Arabic Philosophy Lecture Notes PDF

Summary

These lecture notes cover various schools of thought in Arabic philosophy, such as the Jabariyya and the Mu'tazilite, about the nature of human actions and their relation to divine will. The notes discuss the different perspectives on the role of human agency in voluntary actions in the context of divine power.

Full Transcript

‫المحاضرة االولي توحيد‬ ‫د‪ /‬مني أحمد‬ ‫بتاريخ ‪2024/10/8‬‬ ‫ذكر علماء الكالم مبحث أفعال العباد ضمن المطالب التي اندرجت تحت أفعال هللا‬ ‫تعالى؛ ألن البحث فيها يعود إلى مسألة خلق األفعال االختيارية للعباد‪ ،‬وهل هي‬ ‫من جملة أفعال هللا تعالى‪.‬فقال األشاعرة ومن وافقهم‪ :‬نعم‪.‬وقال المخالفون...

‫المحاضرة االولي توحيد‬ ‫د‪ /‬مني أحمد‬ ‫بتاريخ ‪2024/10/8‬‬ ‫ذكر علماء الكالم مبحث أفعال العباد ضمن المطالب التي اندرجت تحت أفعال هللا‬ ‫تعالى؛ ألن البحث فيها يعود إلى مسألة خلق األفعال االختيارية للعباد‪ ،‬وهل هي‬ ‫من جملة أفعال هللا تعالى‪.‬فقال األشاعرة ومن وافقهم‪ :‬نعم‪.‬وقال المخالفون لهم‪:‬‬ ‫ليس خلق أفعال العباد االختيارية من جملة أفعال هللا تعالى‪.‬‬ ‫اختلف علماء الكالم في أفعال العباد من حيث كونها اختيارية أو اضطرارية؛ أي‪:‬‬ ‫هل أفعال العباد كلها اختيارية أم كلها اضطرارية‪ ،‬أم أنها تنقسم إلى أفعال اختيارية‬ ‫وأخرى اضطرارية؟‬ ‫الرأي األول‬ ‫الجهمية‪:‬‬ ‫تعريفهم‪ :‬هم أصحاب جهم بن صفوان‪ ،‬ويُلقبون بالجبرية‪.‬‬ ‫رأيهم‪ :‬أفعال العباد جميعها اضطرارية‪ ،‬أي تصدر من العبد دون إرادة أو اختيار‪،‬‬ ‫وليس للعبد فعل اختياري أصالً‪.‬قالوا إن إضافة األفعال إلى العباد وإسنادها إليهم‬ ‫إنما هو على سبيل المجاز‪.‬فقولنا‪" :‬ضرب زيد"‪" ،‬ذهب عمرو" بمنزلة قولنا‪:‬‬ ‫"ابيض الشعر"‪.‬فكما أن اإلنسان ال دخل له في زيادة طوله أو‬‫َّ‬ ‫"طال الغالم"‪،‬‬ ‫بياض شعره‪ ،‬فكذلك ال دخل له في أفعاله األخرى كذهابه وأكله وشربه‪.‬فالجهمية‬ ‫يرون أن هذه األفعال تصدر من العبد اضطراراً‪ ،‬وأن اإلنسان مجرد محل لصدور‬ ‫هذه األفعال‪ ،‬وليس فاعالً لها على الحقيقة‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الرأي الثاني‬ ‫الجمهور من األشاعرة والماتريدية والمعتزلة وحكماء الفالسفة‪ :‬ذهبوا إلى أن‬ ‫أفعال العباد تتنوع إلى اختيارية واضطرارية‪.‬‬ ‫استدل الجبرية على قولهم بأن دخول مقدور واحد تحت قدرتين محال‪.‬فال يجوز‬ ‫أن يدخل مقدور واحد‪ ،‬وهو المشي مثالً‪ ،‬تحت قدرتين‪ :‬قدرة العبد وقدرة هللا‪.‬‬ ‫مقدورا‬ ‫ً‬ ‫مقدورا هلل تعالى فقط‪ ،‬أو أن يكون‬ ‫ً‬ ‫في هذه الحالة‪ ،‬إما أن يكون فعل العبد‬ ‫مقدورا للعبد)؛ ألن الدليل العقلي‬ ‫ً‬ ‫للعبد فقط‪.‬والثاني غير مسلم (أي كون الفعل‬ ‫والنقلي قضى بأن المؤثر في جميع األشياء‪ ،‬ومنها أفعال العباد‪ ،‬هو هللا تعالى‪.‬‬ ‫مضطرا في جميع أفعاله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فال يكون للعبد تأثير أصالً في شيء ما‪ ،‬فيكون‬ ‫الرد على رأي الجهمية‪:‬‬ ‫فساد هذا القول ظاهر؛ إذ إنه يؤدي إلى عدم التكليف وال فائدة من إرسال الرسل‪،‬‬ ‫وال معنى لترتيب الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية‪.‬أما قولهم إن دخول‬ ‫مقدور واحد تحت قدرتين محال‪ ،‬فإنما يكون صحي ًحا فيما إذا كان تعلق كل من‬ ‫القدرتين بالمقدور تعلق تأثير وإيجاد‪.‬‬ ‫ويُقال‪ :‬متى يكون رأي الجهمية صحي ًحا؟ إذا كانت القدرتان لهما نفس التأثير على‬ ‫المقدور‪.‬أي‪ :‬عندما أمشي‪ ،‬فإن هللا قد خلق لي أسبابًا كثيرة ليصدر مني فعل‬ ‫المشي‪.‬فأنا تأثيري ليس تأثير إيجاد‪ ،‬وإنما جعلني هللا واسطة لتتم الحركة‪.‬أما إذا‬ ‫كان تعلق قدرة الباري بفعل العبد للتأثير‪ ،‬وتعلق قدرة العبد بفعله ليس للتأثير‪ ،‬فال‬ ‫مانع من ذلك‪.‬‬ ‫يجوز دخول مقدور واحد تحت قدرتين إذا اختلف ارتباط القدرتين بالمقدور الذي‬ ‫يليه‪.‬فمثالً‪ ،‬إن كنت أريد فعل شيء وعبد آخر أراد ذلك وفعلها‪ ،‬وفعلتها أنا أيضًا؛‬ ‫هل لذلك فائدة؟ ال‪ ،‬ألننا نملك نفس القدرات‪ ،‬لكن قدرة العبد وقدرة الخالق ليستا‬ ‫نفس القدرة‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وأما ما ذهب إليه الجمهور من تنوع أفعال العباد إلى اضطرارية واختيارية‪ ،‬فما‬ ‫الذي أدى بهم إلى هذا القول (أي هذا التخصيص)؟‬ ‫ألن الضرورة والمشاهدة قضت بذلك‪.‬فإننا نفرق بين حركة االرتعاش وحركة‬ ‫البطش‪.‬بمعنى‪ ،‬عندما أضربك يختلف األمر عن اهتزاز يدي بسبب االرتعاش‪ ،‬فال‬ ‫أستطيع التحكم في الحركة األخيرة‪.‬‬ ‫في فرق مع أن االثنين حركة يد (صادرة من نفس العضو)‪ ،‬فهما فعالن صادران‬ ‫من نفس المحل‪ ،‬أحدهما اضطراري ال أستطيع التحكم فيه‪ ،‬والثاني اختياري أنا‬ ‫الذي أفعله بإرادتي‪.‬‬ ‫ونحكم أن األول ليس لقدرة العبد أي تأثير فيها‪ ،‬أما الثانية فهي حركة البطش‪،‬‬ ‫ففيها إرادة من العبد واختيار منه‪ ،‬فهي اختيارية‪.‬وقد اتفق العقالء من العلماء‬ ‫على ذلك‪ ،‬وهو أن هناك أفعاالً اضطرارية وأفعاالً اختيارية للعبد‪ ،‬مثل قوله تعالى‪:‬‬ ‫}فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر{ [الكهف‪.]29 :‬‬ ‫بعد أن اتفق جمهور علماء الكالم على أن للعبد فعالً اختياريا ً وفعالً اضطرارياً‪،‬‬ ‫وعلى أن الفعل االضطراري ليس لقدرة العبد دخل فيه‪ ،‬ال بالتأثير وال بغيره‪،‬‬ ‫اختلفوا في الفعل االختياري‪ :‬هل هو واقع بقدرة هللا تعالى وحده‪ ،‬أو بقدرة العبد‬ ‫وحده‪ ،‬أو بمجموع القدرتين؟‬ ‫على أن تتعلق قدرة هللا تعالى بأصل الفعل‪ ،‬وقدرة العبد بوصفه‪.‬‬ ‫آراء الجمهور في أفعال العباد االختيارية‪:‬‬ ‫‪ -1‬األشاعرة‪ :‬قالوا إن فعل العبد االختياري مخلوق هلل تعالى‪ ،‬وليس لقدرة العبد‬ ‫تأثير فيه وال تعلق به من حيث اإليجاد‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪ -2‬أكثر المعتزلة وجميع الحكماء‪ :‬قالوا إن فعل العبد االختياري واقع بقدرة العبد‬ ‫وحده على سبيل االستقالل‪ ،‬وهذه القدرة أوجدها هللا تعالى باختياره على رأي‬ ‫المعتزلة‪(.‬بالنسبة للمعتزلة‪ ،‬أن هللا هو الذي اختار أن يمنح العبد القدرة على‬ ‫الفعل)‪.‬أما الفالسفة فقالوا إن هللا أوجد القدرة التي يفعل بها العبد أفعاله‪ ،‬ولكن‬ ‫كان يجب عليه إيجادها ألنها ضرورية‪ ،‬وال يمكن للعبد أن يفعل شيئا ً بدونها‪.‬‬ ‫الشرح ‪:‬‬ ‫أي أن هللا هو الذي خلق فينا القدرة التي تخلق األفعال‪ ،‬لكن باختياره‪ ،‬وهو رأي‬ ‫المعتزلة‪.‬والفالسفة قالوا إن هللا خلق القدرة التي نفعل بها أفعالنا‪ ،‬ولكنه كان‬ ‫ملزما ً بإيجادها لنا ألنها ضرورية‪ ،‬وألن هللا ال يصدر منه إال الخير‪.‬‬ ‫بنا ًء على أن هللا تعالى فاعل عندهم باإليجاب‪ ،‬وعند غيرهم باالختيار‪.‬الفاعل‬ ‫باإليجاب (أي أن طبيعة هللا سبحانه وتعالى ال تسمح بعدم الفعل؛ فهو دائم الفعل)‪.‬‬ ‫‪ -3‬قال األستاذ أبو إسحاق اإلسفراييني من أهل السنة‪ ،‬والنجار من أهل المعتزلة‪:‬‬ ‫إن فعل العبد االختياري واقع بمجموع المقدرتين‪ ،‬قدرة هللا وقدرة العبد‪.‬‬ ‫‪ -4‬رأي القاضي أبو بكر الباقالني (أشعري)‪:‬‬ ‫قال إن قدرة هللا تعالى تتعلق بأصل الفعل‪ ،‬وقدرة العبد تتعلق بوصفه‪.‬فكلتا‬ ‫القدرتين متعلقتان بالفعل‪ ،‬لكن كل واحدة منهما متعلقة من طرف غير اآلخر‪.‬‬ ‫فمثالً‪ ،‬قدرة هللا تتعلق بالفعل من حيث اإليجاد‪ ،‬وقدرة العبد تتعلق به من حيث‬ ‫الوصف‪.‬مثال ذلك‪ :‬لطم اليتيم تأديبا ً أو إيذا ًء‪ ،‬فإن اللطم حصل بقدرة هللا تعالى‬ ‫ألنه هو من خلق اليد وقدّر الحركة‪ ،‬أما الغاية من الضرب‪ ،‬سواء كانت لإليذاء أو‬ ‫للتأديب‪ ،‬فهي باختيار العبد‪.‬فاللطم حدث بقدرة هللا‪ ،‬وكونه طاعة إذا كان للتأديب‪،‬‬ ‫أو معصية إذا كان لإليذاء‪ ،‬فهذا يرجع لقدرة العبد في وصف الفعل‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫التحقيق في هذا المقال‪:‬‬ ‫قال صاحب "الطوالع"‪ :‬إن أهل التحقيق قالوا في هذا المقام‪( :‬ال جبر وال تفويض‪،‬‬ ‫ولكن األمر بين األمرين)‪.‬وهذا هو الحق‪.‬وتفصيله أن هللا تعالى يوجد القدرة‬ ‫واإلرادة في العبد‪ ،‬ويجعل لهما مدخالً في الفعل‪ ،‬ال بأن تكون القدرة واإلرادة‬ ‫لذاتهما مؤثرتين في الفعل‪ ،‬بل إن هللا تعالى يخلق القدرة واإلرادة في العبد‬ ‫ويجعلهما بحيث يكون لهما مدخل في الفعل‪.‬فإن جميع المخلوقات مخلوقة هلل‬ ‫تعالى‪ ،‬بعضها بال واسطة وبعضها بواسطة وأسباب‪.‬ولكن الوسائط واألسباب ال‬ ‫تقتضي بذاتها أن يكون لها مدخل في المسببات‪ ،‬بل هللا هو الذي يخلقها في العبد‬ ‫ويجعل لها مدخالً في الفعل‪.‬فتكون األفعال االختيارية المنسوبة إلى العبد مخلوقة‬ ‫هلل تعالى‪ ،‬ومقدورة للعبد بقدرة خلقها هللا تعالى فيه‪ ،‬وجعلها بحيث يكون لها‬ ‫مدخل في الفعل‪.‬‬ ‫الشرح ‪:‬‬ ‫األفعال التي أقوم بها ليست من نفسي؛ ألنني ال أخلق نفسي وال أخلق أي فعل أقوم‬ ‫به‪ ،‬بل أستخدم األشياء التي خلقها هللا في نفسي‪.‬فعندما أريد المشي‪ ،‬أستخدم‬ ‫ي‪ ،‬وقد خلقهما هللا عز وجل‪ ،‬أي أنني مجرد واسطة ألداء الفعل‪.‬‬ ‫قدم ّ‬ ‫وهذا الرأي الذي نسبه صاحب "الطوالع" ألهل التحقيق هو الجدير بالقبول؛ فإن‬ ‫هللا تعالى خلق اإلنسان وم ّيزه عن غيره من المخلوقات بأمور تلزمه متى وهب هللا‬ ‫مختارا‪.‬ولذلك يقولون إن ماهية اإلنسان‬‫ً‬ ‫مفكرا‬ ‫ً‬ ‫له الوجود‪.‬ومن تلك الميزات كونه‬ ‫(حيوان ناطق)‪.‬والحيوان هو الجسم النامي الحساس المتحرك باإلرادة‪ ،‬أي‬ ‫باالختيار‪.‬ولو ُخلق اإلنسان مسلوب االختيار‪ ،‬لكان إما ملكًا (أي ارتفع عن‬ ‫مستوى اإلنسانية) أو حيوانًا آخر (انحط عن رتبة اإلنسانية)‪.‬وأيضًا‪ ،‬فقد طالبنا‬ ‫هللا سبحانه وتعالى بالشكر على النعم‪ ،‬والشكر هو صرف العبد جميع ما أنعم هللا‬ ‫به عليه فيما ُخ ِلق ألجله‪.‬والقدرة ُخلقت للتأثير‪ ،‬واإلرادة ُخلقت للتخصيص‪.‬فالعبد‬ ‫هو المؤثر بقدرته التي خلقها هللا له‪ ،‬وهو المخصص بإرادته التي أعدها هللا لذلك‪.‬‬ ‫غير أن الفرق بين قدرة العبد وقدرة هللا تعالى هو أن قدرة هللا هي المرجع لجميع‬ ‫الكائنات‪ ،‬وهي مستقلة استقالالً مطلقًا‪ ،‬أي تبدأ الخلق من العدم‪.‬أما أنا‪ ،‬فعندما‬ ‫أريد المشي‪ ،‬فإن لي قدمين مخلوقتين من العدم‪ ،‬وأقوم بالمشي بواسطتهما‪.‬أي‬ ‫أن لنا ً‬ ‫دخال في أفعالنا‪ ،‬ولكننا نفعلها باألدوات التي خلقها هللا فينا وسخرها لنا‪.‬‬ ‫وبهذا البيان يختلف هذا المذهب عن مذهب المعتزلة‪.‬وعليه يصح التكليف وينتفي‬ ‫الجبر‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫لماذا قالت المعتزلة إن اإلنسان خالق ألفعاله على االستقالل؟‬ ‫مذهب المعتزلة يعارض مذهب الجبرية بشكل مباشر‪.‬فالجبرية يقولون إن اإلنسان‬ ‫ال يفعل شيئًا‪ ،‬فضاع التكليف عندهم‪.‬أما المعتزلة‪ ،‬فقالوا إن اإلنسان هو الذي‬ ‫يقوم بكل شيء إلثبات صحة التكليف‪.‬‬ ‫عموم إرادته تعالى‬ ‫أي‪ :‬هل هللا تعالى يريد الخير فقط أم يريد الخير والشر؟‬ ‫اختلف علماء الكالم في عموم إرادة هللا تعالى للكائنات‪:‬‬ ‫الرأي األول‪:‬‬ ‫قالت األشاعرة والماتريدية‪ :‬كل كائن مراد هلل تعالى‪ ،‬وما ليس بكائن ليس مرادًا‬ ‫له‪.‬أي‪ :‬كل ما تحقق وحصل في الكون من خير أو شر هو مراد هلل تعالى‪ ،‬بمعنى‬ ‫أنه هو الذي خصصه بالوجود في وقت كذا وفي مكان كذا‪ ،‬على صفة خاصة‪.‬فال‬ ‫شرا‪ ،‬عن إرادته تعالى‪.‬وكل ما لم‬ ‫خيرا أو ً‬ ‫يخرج كائن من الكائنات‪ ،‬سواء كان ً‬ ‫شرا‪.‬‬ ‫خيرا أو ً‬ ‫يقع في الكون ليس مرادًا له‪ ،‬سواء كان ً‬ ‫واتفق أصحاب هذا الرأي على أنه يجوز نسبة الكائنات على طريق اإلجمال إلى‬ ‫إرادته تعالى‪ ،‬فيقال‪ :‬كل الكائنات أو جميعها مراد هلل تعالى‪.‬واختلفوا في نسبة‬ ‫الشرور إلى إرادته على التفصيل‪.‬فهل يجوز أن يقال‪ :‬الكفر أو شرب الخمر مراد‬ ‫هلل تعالى؟‬ ‫قال بعضهم‪ :‬كما ال يقال "خالق القردة والخنازير"‪ ،‬كذلك ال يقال "أراد الكفر‬ ‫والمعاصي"‪ ،‬ألن بعض العلماء يقول إن اإلرادة واألمر بمعنى واحد‪ ،‬فربما فهم‬ ‫السامع من قولهم "أراد الكفر والمعاصي" أن هللا أمر بهما‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وقال بعضهم‪ :‬تجوز نسبة المعاصي إلى إرادته تعالى بشرط وجود قرينة تدفع كل‬ ‫شرا قبي ًحا منهيًا عنه"‪ ،‬كما‬ ‫إيهام‪.‬كأن يقال‪" :‬أراد الكفر من الكافر كسبًا له‪ً ،‬‬ ‫مأمورا به"‪.‬وهذا القول هو‬ ‫ً‬ ‫خيرا حسنًا‬ ‫يقال‪" :‬أراد اإليمان من المؤمن كسبًا له‪ً ،‬‬ ‫اختيار أبي منصور الماتريدي وبه قال األشعري‪.‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫أن علماء الكالم في عموم إرادة هللا تعالى للكائنات اختلفوا‪.‬‬ ‫األشاعرة قالوا إن هللا سبحانه وتعالى يريد كل ما هو موجود في الكون‪.‬مادام‬ ‫شرا‪.‬‬ ‫خيرا أو ً‬ ‫تحقق‪ ،‬فهو مراد هللا سبحانه وتعالى سواء كان ً‬ ‫اختلفوا مرة أخرى في هل يجوز أن نقول إن هللا سبحانه وتعالى أراد الكفر‬ ‫والمعاصي وشرب الخمر؟ منهم من قال‪ :‬ال يجوز إال بقرينة تُبين أن هللا أرادها‬ ‫مكروهًا ومنهى عنها‪.‬والبعض اآلخر قال‪ :‬كما أراد اإليمان كسبًا له‪ ،‬أراد الكفر‬ ‫كسبًا له أيضًا‪.‬‬ ‫مالحظة‪:‬‬ ‫األمر ليس كاإلرادة‪ ،‬فاهلل قد يأمر بشيء ولكنه قد ال يريده من جهة أخرى‪ ،‬وذلك‬ ‫فرق دقيق بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي‪.‬‬ ‫الرأي الثاني‪:‬‬ ‫قالت المعتزلة‪ :‬إن هللا تعالى ال يريد الشرور والمعاصي‪ ،‬سواء وقعت أو لم تقع‪.‬‬ ‫وإن وقعت‪ ،‬فهي بإرادة العبد فقط‪.‬ويريد هللا الخير واإليمان‪ ،‬أي يحبهما سواء‬ ‫وقعا في الكون أم لم يقعا‪.‬فهو يريد اإليمان من الكافر وإن لم يقع‪ ،‬وال يريد منه‬ ‫الكفر وإن وقع‪.‬فال تالزم بين وقوع الشيء وإرادة هللا له عند المعتزلة‪.‬بمعنى أنه‬ ‫قد يقع الشيء وال يريده هللا‪ ،‬أو قد يريد هللا الشيء ولكنه ال يقع‪ ،‬مثل إرادته‬ ‫إليمان الكافر‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫هذا بخالف مذهب األشاعرة والماتريدية‪ ،‬حيث يرون أن إرادة هللا هي التي‬ ‫تخصص الممكنات‪ ،‬فيلزم من وقوع الشيء إرادة هللا له‪ ،‬ومن عدم وقوعه عدم‬ ‫إرادته له‪.‬‬ ‫الرأي الثالث‪:‬‬ ‫خيرا محضًا كالمالئكة‪ ،‬ال يصدر منها شيء‬ ‫قال الحكماء‪ :‬الكائنات إما أن تكون ً‬ ‫من الشر ألنها ُجبلت على الخير والطاعة‪ ،‬وإما أن يكون خيرها أكثر من شرها‬ ‫كعالم العناصر‪.‬وهذا النوع الثاني ال يمكن أن يحقق ثمرته والمصالح المطلوبة‬ ‫منه بدون حصول ضرر‪.‬فمثالً‪ :‬المطر يُحيي الحيوان والنبات‪ ،‬ولكنه قد يُلحق‬ ‫ً‬ ‫عمال‪.‬والنار تؤدي ثمرتها في التدفئة أو‬ ‫ضررا بشخص أو يُهدم بيتًا أو يُعطل‬ ‫ً‬ ‫اإلنارة‪ ،‬لكنها في الوقت نفسه تُحرق الخشب وتؤذي ما تالمسه‪.‬‬ ‫فالحكماء يرون أن هذا الضرر القليل في جانب الخير الكثير ال يُ َع ُّد سب ًبا لترك‬ ‫الخير‪ ،‬ولذلك كان هللا مريدًا للشر بالتبع ال بالقصد‪.‬‬ ‫أدلة األشاعرة على عموم إرادته تعالى‪:‬‬ ‫‪ -1‬إجماع األمة‪ :‬إن إجماع األمة منذ عهد النبوة كان على القول بأن "ما شاء هللا‬ ‫كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن"‪ ،‬وظل هذا القول مطلقًا دون تقييد سواء بفعل هللا تعالى‬ ‫أو بفعل العبد‪.‬فإذا ثبت إجماع السلف على هذا األمر‪ ،‬فال يُعتد بمخالفة ذلك‬ ‫اإلجماع بعد تحققه‪.‬وقد ورد هذا القول مرفوعًا إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫وتلقته األمة بالقبول‪ ،‬فيكون بذلك سندًا لهذا اإلجماع‪.‬‬ ‫‪ -2‬خلقه لألشياء باختيار‪ :‬لقد ثبت أن جميع الكائنات مخلوقة بإرادته تعالى‬ ‫واختياره‪ ،‬أي أنه لم يُجبر أو يُقهر على خلق شيء‪.‬وبالتالي‪ ،‬يلزم من خلقه‬ ‫لألشياء اختيار إرادته لها‪.‬وهذا الدليل يثبت أن كل ما وقع في الكون هو بإرادة‬ ‫هللا تعالى‪.‬ولكن هذا الدليل ال يُلزم المخالف إال إذا تم استناد جميع الكائنات إلى هللا‬ ‫سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪ -3‬علم هللا السابق‪ :‬إن هللا تعالى علم من الكافر أنه لن يؤمن‪ ،‬وبالتالي أصبح‬ ‫ً‬ ‫محاال‪.‬فعندما يعلم هللا باستحالة حدوث شيء‪ ،‬فإنه ال يريده‪.‬وهذا الدليل‬ ‫إيمانه‬ ‫يثبت أن كل ما لم يقع في الكون ليس مرادًا هلل تعالى‪.‬فلو أراد هللا إيمان الكافر‪،‬‬ ‫ألمن‪ ،‬لكنه كان يعلم أن الكافر لن يؤمن‪ ،‬ولذلك لم يرده‪.‬‬ ‫‪ -4‬اآليات القرآنية‪:‬‬ ‫ض ِيّقًا ح ََر ًجا} (األنعام‪.)125 :‬‬ ‫{و َمن يُ ِر ْد أَن يُ ِضلَّهُ يَ ْج َع ْل َ‬ ‫صد َْر ُه َ‬ ‫قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫َّللا يُ ِري ُد أَن‬ ‫{و َال يَنفَعُ ُك ْم نُص ِْحي ِإ ْن أَ َردتُّ أَ ْن أَن َ‬ ‫ص َح لَ ُك ْم ِإن كَانَ َّ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫يُ ْغ ِويَ ُك ْم} (هود‪.)34 :‬‬ ‫كلتا اآليتين صريحتان في أن هللا تعالى يريد اإلضالل لمن يضله‪ ،‬وهو ما يدل على‬ ‫أن إرادة هللا تشمل الخير والشر على حد سواء‪.‬‬ ‫أدلة المعتزلة على عموم إرادة هللا تعالى‪:‬‬ ‫استند المعتزلة في قولهم بأن هللا ال يريد الشرور والمعاصي إلى أدلة نقلية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪( :‬وما هللا يريد ظلما ً للعباد)‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪( :‬وما هللا يريد ظلما ً للعالمين)‪.‬‬ ‫استدل المعتزلة بهاتين اآليتين على أن هللا تعالى نفى عن نفسه إرادة ظلم العباد‪.‬‬ ‫ومعلوم أن ظلم العباد لبعضهم البعض واقع‪ ،‬فاستنتجوا أن هذا الظلم وقع بإرادة‬ ‫العباد ال بإرادة هللا‪ ،‬ألن اآليتين نفتا إرادة هللا للظلم‪ ،‬ومع ذلك وقع‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الرد على هذا االستدالل‪ :‬إن المنفي هنا هو إرادة صدور الظلم من هللا نفسه للعباد‪،‬‬ ‫وهو التصرف على خالف مقتضى الحكمة‪.‬‬ ‫والغرض من هذا اإلخبار هو حث الناس على أن يتخلقوا بأخالق هللا‪ ،‬فال يظلم‬ ‫بعضهم بعضاً‪.‬‬ ‫وعلى فرض أن كال اآليتين ليست نصا ً في هذا المعنى األخير‪ ،‬فهي محتملة له‬ ‫كالمعنى األول‪ ،‬وال يوجد مرجح ألحد المعنيين على اآلخر‪ ،‬وبالتالي فال تصلح‬ ‫لالستدالل‪.‬‬ ‫‪ -2‬قوله تعالى‪( :‬إن هللا ال يأمر بالفحشاء)‪:‬‬ ‫وجه االستدالل بهذه اآلية هو أنها نفت أمر هللا تعالى لعباده بالفحشاء‪ ،‬ونفي األمر‬ ‫يُفهم منه نفي اإلرادة‪ ،‬ألنهما متحدان‪.‬‬ ‫الرد على هذا االستدالل‪ :‬هذا االستدالل مبني على قول بعض المعتزلة بأن إرادة‬ ‫هللا تعالى لفعل العباد تعني أمره لهم بذلك‪.‬ولكن األشاعرة ال يقولون بهذا‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن هذه اآلية ال تلزمهم إال إذا قام الدليل القاطع على أن اإلرادة هي‬ ‫األمر‪.‬وقد سبق في مبحث اإلرادة أن وقوع الكائن في الخارج ال بد له من‬ ‫مخصص‪ ،‬وانحصر المخصص في اإلرادة‪ ،‬فهي ليست األمر الذي هو الطلب‬ ‫النفسي أو الكالم اللفظي الدال على الطلب‪.‬‬ ‫مالحظه‪:‬‬ ‫صفة اإلرادة من األمور المتقابلة مثل األضداد‪.‬‬ ‫‪ -3‬قوله تعالى‪( :‬وال يرضى هللا لعباده الكفر)‪:‬‬ ‫وجه االستدالل بهذه اآلية أنها أفادت أن هللا ال يرضى الكفر لعباده‪ ،‬واإلرادة هي‬ ‫الرضا‪.‬لذا‪ ،‬إذا انتفى الرضا‪ ،‬كان ذلك نفيا ً لإلرادة أو يلزم أن يكون الرضا الزما ً‬ ‫لإلرادة‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الرد على هذا االستدالل‪:‬‬ ‫إن الرضا من هللا تعالى هو إرادة الثواب على الفعل أو ترك االعتراض‪.‬وعليه‪،‬‬ ‫فإن لفظ الرضا يساوي لفظ اإلرادة‪ ،‬وال يلزم من انتفاء أحد هذين المعنيين انتفاء‬ ‫إرادة الفعل‪ ،‬بمعنى تخصيصه‪.‬أما إذا أريد من اإلرادة األمر‪ ،‬فالتالزم ظاهر‪ ،‬ولكن‬ ‫كون اإلرادة بمعنى األمر ال يقبله األشاعرة‪ ،‬فال يلزمهم‪.‬‬ ‫ومنها قوله تعالى‪( :‬إن هللا ال يحب الفساد)‪:‬‬ ‫اإلرادة عند األشاعرة تعني معنى غير معنى األمر والرضا‪.‬‬ ‫ تقسيم األمر التشريعي‪:‬‬ ‫األمر النفسي‪ :‬هو الطلب القائم بالنفس‪.‬‬ ‫األمر اللفظي‪ :‬هو الكالم الدال على الطلب النفسي‪.‬‬ ‫ الرضا‪:‬‬ ‫هو إرادة الثواب على الفعل‪ ،‬أو ترك االعتراض على الفعل‪.‬وال تالزم بينه وبين‬ ‫اإلرادة‪ ،‬فإن الكفر مراد‪ ،‬ومع ذلك ال يرضى هللا به‪.‬‬ ‫ اإلرادة‪:‬‬ ‫هي صفة تخصيص الممكن ببعض ما يجوز عليه من الوجود والعدم وغيرهما‪.‬فال‬ ‫تالزم بينها وبين األمر‪ ،‬فقد يجتمعان‪.‬‬ ‫مثال اجتماعهما‪ :‬إيمان أبي بكر وسائر المؤمنين‪ ،‬فإنه مأمور به ومطلوب منهم‬ ‫تحصيله‪ ،‬ومراد هللا بمعنى أنه خصصه بالوجود في زمن مخصوص ومكان‬ ‫مخصوص‪.‬‬ ‫مثال وجود اإلرادة دون األمر‪ :‬كفر فرعون وسائر الكافرين‪ ،‬فإنه مراد هللا وغير‬ ‫مأمور به‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫مذهب الحكماء في إرادة الشرور وصدرها عن الباري‪:‬‬ ‫قالت الحكماء إن هللا تعالى جواد كريم‪ ،‬فهو مبدأ الوجود الخيري‪ ،‬فال يصدر عنه‬ ‫ما كان شراً محضاً‪ ،‬وال ما غلب شره على خيره‪ ،‬وال ما تساوى فيه الخير والشر‪.‬‬ ‫إنما الذي يصدر عنه ما كان خيراً محضا ً كالمالئكة‪ ،‬وما غلب خيره على شره‬ ‫كعالم العناصر وما تركب منها‪.‬‬ ‫إنما صدر هذا النوع عنه مع اشتماله على الشر؛ ألنه ليس من الحكمة ترك الخير‬ ‫الكثير ألجل شر قليل‪.‬فال يترك إنزال المطر الذي به حياة الحيوان والنبات حفظا ً‬ ‫لبعض المباني من االنهدام‪ ،‬وال يترك خلق النار التي بها تحصل مصالح كثيرة‬ ‫محافظةً على األخشاب التي تكون وقوداً لها‪.‬ولو أمكن ترتب المصالح على هذا‬ ‫القسم من غير حصول شر‪ ،‬ما حصل شر أصالً‪.‬‬ ‫فاإلنسان‪ ،‬مثلنا‪ ،‬مدني بطبعه‪ ،‬ال غنى له عن اجتماع أفراده وتبادل المنافع‬ ‫والمصالح مع بعضهم‪ ،‬واستعانتهم ببعضهم‪.‬وهذا ال يمكن أن يتحقق بدون حصول‬ ‫شر يلحق بعض األفراد بسبب تسلط القوى الشهوانية أو الغضبية على بعض‬ ‫األشخاص‪.‬‬ ‫ولكن المقصود من خلق هذا النوع هو الخير‪ ،‬فهو المراد أوالً وبالذات‪ ،‬والشر‬ ‫وإن كان مراداً‪ ،‬ولكن تبعا ً ال قصداً‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫اللطف‪:‬‬ ‫اللطف هو الفعل الذي يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية مع بقاء‬ ‫االختيار‪ ،‬كخلق العقل‪ ،‬ونصب األدلة‪ ،‬وإرسال الرسل‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬ ‫قالت المعتزلة‪ :‬إن اللطف واجب على هللا تعالى؛ ألن خلق العبد وتكليفه بأعمال‬ ‫شاقة بدون إيجاد اللطف بهذا المعنى السابق عبث‪ ،‬وال يجوز على هللا تعالى؛ ألنه‬ ‫نقص وهو محال عليه‪ ،‬فوجب إيجاد اللطف حتى يتنزه عن النقص‪.‬‬ ‫وقد أجاب األشاعرة عن ذلك بأن اللطف لو كان واجبا ً لوجب أن يكون في كل‬ ‫عصر نبي‪ ،‬وفي كل بلد معصوم‪ ،‬يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‪ ،‬ألنه يقرب‬ ‫إلى الطاعة‪ ،‬ويبعد عن المعصية‪ ،‬وهذا ليس بواجب إجماعاً‪ ،‬بدليل عدم وقوعه‪،‬‬ ‫فاللطف ليس بواجب‪.‬‬ ‫اللطف من عند هللا‪:‬‬ ‫عند المعتزلة‪ :‬واجب‪.‬‬ ‫عند األشاعرة‪ :‬جائز‪.‬‬ ‫تم بحمد هللا ال تنسونا من صالح دُعائكن‪.‬‬ ‫‪13‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser