األفراد مع المجتمع من خالل تعزيز الهوية‬ ‫ً‬ ‫باالنتماء إلى المجتمع‪،‬‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫خاتمة ‪:‬‬ ‫تتداخل مفاهيم التربية‪ ،‬والبيداغوجيا‪ ،‬والديداكتيك‪ ،‬وعلوم التربية في إطار واحد يشكل األساس‬ ‫لتحقيق جودة التعليم‪.‬إذ تعمل هذه المفاهيم بشكل تكاملي لتعزيز فاعلية التعليم وتحقيق التنمية‬ ‫الشاملة للمتعلمين‪ ،‬مما يسهم في بناء مجتمع يتسم بالكفاءة واالبتكار‪.‬يتطلب األمر من المعلمين‬ ‫والمربين اإللمام بجميع هذه المفاهيم وتطبيقها بشكل عملي لخلق بيئة تعليمية تفاعلية ومثمرة‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫المحور ‪ :2‬محطات من تاريخ الفكر التربوي‬ ‫مقدمة عامة‪:‬‬ ‫تعتبر التربية حجر الزاوية في تشكيل المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬ليس فقط في نقل المعرفة ولكن في بناء القيم‬ ‫والمعتقدات التي توجه الفرد والمجتمع نحو المستقبل‪.‬من خالل دراسة تاريخ الفكر التربوي عبر العصور‪،‬‬ ‫نتمكن من تتبع تطور المناهج وأساليب التعليم وتكيفها مع التغيرات االجتماعية والسياسية والثقافية التي‬ ‫مرت بها الشعوب‪.‬إن الفكر التربوي لم يكن وليد عصر واحد‪ ،‬بل هو نتاج تفاعل مستمر بين الحضارات‬ ‫المختلفة واألديان والمدارس الفكرية‪.‬ومن خالل هذا العرض‪ ،‬سنستعرض أبرز محطات تطور الفكر‬ ‫التربوي في مختلف الحضارات‪ ،‬ابتدا ًء من العصور القديمة وصوالً إلى العصر المعاصر‪ ،‬مع تسليط‬ ‫الضوء على ظهور علوم التربية كحقل أكاديمي مستقل‬ ‫‪6‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫‪ -I‬التربية في الحضارات القديمة‬ ‫تعد التربية من أبرز األسس التي قامت عليها الحضارات القديمة‪ ،‬حيث كانت كل حضارة تبني أنما ً‬ ‫طا‬ ‫تربوية تتناسب مع احتياجاتها االجتماعية والثقافية‪.‬فالتربية لم تكن مجرد وسيلة لنقل المعرفة‪ ،‬بل كانت‬ ‫أداة لتشكيل المجتمع وإعداد األفراد للمشاركة الفعالة في بناء ثقافته وحضارته‪.‬من خالل استعراض‬ ‫األنماط التربوية في بعض الحضارات القديمة‪ ،‬يمكننا أن نرى كيف كانت التربية تمثل جز ًءا من الهوية‬ ‫الثقافية واالجتماعية لكل مجتمع‪ ،‬كما كانت تؤثر في تطور أنظمة التعليم في العصور الالحقة‪.‬‬ ‫‪.1‬التربية في الحضارة المصرية القديمة (‪ 332-3000‬قبل الميالد)‪:‬‬ ‫في الحضارة المصرية القديمة‪ ،‬كانت التربية تركز بشكل أساسي على تعليم الدين والطقوس الدينية‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى المعرفة العملية مثل الحساب والهندسة‪.‬كانت المعابد تع ّد المراكز الرئيسة للتعليم‪ ،‬حيث‬ ‫سا في القراءة والكتابة والحساب‪ ،‬مع تعليمهم الفلك والفلسفة‪.