العرب قبل اإلسـلام PDF

Summary

This document provides a detailed historical study of the Arabs before the advent of Islam. It explores various aspects of their social, cultural, and political life. The document also touches on the different tribes, their customs, and their history.

Full Transcript

‫العرب قبل اإلســالم‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫أول تاريخ الجاهلية‬ ‫ً‬ ‫جزيرة العر...

‫العرب قبل اإلســالم‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫أول تاريخ الجاهلية‬ ‫ً‬ ‫جزيرة العرب مهد الساميين‪:‬‬ ‫بــاد العــرب تقــع يف الجنــوب الغــريب مــن آســيا‪ ،‬ومنــذ العــر الجــورايس كان‬ ‫املحيــط الهنــدي والخليــج الفــاريس يفصــان الجزيــرة العربيــة عــن الهنــد وفــارس‪،‬‬ ‫ويف العــر الثالــث فصلــت عــن شــايل أفريقيــة بظهــور البحــر األحمــر‪ ،‬فصــارت‬ ‫بــاد العــرب محاطــة بامليــاه َّإل مــن الشــال؛ ومــن هنا جــاءت تســميتها بشــبه الجزيرة‬ ‫العربيــة‪ ،‬وأمــا التقســيم عنــد الجغرافيــن القدمــاء ثالثــة أقســام‪:‬‬ ‫‪ -1‬بالد ال ِحجر العربية (طور سيناء)‪.‬‬ ‫‪ -2‬بــاد العــرب الصحراويــة (باديــة كبــرة متتــد مــن حــدود ســوريا والعــراق إىل‬ ‫املحيــط الهنــدي)‪.‬‬ ‫وهي ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫(‪ )1‬باديــة الســاوة‪ :‬أرض مســتوية ال حجــر فيهــا تقــع يف الشــال بــن‬ ‫الكوفــة والشــام‪ ،‬قليلــة اآلبــار والعيــون‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الربــع الخــايل‪ :‬وهــي صحــراء رمليــة كبــرة يغلــب عليهــا الجــدب والفقــر‪،‬‬ ‫تقــع يف الجنــوب متصلــة بباديــة الســاوة بالشــال ممتــدة رشقًــا حتــى الخليــج‬ ‫العــريب بهــا القليــل مــن األشــجار والنخيــل‪ ،‬وليــس بهــا ميــاه َّإل يف أوديــة قليلــة‬ ‫متلؤهــا األمطــار ثــم ال تلبــث أن تجــف‪.‬‬ ‫أطلقــت العــرب عــى هــذه الصحــراء جملــة أســاء (صيــدا ‪ -‬األحقــاف ‪-‬‬ ‫الدهنــاء)‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الحــرار (جمــع حــرة)‪ :‬وهــي كل أرض فيهــا حجــارة فيهــا ســود ورمــل‪،‬‬ ‫وهــذه الحجــارة تكــر يف بــاد العــرب ال ســيام حــول املدينــة‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫‪ -3‬بالد العرب السعيدة ومتثل‪:‬‬ ‫نجد‪ :‬تقع جنوب بادية الشام بني الحجاز واألحساء‪.‬‬ ‫الحجــاز‪ :‬يقــع يف جنــوب جزيــرة ســيناء‪ ،‬وميتــد عــى طــول البحــر األحمــر مــن‬ ‫أيلــة (العقبــة) إىل اليمــن‪ ،‬وســمي حجــازًا؛ ألنَّــه فصــل بــن الغــور والشــام والباديــة‪،‬‬ ‫وهــو قطــر فقــر‪ ،‬تكــر فيــه األوديــة‪ ،‬شــديد الحــرارة َّإل يف بعــض البــاد كالطائــف‪،‬‬ ‫ويســتوقف الحجــاز نظــر املؤرخــن الشــتامله عــى مكــة واملدينــة‪ ،‬فهــو بحــق مهــد‬ ‫اإلســام‪.‬‬ ‫اليمــن‪ :‬تقــع جنــويب الحجــاز قطــر خصــب غنــي بالزراعــة‪ ،‬أشــهر مدنهــا صنعــاء‪،‬‬ ‫وعــدن‪ ،‬ونجــران‪ ،‬وحــر مــوت تكــر بهــا الجبــال والوديــان‪.‬‬ ‫عــان‪ :‬تشــتمل عــى بلــدان كثــرة ذات نخــل وزروع‪ ،‬اشــتهر ســكانها باملهــارة يف‬ ‫املالحــة‪ ،‬فكانــت حركــة التجــارة يف املحيــط الهنــدي بــن ســواحل الجزيــرة الرشقيــة‬ ‫والهنــد منتظمــة‪ ،‬وتقــع البحريــن واألحســاء يف الشــال الغــريب مــن عــان‪ ،‬هــذه هــي‬ ‫جزيــرة العــرب مهــد الســاميني‪.‬‬ ‫آراء المؤرخين حول الوطن األول للعنصر السامي‪:‬‬ ‫ميــا تصلــح‬ ‫األول‪( :‬رأي كينــج) الجزيــرة العربيــة ال ســيام األصقــاع التــي كانــت قد ً‬ ‫للعيــش والحيــاة والســكنى‪ ،‬ثــم اعرتاهــا الجفــاف‪ ،‬فطمــس معاملهــا وأزال حضارتهــا‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬قيل نجد‪.‬‬ ‫والقول الثالث‪ :‬وسط جزيرة العرب‪.‬‬ ‫العــر الجاهــي‪ :‬وهــو املعــروف عنــد املؤرخــن وغريهــم بعــر مــا قبــل اإلســام‪،‬‬ ‫ويطلــق لفــظ «الجاهليــة» عــى الحــال التــي كانــت عليهــا العــرب قبــل ظهــور اإلســام‪،‬‬ ‫الفــرة التــي كانــت الجزيــرة العربيــة فيهــا خاليــة مــن أي‪ :‬قانــون أو نبــي أو كتــاب‬ ‫منــزل‪ ،‬وأطلــق املســلمون لفــظ «الجاهليــة» عــى الفــرة الواقعــة بــن فجــر التاريــخ‬ ‫حتــى ظهــور اإلســام‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫واختلــف العلــاء يف تحديــد العــر الجاهــي؛ فذهــب بعضهــم إىل القــول بأنَّــه‪:‬‬ ‫العــر الــذي خــا مــن الرســل بــن عيــى ومحمــد ‪ -‬عليهــا الصــاة والســام ‪،-‬‬ ‫ويــرى بعــض املفرسيــن أنَّــه العــر الــذي ُولــد فيــه إبراهيــم ‪ -‬عليــه الســام ‪ ،-‬قــال‬ ‫ابــن عبــاس‪ :‬مــا بــن نــوح وإدريــس‪.‬وقــال ابــن خالويــه‪ :‬أطلــق يف اإلســام عــى‬ ‫الزمــن الــذي كان قبــل البعثــة‪ ،‬ويــرى نيكلســون أنَّهــا تشــتمل الفــرة بــن آدم ومحمــد‬ ‫‪ -‬عليهــا الصــاة والســام ‪.-‬وبذلــك يتضــح صعوبــة التحديــد؛ ألنَّــه ليــس زم ًنــا ُمتَّ ِصـ ًـا‬ ‫بعضــه ببعــض‪ ،‬بــل متقطــع لفــرات لــكل منهــا شــعائرها الوثنيــة‪ ،‬وخصائصهــا التعبدية‪.‬‬ ‫العــرب‪ :‬أصــل كلمــة العــرب «صحــراء» قــال معــارصو هــرودوت‪ ،‬مــن أمثــال‬ ‫«أكزينوفــون» أ َّن لفــظ «العــرب» يطلــق عــى صحــراء الجزيــرة العربيــة‪ ،‬وعرفــت‬ ‫عنــد العصــور يف العصــور املتأخــرة بـــ (‪ )Saracens‬اســم لقبيلــة عربيــة غال ًبــا‪ ،‬وأطلــق‬ ‫الرسيانيــون مــن أهــل الرهــا وســكان بابــل لفــظ (‪ )Taits‬عــى العــرب‪ ،‬والظاهــر أ َّن‬ ‫املقصــود بهــذا قبيلــة طــيء لشــهرتها آنــذاك‪.‬‬ ‫وينقسم العرب قسمني كبريين (العرب البائدة والعرب املستعربة)‪:‬‬ ‫‪ -‬الطبقــة األوىل (العــرب البائــدة)‪ :‬هــي القبائــل التــي هلكــت وانقطعــت أخبارهــا‪،‬‬ ‫وهــم تســع‪( :‬عــاد‪ ،‬مثــود‪ ،‬طســم‪ ،‬جديــس‪ ،‬أميــم‪ ،‬عبيــل‪ ،‬جرهــم‪ ،‬جاســم‪ ،‬عمليــق)‪،‬‬ ‫وأشــهرهم األربعــة األول‪.‬‬ ‫‪ -‬الطبقة الثانية (العرب املستعربة)‪ :‬هم أبناء إسامعيل ‪ -‬عليه السالم ‪.-‬‬ ‫وهنــاك تقســيم آخــر (عــرب عاربــة ‪ -‬عــرب مســتعربة)‪ ،‬ويعتــر املؤرخــون العــرب‬ ‫العاربــة ســاميني ومــن أقــدم ســكان جزيــرة العــرب‪.‬‬ ‫أ َّمــا (عــاد)‪ :‬فــكان موطنهــا حرضمــوت املتاخمــة لبــاد اليمــن‪ ،‬شـ َّيدوا أبنيــة شــاهقة ُّ‬ ‫تدل‬ ‫عــى حضارتهــم ومدنيتهم‪ ،‬وكانوا يعبــدون األصنام ويقرتفــون املوبقــات‪ ،‬وعندما بُعث فيهم‬ ‫رســول اللــه هــود ‪ -‬عليــه الســام ‪ -‬لـــم يؤمــن منهــم َّإل قليل‪ ،‬فنزل بهــم قحط شــديد‪ ،‬وأنزل‬ ‫ـج منهــم أحــد َّإل املؤمنــن‪ ،‬وعىل مـ ِّر الزمــان ظهر شــعب آخر‬ ‫اللــه عليهــم العــذاب؛ فلــم ينـ ُ‬ ‫يدعــى بقــوم عــاد الثانيــة باليمــن‪ ،‬وإىل ملكهــم لقــان بــن عاد ينســب بناء ســد مــأرب‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫وأ َّمــا (مثــود) موطنهــم يف الشــال بــن بــاد العــرب وبــن الشــام والحجــاز‪،‬‬ ‫ينحتــون الجبــال بيوتًــا؛ ليســكنوها‪ ،‬وال تــزال آثارهــم املنحوتــة عــى الصخــور قامئــة‬ ‫يف مدائــن صالــح‪ ،‬وعندمــا طغــوا أرســل اللــه ‪ -‬تعــاىل ‪ -‬إليهــم صال ًحــا ‪ -‬عليــه الســام‬ ‫ميســوها بســوء‪ ،‬بيــد أ َّن‬ ‫‪ -‬مبعجــزة الناقــة التــي أخرجهــا مــن الصخــر‪ ،‬وأمرهــم َّأل ُّ‬ ‫أشــقاهم عقرهــا؛ فأرســل اللــه عليهــم صيحــة؛ فأصبحــوا يف دارهــم جامثــن‪ ،‬وســار‬ ‫صالــح ‪ -‬عليــه الســام ‪ -‬ومــن آمــن معــه إىل الحجــاز‪.‬‬ ‫القحطانيــة والعدنانيــة‪ :‬أ َّمــا القحطانيــون موطنهــم بــاد اليمــن‪ ،‬وينســبون إىل‬ ‫قحطــان بــن عابــر بــن شــالح‪ ،‬بينــا أطلــق عــى نســل إســاعيل بــن إبراهيــم‬ ‫العدنانيــن أو النزاريــن‪ ،‬وصــار هــذان اللفظــان ترادفــان عــرب الجنــوب وعــرب‬ ‫الشــال‪.‬‬ ‫وخلــف قحطــان ابنــه يعــرب ‪ -‬جــد أعــراب العــرب ‪ -‬أول مــن اتخــذ العربيــة لســانًا‪،‬‬ ‫ولقبــه الشــعراء بـــ (رب الفصاحــة)؛ ومــن هنــا أطلــق عــى القحطانيني العــرب املتعربة‬ ‫أو العاربــة‪ ،‬أ َّمــا العدنانيــون يُقــال لهــم العــرب املســتعربة؛ أل َّن إســاعيل كان يتكلــم‬ ‫ـا نزلــت ُجرهــم مــن القحطانيــة مكــة وســكنوا مــع إســاعيل وتــز َّوج‬ ‫العربانيــة‪ ،‬ولــ َّ‬ ‫منهــم‪ ،‬وتعلَّــم هــو وأبنــاؤه العربيــة؛ ُ‬ ‫فسـ ُّموا املســتعربة‪ ،‬وهــم جمهــور العــرب مــن بــدو‬ ‫وحــر ســاكنو أواســط جزيــرة العــرب‪ ،‬وبــاد الحجــاز إىل باديــة الشــام‪.‬‬ ‫وكان أهــل الجنــوب يعيشــون عيشــة القــرار‪ ،‬أ َّمــا أهــل الشــال‪ :‬فغلبت عليهــم البداوة‬ ‫واالرتحــال‪ ،‬وكانــت لغتا اليمنيــن والعدنانيــن مختلفة يف أوضاعهــا وترصيفها‪.‬‬ ‫ولقــد ســبق عــرب الجنــوب عــرب الشــال يف إنشــاء حضــارة خاصــة‪ ،‬بينــا ظــل‬ ‫معظــم الشــاليني يعيشــون يف بيوتهــم التقليديــة املصنوعــة مــن الشَّ ـ ْعر‪ ،‬ولـــم يظهــروا‬ ‫عامل ًّيــا َّإل ببــزوغ شــمس اإلســام‪.‬‬ ‫أ َّمــا مــن ناحيــة الجنســية؛ فعــرب الشــال ينســبون لجنــس البحــر األبيــض املتوســط‪،‬‬ ‫أ َّمــا عــرب الجنــوب؛ فينســبون للجنــس األلبــي املســمى بالحيثــي أو العــري‪ ،‬ميتــازون‬ ‫باألنــف األقنــى‪ ،‬والخــد املنبســط‪ ،‬والشــعر الكثيــف‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫ـتحكم بــن العدنانيــن والقحطانيني منذ القــدم‪ ،‬واتخذ ٌّكل منهم شــعا ًرا‬ ‫كان العــداء مسـ ً‬ ‫مم أضعــف معنويات الدولــة العربية‪.‬‬‫را؛ َّ‬ ‫يُخالــف اآلخــر‪ ،‬واحتــدم الخــاف بينهام كثـ ً‬ ‫املاملــك العربيــة يف الجاهليــة‪ :‬لـــم تعــرف العــرب قبــل اإلســام نظــام الحكومــة‬ ‫املركزيــة‪ ،‬وإنَّ ــا قبائــل مســتقلة؛ لشــعور الفــرد بقبيلتــه‪ ،‬فالشــعر الجاهــي مملــوء‬ ‫بالشــعر ال َقبَــي مد ًحــا وهجــا ًء‪ ،‬وقـ َّـل أن تجــد شــع ًرا يتغ َّنــي فيــه العــريب بأنَّــه عــريب!‬ ‫ولـــم تكــن الجزيــرة العربيــة وحــدة متامســكة جنسـ ًّيا‪ ،‬وكــذا اللغــة الدينيــة‪ ،‬فضـ ًـا‬ ‫عــن وســائل املعيشــة‪ ،‬فأ َّمــا جنسـ ًّيا‪ :‬فقــد اختلــط منــذ القــدم عــرب الجنــوب باألحبــاش‬ ‫وغريهــم حتــى متيــزوا عــن عــرب الشــال يف خلقتهــم ولونهــم‪ ،‬ومــن ناحيــة اللغــة‪:‬‬ ‫اتســمت لغــة أهــل الجنــوب بالطابــع الحبــي ُم َخالِ َفــة لغــة أهــل الشــال التــي هــي‬ ‫قريبــة مــن العربيــة والنبطيــة‪ ،‬وأ َّمــا مــن ناحيــة الديــن‪ :‬فأهــل الجنــوب عبــدوا األجرام‬ ‫الســاوية‪ ،‬أ َّمــا أهــل الشــال فقــد عبــدوا األصنــام‪.‬‬ ‫وقــد نشــأ بأطــراف جزيــرة العــرب قبــل اإلســام بعــض املاملــك‪ ،‬مثــل ماملــك اليمن‬ ‫يف الجنــوب‪ ،‬ومملكــة الحــرة يف الشــال الرشقــي‪ ،‬ودولــة الغساســنة يف الشــال‬ ‫الغــريب‪ ،‬أ َّمــا وســط بــاد العــرب تســودها الحيــاة القبليــة‪ ،‬ومــع هــذا؛ فقــد امتــازت‬ ‫عــدة مــدن ‪ -‬مكــة‪ ،‬واملدينــة‪ ،‬والطائــف ‪ -‬بحيــاة سياســية خاصــة‪.‬‬ ‫كانــت الجزيــرة تحكــم أحيانًــا بطبقــة مــن بعــض امللــوك املتوجــن‪ ،‬مثــل‪ :‬ملــوك‬ ‫معــن وســبأ‪ ،‬كــا كان رؤســاء العشــائر يقومــون مبــا يقــوم بــه امللــوك متا ًمــا‪ ،‬بعضهــم‬ ‫يُعــرف بالرفعــة والــرف واملكانــة العاليــة بــن العــرب‪ ،‬كبيــت هاشــم بــن عبــد منــاف‪،‬‬ ‫وبيــت آل حذيفــة بــن بــدر وغريهــا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مملكــة معــن‪ :‬ازدهــرت يف جنــوب بــاد العــرب‪ ،‬حيــث مناخهــا املالئــم للزراعة‬ ‫والــري والعتامدهــا عــى التجــارة‪ ،‬تقــع يف جــوف اليمــن‪ ،‬ولـــم يذكــر املؤرخــون‬ ‫القدمــاء أســاء ملــوك معــن وأخبارهــم وأحــوال مملكتهــم‪ ،‬ولكــن رجــال اآلثار كشــفوا‬ ‫لنــا شــيئًا مــن هــذا معتمديــن عــى النقــوش املعينيــة مبــا يفيــد أ َّن نظــام الحكــم فيهــا‬ ‫كان ملك ًّيــا وراث ًّيــا مــن األب لالبــن‪ ،‬وقــد يشــركان يف الحكــم‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫ـا منــذ القــدم‪،‬‬ ‫كان موقعهــا الجغــرايف العظيــم عــى البحــر األحمــر مركـ ًزا تجاريًّــا مهـ ًّ‬ ‫ومــن ث َـ َّم كانــت مملكــة معــن مــن القــوة والغنــى مــا يفــوق مملكــة ســبأ التــي اشـتُهر أمرهــا‬ ‫يف التاريــخ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬مملكــة ســبأ‪ :‬يُطلــق لفــظ (ســبأ) عــادة عــى جميــع تجــار العــرب‪ ،‬وامتــد حكــم ســبأ‬ ‫حــويل (‪ 950‬إىل ‪ 115‬ســنة ق‪.‬م)‪ ،‬انتزعــت ســبأ ســلطان معــن‪ ،‬وآلــت إليهــا الســيادة عــى‬ ‫ـح أن نطلــق اســم‬ ‫الجــزء الجنــويب مــن جزيــرة العــرب يف أزهــى فــرة تاريخهــا‪ ،‬وال يصـ ُّ‬ ‫ســبأ عــى بــاد العــرب الســعيدة؛ ألنَّهــا لـــم تكــن ســوى إقليــم منهــا‪ ،‬وتنســب مملكــة ســبأ‬ ‫إىل ســبأ بــن يشــجب بــن يعــرب بــن قحطــان (جــد عــرب الجنــوب)‪ ،‬وكان لســبأ عــدد مــن‬ ‫األوالد‪ ،‬أشــهرهم حمــر وكهــان‪ ،‬مــرت دولــة ســبأ بحقبتــن‪ ،‬انتهــت األوىل ســنة (‪ 550‬ق‪.‬‬ ‫م)‪ ،‬وامتــدت الثانيــة مــن ســنة (‪ 650‬ق‪.‬م إىل ‪ 115‬ق‪.‬م)‪ ،‬وفيهــا كان الحــكام يحملــون لقــب‬ ‫(ملــك ســبأ)‪ ،‬ال تــزال بقايــا تلــك الحــارضة ممثلــة إىل اليــوم يف الســدود التــي أنشــئت‬ ‫واملــدن املحصنــة والقصــور واملعابــد‪ ،‬وأ َّمــا عــن تجارتهــا‪ ،‬يقــول نيكلســون‪« :‬مــن املؤكــد أ َّن‬ ‫ســبأ كانــت دولــة تجاريــة زاهــرة ملــدة قــرون قبــل ميــاد املســيح»‪ ،‬وقــد ظـ َّـل رخــاء الســبئني‬ ‫قامئًــا حتــى أخــذت التجــارة الهنديــة تهجــر الــر وتســلك الطــرق البحريــة عــى طــول‬ ‫شــواطئ حــر مــوت‪ ،‬وخــال مضيــق بــاب املنــدب‪ ،‬وكانــت نتيجــة هــذا التغــر أن ضعفــت‬ ‫قوتهــم شــيئًا فشــيئًا؛ حتــى اضطــر كثــر مــن الســكان إىل النــزوح إىل الشــال‪.‬‬ ‫وقــد كــر كالم الباحثــن واملؤرخــن حــول شــخصية (ملكــة ســبأ) الــوارد ذكرهــا يف‬ ‫القــرآن‪ ،‬هــل هــي (بلقيــس ابنــة رشحبيــل) ‪ -‬كــا تقــول املصــادر العربيــة ‪ -‬أم لـــم تكــن؟‬ ‫ولـــم يتعــرض القــرآن الكريــم وال الســنة النبويــة الســمها وال نســبها‪ ،‬فاعتربهــا املفــرون‬ ‫(بلقيــس ابنــة رشحبيــل)‪ ،‬ويظــن بعــض الباحثــن أ َّن املــرأة التــي اتصلــت بنبــي اللــه ســليامن‬ ‫كانــت حبشــية الجنــس‪ ،‬أتــت مــن جنــوب جزيــرة العــرب‪ ،‬ومــن أهــم األعــال التــي تقــرن‬ ‫بتاريخيهــا ســدود عــدن التــي كانــت تقــع يف مضيــق منحــدر‪.