النظم السياسية PDF

Document Details

UnmatchedChrysoprase5335

Uploaded by UnmatchedChrysoprase5335

Tags

political systems political science government political theory

Summary

This document discusses general political systems, focusing on the concept of the state and its relationship with government. It analyzes different political systems, including democracy, through historical and theoretical frameworks. The text distinguishes between political systems and constitutional law, highlighting nuances in their approach.

Full Transcript

‫النظم السياسية‬ ‫النظرية العامة للدولة ‪ -‬الحكومات‬ ‫‪1‬‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬ ‫(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من‬ ‫تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ص...

‫النظم السياسية‬ ‫النظرية العامة للدولة ‪ -‬الحكومات‬ ‫‪1‬‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬ ‫(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من‬ ‫تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)‬ ‫)‪(1‬‬ ‫صدق هللا العظيم‬ ‫سورة آل عمران – اآلية ‪26‬‬ ‫(‪ )1‬سورة آل عمران – اآلية ‪.26‬‬ ‫‪2‬‬ ‫تقديم وتمهيد‪:‬‬ ‫يجدر بنا القول بداءة أن النظم السياسية ليست فرع من فروع القوانين‪ ،‬وإنما‬ ‫يقصد بها أسس التنظيم السياسي والدستوري في الدولة‪ ،‬أية دولة بشكل عام‪ ،‬ألن‬ ‫علم النظم السياسية بطبيعته عام اإلطار والنظرة‪ ،‬حيث أنه ال يقتصر على أسس‬ ‫التنظيم السياسي في دولة بذاتها‪.‬وإنما هذه النظرة األخيرة من سمات القانون‬ ‫الدستوري‪ ،‬الذي وإن كان يهتم بإبراز المبادئ العامة الدستورية المستخلصة من‬ ‫المقارنة العلمية‪ ،‬إال أنه يهتم أساساً بالنظام السياسي أو نظام الحكم في دولة بذاتها‬ ‫طبقاً لما تسطره نصوص الدستور المكتوب‪ ،‬وما قد يكمله من عرف دستوري(‪.)1‬‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬يمكن القول أن علم النظم السياسية يميل للنظرة العامة المقارنة‬ ‫ً‬ ‫في عموم الدول‪ ،‬ديمقراطية أم حتى ديكتاتورية‪ ،‬ليستخلص تلك األسس العامة أو‬ ‫األصول العامة للتنظيم السياسي بوجه عام‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن الدولة كتنظيم قانوني للمجتمع‪ ،‬هو الموضوع األول‬ ‫للنظم السياسية‪ ،‬أو هي األساس األول للتنظيم السياسي والدستوري‪ ،‬حيث تعد‬ ‫الدولة اإلطار للنظام السياسي أو نظام الحكم‪ ،‬أو هي مجال تطبيقه‪.‬ثم إن الدولة‬ ‫هي أساس السلطة السياسية للجماعة البشرية التي يطلق عليها الشعب أو االمة‪.‬‬ ‫أما عن ثاني الموضوعات ذات األهمية في مقرر النظم السياسية الهامة‪،‬‬ ‫فتتمثل في الحكومة أو الهيئة الحاكمة‪ ،‬التي تعد االمتداد الطبيعي لمفهوم الدولة‪.‬‬ ‫فال يتصور وجود الدولة دون سلطة أو هيئة حاكمة‪ ،‬تنظم حياة الشعب وتحكم‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬محمد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫‪3‬‬ ‫سلوك وتصرفات األفراد‪.‬فال شك أن الحكومة هي األداة الرئيسية للدولة‪ ،‬أو هي‬ ‫ممثل الدولة ووكيلها في ممارسة السلطة(‪.)1‬ويقصد بالحكومة في هذا المعنى‬ ‫السلطات الحاكمة الثالثة من تشريعية وتنفيذية وقضائية‪.‬‬ ‫فالسلطة التشريعية هي التي تسن القوانين التي تضبط سلوك األفراد‬ ‫والهيئات‪ ،‬بل وتضبط أيضاً سلوك نشاط واختصاص السلطات الحاكمة‪.‬بينما‬ ‫تتولى السلطة التنفيذية مهمة تنفيذ القوانين وإدارة المرافق العامة إلشباع الحاجات‬ ‫العامة للمواطنين؛ هذا باإلضافة إلى مهمتها األساسية التي تتمثلر في حفظ النظام‬ ‫العام في الدولة بعناصره الثالثة من أمن عام وصحة عامة وسكينة عامة‪.‬وتتولى‬ ‫السلطة القضائية مهمة الفصل في النزاعات وفقاً ألحكام القانون‪.‬‬ ‫أما عن ثالث أهم موضوعات النظم السياسية‪ ،‬فهو النظام الديمقراطي أو‬ ‫ما يسمى بالديمقراطية؛ وتتمثل أهم جوانبها في صور الديمقراطية‪ ،‬وأنواع النظم‬ ‫الديمقراطية المعاصرة‪ ،‬كالنظام البرلماني والنظام الرئاسي ونظام حكومة الجمعية‬ ‫النيابية‪.‬وما يهمنا إب ارزه هنا أن النظام الديمقراطي الذي يحقق حكم الشعب بواسطة‬ ‫الشعب وألجله هو النظام األفضل واألصلح‪ ،‬حيث تسود الحقوق والحريات ويحكم‬ ‫الشعب نفسه بنفسه‪.‬‬ ‫ومن أهم المبادئ الجوهرية المرتبطة بتحقيق الديمقراطية‪ ،‬مبدأ سيادة األمة‬ ‫أو سيادة الشعب؛ والذي يمثل جوهر فكرة الديمقراطية وأساسها النظري‪.‬وكذلك‬ ‫مبدأ الفصل بين السلطات وما يقتضيه من ضرورة التزام كل سلطة من السلطات‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬محسن خليل‪ ،‬النظم السياسية والدستور اللبناني‪ ،‬بيروت ‪ ،1979‬ص‪.13‬‬ ‫‪4‬‬ ‫بحدود اختصاصاتها‪ ،‬مما يضمن عدم شيوع االستبداد‪ ،‬باإلضافة إلى حماية الحرية‬ ‫وضمان سيادة الشرعية والقانون‪.‬ومن ناحية ثالثة مبدأ احترام حقوق وحريات‬ ‫االفراد‪ ،‬فإن كنا قد أدرجنا هذا المبدأ كمبدأ ثالث إال أنه يمثل أساس الديمقراطية‬ ‫وغايتها‪ ،‬فهو أساسها بالنظر لما يحمله في طياته من مبدأ سيادة الشعب في‬ ‫انتخابات حرة نزيهة تسودها المساواة وتكافؤ الفرص‪ ،‬كما أنه غايتها نظ اًر ألن‬ ‫هدف قيام أي دولة كجماعة منظمة هو ضمان تحقيق أغلى ما يملكه الفرد وهو‬ ‫إرادته الحرة وحقه في التعبير عنها‪.‬‬ ‫والموضوع الرابع الذي يمثل األساس الرابع للتنظيم السياسي هو تحديد‬ ‫وظيفة الدولة ودورها في المجتمع‪.‬وهنا سنلحظ أن طبيعة ونطاق وظيفة وظيفة‬ ‫الدولة في المجتمع تتأثر مباشرة بفكر الدولة النظري والسياسي الذي يوجه نشاطها‬ ‫ويحركه‪.‬فإطار وظيفة الدولة يضيق في فكر الدولة الحارسة ومنطق ما يسمى‬ ‫بالمذهب الفردي الحر الذي يحصر نشاط الدولة في الحد االدنى الضروري جداً‬ ‫لحياة المجتمع وهو حماية أمن الدولة إزاء الخارج أي الدفاع‪ ،‬وحماية أمن الدولة‬ ‫والمجتمع من الداخل وهو ما يعرف بوظيفة الضبط اإلداري‪ ،‬وأخي اًر إقامة القضاء‬ ‫للفصل في المنازعات والخالفات‪.‬‬ ‫أما في ظل المذهب االشتراكي أو باألحرى في المعنى المتطرف‬ ‫لالشتراكية‪ ،‬أال وهي الماركسية الشيوعية‪ ،‬فإن نشاط الدولة ووظائفها تتسع إلى‬ ‫أبعد مدى ممكن‪.‬في حين أنه في المذهب االجتماعي المعتدل فإن الدولة تتدخل‬ ‫‪5‬‬ ‫في الحياة االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬وتتملك بعض صور الصناعة والتجارة إلى‬ ‫جانب األفراد‪.‬‬ ‫تلك الموضوعات األربعة تمثل أهم ركائز التنظيم السياسي‪ ،‬أو أسس علم‬ ‫النظم السياسية‪.‬‬ ‫التفرقة بين النظم السياسية والقانون الدستوري‪:‬‬ ‫في بيان أوجه االختالف أو التقارب بين النظم السياسية والقانون الدستوري‪،‬‬ ‫ظهر اتجاهين فقهيين‪:‬‬ ‫االتجاه األول‪ :‬طابق هذا االتجاه بين النظم السياسية والقانون الدستوري‪،‬‬ ‫فخلص إلى أن النظام السياسي في ٍ‬ ‫بلد ما يقصد به نظام الحكم فيها‪ ،‬وهو الذي‬ ‫يتناول شرحه علم القانون الدستوري‪ ،‬ومن ثم فإن النظم السياسية والقانون الدستوري‬ ‫– بالنسبة لهذا االتجاه – يلتقيان حول دراسة وتحديد نظام الحكم في الدولة(‪.)1‬‬ ‫أما عن االتجاه الثاني – والذي ندعمه – فأقر بعدم التطابق بين العلمين‪،‬‬ ‫فذهب إلى أن النظم السياسية أوسع مدى ونطاقاً من القانون الدستوري‪.‬‬ ‫فالقانون الدستوري وفقاً للجانب األخير يعالج نظام الحكم في الدولة من‬ ‫خالل قواعد قانونية نظرية‪ ،‬وردت في الوثيقة الدستورية‪ ،‬دون عناية أو اهتمام‬ ‫بأسلوب التطبيق الفعلي‪.