‬كما كان النظام التعليمي‬ ‫يتلقى األطفال درو ً‬ ‫مقتصرا على الطبقات العليا‪ ،‬بينما كان‬ ‫ً‬ ‫يعتمد على التوجيه الشخصي من قبل المعلمين‪.‬وكان التعليم‬ ‫األطفال من الطبقات العاملة يتعلمون المهارات الحرفية من آبائهم ‪.‬بينما كانت مصر القديمة تركز على‬ ‫تحوال في التربية نحو تنمية المواطن الصالح والمشارك في‬ ‫ا‬ ‫الدين والحساب‪ ،‬شهدت الحضارة اليونانية‬ ‫الحياة العامة‪.‬‬ ‫‪.2‬التربية في الحضارة اإلغريقية (اليونانية القديمة)‪:‬‬ ‫في اليونان القديمة‪ ،‬كانت التربية تهدف إلى بناء شخصية المواطن الصالح الذي يساهم في الحياة العامة‪.‬‬ ‫في البداية‪ ،‬كان التعليم يقتصر على الفتيان األثرياء ويشمل تطوير المهارات الرياضية‪ ،‬األدبية‪ ،‬الفلسفية‬ ‫والسياسية‪.‬في أثينا‪ ،‬كان التعليم يتم تحت إشراف الدولة‪ ،‬حيث كان يشمل تدريس الشعر‪ ،‬الرياضيات‪،‬‬ ‫الفلسفة والموسيقى‪ ،‬بهدف تنمية الشخصية المتكاملة‪.‬أما في إسبرطة‪ ،‬فكان التعليم يركز على بناء‬ ‫المحاربين من خالل تدريبات القوة البدنية واالنضباط العسكري ‪.‬لقد كان الفكر التربوي اليوناني‪،‬‬ ‫وخاصة فلسفة سقراط وأفالطون‪ ،‬خطوة كبيرة نحو تطوير مفهوم التعليم كأداة لتنمية الفكر النقدي‬ ‫والمواطنة‪.‬‬ ‫خاتمة‪:‬‬ ‫تعتبر التربية جز ًءا أساسيًا من تطور الحضارات القديمة‪ ،‬حيث كانت وسيلة لنقل المعرفة وبناء القيم‬ ‫االجتماعية والثقافية‪.‬من خالل دراسة أنماط التعليم في الحضارات المصرية واليونانية والصينية‬ ‫والهندية‪ ،‬نالحظ أن التربية كانت في جوهرها أداة لتشكيل الفرد والمجتمع في كل حضارة‪.‬ورغم‬ ‫اختالف أساليب التعليم بين هذه الحضارات‪ ،‬فإنها تظل مؤثرة في تطور الفكر التربوي في العصور‬ ‫التالية‪ ،‬حيث ساهمت في تأسيس أسس التربية الحديثة‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫‪II-‬التربية في العصور الوسطى‬ ‫تعد العصور الوسطى فترة هامة في تطور الفكر التربوي‪ ،‬حيث شهدت هذه الفترة تحوالً كبيرا ً في نظم‬ ‫التعليم وأهدافه‪.‬تنوعت أساليب التربية في العصور الوسطى حسب المنطقة الجغرافية‪ ،‬وكان للتعاليم‬ ‫الدينية دور كبير في تشكيل التعليم‪.‬في أوروبا‪ ،‬لعبت الكنيسة الكاثوليكية دورا ً مهما ً في توجيه التعليم‪،‬‬ ‫بينما في العالم اإلسالمي‪ ،‬شهدت العصور الوسطى نهضة علمية وعملية في شتى مجاالت المعرفة‪.‬فما‬ ‫هيأهم جوانب التربية في العصور الوسطى؟ومن هم أبرز العلماء الذين ساهموا في تطور الفكر التربوي‬ ‫في هذه الحقبة‪.‬‬ ‫‪.1‬التربية في أوروبا في العصور الوسطى‬ ‫في العصور الوسطى األوروبية (حوالي ‪476‬م – ‪1500‬م)‪ ،‬كانت الكنيسة الكاثوليكية هي المؤسسة‬ ‫الرئيسية التي تشرف على التعليم‪.