دراسة عن تاريخ الفكر التربوي PDF
Document Details
Uploaded by Deleted User
خالد مهدي
Tags
Summary
يُقدم هذا النص دراسةً شاملةً عن تاريخ الفكر التربوي ،حيث يُسلط الضوء على التطورات التي طرأت على المفاهيم والأساليب التربوية عبر الزمن .كما يسلط الضوء على أهم المفكرين والعلماء الذين ساهموا في تطوير الفكر التربوي؛ بدءًا من الحضارات القديمة وحتى العصر الحديث، مع التركيز على تطور المناهج التعليمية وأساليب التدريس.
Full Transcript
الدكتور :خالد مهدي المحور األول :المدخل المفاهيمي لعلوم التربية مقدمة دورا محوريًا في تطوير المناهج واألساليب التعليمية ،مما يسهم في تعزيز جودة العملية...
الدكتور :خالد مهدي المحور األول :المدخل المفاهيمي لعلوم التربية مقدمة دورا محوريًا في تطوير المناهج واألساليب التعليمية ،مما يسهم في تعزيز جودة العملية تلعب علوم التربية ً التعليمية وتهيئة المتعلمين ليكونوا أفرادًا فاعلين في مجتمعاتهم.تتعدد المفاهيم التي تقع تحت مظلة علوم التربية ،ويبرز من بينها مفهوم التربية ،والبيداغوجيا ،والديداكتيك ،وعلوم التربية بشكل شامل.تسعى هذه المفاهيم إلى تحقيق تكامل بين النظرية والممارسة ،من خالل إرساء أسس تُعنى بتنمية المتعلم وتحسين العملية التعليمية.سنقوم في هذا الملخص بتناول كل من هذه المفاهيم ،واستعراض أسسها وعالقتها ببعضها البعض ،مع التركيز على كيفية تطبيقها في الواقع التعليمي. مفهوم التربية .I .1تعريف التربية :التربية هي عملية إنسانية مستمرة تهدف إلى تنمية وتطوير الفرد من جميع الجوانب، جسديًا وعقليًا ونفسيًا واجتماعيًا ،بهدف تحقيق اندماجه الكامل في المجتمع.تركز التربية على إكساب الفرد المعرفة والقيم والعادات االجتماعية التي تمكنه من التكيف مع مجتمعه. .2أهداف التربية :تشمل أهداف التربية تعليم الفرد المهارات األساسية ،تعزيز القيم األخالقية ،تنمية الشعور بالمسؤولية ،والتأكيد على المساهمة اإليجابية في المجتمع.وتعد التربية وسيلة لنقل الثقافة والتراث بين األجيال وتحقيق التنمية المستدامة. .3أبعاد التربية: الشخصية :تتناول تنمية شخصية الفرد وتهذيب سلوكياته. o االجتماعية :تشمل تعليم القيم االجتماعية وتعزيز التفاعل اإليجابي. o االقتصادية :تهدف إلى تأهيل الفرد لدخول سوق العمل والمساهمة في اإلنتاج. o .4أمثلة على التربية :يتمثل ذلك في التنشئة التي يلقاها الطفل من أسرته ومدرسته ومجتمعه ،مثل تعلم احترام اآلخرين ،المسؤولية ،العمل الجماعي. .5أبرز العلماء :التربية جون جاك روسو ).1778 - 1712 (Jean-Jacques Rousseauيُعد من أبرز الفالسفة الذين o ساهموا في تطور التربية الطبيعية.اعتبر روسو أن الطفل يولد بفطرة نقية وأن التربية يجب أن تتيح له حرية االكتشاف دون قيود صارمة.في كتابه "إميل أو التربية " (Émile, ou De مشيرا إلى ً ) ،l'éducationشرح رؤيته لتربية الطفل من خالل مراحل نمو تتناسب مع طبيعته، أهمية التجربة والتعلم الذاتي في تشكيل شخصية الطفل. جون ديوي ) ،1952 - 1859 (John Deweyفقد كان من رواد التربية التقدمية (Progressive o Education).اعتقد أن التعليم يجب أن يكون عملية تربط بين المدرسة والحياة الواقعية ،مشجعًا الطالب على التفاعل مع محيطهم.دعا ديوي إلى التعليم النشط والمشاركة الف ّعالة ،مع التركيز على . حل المشكالت والعمل الجماعي كوسائل لتطوير مهارات الطالب 1 الدكتور :خالد مهدي مفهوم البيداغوجيا .II .1تعريف البيداغوجيا البيداغوجيا لغة ،مصطلح يوناني األصل يتألف من كلمتي pédaبمعنى "الطفل" و agogéالتي تعني "القيادة" أو "التوجيه".في العهد اليوناني ،كان pédagogueهو الشخص الذي يرافق األطفال ويوجههم إلى المدرسة ،فكان يُعتبر راعي تعليمهم.واليوم ،تستخدم كلمة "بيداغوجيا" في التربية للداللة على توجيه وتدريب المتعلم. البيداغوجيا إصطالحا ،هي علم التدريس الذي يركز على تطوير أساليب تعليمية فعّالة ،تتيح للمعلم تكييف طرقه التعليمية لتلبية احتياجات الطالب.تهدف البيداغوجيا إلى تعزيز التواصل بين المعلم والمتعلم ،مما يسهم في إيصال المعرفة بشكل صحيح وتحقيق التعلم المطلوب للمادة الدراسية. .2أنواع البيداغوجيا: 1.2بيداغوجيا األهداف :هي منهج تعليمي يركز على وضع أهداف محددة وواضحة يجب تحقيقها في نهاية الدرس ،مما يوجه العملية التعليمية نحو نتائج قابلة للقياس.تساعد هذه البيداغوجيا على تنظيم المحتوى إلى مهام صغيرة متتابعة ،مما يسهل تقييم تقدم المتعلم ويعزز شعوره باإلنجاز والتحفيز المستمر. .2.2بيداغوجيا الخطأ :تعتبر بيداغوجيا الخطأ الخطأ جز ًءا أساسيًا في عملية التعلم ،حيث يُنظر إليه صا لتصحيح المفاهيم وبناءكأداة لتعزيز المعرفة وتحفيز المتعلم.يرى المعلم في األخطاء فر ً معرفة مالئمة للمتعلم.من خصائصها اعتبار الخطأ وسيلة للتغيير والتحفيز ،وتجاوزه خطوة نحو النجاح ،كما يسهم في بناء تصورات ومفاهيم جديدة للمتعلم. .3.2بيداغوجيا التعاقد :تعتمد بيداغوجيا التعاقد على إطار تعاوني بين المعلم والمتعلم ،حيث يتم تحديد األهداف بوضوح وبشكل تفاعلي.يشارك المتعلم في إعداد المحتوى التعليمي ،مما يعزز من دافعيته للتعلم.تتسم هذه البيداغوجيا بحرية االقتراح وقبول األفكار أو رفضها، وتعتمد على التفاوض ،وتمر بمراحل تشمل التشخيص والتقويم لتحقيق أهداف التعلم بفعالية. .4.2بيداغوجيا اللعب :تهدف بيداغوجيا اللعب إلى تطوير مهارات المتعلم وتنمية شخصيته من خالل األنشطة الترفيهية الهادفة.تركز على غرس قيم التنافس اإليجابي ،واالحترام ،والتسامح. يعتبر اللعب وسيلة للتعلم وليس هدفًا بحد ذاته ،حيث يساعد على تنمية المهارات النفسية والحركية لدى الطفل ،ويشجعهم على استثمار وقتهم وجهدهم بفعالية. .5.2بيداغوجيا المشروع :تركز بيداغوجيا المشروع على إنجاز مشاريع تعليمية مرتبطة بالمناهج الدراسية لتطبيق المعرفة النظرية بشكل عملي.تشجع هذه الطريقة الطالب على حل المشكالت وتطوير التفكير النقدي ،مما يسمح لهم بربط التعلم النظري بالواقع العملي ،ويعزز قدرتهم على التحليل واستنتاج الحلول. .6.2بيداغوجيا حل المشكالت :تعتمد هذه البيداغوجيا على وضع المتعلم في مواقف تتطلب منه التفكير النقدي والبحث عن حلول ،ما يساعده على اكتساب مهارات تحليلية.وتستخدم عادة ً 2 الدكتور :خالد مهدي في معالجة مشكالت واقعية ،مثل إيجاد حلول لقضايا بيئية في مادة الجغرافيا ،مما ينمي قدرة المتعلم على التفكير المنهجي والتحليلي. .7.2بيداغوجيا الفارقية :تهدف بيداغوجيا الفارقية إلى التعامل مع التباينات الفردية بين المتعلمين، بحيث تُعدل األنشطة التعليمية لتتناسب مع اختالف مستوياتهم واحتياجاتهم.تتيح هذه البيداغوجيا تقديم محتوى تعليمي متنوع ومرن ،ما يدعم فرص التعلم لكل طالب وفق قدراته الخاصة. .8.2بيداغوجيا اإلدماج :تركز بيداغوجيا اإلدماج على دمج المتعلم في بيئة تعليمية متكاملة تضم أنشطة متنوعة ،مما يساهم في تطوير مهاراته وقدرته على التكيف مع مختلف السياقات التعليمية.تساعد هذه الطريقة على إتاحة الفرص للمتعلمين لالندماج والمشاركة الفعالة، وتعزز قدراتهم في التعامل مع مختلف المواقف التعليمية. أبرز العلماء: مبتكرا ً ماريا مونتيسوري ) ،(Maria Montessoriالتربوية اإليطالية ،طورت نه ًجا تعليميًا o يُعرف بـ " "Montessori Methodفي عام ،1907عندما افتتحت أول بيت األطفال في روما. يعتمد هذا النهج على احترام استقاللية الطفل وتشجيع التعلم الذاتي (Self-Directed ) Learningمن خالل التفاعل مع البيئة المحيطة.ركزت مونتيسوري على ضرورة توفير بيئة تعليمية ُمنظمة و ُمجهزة بعناية تمنح األطفال حرية العمل ضمن حدود واضحة لتطوير مهاراتهم. يُطبق هذا النهج حاليًا في العديد من رياض األطفال والمدارس االبتدائية حول العالم ،حيث يهدف إلى تحقيق تنمية شاملة لقدرات األطفال. جون بياجيه ) ،(Jean Piagetالعالم السويسري ،قدم خالل ثالثينيات القرن العشرين نظرية o ً تحوال في علم النفس التربوي.وضع " ،"Cognitive Development Theoryالتي أحدثت بياجيه أربع مراحل رئيسية للنمو العقلي :الحسية الحركية) ، (Sensorimotorما قبل العمليات ) ،(Preoperationalالعمليات الملموسة) ، (Concrete Operationalوالعمليات الشكلية (Formal Operational).من خالل أبحاثه ،أوضح كيف يكتسب األطفال معرفتهم تدريجيًا عبر التفاعل مع البيئة.أثرت أفكاره بشكل كبير على تصميم المناهج الدراسية لتتناسب مع مراحل النمو العقلي ،مما ساهم في تطوير التعليم على المستوى العالمي 3 الدكتور :خالد مهدي مفهوم الديداكتيك .III .1تعريف الديداكتيك :الديداكتيك هو علم يدرس أساليب وطرائق تدريس المواد الدراسية ،ويهتم بتقديم المحتوى التعليمي بفعالية وفقًا لطبيعة كل مادة.يُعنى هذا المجال بتصميم الدروس وتنظيم التعليم وتقييم نتائجه بشكل منهجي. إطارا لفهم التفاعل في العملية التعليمية ،وهو يتألف من ً .2المثلث الديداكتيكي :يمثل المثلث الديداكتيكي ثالثة مكونات: المحتوى oالمعلم :هو المسؤول عن نقل المعرفة واستخدام استراتيجيات تعليمية تُس ِّ ّهل فهم المحتوى الدراسي. المتعلم :يتلقى المعرفة ويشارك في األنشطة o التعليمية ،ويتفاعل مع المحتوى والمعلم. األستاذ تكوين المتعلم المحتوى :هو الموضوع أو المادة التي يتم o تدريسها ،وتشمل المعلومات والمهارات التي يجب تعلمها. يعكس المثلث الديداكتيكي العالقة المتبادلة بين المعلم ،المتعلم ،والمحتوى؛ حيث يؤثر كل عنصر في اآلخر.يهدف المعلم إلى تكييف المحتوى بحيث يتناسب مع احتياجات وقدرات المتعلم ،ويعتمد النجاح في هذا التفاعل على مهارات المعلم وفاعلية طرق التدريس المتبعة. .3أقسام الديداكتيك: oالديداكتيك العام :يشمل مبادئ وطرق التدريس العامة التي يمكن تطبيقها على جميع المواد. الديداكتيك الخاص :يتعلق بطرق وأساليب تدريس مادة معينة ،مثل ديداكتيك الرياضيات الذي o يركز على أساليب نقل المفاهيم الرياضية. .1.3أهداف الديداكتيك :تحسين جودة التدريس ،وتسهيل عملية تعلم المفاهيم األساسية لكل مادة ،وضمان تحقيق األهداف التعليمية المقررة. .2.3استراتيجيات الديداكتيك: oالتخطيط :يشمل تحديد األهداف واختيار المواد التعليمية وتصميم األنشطة. التنفيذ :تطبيق الخطة التعليمية ومراقبة تفاعل الطالب. o التقويم :تقييم مدى فهم الطالب للمحتوى وتحديد نقاط القوة والضعف. o .2.3أمثلة على الديداكتيك : في تدريس الرياضيات ،يمكن للمعلم استخدام الديداكتيك لتحليل صعوبات فهم العمليات الحسابية واختيار استراتيجيات تعليمية مثل التمثيل البصري (كالرسوم البيانية) لتبسيط المفاهيم. .2.3أبرز العلماء: oجيروم برونر :ركز على كيفية تقديم المعلومات بطريقة تساعد الطالب على اكتشاف المعرفة بأنفسهم. لوسيان بروسيه :يُعد من أبرز الباحثين في ديداكتيك الرياضيات ،حيث عمل على تطوير طرق o . تدريسها بما يناسب مراحل التعلم المختلفة 4 الدكتور :خالد مهدي مفهوم علوم التربية .IV .1تعريف علوم التربية :علوم التربية هي مجموعة من العلوم التي تتناول قضايا التربية والتعليم بعمق، وتشمل تخصصات مثل علم النفس التربوي ،علم االجتماع التربوي ،الفلسفة التربوية ،الديداكتيك، وغيرها.تهدف هذه العلوم إلى فهم وتطوير العملية التعليمية. .2أهداف علوم التربية :تسعى لتحسين المناهج التعليمية ،إعداد الكوادر التربوية ،وتحديد األساليب ضا إلى ربط التعليم باحتياجات المجتمع. التعليمية التي تواكب التغيرات االجتماعية والعلمية.تهدف أي ً .3أقسام علوم التربية: ✓ علم النفس التربوي :يختص بدراسة سلوك الطالب وعوامل التعلم المؤثرة عليهم.يتناول موضوعات مثل الدافعية ،اإلدراك ،الذاكرة ،والنمو العقلي ،حيث يساعد في تطوير استراتيجيات تعليمية تالئم احتياجات الطالب المختلفة.مثالً ،يُستخدم هذا العلم لفهم كيف يؤثر األسلوب التعليمي على قدرة الطالب على االحتفاظ بالمعلومات وكيفية تحفيزهم. ✓ علم االجتماع التربوي :يدرس العالقة بين المدرسة والمجتمع ،وكيفية تأثير العوامل االجتماعية واالقتصادية والثقافية على التعليم.يُعنى بكيفية تأثير التربية على تشكيل الهويات االجتماعية وكيف يمكن للمؤسسات التعليمية تعزيز العدالة االجتماعية. ✓ الفلسفة التربوية :تركز على المبادئ األخالقية والفكرية التي تدعم العملية التعليمية.تشمل مناقشة كيف يمكن للتعليم أن يساهم في بناء مواطنين مسؤولين قادرين على التفكير النقدي واتخاذ قرارات سا لوضع السياسات التربوية التي تتماشى مع قيم المجتمع. مدروسة في المجتمع.يُعد هذا المجال أسا ً .1.3أمثلة على علوم التربية :تُستخدم نتائج األبحاث في علم النفس التربوي لتطوير استراتيجيات تحفّز الطالب ،مثل تحسين تقنيات التعلم التي تتناسب مع تطورهم النفسي والمعرفي.من ناحية أخرى، تساهم الفلسفة التربوية في وضع سياسات تعليمية ترتكز على القيم األخالقية واالجتماعية ،مما يعزز تطوير مناهج تتماشى مع احتياجات المجتمع. .2.3أبرز العلماء: ✓ إيمانويل كانط ،الفيلسوف األلماني ،ركز على أهمية التربية في تطوير القدرات األخالقية ،حيث أكد أن التعليم يجب أن يسهم في تعزيز التفكير األخالقي وتمكين األفراد من اتخاذ قرارات عادلة. ✓ باولو فريري ،الفيلسوف البرازيلي ،دعا إلى "التربية من أجل الحرية" ،حيث اعتبر أن التعليم ينبغي أن يكون أداة لتحرر األفراد من القيود االجتماعية والسياسية التي تفرضها المجتمعات. ✓ إميل دوركايم ،الفيلسوف الفرنسي ،فاهتم بدور التربية في ترسيخ القيم االجتماعية وتعزيز الشعور معتبرا أن التربية تساهم في تكامل األفراد مع المجتمع من خالل تعزيز الهوية ً باالنتماء إلى المجتمع، االجتماعية. خاتمة : تتداخل مفاهيم التربية ،والبيداغوجيا ،والديداكتيك ،وعلوم التربية في إطار واحد يشكل األساس لتحقيق جودة التعليم.إذ تعمل هذه المفاهيم بشكل تكاملي لتعزيز فاعلية التعليم وتحقيق التنمية الشاملة للمتعلمين ،مما يسهم في بناء مجتمع يتسم بالكفاءة واالبتكار.يتطلب األمر من المعلمين والمربين اإللمام بجميع هذه المفاهيم وتطبيقها بشكل عملي لخلق بيئة تعليمية تفاعلية ومثمرة. 5 الدكتور :خالد مهدي المحور :2محطات من تاريخ الفكر التربوي مقدمة عامة: تعتبر التربية حجر الزاوية في تشكيل المجتمعات اإلنسانية ،ليس فقط في نقل المعرفة ولكن في بناء القيم والمعتقدات التي توجه الفرد والمجتمع نحو المستقبل.من خالل دراسة تاريخ الفكر التربوي عبر العصور، نتمكن من تتبع تطور المناهج وأساليب التعليم وتكيفها مع التغيرات االجتماعية والسياسية والثقافية التي مرت بها الشعوب.إن الفكر التربوي لم يكن وليد عصر واحد ،بل هو نتاج تفاعل مستمر بين الحضارات المختلفة واألديان والمدارس الفكرية.ومن خالل هذا العرض ،سنستعرض أبرز محطات تطور الفكر التربوي في مختلف الحضارات ،ابتدا ًء من العصور القديمة وصوالً إلى العصر المعاصر ،مع تسليط الضوء على ظهور علوم التربية كحقل أكاديمي مستقل 6 الدكتور :خالد مهدي -Iالتربية في الحضارات القديمة تعد التربية من أبرز األسس التي قامت عليها الحضارات القديمة ،حيث كانت كل حضارة تبني أنما ً طا تربوية تتناسب مع احتياجاتها االجتماعية والثقافية.فالتربية لم تكن مجرد وسيلة لنقل المعرفة ،بل كانت أداة لتشكيل المجتمع وإعداد األفراد للمشاركة الفعالة في بناء ثقافته وحضارته.من خالل استعراض األنماط التربوية في بعض الحضارات القديمة ،يمكننا أن نرى كيف كانت التربية تمثل جز ًءا من الهوية الثقافية واالجتماعية لكل مجتمع ،كما كانت تؤثر في تطور أنظمة التعليم في العصور الالحقة. .1التربية في الحضارة المصرية القديمة ( 332-3000قبل الميالد): في الحضارة المصرية القديمة ،كانت التربية تركز بشكل أساسي على تعليم الدين والطقوس الدينية، باإلضافة إلى المعرفة العملية مثل الحساب والهندسة.كانت المعابد تع ّد المراكز الرئيسة للتعليم ،حيث سا في القراءة والكتابة والحساب ،مع تعليمهم الفلك والفلسفة.كما كان النظام التعليمي يتلقى األطفال درو ً مقتصرا على الطبقات العليا ،بينما كان ً يعتمد على التوجيه الشخصي من قبل المعلمين.وكان التعليم األطفال من الطبقات العاملة يتعلمون المهارات الحرفية من آبائهم .بينما كانت مصر القديمة تركز على تحوال في التربية نحو تنمية المواطن الصالح والمشارك في ا الدين والحساب ،شهدت الحضارة اليونانية الحياة العامة. .2التربية في الحضارة اإلغريقية (اليونانية القديمة): في اليونان القديمة ،كانت التربية تهدف إلى بناء شخصية المواطن الصالح الذي يساهم في الحياة العامة. في البداية ،كان التعليم يقتصر على الفتيان األثرياء ويشمل تطوير المهارات الرياضية ،األدبية ،الفلسفية والسياسية.في أثينا ،كان التعليم يتم تحت إشراف الدولة ،حيث كان يشمل تدريس الشعر ،الرياضيات، الفلسفة والموسيقى ،بهدف تنمية الشخصية المتكاملة.أما في إسبرطة ،فكان التعليم يركز على بناء المحاربين من خالل تدريبات القوة البدنية واالنضباط العسكري .لقد كان الفكر التربوي اليوناني، وخاصة فلسفة سقراط وأفالطون ،خطوة كبيرة نحو تطوير مفهوم التعليم كأداة لتنمية الفكر النقدي والمواطنة. خاتمة: تعتبر التربية جز ًءا أساسيًا من تطور الحضارات القديمة ،حيث كانت وسيلة لنقل المعرفة وبناء القيم االجتماعية والثقافية.من خالل دراسة أنماط التعليم في الحضارات المصرية واليونانية والصينية والهندية ،نالحظ أن التربية كانت في جوهرها أداة لتشكيل الفرد والمجتمع في كل حضارة.ورغم اختالف أساليب التعليم بين هذه الحضارات ،فإنها تظل مؤثرة في تطور الفكر التربوي في العصور التالية ،حيث ساهمت في تأسيس أسس التربية الحديثة. 7 الدكتور :خالد مهدي II-التربية في العصور الوسطى تعد العصور الوسطى فترة هامة في تطور الفكر التربوي ،حيث شهدت هذه الفترة تحوالً كبيرا ً في نظم التعليم وأهدافه.تنوعت أساليب التربية في العصور الوسطى حسب المنطقة الجغرافية ،وكان للتعاليم الدينية دور كبير في تشكيل التعليم.في أوروبا ،لعبت الكنيسة الكاثوليكية دورا ً مهما ً في توجيه التعليم، بينما في العالم اإلسالمي ،شهدت العصور الوسطى نهضة علمية وعملية في شتى مجاالت المعرفة.فما هيأهم جوانب التربية في العصور الوسطى؟ومن هم أبرز العلماء الذين ساهموا في تطور الفكر التربوي في هذه الحقبة. .1التربية في أوروبا في العصور الوسطى في العصور الوسطى األوروبية (حوالي 476م – 1500م) ،كانت الكنيسة الكاثوليكية هي المؤسسة الرئيسية التي تشرف على التعليم.بدأت الكنائس في تأسيس المدارس في المدن الكبرى والقرى ،وكان التعليم في البداية مقتصرا ً على التعليم الديني.كان الهدف الرئيسي من التعليم هو نشر اإليمان المسيحي وتعليم القراء والالهوتيين ،فضالً عن تعليم الشباب القراءة والكتابة باللغة الالتينية.كان التالميذ يتلقون تعليمهم في األديرة والمدارس التابعة للكنائس ،وكانت الكتب نادرة وغالية الثمن. فيما يتعلق بالفكر التربوي ،فإن الفيلسوف والعالم المسيحي أوغسطينوس (354م – 430م) كان له تأثير كبير في التربية المسيحية ،حيث ركز على أهمية التربية األخالقية والدينية للطفل.كما أن الفيلسوف توما األكويني (1225م – 1274م) قدم إسهامات مهمة في الفكر التربوي من خالل تفسيره للعالقة بين العقل واإليمان ،وكان يؤمن بأن العقل البشري يمكن أن يكتسب المعرفة ،لكن يجب توجيهها وفقا ً للقيم الدينية.في هذه الفترة ،كانت المدارس غالبا ً ما تركز على تعاليم الدين المسيحي ،وال يتم تعليم األطفال سوى القليل من المعرفة العادية مثل الحساب والقراءة.كان التعليم في العصور الوسطى بشكل عام محدوداً ،وكان يقتصر على الطبقات العليا وموظفي الكنيسة. الفلسفات التربوية المسيحية ،مثل األوغسطينيةوالتوماوية ،كانت تؤكد على الدور المركزي للدين في التعليم ،حيث رأى أوغسطينوس أن الهدف من التعليم هو توجيه العقل نحو هللا وتنمية الفضائل األخالقية ،في حين كانت التوماوية تؤمن بأن العقل والروح يعمالن معا ً لتحقيق المعرفة الحقيقية ،مع التأكيد على أهمية العقل في فهم اإليمان. .2التربية في العالم اإلسالمي في العصور الوسطى على عكس أوروبا في العصور الوسطى ،شهد العالم اإلسالمي نهضة علمية وثقافية عميقة خالل هذه الفترة (حوالي 750م – 1500م).كانت التربية في العالم اإلسالمي تعتمد بشكل كبير على المؤسسات التعليمية مثل الكتاتيب والمدارس النظامية (التي أسسها izam al-Mulkفي القرن الحادي عشر) والجامعات اإلسالمية مثل جامعة القرويين في فاس وجامعة األزهر في القاهرة .كانت المدارس النظامية تمثل مراكز تعليمية متخصصة تهدف إلى تقديم تعليم شامل في مجاالت متنوعة مثل الفقه، 8 الدكتور :خالد مهدي الفلسفة ،الطب ،الرياضيات ،والفلك.وقد ساهمت هذه المدارس في تزويد التالميذ بالمعرفة التي تؤهلهم للمشاركة الفعالة في المجتمع اإلسالمي. الكتاتيب كانت المراكز األساسية لتعليم األطفال في بداية حياتهم التعليمية ،حيث كانت تركز على تعليم القرآن الكريم واللغة العربية ،فضالً عن بعض المهارات األساسية مثل الحساب. في هذا السياق ،يعتبر الفارابي (872م – 950م) من أبرز المفكرين الذين طوروا الفكر التربوي ،حيث كان يؤمن بأن التعليم يجب أن يهدف إلى توازن بين الروح والعقل.كان يرى أن الهدف النهائي من كامال روحيا ً وعقليًا.باإلضافة إلى الفارابي ،كان ابن سينا (980م – ً التعليم هو أن يصبح اإلنسان 1037م) أحد أعظم المفكرين في العصور الوسطى ،حيث قدم إسهامات كبيرة في تعليم الطب والفلسفة، كما اهتم بتطوير علم النفس التربوي. أما ابن رشد (1126م – 1198م) ،فقد كان له دور بارز في الربط بين الفلسفة والتربية ،حيث اعتقد أن التعليم يجب أن يتضمن نقاشا ً وتفكيرا ً نقدياً.لقد ربط ابن رشد بين الفلسفة اإلغريقية والتربية اإلسالمية، مما أثر في تطور الفكر الفلسفي والتربوي في العالم اإلسالمي.. خاتمة تشير دراسة التربية في العصور الوسطى إلى أن التعليم في هذه الفترة كان يعكس تطورا ً ً هائال في الفكر التربوي في مختلف أنحاء العالم.في أوروبا ،كان التعليم تحت إشراف الكنيسة ،وركز على التعليم الديني ،بينما في العالم اإلسالمي ،كان هناك تطور كبير في مختلف مجاالت المعرفة ،بما في ذلك الطب والفلسفة والعلوم.في الصين واليابان ،كانت التربية تسعى إلى تعزيز القيم األخالقية والفلسفية ،مما يعكس اهتماما ً بتكوين شخصية متوازنة. 9 الدكتور :خالد مهدي III-التربية في العصر الحديث ً تحوال جذريًا في الفكر التربوي نتيجة لتطورات كبيرة في الفكر الفلسفي واالجتماعي شهد العصر الحديث والتكنولوجي.بدأ هذا التحول مع عصر النهضة األوروبية في القرن الخامس عشر ،واستمر في القرن التاسع عشر والعشرين مع ظهور الفلسفات التعليمية الحديثة والتطورات العلمية. تطورا في المجتمعات الغربية والعالمية حيث بدأ االهتمام بتطوير نظم التعليم لتشمل ً شهد الفكر التربوي جوانب متعددة من المعرفة اإلنسانية مثل العلوم الطبيعية واإلنسانية واالجتماعية ،ما أسهم في وضع األسس النظرية للتربية الحديثة. .1التربية في القرن التاسع عشر في القرن التاسع عشر ،ظهرت الفلسفات التعليمية الحديثة التي أكدت على دور التربية في تقدم المجتمع. أفكارا جديدة حول التربية في ً كان جان جاك روسو(1712م 1778 -م) من أبرز المفكرين الذين طرحوا كتابه "إميل" ،حيث أكد على ضرورة تعليم األطفال وفقًا لطبيعتهم مع التركيز على التجربة والمالحظة بدالً من التعليم التقليدي.أسهمت أفكار روسو في تطوير مفهوم التعليم الذي يحترم احتياجات الطفل. .2التربية في القرن العشرين صا.من بين المفكرين البارزين في هذا في بداية القرن العشرين ،بدأ الفكر التربوي يأخذ طابعًا أكثر تخص ً المجال ،كان جون ديوي (1859م 1952 -م).دعا ديوي إلى التعليم التجريبي الذي يعتمد على النشاط والمشاركة الفعالة للتالميذ ،حيث يجب أن يكون التعلم متا ًحا من خالل تجارب عملية ويجب أن يركز على التلميذ وليس المعلم فقط.أصبحت هذه األفكار نقطة تحول في كيفية النظر إلى دور المدرسة والمجتمع في العملية التعليمية. .3التربية في النصف الثاني من القرن العشرين يعد جان بياجيه (1896م 1980 -م) من أبرز المفكرين في هذا العصر ،وقد اقترح نظرية النمو المعرفي.فحسب بياجيه ،يتطور فهم األطفال للعالم من خالل مراحل معرفية متدرجة تتناسب مع نموهم العقلي والوجداني ،مما أثر على المناهج وطرق التدريس. .4التربية في العصر المعاصر دورا محوريًا في العصر المعاصر ،ومع التقدم التكنولوجي الهائل ،أصبح للوسائط الرقمية وتقنيات التعليم ً في تطور الفكر التربوي.أصبح ماركوس فيش (ولد 1960م) رائدًا في تطوير تقنيات التعليم اإللكتروني، حيث ساهم في نشر أساليب التعلم عن بُعد. كما أصبح هوارد جاردنر (ولد 1943م) من المفكرين الذين طوروا نظرية "الذكاءات المتعددة" ،التي عا مختلفًا من الذكاء (مثل اللغوي والرياضي واالجتماعي والعاطفي) ،وأن تؤكد أن كل فرد يمتلك نو ً 10 الدكتور :خالد مهدي التعليم يجب أن يتكيف مع هذه التنوعات لتقديم طرق تدريس تناسب كل نوع من الذكاءات.دعمت هذه النظرية فكرة تخصيص التعليم وفقًا الحتياجات وقدرات كل تلميذ. 5.تأثير التكنولوجيا على التعليم أدى التفاعل مع التطورات التكنولوجية إلى ظهور طرق تعليمية جديدة مثل التعلم عبر اإلنترنت والفصول الدراسية االفتراضية.لقد أصبح التعليم الرقمي جز ًءا أساسيًا من العملية التعليمية المعاصرة ،مما سمح بتوسيع أفق المعرفة وتعزيز التفاعل بين المعلمين والتالميذ. خاتمة كبيرا من المفاهيم التقليدية إلى فلسفات تعليمية أكثر تقد ًما ومرونة.أصبح تطورا ً ً لقد شهد الفكر التربوي التعليم اليوم يركز على تلبية احتياجات التالميذ الفردية وتنمية قدراتهم المختلفة ،مع االعتراف بتنوع الذكاءات والقدرات االجتماعية والثقافية ،و ذلك من خالل تأثير مفكرين مثل روسو ،ديوي; بياجيه.... 11 الدكتور :خالد مهدي IV-التربية المعاصرة ونشأة علوم التربية شهدت التربية في العصر المعاصر تحوالت جذرية بفعل التغيرات العلمية ،الفلسفية واالجتماعية التي شهدها العالم ،مما ساهم في إعادة تشكيل أساليب التعليم وأهدافه.تطور هذا النظام التربوي إلى أن أصبح ً مستقال ،مما أدى إلى نشوء علوم التربية كفرع معرفي يدرس القضايا التربوية مثل المناهج، ً حقال أكاديميًا والتقويم التربوي ،وعلم النفس التربوي ،واإلدارة التربوية.يمكن القول إن نشأة هذه العلوم تعود إلى مستمرا لتواكب متطلبات العصر ،مما أسهم في ً تطورا ً النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،وقد شهدت تحسين العملية التعليمية وضمان جودتها. 1.نشأة علوم التربية وتطورها أ.الفلسفة التربوية ترتبط نشأة علوم التربية بالقرنين التاسع عشر والعشرين ،حيث بدأ االهتمام بالجانب األكاديمي للتعليم بشكل تدريجي.كان المفكر األمريكي جون ديوي (1859م 1952 -م) من أبرز المفكرين الذين أثَّروا في هذا المجال من خالل فلسفته التي أسست لـ "التعليم التجريبي".ديوي كان يعتقد أن التعليم يجب أن يرتكز على األنشطة التفاعلية والتجارب العملية التي تعزز التفكير النقدي ،ويجب أن تكون المدرسة بمثابة بيئة محاكاة للمجتمع.أ َّكد على ضرورة أن يتعلم الطالب من خالل األنشطة العملية التي تحاكي الحياة الواقعية. ب.أسس العلوم التربوية لقد ساهم ديوي بشكل كبير في تحول التربية إلى مجال أكاديمي يدرس بطريقة منهجية علمية.أسس مفهوم "التعليم التجريبي" الذي يعد حجر الزاوية في تطور علوم التربية.كما أنه ربط الفلسفة التعليمية بالتطبيقات العملية في المدارس مما ساعد على ظهور العديد من المجاالت التربوية مثل علم النفس ً مجاال علميًا متعدد األبعاد يركز على تنمية مهارات التربوي وعلم االجتماع التربوي ،لتصبح التربية التفكير النقدي واإلبداعي لدى الطالب. 2.التوسع في التخصصات التربوية 2-1.التخصصات الفرعية لعلوم التربية مجاال يتطلب التخصصات المتعددة لكي يتناسب مع التغيرات المستمرة ً مع مرور الوقت ،أصبحت التربية في المجتمع واحتياجات األفراد.وقد تزامن هذا التوسع مع تطور فروع علوم التربية التي تشمل العديد من التخصصات المهمة مثل المناهج ،والتقويم التربوي ،وعلم النفس التربوي ،واإلدارة التربوية… ،وهي بارزا في تشكيل أساليب التعليم الحديثة.من بين هذه التخصصات ،كان ً دورا من التخصصات التي لعبت ً تأثيرا.أشار العديد من المفكرين ،مثل جان بياجيه (1896م - ً علم النفس التربوي أحد أكثر المجاالت 1980م) ،إلى أهمية التطور المعرفي في تعلم األطفال.فقد قدم بياجيه نظرية حول مراحل التطور العقلي التي تشرح كيفية تطور اإلدراك والمعرفة عند األطفال.وكان لهذه النظرية تأثير عميق على طرق التدريس ،حيث ركزت المناهج على فهم الفروق الفردية في تطور الذكاء وتعليم األطفال بنا ًء على مراحل نموهم المعرفي. 12 الدكتور :خالد مهدي 2-2.علم االجتماع التربوي ومجاالته أما في علم االجتماع التربوي ،فقد تركز البحث حول دور التعليم في تعزيز القيم االجتماعية وبناء الهوية الجماعية.كان إميل دوركايم (1858م 1917 -م) من أبرز العلماء الذين عملوا على إبراز العالقة بين المجتمع والتعليم ،حيث أكد أن التربية هي األداة األساسية التي ينقل من خاللها المجتمع قيمه وعاداته إلى األجيال القادمة.وقد أثرت أفكار دوركايم على تطوير المناهج التعليمية التي تركز على التنشئة االجتماعية واالندماج المجتمعي. ضا أن يتوازى هذا التوسع مع تطور مجاالت أخرى مثل التربية المقارنة ،التي كما كان من الضروري أي ً التعرف على ّ تركز على دراسة نظم التعليم المختلفة بين الدول والمجتمعات.ويركز هذا المجال على الممارسات التربوية المثلى وتبادل الخبرات بين األنظمة التعليمية المختلفة حول العالم. 3.التربية الحديثة والنظريات المعاصرة أ.نظرية التعلم االجتماعي تتسم التربية المعاصرة بتنوع النظريات التي تأخذ في الحسبان التغيرات االجتماعية والثقافية ،مثل نظرية التعلم االجتماعي أللبرت باندورا (1925م -حتى اآلن).باندورا ركز على كيفية تعلم األفراد من خالل مراقبة اآلخرين وتقليد سلوكهم ،مما دفع إلى تطوير أساليب تدريس تعتمد على المحاكاة والنماذج االجتماعية في التعليم.من جهة أخرى ،تبرز نظرية التعلم النشط لديفيد كولب (1939م -حتى اآلن) التي تشدد على التعلم من خالل التجربة الشخصية والتفاعل مع البيئة المحيطة.تؤكد هذه النظرية على أن التفاعل الفعلي مع البيئة التعليمية يمكن أن يساعد في بناء المعارف بشكل أكثر فاعلية ،مما يجعل التعلم تجربة حية وواقعية تشارك فيها الخبرات العملية. ب.الذكاءات المتعددة في التعليم كما ظهر مفهوم "الذكاءات المتعددة" لهوارد جاردنر (1943م -حتى اآلن) الذي أضاف بُعدًا جديدًا في عا متعددة من الذكاءات مثل الذكاء فهم كيفية تعلم األفراد.يركز هذا المفهوم على أن الناس يمتلكون أنوا ً اللغوي ،الرياضي ،واالجتماعي ،مما يتطلب تخصيص أساليب التعليم لتتناسب مع هذه األنماط المتنوعة. ويتكامل هذا المفهوم مع التقنيات الحديثة في التعليم ،التي تتيح لكل طالب تجربة تعلم موجهة بما يتناسب دورا مه ًما في تحسين تصميم المناهج التعليمية التي مع ذكاءه الخاص.كما أن نظرية جاردنر تلعب ً تراعي التنوع المعرفي للطالب. ج.تأثير العولمة على التعليم ضا على التربية بطرق عدة ،حيث أصبحت المناهج التعليمية بحاجة إلى تضمين فرضت العولمة نفسها أي ً مفاهيم عالمية تشجع على التفكير النقدي والقدرة على التفاعل مع ثقافات مختلفة.لقد قدم مانويل كاستلز (1942م -حتى اآلن) مفهوم "القرية العالمية" ،الذي يعبر عن تأثير االتصال الرقمي على الفكر التربوي والمناهج الدراسية.أصبح من الضروري أن تعكس المناهج التعليمية هذا التنوع الثقافي العالمي ،مما يعزز قدرة الطالب على التفاعل مع بيئات متعددة الثقافات ،ويعد هذا جز ًءا من رؤية التعليم المعاصر التي تهدف إلى إعداد جيل قادر على التفاعل مع تحديات العصر الرقمي والعالمي. 13 الدكتور :خالد مهدي خاتمة تعد التربية المعاصرة وعلوم التربية نتيجة للتطور المعرفي الكبير الذي شهدته البشرية في العصر الحديث.لقد ساعدت العولمة والتكنولوجيا في تغيير مفاهيم وأساليب التدريس ،وجعلت من الضروري تطوير المناهج والطرق التعليمية لتلبية احتياجات هذا العصر المتغير.مع تأثير المفكرين والعلماء مثل ديوي ،بياجيه ،ودوركايم ،أصبح لدينا اليوم مجال أكاديمي مستقل يعنى بتطوير العملية التربوية.في النهاية ،تساهم هذه التغيرات في تحسين التعليم بشكل يتناسب مع تطلعات المجتمع ويسهم في بناء جيل قادر على التفكير النقدي والتفاعل مع تحديات العصر. 14 الدكتور :خالد مهدي خاتمة المحور تعتبر التربية من العوامل األساسية في تشكيل المجتمعات اإلنسانية ،حيث تساهم في نقل المعرفة وبناء القيم التي تشكل شخصية األفراد والمجتمعات.من خالل دراسة تطور الفكر التربوي عبر العصور، نالحظ أن التربية قد تطورت بشكل مستمر لتواكب التحوالت االجتماعية والثقافية والتكنولوجية.بدءا ً من الحضارات القديمة التي أسست أسس التعليم ،مرورا ً بالعصور الوسطى التي شهدت نهضة علمية، وصوالً إلى العصر الحديث والمعاصر الذي تميز بتطور علوم التربية كحقل أكاديمي مستقل.إن الفكر التربوي المعاصر يستند إلى أفكار ومفاهيم عديدة تهدف إلى تكييف التعليم مع احتياجات األفراد والمجتمعات ،مما يعكس الدور الهام للتربية في تحفيز التغيير االجتماعي واالقتصادي والثقافي. 15