‬أما النظم السياسية‪ ،‬فإلى جانب اهتمامها بتلك القواعد‬ ‫النظرية‪ ،‬فإنها تهتم بالظروف المحيطة المؤثرة في تطبيق نظام الحكم‪ ،‬كالنظم‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬عبد الحميد متولي‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،1963 ،‬ص‪.22 ،21‬‬ ‫‪6‬‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬والظروف الواقعية السياسية السائدة في المجتمع‪.‬ومن‬ ‫ثم فالنظم السياسية‪ ،‬بخالف القانون الدستوري‪ ،‬تعطي اهتماماً كبي اًر بكيفية تطبيق‬ ‫قواعد نظام الحكم من الناحيتين العملية والواقعية‪ ،‬ومدى تأثير الظروف والنظم‬ ‫االجتماعية على سير نظام الحكم في الواقع الحي والتطبيق العملي‪.‬‬ ‫ومن صور الظروف الواقعية التي يضعها علم النظم السياسية في اعتباره‪،‬‬ ‫األحزاب السياسية وتأثيرها على نظام الحكم القائم‪ ،‬وكذلك الرأي العام والصحافة‬ ‫ومسائل الدعاية واستطالعات الرأي‪ ،‬باإلضافة إلى الظروف االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫وسنعتمد في تقديم دراستنا لمنهجية النظم السياسية تقسيمها إلى فصلين‪:‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬النظرية العامة للدولة‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الديمقراطية‬ ‫‪7‬‬ ‫الفصل األول‬ ‫النظرية العامة للدولة‬ ‫مقدمة عن مدلول الدولة‪:‬‬ ‫‪ -‬التصور الخاطئ لفكرة الدولة قديماً( امتزاج الدولة بشخص الحكام)(‪:)1‬‬ ‫إن وجود السلطة في أي جماعة أياً كان شكلها أو مسماها لهو أمر‬ ‫ضروري‪ ،‬فكل مجتمع بشري بدائي أو متقدم يتكون من طبقتين إحداهما حاكمة‬ ‫واألخرى محكومة تمثل غالبية أفراد المجتمع‪ ،‬ففي نطاق األسرة كأصغر الجماعات‬ ‫البشرية هناك رب لألسرة‪ ،‬وفي القبيلة أو العشيرة هناك زعيم لهما‪ ،‬وفي الهيئات‬ ‫االجتماعية المدنية كالجمعيات والنقابات والمؤسسات هناك مجلس إدارة لها ورئيس‬ ‫مجلس إدارة يمثلها أمام الغير ويمثل السلطة الحاكمة فيها‪.‬‬ ‫أما عن الدولة‪ ،‬فإنها تعد أكبر التجمعات البشرية السياسية‪ ،‬ومن ثم كان‬ ‫البد من وجود سلطة حاكمة يمارس تلك السلطة الحكام‪ ،‬ألنه ال يمكن تصور وجود‬ ‫دولة دون وجود سلطة حاكمة فيها وإال أصبحنا إزاء مجتمع همجي يعتدي فيه‬ ‫القوي على الضعيف‪.‬وبالتالي فإن وجود السلطة الحاكمة في الدولة لهو أمر‬ ‫ضروري لتحقيق االنظباط والنظام ولمنع الصراعات والنزاعات‪ ،‬باإلضافة لضرورتها‬ ‫في إشباع الحاجات العامة للجماعة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬محمد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬ص ‪.17 ،16‬‬ ‫‪8‬‬ ‫التساؤل هنا يثور حول طبيعة تلك السلطات الحاكمة في الدولة‪ :‬هل تكون‬ ‫تلك السلطات الحاكمة هي صاحبة السلطة وبالتالي تمارس السلطة باسمها‬ ‫ولحسابها؟ أم أن تلك السلطات الحاكمة هي مجرد معبرة عن إرادة الدولة وبالتالي‬ ‫فإن تصرفاتها وأوامرها تكون صادرة باسم الدولة ولحسابها؟‬ ‫في المجتمعات القديمة – وظل هذا الوضع قائما في العصور الوسطى في‬ ‫أوروبا – كانت الفكرة السائدة هي اندماج الدولة في شخص الحاكم السياسي‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن أوامرهم وتصرفاتهم كانت دائماً تصدر باسمهم ولحسابهم‪ ،‬حيث كانت‬ ‫لديهم العقيدة أنه ال يمكن الفصل بين الدولة وشخص الحاكم‪ ،‬وهذا ما عبر عنه‬ ‫لويس الرابع عشر ملك فرنسا حينما قال مقولته الشهيرة "الدولة هي أنا" " ‪l'etat,‬‬ ‫‪."c'est moi‬‬ ‫ونستثني من ذلك المدن اليونانية القديمة كمدينة أثينا واسبرطة‪ ،‬حيث كانت‬ ‫الفكرة السائدة أن كل مدينة من تلك المدن مستقلة سياسياً من الناحية الخارجية‪،‬‬ ‫وكانت السلطة السياسية فيها مستقلة عن شخص الحاكم‪ ،‬ولذلك فإن األوامر‬ ‫والتصرفات الصادرة من الحكام تصدر باسم ولحساب المدينة‪ ،‬وبالتالي فإن الحكام‬ ‫ال يملكون السلطة بل كانوا يمثلون الشعب الذي اختارهم وله الحق في عزلهم‪ ،‬ألنه‬ ‫هو صاحب السلطة الفعلي‪.‬‬ ‫ولكن ظلت القاعدة العامة السائدة خالل تلك العصور هي امتزاج الدولة‬ ‫بشخص الحاكم وبالتالي فإن وجود الدولة او زوالها لهو أمر مرتبط بوجود أو‬ ‫زوال الحكام‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪ -‬األساس الصحيح للدولة( الفصل بين الدولة وشخصية الحاكم)‪:‬‬ ‫يرجع الفضل األول إلدحاض فكرة الخلط بين الحاكم والدولة إلى الثورة‬ ‫الفرنسية عام ‪ 1789‬حيث قضت تلك الثورة على فكرة الملكية المطلقة التي كانت‬ ‫سائدة‪ ،‬وعملت على الفصل بين الحاكم والدولة‪.‬‬ ‫ولذلك كانت الثورة الفرنسية هي حجر األساس في تأسيس المدلول الصحيح‬ ‫لفكرة الدولة‪ ،‬فوفقاً ألفكار تلك الثورة فإن شخصية الحاكم ال تختلط أبداً بالدولة‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن التصرفات واألوامر التي تصدر من السلطة الحاكمة في الدولة إنما‬ ‫تصدر باسم ولحساب الدولة‪ ،‬وما الحكام إال مجرد معبرين عن إرادة الدولة أو‬ ‫األمة‪ ،‬كما أن الحكام مثلهم مثل المحكومين يخضعون لقوانين الدولة مما دعم فكرة‬ ‫سيادة القانون والتي هي أساس الديمقراطية في أي نظام‪.‬‬ ‫وجاء أول دستور للثورة الفرنسية عام ‪ 1791‬ليؤكد تلك الفكرة( مبدأ سيادة‬ ‫األمة)‪ ،‬أي أن األمة هي مصدر السلطات وما الحكام إال مجرد معبرين عن إرادة‬ ‫األمة صاحبة السيادة‪ ،‬وبالتالي فإنه وفقاً لتلك النظرة فإن زوال الحكام او تغييرهم‬ ‫ال يؤثر في بقاء الدولة‪.‬‬ ‫‪ -‬التساؤل هنا ‪ :‬ما فائدة الفصل بين الدولة والسلطة وبين أشخاص الحكام؟‬ ‫الحقيقة أنه ال يمكن تصور بأي حال من األحوال المزج بين شخصية‬ ‫الحاكم والدولة‪ ،‬ألنه لو افترضنا ذلك المزج ألدى ذلك بنا إلمكان القول بأن بقاء‬ ‫الدولة مرتبط ببقاء الحاكم‪ ،‬وبالتالي فإن زوال الحكام يؤدي بالتبعية إلى زوال الدولة‬ ‫‪10‬‬ ‫وانهيارها ‪ ،‬وبالتالي فان زوال الدولة هو أمر محقق ال محالة عاجالً ام آجالً‪ ،‬ألن‬ ‫الحكام بشر يعيشون ويموتون‪ ،‬ووفقاً لذلك فموتهم سيؤدي لزوال الدولة‪.‬‬ ‫كما أن هذا التصور الخاطئ يقودنا للقول بإمكانية االنحراف في استعمال‬ ‫السلطة واالستبداد بها من قبل الحكام‪ ،‬ألن الحكام ‪-‬وهم أصحاب الدولة والسلطة‪-‬‬ ‫سيسعون دائماً لتحقيق صالحهم الخاص وليس الصالح العام ألفراد الشعب‪ ،‬مما‬ ‫يدعم فكرة الديكتاتورية‪.‬‬ ‫مما سبق يتبين لنا أن الفصل بين السلطة في الدولة وبين شخص الحاكم‬ ‫هو أمر ضروري لضمان بقاء الكيان االجتماعي للدولة‪ ،‬النه في ظل هذا الفصل‬ ‫فإن وجود الدولة لن يتأثر بزوال الحكام أو تغييرهم‪ ،‬وإنما ستظل الدولة قائمة‬ ‫مستقلة عن أشخاص الحكام‪ ،‬وما دام هناك فصل بين الدولة وبين اشخاص الحكام‬ ‫فان الحكام مثلهم مثل المحكومين سيخضعون للقواعد القانونية في الدولة وبالتالي‬ ‫فإن األوامر والتصرفات الصادرة منهم البد أن تكون متفقة مع قوانين الدولة‪،‬‬ ‫وبالتالي يمكن القول أن الحكام في الدولة ما هم اال معبرين عن سلطة الدولة‬ ‫الموضوعية( التي تنظمها قوانين الدولة )‪ ،‬وليست الشخصية المستمدة من اإلرادة‬ ‫المنفردة للحكام في الدولة ‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن األوامر والتصرفات الصادرة من الحكام في ظل الفصل ما‬ ‫بناء على أهوائهم الشخصية‪ ،‬وإنما هي تصرفات‬ ‫بين الحاكم والدولة‪ ،‬ليست صادرة ً‬ ‫بناء على قواعد موضوعية عامة مجردة واردة في القوانين الصادرة‬ ‫وأوامر صادرة ً‬ ‫من الدولة لتنظيم سلوك الحكام والمحكومين‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫إذاً فالدولة ‪ -‬في ظل هذا الفصل بين شخص الحاكم والدولة – توكل‬ ‫حكامها ليعبروا عن إرادتها‪ ،‬وتكون أعمالهم وق ارراتهم منسوبة إليها‪ ،‬ألن شخصية‬ ‫الحكام مستقلة عن الدولة‪ ،‬فهم ال يتصرفون في أموالهم وال في إمتيازات متعلقة‬ ‫بأشخاصهم‪ ،‬وإنما هي أموال مملوكة للدولة أو باألحرى مملوكة ألفراد الدولة ككل‬ ‫ملكية عامة‪ ،‬كما أن تلك اإلمتيازات ممنوحة لهم بصفتهم ممثلين لها ‪..‬فهي‬ ‫صاحبة السيادة ‪.‬‬ ‫ذلك الفصل بين شخصية الحاكم والدولة هو دعامة رئيسية من دعائم‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬ولكنها دعامة غير كافية إذ البد أيضاً أن يكون الحكام قد تولوا السلطة‬ ‫باإلجراءات السليمة القانونية والمنصوص عليها في الدستور والقانون‪ ،‬تلك‬ ‫اإلجراءات أيضاً تسمح بتغييرهم أو بعزلهم إذا ما حاولوا التعدي على السلطة أو‬ ‫الحياد عن هدف تحقيق الصالح العام ألجل تحقيق صالحهم الخاص‪.‬‬ ‫وفي عصور تالية سادت الديكتاتورية فترة من الزمن‪ ،‬ففي ألمانيا النازية‬ ‫مثالً وعلى وجه الخصوص وحينما تولى زعيمها هتلر الحكم بين الحربين العالميتين‬ ‫ساد الحكم الديكتاتوري‪ ،‬حيث اعتمد هتلر في حكمه على أعوانه وحزبه الواحد‬ ‫الوطني اإلشتراكي " النازي" وكان يدعي من خالله أن الدولة فكرة تحررية ال فائدة‬ ‫منها‪ ،‬ألن السلطة تتركز في يد شخص واحد وهو "هتلر" زعيم الحزب النازي‪،‬‬ ‫وبالتالي عمل على إنكار فكرة الدولة وإنكار أن الدولة لها كيان معنوي مستقل عن‬ ‫األفراد‪ ،‬وبالتالي فإن الحاكم ال تقيده قواعد النه صاحب السلطة‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ولكن إنتهت تلك األفكار الديكتاتورية‪ ،‬وعادت األمور إلى نصابها بعودة المفهوم‬ ‫الصحيح للدولة الذي يفصل بين الدولة وأشخاص الحكام‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪ -‬الشريعة اإلسالمية ومدلول الدولة‪:‬‬ ‫عبر القرآن الكريم عن الدولة بلفظ القرية أو المدينة أو البلد او البلدة وذلك‬ ‫نظ اًر الن غالبية الدول في الماضي كانت صغيرة ‪.‬‬ ‫اعتنقت الشريعة اإلسالمية منذ وجودها‪ -‬كسبقها الدائم‪ -‬فكرة الفصل بين‬ ‫الدولة وبين شخص الحاكم او الخليفة‪ ،‬فكان الحاكم أو الخليفة دائماً مقيد بقيد‬ ‫تحقيق مصالح المسلمين والدفاع عنها وعن الدين‪ ،‬وأيضاً غير المسلمين من أهل‬ ‫الذمة‪ ،‬فكان يسعى دائما لضمان حقوقهم وضمان إقامة شعائرهم الدينية دونما‬ ‫تعرض لهم فحينما تم فتح بيت المقدس في عهد الخليفة عمر ابن الخطاب رضي‬ ‫هللا عنه‪ ،‬ذهب أمير المؤمنين لتسلم مفاتيحه من رهبان الكنيسة‪ ،‬فجاء موعد الصالة‬ ‫‪ ،‬فرفض سيدنا عمر الصالة داخل الكنيسة خوفاً من إقتداء المسلمين به من بعده‬ ‫في ذلك وإتخاذها مكاناً لصالتهم معتدين في ذلك على النصارى‪ ،‬وفي هذا داللة‬ ‫واضحة على ان هدف تحقيق المصلحة للمسلمين وغير المسلمين كان هو الهدف‬ ‫الرئيسي في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬ماجد راغب الحلو‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬ص‪ 20‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫المبحث األول‬ ‫تعريف الدولة وأركانها وخصائصها‬ ‫تجتمع التعريفات الفقهية جميعاً في تبيانها ألركان الدولة‪ ،‬والتي يمكن أن‬ ‫تستخلص منها عدة خصائص‪.‬‬ ‫المطلب األول‬ ‫تعريف الدولة وأركانها‬ ‫من الضروري أن نحدد تعريف الدولة‪ ،‬ذلك الكيان السياسي والقانوني الذي‬ ‫يحيا فيه النظام السياسي الذي يحدده دستور هذه الدولة‪ ،‬واسلوب تطبيقه الفعلي‬ ‫في عالقة النظام السياسي بالقوى الفاعلة والمؤثرة في المجتمع‪.‬ومن الطبيعي أن‬ ‫كل تعريف لنظام معين أو ظاهرة اجتماعية أو سياسية‪ ،‬يتضمن بالضرورة العناصر‬ ‫األساسية أو ما يسمى بأركان هذا النظام أو تلك الظاهرة(‪.)1‬‬ ‫الفرع األول‬ ‫تعريف الدولة‬ ‫يعد تعريف الدولة من الموضوعات التي أثارت خالفاً فقهياً كبي اًر‪ ،‬إذ أن‬ ‫كل فقيه يحاول إيجاد تعريف يبرز طابع الدولة ويميزها عن غيرها من النظم‬ ‫والهيئات‪ ،‬وذلك خالل فكرته القانونية عن الدولة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬محمد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.34‬‬ ‫‪14‬‬ ‫وفيما يلي أمثلة لتعاريف الدولة المختلفة في الفقه الفرنسي‪ ،‬وفي الفقه‬ ‫األنجلوسكسوني‪ ،‬وكذلك في الفقه األلماني‪.‬‬ ‫في الفقه الفرنسي‪:‬‬ ‫يعرف ‪ Carre de malberg‬الدولة بأنها "مجموعة من األفراد مستقرة‬ ‫على إقليم معين ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة في مواجهة األفراد سلطة عليا‬ ‫آمرة وقاهرة"‪.‬ويعرفها ‪ Bonnard‬بأنها "وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة‬ ‫اجتماعية تباشر سلطات قانونية معينة إزاء أمة مستقرة على إقليم وبأساليب تقوم‬ ‫على إرادتها وحدها وعن طريق القوة المادية التي تحتكرها"‪.‬أما ‪ Duguit‬فيرى أنه‬ ‫توجد دولة في جميع األحوال التي يثبت فيها وجود تفاوت سياسي (بين حاكمين‬ ‫ومحكومين) في جماعة معينة سواء أكان هذا التفاوت في مرحلة فطرية أم في‬ ‫مرحلة معقدة ومتطورة‪.‬ويرى ‪ Burdeau‬أن الدولة شكل من أشكال السلطة‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫في الفقه األنجلوسكسوني‪:‬‬ ‫يعرف ‪ Salmond‬الدولة بأنها "مجموعة من األفراد مستقرة على إقليم‬ ‫محدود إلقامة السلم والعدل عن طريق القوة"‪.‬ويعرفها ‪ Holland‬بأنها "مجموعة‬ ‫من األفراد يقطنون إقليماً معيناً‪ ،‬ويخضعون لسلطان األغلبية أو لسلطان طائفة‬ ‫منهم‪.‬ويرى ‪ Willoughby‬أنه توجد دولة إذا وجدت جماعة من الناس وقامت‬ ‫فيها سلطة عليا تحكم السلوك االجتماعي لألفراد والهيئات وال تخضع هي لتنظيم‬ ‫مماثل‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫في الفقه األلماني‪:‬‬ ‫يعرفها البعض بأنها "خليط أو مجموعة من األفراد مستقرون على إقليم‬ ‫معين في شكل حكومة ومحكومين‪ ،‬ومتحدون في شخص منظم‪ ،‬أو بعبارة أخرى‬ ‫الدولة هي التشخيص القومي والسياسي والتنظيمي ألمة ما"‪.‬وتم تعريفها أيضاً‬ ‫بأنها "جماعة تملك ممارسة حقوق السيادة في مواجهة األفراد األعضاء فيها"‪.‬‬ ‫صفوة ما تقدم‪ ،‬أنه وإن تعذر اتفاق الفقهاء على تعريف واحد للدولة من‬ ‫الناحية القانونية‪ ،‬إال أنهم تالقوا في األركان الرئيسية التي تلزم لقيامها من الناحية‬ ‫الواقعية‪ ،‬والتي يمكن استناداً إليها أن يتم تعريف الدولة بأنها "مجموعة من األفراد‬ ‫التي تقطن إقليم محدد وتخضع لسلطة سياسية تحكم سلوكها وتصرفاتها"‪.‬‬ ‫وكما سبق أن وضحنا‪ ،‬أنه إذا كانت الدولة مندمجة في شخص الحاكم ‪،‬‬ ‫أي ال يوجد فصل بين شخصية الحاكم والدولة‪ ،‬فال يمكن القول بوجود الدولة في‬ ‫هذه الحالة‪ ،‬وكما أوضحنا سابقاً أن هذا كان هو الحال في العصور القديمة‬ ‫والوسطى في أوروبا باستثناء المدن اليونانية القديمة‪.‬‬ ‫إذاً لم تظهر فكرة الدولة بمفهومها الصحيح إال بعد إنفصال وإستقالل‬ ‫شخصية الحاكم عنها وأصبحت السلطة للحكام فقط من الناحية المادية‪ ،‬أما المالك‬ ‫الحقيقي لها فهي الدولة‪ ،‬وبالتالي فإن زوال الحكام ال يؤثر على وجود الدولة‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫الفرع الثاني‬ ‫أركان الدولة‬ ‫تتكون الدولة ‪ -‬كما سلف الذكر‪ -‬من أركان ثالثة‪ ،‬وتتمثل تلك األركان‬ ‫في الشعب‪ ،‬واإلقليم‪ ،‬والسلطة السياسية التي تحكم أفراد الشعب وتعبر عن إرادته‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬الشعب‪:‬‬ ‫أ‪ -‬مدلول الشعب‪:‬‬ ‫يعد الشعب هو العنصر األول الضروري لقيام الدولة‪ ،‬ويتكون من مجموعة‬ ‫من البشر الذين يتوافقون على العيش معاً في ترابط وانسجام ويربطهم رباط واحد‬ ‫أال وهو رباط الجنسية‪.‬‬ ‫وإذا كان وجود الشعب لهو امر ضروري لقيام الدولة فإن تعداد هذا الشعب‬ ‫ال يؤثر على اإلعتراف بشخصية الدولة القانونية من قبل المجتمع الدولي‪ ،‬وإن‬ ‫كان لهذا التعداد أهميته في تحديد مدى قوة الدولة خاصة من الناحية السياسية‬ ‫واإلقتصادية في أغلب األحوال‪ ،‬فغالباً ما تتناسب قوة الدولة سياسياً وإقتصادياً‬ ‫طردياً مع عدد سكانها‪ ،‬وإن كانت تلك القاعدة ليست ثابتة‪.‬‬ ‫ولنضرب مثالً على ذلك بالصين وهي من أعظم دول العالم سياسياً‬ ‫وإقتصادياً وهي أكبر دول العالم تعداداً للسكان حيث يبلغ عدد سكانها ما يقرب من‬ ‫مليار و‪ 413‬مليون نسمة في عام ‪ ،2021‬وكذلك الواليات المتحدة األمريكية وهي‬ ‫‪17‬‬ ‫أيضاً من أقوى دول العالم إن لم تكن األقوى ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من ‪337‬‬ ‫مليون نسمة في عام ‪.2021‬‬ ‫ولكن كما ذكرنا أن قلة عدد سكان الدولة ال يؤثر في وجودها واإلعتراف‬ ‫بها من المجتمع الدولي‪ ،‬فهناك دول ال يتعدى عدد سكانها اآلالف – كما هو‬ ‫الحال في دولة الفاتيكان مثالً والذي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من األلف نسمة‪-‬‬ ‫ومع ذلك فهي دولة لها شخصيتها القانونية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي‪.‬‬ ‫وعندما نتحدث عن الشعب‪ -‬كعنصر من عناصر قيام الدولة‪ -‬فإننا نقصد‬ ‫به الشعب االجتماعي‪ ،‬أي مجموعة البشر الذين يعيشون معاً على إقليم الدولة‬ ‫وينتمون إليها ويتمتعون بجنسيتها‪ ،‬ولذلك فإنه يتحتم علينا أن نفرق بين مصطلح‬ ‫الشعب االجتماعي‪-‬وهو المعتد به ‪ -‬وعدة مصطلحات أخرى قد تختلط به‪.‬‬ ‫ب‪ -‬التفرقة بين الشعب االجتماعي والشعب السياسي‪:‬‬ ‫كما ذكرنا‪ ،‬عند الحديث عن الشعب‪ -‬كعنصر من عناصر الدولة – فإننا نقصد‬ ‫به الشعب االجتماعي الذي يتمتع بجنسية الدولة والذي يقيم على إقليم الدولة ‪.‬‬ ‫غير أنه يوجد مفهوم آخر للشعب وهو الشعب السياسي‪ ،‬ويقصد به‬ ‫األشخاص الذين يتمتعون بالحقوق السياسية‪ ،‬كحق اإلنتخاب والترشح وتولي‬ ‫الوظائف العامة‪ ،‬وبالتالي يتطابق مفهوم الشعب السياسي مع جمهور الناخبين‪،‬‬ ‫ويخرج عنه باقي أفراد الشعب الذين يحملون جنسية الدولة ولكن ال يتمتعون بمباشرة‬ ‫الحقوق السياسية ألى سبب‪ ،‬وتدخل تلك الفئة في مفهوم الشعب االجتماعي‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫وهذ المفهوم السياسي للشعب يضيق ويتسع تبعاً لمدى التمتع بالحقوق‬ ‫السياسية‪ ،‬إذ تبلغ دائرة الشعب السياسي أقصاها عند األخذ بمبدأ اإلقتراع العام‬ ‫الذي ال يقيد حق اإلنتخاب إال بشروط تنظيمية تتعلق بالجنسية أو السن أو‬ ‫اإلعتبار‪.‬‬ ‫بينما يضيق مفهوم الشعب السياسي عند تقييد حق اإلنتخاب بشروط أخرى‬ ‫خاصة باإلضافة للشروط التنظيمية‪ ،‬كاشتراط وضع مادي معين أو درجة علمية‬ ‫(‪)1‬‬ ‫معينة أو االنتماء الى طبقة معينة حتى يستطيع مباشرة ذلك الحق‪.‬‬ ‫إذاً فمفهوم الشعب االجتماعي هو مفهوم أعم وأشمل من الشعب السياسي‪،‬‬ ‫وهو المعتد به عند الحديث عن عنصر الشعب كعنصر من عناصر الدولة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الشعب االجتماعي وسكان الدولة‪:‬‬ ‫كل دولة يقطن على إقليمها مجموعات من األفراد يمكن تصنيفهم إلى‬ ‫فئتين‪ ،‬الشعب االجتماعي وهو الفئة العظمى وهم السكان المواطنون الذين يتمتعون‬ ‫بجنسية الدولة‪ ،‬وما يترتب على تلك الجنسية من اكتساب الحقوق والتحمل‬ ‫بالواجبات‪ ،‬وال نقصد هنا بالحقوق الحقوق السياسية فقط التي يحددها مفهوم الشعب‬ ‫السياسي‪ ،‬ولكن نقصد بالحقوق هنا جميع الحقوق التي نص عليها الدستور والقانون‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬محسن خليل‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬منشأة المعارف‬ ‫باإلسكندرية‪1971،‬ص‪.21 ،20‬‬ ‫‪19‬‬ ‫سواء كانت سياسية أو مدنية‪ ،‬باإلضافة إلى الواجبات التي يفرضها النظام القانوني‬ ‫في الدولة ‪.‬‬ ‫وفئة األقلية وهم السكان األجانب الذين يقطنون إقليم الدولة ولكن ال‬ ‫يتمتعون بجنسية الدولة وما يتبعها من حقوق‪ ،‬فهم إذاً من سكان الدولة ولكن ليسوا‬ ‫من شعب الدولة الذي يقتصر على من يحمل جنسيته فقط‪.‬‬ ‫إذاً مفهوم السكان هو مفهوم أعم وأشمل من مفهوم الشعب االجتماعي‬ ‫كعنصر من عناصر الدولة ‘ إذ أن مفهوم السكان يتسع ليشمل كل من المواطنين‬ ‫واألجانب الذين يقطنون إقليم الدولة‪ ،‬في حين يقتصر مفهوم الشعب االجتماعي‬ ‫(‪)1‬‬ ‫على رعايا الدولة أو المواطنين الذين يحملون جنسية الدولة‪.‬‬ ‫د‪ -‬التفرقة بين الشعب واألمة(‪:)2‬‬ ‫غالباً ما يتم الخلط بين مصطلحي الشعب واألمة وخاصة عندما يمثل‬ ‫الشعب أمة متجانسة ذات خصائص ثقافية وحضارية واحدة‪ ،‬ولكن وإن كان هذا‬ ‫صحيح في تلك الحالة‪ ،‬إال أنه كثي اًر ما يضم إقليم الدولة شعباً ذا خصائص ثقافية‬ ‫وحضارية متنوعة‪ ،‬لذلك يجب التفرقة بين المصطلحين من الناحية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -1‬الشعب‪ :‬كما سلف الذكر فإن الشعب هو مجموعة من األفراد تقطن إقليماً‬ ‫ويربط بينهم رابط سياسي ‪ ،‬وبالتالي فإن الشعب يمثل مواطني الدولة الذين يحملون‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬عبد الغني بسيوني‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬أبوالعزم للطباعة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬ص‪.22‬‬ ‫(‪ )2‬د‪.‬عبد الغني بسيوني‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 24‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫جنسيتها وما يترتب على تلك الجنسية من اكتساب الحقوق والتحمل بااللتزامات‬ ‫التي تنص عليها قوانين الدولة‪.‬‬ ‫‪ -2‬األمة‪ :‬فهي ظاهرة اجتماعية معناها وجود جماعة من البشر يسود بينهم روح‬ ‫الترابط واالتحاد‪ ،‬وتجمعه الرغبة في العيش المشترك فوق إقليم معين وذلك نتيجة‬ ‫تضافر عدد من العوامل المشتركة‪ ،‬كاللغة المشتركة أو التاريخ المشترك أو الدين‬ ‫المشترك أو المصالح االقتصادية المشتركة‪ ،‬أو الثقافة والعادات والتقاليد المشتركة‪،‬‬ ‫ولكن أقوى هذه العوامل هي وحدة اللغة أو التاريخ المشترك بما يتضمنه من آالم‬ ‫أحياناً أو ما يحمله من آمال مستقبلية‪.‬‬ ‫إنطالقاً مما سبق قد تتوافر المقومات المكونة لألمة في شعب الدولة فيكون‬ ‫أمة واحدة‪ ،‬وهنا يتطابق مفهوم الشعب مع األمة‪ ،‬كفرنسا وإيطاليا‪ ،‬وألمانيا بعد‬ ‫تحقيق وحدتها في الربع األخير من القرن الماضي‪ ،‬وحتى نهاية الحرب العالمية‬ ‫الثانيةعندما قسمت إلى دولتين‪ :‬ألمانيا الشرقية والغربية‪ ،‬ثم اتحدت من جديد سنة‬ ‫‪ 1990‬بعد انهيار النظام الماركسي في ألمانيا الشرقية‪.‬‬ ‫وقد تنقسم األمة الواحدة إلى عدة شعوب بسبب الظروف السياسية‪ ،‬ومثال ذلك‬ ‫األمة العربية التي تجمع مقومات فكرة األمة ولكنها مع ذلك موزعة بين عدة دول‬ ‫‪ 22 -‬دولة عربية‪ -‬منها عشر دول في قارة إفريقيا وإثنى عشر دولة في آسيا‪.‬‬ ‫ومن الناحية األخرى‪ ،‬قد يجمع شعب الدولة أفراد ينتمون إلى أمم مختلفة‪،‬‬ ‫مثل الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬إذ يتكون شعبها من عدة أجناس نتيجة الهجرة‬ ‫المستمرة إليها منذ إكتشاف األمريكتين إلى يومنا هذا‪ ،‬وكذلك سويس ار حيث أن‬ ‫‪21‬‬ ‫الشعب السويسري ينتمي إلى أمم ثالث ‪ :‬األمة الفرنسية ‪ ،‬واأللمانية‪ ،‬واإليطالية‪،‬‬ ‫ولكل مجموعة منهم لغتها الخاصة‪ ،‬ولكن الشعب في مجمله هو الشعب السويسري‬ ‫باختالف أصله‪.‬‬ ‫إذاً‪،‬مما سبق يمكننا القول أن الفارق بين الشعب واألمة يكمن في طبيعة‬ ‫الرابطة‪ ،‬فالرابطة التي تجمع بين أفراد األمة هي رابطة طبيعية تستند على عدة‬ ‫عوامل سبق ذكرها‪ ،‬وال يترتب عليها أي أثر قانوني‪ ،‬اما الرابطة التي تجمع أفراد‬ ‫الشعب فهي رابطة سياسية قانونية‪ ،‬تفرض عليهم الوالء للوطن والخضوع للقانون‪،‬‬ ‫وتفرض على الدولة في المقابل حماية أرواحهم وأحوالهم وكافة الحقوق التي تقرها‬ ‫لهم قوانين الدولة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬اإلقليم‪:‬‬ ‫ذهب العميد "دوجي" إلى أن الدولة كحدث إجتماعي تنشأ بمجرد االختالف‬ ‫السياسي الذي يعني انقسام المجتمع إلى طائفتين‪ ،‬إحداهما حاكمة واألخرى‬ ‫محكومة‪ ،‬بغض النظر عن وجود اإلقليم من عدمه‪ ،‬ولذلك‪ -‬من وجهة نظره‪-‬‬ ‫المميز الوحيد لقيام الدولة لديه هو السلطة السياسية التي تحكم أفراد الشعب‪ ،‬وليس‬ ‫اإلقليم‪.‬‬ ‫ولكن هذا الرأي الذي ذهب إليه دوجي غير صحيح‪ ،‬ويذهب الرأي الراجح‬ ‫إلى أنه ال يكفي وجود مجموعة مترابطة من الناس تحكمهم سلطة سياسية لقيام‬ ‫دولة معينة وإنما البد من وجود بقعة محددة من األرض يستقرون عليها ويمارس‬ ‫عليها األفراد نشاطهم بشكل دائم‪ ،‬تلك البقعة هي ما يطلق عليها " إقليم الدولة"‬ ‫‪22‬‬ ‫إذاً فاإلقليم يعد ركناً أساسياً من أركان الدولة وشرطاً ضرورياً الستقالل‬ ‫السلطة السياسية‪ ،‬ألن اإلقليم هو النطاق الذي تجد الدولة فيه وجودها وتباشر‬ ‫عليه السلطة السياسية إختصاصتها‪ ،‬وال يمكن أن توجد الدولة بغير إقليم تختص‬ ‫به ويكون هذا اإلقليم محدد المعالم‪.‬‬ ‫قد تكون حدود اإلقليم طبيعية‪ ،‬كالجبال والبحار واألنهار والبحيرات‪ ،‬وقد‬ ‫تكون صناعية كالحواجز واألعمدة واألسالك الشائكة وخطوط الطول والعرض‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وبالتالي يتضح لنا مما سبق أن إقليم الدولة ال يقتصر فقط على اإلقليم‬ ‫األرضي‪ ،‬وإنما يشمل أيضاً اإلقليم المائي واإلقليم الجوي‪ ،‬وهذا ما سنتناوله‬ ‫بالتفصيل في حديثنا عن مكونات اإلقليم‪.‬‬ ‫‪ -1‬مكونات اإلقليم‪:‬‬ ‫ اإلقليم األرضي‪:‬‬ ‫يقصد باإلقليم األرضي أو البري سطح األرض بكل ما يتضمنه من معالم‬ ‫طبيعية كالسهول والوديان والبحيرات واألنهار‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ما في باطن‬ ‫األرض من ثروات وموارد طبيعية‪ ،‬وتمارس الدولة سلطانها على تلك المساحة ‪.‬‬ ‫ومن الجدير بالذكر أن المياه الداخلية‪ ،‬كالبحيرات واألنهار والقنوات التي‬ ‫تقع بأكملها داخل الدولة تدخل ضمن اإلقليم البري‪ ،‬وتحكمها ذات القواعد التي‬ ‫‪(1)Duguit:lecons de dr,pub.generale,1926.98,traite de dr.cons.2e‬‬ ‫‪ed.p.393,traite de dr.cons. 3e.p.536.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫تحكم هذا اإلقليم‪ ،‬وبالتالي تنفرد الدولة بوضع القواعد القانونية التي تنظم استغالل‬ ‫تلك المساحة‪.‬‬ ‫أما البحيرات واألنهار وغيرها من المعالم الطبيعية التي تقع على الحدود‬ ‫الفاصلة بين دولتين أو أكثر‪ -‬والتي تشكل حدوداً للدول‪ -‬فإن األصل أن يتم تعيين‬ ‫ما يدخل منها في سيادة كل من الدولتين باالتفاق بينهما‪ ،‬وفي حالة غياب االتفاق‬ ‫فإن الفقه يقترح عدة مبادئ يمكن االسترشاد بها في رسم الحدود بين الدول‪.‬‬ ‫وال يشترط في إقليم الدولة مساحة معينة‪ ،‬فهناك دول ذات مساحة واسعة‬ ‫تقدر بماليين الكيلومترات المربعة‪ ،‬كالواليات المتحدة األمريكية والب ارزيل والسودان‪،‬‬ ‫وهناك دول أقل منها في المساحة‪ -‬تدور مساحتها حول المليون كيلومتر مربع أو‬ ‫أكثر قليال مثل جمهورية مصر العربية‪ ،‬وهناك دول تقوم على مساحة صغيرة‬ ‫كالكويت والفاتيكان وجمهورية سان مارينو‪.‬‬ ‫ولكن – كما ذكرنا سالفاً‪ -‬مساحة إقليم الدولة ال تؤثر على شخصيتها‬ ‫القانونية وال على كيانها الدولي ما دامت دولة مكتملة األركان‪ ،‬كل ما في األمر‬ ‫أن مساحة الدولة تؤثر على قوة الدولة سياسياً وإقتصادياً في غالب األحيان‪.‬‬ ‫إذاً كل ما يهم بالنسبة إلقليم الدولة هو أن يكون محدداً تحديداً واضحاً وأن‬ ‫يكون شعب الدولة مستقر عليه بطريقة دائمة‪.‬‬ ‫وال يشترط كذلك في إقليم الدولة أن يكون متصالً في أجزائه‪ ،‬إذ قد يكون‬ ‫إقليم الدولة منفصالً في أجزائه في بعض األحيان‪ -‬أياً كان نوع تلك الفواصل‪-‬فقد‬ ‫‪24‬‬ ‫تكون تلك الفواصل طبيعية مثل البحر الذي يفصل بين بعض أجزاء الدولة مثل‬ ‫مصر وسوريا أثناء وحدتهما منذ ‪ 1958‬حتى ‪ 1961‬فقد كان يفصل بينهما البحر‬ ‫األبيض بين اإلقليم الشمالي واإلقليم الجنوبي‪ ،‬وهذا لم يؤثر في تحقق وحدة ركن‬ ‫اإلقليم ما دامت المعالم والحدود واضحة‪.‬‬ ‫كذلك قد يكون الفاصل بين أجزاء اإلقليم الواحد فاصالً سياسياً مثل حالة‬ ‫دولة باكستان قبل استقالل دولة بنجالديش عنها‪ ،‬فقد كانت تتكون من باكستان‬ ‫الشرقية والغربية وبينهما دولة الهند أي أنه فاصل سياسي‪ ،‬وهذا ايضاً لم يؤثر على‬ ‫وحدة ركن اإلقليم كركن من أركان الدولة‪.‬‬ ‫ اإلقليم المائي‪:‬‬ ‫وهو ما يطلق عليه البحر اإلقليمي‪ ،‬وهو الجزء الساحلي المجاور إلقليم‬ ‫الدولة األرضي‪ ،‬من البحار والمحيطات‪ ،‬وكذلك يشمل المياه الداخلية داخل إقليم‬ ‫الدولة من أنهار وبحيرات‪.‬‬ ‫وتكمن أهمية البحر اإلقليمي للدول الساحلية في أنه يمثل الحدود البحرية‬ ‫للدولة مع دول أخرى‪ ،‬ومن حق كل دولة ساحلية أن يكون بحرها اإلقليمي محدد‬ ‫المعالم حتى يمكن حمايته من خطر اإلعتداءات‪ ،‬حماية لمصالحها األمنية‬ ‫واالقتصادية والمالحية‪.‬‬ ‫أما عن آلية تحديد مدى البحر اإلقليمي فإنه كان مجاالً للخالف في الرأي‬ ‫بين دول العالم وخاصة الساحلية منها‪ ،‬فقديماً كان قد تم االتفاق على تحديد البحر‬ ‫‪25‬‬ ‫اإلقليمي بثالثة أميال بحرية‪ ،‬وذلك على اعتبار أن هذا هو أقصى حد يمكن ان‬ ‫ابتداء من شواطئ الدولة وبالتالي كان هذا هو الحد‬ ‫ً‬ ‫تصل اليه قذائف المدفع قديماً‬ ‫الداخل في اإلطار اإلقليمي للدولة والتي تمارس عليه الدولة سيادتها كاملة‪.‬‬ ‫أما عن الحد األقصى فقد ظل محالً للخالف بين الدول فبعض الدول‬ ‫حددته بستة أميال بحرية‪ ،‬والبعض اآلخر حددته باثنى عشر ميالً بحرياً ومنها‬ ‫مصر والمملكة العربية السعودية‪ ،‬في حين ظلت بعض الدول متوقفة عند حد‬ ‫الثالثة اميال كحد أقصى للبحر اإلقليم‪ ،‬كالواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫وتمارس الدولة سيادتها كاملة على البحر اإلقليمي الذي يتم تحديده وفقاً‬ ‫للقواعد المتفق عليها‪.‬‬ ‫هذا اإلختالف في تحديد مدى البحر اإلقليمي‪ ،‬أدى الى ظهور ما‬ ‫يسمىبالمنطقة المجاورة أو التكميلية أو االمتداد القاري‪ ،‬وتعني أن يكون للدولة‬ ‫منطقة أخرى وراء الثالثة أميال‪ -‬كحد أدنى‪ -‬يكون للدولة عليها مباشرة بعض‬ ‫اإلختصاصات‪ ،‬تقل تلك اإلختصاصات بطبيعة الحال عن االختصاصات التي‬ ‫تمارسها الدولة على بحرها اإلقليمي‪ ،‬أي أن سيادة الدولة على تلك المنطقة هي‬ ‫سيادة ناقصة‪ ،‬وتصل تلك المنطقة الثنى عشر ميالً بحرياً‪.‬‬ ‫ اإلقليم الجوي‪:‬‬ ‫يقصد باإلقليم الجوي الفضاء الخارجي الذي يعلو اإلقليمين األرضي‬ ‫والمائي‪ ،‬وبالتالي فان سيادة الدولة تمتد إليه أيضاً ألنه جزء من إقليمها‪ ،‬وذلك دون‬ ‫‪26‬‬ ‫التقيد بارتفاع معين‪ ،‬تلك السيادة ال يقيدها إال حق المرور البري للطائرات المدنية‬ ‫في اطار أحكام اإلتفاقيات الدولية متعددة األطراف ( شيكاغو ‪ ، )1944‬أو‬ ‫االتفاقيات الثنائية‪.‬‬ ‫ولكن في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي المستمر ذهب جانب من الفقه‪-‬‬ ‫وبحق‪ -‬أن مبدأ السيادة الكاملة للدولة على طبقات الهواء والفضاء‪ ،‬التي تعلو‬ ‫إقليميها البري والبحري‪ ،‬إلى ماال نهاية هو مبدأ نظري بحت‪ ،‬فقد توصل اإلنسان‬ ‫إلى ارتياد الفضاء وإطالق الصواريخ واألقمار الصناعية وسفن الفضاء‪ ،‬لتخترق‬ ‫طبقات الهواء والفضاء التابعة لكل دول العالم‪ ،‬دون الحصول على موافقتها‪ ،‬ودون‬ ‫إحتجاج منها‪ ،‬ولهذا يرى هذا الجانب ضرورة تحديد عنصر اإلقليم الجوي بارتفاع‬ ‫معين كحد أقصى يكون للدولة عليه سيادتها الكاملة‪ ،‬ويكون تحديد هذا الحد‬ ‫األقصى على أساس ما يثبت للدولة من قدرة على السيطرة في نطاقه‪ ،‬وأن ما يعلو‬ ‫هذا الحد فيبقى ح اًر لجميع الدول‪.‬‬ ‫‪ -2‬طبيعة حق الدولة على إقليمها(‪:)1‬‬ ‫إذا كان للدولة حقاً على إقليمها‪ ،‬فما هو طبيعة هذا الحق؟‬ ‫(‪ )1‬راجع‪ :‬األنظمة السياسية المعاصرة‪ ،‬د‪.‬محمد عبد الحميد أبوزيد‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص‪27‬‬ ‫‪.28،‬‬ ‫‪27‬‬ ‫اختلف الفقهاء في تكييف طبيعة حق الدولة على اقليمها‪ ،‬فذهب البعض‬ ‫إلى أن حق الدولة على إقليمها هو حق سيادة‪ ،‬فالتعبير عن تلك السيادة ال يكون‬ ‫إال في نطاق إقليمي محدد يكون محالً لحق السيادة ‪.‬‬ ‫إال أن هذا الرأي منتقد‪ ،‬حيث أن الدولة تمارس سيادتها على األفراد‬ ‫الموجودين على إقليم الدولة وليس على اإلقليم ذاته‪ ،‬كما أنه قد تمتد سيادة الدولة‬ ‫خارج إقليمها في بعض األحيان لتشمل جزء من إقليم دولة أخرى كالقواعد العسكرية‬ ‫التي تنشأ في دولة معينة وتكون تابعة لدولة أخرى‪ ،‬فإنها تكون تابعة وتحت سيادة‬ ‫تلك الدولة األخيرة‪.‬‬ ‫ذهب رأي آخر إلى أن طبيعة حق الدولة على إقليمها أنه حق ملكية‪،‬‬ ‫ويقصد هنا بالملكية ما للدولة على إقليمها من سلطة‪ ،‬وخضوعه لواليتها وحكمها‬ ‫وإدارتها وقضائها‪ ،‬أي أنها ملكية خاضعة للقانون الدولي العام‪ ،‬وليس للقانون‬ ‫الداخلي كما هو الحال في الملكية الفردية‪.‬‬ ‫ولكن هذا الرأي منتقد بمقولة ان ملكية الدولة إلقليمها سيؤدي حتماً الى‬ ‫منع الملكية الفردية للعقارات‪.‬‬ ‫ولكن رد مؤيدي هذا التكييف على هذا االنتقاد بانه ال يوجد تعارض بين‬ ‫الملكية العامة للدولة وبين ملكية األفراد الخاصة‪ ،‬حيث أن ملكية الدولة لإلقليم‬ ‫هي ملكية عليا تخضع للقانون الدولي العام‪ ،‬وتعمل بها الدولة على الحفاظ على‬ ‫الملكية الخاصة لالفراد ‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫وذهب رأي ثالث بأن اإلقليم فقط هو الحيز المكاني الذي تباشر فيه الدولة‬ ‫سيادتها على األفراد‪ ،‬إذ أن سيادة الدولة هي سيادة مباشرة على األشخاص المقيمين‬ ‫على اإلقليم‪ ،‬ويمثل اإلقليم الحيز الذي تمارس فيه تلك السيادة‪.‬‬ ‫وذهب رأي أخير إلى أن حق الدولة على إقليمها هو حق عيني نظامي‪،‬‬ ‫حيث انه يرد على اإلقليم لتحقيق صالح الجماعة‪.‬‬ ‫ونحن نرى أن طبيعة حق الدولة على إقليمها هو مجموع التكييفات‬ ‫السابقة‪ ،‬أي أن للدولة على إقليمها حق سيادة في مواجهة غيرها من الدول‪،‬‬ ‫تمارس تلك السيادة من الناحية الداخلية على كل من يقيم على هذا اإلقليم سعياً‬ ‫لتحقيق الصالح العام‪ ،‬كما أن الدولة تتمتع بحق الملكية على إقليمها‪ ،‬تلك الملكية‬ ‫تخضع للقانون الدولي العام وتكون محددة المعالم ال يحق ألي دولة اإلعتداء‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬السلطة السياسية‪:‬‬ ‫‪ -1‬مدلول السلطة السياسية‪:‬‬ ‫بعد أن تحدثنا عن الشعب واإلقليم كركنين أساسيين من أركان قيام أي‬ ‫دولة‪ ،‬يبقى لنا الحديث عن الركن الثالث – والذي ال يقل في األهمية عن الركنين‬ ‫السابقين‪ -‬وهو السلطة السياسية‪ ،‬إذ أنه بعد تواجد الشعب واستق ارره على إقليم‬ ‫معين‪ ،‬البد أن توجد سلطة حاكمة تفرض سيطرتها وهيمنتها وترعى مصالح أفراد‬ ‫هذا الشعب‪ ،‬وإال أصبحنا إزاء مجتمع همجي يعتدي فيه القوي على الضعيف‪،‬‬ ‫‪29‬‬ ‫حتى وإن كانت هناك قوانين تحكمه‪ ،‬ألنه بدون وجود تلك السلطة الحاكمة تصبح‬ ‫تلك القوانين مجرد حبر على ورق بال قيمة ألنه ال يوجد من يطبق تلك القوانين‬ ‫ويضعها موضع التنفيذ‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬فالدولة هي صاحبة السلطة السياسية التي هي ركن أساسي من اركان‬ ‫قيام الدولة‪ ،‬ولكن الدولة كشخص معنوي يلزم أن يعبر عن إرادته أشخاص طبيعين(‬ ‫هيئات حاكمة) تختارهم الدولة ليعبروا عن إرادتها وفقاً لقواعد دستورية وقانونية‬ ‫موضوعة لتحقيق الصالح العام‪ ،‬ولذلك فإن التصرفات واالوامر واألعمال الصادرة‬ ‫عن تلك الهيئات الحاكمة تكون صادرة باسم الدولة ولحسابها وليست لحساب تلك‬ ‫الهيئات الحاكمة ألن أشخاص تلك الهيئات مستقلين عن الدولة‪.‬‬ ‫وال يشترط رضاء أفراد الشعب( المحكومين) عن تلك الهيئات الحاكمة حتى‬ ‫تتمكن من القيام بدورها أو تمارس سلطانها‪ ،‬حيث انه من الناحية القانونية ال‬ ‫يشترط ذلك‪ ،‬فقد تتواجد هيئة حاكمة ال تحوز رضاء الشعب عنها ولكن يبقى لها‬ ‫وصف السلطة الحاكمة ما دامت قادرة على فرض إرادتها وسلطانها على أفراد‬ ‫الشعب كما هو الحال عند قيام ثورة أو إنقالب‪ ،‬او عند حدوث حرب أهلية‪ ،‬او‬ ‫اضطرابات تتولى السلطة إخمادها بالقوة‪.‬‬ ‫ولكن من الناحية السياسية‪ ،‬يبقى رضاء الطبقة المحكومة لهو أمر هام‪،‬‬ ‫ألن السلطة في الحقيقة ترتكز على ثقة الخاضعين لها اكثر من إعتمادها على‬ ‫إ اردة الحاكمين‪ ،‬فالقوة المادية وحدها ال تكفي للخضوع للسلطة وإطاعة أوامرها‪،‬‬ ‫وإال كان لزاماً على الهيئة الحاكمة أن تضع شرطياً وراء كل مواطن‪ ،‬ثم تقوم بوضع‬ ‫‪30‬‬ ‫شرطي آخر وراء الشرطي األول وذلك‪ ،‬ألن إنعدام الرضا واإلقتناع بالسلطة يزعزع‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ثقتها حتى في حراسها!‬ ‫يبقى أن ننوه إلى أن تلك السلطة العليا‪ -‬والتي يطلق عليها إصطالح‬ ‫السيادة‪ ،‬تمارسها الدولة على المستويين الداخلي والخارجي‪ ،‬فالسيادة الداخلية تتمثل‬ ‫في حق إصدار أوامر لجميع األفراد القاطنين فوق إقليم الدولة‪ ،‬والسيادة الخارجية‬ ‫تتمثل في تمثيل الدولة والتعبير عن إرادتها في المحافل الدولية‪ ،‬باإلضافة للدفاع‬ ‫عنها وحماية أراضيها‪.‬‬ ‫‪ -2‬السلطة السياسية كعامل للتمييز بين الدولة واألمة‪:‬‬ ‫تعتبر السلطة السياسية هي العامل المميز ما بين األمة والدولة‪ ،‬حيث أن‬ ‫األمة كما سبق تعريفها" مجموعة من األفراد استقروا على إقليم معين‪ ،‬وتجمع بينهم‬ ‫الرغبة المشتركة في العيش معاً"‪ ،‬وبالتالي فإن األمة هي عامل إجتماعي وليس‬ ‫قانوني‪ ،‬وال يشترط لوجود األمة خضوعها لسلطة سياسية‪.‬‬ ‫أما عن الدولة فهي "ظاهرة قانونية سياسية تتمثل في جماعة من الناس‬ ‫يعيشون فوق إقليم جغرافي محدد بصورة دائمة‪ ،‬ويخضعون لسلطة سياسية معينة"‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬فاألمة قد توجد قبل وجود الدولة بكامل أركانها‪ ،‬ألن الدولة ال توجد‬ ‫إال بوجود السلطة السياسية‪ ،‬فإن تواجدت تحولت األمة إلى دولة‪ ،‬ومن ثم فليس‬ ‫التالزم حتمياً بين األمة والدولة بدليل أنه قد تنقسم األمة الواحدة بين عدة دول كما‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬عبد الغني بسيوني ‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪31‬‬ ‫هو الحال في األمة العربية المقسمة بين عدد من الدول‪ ،‬وعلى العكس من ذلك‬ ‫فقد يدخل في تكوين الدولة الواحدة عدة أمم‪ ،‬مثل دولة النمسا والمجر قبل الحرب‬ ‫العالمية األولى‪.‬‬ ‫ولكن بطبيعة الحال‪ ،‬يبقى العامل المميز لمفهوم األمة إذا توافر في الدولة‪،‬‬ ‫هو تحقيق اإلنسجام والتوافق بين األفراد في تلك الدولة‪ ،‬حيث أن هذا المفهوم يعني‬ ‫ان هناك عوامل مشتركة بين االفراد ومصالح وأهداف وآمال مشتركة‪ ،‬أما الدولة‬ ‫التي يتكون شعبها من أمم مختلفة ال يكتب لها االستقرار والدوام لعدم وجود روابط‬ ‫مشتركة بينهم‪.‬‬ ‫ولكن ذلك ال يعني أن الدولة هي األمة‪ ،‬إذ أن األمة – كما سبق القول –‬ ‫تعني ظاهرة إجتماعية تجمع بين عدد من األفراد لديهم الرغبة في العيش المشترك‬ ‫نتيجة لتجمع عدد من العوامل المشركة بينهم‪ ،‬وال يكفي لقيام الدولة توافر األمة‬ ‫كظاهرة إجتماعية‪ ،‬وإنما البد من وجود سلطة سياسية تخضع لها تلك األمة‪ ،‬إن‬ ‫وجدت‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬ومن كل ما سبق‪ ،‬وجود السلطة السياسية في الدولة هو العامل‬ ‫المميز للدولة عن األمة‪.‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪ -3‬اإلعتراف بالدولة واالعتراف بالحكومة‪:‬‬ ‫إذا توافرت األركان الثالثة من شعب وإقليم وسلطة سياسية‪ ،‬فإنه يتحقق‬ ‫وجودها القانوني‪ ،‬وتثبت السيادة لها من الناحية الداخلية على إقليمها وشعبها‪.‬‬ ‫ولكن تكمن أهمية اإلعتراف بالدولة في ممارستها لسيادتها من الناحية‬ ‫الخارجية‪ ،‬فهو شرط لتبادل العالقات الدبلوماسية والسياسية مع الدول األخرى‪،‬‬ ‫ولكن ليس لهذا االعتراف أثر على وجود الدولة من الناحية القانونية الذي يتم‬ ‫بالفعل عند اكتمال عناصر الدولة الثالثة‪.‬‬ ‫إذاً عدم اإلعتراف بالدولة ال ينفي عن الدولة شخصيتها القانونية وما ترتبه‬ ‫تلك الشخصية القانونية من حقوق‪ ،‬ولكن يؤثر فقط على عالقات الدولة من الناحية‬ ‫الخارجية بغيرها من الدول والكيانات الدولية‪.‬‬ ‫أما عن االعتراف بالحكومة‪ ،‬فهو أمر مختلف‪ ،‬إذ يتم هذا االعتراف في‬ ‫ظل دولة قائمة بالفعل‪.‬وتنشأ الحكومة الجديدة في تلك الدولة نتيجة ثورة أو إنقالب‪،‬‬ ‫ولذلك قد ال يتم االعتراف بتلك الحكومة من قبل المجتمع الدولي إذا جاءت بطريق‬ ‫غير شرعي ال ينال رضاء المحكومين‪.‬‬ ‫وال يؤثر عدم اإلعتراف بتلك الحكومة الجديدة على كيان الدولة‪ ،‬إذ أن تلك‬ ‫الحكومة أتت في ظل دولة قائمة بالفعل‪.‬كل ما في األمر هو قطع العالقات‬ ‫الدبلوماسية بين الدولة والدول التي رفضت اإلعتراف بتلك الحكومة الجديدة‪.‬‬ ‫‪33‬‬ ‫إذاً االعتراف بالحكومة الجديدة له أثره فقط في إستمرار العالقات بين‬ ‫حكومة الدولة الجديدة والدول التي تعترف بتلك الحكومة‪ ،‬دون مساس بالوجود‬ ‫القانوني للدولة‪.‬‬ ‫‪ -4‬مزايا السلطة السياسية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تتميزالسلطة السياسية في الدولة بأنها سلطة عامة ذات اختصاص عام‪،‬‬ ‫يشمل جميع األنشطة في الدولة‪ ،‬وتسمو على جميع السلطات األخرى في‬ ‫الدولة‪ ،‬ويخضع لها جميع األشخاص في الدولة‪.‬‬ ‫‪ -2‬السلطة السياسية في الدولة هي سلطة أصلية تنشأ منها جميع السلطات‬ ‫األخرى الفرعية في الدولة ‪ ،‬كما أنها سلطة دائمة ومستمرة وليست مؤقتة‪.‬‬ ‫‪ -3‬السلطة السياسية في الدولة هي التي تضع القوانين التي يلتزم بها كل‬ ‫األشخاص داخل الدولة ‪-‬حكاماً كانوا أو محكومين‪ -‬وتتضمن تلك القوانين‬ ‫جزاءات على من يخالفها‪ -‬ويتولى تنفيذ تلك القوانين في حالة عدم احترامها‬ ‫طواعية أحد فروع تلك السلطة والمتمثلة في السلطة التنفيذية‪ ،‬أو القوة‬ ‫العسكرية إن تطلب األمر‪.‬‬ ‫‪ -4‬إنطالقاً من الميزة السابقة‪ ،‬فإن السلطة السياسية تحتكر القوة العسكرية‬ ‫المادية التي تجعلها قوة قاهرة تسيطر على أرجاء الدولة إن تطلب األمر‪.‬‬ ‫‪34‬‬ ‫المطلب الثاني‬ ‫خصائص الدولة‬ ‫يترتب على توافر األركان الثالثة ‪ -‬من شعب وإقليم وسلطة سياسية‪ -‬قيام‬ ‫الدولة‪ ،‬ويترتب على قيام الدولة تميزها بخصيصتين رئيسيتين وهما‪ :‬التمتع‬ ‫بالشخصية القانونية‪ ،‬وما يترتب على تلك الشخصية القانونية من اكتساب الحقوق‬ ‫والتحمل باإللتزامات‪ ،‬باإلضافة إلى السيادة التي تتمتع بها السلطة السياسية في‬ ‫الدولة‪ ،‬وهذا ما سنتعرض له بالتفصيل‪:‬‬ ‫الفرع األول‬ ‫الشخصية القانونية للدولة‬ ‫يقصد بالشخصية القانونية‪ -‬بوجه عام‪ -‬قدرة الشخص على التمتع بالحقوق‬ ‫والتحمل باإللتزامات‪.‬‬ ‫وينطبق هذا التعريف على األشخاص القانونية بشكل عام سواء كانت‬ ‫أشخاص طبيعية أو معنوية‪.‬‬ ‫ويعرف الشخص المعنوي بأنه عبارة عن مجموعة من األشخاص أو‬ ‫األموال التي ترمي إلى تحقيق هدف معين‪ ،‬وتمنح الشخصية المعنوية بالقدر الالزم‬ ‫لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫‪35‬‬ ‫فالقانون يعترف بالشخصية القانونية للكيان الذي ينشأه األفراد‪ ،‬الذين‬ ‫إجتمعت إرادتهم لتحقيق هدف معين بينهم‪ -‬بشرط مشروعية هذا الهدف‪ -‬مثل‬ ‫الجمعيات التي تسعى لتحقيق أغراض خيرية معينة بغير تحقيق الربح‪ ،‬كذلك‬ ‫يعترف القانون بالشخصية المعنوية لمجموعات األموال التي يرصدها األفراد‪ ،‬إما‬ ‫لتحقيق األرباح وإقتسامها كالشركات‪ ،‬وإما لتحقيق غرض خيري كاألوقاف الخيرية‬ ‫(‪)1‬‬ ‫لصرف ريعها على منفعة عامة كالمدارس مثالً‪.‬‬ ‫وتكمن أهمية اإلعتراف للدولة بالشخصية المعنوية في أنها ضرورية لتحقيق‬ ‫أهداف ومزايا هامة‪ ،‬باإلضافة لضروريتها لتحقيق فكرة الفصل بين الدولة وحكامها‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫والتي تدعم فكرة بقاء الدولة رغم زوال حكامها‪.‬‬ ‫إذاً فما هو وضع الدولة من ناحية اإلقرار لها بالشخصية القانونية؟‬ ‫في اإلعتراف للدولة بالشخصية القانونية المستقلة اختلفت االتجاهات‬ ‫الفقهية‪ ،‬أحدهما مؤيد لمنح الدولة الشخصية القانونية المستقلة‪ ،‬واآلخر ينكر هذا‬ ‫اإلعتراف بالشخصية القانونية المستقلة‪.‬‬ ‫نبدأ بالجانب غير الواقعي‪ ،‬وهو الجانب المنكر لمنح الشخصية القانونية‬ ‫(المعنوية) للدولة‪ ،‬حيث ذهب جانب من الفقه إلى عدم اإلعتراف بالشخصية‬ ‫القانونية للدولة‪ ،‬لعدم حاجتها لتلك الشخصية القانونية المستقلة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬محمد رفعت عبد الوهاب"‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬ ‫(‪ )2‬د‪.‬شمس الدين الوكيل‪ ،‬الوجيز في المدخل لدراسة القانون‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬منشأة المعارف‬ ‫باإلسكندرية‪،1965 ،‬ص‪ 305‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪36‬‬ ‫يأتي على رأس هذا الجانب من الفقه‪ -‬المنكر للشخصية القانونية للدولة‪-‬‬ ‫"العميد ديجي ‪ ، " L'Duguit‬حيث يرى أن الشخصية المعنوية للدولة هي فكرة‬ ‫خيالية‪ ،‬حيث أن الدولة غير مستقلة عن أشخاص الحكام فيها‪ ،‬كما أن منح تلك‬ ‫الشخصية المعنوية المستقلة للدولة‪ -‬من وجهة نظره‪ -‬سيجعل الدولة ذات سيادة‬ ‫ال يقيدها أي قيد وسيجعل من يمثلونها من حكام يتمتعون بالسلطة والسيادة‬ ‫المطلقة الغير مقيدة بأي قيد‪ ،‬في حين أنه ال يعترف من األصل بفكرة السيادة‪،‬‬ ‫تحقيقا لنظريته الشهيرة في التضامن االجتماعي والتي ترى أن الحكام يمارسون‬ ‫مجرد إختصاصات لتحقيق أهداف التضامن االجتماعي‪.‬‬ ‫ومن هذا الجانب المنكر لمنح الشخصية القانونية للدولة يذهب أيضاً الفقيه‬ ‫"‪ "G.Scelle‬إلى عدم اإلعتراف للدولة بالشخصية المعنوية‪ ،‬حيث يرى أنها مجرد‬ ‫جهاز من المرافق يعمل في خدمة الجماعة‪.‬‬ ‫وذهب أيضاً الفقيه "‪ "kelsen‬إلى إنكار تلك الشخصية المعنوية للدولة‪،‬‬ ‫حيث أنه يرى أن الدولة هي مجموعة من القواعد القانونية اآلمرة‪ ،‬وأنه ال يصح‬ ‫منحها الشخصية القانونية المستقلة ‪.‬‬ ‫هذا عن الجانب المنكر لمنح الشخصية المعنوية للدولة وبعض مؤيديه من‬ ‫الفقهاء ‪.‬‬ ‫‪ -‬أما عن الجانب المؤيد لمنح تلك الشخصية القانونية المستقلة‪ -‬وهو‬ ‫الجانب الصحيح من وجهة نظر األغلبية ومن وجهة نظرنا‪ -‬كما أنه الجانب‬ ‫‪37‬‬ ‫الواقعي والمطبق‪ -‬فقد ذهب هذا الجانب من الفقه إلى منح الدولة الشخصية‬ ‫المعنوية المستقلة عن أشخاص الحكام الذين يعتبرون مجرد ممثلين لها‪.‬‬ ‫وذهب هذا الجانب من الفقه إلى أن الدولة تكتسب الشخصية القانونية‬ ‫المستقلة بمجرد توافر أركانها الثالثة من شعب وإقليم وسلطة سياسية بدون الحاجة‬ ‫إلى آداة تقر تلك الشخصية القانونية للدولة‪ ،‬أي أن تلك الشخصية القانونية المستقلة‬ ‫هي مالزمة لوجود الدولة‪ ،‬كم أن الدولة‪ -‬وهي األصل‪ -‬هي التي تمنح غيرها من‬ ‫األشخاص في الدولة الشخصية القانونية عن طريق القوانين التي تقرها الدولة أو‬ ‫عن طريق الق اررات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وذلك في حدود األهداف‬ ‫المحددة لها‪.‬‬ ‫* وتكمن أهمية االعتراف بالشخصية القانونية المستقلة للدولة فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬االعتراف بالشخصية القانونية للدولة يحقق فكرة استقاللية الدولة ويجعل لها‬ ‫كيان قانوني مستقل عن أشخاص الحكام وبالتالي ال يستطيع الحكام االدعاء‬ ‫بامتالكهم السيادة في الدولة‪ ،‬إذ أنهم مجرد ممثلين للدولة‪.‬‬ ‫‪ -2‬االعتراف بالشخصية القانونية للدولة يحقق وحدة الدولة‪ ،‬رغم تعدد السلطات‬ ‫في الدولة من سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية ‪.‬‬ ‫‪ -3‬االعتراف بالشخصية القانونية للدولة يجعل كل األعمال التي قامت بها الدولة‬ ‫باقية‪ ،‬رغم زوال األشخاص‪ ،‬وخاصة المعاهدات التي أبرمتها الدولة مع غيرها من‬ ‫الكيانات الدولية‪ ،‬وكذلك القوانين التي تصدر من الدولة‪ ،‬فتلك األعمال تظل سارية‬ ‫‪38‬‬ ‫المفعول رغم تغير شكل الدولة أو زوال أشخاص الحكام‪..‬وأيضاً تظل الحقوق‬ ‫وااللتزامات ‪ -‬التي اكتسبتها الدولة أو الملقاة على عاتقها‪ -‬قائمة رغم ما يحدث‬ ‫من تغييرات‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‬ ‫السيادة‬ ‫كما سبق القول‪ ،‬أن أركان الدولة الثالثة هي الشعب واإلقليم والسلطة‬ ‫السياسية‪.‬فالسلطة السياسية هي ركن أساسي من أركان الدولة‪.‬التساؤل هنا‪ ،‬هل‬ ‫صفة السيادة هي صفة يتمتع بها األشخاص الممارسين لتلك السلطة السياسية‬ ‫‪ -‬كركن من أركان الدولة ‪ -‬أم أن تلك الصفة وثيقة الصلة بالدولة؟‬ ‫لكي نجيب على هذا التساؤل فالبد أن نفرق جيداً بين أمرين‪ ،‬األمر األول‬ ‫هو السلطة السياسية واألمر الثاني ممارسة تلك السلطة السياسية‪.‬فالسلطة‬ ‫السياسية صاحبتها الدولة‪ ،‬أما من يمارسونها ليسوا إال أشخاص تكلفهم الدولة‬ ‫بممارسة تلك السلطة‪.‬‬ ‫إذاً فالدولة هي صاحبة السلطة السياسية‪ ،‬وما السيادة إال صفة تتصف بها‬ ‫تلك السلطة السياسية التي تملكها الدولة‪ ،‬وبالتالي فإن الدولة هي صاحبة السلطة‬ ‫والسيادة‪.‬‬ ‫‪39‬‬ ‫تلك السيادة التي تتصف بها السلطة السياسية للدولة تصبغها بعدد من‬ ‫السمات‪ ،‬وأهمها أنها سلطة عليا‪ ،‬أصلية‪ ،‬دائمة‪ ،‬واحدة غير مجزأة‪ ،‬مقيدة غير‬ ‫مطلقة باإلضافة إلى أنها سلطة آمرة‪.‬‬ ‫ فهي سلطة أصلية حيث أنها تسمو على ما عداها من سلطات داخل الدولة‪،‬‬ ‫وغير مستمدة من سلطات أخرى‪ ،‬بل هي من تنشأ ما عداها من سلطات‪.‬‬ ‫ وهي سلطة دائمة تجعل الدولة باقية رغم زوال أشخاص حكامها‪.‬‬ ‫ وسلطة موحدة ال تتج أز‪ ،‬حيث أنها ليست حقوق مقسمة بين سلطات الدولة‬ ‫الثالثة– التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ -‬وإنما هي سلطة عليا تنشئ تلك‬ ‫السلطات الثالثة وتوزع بينهم االختصاصات المنصوص عليها في قوانين‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫ كما أنها سلطة مقيدة‪ ،‬فهي مقيدة باحترام حقوق وحريات األفراد التي نصت‬ ‫عليها قوانين الدولة باإلضافة إلى تقييدها بقيد تحقيق الصالح العام‪ ،‬كما‬ ‫أنها مقيدة خارجياً باحترام إلتزاماتها وتعهداتها الدولية‪ ،‬ومراعاة حقوق الدول‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫ كما تتصف السلطة السياسية للدولة بأنها سلطة آمرة‪ ،‬حيث أنها تفرض‬ ‫أعمالها على األفراد بإرادتها المنفردة‪ ،‬دون حاجة لموافقة المحكومين‪،‬‬ ‫كالقوانين الصادرة عن السلطة التشريعية او القرارت الصادرة عن السلطة‬ ‫التنفيذية كقرار نزع الملكية للمنفعة العامة على سبيل المثال‪.‬‬ ‫‪40‬‬ ‫ولسيادة الدولة وجهان أو مظهران ‪:‬‬ ‫‪ -1‬سيادة داخلية‪ :‬وتعني سلطة الدولة العليا على كل ما يشمله إقليم الدولة من‬ ‫أفراد وهيئات‪ ،‬فهي تفرض سيطرتها على جميع األفراد داخل الدولة‪ ،‬كما ال يشاركها‬ ‫في تلك السلطة أي سلطة أخرى في فرض إرادتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬سيادة خارجية‪ :‬وتعني استقالل الدولة عن غيرها من الدول في تصريف‬ ‫شئونها‪ ،‬أو أال تخضع لغيرها من الدول‪ ،‬فإن تحققت تلك اإلستقاللية كانت الدولة‬ ‫كاملة السيادة‪ ،‬أما إن مارست الدولة بعض مظاهر السيادة فقط نتيجة خضوعها‬ ‫لتبعية دولة أخرى ‪ -‬مثل الدول المحمية والدول الواقعة تحت اإلنتداب أو الوصاية‬ ‫‪ -‬فإن الدولة تكون هنا ناقصة السيادة‪ ،‬كمصر مثالً عندما كانت تحت االحتالل‬ ‫او االنتداب البريطاني‪ -‬قبل إعالن إستقاللها عام ‪.1922‬ولكن هذا لم يؤثر على‬ ‫كونها دولة ولم يلغي وجودها القانوني(‪.)1‬‬ ‫إذا فكون الدولة دولة ناقصة السيادة ال يؤثر في كيان الدولة القانوني‪ ،‬ما دامت‬ ‫دولة مكتملة األركان لها شعب وإقليم وسلطة سياسية‪ ،‬وإن كانت تلك السلطة ناقصة‬ ‫السيادة‪.‬‬ ‫* وإن كنا قد أقررنا أن السيادة للدولة وللسلطة السياسية كمعبرة عن إرادتها‪،‬‬ ‫فمن هو صاحب السيادة من الناحية الفعلية؟‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬األنظمة السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،2000 ،‬ص‬ ‫‪. 28‬‬ ‫‪41‬‬ ‫في اإلجابة على هذا التساؤل ظهرت أنواع عديدة من النظريات‪ ،‬يمكن‬ ‫تقسيمها إلى نوعين‪ :‬من ناحية أولى‪ :‬النظريات التيوقراطية؛ وهي تلك التي تعطي‬ ‫للسيادة مصد اًر إلهياً‪ ،‬أي مصدرها هللا تعالى‪.‬ولكن كما سنرى أن هللا عز وجل قد‬ ‫استند إليه أصحاب هذه النظريات زو اًر وبهتاناً‪ ،‬ألجل تبرير السيادة المطلقة للحكام‬ ‫من البشر في أوروبا‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى هناك النظريات الديمقراطية‪ ،‬التي أرجعت مصدر السيادة‬ ‫إلى الجماعة البشرية التي تتكون منها الدولة‪ ،‬سواء تمثلت هذه الجماعة في‬ ‫اصطالح األمة (نظرية سيادة األمة) أو اصطالح الشعب (نظرية سيادة الشعب)‪.‬‬ ‫ونظ اًر لألهمية الخاصة لتلك النظريات في علم النظم السياسية‪ ،‬سندرسها‬ ‫في فرعين مستقلين‪:‬‬ ‫الفرع الثالث‬ ‫النظريات التيوقراطية (غير الديمقراطية)‬ ‫يطلق البعض على تلك النظريات مسمى " النظريات اإللهية" ‪ ،‬ألنها ذات‬ ‫طبيعة إلهية‪ ،‬والبعض اآلخر يطلق عليها مسمى "النظريات الدينية"‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫المسمى تعرض النتقادات شديدة‪ ،‬ألن الغرض منه تبرير السلطة المطلقة غير‬ ‫المقيدة والمستبدة للحكام‪ ،‬وأنها في الحقيقة ضد الدين سواء كان الدين اإلسالمي‬ ‫أو المسيحي‪.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫فتلك النظريات تتعارض مع مبادئ الدين اإلسالمي‪ ،‬حيث أن الدين‬ ‫اإلسالمي يقر مبدأ الشورى كنظام للحكم‪ -‬أي مشاركة الجميع بآ ارئهم‪ -‬وهو ما‬ ‫يتعارض تعارض واضح مع نظام الحكم المطلق المستبد‪ ،‬كما تتعارض تلك‬ ‫النظريات أيضاً مع الدين المسيحي‪ ،‬بدليل قول السيد المسيح " دع ما لقيصر‬ ‫لقيصر وما هلل هلل" ‪.‬‬ ‫تلك النظريات التيوقراطية الثالث‪ ،‬تتفق مع بعضها في مصدر السيادة‬ ‫وصاحبها وهو هللا‪ ،‬وبالتالي فهو يتمتع بالحكم المطلق غير المقيد بأي قيود‪،‬‬ ‫وبالتالي يجب على جميع األفراد طاعته وعدم معارضته ألن في ذلك تعارض مع‬ ‫المشيئة اإللهية‪.‬ولكن تلك النظريات تختلف مع بعضها في تفسير ذلك كالتالي‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬الطبيعة االلهية للحاكم‪:‬‬ ‫تلك النظرية هي أقدم النظريات التيوقراطية‪ ،‬بل وأكثرها تطرفاً‪ ،‬إذ أن تلك‬ ‫النظرية تقول بأن الحاكم هو هللا‪ -‬وليس مختا اًر من هللا‪ -‬وبالتالي فهو يعد بمثابة‬ ‫اإلله الذي تعبده المخلوقات ‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن سيادة الحاكم االله هي سيادة مطلقة ومقدسة‪ ،‬ال يستطيع أن‬ ‫ينا

Use Quizgecko on...
Browser
Browser