‬بدأت الكنائس في تأسيس المدارس في المدن الكبرى والقرى‪ ،‬وكان‬ ‫التعليم في البداية مقتصرا ً على التعليم الديني‪.‬كان الهدف الرئيسي من التعليم هو نشر اإليمان المسيحي‬ ‫وتعليم القراء والالهوتيين‪ ،‬فضالً عن تعليم الشباب القراءة والكتابة باللغة الالتينية‪.‬كان التالميذ يتلقون‬ ‫تعليمهم في األديرة والمدارس التابعة للكنائس‪ ،‬وكانت الكتب نادرة وغالية الثمن‪.‬‬ ‫فيما يتعلق بالفكر التربوي‪ ،‬فإن الفيلسوف والعالم المسيحي أوغسطينوس (‪354‬م – ‪430‬م) كان له تأثير‬ ‫كبير في التربية المسيحية‪ ،‬حيث ركز على أهمية التربية األخالقية والدينية للطفل‪.‬كما أن الفيلسوف‬ ‫توما األكويني (‪1225‬م – ‪1274‬م) قدم إسهامات مهمة في الفكر التربوي من خالل تفسيره للعالقة بين‬ ‫العقل واإليمان‪ ،‬وكان يؤمن بأن العقل البشري يمكن أن يكتسب المعرفة‪ ،‬لكن يجب توجيهها وفقا ً للقيم‬ ‫الدينية‪.‬في هذه الفترة‪ ،‬كانت المدارس غالبا ً ما تركز على تعاليم الدين المسيحي‪ ،‬وال يتم تعليم األطفال‬ ‫سوى القليل من المعرفة العادية مثل الحساب والقراءة‪.‬كان التعليم في العصور الوسطى بشكل عام‬ ‫محدوداً‪ ،‬وكان يقتصر على الطبقات العليا وموظفي الكنيسة‪.‬‬ ‫الفلسفات التربوية المسيحية‪ ،‬مثل األوغسطينيةوالتوماوية‪ ،‬كانت تؤكد على الدور المركزي للدين في‬ ‫التعليم‪ ،‬حيث رأى أوغسطينوس أن الهدف من التعليم هو توجيه العقل نحو هللا وتنمية الفضائل‬ ‫األخالقية‪ ،‬في حين كانت التوماوية تؤمن بأن العقل والروح يعمالن معا ً لتحقيق المعرفة الحقيقية‪ ،‬مع‬ ‫التأكيد على أهمية العقل في فهم اإليمان‪.‬‬ ‫‪.2‬التربية في العالم اإلسالمي في العصور الوسطى‬ ‫على عكس أوروبا في العصور الوسطى‪ ،‬شهد العالم اإلسالمي نهضة علمية وثقافية عميقة خالل هذه‬ ‫الفترة (حوالي ‪750‬م – ‪1500‬م)‪.‬كانت التربية في العالم اإلسالمي تعتمد بشكل كبير على المؤسسات‬ ‫التعليمية مثل الكتاتيب والمدارس النظامية (التي أسسها ‪izam al-Mulk‬في القرن الحادي عشر)‬ ‫والجامعات اإلسالمية مثل جامعة القرويين في فاس وجامعة األزهر في القاهرة ‪.‬كانت المدارس‬ ‫النظامية تمثل مراكز تعليمية متخصصة تهدف إلى تقديم تعليم شامل في مجاالت متنوعة مثل الفقه‪،‬‬ ‫‪8‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫الفلسفة‪ ،‬الطب‪ ،‬الرياضيات‪ ،‬والفلك‪.‬وقد ساهمت هذه المدارس في تزويد التالميذ بالمعرفة التي تؤهلهم‬ ‫للمشاركة الفعالة في المجتمع اإلسالمي‪.‬‬ ‫الكتاتيب كانت المراكز األساسية لتعليم األطفال في بداية حياتهم التعليمية‪ ،‬حيث كانت تركز على تعليم‬ ‫القرآن الكريم واللغة العربية‪ ،‬فضالً عن بعض المهارات األساسية مثل الحساب‪.