‬وأ َّمــا عــن ســقوط دولــة ســبأ‪:‬‬ ‫فقــد ن ََســبه مؤرخــو العــرب إىل حــادث تصــدع ســد مــأرب الــذي هــو مــن أهــم مرافــق‬ ‫حياتهــم الزراعيــة‪ ،‬وقــد حــدث هــذا التصــدع عــدة مــرات متعاقبــة كــا قــال (جــازر)‪،‬‬ ‫وأرجــع بعــض املؤرخــن األوربيــن ســبب اختفــاء الســبئيني إىل مــا أصــاب البــاد مــن‬ ‫ضعــف التجــارة يف مقابــل النشــاط التجــاري الرومــاين يف البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫(‪ )3‬مملكــة حمــر‪ :‬تفرقــت الســلطة يف بــاد اليمــن بعــد ســقوط دولــة ســبأ يف أيــدي‬ ‫الحــكام واألمــراء األقويــاء‪ ،‬وكان لــكل قــر مــن قصــور اليمــن حاكــم مســتقل يعــرف‬ ‫بإضافتــه إليــه‪ ،‬فيقــال (ذو ريــدان)‪ ،‬أي‪ :‬حاكــم ريــدان‪ ،‬ومــن أشــهرها قــر (ناعــط)‪،‬‬ ‫وقــر (ســلحني)‪ ،‬وكان القــوي مــن أدواء اليمــن يتغلــب عــى بعــض البــاد التــي يف جــواره‬ ‫ويكــون لــه الحكــم فيهــا وعندئـ ٍـذ يســمى مجمــوع مملكتــه محفـ ًدا‪ ،‬وإذا مــا اجتمعــت عــدة‬ ‫محافــد مــع مــا يلحقهــا مــن القــرى واملــزارع يف حكــم شــخص واحــد ســميت مخالفًــا‬ ‫وصاحبهــا مل ـكًا‪ ،‬ولقــد اســتطاع صاحــب ريــدان قبــل نهايــة القــرن األول قبــل امليــاد أن‬ ‫يتغلــب عــى جملــة مخاليــف ويضمهــا إىل مخالفــه؛ وعندئـ ٍـذ تكونــت دولــة حمــر التــي تقــع‬ ‫قســم حكمهــم‬‫بــن ســبأ والبحــر األحمــر ســنة (‪ 115‬ق‪.‬م)‪ ،‬واســتمرت حتــى ســنة (‪ 300‬م)‪ ،‬ويُ َّ‬ ‫قســمني‪ ،‬األول‪ُ :‬عــرف باســم (ملــوك ســبأ وريــدان)‪ ،‬والثــاين‪( :‬ملــوك ســبأ وريــدان وحــر‬ ‫مــوت)‪ ،‬أو يســمون التبابعــة الذيــن كانــوا يقيمــون عــى العــرب حكا ًمــا منهــم يســمونهم‬ ‫ملــوكًا‪ ،‬وأصبــح الحمرييــون تحــت حكــم ملوكهــم املعروفــن بالتبابعــة‪ ،‬قــوة يرهــب جانبهــا‬ ‫يف الجنــوب يف بــاد العــرب‪ ،‬وظــل نفوذهــم ‪ -‬ولــو ظاهريًــا ‪ -‬عــى القبائــل الشــالية حتــى‬ ‫القــرن الخامــس بعــد امليــاد‪.‬‬ ‫جمــع الحــارث الرائــش ‪ -‬ت َّبــع األول ‪ -‬كل ســلطة بيــده وتغلــب عــى حــر مــوت ومهــرة‬ ‫وعــان وافتتحــت جيوشــه الهنــد والســند وأرض بابــل وخراســان والشــام واملــرق‪ ،‬ثــم‬ ‫خلــف الحــارث ابنــه الصعــب ذي القرنــن‪ ،‬وهــو مــن أشــهر ملــوك التبابعــة‪ ،‬ويرى نيكلســون‬ ‫نســابة العــرب بينهــا وبــن ذي القرنــن الــوارد ذكــره يف‬‫أ َّن الصعــب قصــة خرافيــة‪ ،‬خلَّــط َّ‬ ‫القــرآن‪ ،‬ومــن املعــروف عنــد املؤرخــن والباحثــن أ َّن املقصــود بــذي القرنــن الــوارد ذكــره‬ ‫يف القــرآن ليــس اإلســكندر األكــر املقــدوين‪ ،‬بــل هــو شــخصية عربيــة رصفــة‪.‬‬ ‫ومــن أشــهر ملــوك حمــر (شــمر يرعــش) بــن مالــك نــارش النعــم‪ ،‬الــذي غــزا العــراق‬ ‫وفــارس وخراســان وبــاد الصــن‪ ،‬وكانــت دولــة حمــر دولــة حربيــة بخــاف دولــة ســبأ‬ ‫التــي اهتمــت مبصالحهــا التجاريــة‪ ،‬كــا كان موقــع حمــر البحــري مــن أســباب ســقوطها‬ ‫يف يــد األحبــاش‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫الغزو األجنبي لجنوب بالد العرب‬ ‫ـا غــزا اإلســكندر األكــر بابل‪ ،‬وتقـ َّدم إىل‬‫كانــت بــاد العــرب مطم ًعــا لألجانــب‪ ،‬ولــ َّ‬ ‫مــا وراء نهــر الســند‪ ،‬شــعر بأهميــة الجزيــرة العربيــة اســراتيج ًّيا‪ ،‬ولكــن املــوت عاجلــه‬ ‫قبلهــا‪ ،‬وقســمت إمرباطوريتــه‪ ،‬وأصبحــت حــدود مــر وفلســطني ‪ -‬ســكنى العــرب ‪-‬‬ ‫مــن نصيــب بطليمــوس‪ ،‬وقــد غــزا بومبيــوس الشــام وفلســطني ســنة (‪ 61‬ق‪.‬م) وعقــد‬ ‫لحفــا مــع الحــارث‪ ،‬وقــد بقيــت الجزيــرة العربيــة طــوال العــر الجاهــي بعيــدة عــن‬ ‫أيــدي الغــزاة‪ ،‬ويف الربــع األخــر مــن القــرن األول عهــد أغســطس فكــر يف مــد‬ ‫أطــراف إمرباطوريتــه‪ ،‬وذلــك باالســتيالء عــى شــبه جزيــرة العــرب وإثيوبيــا‪ ،‬ولكــن‬ ‫شــمس الجزيــرة املحرقــة وميــاه اآلبــار التــي لـــم يتعــودوا عليهــا حالــت دون ذلــك‬ ‫واضطــروا إىل العــودة مرسعــن بعــد مــا أصابتهــم األمــراض‪ ،‬وإن كان الغــزو قــد‬ ‫فشــل حرب ًّيــا َّإل أنَّــه اســتطاع أن ميــد العالـــم مبعلومــات عــن الجزيــرة العربيــة عــن‬ ‫طريــق الكاتــب املشــهور (ســرابون) الــذي اصطحبــه معــه‪ ،‬وبعدهــا أرســل الرومــان‬ ‫وفــو ًدا مــن الرهبــان إىل جزيــرة العــرب‪ ،‬وأمروهــم أن يبثــوا التعاليــم املســيحية بــن‬ ‫أهــل الحــر والباديــة مــن جهــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى ميهــدوا األفــكار والنفــوس لقبــول‬ ‫التســلط الســيايس‪ ،‬كــا اســتطاعوا أن يجعلــوا مــن الحبشــة املواجهــة لبــاد اليمــن‬ ‫واليــة رومانيــة مســيحية‪ ،‬ف َِطــن الفــرس لتلــك الخديعــة؛ فبــدأوا بتوجيــه الحمرييــن‬ ‫إىل اعتنــاق الديانــة اليهوديــة‪ ،‬ويف عهــد (املثامنــة) غــزا األحبــاش بعــض أجــزاء مملكــة‬ ‫را ذو‬‫حمــر‪ ،‬وأرســل النجــايش والتــه املســيحيني؛ ليحكمــوا باســمه‪ ،‬حتــى قــام أخ ـ ً‬ ‫نــواس ‪ -‬يهــودي متعصــب مــن ســالة تب َّيــع بــن أســعد ‪ -‬وطــرد األرشاف الثائريــن‬ ‫ـا لليمــن وعــزم عــى اســتئصال النرصانيــة مــن نجــران‪ ،‬وعندهــا خوطب‬ ‫وأصبــح حاكـ ً‬ ‫النجــايش باألمــر فأرســل جيشً ــا مــن ســبعني ألــف حبــي إىل اليمــن ووقعــت يف‬ ‫قبضــة األحبــاش‪ ،‬ولـــم يســتطع ذو نــواس أن يعتمــد عــى أرشاف حمــر‪ ،‬وانتهــى األمر‬ ‫ـا حبش ـ ًّيا عــى اليمــن بعــد مــوت‬ ‫بخذالنــه وأصبــح أريــاط ‪ -‬قائــد النجــايش ‪ -‬حاكـ ً‬ ‫ذي نــواس‪.‬‬ ‫قامــت املنافســة بــن أريــاط‪ ،‬وبــن أبرهــة أحــد قــواد األحبــاش‪ ،‬ولـــم يلبــث أن قتل‬ ‫أريــاط وخلَّفــه أبرهــة عــى اليمن‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫عــزم أبرهــة عــى بنــاء كنيســة يف صنعــاء ليــرف الحجــاج العــرب عــن الكعبــة‬ ‫إليهــا‪ ،‬وعندمــا أتــم بناءهــا وســمعه رجــل مــن كنانــة أيت القليــس ولطخهــا باألقــذار؛‬ ‫ـا دفــع أبرهــة لغــزو مكــة‪ ،‬وميكــن اعتبــار هــذه الحملــة محاولــة مــن محــاوالت‬ ‫مـ َّ‬ ‫الدولــة الرومانيــة الرشقيــة لالســتيالء عــى بــاد العــرب‪ ،‬بعــد أن فشــلت بيزنطــة يف‬ ‫نــر دينهــا يف جنــوب جزيــرة العــرب‪ ،‬فليــس مســتبع ًدا أن تكلــف بيزنطــة أبرهــة‬ ‫بالقيــام بهــذه الحملــة‪ ،‬التــي حاولــت كســب ود أبرهــة مــن قبــل‪ ،‬وعــى أي حــال؛ فقــد‬ ‫ـر أمامــه الفيلــة وســار لهــدم الكعبــة‪،‬‬ ‫ـا مــن األحبــاش سـ َّ‬ ‫ج ـ َّرد أبرهــة جيشً ــا عظيـ ً‬ ‫وعندمــا اقــرب مــن مكــة عســكر يف (املغمــس)‪ ،‬وأرســل أبرهــة قائــده األســود بــن‬ ‫ـوال وأرســلها لــه‪ ،‬ثــم بعــث أبرهــة (حناطــة الكلبــي الحمــري)‬ ‫مقصــود فأصــاب أمـ ً‬ ‫ـأت َّإل لهــدم الكعبــة وليــس لحــرب أهــل‬ ‫إىل مكــة؛ ليخــر رشيفهــا بــأ َّن أبرهــة لـــم يـ ِ‬ ‫مكــة‪ ،‬وعندمــا دخــل حناطــة مكــة ســأل عــن ســيد قريــش ليأتيــه فجــاءه عبــد املطلــب‬ ‫ـا رآه أبرهــة أجلــه وأكرمــه‪ ،‬وعندئـ ٍـذ طلــب منــه‬ ‫بــن عبــد منــاف برفقــة حناطــة‪ ،‬فلـ َّ‬ ‫عبــد املطلــب أن يــرد عليــه مائتــي بعــر أصابهــا قائــده (األســود بــن مقصــود)‪ ،‬فقــال‬ ‫لــه‪« :‬أتكلمنــي يف مائتــي بعــر وتــرك بيتًــا هــو دينــك وديــن آبائــك ؟!»‪ ،‬فقــال عبــد‬ ‫«إن أنــا رب اإلبــل‪ ،‬وإ َّن للبيــت ربًّــا يحميــه»‪ ،‬ولـــم يُفلــح عبــد املطلــب يف رده‬ ‫املطلــب‪ِّ :‬‬ ‫عــن الكعبــة‪ ،‬وخــذل أبرهــة وهــزم جيشــه‪ ،‬ويعــرف عــام هــذا الحــادث بعــام الفيــل‪،‬‬ ‫مــات أبرهــة بعــد عودتــه بقليــل‪ ،‬وتــوىل ولــده (يكســوم) بعــده‪ ،‬ثم (مــروق)‪ ،‬واشــتدت‬ ‫وطأتهــا عــى اليمــن‪ ،‬وبعدهــا متكــن عــرب الجنــوب باالتحــاد مــع الفــرس بقيــادة‬ ‫(وهــرز) مــن إجــاء األحبــاش إىل حــن‪ ،‬وتنصــب ســيف بــن ذي يــزن مل ـكًا عليهــم‪،‬‬ ‫ـا رحــل‬‫وفــرض كــرى عــى ابــن ذي يــزن جزيــة وخرا ًجــا يؤديانهــا كل عــام‪ ،‬ولــ َّ‬ ‫الفــرس؛ قتــل ســيف‪ ،‬فلــا ســمع كــرى بذلــك أرســل جيشً ــا ثان ًيــا بقيــادة (وهــرز)‪،‬‬ ‫فتالشــت مقاومــة األحبــاش متا ًمــا‪ ،‬وغــدت اليمــن إمــارة فارســية‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫الممالك العربية على التخوم‪:‬‬ ‫يف منتصــف القــرن الثالــث املســيحي كانــت بــاد العــرب بــن أعظــم إمرباطوريتــن‬ ‫يف ذلــك الحــن (الفارســية ‪ -‬الرومانيــة) اللتــن كانتــا ُعرضــة لغــزو البــدو‪ ،‬وقــد‬ ‫حــاول الفــرس والــروم غــزو الجزيــرة العربيــة‪ ،‬ولكــن رسعــان مــا يرتاجعــون‪ ،‬وعندئـ ٍـذ‬ ‫فكــروا يف إيجــاد حاميــة عــى حدودهــا املقابلــة للصحــراء ولطاملــا ســعى الرومــان إىل‬ ‫تأمــن حدودهــم بخلــق مســاحات مقفــرة تفصــل بالدهــم عــن بــاد أعدائهــم‪ ،‬وأ َّمــا‬ ‫فــارس‪ :‬فقــد شــعرت بأهميــة غــرض رومــا الــذي كانــت هــي نفســها تهــدف إليــه عــى‬ ‫الفــرات األعــى‪ ،‬فــرأت إدخــال بعــض القبائــل املغــرة يف خدمــة اإلمرباطــور‪ ،‬وبهــذه‬ ‫الوســيلة تكونــت إمــارة الحــرة عــى تخــوم الــروم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬إمــارة الحــرة‪ :‬تقــع جنــوب الكوفــة (النجــف)‪ ،‬واختلــف يف تســميتها عــى‬ ‫أقــوال‪ ،‬منهــا أنَّهــا مــن أصــل آرامــي يعنــي‪( :‬املعســكر)‪.‬‬ ‫ســكن وادي الفراتــن يف فجــر التاريــخ جيــان مــن النــاس (الشــمريون ‪-‬‬ ‫األكديــون)‪ ،‬وقــد اتصــل ســكان الجزيــرة العربيــة بالعــراق مــن أقــدم عصــوره تجاريًّــا‬ ‫وارتحــال‪ ،‬ولكــن أســاء قبائلهــم وبطونهــم غــر معروفــة تحديــ ًدا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أو هجــرة‬ ‫تطلَّــع العــرب املوجــودون يف البحريــن إىل رديــف العــراق‪ ،‬ونــزل كثــر مــن تنــوخ‬ ‫األنبــار والحــرة حتــى الفــرات فســموا عــرب الضاحيــة‪ ،‬وكان أول ملــك عليهــم (مالــك‬ ‫بــن فهــم)‪ ،‬ثــم انتقــل امللــك إىل (عمــرو بــن فهــم)‪ ،‬ثــم إىل (جذميــة األبــرش)‪ ،‬واتصف‬ ‫األخــر برجاحــة عقلــة واالتــزان والحــزم‪.‬‬ ‫وجديســا يف منازلهــا‪ ،‬ولـــم يكــن موف ًقــا يف هــذه الغــزوة ومــن‬ ‫ً‬ ‫ـا‬ ‫‪ -‬غــزا جذميــة طسـ ً‬ ‫حــروب جذميــة حربــة مــع عمــرو بــن ظــرب بــن حيــان التــي انتــر فيهــا بعــد قتــال‬ ‫شــديد قتــل خاللــه عمــرو بــن ظــرب‪ ،‬واكتفــى جذميــة بقتله‪ ،‬ولـــم يضــم ملكه إليــه‪ ،‬ولكن‬ ‫ابنــة عمــرو احتالــت عــى جذميــة بأن كتبــت إليه تخــره برغبتهــا بالــزواج منه‪ ،‬فاستشــار‬ ‫يف األمــر‪ ،‬ووافــق رجالــه َّإل وزيــره قصيــد بــن ســعد‪ ،‬ولكنــه عــزم وســار مــع وجــوه قومه‪،‬‬ ‫ولكنهــا مــا لبثــت أن قبضــت عليــه وقتلتــه رش قتلــة انتقا ًمــا ألبيهــا عمــرو بــن ظرب‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫‪ -‬انقســم عــرب الحــرة أوائــل القــرن الثالــث امليــادي إىل ثالثــة أصنــاف‪( :‬تنــوخ)‬ ‫أصحــاب املظــال وبيــوت الشــعر والوبــر‪ ،‬و(األحــاف) الذيــن لحقــوا بأهــل الحــرة‪،‬‬ ‫و(ال ُع َّبــاد) هــم الذيــن ســكنوا الحــرة وبنــوا فيهــا املســاكن واألديــرة‪ ،‬وعرفــوا بذلــك‬ ‫ألنهــم كانــوا يعبــدون اللــه‪.‬‬ ‫‪ -‬وقــد ســكن اليهــود الحــرة أيضً ــا وظلُّــوا فيهــا حتــى الفتــح اإلســامي‪ ،‬وقــد ســكن‬ ‫الحــرة جانــب العــرب واليهــود النبــط والفــرس‪ ،‬وبعــد وفــاة جذميــة األبــرش‪ :‬انتقــل‬ ‫امللــك إىل ابــن أختــه عمــرو بــن عــدي بــن نــر رأس بيــت اللخميــن أو املنــاذرة‪ ،‬وبعد‬ ‫مــوت عمــرو بــن عــدي‪ :‬تــوىل ابنــه امــرؤ القيــس األول إمــارة الحــرة‪ ،‬وأمــه ماويــة‬ ‫بنــت عمــرو أخــت كعــب بــن عمــرو األزدي‪ ،‬وكانــت األحــوال السياســية يف فــارس‬ ‫مالمئــة لــه ملــد ســلطانه وتوســيع ملكــه‪ ،‬وذلــك بعــد أن تُــويف امللــك بهــرام الثــاين‬ ‫ســنة (‪ 282‬م) لـــم يحكــم خليفتــه بهــرام الثالــث أكــر مــن أربعــة أشــهر‪ ،‬وبعــد وفاتــه‬ ‫قــام النــزاع عــى العــرش بــن ابنيــه (نرســس ‪ -‬هرمــزدز) انتهــى بانتصــار نرســس‬ ‫واختفــاء هرمــزدز متا ًمــا‪ ،‬وبعــد ثــاث ســنوات مــن توليــه الحكــم قــام بغــزو أرمينيَّــا‪،‬‬ ‫وطــرد ملكهــا ترييداتيــس‪ ،‬فالتجــأ إىل دقلديانــوس لحاميتــه‪ ،‬فأرســل دقلديانــوس‬ ‫جيشً ــا بقيــادة جالريــوس‪ ،‬واشــتبك الجيشــان يف معركتــن غــر حاســمتني‪ ،‬ويف املــرة‬ ‫الثالثــة هــزم الجيــش الرومــاين هزميــة منكــرة‪ ،‬وفــر (ترييدانيــس وجالريــوس) ســب ًحا‬ ‫يف ميــاه الفــرات‪ ،‬ونجيــا مــن القتــل‪ ،‬ولكــن اإلمرباطــور دقلديانــوس أراد اســرداد‬ ‫شــمعته‪ ،‬فأرســل جالريــوس مــرة أخــرى لينــازل الفــرس‪ ،‬وفاجأهــم ليـ ًـا ملعســكرات‬ ‫أرمينيــة‪ ،‬ففــر قائــد الفــرس‪ ،‬وأبيــد الجيــش عــن أخــره‪ ،‬وقــد انتهــي هــذا النــزاع مــع‬ ‫رومــا الــذي أثــاره نرســس نفســه مبأســاة قضــت عــى عرشــه‪ ،‬فقــد تنــازل عــن الحكــم‬ ‫ســنة (‪ 301‬م) بعــد أن شــاهد هــذا التقــدم العظيــم الــذي أحرزتــه قواتــه يف الدولــة‬ ‫ـا عجــز عنــه أســافه‪.‬‬ ‫مـ َّ‬ ‫اســتغل امــرؤ القيــس هــذا املوقــف يف فــارس فــواىل الساســانيني حتــى حفــظ‬ ‫تــول مملكــة الحــرة بعــد‬ ‫عرشــه‪ ،‬ويف الوقــت نفســه خضــع لنفــوذ الرومــان‪ ،‬ثــم َّ‬ ‫امــرئ القيــس ابنــه عمــرو‪ ،‬ويعــرف باســم (عمــرو الثــاين) أمــه هنــد بنــت كعــب‪ ،‬ولـــم‬ ‫ـض املؤرخــون بالــكالم يف حكمــه وسياســته‪ ،‬ثــم خلفــه يف الحكــم (أوس بــن قــام)‬ ‫يُفـ ِ‬ ‫‪13‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫بعــد تنــازع أوالد عمــرو عــى الحكــم وقــام أوس بطردهــم خــارج الحــرة‪ ،‬ولك َّنهــم‬ ‫تربصــوا بــه وقتلــوه بعــد خمــس ســنوات مــن حكمــه‪.‬‬ ‫انتقــل الحكــم إىل امــرؤ القيــس الثــاين‪ ،‬ثــم بعــد وفاتــه انتقــل الحكــم إىل ابنــه‬ ‫النعــان األول‪ ،‬فــكان أشــد نكايــة يف األعــداء‪ ،‬فلقــد غــزا الشــام عــدة مــرات وأكــر‬ ‫املصائــب يف أهلهــا وكان ذا مــكان رفيــع يف بــاد الفــرس ونفــوذ عظيــم يف قــر‬ ‫األكارسة‪ ،‬واشــتهر بأنَّــه بــاين الخورنــق والســديد‪ ،‬وكانــت لهــا شــهرة عظيمــة يف‬ ‫تاريــخ الحــرة حتــى نســب النعــان إليهــا‪ ،‬خلــف النعــان ابنــه املنــذر األول عــى‬ ‫الحــرة‪ ،‬وأمــه هنــد بنــت زيــد‪ ،‬ولقــد امتــد اضطهــاد النصــارى الــذي بــدأه يزدجــرد‬ ‫األول خــال األعــوام الخــرة مــن حكمــه إىل عهــد بهــرام جــور بحميــه ونشــاط وبلــغ‬ ‫مــن قســوته أن عــر عــدد كبــر مــن النصــارى حــدود الدولــة الفارســية‪ ،‬ووضعــوا‬ ‫أنفســهم تحــت الحاميــة الرومانيــة‪ ،‬فأغضــب هــذا العمــل بهــرام جــور‪ ،‬وطلــب منهــم‬ ‫أن يخضعــوا لحكمــه‪ ،‬فقُوبــل طلبــه بالرفــض‪ ،‬فنشــبت الحــرب‪ ،‬وانهــزم الفــرس هزميــة‬ ‫منكــرة‪ ،‬فكابــد ســنة (‪ 421‬م) هزميــة لحقــت بجيشــه العــريب‪.‬‬ ‫وبعــد وفــاة املنــذر؛ انتقــل إىل النعــان الثــاين‪ ،‬ثــم خلفــه عــى الحــرة أخوه األســود‬ ‫بــن املنــذر‪ ،‬وأمــه ِهــر ابنــة النعــان مــن بنــي الهيجامنــة ابنــة عمــرو بــن أيب ربيعــة‬ ‫مــن لخــم‪ ،‬كانــت لعمــرو كتيبــة شــديدة البــأس (امللجــأ) يظــن أنَّــه اســتخدمها يف‬ ‫حربــه مــع الغساســنة‪ ،‬انتقــل امللــك بعــد املنــذر الثــاين بــن املنــذر األول إىل النعــان‬ ‫الثالــث بــن األســود الــذي أغفــل ذكــره كثــر مــن مؤرخــي العــرب‪ ،‬ولكــن مــا يذكــر‬ ‫عنــه أنَّــه اشــرك يف حــروب أبــى فيهــا بــاء حس ـ ًنا عنــد الرومــان وحلفائهــم مــن‬ ‫العــرب يف ســورية‪.‬‬ ‫ـن (قبــاذ) خليفــة لــه رجـ ًـا دخيـ ًـا ليــس مــن آل نــر هــو أبــو‬ ‫ـا تُـ ِّ‬ ‫ـوف؛ عـ َّ‬ ‫ولــ َّ‬ ‫يعفــر علقمــة تــوىل الحكــم بعــد أيب يعفــر علقمــة (امــرؤ القيــس الثالــث) الــذي اقــرن‬ ‫اســمه بقتالــه ربيعــة بــن نــزار يف البحريــن ونجــد قبــل بلوغــه العــرش‪ ،‬واختطــف منهــا‬ ‫مــاء الســاء (ماويــة) التــي تزوجهــا‪ ،‬وأنجــب منهــا ابنــه املنــذر أشــهر ملــوك الحــرة‪.‬‬ ‫كانــت رومــا يف أثنــاء حــرب قبــاذ مــع الهــون قــد تقدمــت نحــو التخــوم الفارســية‬ ‫‪14‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫فأرســل قبــاذ ســفارة إىل رومــا ليتحجــج عــى نقــض رشوط الصلــح التــي أبرمــت بــن‬ ‫الدوليتــن عــام (‪ 505‬م)‪ ،‬ولكــن اإلمرباطــور لـــم يُص ـغِ لذلــك‪ ،‬ومــى يف سياســة‬ ‫العدوانيــة حتــى مــات ســنة (‪ 518‬م)‪ ،‬وخلفــه جســتني األول ســلفه‪ ،‬وعقــد محالفــة ضــد‬ ‫فــارس مــع أحــد ملــوك الهــون وقبــل خضــوع أمــر لزقــا لنفــوذه‪ ،‬ومــع ذلــك لـــم‬ ‫تعلــن الحــرب بــن الدولتــن َّإل عــام (‪ 526‬م) عندمــا هزمــت رومــا أرمين َّيــا الفارســية‪،‬‬ ‫وكان قائــد تلــك الحملــة (بليزاريــوس) فشــل فشـ ًـا ذري ًعــا‪ ،‬كــا أخفــق الرومــان يف‬ ‫فتــح الجزيــرة أيضً ــا‪ ،‬وعــاد الــروم ســنة (‪ 528‬م)‪ ،‬وفشــلوا أيضً ــا‪ ،‬وعلــم اإلمرباطــور‬ ‫أ َّن ســبب الفشــل ضعــف القــوات الحربيــة تحــت القائــد (بليــزا ريــوس)؛ لذلــك لقبــه‬ ‫بقائــد الــرق‪ ،‬وج َّنــد قــوة حربيــة مــن خمســة وعرشيــن أل ًفــا‪ ،‬والتقــى جيــش الفــرس‬ ‫والــروم‪ ،‬وألحــق الفــرس بالــروم خســائر فادحــة بقيــادة (فــروز مهــران)‪.‬‬ ‫وحــوايل عــام (‪ 480‬م) امتــد نفــوذ قبيلــة كنــدة‪ ،‬ويف ذلــك الحــن كانــت تعاليــم‬ ‫مــزدك االشــراكية‪ ،‬وقــد اتســع نطــاق دعوتهــا‪ ،‬وتغلغلــت بــن العامــة يف فــارس‪،‬‬ ‫ـا تــوىل كــرى أنــورشوان عــرش‬ ‫وانتهــى األمــر أن اعتنقهــا امللــك قبــاذ نفســه‪ ،‬ولــ َّ‬ ‫را مــن أتبــاع مــزدك‪ ،‬وفـ َّر الحــارث بعدئـ ٍـذ بــأرض كلــب‪ ،‬وقيــل‪ :‬إنَّــه‬ ‫فــارس قتــل كثـ ً‬ ‫قتــل هنــاك بعــد أن فـ َّرق ولــده يف قبائــل العــرب‪ ،‬ولقــد ظــل املنــذر بــن مــاء الســاء‬ ‫يتحــن الفرصــة لالنتقــام مــن أوالد الحــارث‪ ،‬ووقعــت الحــرب بينهــم‪ ،‬وفــ َّر أوالد‬ ‫َّ‬ ‫ـال‬ ‫الحــارث‪ ،‬وأرســل املنــذر يدعوهــم لطاعتــه‪ ،‬فأبــوا؛ فســار إليهــم بجيشــه‪ ،‬واقتتلــوا قتـ ً‬ ‫شــدي ًدا وهــزم أوالد املنــذر‪ ،‬وعرفــت هــذه الواقعــة بـــ (يــوم أوارة األول)‪.‬‬ ‫‪ -‬وقــام املنــذر بــدور مهــم يف إخضــاع رومــا‪ ،‬وذلــك عندمــا رغــب أنــو رشوان يف‬ ‫عقــد صلــح مــع رومــا حتــى يشــعر بالطأمنينــة داخــل مملكتــه‪ ،‬وكانــت هــذه الرغبــة‬ ‫متبادلــة بــن العاهلــن الرومــاين والفــاريس‪ ،‬فوضعــا حــ ًّدا للحــرب‪ ،‬واتفقــا عــى‬ ‫رشوط‪ ،‬مــن أهمهــا‪ :‬أ َّن رومــا حليفــة فــارس إىل األبــد‪ ،‬ونتــج عنــه غــزو (جســتنيان)‬ ‫األفريقيــة‪ ،‬ويقــي عــى الوانــدال والقــوط بإيطاليــا‪ ،‬نســبت للمنــذر بــن مــاء الســاء‬ ‫حــرب (يــوم عــن أبــاغ)‪ ،‬وقيــل‪ :‬إنَّــه قتــل فيهــا‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫‪ -‬اختلــف املؤرخــون يف ديانــة املنــذر (وثنيــة ‪ -‬نرصانيــة)‪ ،‬ونــود أن نشــر إىل أن‬ ‫هنــاك كنيســة كانــت تقــوم بجــذب الوثنيــن إىل حظريتهــا‪ ،‬ولكــن ذكــر بعــض مؤرخــي‬ ‫العــرب يف ســبيل التدليــل عــى وثنيــة املنــذر أنــه كان يقتــل بعــض أرسه‪ ،‬ويقلدهــم‬ ‫قربانًــا لنجــم فينــوس‪ ،‬وأنكــر (نيكلســون) نرصانيــة املنــذر‪.‬‬ ‫‪ -‬خلــف املنــذر عــى مملكــة الحــرة ابنــه عمــرو الثالــث‪ ،‬ويعــرف باســم (مــرط‬ ‫الحجــارة)‪ ،‬واش ـتُهر باســم أمــه هنــد ابنــة الحــارث بــن عمــرو بــن حجــر آكل املــرار‬ ‫(هنــد الكــرى) نســبت إىل عمــرو الحــرب املعروفــة (بيــوم أوارة الثــاين)‪ ،‬وكان عمــرو‬ ‫ٍ‬ ‫وقتئــذ مشــهورة باملبرشيــن‬ ‫حســب رؤيــة شــيوخه عــى النرصانيــة‪ ،‬وكانــت الحــرة‬ ‫الداعــن إىل املســيحية‪ ،‬وقــد بلــغ عمــرو بــن هنــد منتهــى العجــب بعظمتــه وســطوته‬ ‫عــى قبائــل العــرب‪ ،‬وقُتــل عمــرو عندمــا أهانــت أمــه أم عمــرو بــن كلثــوم يف مأدبــة‬ ‫أقامتهــا بظاهــر الحــرة‪.‬‬ ‫‪ -‬تــوىل الحكــم بعــده أخــوة قابــوس بــن املنــذر‪ ،‬وبعــد قتــل قابــوس اســتوىل عــى‬ ‫حكــم الحــرة رجــل دخيــل ليــس مــن ســالة اللخميــن‪ ،‬يُقــال لــه‪« :‬الســهرب»‪ ،‬ولك َّنــه‬ ‫لـــم يســتمر طويـ ًـا‪ ،‬وعــاد النفــوذ إىل اللخميــن باعتــاء املنــذر الرابــع بــن املنــذر‬ ‫الحكــم يف الحــرة‪ ،‬ولقــد حــدث خلــط عنــد املؤرخــن بــن املنــذر بــن مــاء الســاء‪،‬‬ ‫وابنــه املنــذر الرابــع‪ ،‬وبعــد مــوت املنــذر الرابــع؛ تــوىل (أبــو قابــوس) آخــر ملــك‬ ‫لخمــي عــى الحــرة‪ ،‬ونشــأ يف أرسة نرصانيــة‪ ،‬قامــت برتبيتــه وتعليمــه‪ ،‬واســتطاع زيــد‬ ‫بواســطة دهقــان أن يجتــذب عطــف كــرى أنــو رشوان‪ ،‬وكان أنــو رشوان يبعــث بــه‬ ‫إىل القســطنطينية يف بعــض الســفارات بطاعتــه‪ ،‬نظ ـ ًرا لحبــه لــه‪ ،‬وإعجــاب بذكائــه‪،‬‬ ‫وقــد أعــان عــدي النعــان عــى بلــوغ امللــك‪ ،‬وهــو الــذي غضــب منــه‪ ،‬فألقــاه يف‬ ‫الســجن رد ًحــا طويـ ًـا‪ ،‬ثــم قتلــه يف النهايــة‪ ،‬وأراد زيــد بــن عــدي أن يثــأر ألبيــه‪،‬‬ ‫فأوقــع بينــه وبــن كــرى مبكيــدة فعلهــا‪ ،‬حتــى جعــل كــرى يــزج بالنعــان يف‬ ‫الســجن‪ ،‬ووىل مكانــه إيــاس بــن قبيصــة ‪ -‬ليــس مــن البيــت املالــك ‪.-‬ويف ذلــك‬ ‫الوقــت‪ :‬وقعــت (موقعــة ذي قــار) املشــهورة بــن قبيلــة بكــر والفــرس ومــن انضــم‬ ‫إليهــم مــن العــرب‪ ،‬وكان النــر حليــف العــرب‪ ،‬وهــذه الواقعــة تزامنــت مــع بــدء‬ ‫محمــد ‪ -‬صــى اللــه عليــه وســلم ‪ -‬بالدعــوة لرســالته‪ ،‬وقــد أصبحــت الحــرة بعــد ذلــك‬ ‫‪16‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫املوقعــة مرزبــة فارســية يديــر شــؤونها نائــب لكــرى مــن الفــرس‪ ،‬غــر أ َّن املنــاذرة‬ ‫مــا لبثــوا أن اســتعادوا ســلطتهم عــى الحــرة‪ ،‬فــوىل مكانهــا املنــذر بــن النعــان بــن‬ ‫املنــذر‪ ،‬وظــل وال ًيــا عليهــا حتــى دخلهــا اإلســام‪.‬‬ ‫(‪ )2‬مملكــة تدمــر‪ :‬خضــع عــرب باديــة الشــام لتيــارات السياســة العامليــة قبــل‬ ‫إخوانهــم عــرب الجزيــرة بزمــن طويــل‪ ،‬فمنــذ عهــد امللــك األشــوري (تجالفــا الرس)‪،‬‬ ‫(‪ 728 - 745‬ق‪.‬م) كان للعــرب هنــاك مملكــة عاصمــة الجــوف‪.‬‬ ‫‪ -‬ويف عهــد اللخميــن املتأخريــن نشــأت دولــة األنبــاط‪ ،‬واحــرف أهلها التجــارة قبل‬ ‫مولــد املســيح بزمــن طويــل‪ ،‬وكان األنبــاط يتكلمــون اللغــة العربيــة‪ ،‬ويــرى (أنوليثــان)‬ ‫أ َّن لهجتهــم آراميــة اختلــط بهــا صيــغ وكلــات عربيــة‪ ،‬وكان مركــز األنبــاط مرك ـ ًزا‬ ‫را بــن الــدول الهلينيــة إال أ َّن الرومــان قضــوا عــى اســتقاللهم وضمــوا مملكتهــم‬ ‫معتـ ً‬ ‫إىل اإلمرباطوريــة الرومانيــة‪ ،‬فأصبحــت واليــة صغــرة تابعــة للرومــان‪ ،‬واســتطاع‬ ‫أذينــة بــن الســميع شــيخ عشــرة عــريب أن يُنشــئ دولــة مســتقلة يف ســورية الرشقيــة‬ ‫(تدمــر)‪ ،‬ومعناهــا باآلراميــة (األعجوبــة واملعجــزة)‪ ،‬وكانــت تدمــر أســعد حظًّــا مــن‬ ‫دولــة األنبــاط؛ إذ كانــت الســيادة فيهــا للعــرب‪ ،‬مــع كــون غالــب ســكانها آرامنيــن‬ ‫متأثريــن بالحضــارة اإلغريقيــة‪ ،‬واســتطاعت تدمــر أن ت ُســيطر عــى شــؤون التجــارة‬ ‫كــا ســيطر عليهــا األنبــار‪ ،‬وعــززت مركزهــا االقتصــادي زنوبيــا التــي اعتلــت عــرش‬ ‫ـا عــى الفــرس‪ ،‬فرتبعــت‬ ‫را عظيـ ً‬ ‫تدمــر بعــد اغتيــال زوجهــا أذينــة‪ ،‬بعدمــا أحــرز نـ ً‬ ‫زنوبيــا (الزباخــر) عــى عــرش تدمــر ســنة (‪ 267‬م)‪ ،‬واتبعــت سياســة الحيــاد بــن‬ ‫اإلمرباطوريــة الفارســية ورومــا ويف ســنة (‪ 292‬م) خ ـ َّرب (اإلمرباطــور أورليانــوس)‬ ‫مدينــة تدمــر‪ ،‬وف ـ َّوض أمــور حكومــة العــرب يف ســورية إىل أمــراء مــن التنوخيــن‪،‬‬ ‫ثــم إىل الســليحيني الذيــن أزالــت ملكهــم قبيلــة غســان‪.‬‬ ‫(‪ )3‬مملكــة غســان‪ :‬انتهــى عهــد الدولــة العربيــة املســتقلة يف الشــال بقضــاء‬ ‫أورليانــوس عــى تدمــر لقــد أعطــوا لهــذه املنطقــة اهتام ًمــا‪ ،‬فأغدقــوا األمــوال عــى‬ ‫بعــض القبائــل هنــاك حتــى اســتطاعوا أن يتخذوهــم صنائــع لهــم عــى تخــوم الباديــة‪،‬‬ ‫تفرقــت األزد مــن بــاد اليمــن عــى أثــر انكســار ســد مــأرب‪ ،‬فســار بطــن منهــم إىل‬ ‫‪17‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫الشــام‪ ،‬ونزلــوا أرايض البلقــاء‪ ،‬وأقامــوا عــى مــاء هنــاك يُقــال لــه‪( :‬غســان)‪ ،‬فســموا‬ ‫ـا نزلــت غســان يف جــوار ســليم‪ ،‬فرضــوا عليهم اإلتــاوة حتى وقعــت الحرب‬ ‫غســان‪ ،‬ولــ َّ‬ ‫بينهــا وانتــرت غســان عــى ســليم‪ ،‬وانفــردت بالســلطات دونهــا‪ ،‬وكان الحــارث بــن‬ ‫جبلــة أول أمــراء بــن جفنــة‪ ،‬وأعظمهــم شــأنًا بــا منــازع‪ ،‬وقــد اختــاره اإلمرباطــور‬ ‫جســتنيان حــوايل عــام (‪ 529‬م)؛ ليكــون بجانبــه ضــد املنــذر بــن مــاء الســاء ملــك‬ ‫قياســا‬ ‫الحــرة‪ ،‬وكان تاريــخ غســان مضطربًــا أشــد االضطــراب‪ ،‬ومتيــز بعدم االســتقرار ً‬ ‫بتاريــخ الحــرة (يف عــدد ملوكهــا ومــدة حكمهــا)‪ ،‬وحالــف الــروم الغساســنة محالفــة‬ ‫النــد للنــد ضــد الفــرس والعــرب امل ُ ِغريِيــن عــى أطــراف مملكتهــم‪.‬ويف أواخــر القــرن‬ ‫الســادس امليــادي‪ :‬نشــبت الحــرب بــن الحــارث وبــن املنــذر أمري الحــرة عــى البادية‬ ‫الواقعــة جنــويب تدمــر‪ ،‬ويف ســنة (‪ 541‬م) حــارب الحــارث بــن جبلــة يف العــراق إىل‬ ‫جانــب الــروم تحــت قيــادة (بليــزا ريــوس)‪ ،‬وعــر نهــر دجلــة عــى رأس جيشــه‪ ،‬ثــم عاد‬ ‫ـض عــى هــذه‬ ‫فارتــد إىل مركــزه الســابق‪ ،‬ولـــم تُــؤ ِّد حملتــه إىل نتيجــة ت ُذكــر‪ ،‬ولـــم ميـ ِ‬ ‫الغــزوة زمــن طويــل حتــى عــاد األمــران العربيــان إىل القتــال (‪ 544‬م)‪ ،‬وكان الحــارث‬ ‫مســيح ًّيا يعقوب ًّيــا‪ ،‬وقــد دافــع عــن مذهبــه بحامســة وتوفيــق عظيمــن يف وقــت كان‬ ‫مــن الصعــب املجازفــة مبثــل هــذا‪ ،‬وقــد متكــن الحــارث مــن تعيــن يعقــوب الربادعــي‬ ‫مؤســس الكنيســة الســورية القائلــة بالطبيعــة الواحــدة أســقفًا يف املقاطعــات الســورية‬ ‫العربيــة‪ ،‬فتوحــدت بذلــك دعائــم الكنيســة اليعقوبيــة بعــد أن كانــت مهــددة بالخطــر‪،‬‬ ‫وبعــد وفــاة الحــارث تس ـلَّم ابنــه املنــذر زمــام الحكــم‪ ،‬فســارع ملحاربــة عــرب الحــرة‬ ‫الذيــن قــد أغــاروا عــى ســورية بعــد وفــاة الحــارث‪ ،‬وانتــر عــى ملكهــم قابــوس عــام‬ ‫ـض وقــت طويــل حتــى ســاءت العالقــة بــن مملكــة غســان والــروم‪،‬‬ ‫(‪ 570‬م)‪ ،‬ولـــم ميـ ِ‬ ‫وأحــس املنــذر مبؤامــرة مــن ناحيــة اإلمرباطــور‪ ،‬فشــق عصــا الطاعة للــروم‪ ،‬وظــل ثائ ًرا‬ ‫عليهــم ثــاث ســنوات‪ ،‬وانتهــزت عــرب الحــرة هــذه الفرصــة‪ ،‬وأغــاروا عــى ســوريا‪،‬‬ ‫وعاشــوا فيهــا حتــى اضطــر الــروم إىل اســرضاء األمــر العــريب ليقف يف وجــه هؤالء‪،‬‬ ‫ويثبــت أقــدام الرومــان يف ســوريا‪ ،‬ورسعــان مــا قبضــت الحكومــة الرومانيــة عــى‬ ‫ـف الــروم بنفــي املنــذر فحســب‪ ،‬بــل عمــدوا إىل قطــع اإلعانة الســنوية‬ ‫املنــذر‪ ،‬ولـــم يكتـ ِ‬ ‫التــي كانــوا يقدمونهــا ألرستــه مــن آل حفنــة‪ ،‬فســخط عــى اإلمرباطــور أبنــاؤه األربــع‪،‬‬ ‫وشــقوا أيضً ــا الطاعــة عــى دولتــه‪ ،‬وشــنوا الغــارات بقيــادة أخيهــم األكــر النعــان‪،‬‬ ‫‪18‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫ومتكــن قائــد اإلمرباطــور مــن القبــض عــى النعــان وأرسه‪ ،‬وأرســله ألبيــه‪ ،‬ومنــذ ذلــك‬ ‫الوقــت ع َّمــت الفــوىض أرجــاء مملكــة الغساســنة‪ ،‬وصــارت القبائــل املختلفــة تنتخــب‬ ‫رؤســاء مــن آل جفنــة ‪ -‬غال ًبــا ‪ ،-‬وكان جبلــة بــن األيهــم هــو آخــر ملــوك غســان‪ ،‬ويُقــال‪:‬‬ ‫إنَّــه أســلم يف عهــد عمــر بــن الخطــاب بعــد انتصــار الريمــوك (‪13‬هـــ)‪ ،‬ثــم مــا لبــث‬ ‫أن تحــول للنرصانيــة‪ ،‬وعــاد إىل جانــب الــروم‪ ،‬واســتطاع الغساســنة أن ينشــئوا حضــارة‬ ‫أعظــم مــن حضــارة اللخميــن؛ لتأثرهــم بالثقافــة الهلينيــة‪.‬‬ ‫مدن الحجاز‪:‬‬ ‫مكــة‪ :‬تأسســت مكــة حــول منتصــف القــرن الخامــس امليــادي‪ ،‬وتقــع يف قلــب‬ ‫الحجــاز يف منخفــض مــن األرض تحيــط بــه بعــض التــال‪ ،‬كــا أ َّن مناخهــا حــا ٌّر؛‬ ‫ولهــذا يلجــأ إليهــا أهــل الحجــاز أكرثهــم‪ ،‬فيتخذونهــا مشــتى لهــم‪ ،‬وقــد كانــت مرافــق‬ ‫الحيــاة فيهــا شــاقة للغايــة؛ إذ كان وادي مكــة الضيــق يتعــرض للســموم‪ ،‬ويخلــو مــن‬ ‫املــاء والهــواء اللطيــف‪ ،‬ومــن الشــجر أيضً ــا‪ ،‬ليــس لهــم آبــار يرشبــون منهــا‪ ،‬وأطيبهــا‬ ‫بــر زمــزم‪ ،‬يُقــال‪ :‬إن (مكــة) اســم املدينــة‪ ،‬و(بكــه) اســم البيــت‪ ،‬ولهــا عــدة أســاء‬ ‫تطلــق عليهــا‪( :‬أم القــرى‪ ،‬والبلــد األمــن‪ ،‬ومكــة‪ ،‬وبكــة)‪ ،‬وكان العاملقــة أول ســكان‬ ‫مكــة‪ ،‬وقــد زار إبراهيــم مكــة مرتــن‪ ،‬ويف املــرة الثانيــة أمره اللــه ببناء البيت وســاعده‬ ‫ابنــه إســاعيل‪ ،‬ويؤكــد مؤرخــو العــرب أ َّن اللــه ‪ -‬تعــاىل ‪ -‬أمــر آدم بإعــادة بنــاء‬ ‫الكعبــة حينــا طغــى الطوفــان‪ ،‬ورفعــت الكعبــة إىل الســاء‪ ،‬وأعــاد بناءهــا إبراهيــم‬ ‫وإســاعيل ‪ -‬عليهــا الســام ‪ ،-‬وقــام بأمــر البيــت بعــد إســاعيل ابنــه األكــر (نابــت)‪،‬‬ ‫ثــم انتقــل ذلــك إىل (جرهــم)‪ ،‬وانتقــل شــأن البيــت بعــد ذلــك إىل (خزاعــة)‪ ،‬وأول‬ ‫ـر ديــن إبراهيــم‬ ‫ـي)‪ ،‬وكان عمــرو هــو أول مــن غـ َّ‬ ‫مــن وليــه منهــم (عمــرو بــن لُ َحـ ّ‬ ‫ـا‪ ،‬فأخــذه ووضعــه‬ ‫وب َّدلــه‪ ،‬حــن خــرج إىل الشــام ورأى عبــدة األصنــام‪ ،‬فأعطــوه صنـ ً‬ ‫ـا أكــر عمــرو مــن نصــب األصنــام عــى الكعبــة؛ غلــب عــى العــرب‬ ‫عــى الكعبــة‪ ،‬ولــ َّ‬ ‫عبادتهــا‪ ،‬وامنحــت الحنفيــة منهــم‪ ،‬واســتمرت واليــة خزاعــة للبيــت نحــو ثالمثائــة‬ ‫ـي بــن كالب)‪ ،‬بعــد أن أجــى خزاعــة مــن‬ ‫ســنة‪ ،‬وكانــت واليــة البيــت بعــد ذلــك لـــ (قُـ َ ّ‬ ‫مكــة‪ ،‬وقــد كانــت قريــش حينئـ ٍـذ متفرقــة يف بنــي كنانــة‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫واختلــف املؤرخــون يف تســميه قريــش بهــذا االســم‪ ،‬فقــال بعضهــم‪ :‬إنَّــه (النــر بــن‬ ‫كنانــة)‪ ،‬وقــال بعضهــم‪ :‬إنــه (فهــر بــن مالــك)‪ ،‬وقــد أطلــق عــى قريــش عــدة أســاء‬ ‫منهــا‪( :‬العامليــة‪ ،‬آل اللــه‪ ،‬جــران اللــه‪ ،‬ســكان اللــه‪ ،‬الســخينة)‪ ،‬وبعــد أن جمــع قيص بن‬ ‫كالب قريــش مــن ســهول مكــة‪ ،‬وأســكنها منطقــة الحــرم‪ ،‬وكان بيــده الحجابــة‪( :‬ســدانة‬ ‫الكعبــة)‪ ،‬والســقاية‪( :‬اســتقاء الحجيــج املــاء العــذب)‪ ،‬والرفــادة‪( :‬إطعــام الحجــاج)‪،‬‬ ‫والنــدوة‪( :‬نــادي قريــش ومجمــع املــأ والــراة فيهــا)‪ ،‬واللــواء‪( :‬رايــة يلوونهــا عــى‬ ‫رمــح إذا توجهــوا للحــرب)‪ ،‬والقيــادة‪( :‬تــويل إمــارة الجيــش)‪ ،‬وكان لقــي عــدة أبنــاء‪:‬‬ ‫(عبــد الــدار ‪ -‬عبــد منــاف)‪ ،‬وقــد قســم قُــي أمــور مكــة الســتة عــى بنيــه فجعــل‬ ‫(الحجابــة‪ ،‬والنــدوة‪ ،‬واللــواء) لعبــد الــدار‪ ،‬و(الســقاية‪ ،‬والرفــادة‪ ،‬والقيــادة) لعبــد‬ ‫منــاف‪ ،‬ثــم إنَّهــم بعــد ذلــك حاولــوا انتــزاع الواليــة مــن بنــي عبــد الــدار‪ ،‬وانتهــت‬ ‫بصلــح بــن أكابرهــم أبقــت لــكل واحــد منهــم حقــه يف واليــة شــئون مكــة والكعبــة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ثــم بعــد ذلــك وزعــت الوظائــف التــي اختــص بهــا بنــو عبــد منــاف بــن هاشــم‪ ،‬وعبــد‬ ‫شــمس‪ ،‬وأ َّمــا هاشــم فاســمه عمــرو‪ ،‬وإنَّ ــا ســمي بذلــك ألنــه كان يهشــم الخبــز لقومــه‬ ‫حــن حــدث جــدب شــديد‪ ،‬وقــد حدثــت منافــرات بــن هاشــم وعبــد شــمس‪ ،‬وفــاز‬ ‫فيهــا هاشــم‪ ،‬وجــا فيهــا عبــد شــمس وأوالده عــر ســنني‪ ،‬وقــد تــوىل املطلــب أخــو‬ ‫هاشــم أمــور الرفــادة والســقاية بعــد وفــاة هاشــم؛ أل َّن املطلــب كان ذا فضــل ومــال‬ ‫بينهــم‪ ،‬وكانــوا يلقبونــه (بالفيــض)؛ لســاحته وفضلــه‪ ،‬ثــم جــاء بعــد املطلــب ابــن أخيــه‬ ‫شــيبة وتــوىل الرفــادة والســقاية‪ ،‬وكان يلقــب بـــ (شــيبة الحمــد)؛ لكــرة حمد النــاس له‪،‬‬ ‫ثــم قــام بالرفــادة والســقاية بعــد ذلــك العبــاس بــن عبــد املطلــب حتــى دخــول الرســول‬ ‫مكــة‪ ،‬وأ َّمــا بنــو عبــد الــدار؛ فاهتمــوا بأمــور الواليــة‪.‬‬ ‫عالقــة قريــش بقبائــل العــرب يف الحجــاز‪ :‬قــام القرشــيون بعــدة محــاوالت يف‬ ‫ســبيل الســيطرة عــى قبائــل العــرب‪ ،‬وكانــت مكــة مدينــة تجاريــة عظيمــة‪ ،‬وكان ألهلهــا‬ ‫رحــات تجاريــة (صيفيــة ‪ -‬شــتوية)‪ ،‬وكان عــدد الجــال فيهــا نحــو ألفــن وخمســائة‬ ‫جمــل‪ ،‬وفيهــا مــا بــن املائــة والثالمثائــة رجــل‪ ،‬وقــد بلــغ امتــداد تجــارة قريــش بــن‬ ‫مختلــف القبائــل إىل هاشــم بــن عبــد منــاف‪ ،‬وال شـ َّـك أ َّن الحيــاة التجاريــة قــد منــت‬ ‫ثــروة املكيــن‪ ،‬ورفعــت مــن شــأن بلدهــم يف نظــر قبائــل العــرب‪ ،‬ولـــم يكــن حــب‬ ‫‪20‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫األرشاف للفروســية وأبنائهــم بأقــل مــن حبهــم للتجــارة التــي كانــوا ميارســونها منــذ‬ ‫نعومــة أظفارهــم‪ ،‬ولـــم يقتــر تجــار مكــة عــى ذلــك‪ ،‬بــل عمــدوا إىل بيــع الرقيــق‬ ‫يف بلدهــم‪ ،‬فمكــة هــي ســوق للرقيــق منــذ القــدم‪ ،‬وكانــت ت ُقــام يف موضــع تســمى‬ ‫ـا ســاعد عــى علــو قريــش بــن القبائــل‬ ‫ـا يــي البيــت الحــرام‪ ،‬ومـ َّ‬‫(الحــزورة)‪ ،‬مـ َّ‬ ‫عقدهــا حلــف الفضــول الــذي قــى بــرد املظالِـــم إىل أصحابهــا‪ ،‬وقيــل‪ :‬إ َّن النبــي‬ ‫‪-‬صــى اللــه عليــه وســلم‪ -‬شــاهد هــذا الحلــف وكانــت مكــة مرك ـ ًزا دين ًّيــا يَ ُؤمــه كثــر‬ ‫مــن القبائــل العربيــة كــا كان مكانهــا مــن الحــرم يضمــن لهــا عــى الغالــب ســامة‬ ‫أرزاقهــا ويجنبهــا مطامــع جريانهــا‪ ،‬ولكــن هــذه األطــاع كانــت تالحــق الحجاج موســم‬ ‫الحــج‪ ،‬فقــد اشــتهر الغفاريــون بالتلصــص ونهــب املســافرين حتــى الحجــاج فســموا‬ ‫را مــا أفســدوا عــى تجــار مكــة آمالهــم ومســاعيهم بنهــب‬ ‫رساق الحجيــج)‪ ،‬وكثــ ً‬ ‫( َّ‬ ‫تجارتهــم وعرقلــة ســر قوافلهــم‪.‬‬ ‫ـا‬ ‫‪ -‬وكانــت عقــار شــوكة يف حلــق قريــش ملوقعهــا الجغــرايف بــن مكــة واملدينــة‪ ،‬ومـ َّ‬ ‫يشــهد لذلــك عندمــا أشــهر أبــو بكــر إســامه بأعــى صوتــه ورضبــه القــوم‪ ،‬فقــام‬ ‫العبــاس قائـ ًـا‪« :‬أال تعلمــون أنَّــه مــن غفــار‪ ،‬وأنــه يف طريــق تجارتكــم إىل الشــام»‪،‬‬ ‫وتدلنــا النصــوص العربيــة التاريخيــة عــى أ َّن القــوة العســكرية التــي اســتأجرتها مكــة‬ ‫للحفــاظ عــى أمنهــا الداخــي ومنافعهــا التجاريــة وهــي عبــارة عــن أحيــاء مــن عــرب‬ ‫تهامــة‪ ،‬وأخــرى كانــت تنــزل ظاهــر مكــة‪ ،‬وهنــاك خــاف طويــل بــن املؤرخــن حــول‬ ‫تســمية األحبــاش بذلــك االســم‪ ،‬واملقصــود بكلمــة األحبــاش «بنــو الحــارث بــن عبــد‬ ‫منــاه بــن كنانــة»‪ ،‬والعــوف بــن خزميــة وبنــوا املصطلــق مــن خزامــة تحالفــوا جمي ًعــا‪،‬‬ ‫فســموا األحبــاش‪ ،‬وفرسهــا آخــرون بالعــرب املســودة وجوههــم مــن الشــمس‪ ،‬ونســبه‬ ‫اللغويــون إىل جبــل اســمه الحبشــة‪ ،‬ويقــول األســتاذ عبــد الحميــد العبــادي‪ :‬إ َّن املدلــول‬ ‫متــاش مــع مدلولهــا اللغــوي‪ ،‬غــر أنَّــه يجعــل منــاط‬ ‫ٍ‬ ‫التاريخــي لكلمــة األحبــاش‬ ‫التســمية تحالــف هــذه القبائــل‪ ،‬ومخالفتهــا قريــش مبــكان معــن‪ ،‬فــكان أحبــاش مكــة‬ ‫عبــارة عــن حلــف مــن العــرب قوامــه أحيــاء مــن كنانــة وخزميــة وخزاعــة‪.‬‬ ‫يقــول ابــن عبــد ربــه‪« :‬ومــن بنــي كنانــة األحابيــش‪ ،‬منهــم مبــذول وعــوف وأحمــر‬ ‫وعــون‪ ،‬ومــن بنــي الحــارث بــن عبــد منــاة‪ :‬ال ُحليــس بــن عمــرو بــن الحــارث‪ ،‬وهــو‬ ‫‪21‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫يــرض مؤرخــو العــرب أن يخلــط بــن العبيــد‬ ‫رئيــس األحابيــش يــوم أحــد»‪ ،‬ولـــم َ‬ ‫الحبشــان‪ ،‬وأحابيــش قريــش الذيــن يعتــرون بــد ًوا مــن قبائــل تهامــة وقبائــل جنــويب‬ ‫الحجــاز مــن كنانــة وخزاعــة‪ ،‬يقــول ابــن قتيبــة‪« :‬إنَّهــم عــرب خلــص كانــت قريــش‬ ‫تســتدعيهم لالشــراك معهــا يف الحــروب‪ ،‬ولكــن الرســول ‪ -‬صــى اللــه عليــه وســلم ‪-‬‬ ‫عــرف كيــف يفــل قوتهــم بطريــق السياســة والعنــف م ًعــا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬يــرب‪ :‬هــي إحــدى مــدن الحجــاز املتحــرة‪ ،‬وورد ذكرهــا يف القــرآن الكريــم‬ ‫{يــا أهــل يــرب}‪ ،‬وعرفــت بعــد ذلــك باملدينــة حتــى اآلن‪ ،‬وتقــع فــوق هضبــة بــاد‬ ‫العــرب الوســطى‪ ،‬كــا متتــاز معظــم أرايض يــرب بســهولة الرتبــة‪ ،‬وهنــاك موضــع‬ ‫بهــا يســمى (العقيــق)‪ ،‬وكانــت الســيول الهابطــة تنحــدر إليــه‪ ،‬فــروي البســاتني‪،‬‬ ‫وتنعــش نفــوس األعــراب الذيــن يحلــون املدينــة بعــد طــول الرتحــال والتجــوال‪ ،‬واملدينة‬ ‫بلــدة زراعيــة‪ ،‬تكــر بهــا اآلبــار واألشــجار‪ ،‬كــا أنَّهــا تفــوق مكــة مــن حيــث مثارهــا‬ ‫وأشــجارها ومنتجاتهــا ومناخهــا خــر مــن منــاخ مكــة‪.‬‬ ‫وكان أول مــن نــزل املدينــة بعــد الطوفــان‪ :‬قــوم صمــل‪ ،‬وفالــح‪ ،‬فغزاهــم داوود ‪-‬‬ ‫را ومــن‬ ‫عليــه الســام ‪ -‬حتــى هلكــوا‪ ،‬ثــم اســتوطنها العاملقــة‪ ،‬ولـــم يســتمروا فيهــا كثـ ً‬ ‫بعدهــم ســكن اليهــود يــرب ‪...‬فانتــروا فيهــا‪ ،‬وإضافــة إىل ذلــك فقــد اســتوعبت بالد‬ ‫را مــن اليهــود املضطهديــن‪ ،‬ونــزل معظمهــم يف يــرب؛‬ ‫العــرب الشــالية عــد ًدا كب ـ ً‬ ‫لســهولة الحيــاة بهــا‪ ،‬وقــد ذكــر أ َّن أســاء القبائــل الذيــن ســكنوا املدينــة حتــى نــزل‬ ‫بهــا األوس والخــزرج هــم‪( :‬بنــو عكرمــة‪ ،‬وبنــو ثعلبــة‪ ،‬وبنــو محمــر‪ ،‬وبنــو زغــورا‪ ،‬وبنــو‬ ‫قينقــاع‪ ،‬وبنــو النضــر‪ ،‬وبنــو قريظــة‪ ،‬وبنــو بهــدل‪ ،‬وبنــو عــوف‪ ،‬وبنــو الضصيــص)‪،‬‬ ‫وقــد اختلــط اليهــود بالعــرب املقيمــن يف يــرب‪ ،‬وأشــهرهم‪( :‬بنــو الحرمــان‪ ،‬وبنــو‬ ‫مرئــد‪ ،‬وبنــو معاويــة‪ ،‬وبنــو الشــظية)‪ ،‬وقــد تكلمــوا العربيــة املشــوبة بالعربيــة مــن‬ ‫كــرة اختالطهــم بهــم‪ ،‬وقــد أدخــل اليهــود مجموعــة جديــدة مــن األشــجار‪ ،‬كام اشــتغل‬ ‫اليهــود بالتجــارة‪ ،‬وعنــوا بهــا عنايــة كبــرة‪ ،‬وذلــك كبنــي قينقــاع الذيــن اشــتهروا‬ ‫بصناعــة الصياغــة‪ ،‬وكان لهــم حــي خــاص معــروف باســمهم‪ ،‬ثــم نزلــت األوس‬ ‫والخــزرج يــرب مــع اختــاف الروايــات عــى ســبب نزولهــم إىل يــرب‪ ،‬وخاصــة بعــد‬ ‫ســيل العــرم الــذي أغــرق (مــأرب)‪ ،‬فهاجــر عــدد كبــر منهــم مــن بــاد اليمــن‪ ،‬فنزلــت‬ ‫‪22‬‬ ‫دراســــــات تاريـــــــخ‬ ‫كل قبيلــة منهــم مكانًــا‪ ،‬ونزلــت األوس والخــزرج املدينــة‪ ،‬وأقامــت مــع اليهــود‪ ،‬وعاشــوا‬ ‫بجوارهــم‪ ،‬وكانــت العالقــة يف أول األمــر عالقــة ود وصفــاء‪ ،‬حتــى أثــرى األوس‬ ‫والخــزرج الشــتغالهم مــع اليهــود بالتجــارة والزراعــة وســائر املرافــق االقتصاديــة‪،‬‬ ‫وظــل األوس والخــزرج أهــل عــز ومنعــة‪ ،‬حتــى وقعــت بينهــا الحــروب الطويلــة‪،‬‬ ‫والتــي اشــركت فيهــا بعــض القبائــل العربيــة‪ ،‬ومنهــا‪( :‬يــوم الصفينــة‪ ،‬ويــوم الــراة‪،‬‬ ‫ويــوم حاطــب‪ ،‬ويــوم أطــم‪ ،‬ويــوم الــدار)‪ ،‬وغريهــا مــن الحــروب أدت الحــروب التــي‬ ‫وقعــت بينهــم أن جعلــت املدينــة مضطربــة أشــد االضطــراب‪ ،‬حتــى اضطــرت األوس يف‬ ‫الســنة العــارشة قبــل الهجــرة أن تســعى ملحالفــة قريــش عــى الخــزرج‪ ،‬ولكــن قريــش‬ ‫رفضــت الحلــف‪ ،‬ثــم عــادت األوس تلتمــس الحلــف مــن اليهــود املقيمــن بيــرب الذيــن‬ ‫وقفــوا يف الحــرب موقــف الحيــاد‪ ،‬ولكــن األوس اســتطاعت أن تعقــد حل ًفــا مــع بنــي‬ ‫قريظــة‪ ،‬وبنــي النضــر‪ ،‬فلــا بلــغ أمــر الحلــف الخــزرج أرســلت إىل اليهــود تحذرهــم‬ ‫مــن عاقبــة هــذا الحلــف‪ ،‬وانتهــت بقطــع الحلــف مــع بنــي قريظــة‪ ،‬وعقــد الحلــف مــع‬ ‫بنــي قينقــاع‪ ،‬ومــع هــذه الحــروب التــي دارت بــن األوس والخــزرج؛ َّإل أ َّن األوس‬ ‫انتــرت عــى الخــزرج‪ ،‬ومــا لبثتــا أن تصافــح ٌّكل منهــا بعــد بعــاث‪ ،‬واتفقــوا عــى‬ ‫إقامــة حكومــة يف يــرب ممثلــة يف عبــد اللــه بــن أُ َب‪ ،‬الــذي ه ُّمــوا بتتويجــه؛ لــوال أن‬ ‫هاجــر الرســول إىل املدينــة‪ ،‬فقدمــوا لــه الــوالء والطاعــة‪ ،‬فعارضــه عبــد اللــه بــن أُ َب‬ ‫وجامعتــه‪ ،‬فســموا باملنافقــن‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الطائــف‪ :‬تقــع الطائــف يف الجنــوب الرشقــي مــن مكــة عــى نحــو خمســة‬ ‫وســبعني ميـ ًـا‪ ،‬كــا أنَّهــا متتــاز بخصوبــة تربتهــا وجــودة مناخهــا ومثارهــا ال تختلــف‬ ‫عــن مثــار الشــام‪ ،‬وقــال بعضهــم عنهــا‪ :‬إنَّهــا أجمــل بقعــة يف الحجــاز‪ ،‬وما يزعمــه أهل‬ ‫فردوســا مــن ريــاض الشــام وأ َّن مــن أثــر ارتفاعهــا‬ ‫ً‬ ‫مكــة عــن الطائــف بأنَّهــا كانــت‬ ‫عــن ســطح البحــر وكــرة املــزارع والنخيــل بهــا أنِ اتَّخذهــا أرشاف مكــة مصي ًفــا لهــم‪،‬‬ ‫فريتاحــوا مــدة الصيــف يف قصورهــم التــي أنشــاؤها هنــاك‪ ،‬هواؤهــا طيــب‪ ،‬ورمبــا‬ ‫جمــد املــاء فيهــا شــتا ًء‪ ،‬وفواكــه أهــل مكــة منهــا‪ ،‬وقــد زاد موقــع الطائــف الطبيعــي‬ ‫عــى طريــق القوافــل مــن أهميتهــا كمركــز تجــاري‪ ،‬فضـ ًـا عــن كونهــا مدينــة صناعية‪،‬‬ ‫ذكــروا أ َّن الطائــف قدميًــا كانــت تُس ـ َّمى‪( :‬وجابــوج بــن عبــد الحــي)‪ ،‬أحــد العاملقــة‬ ‫‪23‬‬ ‫العرب قبل اإلســـالم‬ ‫الذيــن نزلوهــا‪ ،‬ومــن القبائــل التــي نزلــت وأقامــت يف الطائــف قبيلــة ثقيــف‪ ،‬نســبة‬ ‫إىل (قــي) الــذي نــزل الطائــف‪ ،‬وأقــام مــع عــدوان بــن عمــرو‪ ،‬وتكاثــر نســل قبيلــة‬ ‫ثقيــف حتــى أضحــت قبيلــة كبــرة يف العــدد واملنعــة‪ ،‬ثــم اســتولت عــى الطائــف كلهــا‬ ‫ـا يُعتـ ُّد بــه أ َّن الطائــف كانــت مــن مــدن الحجــاز القويــة‪ ،‬حتــى قرنــت‬ ‫بعــد ذلــك‪ ،‬ومـ َّ‬ ‫مبكــة‪ ،‬وأصبحــت تداينهــا يف القــوة واألهميــة‪ ،‬قــال الرســول ‪ -‬صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫‪« :-‬أول مــن أشــفع لــه يــوم القيامــة أهــل املدينــة‪ ،‬وأهــل مكــة‪ ،‬وأهــل الطائــف»‪ ،‬ثــم‬ ‫صــارت الطائــف بعــد الفتوحــات اإلســامية تابعــة ملكــة‪ ،‬وانحــط شــأن البلديــن م ًعــا‪،‬‬ ‫بينــا اتســع نفــوذ املدينــة‪ ،‬وصــارت الزعامــة إليهــا عــى مــدن الحجــاز‪ ،‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser