تاريخ العلوم السلوكية PDF

Document Details

SelfSufficientUnakite9543

Uploaded by SelfSufficientUnakite9543

جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

أحمد سيد حسين

Tags

علوم سلوكية تاريخ العلوم السلوكية دراسات سلوكية العلوم االجتماعية

Summary

هذه المحاضرات تقدم مدخلًا إلى العلوم السلوكية، وتغطي تاريخها ومفكريها من مختلف العصور (الفلسفة، الثقافة العربية، النهضة العلمية). وتتناول خصائص العلوم السلوكية وأساليب التحليل. يُركز هذا النص على جذور العلوم السلوكية عبر التاريخ وفهم السلوك البشري من منظور علمي.

Full Transcript

1 2 3 ‫جدول المحتويات‬ ‫المحاضرة األولى ‪6..................................................................‬‬ ‫المحاضرة الثانية ‪12.................................................................‬‬ ‫المحاضرة الثالثة ‪18................

1 2 3 ‫جدول المحتويات‬ ‫المحاضرة األولى ‪6..................................................................‬‬ ‫المحاضرة الثانية ‪12.................................................................‬‬ ‫المحاضرة الثالثة ‪18.................................................................‬‬ ‫المحاضرة الرابعة ‪26.................................................................‬‬ ‫المحاضرة الخامسة ‪33...............................................................‬‬ ‫المحاضرة السادسة ‪39...............................................................‬‬ ‫المحاضرة السابعة ‪45................................................................‬‬ ‫المحاضرة الثامنة ‪56.................................................................‬‬ ‫المحاضرة التاسعة ‪64................................................................‬‬ ‫المحاضرة العاشرة ‪77................................................................‬‬ ‫‪4‬‬ ‫المحاضرة األولي‬ ‫‪5‬‬ ‫المحاضرة األولى‬ ‫مدخل إلى العلوم السلوكية‬ ‫تـُع د الظاهرة االجتماعية نتاجا للتفاعالت السلوكية اإلنسانية التي تتم في إطار‬ ‫جماعة ‪ Group‬أو مجتمع ‪ Society‬معين‪.‬ومن هنا‪ ،‬فقد أضحت دراسة السلوك اإلنساني‬ ‫ومحدداته‪ ،‬على المستويين الفردي والجماعي‪ ،‬أم ار ضروريا؛ باعتبارها تمثل المنطلق‬ ‫الصحيح لفهم تلك الظواهر االجتماعية المنبعثة عن ذلك السلوك فهما علمياً صحيحا‪.‬‬ ‫السلوكية"‬ ‫"العلوم‬ ‫وكلمة‬ ‫‪ Behaviorism‬اصطالح قديم نسبيا‪ ،‬يعبر‬ ‫عن مرحلة معينة من مراحل تطور الثقافة‬ ‫النفسية‪ ،‬تعود إلى األعوام السابقة مباشرة‬ ‫على الحرب العالمية األولى‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫أول استخدام مرتبط بهذا االصطالح في التقاليد الغربية يعود إلى العالم األمريكي‬ ‫'واطسون‪ ،١‬عندما خرج علينا بعدة مقابالت وأبحاث تدور جميعها حول "علم النفس من‬ ‫الوجهة السلوكية"‪.‬مدار هذه الدراسات هو ضرورة رفض األساليب التقليدية في التحليل‬ ‫النفسي‪ ،‬مشي ار إلى أن تلك األساليب‪ ،‬بما تقوم عليه‬ ‫من ذاتية في جمع المعلومات‪ ،‬ال يمكن أن تقودنا‬ ‫إلى اكتشاف القواعد الوضعية التي تحكم التصرف‬ ‫أو السلوك الفردي أو الجماعي‪ ،‬وأن دراسة السلوكية‬ ‫كأي دراسة علمية قابلة ألن تخضع للتحليل الكمي‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬ظهر في نطاق الثقافة النفسية ما أسماه العلماء‬ ‫"المدرسة السلوكية"‪ ،‬تعبي ار عن نظرة معينة إلى تحليل الظاهرة النفسية‪ ،‬مع إخضاعها لما‬ ‫يسمى ب'التحليل المعملي"‪ ،‬واتخاذ الحيوان نموذجا للتحليل الميداني‪ ،‬بحيث تصلح نتائج‬ ‫الدراسة التي تجريها على السلوك الحيواني لتفسير السلوك اإلنساني(‪.)1‬‬ ‫المدرسة السلوكية بهذا المعنى سرعان ما استطاعت أن تعزو العلوم االجتماعية‬ ‫األخرى‪ ،‬وبصفة خاصة علم السياسة‪ ،‬حتى أن الفقه السياسي أضحى ال يتصور تحليل‬ ‫ظاهرة السلطة دون أن يكون ذلك استنادا إلى الناحية السلوكية‪.‬‬ ‫بهذا المعنى يعرف 'بيير نافيل" العلوم السلوكية بأنها‪' :‬فرع من العلوم الطبيعية‪،‬‬ ‫يجعل حقله الذاتي ونطاق دراساته كل ما له صلة بمشكلة وعملية األقلمة والتوفيق اإلنساني‬ ‫في المجتمع البشري"‪.‬وهكذا أصبح هذا االصطالح رداء يغطي يحتوي ثالثة أنواع من‬ ‫العلوم‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬حيث يدرس الوسط االجتماعي‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬حيث نجد تحليل‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪"Fraisse, Paul, and Piaget,Jean, Traité de hologie expéri vol. I: Historie et‬‬ ‫‪méthode, (Presses Universitaires de France, 1973), p.44.‬‬ ‫د‪.‬أحمد سيد حسين‪ ،‬مدرس العلوم السياسية‪ ،‬كلية الدراسات االقتصادية والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫الوجود المعنوي للفرد‪ ،‬ثم علم البيولوجيا‪ ،‬وخاصة األنثروبولوجيا‪ ،‬حيث الوجود العضوي‬ ‫لإلنسان(‪.)2‬‬ ‫وهناك استعماالن لمفهوم العلوم السلوكية‪.‬لو أطلقنا االصطالح في أوسع معانيه‬ ‫لوجب أن نفهم مدلوله على أنه مرادف لكلمة "العلوم االجتماعية" ولكن من خالل نظرة‬ ‫ديناميكية ليكون بمعنى علوم الحركة"‪.‬ولو ضيقنا المفهوم‪ ،‬لوجب أن نقتصر المدلول على‬ ‫"السلوك الفردي"‪ ،‬أي سلوك الفرد في مواجهة المجتمع في محاولة التكيف المستمرة(‪.)3‬‬ ‫هذا الخالف بين المعنى العام والمعنى الخاص لكلمة العلوم السلوكية‪ ،‬ال يجب‬ ‫أن يثير لدينا أي اهتمام‪.‬فكال االستعمالين يقود الواحد إلى اآلخر‪ :‬ذلك أن العلوم السلوكية‬ ‫سواء فهمت كمرادف للعلوم االجتماعية أو قصرت على أنها تحليل للسلوك البشري‪ ،‬البد‬ ‫كذلك‪ ،‬وحيث أن الغاية من‬ ‫(‪)4‬‬ ‫وأن تنتهي بأن تجعل وحدة دراستها أساسا للسلوك الفردي‪.‬‬ ‫دراسة العلوم السلوكية أن تصير مدخال يساعد على تحليل الظاهرة السياسية والنشاط‬ ‫االقتصادي‪ ،‬فمن الطبيعي أن نجعل مدلول العلوم السلوكية يتجه ليصير مرادفا لما نسميه‬ ‫"علم الحركة اإلنسانية"‪.‬‬ ‫ومن هذا نستطيع أن نحدد خصائص معينة لمدلول العلوم السلوكية(‪.)5‬‬ ‫‪ -‬العلوم السلوكية تتسع فتشمل جميع أنواع الثقافة االجتماعية المرتبطة بعلم النفس وعلم‬ ‫االجتماع واإلنثروبولوجيا تحت مجهر الحركة االجتماعية في أوسع معانيها‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪Naville, Pierre, La psychologie du comportement, (Gallimard, France,‬‬ ‫‪1963), p.29.‬‬ ‫(‪ )3‬حامد ربيع‪ ،‬مقدمة في العلوم السلوكية‪( ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة)‪ ،‬ص (‪.)29‬‬ ‫‪)4(Singer, J. David, Human Behavior and International Politics, 1 Edition, )Rand‬‬ ‫‪McNally & Co., 1965, p.4-6).‬‬ ‫(‪ )5‬حامد ربيع‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.31-30 ،‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪ -‬وحدة التحليل التي تدور حولها الثقافة السلوكية هي السلوك‪.‬أي العالقة بين الفرد‬ ‫والوسط في محاولة األول ألقلمة رغباته عندما يرتطم بالثاني‪.‬‬ ‫‪ -‬المنهاجية السلوكية تعني استخدام وسائل للتحليل مشابهة لما يستخدم في العلوم‬ ‫الطبيعية‪ ،‬أساسها المالحظة والمشاهدة‪ ،‬مع السعي نحو الصياغة الكمية للمفردات وتطبيق‬ ‫األساليب المعملية‪.‬بعبارة أخرى‪ ،‬فإن العلوم السلوكية تقوم على أساس فكرة البحث‬ ‫التجريبي‪ ،‬حتى أن بعض التقاليد األوروبية تستخدم اصطالح "علم النفس التجريبي" بدال‬ ‫من اصطالح العلوم السلوكية‪.‬‬ ‫وهكذا نستطيع أن ننتهي بأن نقرر حقيقة أن العلوم السلوكية هي تجميع للثقافة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬والتقاء للعلوم االجتماعية بالعلوم الطبيعية‪ ،‬التقاء سمح باستخدام أساليب‬ ‫منهاجية تعكس التقدم العلمي المعاصر في التحليل واالستكشاف وصياغة النتائج‪.‬‬ ‫يمكنكم مشاهدة الفيديو التالي‪:‬‬ ‫‪9‬‬ ‫نهاية المحاضرة األولي‬ ‫‪10‬‬ ‫المحاضرة الثانية‬ ‫‪11‬‬ ‫المحاضرة الثانية‬ ‫أوالً‪ :‬تاريخ العلوم السلوكية(‪:)6‬‬ ‫على الرغم من أن بداية العلوم السلوكية ارتبطت زمنيا‪ -‬بالحرب العالمية األولى‪،‬‬ ‫كما سبقت اإلشارة‪ ،‬إال‬ ‫تفسير‬ ‫محاولة‬ ‫أن‬ ‫السلوك اإلنساني ترجع‬ ‫بجذورها إلى عصور‬ ‫الفالسفة وما بعدها‪.‬‬ ‫وسنحاول في السياق‬ ‫التالي التعرض ألبرز‬ ‫المفكرين الذي كان لهم بصمة في تأصيل العلوم السلوكية‪.‬‬ ‫عصر الفالسفة‪:‬‬ ‫‪ -‬أرسطو‪ :‬نستطيع أن نجد أول محاولة لفهم السلوك اإلنساني بمعنى تفسير الحركة‬ ‫المنبعثة من الجسد العضوي في شكل وقائع مستقلة عن الجسد وعن وجوده لدى أرسطو‪.‬‬ ‫بالنظر إلى ما ورد في كتابه عن "الخطابة" عندما‬ ‫تعرض لدراسة أسباب األفعال اإلنسانية‪ ،‬حيث ميز‬ ‫بين األسباب الداخلية أو كما يقول "األفعال التي يكون‬ ‫سببها داخليا في الفاعل نفسه ويكون الفاعل مسئوال‬ ‫عنها" واألسباب الخارجية التي تنبع من البيئة‪.‬ورغم‬ ‫ذلك‪ ،‬فأرسطو لم يكن يعنيه أن يتناول الظاهرة كحقيقة‬ ‫(‪ )6‬للمزيد من التفاصيل‪ ،‬يمكن الرجوع إلى‪ :‬حامد ربيع‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.54-33‬‬ ‫‪12‬‬ ‫صالحة للتتبؤ‪ ،‬أو أن يكون من الممكن إخضاعها لعملية الضبط والتحكم‪ ،‬وإنما تعرض‬ ‫لها كصفة من صفات الفرد‪.‬‬ ‫التراث العربي واإلسالمي‪:‬‬ ‫‪ -‬أبويكر الرازي‪ :‬وضع هذا العالم مؤلفا بعنوان "الطب‬ ‫الروحاني" أكد فيه على أهمية النواحي النفسية في "العالج‬ ‫والتطبيب"‪.‬فعندما كان يتوجه بنصائحه إلى تالميذه كان‬ ‫يقول‪" :‬على الطبيب أن يوهم مريضه بالصحة ويرجيه بها‪،‬‬ ‫وإن لم يثق بذلك‪ ،‬فمزاج الجسم تابع ألخالق النفس"‪.‬‬ ‫‪ -‬فخر الدين الرازي‪ :‬ألف اإلمام فخر الدين الرازي كتابا‬ ‫بعنوان "الفراسة"‪ ،‬حلل فيه العالقة بين التكوين العضوي‬ ‫واألبعاد النفسية للسوك اإلنساني‪.‬‬ ‫‪ -‬أبو نصر الفارابي‪ :‬وقد ميز بين األمم وسلوك أبنائها‬ ‫بعوامل متعددة من بينها الموقع الجغرافي‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد الرحمن ابن خلدون‪ :‬وضع في مقدمته األصول األولى لما‬ ‫نسميه اليوم نظرية "الطابع القومي"‪ ،‬والتي حدد مقوماتها بثالث‪:‬‬ ‫المناخ‪ ،‬طراز الحكم‪ ،‬ثم مستوى التطور االجتماعي‪.‬‬ ‫مجمل هذه األفكار ظلت متناثرة متفرقة‪ ،‬ولم يقدر لها‬ ‫التكامل الفكري في عملية بنيان متراصة تسمح بخلق إطار واضح‬ ‫لتحليل الظاهرة السلوكية‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫عصر النهضة العلمية‪:‬‬ ‫‪ -‬رينيه ديكارت‪ :‬نقطة االنطالق‬ ‫الحقيقية في تاريخ التحليل السلوكي‬ ‫تعود إلى "ديكارت"؛ حيث اتخذ‬ ‫التماثيل الميكانيكية التي كانت تمأل‬ ‫حدائق فرساي نموذجا له‪ ،‬والتي كانت‬ ‫تتحرك وتخرج أصواتا تحت تأثير‬ ‫اندفاع المياه من خالل أنابيب خفية ممتدة بشكل معين‪ ،‬بحيث تحدث حركات وتتقارب‬ ‫وتتباعد عن بعضها وتصدر أصوات موسيقية نتيجة لتلك العلمية(‪.)7‬تصور ديكارت أن‬ ‫اإلنسان ال يعدو أن يكون آلة مركبة تم تكوينها بنفس األسلوب‪ ،‬وجعل الروح هي القوة‬ ‫التي تدفع الطاقة بديال من الماء‪ ،‬فإذا بها تتساب من خالل األعصاب والعضالت بحيث‬ ‫تدفعها إلى االنقباض‪ ،‬ومن ثم تقود إلى التعبيرات الحركية‪.‬أي أن "ديكارت" اتخذ هذه‬ ‫التماثيل نموذجا لتفسير كيف أن واقعة خارجية قد تحدث حركة جسدية‪.‬‬ ‫فيلهلم فونت‪ :‬وصل إلى علم النفس ابتداء من علم وظائف األعضاء‪ ،‬فقد‬ ‫كان يؤمن بضرورة إعطاء الدراسة النفسية الصبغة العلمية‪.‬ومن ثم‪ ،‬يمكن‬ ‫القول فإن مدرسة "فونت" وضعت أصول علم النفس التجريبي‪.‬‬ ‫‪)7( (Millenson J.R., and Leslie, Julian, Principles of Behavioral Analysis, 2nd‬‬ ‫‪Edition,) Prentice Hall, 1978, P. 4.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫تشارلز داروين ومن بعده هريرت سبنسر‪ :‬نظرية التطور ال تعدو أن تكون تحليال نفسيا‬ ‫للوجود العضوي وللحقيقة البشرية‪.‬ورغم أن المفهوم العام الذي يسود مؤلفاتهما هو محاولة‬ ‫التقريب بين الحيوان واإلنسان‪ ،‬إال أن كال العالمين‪ ،‬وفي بعض األحيان عن غير قصد‪،‬‬ ‫خلقا قنطرة فكرية بين علم النفس وعلم البيولوجيا؛ ذلك أن مبدأ التكيف‬ ‫واألقلمة هو سر البقاء واستمرار الوجود‪ ،‬كما أن الربط بين اإلنسان‬ ‫والحيوان في نظرية التطور قاد التحليل العلمي للظاهرة السلوكية‪.‬فهو‬ ‫من ناحية أولى فتح لعلماء االجتماع باب علم النفس الحيواني‪ ،‬حيث‬ ‫يستطيع الباحث إخضاع الظاهرة للتحليل المعملي‪.‬ومن ناحية ثانية‪،‬‬ ‫قاد إلى إمكانية تصور ما أسماه بعلم النفس المقارن‪ ،‬حيث جعل ميدان‬ ‫تجريداته المقارنة بين السلوك الحيواني والسلوك البشري‪.‬ومن ناحية ثالثة‪،‬‬ ‫لم يعد هناك غبار في تعميم نتائج تحليله للسلوك الحيواني على السلوك‬ ‫البشري‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫نهاية المحاضرة الثانية‬ ‫‪16‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬ ‫‪17‬‬ ‫المحاضرة الثالثة‬ ‫بافلوف وتوجيه السلوك‪:‬‬ ‫اعتمد الباحث الروسي إيفان بافلوف على‬ ‫التجارب العلمية لبناء نظريته السلوكية‪.‬إذ أتي بافلوف‬ ‫بكلب‪ ،‬وقام بإجراء فتحة صغيرة في أسفل فكه بحيث‬ ‫يستطيع أن يخرج الغدة اللعابية‪ ،‬ثم وضع أسفل تلك‬ ‫الغدة وعاء يسمح بجمع اللعاب وأوصله بجهاز يسمح‬ ‫بقياس كمية اللعاب‪.‬المعلوم‪ ،‬الذي لم يكن موضع‬ ‫شك‪ ،‬هو أن تناول الكلب طعام يرتبط بإفراز لكمية‬ ‫معينة من اللعاب‪ ،‬وظيفتها المساعدة في عملية استقبال وهضم الطعام‪.‬تجربة بافلوف‬ ‫بسيطة في عناصرها‪ :‬فهو عندما يقدم‬ ‫الطعام إلى الكلب يرفق ذلك بجرس يصدر أصوات متكررة خالل تناول المادة الغذائية‪.‬‬ ‫عقب تكرار هذه العملية عدة مرات‪ ،‬انتقل بافلوف إلى المرحلة الثانية‪ ،‬حيث يقرع الجرس‬ ‫دون تقديم الطعام‪.‬وهنا الحظ بافلوف أن الغدة اللعابية تزاول وظيفتها دون تقديم أو تناول‬ ‫أي مادة غذائية(‪.)8‬‬ ‫في مرحلة تالية‪ ،‬انتقل بافلوف إلى تنويع في تطبيقات تجاريه‪ ،‬فهو تارة يالعب‬ ‫بعامل الطعام‪ ،‬بحيث ال يجري تجاربه إال عندما يكون الكلب قد وصل إلى حالة الشبع؛‬ ‫ومن ثم يلحظ كيف أن المنبه المفتعل ال يحدث تأثيره‪.‬على العكس في حالة ما إذا رفع‬ ‫حالة الجوع لدى الكلب إلى أقصاها وأجرى تجاربه‪ ،‬كانت عملية االفتعال أكبر تأثي ار وأكثر‬ ‫فعالية في إحداث رد الفعل المصطنع‪.‬‬ ‫‪)8( Ibid., p. 27-29.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫صحيح أن بافلوف في دراسته لحالة االصطناع السلوكي إنما نظر إليها على‬ ‫أنها حالة عقلية وجعل نقطة انطالقه هي الجهاز العصبي‪ ،‬إال أنه في تلخيصه لنتائج‬ ‫دراسته في شكل قانون علمي جعل من السلوك عالقة مباشرة ومطلقة بين منبه ورد فعل‪.‬‬ ‫وهكذا استطاع أن يلخص أفكاره بهذه الرموزمنبه تلقائى (م ت)‪ :‬أي المنبه الذي من شأنه‬ ‫أن يخلق رد فعل طبيعي يتكرر دون ارتباط بالتجربة‪.‬في الحالة موضع العرض السابق‬ ‫المنبه هو تقديم الطعام‪.‬‬ ‫استجابة تلقائية (أ ت)‪ :‬أي رد الفعل الذي يحدث نتيجة للمنبه في صورته‬ ‫الطبيعية‪ ،‬ودون أي تدخل‪.‬‬ ‫منبه مفتعل (م م)‪ :‬منبه يصطنعه الباحث ويربط بينه وبين المنبه التلقائي زمنيا‪.‬‬ ‫ونتيجة للتدريب المتتالي‪ ،‬فإن هذا المنبه المصطنع يستطيع أن يخلق رد الفعل التلقائي‬ ‫دون عامل االرتباط الزمني بين (م ت و(م م)‪.‬‬ ‫استجابة تلقائية للمنبه المفتعل (أ م)‪ :‬عندما يترتب رد الفعل التلقائي على المنبه المفتعل‪،‬‬ ‫دون ارتباط بالحالة التلقائية‪ ،‬فتصير االستجابة بدورها تلقائية‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫يمكنكم مشاهدة الفيديو التالي‪:‬‬ ‫خالصة ما وصل إليه بافلوف في إطار االستجابة السلوكية‪ ،‬هو أن المؤثرات‬ ‫الخارجية يمكن أن تحدد السلوك بل وتوجهه‪.‬ومن ثم‪ ،‬فالسلوك قابل للقياس‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫واطسون وبناء اإلطار الفكري للتحليل السلوكي(‪:)9‬‬ ‫بدء جون واطسون حياته العملية بدراسة‬ ‫السلوك الحيواني‪ ،‬جاعال من الفأر ميدانا لتجاربه‪،‬‬ ‫مستخدما المنهاج التجريبي المقارن‪.‬وفي عام‬ ‫‪ %1913‬صدر أول بحث لواطسون بعنوان‪" :‬علم‬ ‫النفس كما يتصوره رجال المدرسة السلوكية"‪.‬ويسلم‬ ‫علماء التحليل االجتماعي أن هذا المقال بداية ثورة‬ ‫& ‪")9(For more information: Watson, John B., Behaviorism, (W.W. Norton‬‬ ‫‪Company, London, 1970).‬‬ ‫‪21‬‬ ‫السلوكية‪.‬ودونما الدخول في تفاصيل أفكار واطسون‪ ،‬فإن أفكاره وكتاباته تعبر البداية‬ ‫الحقيقية للعلوم السلوكية لعدة أسباب‪:‬‬ ‫‪ -‬تجاوزت نظرته السلوكية مجرد وصف الظاهرة‪،‬‬ ‫وإنما التنبؤ بالسلوك مع إمكانية ضبطه وإخضاعه‬ ‫لعملية التحكم‪.‬‬ ‫‪ -‬حطم‪ ،‬ألول مرة منذ أرسطو‪ ،‬أهمية اإلنسان‬ ‫كمركز الثقل ونقطة االلتقاء في تحليل الظاهرة‬ ‫السلوكية‪.‬‬ ‫‪ -‬جعل السلوك وحده هو موضع التحليل‪.‬‬ ‫‪ -‬رفض فكرة التحليل الذاتي كأساس لتحليل السلوك الفردي‪.‬‬ ‫‪ -‬نظر إلى السلوك على أنه يتحدد بالوسط االجتماعي وليس فقط نتيجة للعوامل الوراثية‪.‬‬ ‫‪ -‬اعتبر عملية الوسط االجتماعي نوع من التحكم في رد الفعل الفردي إزاء المنبهات‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫فما هو المقصود إذن بالسلوك؟ وما هي األنواع المختلفة للسلوك وما هي محددات‬ ‫السلوك؟ وما هي انعكاسات أو آثار تلك المحددات على السلوك االجتماعي بصفة عامة‪،‬‬ ‫ومن ثم على السلوك السياسي على وجه الخصوص؟‬ ‫‪22‬‬ :‫يمكنكم مشاهدة الفيديو التالي‬ https://www.youtube.com/watch?v=s8YVJIA64pw&ab_channel=AbazMoha med 23 ‫نهاية المحاضرة الثالثة‬ ‫‪24‬‬ ‫المحاضرة الرابعة‬ ‫‪25‬‬ ‫المحاضرة الرابعة‬ ‫‪Behavior‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تعريف السلوك‪:‬‬ ‫هناك العديد من التعريفات التي قدمت‬ ‫لتفسير السلوك‪ ،‬والتي تمحورت جميعها حول‬ ‫مجموعة من النقاط التي سيتم البناء عليها باعتبارها‬ ‫خصائص للظاهرة السلوكية‪.‬وسنقوم في السياق‬ ‫التالي بعرض بعض تلك التعريفات‪:‬‬ ‫السلوك‪ ،‬في أبسط معانيه‪ ،‬هو حركة‪ ،‬وكل حركة البد أول من أن يكون لها‬ ‫مصدر‪ ،‬وأن سعى ثانيا إلى تحقيق هدف‪ ،‬وهي في خالل كل ذلك تعبر ثالثا عن وجودها‬ ‫بمظاهر مختلفة‪.‬ولو نقلنا هذا المفهوم إلى نطاق السلوك البشري‪ ،‬الستطعنا أن نعرف‬ ‫السلوك بأنه‪ :‬مجموعة التصرفات والتعبيرات الخارجية التي يسعى عن طريقها الفرد ألن‬ ‫يحقق عملية األقلمة والتوفيق بين مقومات وجوده ومقتضيات اإلطار االجتماعي الذي‬ ‫يعيش في داخله من أجل تحقيق غاية معينة‪.‬كما يمكن تعريف السلوك باعتباره كل ما‬ ‫يصدر عن الكائن الحي من استجابات‪ ،‬سواء في شكل نشاط حركي أو تعبير لفظي أو‬ ‫رمزي‪ ،‬تلبية لدافع ذاتي‪ ،‬أو استجابة لما يحدث في البيئة المحيطة‪ ،‬أو في المجال الذي‬ ‫يعيش فيه‪ ،‬تحقيقا لغرض يهدف إليه(‪.)10‬‬ ‫(‪ )10‬فاروق يوسف‪ ،‬السلوك السياسي‪( ،‬مكتبة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪ )1985 ،‬ص‪.25‬‬ ‫‪26‬‬ ‫من خالل التعريفات السابقة نستطيع أن نحدد بعض خصائص الظاهرة السلوكية‬ ‫في أوسع معانيها على أنها(‪:)11‬‬ ‫‪ -‬عملية مواجهة لإلنسان في المواقف المختلفة‪.‬بمعنى‪ ،‬األقلمة المستمرة بين األحاسيس‬ ‫والغرائز واالنفعاالت والمواقف والمحيط الخارجي‪.‬ليصبح بمثابة وسيلة أو أسلوب للتكيف‬ ‫مع األوضاع البيئية المتغيرة المحيطة باإلنسان‪.‬‬ ‫‪ -‬هذه المواجهة تفترض رد فعل معين‪ ،‬يأخذ صورة وقائع أو استجابات‪ ،‬من خاللها تسعى‬ ‫الذات الحركية لتحقيق رغباتها بأسلوب معين أو لدرجة معينة‪.‬أي أن السلوك يمثل نشاطا‬ ‫غائيا‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك هو خاتمة صراع معين‪ :‬صراع بين الفرد ونفسه‪ ،‬وبينه وبين الوسط الذي يحيط‬ ‫به‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك يجب أن يعبر عن نفسه تعبي ار خارجيا‪،‬‬ ‫‪ -‬السلوك ظاهرة ديناميكية‪.‬ومن ثم‪ ،‬فهو يخضع لعمليات متعاقبة من التطور والتنقل من‬ ‫وضع إلى آخر‪.‬‬ ‫‪ -‬يتسم سلوك الكائن الحي بالمرونة والتنوع والقابلية للتغير‪ ،‬مما يجعل من الصعوبة‬ ‫بمكان القيام بالتنبؤ بسلوك الكائن الحي‪.‬إذ قد يؤدي الشعور بالخوف لدى البعض إلى‬ ‫دفعهم إلى الهرب مثأل‪ ،‬بينما قد يدفع بالبعض اآلخر إلى الهجوم أو التردد أو التهديد أو‬ ‫االستعطاف‪.‬‬ ‫(‪ )11‬حامد ربيع‪ ،‬مرجع سبق ذكرة‪ ،‬ص ‪.60-56‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪ -‬السلوك هو مجموعة تصرفات أو تعبيرات مستقلة‪ ،‬ذات كيان قائم بذاته‪ ،‬بحيث بمجرد‬ ‫صدورها تنفصل عن مصدرها ويصير لها وجودها الذاتي‪.‬وهي بهذا المعنى قابلة ألن‬ ‫تالحظ‪ ،‬وأن تخضع للتحليل المباشر الموضوعي‪.‬‬ ‫‪ -‬هذه التصرفات رغم استقاللها الذاتي‪ ،‬إال أنها تخضع لعالقة معينة بين الذات الذي‬ ‫تصدر منها‪ ،‬والعالم المحيط بالذات مصدر الظاهرة‪.‬‬ ‫‪ -‬عادة ما يركز علماء االجتماع على االستجابات التي يمكن مالحظتها موضوعيا‬ ‫(كالنشاط الحركي واللفظي‪ ،‬باعتبارها األكثر تأثي ار في مجال العالقات االجتماعية‪ ،‬بينما‬ ‫قد يعنى علماء النفس أو الطب باالستجابات األخرى‪.‬‬ ‫التمييز بين السلوك وغيره من المفاهيم‪:‬‬ ‫‪-‬اإلدراك‪ :‬العملية التي يتم بواسطتها استقبال‬ ‫المثيرات الخارجية من البيئة‪ ،‬وترجمتها إلى‬ ‫معان من جانب الكائن الحي‪ ،‬بما يساعد على‬ ‫تكوين صورة كلية ذات معنى من البيئة‬ ‫المحيطة به‪ ،‬ومن ثم يصبح أقدر على اختبار السلوك المناسب‪.‬‬ ‫‪ -‬االتجاه‪ :‬االستعداد لرد فعل معين إزاء موقف لم تتحدد أبعاده بعد‪.‬فاالتجاه إذا هو‬ ‫حقيقة باطنة‪ ،‬لم تعبر بعد عن وجودها ألنها لم تصطدم بالموقف الذي يولد السلوك‪.‬‬ ‫‪-‬السلوك القولي‪ :‬اتجاه قد اصطدم بالموقف‪ ،‬ولكن صاحبه لم يجد نفسه في حاجة ألن‬ ‫يعبر عن رد فعله سوى ببعض تعبيرات شفوية‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪ -‬السلوك الفعلي‪ :‬التعبير هنا ليس مجرد كلمات‪ ،‬وإنما حركة إيجابية ونشاط حركي‪.‬‬ ‫ولنقدم نموذجا يوضح الفرق بين تلك المفاهيم‪.‬فالمعارض السياسي قد يتبنى أيديولوجية‬ ‫سياس ية معينة‪ ،‬تصير هي المحرك الرئيسي لتفكيره ولقراءته لألحداث ورؤيته لمجتمعه كما‬ ‫يجب أن يكون‪.‬تلك األيديولوجية هي العدسة التي يرى بها المعارض األحداث لسياسية‬ ‫التي تصير حوله‪ ،‬ويكون من خاللها صورة ورؤية حول تلك األحداث‪ ،‬هنا نتحدث عن‬ ‫إدراك الفرد لبيئته‪.‬وطالما لم يقابل هذا الفرد الموقف الذي يدفعه لإلعالن هذه أيديولوجيته‬ ‫التي يتبناها‪ ،‬فستظل في حكم التوجه‪.‬أما إذا تعرض هذا الشخص لموقف معين دفعه‬ ‫لإلعالن عن هذا التوجه‪ ،‬فهنا سينتقل لمرحلة السلوك‪.‬هذا السلوك قد يتم التعبير عنه إما‬ ‫شفهيا‪ ،‬أي مجرد اإلعالن قوال ‪-‬استنادا إلى األيديولوجية التي يتبناها‪ -‬عن رأيه في‬ ‫الموقف أو الحدث الحال‪ ،‬كأن يتم سؤاله عن رأيه في السياسة األخيرة التي تبنتها الحكومة‪،‬‬ ‫وهنا نتحدث عن السلوك القولي؛ أو أن يعبر عن موقفه فعال ‪-‬وليس قوأل‪ -‬من خالل‬ ‫المشاركة في مظاهرات ضد تلك السياسة المتبناه‪ ،‬وبهذا يكون قد انتقل للسلوك الفعلي‪.‬‬ ‫هذا التمييز يسمح لنا بعدة مالحظات(‪:)12‬‬ ‫‪ -‬أن هناك عالقة بين هذه المفاهيم أساسها أن درجة‬ ‫التناسق بين االتجاه والسلوك القولي والسلوك الفعلي‬ ‫يعكس درجة معينة من درجات تماسك الشخصية‪.‬‬ ‫فالشخصية القوية المتماسكة هي التي ال تتناقض‬ ‫في تعبيراتها الثالثة‪ ،‬على العكس من ذلك فإن‬ ‫التناقض بدرجة أو بأخرى ال بد وأن يعكس شخصية غير متماسكة‪.‬‬ ‫(‪ )12‬حامد ربيع‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.135-134‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪ -‬رغم العالقة بين تلك المفاهيم‪ ،‬إال أنها مستقلة عن بعضها؛ فالفرد العادي يميل‬ ‫إلى أال يعارض في وجهة نظره الرأي السائد في المجتمع الذي ينتمي إليه‪.‬وهو‬ ‫عند ذلك‪ ،‬يجد نفسه‪ ،‬في بعض األحيان‪ ،‬قد خالف اتجاهه‪ ،‬بل وقد يعلن عن رأيه‬ ‫في شكل سلوك قولي مخالف لسلوكه الفعلي‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫نهاية المحاضرة الرابعة‬ ‫‪31‬‬ ‫المحاضرة الخامسة‬ ‫‪32‬‬ ‫المحاضرة الخامسة‬ ‫ثالثاً‪ :‬أنواع السلوك‪:‬‬ ‫أنواع السلوك اإلنساني عديدة ال‬ ‫حصر لها‪ ،‬ولكن يمكننا أن نميز بين‬ ‫أنواع السلوك تبعا للمعايير التالية(‪.)13‬‬ ‫‪.1‬من حيث مصدره‪:‬‬ ‫‪ -‬السلوك الذاتي‪ :‬ويقصد به سلوك اإلنسان نحو نفسه أو نحو بدنه‪ ،‬كما في حالة إعجاب‬ ‫اإلنسان بذاته وتفاخره أو زهوه بنفسه‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك الفردي‪ :‬ألول وهلة قد يفهم من وصف السلوك بأنه فردي أنه غير اجتماعي‪،‬‬ ‫وهذا غير صحيح‪.‬فباستثناء السلوك الذاتي‪ ،‬فإن أي صورة أخرى من صور السلوك هي‬ ‫سلوك اجتماعي‪.‬ويقصد بالسوك الفردي‪ ،‬السلوك الذي يصدر عن شخص واحد في‬ ‫مواجهة شخص آخر أو أكثر‪.‬وفي هذه الحالة فإن السلوك يصدر عن الشخص كوحدة‬ ‫مستقلة قائمة بذاتها‪ ،‬بمعنى أنه ال يمكن تعميم هذا السلوك على من عداه من األفراد‪،‬‬ ‫‪ -‬السلوك الجماعي‪ :‬وهو السلوك الذي يصدر عن الجماعة كوحدة كلية في مواجهة‬ ‫عالقتها بجماعة أخرى‪ ،‬دون إلغاء لذوات األفراد‪.‬ومن ثم‪ ،‬فهو بمثابة تعميم للسلوك‬ ‫(‪ )13‬راجع في هذا الصدد‪ :‬فاروق يوسف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 25-26‬وأيضأ‪ :‬حامد ربيع‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص ‪ 60-77‬وكذلك‪ :‬ممدوح منصور‪ ،‬سلسلة محاضرات بعنوان "السلوك اإلنساني والظواهر‬ ‫االجتماعية"‪ ،‬لطالب كلية الدراسات االقتصادية والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪33‬‬ ‫الفردي‪ ،‬كما في حالة الرأي العام مثأل‪.‬والجماعة قد تكون األسرة‪ ،‬الحزب‪ ،‬األمة أو‬ ‫الدولة‪.‬وعندما نتحدث عن سلوك الدولة كجماعة‪ ،‬فإننا تحدث عن السلوك الدولي‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك الجمعي‪/‬الجماهيري‪ :‬وهو السلوك الذي يصدر عن الجماعة كوحدة كلية أيضا‪،‬‬ ‫ولكن مع إلغاء ذوات األفراد المنضمين إليها‪.‬ومن ثم‪ ،‬تصبح "أنا" كل منهم مجرد امتداد‬ ‫"ألنا الجماعة‪ ،‬وذلك كما هو الحال في حالة الحشد أو الجمهرة‪.‬فالجماعة البشرية مثلها‬ ‫مثل الفرد‪ ،‬تصيبها من آن آلخر حاالت من التمزق العنيف‪ ،‬فإذا بها تنتقل إلى حالة‬ ‫الهياج والتوتر الذي يرتبط به ويصاحبه الكثير من أعمال العنف‪.‬فالسلوك الجماهيري ال‬ ‫يقتصر على التعبير عن حالة الغضب أو التوتر بسلوك قوي أو بأفعال معتدلة‪ ،‬وإنما‬ ‫يمتاز بالتطرف والعنف‪.‬‬ ‫‪.2‬من حيث مضمون السلوك‪:‬‬ ‫‪ -‬السلوك الجنسي‪ :‬وهو السلوك‬ ‫المرتبط بالعاطفة والغرائز البشرية‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك السياسي‪ :‬الذي يجعل من‬ ‫مضمون التعامل مع السلطة وحدة‬ ‫وجوهر السلوك الفردي‪.‬فالمواطن في عالقته بالسلطة ال يعدو أن يكون واحدا من ثالث‪:‬‬ ‫إما حاكم يزاول السلطة فهو يريد أن يحتفظ بها‪ ،‬وإما محكوم عليه أن يخضع طائعا أو‬ ‫مكرها ألوامر السلطة‪ ،‬وإما معارض ينتمي إلى طائفة المحكومين‪ ،‬ولكنه يتحين الفرصة‬ ‫لكي يثب على السلطة؛ فينتقل من موقف المحكوم إلى مقعد الحاكم‪،‬‬ ‫‪ -‬السلوك االجتماعي‪ :‬المرتبط بكافة نواحي الحياة االجتماعية للفرد‪،‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪ -‬السلوك االقتصادي‪ :‬المرتبط بالحاجات االقتصادية وأنشطة المال واألعمال والتجارة‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫‪.3‬من حيث الصفة الغالبة‪:‬‬ ‫‪ -‬السلوك الغريزي‪ :‬المرتبط أساسا بإحدى الغرائز الثالث‪ :‬الجوع والعطش والجنس‪.‬وفيها‬ ‫يقترب السلوك اإلنساني من السلوك الحيواني‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك المرضي‪ :‬سلوك يتضمن خرقا للتطور الطبيعي لتكوين رد الفعل إزاء المنبه‬ ‫الذي حدد الحركة‪.‬أي عامل خارجي أو داخلي يؤدي إلى تطور خاطئ للمقومات النفسية‬ ‫أو لتضخيم حالة التأزم‪ ،‬بما يؤدي إلى نوع من االضطراب‪.‬ومثال على ذلك عندما نجد‬ ‫شخصا طبيعيا يدفعه موقف معين إلى القتل‪ ،‬ليس دفاعا عن النفس‪ ،‬وإنما بسبب خلل‬ ‫أصاب قدراته العقلية في التعامل مع الموقف (كحدوث خالف بين شخصين في الرأي‬ ‫يتطور إلى القل)‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك االستفزازي‪ :‬كل سلوك عدواني ال يسبقه ما يبرر هذا التعدي‪.‬‬ ‫‪.4‬من حيث طبيعته(‪:)14‬‬ ‫‪ -‬السلوك اللفظي‪/‬القولي‪ :‬كالرد على سؤال‬ ‫يوجه إلى الشخص أو تعبيره من رأيه‪،‬‬ ‫‪ -‬السلوك الحركي‪ :‬كالوقوف‪ ،‬أو المشي‪ ،‬أو‬ ‫الجري‪ ،‬أو التلويح‪.‬‬ ‫(‪ )14‬أحمد عزت راجح‪ ،‬أصول علم النفس‪( ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،)1985 ،‬ص ‪.22-20‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪ -‬السلوك الفسيولوجي‪ :‬كارتفاع ضغط الدم‪ ،‬أو اإلصابة بالصداع‪ ،‬أو حدوث تقلصات‬ ‫في األمعاء‪ ،‬أو زيادة معدل نبضات القلب مثال‪،‬‬ ‫‪ -‬السلوك االنفعالي‪ :‬كالغضب أو الحزن أو الفرح أو الخوف‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك المعرفي‪ :‬كالنظر أو السمع أو التفكير أو التذكر؛ ويهدف بها اإلنسان‬ ‫اكتساب المعرفة‪.‬‬ ‫‪ -‬السلوك االمتناعي‪ :‬بالتوقف أو الكف عن نشاط معين‪ ،‬كالتوقف عن األكل أو عن‬ ‫الكالم كرد‪.‬‬ ‫يمكنكم مشاهدة الفيديو التالي‪:‬‬ ‫‪36‬‬ ‫نهاية المحاضرة الخامسة‬ ‫‪37‬‬ ‫المحاضرة السادسة‬ ‫‪38‬‬ ‫المحاضرة السادسة‬ ‫رابعاً‪ :‬محددات السلوك(‪:)15‬‬ ‫يقصد بمحددات السلوك مجموعة العوامل التي‬ ‫تلعب دو أر في تشكيل وتوجيه سلوك الفرد‪ ،‬والتي تميزه‬ ‫عن سلوك غيره من األفراد‪.‬ويمكن القول بوجه عام أن‬ ‫السلوك يعتبر محصلة لتفاعل مجموعة من العوامل أو‬ ‫المحددات الشخصية‪ ،‬والبيئية‪ ،‬والموقف ذاته‪.‬وفيما يلي توضيح ألثر هذه المحددات على‬ ‫السلوك اإلنساني‪:‬‬ ‫‪ -1‬المحددات الشخصية للسلوك اإلنساني‪:‬‬ ‫للعوامل الشخصية أثر ال ينكر على السلوك اإلنساني‪.‬وغني عن البيان توضيح‬ ‫أثر التكوين البيولوجي‪ ،‬والعوامل النفسية والعقلية التي يتسم بها الفرد على السلوك الصادر‬ ‫عنه‪.‬وتشير المالحظة إلى اختالف السلوك من فرد إلى آخر‪ ،‬رغم تشابه المواقف أو‬ ‫الظروف التي يواجها اإلنسان في حياته االجتماعية‪ ،‬تبعا لتباين الخصائص أو السمات‬ ‫الشخصية لكل منهم‪.‬‬ ‫ويمكن تعريف "الشخصية ‪ "Personality‬بأنها 'مجموعة السمات أو المالمح أو‬ ‫الخصائص الفيزيقية والنفسية والعقلية والخلقية واالجتماعية التي يتسم بها السلوك الفردي"‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فإن سمات الشخصية تتعكس على األسلوب العام لحياة الفرد‪ ،‬وسلوكه الذي‬ ‫يتمثل في عاداته وتعبيراته واتجاهاته وميوله وطريقته في التفكير وآرائه وسلوكه وفلسفته‬ ‫(‪ )15‬يمكن الرجوع لمزيد من التفصيل فيما يخص محددات السلوك إلى‪ :‬ممدوح منصور‪ ،‬مرجع سبق نكره‪.‬‬ ‫‪39‬‬ ‫الشخصية في الحياة‪.‬ومن ثم‪ ،‬فهي التي يتحدد على أساسها طريقة توافق الفرد مع‬ ‫بيئته(‪.)16‬‬ ‫وبوجه عام‪ ،‬يمكن أن نوجز هذه المحددات الشخصية للسلوك اإلنساني فيما يلي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬محددات مورفولوجية‪:‬‬ ‫أي متصلة ببنية اإلنسان وتكوينه الجسمي‪ ،‬ومدى ما يتمتع به من قوة جسدية‬ ‫وسالمة بنيان‪ ،‬فضال عن الخصائص البنيوية أو الشكلية أو المظهرية التي يتسم بها‬ ‫كالطول أو القصر‪ ،‬ولون البشرة ومدى ما يتمتع به من جمال‪...‬الخ‪.‬بمعنى آخر‪ ،‬فإن‬ ‫عامل السن (شاب‪/‬كهل)‪ ،‬والنوع (ذكر‪ /‬أنثى(‪ ،‬والخصائص الشخصية (متردد‪/‬غير واثق‬ ‫من نفسه‪/‬شجاع)‪ ،‬والخصائص العضوية (وسيم ‪/‬دميم)‪.‬‬ ‫ب‪-‬محددات فسيولوجية‪:‬‬ ‫وهي تشتمل على العوامل المتصلة بالوظائف الحيوية والعضوية للكائن الحي ذات‬ ‫التأثير على سلوكه‪ ،‬والتي من أظهرها العوامل المتعلقة بالجهاز العصبي لإلنسان‪ ،‬وما‬ ‫يتعلق بتأثير الهرمونات التي تقوم بإفرازها الغدد الصماء‪.‬‬ ‫ج‪ -‬محددات نفسية‪:‬‬ ‫للعوامل النفسية أثر ال ينكر في التأثير على السلوك اإلنساني االجتماعي بصفة‬ ‫عامة‪ ،‬ومن ثم على السلوك السياسي على وجه الخصوص‪.‬ويرى البعض أن الصراع‬ ‫السياسي ييعد انعكاسا مباش ار لذلك الصراع الكامن في أغوار النفس البشرية بين الطبع‬ ‫(‪ )16‬فاروق يوسف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪٠38‬‬ ‫‪40‬‬ ‫االجتماعي لإلنسان‪ ،‬وبين غريزة األنانية التي تتملكه‪.‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬فهم يردون نشأة‬ ‫الصراع السياسي إلى ذلك التناقض القائم بين السلطة وبين الحرية‪.‬‬ ‫ويرى أنصار هذا الرأي أن قيام المجتمعات ونشأة السلطة السياسية فيها‪ ،‬إنما يرتد‬ ‫إلى ذلك الطبع االجتماعي لإلنسان الذي حتم ظهور السلطة السياسية كضرورة اجتماعية‪.‬‬ ‫وعلى الجانب اآلخر‪ ،‬تحتم غريزة األنانية الفردية الكامنة في أغوار النفس البشرية‪ ،‬مغالبة‬ ‫السلطة باعتبارها نمط قيد على الحرية الفردية‪ ،‬ومن ثم يلجأ اإلنسان إلى مغالبة السلطة‬ ‫ومصارعتها‪ ،‬رغبة منه في تحقيق حربته وتحرير إرادته من أي قيد يفرضه عليه واقعه‬ ‫االجتماعي أو السياسي‪.‬‬ ‫هذا وتجدر اإلشارة إلى العالقة التبادلية (عالقة التأثير والتأثر) بين النفس البشرية‬ ‫وبين الواقع السياسي‪ ،‬إذ يمكننا أن نلحظ أثر السلطة السياسية مثال على النفس البشرية‪.‬‬ ‫وقد قيل قديما "أن السلطة مفسدة‪ ،‬والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة" في إشارة إلى أن السلطة‬ ‫تفسد القائم عليها وتدفعه إلى التعالي واالستبداد‪ ،‬ومن ثم التعسف في ممارسته لمظاهرها‪،‬‬ ‫والجور تبعا لذلك على حقوق المحكومين وحرباتهم‪ ،‬فممارسة االستبداد شهوة تحركها‬ ‫السلطة"(‪.)17‬‬ ‫‪ -2‬المحددات البيئية للسلوك اإلنساني‪:‬‬ ‫إذا كانت البيئة ‪-‬أو جانبا منها‪ -‬هي صنعة اإلنسان‪ ،‬فمما ال شك فيه أن اإلنسان‬ ‫–من حيث سلوكه وأفكاره‪ -‬هو صنيعة بيئته التي يعيش فيها‪.‬ومن ثم‪ ،‬فاإلنسان والبيئة‬ ‫تجمعهما عالقة تبادلية من التأثير والتأثر‪ ،‬فماذا نقصد بالبيئة؟ وما هي مكوناتها؟ وما هو‬ ‫(‪ )17‬محمد طه بدوي‪ ،‬النظرية السياسية‪( ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،)1986 ،‬ص ‪.160-159‬‬ ‫‪41‬‬ ‫تأثير البيئة على السلوك اإلنساني االجتماعي بصفة عامة‪ ،‬وعلى السلوك السياسي بصفة‬ ‫خاصة؟‬ ‫يقصد بالبيئة ‪ Environment‬مجموعة العوامل الخارجية المحيطة بالكائن الحي‪،‬‬ ‫والتي تؤثر فيه‪ ،‬أو تتبادل معه التأثير والتأئر"‪.‬وهذه البيئة قد تكون‪:‬‬ ‫‪ -‬بيئية طبيعية (مادية)‪ :‬كالمجال الجغرافي الذي يعيش فيه اإلنسان‪ ،‬أو درجة الح اررة‬ ‫والرطوبة التي يتعرض لها‪.‬‬ ‫‪ -‬بيئة اجتماعبة‪ :‬ويقصد بها اإلطار أو السياق االجتماعي المحيط باإلنسان‪ ،‬وما يسود‬ ‫فيه من قوانين ومعايير وأنماط وأعراف وقيم تحكم شتى جوانب الحياة اإلنسانية‪.‬وتشتمل‬ ‫هذه البيئة االجتماعية على البيئة السياسية‪ ،‬والبيئة االقتصادية‪ ،‬والبيئة الثقافية‪....‬الخ‪.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫نهاية المحاضرة السادسة‬ ‫‪43‬‬ ‫المحاضرة السابعة‬ ‫‪44‬‬ ‫المحاضرة السابعة‬ ‫وانطالقا مما سبق‪ ،‬فسوف يكون تتاولنا ألثر المحددات البيئية على السلوك‬ ‫اإلنساني من خالل التعريف بأثر العوامل التالية‪:‬‬ ‫أ‪ -‬العوامل الجغرافية‪:‬‬ ‫للعوامل الجغرافية ‪-‬من موقع وتضاريس ومناخ‪ -‬أثر كبير على سلوك اإلنسان‪.‬‬ ‫وقد اهتم العديد من المفكرين بدراسة هذه اآلثار عبر العصور‪ ،‬فراح بعضهم يستقرئ عن‬ ‫طريق المالحظة بعضا من الفروض في هذا الصدد‪ ،‬ومن ذلك مثال ربطهم بين درجة‬ ‫الح اررة أو البرودة التي يتعرض لها اإلنسان‪ ،‬وبين درجة استعداده للعبودية أو تطلعه‬ ‫للحرية‪ ،‬على أساس أن الطقس الحار مجلبة لألولى بينما البرودة مجلبة للثانية(‪ ،)18‬وال‬ ‫يزال هذا الفرض محل خالف في الرأي‪.‬‬ ‫ومهما يكن من أمر هذه الفروض ومدى موضوعيتها ومن ثم علميتها‪ ،‬فإنه مما ال‬ ‫يرقى إليه الشك بحال‪ ،‬أن لدرجات الح اررة والرطوبة التي يتعرض لها اإلنسان ‪-‬أو الكائن‬ ‫الحي بوجه عام‪ -‬أث ار ملحوظا على نشاطه الجسماني والذهني‪.‬‬ ‫كما تلعب الجغرافيا أيضا دو أر كبي ار في تحديد طبيعة النشاط االقتصادي الذي‬ ‫يمارسه األفراد من زراعة‪ ،‬أو صناعة‪ ،‬أو تجارة‪ ،‬أو صيد‪ ،‬أو رعي إلى غير ذلك‪.‬ومن‬ ‫ناحية أخري‪ ،‬فللتضاريس مثال شأن كبير في تحديد شكل النظم اإلدارية والسياسية المعمول‬ ‫بها‪ ،‬ذلك فضال عما تمثله الطبيعة الجغرافية ‪-‬كالجبال واألنهار‪ -‬في أوقات الحرب من‬ ‫عوائق طبيعية أو خطوط دفاعية‪.‬وقد أسهب أتباع مدرسة الجيوبوليتكس في دراسة العالقة‬ ‫(‪ )18‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫‪45‬‬ ‫بين الجغرافيا وقوة الدولة وسلوكها السياسي‪.‬كذلك فقد تلعب العوامل الجغرافية دو ار حاسما‬ ‫في تشكيل توجهات األفراد في المجال االجتماعي والسياسي؛ فاألفراد الذي يعيشون في‬ ‫مناطق نائية ووعرة نجدهم أكثر سلبيه في أوقات االستحقاقات السياسية‪ ،‬ومع ذلك نجدهم‬ ‫أكثر تماسكأ في المجال االجتماعي‪ ،‬وذلك على عكس سكان المدن‪.‬‬ ‫ولسنا في حاجة كذلك إلى توضيح أثر العوامل الجغرافية في نشأة الحضارات‬ ‫وازدهارها؛ إذ تشير المالحظة إلى أن الحضارات الكبرى عبر العصور قد قامت حول‬ ‫مصادر المياه كاألنهار وفي المناطق السهلية ذات المناخ المعتدل‪ ،‬في حين وقفت‬ ‫الصحاري والمناطق ذات المناخ الشديد البرودة عائق أمام قيام الحضا ار ت‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فال نستطيع البتة أن نهمل ما أثبته اإلنسان من قدرة على‬ ‫مغالبة الطبيعة والبيئة الجغرافية لصالحه؛ فلقد استطاع مثال أن يستزرع الصحاري القاحلة‪،‬‬ ‫وينقل إليها مياه الري‪ ،‬ويبتدع أساليب الري المالئمة لها‪.‬ولعل في ذلك ما يشكك في‬ ‫اآلراء الداعية إلى فكرة "الحتمية الجغرافية"‪ ،‬أي األثر الحتمي للعوامل الجغرافية‪ ،‬ويفسح‬ ‫المجال لتقبل فكرة النسبية الجغرافية التي ال تتكر أثر العوامل الجغرافية‪ ،‬مع ضرورة أخذ‬ ‫العوامل األخرى في االعتبار‪ ،‬نظ ار لما لها من أهمية بالغة في تحديد األثر النهائي للعوامل‬ ‫الجغرافية‪.‬‬ ‫ب‪-‬العوامل التكنولوجية‪:‬‬ ‫ويقصد بها األدوات أو الوسائل الفنية التي تتوسط اإلنسان وبيئته‪ ،‬أي األدوات‬ ‫واآلالت واألساليب الفنية التي ابتدعها اإلنسان لكي يقيد من الطبيعة أو يسخرها له‪.‬وهي‬ ‫تشتمل على وسائل اإلنتاج المادي‪ ،‬البدائية منها‪ :‬كالفأس‪ ،‬أو المحراث مثالأ‪ ،‬والمتقدمة‪:‬‬ ‫كاآلالت البخارية‪ ،‬والكهربائية أو حتى التي تعمل بالطاقة النووية‪.‬‬ ‫‪46‬‬ ‫ويتسع نطاق تأثير العوامل التكنولوجية ليشمل كافة مجاالت الحياة االجتماعية‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فهي ذات أثر كبير على العالقات والظواهر االجتماعية على تباين أنواعها‪.‬‬ ‫وتبرز أهمية العوامل التكنولوجية في مجال وسائل اإلنتاج المادية‪ ،‬وقد دفع ذلك بالمفكرين‬ ‫الماركسيين إلى المناداة بفكرة "الحتمية التكنولوجية"‪ ،‬والتي مؤداها أن المجتمعات تتطور‬ ‫تطو ار حتميا على مقتضى تطور وسائل اإلنتاج بالذات‪.‬ومن ثم‪ ،‬فإن طريقة اإلنتاج في‬ ‫الحياة المادية‪ ،‬هي التي تحتم تطور الحياة االجتماعي والسياسي والفكري(‪.)19‬‬ ‫وقد كان للعوامل التكنولوجية دور بارز في توفير الحاجات األساسية لإلنسان بأقل‬ ‫قدر من المجهود الجسماني‪ ،‬مما أدى إلى إتاحة مستوى أفضل من الرفاهية‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يهيئ لإلنسان استق ار ار نفسيا‪ ،‬ومن ثم ينعكس ذلك على سلوكه‪ ،‬كما يتيح له توجيه قدر‬ ‫أكبر من االهتمام والوقت للموضوعات ذات الطابع الفكري والثقافي أو العلمي‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يهيئ الرتفاع مستويات الوعي والثقافة والتعليم‪ ،‬وهي كلها عوامل ذات أثر كبير على‬ ‫السلوك‪.‬‬ ‫كذلك فقد لعبت العوامل التكنولوجية دو ار مرموقا في النهوض بوسائل االتصال‬ ‫ونقل المعرفة‪ ،‬وتخزين وتحليل البيانات‪ ،‬مما أدى إلى حدوث ثورة في المعلومات التي لها‬ ‫األثر األكبر في عمليات اتخاذ القرار أو المفاضلة بين البدائل السلوكية المتاحة أمام‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ومن ثم فهي أحد المعايير الحاكمة في تقرير السلوك‪.‬‬ ‫وفي مجال التسلح‪ ،‬لعبت العوامل التكنولوجية دو ار كبي ار في زيادة القدرات التدميرية‬ ‫لألسلحة بصورة فائقة‪ ،‬مما انعكس على السلوك السياسي الخارجي للدول‪ ،‬وفرض قيودا‬ ‫ذاتية على استخدام العنف في إطار العالقات الدولية‪ ،‬كحالة الردع النووي المتبادل مثال‪،‬‬ ‫(‪ )19‬محمد طه بدوي‪ ،‬ليلى أمين مرسي‪ ،‬مدخل العلوم السياسية‪( ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪ ،)1993‬ص ‪.65-63‬‬ ‫‪47‬‬ ‫وما استلزمته من ضرورة ضبط النفس في أوقات األزمات بهدف تجنب أخطار الدمار‬ ‫الشامل‪ ،‬فضال عن إشاعتها لجو من الخوف والقلق بصورة لم يسبق لها مثيل في العالقات‬ ‫الدولية‪.‬‬ ‫ج‪ -‬العوامل السياسية‪:‬‬ ‫يتأثر السلوك اإلنساني بوجه عام بطبيعة البيئة السياسية المحيطة به من حيث‬ ‫طبيعة النظام السياسي‪ ،‬وشكل المؤسسات السياسية الرسمية‪ ،‬وطبيعة العالقة بين‬ ‫الحاكمين والمحكومين‪ ،‬ودرجة الديمقراطية التي يتمتع بها أعضاء المجتمع‪ ،‬ومدى الحرية‬ ‫المكفولة لهم في ممارسة نشاطاتهم االجتماعية بصفة عامة والسياسة بصفة خاصة‪ ،‬أو‬ ‫مدى القيود التي تفرضها السلطة على تمتع األفراد بالحريات العامة‪ ،‬ومدى تدخل السلطة‬ ‫في تنظيم العالقات االجتماعية‪.‬‬ ‫فال يمكن تصور أن يتطابق السلوك السياسي ألفراد يعيشون في مجتمع ديمقراطي‬ ‫يتيح لهم حرية الرأي والتعبير وحق النقد‪ ،‬وبين السلوك السياسي ألفراد أخرين يقيمون في‬ ‫مجتمع تسلطي ال يسمح لمواطنيه بذلك‪.‬‬ ‫د‪ -‬العوامل االقتصادية‪:‬‬ ‫من أبرز العوامل المهيئة والمحركة للصراع‬ ‫(‪)20‬‬ ‫وتعتبر ظاهرة الندرة االقتصادية‬ ‫االجتماعي عامة‪ ،‬والصراع السياسي خاصة‪.‬‬ ‫كذلك فقد يكون الشعور بالحرمان االقتصادي عامال مهيئا للثورة والتمرد على النظم‬ ‫االجتماعية والسياسية‪ ،‬لما ينتج عنه من شعور باإلحباط‪.‬ويرى الفكر الماركسي أن‬ ‫(‪ )20‬يقصد بالندرة االقتصادية محدودية الموارد االقتصادية مقارنة بالحاجات اإلنسانية غير المحدودة‪.‬‬ ‫‪48‬‬ ‫الصراع حول ملكية عوامل اإلنتاج هو الذي يهيئ للصراع السياسي‪ ،‬على اعتبار أن‬ ‫السلطة ليست إال مجرد أداة للقهر في يد أصحاب عوامل اإلنتاج تأكيدا المتيازاتهم‪ ،‬وأن‬ ‫تاريخ المجتمعات اإلنسانية ليس إال انعكاسا لتاريخ الصراع الطبقي بين الطبقات المالكة‬ ‫والطبقات غير المالكة‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فللطبقة االجتماعية التي ينتمي إليها الفرد أثر كبير على‬ ‫شخصيته؛ فالطبقة االجتماعية تتضمن أساليبا وقيما للحياة والسلوك‪ ،‬كما أن االنتماء‬ ‫لطبقات اجتماعية متباينة قد يقف عائقا أمام التفاعل االجتماعي بين األفراد المنتمين إلى‬ ‫طبقات مختلفة‪ ،‬إذ يميل أعضاء كل طبقة اجتماعية إلى العيش في منطقة سكنية يقطنها‬ ‫أناس يشتركون معهم في نفس الخصائص االجتماعية واالقتصادية واالتجاهات والقيم‪.‬‬ ‫كما أن العالقات االجتماعية االختيارية‪ ،‬كالصداقة أو الزواج‪ ،‬تميل عادة إلى التقيد‬ ‫باعتبارات االنتماء الطبقي‪.‬‬ ‫كذلك تلعب العوامل االقتصادية دو ار كبي ار فيما يتصل بعملية التنشئة االجتماعية‬ ‫أو السياسية‪.‬إذ تشير المالحظة إلى أن من ينتمون إلى الطبقات االجتماعية العليا عادة‬ ‫ما يتسمون بالمحافظة‪ ،‬في حين يتسم أعضاء الطبقة الوسطى بالسلبية عادة‪ ،‬بينما قد‬ ‫يجنح أبناء الطبقات الفقيرة إلى الثورية‪.‬‬ ‫كذلك فلطبيعة مصدر الدخل الذي يعتمد عليه الفرد أثر كبير في تشكل اتجاهاته‪،‬‬ ‫إذ عادة ما يميل ذوو الدخول المرتكزة إلى الملكية أو الثروة إلى المحافظة في مواجهة‬ ‫السلطة خوفا من أن يؤدي تغير األوضاع السياسية إلى اإلضرار بمصالحهم االقتصادية‬ ‫أو بممتلكاتهم‪ ،‬أما ذوو الدخول الناتجة عن العمل الحر‪ ،‬فقد يندفعون في اتجاهات مضادة‬ ‫للنظام السياسي‪ ،‬بينما عادة ما يجنح الموظفون الحكوميون للسلبية أو المحافظة الرتباط‬ ‫مصالحهم االقتصادية بالنظام السياسي القائم‪..‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪49‬‬ ‫وعلى الصعيد الدولي‪ ،‬يذهب بعض المحللين السياسيين إلى أن تنامي القدرات‬ ‫االقتصادية والثروات لدى الدول يدفعها إلى الشعور بالزهو والتعالي‪ ،‬كما يهيئ لها دعم‬ ‫قدراتها العسكرية وبناء جيوش قوية‪ ،‬ومن ثم تتطلع إلى تبني سياسات القوة والتوسع‪.‬‬ ‫وتمثل ظاهرة االستعمار دليال واضحا على صدق ذلك التصور؛ فقد أدت الوفرة االقتصادية‬ ‫التي شهدتها أوروبا في أعقاب الثورة الصناعية إلى زيادة في اإلنتاج‪ ،‬وإلى تراكم في‬ ‫رؤوس األموال‪ ،‬األمر الذي حدا بالدول الكبريى الصناعية والغنية إلى اللجوء إلى السيطرة‬ ‫على المستعمرات‪ ،‬لفتح أسواق جديدة لتصريف فائض اإلنتاج من ناحية‪ ،‬وللحصول على‬ ‫مصددر للمواد الخام الالزمة الستمرار عجلة اإلنتاج من ناحية أخرى‪ ،‬فضال عن إتاحة‬ ‫مجاالت جديدة الستثمار فائض األموال في هذه المستعمرات‪.‬‬ ‫ه‪-‬العوامل الثقافية‪:‬‬ ‫لعل أبرز ما يميز اإلنسام عن غيره من الكائنات الحية أنه يعمل بالفكرة‪ ،‬بينما‬ ‫يعمل غيره من الكائنات بالفطرة‪.‬وتشتمل الثقافة ‪ Culture‬على كل العناصر القيمية أو‬ ‫المعنوية ذات الصلة بالتمثالت الجماعية للجماعة ككل(‪.)21‬ومن ثم‪ ،‬فالثقافة تنطوي على‬ ‫مجموعة القيم‪ ،‬والمعايير‪ ،‬والمعتقدات‪ ،‬واأليديولوجيات‪ ،‬واألفكار‪ ،‬والفلسفات‪ ،‬وكل ما‬ ‫يتصل بالضوابط القيمية للسلوك‪ ،‬التي تعبر عن أسلوب حياة الجماعة وطريقة تفكيرها‪،‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬طريقة إدراكها أو تمثلها لألحداث االجتماعية التي تجري في إطارها‪.‬وتتباين‬ ‫‪)21( “In the words of Duverger: “Les representaions collectives d’une‬‬ ‫‪communaute™ Maurice Duverger, Sociologic Poltique (Coll. Themis, P.V.F, Paris),‬‬ ‫‪p. 140.‬‬ ‫‪50‬‬ ‫الثقافات من مجتمع آلخر‪ ،‬وقد ذهب بعض علماء االجتماع إلى القول بأن الثقافة هي‬ ‫المعيار ا ألكثر تعبي ار عن ذاتية المجتمعات‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فهي األجدر بأن تتخذ كمعيار‬ ‫للتمييز بين مختلف المجتمعات‪.‬فعندما نميز مثال بين المجتمع األمريكي والمجتمع‬ ‫الفرنسي نجد أن التباين الرئيسي الذي يميز كال منهما عن اآلخر هو التباين في الثقافة‪،‬‬ ‫أو بعبارة أخرى فإننا في هذه الحالة نميز بين مجتمع ذي ثقافة أمريكية أو أنجلوسكسونية‪،‬‬ ‫ومجتمع آخر ذي ثقافة فرنسية التينية‪.‬كما يؤثر المستوى الثقافي والعلمي كذلك على‬ ‫االتجاهات السياسية للفرد‪ ،‬وتمثل الثقافة نسقا قيميا يكتسبه اإلنسان خالل حياته ومنذ‬ ‫صغره عن طريق عملية التنشئة االجتماعية‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فهي تتباين من مجتمع إلى آخر‪،‬‬ ‫وبالنسبة للمجتمع ذاته من جيل إلى جيل‪ ،‬بل بالنسبة لنفس الجيل من شخص إلى آخر‪،‬‬ ‫تبعا للظروف المحيطة به‪ ،‬وأسلوب تربيته وقدرته على التعلم‪ ،‬والمواقف التي صادفها في‬ ‫حياته‪ ،‬إلى غير ذلك من العوامل‪.‬وتجدر اإلشارة إلى أن التجانس الثقافي‪ ،‬أي االشتراك‬ ‫في نفس القيم‪ ،‬ييعد إحدى الركائز الحيوية لتحقيق االستقرار السياسي والتجانس والتضامن‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫كذلك تتأثر الثقافة بعامل االحتكاك مع الثقافات األخرى‪ ،‬فيلحق بها نوع من التعديل‬ ‫أو التغيير سواء بصورة تلقائية أو بصورة مقصودة‪ ،‬من خالل عمليات الغزو الثقافي أو‬ ‫أو إعادة ترتيبها‪ ،‬كما تلعب المعتقدات الدينية‬ ‫(‪)22‬‬ ‫من خالل محاوالت تغيير القيم‬ ‫واأليديولوجيات دو ار مرموقا في تشكيل االتجاهات النفسية لألفراد‪ ،‬وتشير المالحظة‬ ‫التاريخية إلى أن المتدينين عادة ما يميلون إلى المحافظة والتقليدية‪.‬‬ ‫(‪ )22‬تشهد الفترات االنتقالية أو فترات التحول من قيم أو ثقافة معينة إلى قيم مغايرة ما يعرف بأزمة الهوية‪،‬‬ ‫حيث يحدث صراع بين القيم القديمة الراسخة والقيم الجديدة الوافدة أو المستحدثة‪.‬‬ ‫‪51‬‬ ‫وجدير بال ذكر‪ ،‬ونحن نتحدث عن آثار البيئة المحيطة باإلنسان على سلوكه‪ ،‬أن‬ ‫نلفت النظر إلى تباين آثار هذه البيئات على السلوك اإلنساني من شخص آلخر‪ ،‬تبعا‬ ‫لتباين إدر‪l‬ك ‪ Perception‬الفرد ذاته للبيئة المحيطة‪ ،‬وللمؤثرات الواقعة منها عليه‪.‬إذ‬ ‫ليس من المهم ما يحيط بالفرد في الواقع‪ ،‬وإنما كيفية إدراك الفرد له أو شعوره به أو تفسيره‬ ‫إياه‪.‬فقد نرى أحيانا بعض الناس ال يتأثر بأشياء تعد في وجهة نظرنا ذات خطر كبير‪،‬‬ ‫في حين قد نرى البعض اآلخر يتأئر بأشياء ثعد في رأينا تافهة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الموقف المؤدى للسلوك‪:‬‬ ‫ونتحدث هنا عن الموقف أو اللحظة التي يجابهها الفرد‪ ،‬والتي يتم تشكيل السلوك‬ ‫على إثرها بناء لمدركات الفرد للموقف‪ ،‬وتفسيره وقراءته لهذا الموقف وما يحيط به من‬ ‫تفاعالت‪ ،‬فضال عن المحددات الشخصية والبيئية سالفة الذكر‪.‬فذات الشخص الذي‬ ‫يتمتع بذات السمات الشخصية‪ ،‬وقد يعيش في مجتمع بسيط أو بدائي يمكن وصفه ‪-‬‬ ‫بدرجة أو بأخرى‪ -‬بأنه غير ديناميكية‪ ،‬قد يتبنى سلوكين متناقضين نظ ار لتباين الموقفين‬ ‫الذين تعرض لهما‪.‬كما أن الفرد ذاته‪ ،‬إذا ما واجه ذات الموقف‪ ،‬قد يتبنى سلوكين‬ ‫متناقضين‪.‬‬ ‫خالصة الحديث عن محددات‪/‬مقومات السلوك‪ ،‬فإن األمر الذي يجب أن نالحظه‬ ‫هو العالقة المباشرة بين هذه العوامل والمتغيرات‪ ،‬فهي تكون كالً متصال‪.‬بمعنى أن‬ ‫التعامل معها يجب أن يكون بصورة كلية وليس جزئية‪.‬‬ ‫‪52‬‬ ‫يمكنكم مشاهدة الفيديو التالي‪:‬‬ ‫‪53‬‬ ‫نهاية المحاضرة السابعة‬ ‫‪54‬‬ ‫المحاضرة الثامنة‬ ‫‪55‬‬ ‫المحاضرة الثامنة‬ ‫خامسا‪ :‬العوامل النفسية والظاهرة السلوكية‪:‬‬ ‫انطالقا من محددات السلوك اإلنساني آنفة الذكر‪ ،‬وبعد أن استعرضنا المحددات‬ ‫النفسية كأحد المحددات الشخصية للسلوك اإلنساني‪،‬‬ ‫يمكننا أن نعرض ألبرز العوامل النفسية التي تؤثر في‬ ‫السلوك اإلنساني االجتماعي بوجه عام‪ ،‬ومن ثم‬ ‫السلوك السياسي‪ ،‬وذلك من خالل التعريف بكل من‬ ‫الدوافع‪ ،‬واالنفعاالت‪ ،‬وأدوات التوفيق‪/‬التكيف‪.‬‬ ‫‪.1‬الدوافع ‪:Motives‬‬ ‫الدافع هو "عامل انفعالي نزوعي يعمل على توجيه سلوك الفرد إلى غاية معينة‪،‬‬ ‫بهدف إحداث االتزان النفسي بين الفرد وبيئته‪ ،‬أو بهدف تخفيف التوتر الناتج عن عدم‬ ‫إشباع الحاجات اإلنسانية"‪.‬‬ ‫والدوافع اإلنسانية متعددة ومتباينة‪ ،‬وثمة تصنيفات(‪ )23‬عديدة للدوافع تستند إلى‬ ‫معايير مختلفة بهدف التمييز بين األنواع المختلفة للدوافع النفسية‪.‬ومن بين هذه‬ ‫التصنيفات‪:‬‬ ‫(‪ )23‬يرجع بصدد الدوافع وتصنيفاتها المختلفة إلى كل من‪ :‬فاروق يوسف‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ 82‬وما‬ ‫بعدها‪.‬وأيضا‪ :‬أحمد عزت راجح‪ ،‬مرجع سبق ذكرة‪ ،‬ص ‪ 77‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪56‬‬ ‫أ‪ -‬الدافع الفطرية (الغريزية‪/‬األولية)‪:‬‬ ‫هي الدوافع التي يولد الفرد مزودا بها عن طريق الوراثة‬ ‫البيولوجية‪ ،‬فال يحتاج إلى تعلمها أو اكتسابها‪.‬ومن ثم‬ ‫فالدوافع الفطرية ال تختلف باختالف الجماعات أو الثقافات‪،‬‬ ‫كما أنها مشتركة بين أفراد النوع الواحد من الكائنات الحية‪ ،‬وهي مرتبطة بالتكوين البيولوجي‬ ‫للفرد‪ ،‬ومن ثم فهي ذات طابع فسيولوجي‪ ،‬وتكون متعلقة عادة بالحاجات األساسية للفرد‬ ‫التي يتعين إشباعها حتى يبقى اإلنسان على قيد الحياة‪ ،‬أو حتى يضمن لجنسه االستمرار‪.‬‬ ‫ب‪-‬الدوافع المكتسبة (الثانوية‪/‬االجتماعية) (‪:)24‬‬ ‫فهي الدوافع التي يكتسبها الفرد خالل عملية التنشئة االجتماعية‪ ،‬أو من خالل‬ ‫تعامله اليومي وخبرته وتفاعله مع بيئته االجتماعية المحيطة به‪ ،‬أي كنتيجة لمعيشته في‬ ‫جماعة أو مجتمع معين‪.‬ومن ثم‪ ،‬فهي تكون أكثر تأث ار بالبيئة المحيطة باإلنسان‪.‬ويمكن‬ ‫تصنيف الدوافع االجتماعية إلى عدة أنواع فرعية هي‪:‬‬ ‫‪ -‬دوافع اجتماعبة عامة‪ :‬وهي التي تشيع في شتى المجتمعات والحضارات على تباينها‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫ رغبة اإلنسان وميله إلى العيش في جماعية من بني جنسه يشاركهم نشاطاتهم‪.‬‬ ‫ الحاجة إلى األمن النفسي والتحرر من الخوف‪.‬‬ ‫(‪ )24‬لمزيد من التفصيل في هذا الصدد يرجع إلى‪ :‬أحمد عزت راجح‪ ،،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ 109‬وما‬ ‫بعدها‪.‬‬ ‫‪57‬‬ ‫ الحاجة إلى التقدير االجتماعي‪ ،‬أي حاجة اإلنسان إلى أن يكون موضع نقدير‬ ‫وقبول واحترام من جانب اآلخرين‪ ،‬وأن تكون له مكانة اجتماعية مرموقة‪ ،‬فضال‬ ‫عن سعيه إلى تجنيب ذاته التعرض الستهجان المجتمع أو نبذه‪.‬‬ ‫ الحاجة إلى االنتماء‪ ،‬أي رغبة الفرد في االرتباط واالنتماء إلى جماعة كاألسرة أو‬ ‫المدرسة أو النقابة أو الحزب أو الطبقة االجتماعية‪ ،‬وشعوره بأنه جزء من جماعة‬ ‫يتعاون أفرادها ويتساندون ويلتزمون بأعرافها وقيمها‪ ،‬ويحرصون على أداء واجباتهم‬ ‫تجاهها‪.‬‬ ‫ الحاجة إلى التعبير عن الذات‪ ،‬أي رغبة الفرد في اإلفصاح عن شخصيته المتميزة‬ ‫في إطار الجماعة التي ينتمي إليها‪ ،‬ورغبته في التعبير عن آرائه أو عن نفسه‪.‬‬ ‫ الحاجة إلى احترام الذات‪ ،‬وهي التي تدفع الفرد إلى صون ذاته والدفاع عنها من‬ ‫كل ما ينتقص من قدرها في نظر اآلخرين أو حتى في نظر الفرد ذاته‪ ،‬وذلك‬ ‫بإخفاء عيوبه ونواحي النقص الموجودة فيه من الغير‪ ،‬بل وحتى عن ذاته نفسها‪،‬‬ ‫فنحن نتجاهل عيوينا وننكرها‪ ،‬أو على األقل نبرر وجودها أو ننتحل أسباب معقولة‬ ‫وذرائع منطقية لما يصدر عنا أحيانأ من سلوك خاطئ‪ ،‬أو نسعى إلى إلقاء اللوم‬ ‫على غيرنا تنزيها ألنفسنا‪.‬‬ ‫دوافع اجتماعية حضارية‪ :‬وهي دوافع تشيع في بعض الحضارات أو الجماعات دون‬ ‫غيرها‪ ،‬كدافع حب الظهور أو الميل الشديد إلى االستقالل‪ ،‬أو حب السيطرة‪ ،‬أو التحدي‪،‬‬ ‫أو حب النظام وهي تختلف من حضارة إلى أخرى‪.‬‬ ‫دوافع اجتماعية فردية‪ :‬وهي الدوافع االجتماعية التي تختلف من فرد إلى آخر من بين‬ ‫من ينتمون إلى نفس الجماعة أو المجتمع من ذوي الحضارة والثقافة الواحدة‪.‬وهذه الدوافع‬ ‫‪58‬‬ ‫االجتماعية الفردية قد يكتسبها بعض أفراد المجتمع نتيجة لخبراتهم أو تجاربهم الخاصة‪،‬‬ ‫بينما ال يكتسبها البعض اآلخر‪.‬ومن بين هذه الدوافع الفردية ما يلي‪:‬‬ ‫االتجاه النفسي ‪ :Attitude‬هو استعداد وجداني مكتسب ثابت نسبيا‪ ،‬يحدد شعور الفرد‬ ‫وسلوكه إزاء موضوعات معينة من حيث تفضيلها أو عدم تفضيلها‪ ،‬كأن تكون أشياء أو‬ ‫أشخاص أو جماعات (كالتعصب لشعب أو لطائفة معينة أو ضدها‪ ،‬أو أفكار أو مبادئ‬ ‫أو نظم اجتماعية أو سياسية معينة (كأن يكون الفرد ذا اتجاه ديمقراطي‪ ،‬أو كالرغبة في‬ ‫التجديد‪ ،‬أو في المحافظة على القديم)‪.‬‬ ‫الميول المكتسبة‪/‬إالهتمامات ‪ :Interests‬الميل أو االهتمام هو اتجاه نفسي ولكنه‬ ‫"موجب" بطبيعة الحال‪.‬ومن ثم‪ ،‬فكل من االتجاه أو الميل مصطبغ بصبغة وجدانية‪،‬‬ ‫ولكنها قد تكون موجبة أو سالبة في حالة االتجاه‪.‬ويرى بعض علماء النفس قصر استخدام‬ ‫مفهوم الميول على األشخاص أو األشياء الخاصة كالميل إلى شخص معين أو إلى نشاط‬ ‫اجتماعي أو رياضي معين‪ ،‬في حين يحبذون استخدام مفهوم االتجاه بصدد الموضوعات‬ ‫األوسع أو األشمل أو األكثر عمومية‪ ،‬كاالتجاه نحو الجماعات أو الشعوب‪ ،‬أو األفكار‬ ‫العامة‪ ،‬أو المشكالت االجتماعية‪.‬‬ ‫العادات ‪ :Habits‬ميل األفراد إلى إرضاء دوافع معينة بطرق أو أساليب خاصة دون‬ ‫غيرها‪ ،‬أو ميلهم إلى تكرار سلوك معين مألوف‪ ،‬ومن ثم التشبث به ومقاومة أية محاولة‬ ‫لتعديله أو لفرض سلوك جديد‪.‬وتتحكم العادات في توجيه العديد من السلوكيات والنشاطات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ذلك فضال عن أنها تقف أحياناأ كحجر عثرة في وجه محاوالت التحديث‬ ‫والتطوير أو التنمية في العديد من المجاالت‪.‬‬ ‫‪59‬‬ ‫مستوي الطموح ‪ :Level of Aspiration‬المستوى الذي يضعه الفرد كهدف لنفسه في أي‬ ‫مجال من مجاالت الحياة‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬يتطلع إلى بلوغه أو يأنس في ذاته القدرة على الوصول‬ ‫إليه‪.‬وتختلف مستويات الطموح من شخص آلخر‪ ،‬فقد يقنع شخص ما بمهمة متواضعة‬ ‫أو بدخل يسير‪ ،‬بينما يطمح آخر إلى الظفر بعمل يدر عليه دخال كبي ار أو يحقق له مكانة‬ ‫اجتماعية مرموقة‪.‬ويتأثر مستوى طموح الفرد بعدة عوامل أبرزها‪ :‬فكرة الفرد عن نفسه أو‬ ‫ما يعرف ب ـ ‪ ، Self Conceptes‬وبقصد بها 'الفكرة التي يكونها الفرد لنفسه عن نفسه ذاتها‪،‬‬ ‫من حيث ما يتسم به من مهارات أو صفات أو قدرات جسمية أو عقلية أو انفعالية‪ ،‬كقوته‬ ‫الجسمانية أو مستوى ذكائه‪ ،‬أو درجة اتزانه االنفعالي"‪.‬‬ ‫‪ – 2‬االنفعـاالت ‪:Emotions‬‬ ‫تعد االنفعاالت بمثابة العامل‬ ‫الثاني من المحددات النفسية المؤثرة في‬ ‫الدوافع(‪.)25‬‬ ‫بعد‬ ‫السلوك اإلنساني‬ ‫واالنفعال هو 'حالة جسمية نفسية ثائرة‪،‬‬ ‫أي يضطرب لها اإلنسان كله جسما ونفسة"‪ ،‬أو هي حالة من االهتياج العام تفصح عن‬ ‫نفسها في شعور الفرد وجسمه وسلوكه‪ ،‬ولها القدرة على حفزه على النشاط"‪.‬‬ ‫وعادة ما يؤدي االنفعال المعتدل إلى تنشيط الحركة‪ ،‬ومن ثم يزداد الميل إلى مواصلة‬ ‫العمل‪ ،‬كما يؤدي االنفعال إلى زيادة خصوبة الخيال‪ ،‬أو إلى تتشيط التفكير‪ ،‬فتتدفق‬ ‫المعاني واألفكار في سرعة وسالسة‪.‬‬ ‫(‪ )25‬يمكن الرجوع لتف اصيل حول االنفعاالت كمحدد للسلوك إلى‪ :‬ممدوح منصور‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬‬ ‫‪60‬‬ ‫أما االنفعاالت الحادة أو الثائرة‪ ،‬فتكون ذات أثر ضار على مختلف الوظائف‬ ‫العضوية والعقلية؛ فاالنفعال يشوه اإلدراك‪ ،‬ويعرقل التفكير المنظم‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬يقلل القدرة‬ ‫على حل المشكالت‪ ،‬ويضعف القدرة على التذكر والتعلم‪ ،‬ويشل سيطرة اإلرادة‪ ،‬مما يجعل‬ ‫زمام العقل يفلت‪ ،‬فيندفع الفرد إلى ضروب من السلوك الصبياني أو غير المهذب‪ ،‬أو‬ ‫الطائش غير الرشيد‪.‬ويتضح أثر االنفعال الثائر على تشويه اإلدراك في أن اإلنسان‬ ‫الخائف المذعور يرتعد لمجرد سماع أي صوت‪.‬‬ ‫وتبرز أهمية دراسة أثر االنفعاالت على اإلدراك فيما يتصل بعمليات اتخاذ القرار‪،‬‬ ‫بما في ذلك السياسي منها‪ ،‬السيما في المواقف أو الق اررات ذات الصبغة االنفعالية‪ ،‬التي‬ ‫عادة ما تفتقر إلى الرشد والموضوعية‪.‬فاالنفعال الشديد هو العدو اللدود للتفكير الهادئ‬ ‫المنتظم‪ ،‬إذ أنه يركز ذهن اإلنسان ويجمده في فكرة واحدة فقط هي موضوع انفعاله‪ ،‬كما‬ ‫أنه يعميه عن رؤية الحقائق بموضوعية ومن جوانبها المختلفة‪.‬‬ ‫كذلك فقد يؤدي االنفعال العنيف إلى جعل اإلنسان شديد القابلية لإليحاء‪ ،‬سريع‬ ‫التصديق ألكي شيء يقال له‪.‬فاندماج الفرد في جمع ثائر أو حشد منفعل غاضب مثال‪،‬‬ ‫كما بحدث خالل المظاهرات أو أثناء الثور

Use Quizgecko on...
Browser
Browser