‬‬ ‫في هذا السياق‪ ،‬يعتبر الفارابي (‪872‬م – ‪950‬م) من أبرز المفكرين الذين طوروا الفكر التربوي‪ ،‬حيث‬ ‫كان يؤمن بأن التعليم يجب أن يهدف إلى توازن بين الروح والعقل‪.‬كان يرى أن الهدف النهائي من‬ ‫كامال روحيا ً وعقليًا‪.‬باإلضافة إلى الفارابي‪ ،‬كان ابن سينا (‪980‬م –‬ ‫ً‬ ‫التعليم هو أن يصبح اإلنسان‬ ‫‪1037‬م) أحد أعظم المفكرين في العصور الوسطى‪ ،‬حيث قدم إسهامات كبيرة في تعليم الطب والفلسفة‪،‬‬ ‫كما اهتم بتطوير علم النفس التربوي‪.‬‬ ‫أما ابن رشد (‪1126‬م – ‪1198‬م)‪ ،‬فقد كان له دور بارز في الربط بين الفلسفة والتربية‪ ،‬حيث اعتقد أن‬ ‫التعليم يجب أن يتضمن نقاشا ً وتفكيرا ً نقدياً‪.‬لقد ربط ابن رشد بين الفلسفة اإلغريقية والتربية اإلسالمية‪،‬‬ ‫مما أثر في تطور الفكر الفلسفي والتربوي في العالم اإلسالمي‪..‬‬ ‫خاتمة‬ ‫تشير دراسة التربية في العصور الوسطى إلى أن التعليم في هذه الفترة كان يعكس تطورا ً ً‬ ‫هائال في الفكر‬ ‫التربوي في مختلف أنحاء العالم‪.‬في أوروبا‪ ،‬كان التعليم تحت إشراف الكنيسة‪ ،‬وركز على التعليم‬ ‫الديني‪ ،‬بينما في العالم اإلسالمي‪ ،‬كان هناك تطور كبير في مختلف مجاالت المعرفة‪ ،‬بما في ذلك الطب‬ ‫والفلسفة والعلوم‪.‬في الصين واليابان‪ ،‬كانت التربية تسعى إلى تعزيز القيم األخالقية والفلسفية‪ ،‬مما‬ ‫يعكس اهتماما ً بتكوين شخصية متوازنة‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫‪III-‬التربية في العصر الحديث‬ ‫ً‬ ‫تحوال جذريًا في الفكر التربوي نتيجة لتطورات كبيرة في الفكر الفلسفي واالجتماعي‬ ‫شهد العصر الحديث‬ ‫والتكنولوجي‪.‬بدأ هذا التحول مع عصر النهضة األوروبية في القرن الخامس عشر‪ ،‬واستمر في القرن‬ ‫التاسع عشر والعشرين مع ظهور الفلسفات التعليمية الحديثة والتطورات العلمية‪.‬‬ ‫تطورا في المجتمعات الغربية والعالمية حيث بدأ االهتمام بتطوير نظم التعليم لتشمل‬ ‫ً‬ ‫شهد الفكر التربوي‬ ‫جوانب متعددة من المعرفة اإلنسانية مثل العلوم الطبيعية واإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬ما أسهم في وضع‬ ‫األسس النظرية للتربية الحديثة‪.‬‬ ‫‪.1‬التربية في القرن التاسع عشر‬ ‫في القرن التاسع عشر‪ ،‬ظهرت الفلسفات التعليمية الحديثة التي أكدت على دور التربية في تقدم المجتمع‪.‬‬ ‫أفكارا جديدة حول التربية في‬ ‫ً‬ ‫كان جان جاك روسو(‪1712‬م ‪1778 -‬م) من أبرز المفكرين الذين طرحوا‬ ‫كتابه "إميل"‪ ،‬حيث أكد على ضرورة تعليم األطفال وفقًا لطبيعتهم مع التركيز على التجربة والمالحظة‬ ‫بدالً من التعليم التقليدي‪.‬أسهمت أفكار روسو في تطوير مفهوم التعليم الذي يحترم احتياجات الطفل‪.‬‬ ‫‪.2‬التربية في القرن العشرين‬ ‫صا‪.‬من بين المفكرين البارزين في هذا‬ ‫في بداية القرن العشرين‪ ،‬بدأ الفكر التربوي يأخذ طابعًا أكثر تخص ً‬ ‫المجال‪ ،‬كان جون ديوي (‪1859‬م ‪1952 -‬م)‪.‬دعا ديوي إلى التعليم التجريبي الذي يعتمد على النشاط‬ ‫والمشاركة الفعالة للتالميذ‪ ،‬حيث يجب أن يكون التعلم متا ًحا من خالل تجارب عملية ويجب أن يركز‬ ‫على التلميذ وليس المعلم فقط‪.‬أصبحت هذه األفكار نقطة تحول في كيفية النظر إلى دور المدرسة‬ ‫والمجتمع في العملية التعليمية‪.‬‬ ‫‪.3‬التربية في النصف الثاني من القرن العشرين‬ ‫يعد جان بياجيه (‪1896‬م ‪1980 -‬م) من أبرز المفكرين في هذا العصر‪ ،‬وقد اقترح نظرية النمو‬ ‫المعرفي‪.‬فحسب بياجيه‪ ،‬يتطور فهم األطفال للعالم من خالل مراحل معرفية متدرجة تتناسب مع نموهم‬ ‫العقلي والوجداني‪ ،‬مما أثر على المناهج وطرق التدريس‪.‬‬ ‫‪.4‬التربية في العصر المعاصر‬ ‫دورا محوريًا‬ ‫في العصر المعاصر‪ ،‬ومع التقدم التكنولوجي الهائل‪ ،‬أصبح للوسائط الرقمية وتقنيات التعليم ً‬ ‫في تطور الفكر التربوي‪.‬أصبح ماركوس فيش (ولد ‪1960‬م) رائدًا في تطوير تقنيات التعليم اإللكتروني‪،‬‬ ‫حيث ساهم في نشر أساليب التعلم عن بُعد‪.‬‬ ‫كما أصبح هوارد جاردنر (ولد ‪1943‬م) من المفكرين الذين طوروا نظرية "الذكاءات المتعددة"‪ ،‬التي‬ ‫عا مختلفًا من الذكاء (مثل اللغوي والرياضي واالجتماعي والعاطفي)‪ ،‬وأن‬ ‫تؤكد أن كل فرد يمتلك نو ً‬ ‫‪10‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫التعليم يجب أن يتكيف مع هذه التنوعات لتقديم طرق تدريس تناسب كل نوع من الذكاءات‪.‬دعمت هذه‬ ‫النظرية فكرة تخصيص التعليم وفقًا الحتياجات وقدرات كل تلميذ‪.‬‬ ‫‪ 5.‬تأثير التكنولوجيا على التعليم‬ ‫أدى التفاعل مع التطورات التكنولوجية إلى ظهور طرق تعليمية جديدة مثل التعلم عبر اإلنترنت والفصول‬ ‫الدراسية االفتراضية‪.‬لقد أصبح التعليم الرقمي جز ًءا أساسيًا من العملية التعليمية المعاصرة‪ ،‬مما سمح‬ ‫بتوسيع أفق المعرفة وتعزيز التفاعل بين المعلمين والتالميذ‪.‬‬ ‫خاتمة‬ ‫كبيرا من المفاهيم التقليدية إلى فلسفات تعليمية أكثر تقد ًما ومرونة‪.‬أصبح‬ ‫تطورا ً‬ ‫ً‬ ‫لقد شهد الفكر التربوي‬ ‫التعليم اليوم يركز على تلبية احتياجات التالميذ الفردية وتنمية قدراتهم المختلفة‪ ،‬مع االعتراف بتنوع‬ ‫الذكاءات والقدرات االجتماعية والثقافية‪ ،‬و ذلك من خالل تأثير مفكرين مثل روسو‪ ،‬ديوي; بياجيه‪....‬‬ ‫‪11‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫‪IV-‬التربية المعاصرة ونشأة علوم التربية‬ ‫شهدت التربية في العصر المعاصر تحوالت جذرية بفعل التغيرات العلمية‪ ،‬الفلسفية واالجتماعية التي‬ ‫شهدها العالم‪ ،‬مما ساهم في إعادة تشكيل أساليب التعليم وأهدافه‪.‬تطور هذا النظام التربوي إلى أن أصبح‬ ‫ً‬ ‫مستقال‪ ،‬مما أدى إلى نشوء علوم التربية كفرع معرفي يدرس القضايا التربوية مثل المناهج‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حقال أكاديميًا‬ ‫والتقويم التربوي‪ ،‬وعلم النفس التربوي‪ ،‬واإلدارة التربوية‪.‬يمكن القول إن نشأة هذه العلوم تعود إلى‬ ‫مستمرا لتواكب متطلبات العصر‪ ،‬مما أسهم في‬ ‫ً‬ ‫تطورا‬ ‫ً‬ ‫النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬وقد شهدت‬ ‫تحسين العملية التعليمية وضمان جودتها‪.‬‬ ‫‪1.‬نشأة علوم التربية وتطورها‬ ‫أ‪.‬الفلسفة التربوية‬ ‫ترتبط نشأة علوم التربية بالقرنين التاسع عشر والعشرين‪ ،‬حيث بدأ االهتمام بالجانب األكاديمي للتعليم‬ ‫بشكل تدريجي‪.‬كان المفكر األمريكي جون ديوي (‪1859‬م ‪1952 -‬م) من أبرز المفكرين الذين أثَّروا في‬ ‫هذا المجال من خالل فلسفته التي أسست لـ "التعليم التجريبي"‪.‬ديوي كان يعتقد أن التعليم يجب أن‬ ‫يرتكز على األنشطة التفاعلية والتجارب العملية التي تعزز التفكير النقدي‪ ،‬ويجب أن تكون المدرسة‬ ‫بمثابة بيئة محاكاة للمجتمع‪.‬أ َّكد على ضرورة أن يتعلم الطالب من خالل األنشطة العملية التي تحاكي‬ ‫الحياة الواقعية‪.‬‬ ‫ب‪.‬أسس العلوم التربوية‬ ‫لقد ساهم ديوي بشكل كبير في تحول التربية إلى مجال أكاديمي يدرس بطريقة منهجية علمية‪.‬أسس مفهوم‬ ‫"التعليم التجريبي" الذي يعد حجر الزاوية في تطور علوم التربية‪.‬كما أنه ربط الفلسفة التعليمية‬ ‫بالتطبيقات العملية في المدارس مما ساعد على ظهور العديد من المجاالت التربوية مثل علم النفس‬ ‫ً‬ ‫مجاال علميًا متعدد األبعاد يركز على تنمية مهارات‬ ‫التربوي وعلم االجتماع التربوي‪ ،‬لتصبح التربية‬ ‫التفكير النقدي واإلبداعي لدى الطالب‪.‬‬ ‫‪2.‬التوسع في التخصصات التربوية‬ ‫‪2-1.‬التخصصات الفرعية لعلوم التربية‬ ‫مجاال يتطلب التخصصات المتعددة لكي يتناسب مع التغيرات المستمرة‬ ‫ً‬ ‫مع مرور الوقت‪ ،‬أصبحت التربية‬ ‫في المجتمع واحتياجات األفراد‪.‬وقد تزامن هذا التوسع مع تطور فروع علوم التربية التي تشمل العديد من‬ ‫التخصصات المهمة مثل المناهج‪ ،‬والتقويم التربوي‪ ،‬وعلم النفس التربوي‪ ،‬واإلدارة التربوية…‪ ،‬وهي‬ ‫بارزا في تشكيل أساليب التعليم الحديثة‪.‬من بين هذه التخصصات‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫دورا‬ ‫من التخصصات التي لعبت ً‬ ‫تأثيرا‪.‬أشار العديد من المفكرين‪ ،‬مثل جان بياجيه (‪1896‬م ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫علم النفس التربوي أحد أكثر المجاالت‬ ‫‪1980‬م)‪ ،‬إلى أهمية التطور المعرفي في تعلم األطفال‪.‬فقد قدم بياجيه نظرية حول مراحل التطور العقلي‬ ‫التي تشرح كيفية تطور اإلدراك والمعرفة عند األطفال‪.‬وكان لهذه النظرية تأثير عميق على طرق‬ ‫التدريس‪ ،‬حيث ركزت المناهج على فهم الفروق الفردية في تطور الذكاء وتعليم األطفال بنا ًء على‬ ‫مراحل نموهم المعرفي‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫‪2-2.‬علم االجتماع التربوي ومجاالته‬ ‫أما في علم االجتماع التربوي‪ ،‬فقد تركز البحث حول دور التعليم في تعزيز القيم االجتماعية وبناء الهوية‬ ‫الجماعية‪.‬كان إميل دوركايم (‪1858‬م ‪1917 -‬م) من أبرز العلماء الذين عملوا على إبراز العالقة بين‬ ‫المجتمع والتعليم‪ ،‬حيث أكد أن التربية هي األداة األساسية التي ينقل من خاللها المجتمع قيمه وعاداته إلى‬ ‫األجيال القادمة‪.‬وقد أثرت أفكار دوركايم على تطوير المناهج التعليمية التي تركز على التنشئة‬ ‫االجتماعية واالندماج المجتمعي‪.‬‬ ‫ضا أن يتوازى هذا التوسع مع تطور مجاالت أخرى مثل التربية المقارنة‪ ،‬التي‬ ‫كما كان من الضروري أي ً‬ ‫التعرف على‬ ‫ّ‬ ‫تركز على دراسة نظم التعليم المختلفة بين الدول والمجتمعات‪.‬ويركز هذا المجال على‬ ‫الممارسات التربوية المثلى وتبادل الخبرات بين األنظمة التعليمية المختلفة حول العالم‪.‬‬ ‫‪3.‬التربية الحديثة والنظريات المعاصرة‬ ‫أ‪.‬نظرية التعلم االجتماعي‬ ‫تتسم التربية المعاصرة بتنوع النظريات التي تأخذ في الحسبان التغيرات االجتماعية والثقافية‪ ،‬مثل نظرية‬ ‫التعلم االجتماعي أللبرت باندورا (‪1925‬م ‪ -‬حتى اآلن)‪.‬باندورا ركز على كيفية تعلم األفراد من خالل‬ ‫مراقبة اآلخرين وتقليد سلوكهم‪ ،‬مما دفع إلى تطوير أساليب تدريس تعتمد على المحاكاة والنماذج‬ ‫االجتماعية في التعليم‪.‬من جهة أخرى‪ ،‬تبرز نظرية التعلم النشط لديفيد كولب (‪1939‬م ‪ -‬حتى اآلن) التي‬ ‫تشدد على التعلم من خالل التجربة الشخصية والتفاعل مع البيئة المحيطة‪.‬تؤكد هذه النظرية على أن‬ ‫التفاعل الفعلي مع البيئة التعليمية يمكن أن يساعد في بناء المعارف بشكل أكثر فاعلية‪ ،‬مما يجعل التعلم‬ ‫تجربة حية وواقعية تشارك فيها الخبرات العملية‪.‬‬ ‫ب‪.‬الذكاءات المتعددة في التعليم‬ ‫كما ظهر مفهوم "الذكاءات المتعددة" لهوارد جاردنر (‪1943‬م ‪ -‬حتى اآلن) الذي أضاف بُعدًا جديدًا في‬ ‫عا متعددة من الذكاءات مثل الذكاء‬ ‫فهم كيفية تعلم األفراد‪.‬يركز هذا المفهوم على أن الناس يمتلكون أنوا ً‬ ‫اللغوي‪ ،‬الرياضي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬مما يتطلب تخصيص أساليب التعليم لتتناسب مع هذه األنماط المتنوعة‪.‬‬ ‫ويتكامل هذا المفهوم مع التقنيات الحديثة في التعليم‪ ،‬التي تتيح لكل طالب تجربة تعلم موجهة بما يتناسب‬ ‫دورا مه ًما في تحسين تصميم المناهج التعليمية التي‬ ‫مع ذكاءه الخاص‪.‬كما أن نظرية جاردنر تلعب ً‬ ‫تراعي التنوع المعرفي للطالب‪.‬‬ ‫ج‪.‬تأثير العولمة على التعليم‬ ‫ضا على التربية بطرق عدة‪ ،‬حيث أصبحت المناهج التعليمية بحاجة إلى تضمين‬ ‫فرضت العولمة نفسها أي ً‬ ‫مفاهيم عالمية تشجع على التفكير النقدي والقدرة على التفاعل مع ثقافات مختلفة‪.‬لقد قدم مانويل كاستلز‬ ‫(‪1942‬م ‪ -‬حتى اآلن) مفهوم "القرية العالمية"‪ ،‬الذي يعبر عن تأثير االتصال الرقمي على الفكر التربوي‬ ‫والمناهج الدراسية‪.‬أصبح من الضروري أن تعكس المناهج التعليمية هذا التنوع الثقافي العالمي‪ ،‬مما‬ ‫يعزز قدرة الطالب على التفاعل مع بيئات متعددة الثقافات‪ ،‬ويعد هذا جز ًءا من رؤية التعليم المعاصر التي‬ ‫تهدف إلى إعداد جيل قادر على التفاعل مع تحديات العصر الرقمي والعالمي‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫خاتمة‬ ‫تعد التربية المعاصرة وعلوم التربية نتيجة للتطور المعرفي الكبير الذي شهدته البشرية في العصر‬ ‫الحديث‪.‬لقد ساعدت العولمة والتكنولوجيا في تغيير مفاهيم وأساليب التدريس‪ ،‬وجعلت من الضروري‬ ‫تطوير المناهج والطرق التعليمية لتلبية احتياجات هذا العصر المتغير‪.‬مع تأثير المفكرين والعلماء مثل‬ ‫ديوي‪ ،‬بياجيه‪ ،‬ودوركايم‪ ،‬أصبح لدينا اليوم مجال أكاديمي مستقل يعنى بتطوير العملية التربوية‪.‬في‬ ‫النهاية‪ ،‬تساهم هذه التغيرات في تحسين التعليم بشكل يتناسب مع تطلعات المجتمع ويسهم في بناء جيل‬ ‫قادر على التفكير النقدي والتفاعل مع تحديات العصر‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫الدكتور ‪ :‬خالد مهدي‬ ‫خاتمة المحور‬ ‫تعتبر التربية من العوامل األساسية في تشكيل المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬حيث تساهم في نقل المعرفة وبناء‬ ‫القيم التي تشكل شخصية األفراد والمجتمعات‪.‬من خالل دراسة تطور الفكر التربوي عبر العصور‪،‬‬ ‫نالحظ أن التربية قد تطورت بشكل مستمر لتواكب التحوالت االجتماعية والثقافية والتكنولوجية‪.‬بدءا ً من‬ ‫الحضارات القديمة التي أسست أسس التعليم‪ ،‬مرورا ً بالعصور الوسطى التي شهدت نهضة علمية‪،‬‬ ‫وصوالً إلى العصر الحديث والمعاصر الذي تميز بتطور علوم التربية كحقل أكاديمي مستقل‪.‬إن الفكر‬ ‫التربوي المعاصر يستند إلى أفكار ومفاهيم عديدة تهدف إلى تكييف التعليم مع احتياجات األفراد‬ ‫والمجتمعات‪ ،‬مما يعكس الدور الهام للتربية في تحفيز التغيير االجتماعي واالقتصادي والثقافي‪.‬‬ ‫‪15‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser