الخطابة: تحليل النصوص الدينية والاجتماعية الهامة - PDF

Summary

هذا المستند هو تحليل لموضوع الخطابة وأهميتها في العصر المملوكي. يناقش أنواع الخطب المختلفة، بما في ذلك الخطب الدينية والاجتماعية والخطب المكتوبة. يركز على الأساليب البلاغية والتراثية المستخدمة في هذه النصوص.

Full Transcript

Okay, here's the markdown conversion of the document's text. I've done my best to preserve the structure, and content, while using markdown formatting. # الخطابة تفرض ظروف العصر المملوكي وأحداثه أن تكثر الخطابة، لأنه عصر جهاد وحروب، وهذا يتطلب أن ينهض الخطباء لبث الحماسة في النفوس، وحشد الناس في ح...

Okay, here's the markdown conversion of the document's text. I've done my best to preserve the structure, and content, while using markdown formatting. # الخطابة تفرض ظروف العصر المملوكي وأحداثه أن تكثر الخطابة، لأنه عصر جهاد وحروب، وهذا يتطلب أن ينهض الخطباء لبث الحماسة في النفوس، وحشد الناس في حركة التصدي العام للغزو الصليبي والاجتياح المغولي، ولكننا لا نجد في المصنفات التي وصلتنا خطباً حربية، ربما لأن القادة الذين كانوا على رأس المجاهدين لم يكونوا عرباً، والخطابة فن عربي لا يحسنه إلا من أتقن العربية، وربما لأن هذه الخطب كانت ترتجل في مواقع القتال، ولم يتمكن المقاتلون من حفظها وتقييدها لتصل إلى أيدي المصنفين، ومثال ذلك خطبة قالها السلطان المظفر قطز عند خروجه لحرب التتار، منها: 1. **خطب الحرب** يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين الخطبة مرتجلة، وصاحبها ليس عربياً، ولذلك اقترب من العامية في أسلوبه، ولم يطل لأن الموقف لا يحتمل الإطالة، ولأنه لا يحسنها، وليس قادراً عليها . فالخطب الحربية لا تخضع لنهج محدد، وإنما ترتبط بالخطيب وبظروف الخطبة، وهي مرتجلة وتميل إلى القصر، وربما قيلت في جمع لا ينتبه أحد منهم إلى حفظها وتقييدها فوجود الخطب الحربية لا شك فيه، واتساع هذا الوجود مفترض. ولكن ليس بين ايدينا ما يؤيده ويدل عليه. والضرب الثاني من الخطب المعروفة، هو الخطب الاجتماعية، وأهمها خطب الزواج، وقد كانت أحياناً تكتب على شكل صداق، يخرج من ديوان الإنشاء (1) المقريزي: السلوك ٤٢٩/١. ## مقدمة عامة فتكون من النثر الديواني، ولما ضعفت ملكة الفصاحة عند الناس، وقلت قدرتهم على الارتجال، اتجه بعض الأدباء إلى كتابة خطب الزواج، ليحفظها المتأدبون والذين يطلب منهم القيام بذلك في هذه المناسبات، مثل خطبة أنشأها ابن سودون لذلك، وقال فيها : سماتها : الحمد الصلاة - مدح أهل العروس الحمد لله الذي حلل بالعقد حرمة النكاح، ومحا بالإسلام ما كتب في الجاهلية من السفاح، جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فكان لهما عند حصوله ،فلاح، فسبحان من جمع به من الشتات شملاً، وجعل به لقطع الأنس وصلا وأوجد به من القدم نسلاً ، أحمده على تألف القلوب دواماً، وأشكره على ذلك ابتداء واختتاماً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يعقد بها ما انحل من السرور وينحل بها ما انعقد من الشرور، وأشهد أن سيدنا محمداً – صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله الذي رغب في النكاح، ومازال عليه يثني حتى قال: (النكاح سنتي ومن رغب عن سنتي فليس مني)(۱) ، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وعترته والعامل في النكاح بسنته من سائر أمته وسلم تسليماً كثيراً ) (٢). لا يخفى أن ابن سودون صنع هذه الخطبة ليلقيها في مناسبة قادمة، أو ليحفظها من يطلب منه فعل ذلك فجعل جسم الخطبة المقدمة، ولا ينقصها إلا طلب التزويج الذي كنا نراه عند الخطباء في العصور السابقة، والثناء الذي يسبغ على أهل الفتاة وأهل الفتى. وأحكم ابن سودون بناء المقدمة، وضمنها كل ما يمكن أن يقال في مثل هذه المناسبة، فجعلها مقدمة وتمهيداً للموضوع ودلالة عليه، ولما كان الموضوع ذا صفة دينية واجتماعية، فقد اعتمد في تحسين الزواج والترغيب فيه (1) على ما جاء في الدين. واعتنى بأسلوب الخطبة وجوده بقدر استطاعته، فقسم جملها ووقعها لتناسب أداء الخطبة، وبث فيها فنون البديع، وأكثر الاقتباس والتضمين، والإشارات الدينية والتراثية. فكأن الخطب الاجتماعية استحالت إلى نصوص معروفة، تحفظ وتلقى في مناسبتها، يضاف إليها طلب التزويج وصفات أهل الزوج والزوجة، ولم تعد مما تجود به قريحة الخطيب، أو لم تعد من إبداعه. أما النوع الذي كثرت كتابته من الخطب، فهو الخطابة الدينية التي استقرت على شكل محدد في العصر المملوكي، وهو ما يلقى في المساجد في صلاة الجمعة والعيدين، وقد تابع فيها الخطباء ما وصلهم من العصور السابقة، وأضافوا إليها بعض ما استجد في عصرهم، ثم كتبت الخطب وجمعت في دواوين، ليحفظها خطباء المساجد أو يقرؤوها على الناس، ومن الذين صنعوا دواوين للخطب في العصر المملوكي وقبيله، يحيى الحصكفي (ت ٥٥١هـ)، وشميم الحلي (ت ٦٠١هـ) ويحيى الزواوي (ت ٦٢٨هـ)، ومحمد بن هبة الله البرمكي (ت ٦٢٨هـ)، والقاسم الواسطي (ت ٦٢٦هـ)، والمبارك بن نوفل (ت ٦٤٤هـ)، وابن المنير الكندري (ت ٦٨٣هـ) وابن دقيق العيد (ت ٦٨٥هـ) وأشهرها ديوان خطب جمعية لابن بناتة المصري، الذي وضعه تلبية لطب السلطان الناصر حسن ليوحد الخطب في المساجد السمات فقط ابتعدت الخطب الدينية عن الارتجال، وحضرت لمناسبات معينة، وكتبت بأسلوب متصنع لها نهج محدد في طريقة العرض لازال مستمراً إلى أيامنا هذه، وكل ديوان يحوي خطباً بعدد أسابيع السنة، ولكل أسبوع خطبة تتناول المناسبة الموافقة لها والقريبة منها. فالخطبة الأولى للهجرة، وخطبة الأسبوع الثاني من ربيع الأول للمولد النبوي، والخطبة الأولى من رمضان للصيام، والثالثة لغزوة بدر وهكذا. والجديد عندهم أنهم صنعوا خطباً للزرع والحصاد، ولوفاء النيل بمصر، مثل خطبة ابن نباتة في النيل التي يقول فيها: الحمد الله الملك الجليل، ذي العزة والقدرة والتفضيل، فله الحرمة والمنة إذ خصنا وأكرمنا ومنحنا بحر النيل، أنزله من عرش عزته إلى سماء مملكته من غير سائق يسوقه، ولا قائد يقوده الرياح تزفه والسحاب مركبه والملائكة تحفه، جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، حتى نزل على رضراض من ياقوت ودر وجوهر، ثم انتقل إلى أرض من حديد، يجري ويزيد من غير تقليل، ثم انتقل إلى أرض معطشة مقفرة ممحلة غاية التحميل، فلما نزل ژ ژ(۱)، ذلك تقدير العزيز الجليل. أحمده الحمد الكثير والشكر الجزيل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي لا شبيه له ولا نظير ولا مثيل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المنزل عليه الوحي والتنزيل. اللهم فصل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم، والرسول السيد السند العظيم سيدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين يرضيان الجليل، وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس.. اعلموا أن إقليمكم هذا خير إقليم، من به علينا السميع العليم، فهو لا حار ولا بارد ولا ناقص ولا زائد، يحار فيه الدليل، واتقوا الله يا عباد الله، وتوبوا إليه، واعلموا أنه ذو المنة والعطاء الجزيل. يروى في الخبر أن الله يطلع على بحر النيل في كل سنة ثلاث مرات، وينظر إليه ثلاث نظرات، ويخاطبه بثلاث كلمات، فإن قال له: اصعد فلا يهبط، وإن قال له: قف وقف، كما ورد في الأقاويل، فإذا سمع النيل نداء الجليل من هيبة (1) الحمامة الله قام وقعد، وأرغى وأزبد، وتلاطم وتراكم، واشتد منه التيار لما سمع نداء الملك الجبار، وهاض وفاض من أعالي قلل الجبال، فتفكر أيها اللبيب في حكمة المولى المتعال، وما أبداه من نهر انصدعت منه الأكوان، قد من به علينا الملك المنان، وصب لعباده الماء صباً، كما قال الله – تعالى – ژ و ڤ ژ و و ؤ ؤ ې ې ر (1) أوجده لكم من غير تقليل ما عذباً فراتاً يشفي العليل. روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (سيحون وجيجون والفرات ونيل مصر، كل من أنهار الجنة (٢) (). هذه الخطبة تقليدية في شكلها، فريدة في مضمونها، فهي تبدأ المقدمة معروفة من حمد الله على نعمه، والصلاة على نبيه، ويطيل ابن نباتة الحمد والصلاة، ويضمنها ما يشير إلى موضوع الخطبة وبعد ذلك يعرض موضوع الخطبة ويختمها بمثل ما بدأها به. وقد أكثر الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وإذا لم تسعفه الذاكرة في إيراد ما يؤكد كلاله من القرآن الكريم والحديث الشريف، أورد الروايات والأخبار، وهو لا يريد الإقناع العقلي بقدر ما يريد التأثير العاطفي، ولذلك يوقع جمله توقيعاً يمكن الخطيب من تلوين نبرته، يساعده على حفظها وتذكرها، وقد جعل خطابه وأسلوبه مما يدركه العامة ويؤثر فيهم. فالخطبة الدينية على الرغم من انتشارها في العصر المملوكي، وعلى الرغم من الاهتمام بها، لم تبق حرة، يشكلها الخطيب كيف يشاء، وتحولتُ إلى نصوص مكتوبة ذاتت نهج محدد وأسلوب واحد، فعطلت ملكات الخطباء، وتحولوا إلى قراء (1) عبس٢٦-٣٢ ومستظهرين لخطب معدة، وهذا حد من تنوعها ومن الإبداع فيها لكن الذين كتبوا خطباً جمعية تأنقوا في كتابتها، وراعوا المدة الممكنة لخطبة الصلاة والموضوعات التي يمكن أن تقال فيها. والخطبة عامة تتألف من مقدمة محددة، يمكن أن يحفظها كل خطيب ويضعها لكل خطبة، أو مقدمة من الحمد والصلاة، يضمنها ما يشير إلى موضوع الخطبة، ويعرض الموضوع باختصار، ويختمها بالدعاء الذي أصبح ثابتاً مثل المقدمة تماماً. وأهما ما يميز أسلوب الخطبة، توازن الفقرات والجمل والسجع، وهذا يعطي الخطبة إيقاعاً محدداً، يساعد الخطيب على تلوين نبرته، ويؤمن التأثير في السامعين، وروعي في الخطبة أن يكون أسلوبها سهلاً بعيداً عن التعقيد، لأن معظم الذين يستمعون للخطبة من العامة، ولذلك لم تصل الصنعة البديعية إلى التعقيد. ويمكن إلحاق ويمكن إلحاق خطب الكتب بفن الخطابة في هذا العصر، فقد حرص كل المصنف على وضع خطبة لكتابه أو مقدمة، يبين فيها موضوع الكتاب وسبب تأليفه، ويجهد لتأتي على أكمل وجه في البلاغة، ويضع فيها أقصى ما يستطيع من مهارة في الكتابة، لأنها واجهة الكتاب، وهي التي تقنع القارئ بقراءة الكتاب، وتوضح مكانة المؤلف ومقدرته لهذا احتفل المصنفون لخطب كتبهم، وتأنقوا في أسلوبها، الذي يكون غالباً مغايراً، لأسلوب الكتاب، إذ يغلب على الخطبة الأسلوب والصنعة البديعية، حتى إذا باشر الكاتب موضوع كتابه وتفصيله، اختفت الصنعة أو خفت. ومن خطب الكتب التي لاءم المؤلف بينها وبين موضوع كتابه، خطبة كتاب جنان الجناس للصفدي، التي قال فيها: - ٢٦٣ حفظ الحمد لله الذي رفع في فن البديع جناب جناسه، وملك من شاء من البشر قياسه، وأعلى مقداره للأديب إلى أنا قاس المسك الأذفر بأنفاسه، وحرك البليغ من الإنشاد لأن جاس خلاله الطاهرة من أنجاسه، ووهب لمن شاء السبق إلى البلاغة على أفراد أفراسه. نحمده على ما يخص به من اللغة التي لا يزال جلالها وجمالها يروع ويروق وأتحف به من الآداب التي لا تبرح رياضها وحياضها تفوح وتفوق.. ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفصح من رقم في الطرس خط خطابه، وأبلغ من أمطر الأسماع صوب صوابه، وأعز من جادل في الله فأطلع شمس اليقين في جو جوابه، وأشرف من جاهد في الله حتى رفل في ثوب أثوابه. صلى الله عليه وسلم وعلى آله الذين ما فرق أحدهم في الحق بسيفه بين أقاربه وقرابه. ونصروا الدين القيم بالمتجانسين كتائبه وكتابه، وصحبه الذين تجلى بهم الإيمان وانجاب عن انجابه، وولى بهم البهتان وانساب إلى أنسابه، صلاة تحث بها جنائب الشرف إلى جنابه، وتحط بها ركائب المجد في ركابه، وسلم ومجد وشرف وكرم. وبعد، فلما كان فن البديع في الزمن المتأخر أحسن بدعة وأوضح لمعة وأملح طلعة وأكثر رواية وسعة، ولا أقول: رياء وسمعة، به تبنى بيوت الشعر في أشرف بقعة، وتبرز أبكار الأفكار منه في خلعة بعد خلعة، وإذا كان الشعر بحرا فهو منه أعذب جرعة، والمكاتبات حلة مرقومة، فهو طراز كل رقعة، خصوصا نوع التجنيس الذي هو ركن شريعته وبيان شرعته، وديباجة صنائعه في صنعته وآية سجدته وغاية سجعته وغياث نجدته وغيث نجهته. تشهد الخطباء له بفضل جماعته وجمعته، وتعترف الشعراء برفع محله ومحل رفعته، وتدخل به الألفاظ الفصيحة الأذن بغير إذن لشفاعة حقه وحق شفعته، فله في كل خلوة جلوة، وفي كل خطوة حظوة . أحببت أن أضع فيه ما يشفي العلة وينفي الغلة، ويوضح سبله بالشواهد والأدلة، ويظهر بدوره كاملة بعد أن كانت أهلة، ويرد كل فرع إلى أصله، ويميز كل نوع بجنسه القريب وفصله... وقد رتبت ذلك على مقدمتين ونتيجة..(۱). أطال الصفدي خطبة كتابه، وحرص على تنميقها واصطناع أفانين البديع، وخاصة الجناس موضوع كتابه، فكأنه أراد أن يورد المثل على جمال الجناس من قرة فقط حتى إذا شرع في قراءة فصول الكتاب كان مهيا لقبول ما يعرض عليه تعليق غير أن يصرح بذلك، وأن يقنع القارئ من المقدمة بأهمية كتابه وبوجهة نظر تعليق وقد وجه المؤلف الحمد والصلاة الوجهة التي يريد فأشاد باللغة العربية و ببلاغتها وبوجود الصصنعة في أدبه، وخص الجناس منها بالتقدير مظهراً محبة كبيرة للغة العربية وتقديساً، وهياماً بها وكلفاً بأدبها ، وهذا شأن الأدباء والعلماء آنذاك يدى الصفدي قدرة كبيرة على التصرف بالجناس واإقة الاه لها من ال كتدلل على سةثقا فةا لغوية وحفظه لمتون للغة، ومعرفته لترالدفات الت أسعفة بمراده وهو يبحث عن اللفظ المناسب للسياق فصنعة دديع لم تكن عمل سہلاً، أو ما يرد ديهة، ليست لجأ لضعاف البودبة, كا بدو للوهلة الأولى, بل إن اتقان يصنع ببحاج إلى ثقافة كيرة, ومودبة أصيلة ووقدرة علية لتصنع من الثفافة العامة والرفلة لغوية نص أدباً مقناً، أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا تمل هذه الشوص بذ لها أداها جهداً بي، ودد اً طويا و التفكين (۱) الصفدي: جنان الجناس، ص 5. - ٢٦٥ والملاءمة والمراجعة والتدقيق، حتى خرجت على هذا الشكل، ولو بذل هذا الجهد في التجديد والإبداع، لكان لأدبهم شأن آخر. لم يخرج بناء الخطبة عما عهدناه في نصوص النثر آنذاك، فبدأ بمقدمة طويلة من الحمد والصلاوة، ثم عرض الموضوع واختتم بما يشبه المقدمة والدعاء. وخطب الكتب من النصوص التي يخطط لها الكاتب ويبينها بدقة وتأن، ويعيد النظر فيها، فلم تكن من خطرات الفكر أو من بنات البديهة، بل يبذل صاحبها جهده لتأتي مطابقة للمثال الأعلى للنص الأدبي في عصره، وقد أسهب معظم المؤلفين في خطب كتبهم، واعتنوا بأسلوبهم وصنعتها، إظهاراً لبراعتهم وإثباتاً لمقدرتهم وليؤثروا في قارئيهم، وليؤمنوا القبول لكتبهم، فغدت المقدمات من النصوص النثرية الأدبية التي يتباهى بها أصحابها، ويتناقلها الأدباء ويتدارسونها. ففن الخطابة في العصر المملوكي يميل إلى التقليد والتقييد. ولا يخرج عن ذلك إلا الخطب الحربية التي ترتجل، ولا يستطيع صاحبها تحضيرها مسبقاً، لذلك لم يصلنا منها إلا النزر اليسير. أما الخطب الاجتماعية والدينية وخطب الكتب، فإنها تهيأ وتدرس وتعد بعناية، ولا ترتجل، وتكتب بطريقة تلائم الإلقاء وتؤمن التأثير في السامعين، وهي تعتمد على التدقيق والتثقيف وبذلك الجهد العقلي في بنائها وصياغتها فخرجت عما كانت عليه من قبل، وكأن عصر البديهة والارتجال قد ولى، ولم يبق منه إلا آثار واهية، وجاء عصر التصنع والجهد في بناء النص الأدبي. I hope this is helpful! Let me know if you have any other questions.

Use Quizgecko on...
Browser
Browser