علوم الحديث الدرس الأول PDF

Summary

This document is a lecture or lesson plan for a course on Islamic studies, focusing on the importance of the Prophet's traditions (Sunnah) in Islamic law. It outlines the learning objectives and discusses the relationship between the Quran and Sunnah.

Full Transcript

‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫السنَّة النبوية يف الترشيع اإلسالمي‬ ‫مكانة ُّ‬ ‫األهداف اإلجرائية‬ ‫ِ‬ ‫عزيزي طالب العلم‪ُ ،‬يتو ّق ُع َ‬ ‫أن‪:‬‬ ‫منك بعد هذا‬ ‫الدرس ْ‬ ‫‪ -1‬تستنتج مكانة السنة النبوية يف...

‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫السنَّة النبوية يف الترشيع اإلسالمي‬ ‫مكانة ُّ‬ ‫األهداف اإلجرائية‬ ‫ِ‬ ‫عزيزي طالب العلم‪ُ ،‬يتو ّق ُع َ‬ ‫أن‪:‬‬ ‫منك بعد هذا‬ ‫الدرس ْ‬ ‫‪ -1‬تستنتج مكانة السنة النبوية يف الترشيع اإلسالمي‪.‬‬ ‫توضح العالقة بني السنة النبوية والقرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -3‬ترضب أمثلة تبني وجوب اعتبار السنة النبوية ا‬ ‫دليال رشع ًّيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬تستخلص أحكا اما اختصت هبا السنة النبوية‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترشح خطورة ترك السنة النبوية واالكتفاء بام ورد يف القرآن الكريم‪.‬‬ ‫واصطالحا‪ :‬السنة‪ ،‬احلديث‪ ،‬اخلرب‪ ،‬األثر‪.‬‬ ‫تعرف املصطلحات اآلتية لغة‬ ‫‪-6‬‬ ‫ا‬ ‫ِّ‬ ‫تفرق بني مصطلح السنة النبوية والسرية‪.‬‬ ‫‪ِّ -7‬‬ ‫تبني عناية الصحابة بالسنة النبوية‪.‬‬ ‫‪ -8‬ترضب أمثلة ِّ‬ ‫‪ -9‬تقدِّ ر اهتامم الصحابة بالسنة النبوية‪.‬‬ ‫عنارص الدرس‬ ‫‪ -1‬مكانة السنة النبوية يف الترشيع اإلسالمي‪.‬‬ ‫السنَّة النبوية بالقرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪ -2‬عالقة ُّ‬ ‫السنَّة النبوية واالكتفاء بالقرآن‪.‬‬ ‫‪ -3‬خطورة ترك ُّ‬ ‫‪ -4‬التعريف باملصطلحات األربعة‪ :‬السنة‪ ،‬احلديث‪ ،‬اخلرب‪ ،‬األثر‪.‬‬ ‫‪ -5‬عناية الصحابة ‪ ‬بالسنة النبوية‪.‬‬ ‫* * *‬ ‫‪1‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‬ ‫ﷺ‬ ‫ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ واﻟﺘﺨﺮﻳﺞ‬ ‫﴿‬ ‫ﷺ‬ ‫﴿‬ ‫اﻟﺪرس ‪ - ١‬أ‬ ‫﴾‬ ‫﴾‬ ‫﴾‬ ‫﴿‬ ‫﴿‬ ‫﴿‬ ‫﴾‬ ‫ﷺ‬ ‫﴾‬ ‫﴿‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫﴿‬ ‫﴾‬ ‫﴾‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﻋﻠﻮم اﳊﺪﻳﺚ واﻟﺘﺨﺮﻳﺞ‬ ‫اﻟﺪرس ‪ - ١‬ب‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫ﷺ‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫السنَّة النبوية يف الترشيع اإلسالمي‬ ‫مكانة ُّ‬ ‫‪ ‬إرسال الرسل إلقامة ُ‬ ‫احل َّجة عىل الناس‪:‬‬ ‫نص عليها يف قوله‪:‬‬ ‫ال شك أن اهلل ‪ ‬عندما خلق هذا اإلنسان كلفه بمهمة العبادة التي َّ‬ ‫اإلنس إِالَّ لِيعبدُ ِ‬ ‫﴿ َو َما َخ َل ْق ُت ِ‬ ‫ون﴾ [الذاريات‪ ،]56 :‬كام كلفه بالقيام بمهمة اخلالفة يف‬ ‫َُْ‬ ‫اجل َّن َو ِ َ‬ ‫الئك َِة إِ ِِّّن ج ِ‬ ‫هذه األرض‪﴿:‬وإِ ْذ َق َال رب َك ل ِ ْلم ِ‬ ‫اع ٌل ِيف األَ ْر ِ‬ ‫ض َخلِي َف اة﴾ [البقرة‪ ،]30 :‬فاهلل ‪‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قد أنزل هذا اإلنسان عىل هذه األرض ليعبده وليكون خليفة يعمرها بالصالح واخلري؛‬ ‫وألجل ذلك فإنه ‪ ‬يســر له الكثري من األمور لتعينه عىل إنجاز مهامه عىل الوجه‬ ‫األكمل‪.‬‬ ‫ومن ضمن ما يرس اهلل ‪ ‬هلذا اإلنسان ‪ -‬ليعبده وليقيم عليه احلجة ‪ -‬أن أرسل إليه‬ ‫ني َحتَّى َن ْب َع َث َر ُس ا‬ ‫وال﴾ [اإلرساء‪ ،]15 :‬فالرسل هم‬ ‫الرسل‪ ،‬فاهلل ‪ ‬يقول‪َ ﴿ :‬و َما ُكنَّا ُم َع ِّذبِ َ‬ ‫التطبيق العميل للرشائع التي أرسلوا هبا؛ فليس لنبي أن خيالف ما يأيت به‪ ،‬فال يفعل ما يأمر‬ ‫به أو ال ينتهي عام ينهى عنه؛ ولذلك فإن اهلل ‪ ‬حكى عن شعيب ‪ ‬أنه قال‪َ ﴿ :‬و َما ُأ ِريدُ‬ ‫َأ ْن ُأ َخال ِ َفك ُْم إِ ََل َما َأ ْْنَاك ُْم َعنْ ُه إِ ْن ُأ ِريدُ إِالَّ ِ‬ ‫الح ما اس َت َط ْعت﴾ [هود‪.]88 :‬‬ ‫اإل ْص َ‬ ‫تلو اآلخر حتى م َّن اهلل علينا برسوله حمم ٍد ‪‬؛ إذ جاء هبذه‬ ‫وقد جاء هؤالء الرسل واحدا ا َ‬ ‫الرشيعة التي وصفها اهلل ‪ ‬بأْنا مهيمنة عىل كل الرشائع األخرى‪ ،‬ثم إن اهلل ‪ ‬عندما بعث‬ ‫َان َلكُم ِيف رس ِ‬ ‫ول‬ ‫هذا الرسول ‪ ‬جعله قدوة فيام يأمر به وما ينهى عنه‪ ،‬كام قال ‪َ ﴿ :‬ل َقدْ ك َ ْ َ ُ‬ ‫اهللَِّ ُأ ْس َو ٌة َح َسنَ ٌة﴾ [األحزاب‪]21 :‬؛ فمن ثم ‪-‬وبدالالت القرآن الكريم وأحاديثه ‪ -‬نعلم يقيناا‬ ‫أن السنة النبوية هلا منزلة رفيعة يف الترشيع اإلسالمي‪ ،‬وال يمكن إلنسان أن يكون متب اعا لرشع‬ ‫اهلل ‪ ‬إذا مل يكن متب اعا ملا جاء به رسوله ‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫‪ ‬السنة النبوية هي املصدر الثاين للترشيع اإلسالمي‪:‬‬ ‫أمجع العلامء عىل أن السنة النبوية هي املصدر الثاِّن للترشيع اإلسالمي بعد القرآن‬ ‫الكريم‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬القرآن الكريم هو املصدر األول للترشيع اإلسالمي‪ ،‬وقد تك َّفل اهلل تعاَل بحفظه‪،‬‬ ‫فليس يف القرآن الكريم من زيادة وال نقصان وال حتريف وال تبديل‪.‬‬ ‫السنَّة النبوية بالقرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪ ‬عالقة ُّ‬ ‫مفصلة ملا يف القرآن‬ ‫مبهامت‪ ،‬و ِّ‬ ‫السنَّة النبوية قد تأيت مب ِّينة ملا يف القرآن الكريم من َ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫مفرسة ملا يف القرآن الكريم من أشيا َء غامضة‪ ،‬قد ال يستطيع اإلنسان‬ ‫جممالت‪ ،‬و ِّ‬ ‫الكريم من َ‬ ‫أن يدركها بمجرد داللة اللغة‪ ،‬وقد تأيت بأحكام مل ترد يف القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪ ‬وجوب اتباع النبي ‪:‬‬ ‫يقول سامحة الشيخ أمحد بن محد اخللييل يف كتابه (العقل بني مجاح الطبع وترويض الرشع)‪:‬‬ ‫« إن للسنـة النبوية عىل صاحبها أفضل الصالة والسالم مكانة عالية يف الترشيع اإلسالمي؛ إذ‬ ‫الوقاد‪ِ ،‬‬ ‫والورد من معينها الدفاق‪ ،‬فأنى‬ ‫ال يمكن اتباع ْنج اإلسالم إال باالقتباس من نورها َ‬ ‫للمسلم أن يعبد اهلل ‪ ‬عىل النهج الصحيح‪ ،‬ويستمسك من الدين بالعروة الوثقى إن نحى‬ ‫ب ما كان عليه املصطفى ‪-‬عليه أفضل الصالة والسالم‪-‬‬ ‫السنة النبوية جان ابا عن منهجه‪ ،‬وجا َن َ‬ ‫من فكر ٍ‬ ‫نري ومنهج صحيح وسلوك مستقيم؟!»‪.‬‬ ‫تبني منزلة السنة النبوية ووجوب اتباع الرسول ‪ ،‬فكم من آية‬ ‫ثم أورد الشيخ آيات كثرية ِّ‬ ‫وردت يف كتاب اهلل حت ُّثنا عىل اتباع الرسول ‪‬؟! كام إنه ‪ ‬قد قرن طاعته بطاعة الرسول ‪‬‬ ‫لبيان أمهية طاعة الرسول ‪ ،‬فاهلل ‪ ‬يقول‪ ﴿ :‬و َأ ِطيعوا ا ََّ ِ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ول﴾ [املائدة‪،]92 :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫هلل َو َأطي ُعوا َّ‬ ‫﴿ َو َأطِي ُعوا اهللََّ َو َر ُسو َل ُه﴾ [األنفال‪ ،]1 :‬إَل غري ذلك من اآليات األخرى التي حت ُّثنا عىل طاعة‬ ‫‪3‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫الرسول ‪ ‬وجتعل أحكام الرسول ‪ ‬وأقواله واجب َة النفاذ‪ ،‬فاهلل ‪ ‬يقول‪َ ﴿ :‬و َما ك َ‬ ‫َان ملُ ِ ْؤ ِم ٍن‬ ‫ُون َهلم ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫اخل َ َري ُة ِم ْن َأ ْم ِر ِه ْم َو َمن َي ْع ِ‬ ‫ص اهللََّ َو َر ُسو َل ُه َف َقدْ‬ ‫َوالَ ُم ْؤمنَة إِ َذا َق ََض اهللَُّ َو َر ُسو ُل ُه َأ ْم ارا َأن َيك َ ُ ُ‬ ‫َض َّل َض ا‬ ‫الال ُّمبِيناا﴾ [األحزاب‪ ،]36 :‬وقد جعل ‪ ‬طاعة الرسول ‪ ‬من طاعته عندما قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اع اهللََّ َو َمن ت ََو ََّل َف َام َأ ْر َس ْلن َ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫َاك َع َل ْي ِه ْم َح ِفي اظا﴾ [النساء‪.]80 :‬‬ ‫ول َف َقدْ َأ َط َ‬ ‫﴿ َمن ُيط ِع َّ‬ ‫فإذن طاعة الرسول ‪ ‬هي يف احلقيقة طاعة هلل ‪‬؛ ألن ما يأيت به الرسول ‪ ‬ليس من‬ ‫وحى﴾ [النجم‪ ،]4 :‬بل قد‬ ‫عنده‪ ،‬وإنام هو من عند اهلل ‪ ‬كام قال اهلل ‪﴿ :‬إِ ْن ُه َو إِالَّ َو ْح ٌي ُي َ‬ ‫جعل اهلل ‪ ‬اتباع الرسول ‪ ‬واسطة بني حبنا هلل ‪ ‬وحب اهلل لنا‪ُ ﴿ :‬ق ْل إِن كُنتُم ُ ِ‬ ‫حت ُّب َ‬ ‫هلل‬ ‫ون ا ََّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُيبِ ْبك ُُم اهللَُّ َو َي ْغ ِف ْر َلك ُْم ُذنُو َبك ُْم﴾ [آل عمران‪.]31 :‬‬ ‫َفاتَّبِ ُعوِّن ُ ْ‬ ‫تبِّي أن السنة النبوية مفصلة ملا ورد ا‬ ‫جممال يف القرآن الكريم‪:‬‬ ‫أمثلة ن‬ ‫إذا اعتربنا أن السنة النبوية ليست مصد ارا من مصادر الترشيع فسيؤدي هذا إَل‬ ‫كثري منها جممل‪ ،‬وقد ورد‬ ‫إشكاالت كثرية جدًّ ا؛ ألن آيات القرآن الكريم وأحكامه ٌ‬ ‫تفصيلها يف أحاديث النبي ‪ ،‬ومن ذلك ما ييل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أول‪ :‬إقامة الصالة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الصال َة َوآتُوا ال َّزكَا َة َو ْار َك ُعوا َم َع‬ ‫يموا َّ‬ ‫أمرنا اهلل تعاَل بالصالة يف آيات كثرية‪ ،‬منها‪َ ﴿ :‬و َأق ُ‬ ‫ني﴾ [البقرة‪ ]43 :‬ومل يرد يف القرآن الكريم تفصيل ألحكام الصالة‪ ،‬وإنام جاء تفصيلها‬ ‫الراكِ ِع َ‬ ‫َّ‬ ‫يف السنة النبوية‪ ،‬فال نستطيع من خالل القرآن الكريم وحده أن نعرف عدد الركعات يف كل‬ ‫صالة‪ ،‬وما الذي نقوله ونفعله يف كل ركعة من تلك الركعات‪ ،‬وإنام جاءت السنة النبوية‬ ‫لتبني لنا هذا األمر‪ ،‬فالرسول ‪ ‬يقول‪« :‬صلوا كام رأيتموِّن أصيل» (‪.)1‬‬ ‫ِّ‬ ‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)631‬‬ ‫‪4‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫لذا فإن الرسول ‪َّ ‬بني لنا كيف نؤ ِّدي هذه الصالة عىل الوجه الذي أراده اهلل ‪ ‬منا‪،‬‬ ‫فبني لنا عدد الصلوات يف اليوم والليلة‪ ،‬ومواقيت كل صالة من بداية الوقت وْناية‬ ‫َّ‬ ‫وبني لنا عدد الركعات يف كل صالة‪ ،‬وبني لنا ‪ ‬ما نقوله وما نفعله‪ ،‬سواء كان‬ ‫الوقت‪َّ ،‬‬ ‫ذلك بقوله أم بفعله ‪ ‬وطريقته يف الصالة‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬احلج‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫هلل َع َىل الن ِ ِ‬ ‫اع إِ َل ْي ِه َسبِ ايال﴾‬ ‫أمرنا اهلل ‪ ‬باحلج فقال‪َ ﴿ :‬و َِّ‬ ‫اس َت َط َ‬ ‫َّاس ح ُّج ال َب ْيت َم ِن ْ‬ ‫[آل‬ ‫ولكن‬ ‫أيضا يف القرآن الكريم‪،‬‬ ‫عمران‪ ،]97 :‬فاحلج ثبت بالنص القرآِّن و ُب ِّينت بعض أحكامه ا‬ ‫َّ‬ ‫تبني إال عن طريق السنة النبوية‪ ،‬فالرسول ‪ ‬عندما حج حجة‬ ‫كثريا من تلك األحكام مل َّ‬ ‫ا‬ ‫الوداع قال‪« :‬خذوا عني مناسككم» (‪.)2‬‬ ‫وقد أخربنا الصحابة ‪ ‬بطريقة حج الرسول ‪‬؛ متى وقف بعرفة‪ ،‬ومتى أفاض منها‪،‬‬ ‫ومتى أفاض من املزدلفة‪ ،‬وكيف رمى اجلمرات‪ ،‬وما عدد اجلمرات‪ ،‬وكم مجرة يف ِّ‬ ‫كل يوم‬ ‫من أيام احلج‪ ،‬وماذا ُيقدَّ م‪ ،‬هل الرمي أو الذبح أو احللق أو غريها من األمور‪ ،‬وطريقة‬ ‫اإلحرام‪ ،‬إَل غري ذلك من األمور الكثرية التي ال نستطيع أن ندركها إال عن طريق السنة‬ ‫النبوية‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬الزكاة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يموا‬ ‫الزكاة واجبة‪ ،‬وقد َّبني اهلل ‪ ‬هذا الوجوب يف القرآن الكريم حني قال‪َ ﴿ :‬و َأق ُ‬ ‫الزكَا َة﴾ [البقرة‪ ،]43 :‬كام َّبني بعض أحكام الزكاة مثل مصارفها يف قوله ‪:‬‬ ‫الصال َة َوآتُوا َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب َوا ْل َغ ِ‬ ‫الر َق ِ‬ ‫ني‬ ‫ات ل ِ ْل ُف َق َر ِاء‬ ‫الصدَ َق ُ‬ ‫ار ِم َ‬ ‫واملساكني َوا ْل َع ِاملِ َ‬ ‫﴿إِن ََّام َّ‬ ‫وهب ْم َو ِيف ِّ‬ ‫ني َع َل ْي َها َواملُْ َؤ َّل َفة ُق ُل ُ ُ‬ ‫)‪ (2‬أخرجه البيهقي (‪.)9600‬‬ ‫‪5‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫السبِ ِ‬ ‫َو ِيف َسبِ ِ‬ ‫وبني لنا بعض األصناف التي جتب فيها الزكاة‪،‬‬ ‫يل﴾ [التوبة‪َّ ،]60 :‬‬ ‫يل اهللَِّ َوا ْب ِن َّ‬ ‫أيضا وردت يف السنة النبوية ووضحها الرسول ‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫كثريا من أحكام الزكاة ا‬ ‫ولكن ا‬ ‫رشوط الزكاة من نحو النصاب وغريه‪ ،‬واملقدار الذي جتب فيه الزكاة‪ ،‬وأصناف الزكاة‬ ‫بالتفصيل‪ ،‬فزكاة اإلبل وزكاة البقر وردت أحكامها يف السنة النبوية إَل غريها من أحكام‬ ‫األخرى املتعلقة بفقه الزكاة‪.‬‬ ‫السنَّة النبوية مبينة لكثري من األحكام الواردة يف القرآن الكريم‪ ،‬وقس عىل ذلك أمثلة‬ ‫إذن ُّ‬ ‫كثرية مثل‪ :‬أحكام األرسة‪ ،‬أو أحكام البيوع وغريها‪.‬‬ ‫تبِّي أن السنة النبوية اختصت بأحكام مل ترد يف القرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪ ‬أمثلة ن‬ ‫هناك عدد من األحكام التي اختصت هبا السنة النبوية وهذه األحكام من األحكام التي‬ ‫اتفقت عليها األمة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ما ييل‪:‬‬ ‫صالة امليت‪:‬‬ ‫ذكرا يف القرآن‪ ،‬وإنام وردت يف السنة النبوية بالطريقة التي رشعها‬ ‫فال نجد لصالة امليت ا‬ ‫الرسول ‪ ‬والتي هي حمل اتفاق بني األمة‪.‬‬ ‫صالة العيدين‪:‬‬ ‫صالة العيدين وبعض األحكام املتعلقة بالعيدين‪ ،‬فقد وردت يف السنة النبوية‪ ،‬وال ذكر‬ ‫هلا يف القرآن الكريم‪.‬‬ ‫صالة الستسقاء‪:‬‬ ‫وردت أحكام صالة االستسقاء يف السنة النبوية‪ ،‬ومل يرد ذكرها يف القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫السنَّة النبوية ببياْنا وبيان حكمها ومرشوعيتها‪ ،‬وهذا يعطينا‬ ‫إذن هناك أمور كثرية استقلت ُّ‬ ‫مؤرشا عىل أن دراسة السنة النبوية يف احلقيقة ركن من أركان هذا الدِّ ين‪.‬‬ ‫ا‬ ‫‪ ‬خطورة ترك السنة النبوية‪ ،‬والكتفاء بالقرآن الكريم‪:‬‬ ‫ال يمكن إلنسان أن يدعي أنه يتبع القرآن الكريم دون أن يتبع السنة النبوية؛ ألن القرآن‬ ‫نفسه ُيثنا عىل اتباع الرسول ‪ ‬واالقتداء به‪ ،‬وهذا يؤدي إَل وقوع اإلنسان يف‬ ‫الكريم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ول﴾ [املائدة‪:‬‬ ‫املخالفة لرصيح القرآن الكريم‪ ،‬فاهلل ‪ ‬يقول‪َ ﴿ :‬و َأطي ُعوا اهللََّ َو َأطي ُعوا َّ‬ ‫‪ ،]92‬فرتك ما جاء يف السنة النبوية يعد خمالف اة رصُية ملا ورد يف القرآن الكريم نفسه‪.‬‬ ‫كبريا بدراسة السنة النبوية‬ ‫ولذلك فإن املسلمني منذ عهد الصحابة اهتموا اهتام اما ا‬ ‫واالطالع عليها‪ ،‬فقد كان الصحابة ُيرصون عىل حضور جمالس الرسول ‪ ‬وسؤاله‬ ‫واالستفسار عام يغمض عليهم من آيات القرآن الكريم أو من أحكام الرشيعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫ولذلك فإن دراسة السنة النبوية عىل درجة عالية من األمهية ملا سنذكره ‪ -‬فيام بعد ‪ -‬من أن‬ ‫السنة النبوية مل تكن حمفوظة كام ُح ِف َظ القرآن الكريم‪ ،‬وإنام دخل عليها الكثري من األحاديث‬ ‫املوضوعة واألحاديث الضعيفة؛ األمر الذي ُي ِّتم عىل اإلنسان إذا ما أراد أن يعمل بالسنة‬ ‫النبوية أن تكون عنده القدرة عىل التمييز بني هذه األحاديث؛ حتى يعمل بالثابت ويستبعد‬ ‫املوضوع والضعيف منها‪.‬‬ ‫السنَّة واحلديث‪:‬‬ ‫‪ ‬تعريف ُّ‬ ‫ذهب بعض العلامء إَل أن السنة واحلديث معنامها واحد‪ ،‬ويف احلقيقة عندما نتبع‬ ‫استخدامات العلامء للكلمتني نجد بينهام فر اقا‪ ،‬وقد يتفق معنامها يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫تعريف السنة واحلديث عىل قول من جيعلهام شيئًا واحدً ا‪:‬‬ ‫‪7‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫«ما ثبت عن الرسول ‪ ‬من قول أو فعل أو تقرير» وبعضهم يزيد‪« :‬أو صفة َخ ْلقية أو‬ ‫ُخ ُلقية»‪.‬‬ ‫أما الذين يفرقون بني املصطلحني فيخصون السنة بأْنا ما كان فيها يشء من اال ِّتباع‪،‬‬ ‫وهذا بداللة اللغة نفسها؛ ألن السنة يف اللغة‪ :‬هي الطريقة املتبعة كام يقول لبيد بن ربيعة‬ ‫‪:‬‬ ‫ِم ْن َم ْع َ ٍ‬ ‫اؤ ُه ْم‬ ‫رش َسن َّْت َهل ُ ْم آ َب ُ‬ ‫***‬ ‫َولِك ُِّل‬ ‫َق ْو ٍم‬ ‫ُسنَّ ٌة‬ ‫َوإِ َما ُم َها‬ ‫فالسنَّ ُة هي الطريقة التي يتوارثها األبناء عن اآلباء‪ ،‬واآلبا ُء عن األجداد‪ ،‬وهي السنة‬ ‫التي ينشأ عليها الناس ا‬ ‫جيال بعد جيل‪ ،‬هذا هو املعنى اللغوي‪ ،‬وواضح منه أن السنة هي‬ ‫الطريقة امل َّتبعة التي فيها نوع من االتباع‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬إن هذا األمر من السنة‪ ،‬فإنه يعني أنه ثبت عن الرسول ‪ ‬و ُأمرنا باتباعه‪ ،‬أما‬ ‫أعم من هذا؛ ألن احلديث عىل حسب التعريف هو‪« :‬ما ثبت عن الرسول ‪‬‬ ‫احلديث فهو ُّ‬ ‫من قول أو فعل أو تقرير أو صفة َخ ْلقية أو ُخ ُلقية»‪.‬‬ ‫لكن بعض العلامء يغري كلمة واحدة‪ ،‬وهي (ما ثبت)‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫هذا هو التعريف الشائع‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ب إَل رسول اهلل ‪ ‬من قول أو فعل أو تقرير أو صفة َخ ْلقية أو ُخلقية»‪ ،‬وبني‬ ‫«ما ُنس َ‬ ‫التعريفني فرق ظاهر‪ ،‬فعندما نضيف القيد (ما ثبت)‪ ،‬فهذا يفيد أن احلديث إنام ينحرص يف‬ ‫األحاديث الثابتة عن الرسول ‪ ،‬فال يدخل فيها احلديث الضعيف أو احلديث املوضوع‪.‬‬ ‫أما التعريف الثاِّن فهو أعم؛ ألنه يعترب كل ما نسب إَل الرسول ‪ ‬حدي اثا سواء ثبت أم‬ ‫مل يثبت‪ ،‬ولعل هذا التعريف األخري أصدق من ناحية دراسة احلديث؛ ألننا عندما ندرس‬ ‫غري‬ ‫األحاديث‪ ،‬فإننا ندرس َّ‬ ‫أي حديث‪ ،‬ونسميه حدي اثا حتى ولو مل يثبت عن الرسول ‪َ ،‬‬ ‫أننا يف هذه احلالة نسميه حدي اثا ضعي افا أو حدي اثا موضو اعا‪ ،‬ا‬ ‫فضال عن أن هذا التعريف هو‬ ‫‪8‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫التعريف املشهور‪.‬‬ ‫إال أن بعضهم يضيف شي ائا آخر عىل التعريف فيقول إن احلديث‪« :‬هو ما نسب إَل‬ ‫الرسول ‪ ‬من قول أو فعل أو تقرير أو صفة َخ ْلقية أو ُخ ُلق َّية‪ ،‬أو ما نسب إَل الصحابة أو‬ ‫أيضا من ضمن احلديث‪ ،‬إال‬ ‫التابعني»‪ ،‬فيضيف (ما نسب إَل الصحابة أو التابعني) فيجعله ا‬ ‫توس ٌع غري حممود؛ ألن السامع عندما يسمع كلمة‬ ‫نوعا من‬ ‫أن يف هذا ا‬ ‫التوسع ولعله ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫(حديث) ينرصف ذهنه مبارشة إَل ما روي أو ما نسب إَل الرسول ‪ ،‬وال يمكن أن خيطر‬ ‫بباله يش ٌء يتصل بام نُسب إَل الصحابة أو التابعني‪.‬‬ ‫لكن الذين رأوا هذا الرأي وأضافوا هذه الزيادة نظروا إَل أمر آخر‪ ،‬وهو أن بعض‬ ‫الرفع‪ ،‬ويطلق عليها حينئذ (حديث‬ ‫األحاديث املنسوبة إَل الصحابة قد تعطى‬ ‫حكم َّ‬ ‫َ‬ ‫موقوف له حكم املرفوع)‪ ،‬وذلك يكون عندما تظهر يف احلديث بعض العالمات التي تدل‬ ‫عىل أن ذلك الكالم ال يمكن أن يصدر من الصحايب‪ ،‬وسيأيت بيان هذا يف حمله إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫‪ ‬تعريف اخلرب‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكل ٍ‬ ‫رب‪ُّ ،‬‬ ‫بعض العلامء جيعل اخلرب مراد افا للحديث‪ ،‬فيقولون‪ُّ :‬‬ ‫خرب‬ ‫كل حديث خ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يفرقون بني املصطلحني‪ ،‬فاحلديث هو الذي أرشنا إليه ‪-‬‬ ‫حديث‪ ،‬ولك َّن املتأخرين حتديدا ا ِّ‬ ‫وهو ما نسب إَل الرسول ‪ ‬عىل املشهور‪ -‬أما اخلرب فهو «ما نسب إَل غري الرسول ‪،‬‬ ‫قسيام‬ ‫سواء كان من األنبياء السابقني أم من الصحابة أم من غريهم»‪ ،‬فيجعلون اخلرب‬ ‫ا‬ ‫للحديث‪.‬‬ ‫‪ ‬تعريف األثر‪:‬‬ ‫األثر جيعله بعض العلامء م ا‬ ‫يفرق‪ ،‬فيجعله مثل اخلرب يف‬ ‫ثيال للحديث‪ ،‬وبعضهم ِّ‬ ‫التعريف الثاِّن‪ ،‬فاألثر هو‪« :‬ما نسب إَل غري الرسول ‪ ،‬وخاصة ما نسب إَل الصحابة أو‬ ‫‪9‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫التابعني أو العلامء املتأخرين»‪ ،‬وهذا تقري ابا هو املشهور عند أصحابنا اإلباضية عندما‬ ‫يقولون يف اخلرب أو يف احلديث كذا وكذا‪ ،‬ويف األثر كذا وكذا‪ ،‬فإذا قالوا‪« :‬يف األثر»‪،‬‬ ‫فيقصدون به أقوال الصحابة أو التابعني أو حتى من بعدهم من العلامء‪ ،‬فهم جيعلون‬ ‫األحاديث خاصة بالرسول ‪ ،‬واآلثار هي أقوال العلامء‪ ،‬سوا اء كان هؤالء العلامء من‬ ‫الصحابة أم التابعني أم من بعدهم‪.‬‬ ‫يفرق بينها‬ ‫السنَّة واحلديث واخلرب واألثر‪ ،‬بعض العلامء ِّ‬ ‫املصطلحات األربعة‪ُّ :‬‬ ‫وجيعل كل واحد منها له تعريف خاص‪ ،‬وبعضهم جيمع بينها مجي اعا أو ربام َّبني بعضها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫غري أن ا‬ ‫سياق واحد‪ ،‬أما إذا‬ ‫كال منها يتميز عن غريه عندما جتتمع هذه املصطلحات يف‬ ‫استقل املصطلح بالذكر يف سياقه فإنه ربام دل عىل ما يدل عليه املصطلح اآلخر‪.‬‬ ‫‪ ‬الفرق بِّي مصطلح السنة النبوية والسرية‪:‬‬ ‫قد يقرتب مصطلح السنة النبوية من مصطلح السرية‪ ،‬إال أن هناك نو اعا من االختالف‬ ‫ِ‬ ‫أقوال الرسول ‪ ‬وأفعاله وتقريراته التي فيها يشء من‬ ‫بينهام‪ ،‬فالسنة النبوية ترك ُز عىل‬ ‫الترشيع‪ ،‬أما السرية فهي أوسع من ذلك؛ حيث تتحدث عن األحداث التي وقعت يف زمن‬ ‫الرسول ‪ ‬بشكل عام‪.‬‬ ‫مثال عىل الختالف بِّي السنة والسرية‪:‬‬ ‫حتى ندرك الفرق بني السنة والسرية ف ْلننظر عىل سبيل املثال إَل األحداث التي وقعت‬ ‫للرسول ‪ ‬قبل البعثة‪ ،‬ال يمكن أن نعترب هذه األحداث من السنة؛ ألن ما قبل بعثة‬ ‫الرسول ‪ ‬من أقواله وأفعاله ليس ترشي اعا؛ وعليه فهي ال تعترب من السنة‪ ،‬وإنام تعترب من‬ ‫السرية النبوية التي ندرسها يف مناهجنا‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫وأخبارا متعددة‪ ،‬وهذه األخبار‬ ‫كام أن هناك أحدا اثا كثري اة وقعت للرسول ‪ ‬يف حياته‬ ‫ا‬ ‫كلها تعترب من السرية‪ ،‬ولكن ليست كلها من السنة النبوية‪ ،‬فإذا ورد يف السرية أن الرسول‬ ‫‪ ‬خرج من املدينة يف اليوم الفالِّن ا‬ ‫مثال وبات يف اليوم الفالِّن يف املكان الفالِّن فهذه سرية‬ ‫وليست سنة؛ ألْنا ليست عىل جهة الترشيع‪.‬‬ ‫‪ ‬عناية الصحابة بالسنة النبوية‪:‬‬ ‫كثريا بسنة الرسول ‪ ‬من حيث اتباعها واحلرص عىل حفظها‪،‬‬ ‫الصحابة ‪ ‬اهتموا ا‬ ‫ومن أمثلة ذلك ما ييل‪:‬‬ ‫املثال األول‪:‬‬ ‫كان بعضهم يقطع املسافات البعيدة ليستمع إَل حديث واحد من أحاديث الرسول ‪،‬‬ ‫وكانوا حريصني عىل أن ُيرضوا جمالسه ‪ ‬وُيفظوا ما يقوله ‪ ،‬وقد ُذكِر عن عمر بن‬ ‫وجار له يتعا َقبان عىل حضور جملس رسول اهلل ‪ ،‬فكان يو اما‬ ‫اخلطاب ‪ ‬أنه كان هو‬ ‫ٌ‬ ‫ُيرض هو جملس رسول اهلل ‪ ‬ويو اما ُيرض جاره‪ ،‬وعندما يلتقيان مساء خيرب ٌّ‬ ‫كل منهام أخاه‬ ‫بام حدث وبام سمع من الرسول ‪.‬‬ ‫املثال الثاين‪:‬‬ ‫مل تنقطع عناية الصحابة ‪ ‬بالسنة بعد وفاة الرسول ‪ ،‬فكانوا حريصني عىل اتباع‬ ‫سنته ‪ ‬فإذا ثبت عندهم حديث عن النبي ‪ ‬كانوا يبادرون إَل اتباعه‪ ،‬وال خيفى عن أحدنا‬ ‫قصة اجلدة التي جاءت إَل أيب بكر الصديق ‪ ‬تسأله عن مرياثها‪ ،‬تقول‪ :‬إِ َّن ا ْب َن ا ْبنِي‪َ ،‬أ ْو‬ ‫هلل َح ًّقا‪َ ،‬ف َق َال َأ ُبو َبك ٍْر‪َ :‬ما َأ ِجدُ َل ِك ِيف ا ْل ِكت ِ‬ ‫رب ُت َأ َّن ِِل ِيف ِكت ِ‬ ‫َاب‬ ‫َاب ا َِّ‬ ‫ا ْب َن بِنْتِي َم َ‬ ‫ات‪َ ،‬و َقدْ ُأ ْخ ِ ْ‬ ‫ول اهللَِّ ‪َ ‬قَض َل ِك بِ ٍ‬ ‫ِم ْن َحق‪َ ،‬و َما َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َّاس‪َ ،‬ف َس َأ َل َف َش ِهدَ املُْ ِغ َري ُة ْب ُن‬ ‫َ‬ ‫َشء َو َس َأ ْس َأ ُل الن َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُش ْع َب َة‪َ ،‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫السدُ َس» َق َال‪َ :‬و َم ْن َس ِم َع َذل ِ َك َم َع َك؟ َق َال‪ُ :‬حم َ َّمدُ ْب ُن‬ ‫ول ا َِّ‬ ‫هلل ‪َ « :‬أ ْع َط َ‬ ‫اها ُّ‬ ‫‪11‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫السدُ َس»(‪ ،)3‬وأصبح هذا احلكم متوار اثا إَل وقتنا احلاِل وإَل أن يرث اهلل‬ ‫َم ْس َل َم َة‪َ « ،‬ف َأ ْع َط َ‬ ‫اها ُّ‬ ‫األرض ومن عليها؛ وذلك ملا ثبت من حديث الرسول ‪.‬‬ ‫املثال الثالث‪:‬‬ ‫ذهب عمر بن اخلطاب ‪ ‬مر اة إَل الشام‪ ،‬ويف الطريق بلغه أن وباء الطاعون نزل بأهل‬ ‫الشام‪ ،‬فوقف وسأل الناس عام يفعل‪ ،‬هل يرجع أو يتابع سريه إَل الشام؟ فاختلف الناس‬ ‫عليه‪ ،‬فبعضهم قال‪ :‬لقد أتيت ل ٍ‬ ‫شأن ال نرى أن ترجع عنه‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬يا أمري املؤمنني‬ ‫عندك صحابة رسول اهلل ‪ ‬وبقية الناس فال نرى أن ُت ْق ِد َمهم عىل هذا الوباء فيهلِ َكهم‪.‬‬ ‫فبقي عمر بن اخلطاب يف حرية ثم عزم عىل الرجوع‪ ،‬فجاء عبد الرمحن بن عوف ‪‬‬ ‫علام‪ ،‬سمعت رسول ‪ ‬يقول‪« :‬إِ َذا َس ِم ْعت ُْم بِ ِه [أي الطاعون]‬ ‫فقال‪ :‬إن عندي من هذا ا‬ ‫ض‪َ ،‬ف َال َت ْقدَ ُموا َع َل ْي ِه‪َ ،‬وإِ َذا َو َق َع بِ َأ ْر ٍ‬ ‫بِ َأ ْر ٍ‬ ‫ض َو َأ ْنت ُْم ِ َهبا‪َ ،‬ف َال ََت ُْر ُجوا فِ َر اارا ِمنْ ُه» قال‪ :‬فحمد اهلل‬ ‫عمر بن اخلطاب ثم انرصف (‪ ،)4‬وهو قد محد اهلل ألجل أن وفقه ليفعل كام أمر رسول اهلل ‪.‬‬ ‫وغريها من القصص واألحداث التي تروى يف املوضوع عن عبد اهلل بن مسعود وعن‬ ‫عيل بن أيب طالب وغريهم من الصحابة الذين ُي ُك ُمون بحكم معني‪ ،‬ثم يأيت من خيربهم‬ ‫بأن ذلك احلكم حكم رسول اهلل ‪ ‬فيحمدون اهلل عىل ذلك‪ ،‬فهذه األمور تدلنا عىل عناية‬ ‫أساس من مصادر الترشيع اإلسالمي بعد‬ ‫مصدر‬ ‫الصحابة ‪ ‬بالسنة النبوية‪ ،‬ويقينِهم بأْنا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫فكانوا إذا جاءهتم املسألة يبحثون عن حكمها يف كتاب اهلل ‪ ‬فإن مل جيدوها ففي سنة‬ ‫)‪ (3‬أخرجه الرتمذي (‪.)2100‬‬ ‫)‪ (4‬أخرجه مسلم (‪.)2219‬‬ ‫‪12‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫الرسول ‪ ،‬وال يعني ذلك أْنم ال يبحثون منذ البداية عن سنة الرسول ‪ ‬وإنام املقصود‬ ‫هنا أن القرآن ‪-‬كام ذكرنا‪ -‬له املنزلة الرفيعة‪ ،‬فكانوا يبحثون عن املسألة يف القرآن ويف سنة‬ ‫الرسول ‪ ‬وإذا ثبت عندهم فيها حديث وسنة عن الرسول ‪ ‬بادروا التباعها وااللتزام‬ ‫هبا‪ ،‬فكانوا ال خيرجون عن احلكم الذي ذكره الرسول ‪.‬‬ ‫* * *‬ ‫‪13‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫التلخيص‬ ‫السنَّة النبوية يف الترشيع‬ ‫عزيزي الدارس‪ ،‬تناولنا خالل هذا الدرس احلديث عن «مكانة ُّ‬ ‫اإلسالمي» وفيام ييل تلخيص ملا ورد فيه‪:‬‬ ‫‪ ‬تُعدُّ السنة النبوية املصدر الثاين من مصادر الترشيع اإلسالمي بعد القرآن‪ ،‬وذلك بإمجاع‬ ‫العلامء‪.‬‬ ‫السنَّة النبوية بالقرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪ ‬عالقة ُّ‬ ‫السنَّة النبوية مرتبطة بالقرآن الكريم‪ ،‬فقد تأيت مب ِّينة ملا يف القرآن الكريم من مبهامت‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مفصلة ملا فيه ِمن جممالت‪ ،‬وقد تأيت بأحكام ليست يف القرآن الكريم‪.‬‬ ‫و ِّ‬ ‫تبِّي أن السنة النبوية مفصلة ملا ورد ً‬ ‫جممال يف القرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪ ‬أمثلة ن‬ ‫‪ .1‬تفصيل أحكام الصالة‪ :‬من حيث عدد ركعاهتا وأوقاهتا‪.‬‬ ‫‪ .2‬تفصيل أحكام احلج والعمرة‪ :‬من حيث أحكامهام وأركاْنام ورشوطهام وحمظوراهتام‪.‬‬ ‫‪ .3‬تفصيل أحكام الزكاة‪ :‬من حيث نصاهبا‪ ،‬ومقاديرها‪ ،‬ومصارفها‪.‬‬ ‫تبِّي أن السنة النبوية اختصت بأحكام مل ترد يف القرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪ ‬أمثلة ن‬ ‫صالة امليت‪ ،‬وصالة العيدين‪ ،‬وصالة االستسقاء‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫السنَّة النبوية والكتفاء بالقرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪ ‬خطورة ترك ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫تناقض‪ ،‬فمن ترك السنة‬ ‫ترك السنة النبوية واالكتفاء بام ورد يف القرآن الكريم يؤدي إَل‬ ‫النبوية وما جاءت به فقد وقع يف خمالفة رصُية مع نصوص القرآن الكريم‪ ،‬يقول تعاَل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ول﴾‪.‬‬ ‫﴿ َو َأطي ُعوا اهللََّ َو َأطي ُعوا َّ‬ ‫السنَّة واحلديث‪:‬‬ ‫‪ ‬تعريف ُّ‬ ‫‪14‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫ذهب بعض العلامء إَل أن السنة واحلديث معنامها واحد‪ ،‬ويف احلقيقة عندما نتبع‬ ‫استخدامات العلامء للكلمتني نجد بينهام فر اقا‪ ،‬وقد يتفق معنامها يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫فتعريف السنة واحلديث عىل قول من جيعلهام شي ائا واحدا ا‪ ،‬هو‪« :‬ما ثبت عن الرسول ‪‬‬ ‫من قول أو فعل أو تقرير‪ ،‬أو صفة َخ ْلقية أو ُخ ُلقية»‪.‬‬ ‫أما الذين يفرقون بني املصطلحني فيخصون السنة بأْنا ما كان فيها يشء من اال ِّتباع‪.‬‬ ‫‪ ‬تعريف اخلرب‪:‬‬ ‫اخلرب هو‪« :‬ما نسب إَل غري الرسول ‪ ،‬سواء كان من األنبياء السابقني أم من الصحابة‬ ‫أم من غريهم»‪.‬‬ ‫‪ ‬تعريف األثر‪:‬‬ ‫األثر هو‪« :‬ما نسب إَل غري الرسول ‪ ،‬وخاصة ما نسب إَل الصحابة أو التابعني أو‬ ‫العلامء املتأخرين»‪.‬‬ ‫السنَّة والسرية‪:‬‬ ‫‪ ‬الفرق بِّي مصطلحي ُّ‬ ‫السرية النبوية َتتلف عن السنة النبوية‪ ،‬فالسنة تركز عىل أقوال النبي ‪ ‬وأفعاله‪،‬‬ ‫وتقريراته التي فيها يشء من الترشيع‪ ،‬أما السرية فتشمل األحداث التي وقعت يف زمن‬ ‫النبي ‪.‬‬ ‫بالسنَّة النبوية‪:‬‬ ‫‪ ‬عناية الصحابة ُّ‬ ‫‪15‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫اهتم الصحابة ‪ ‬بسنة الرسول ‪ ‬اهتام اما بال اغا‪ ،‬جتىل ذلك يف اتباعهم الشديد هلا‬ ‫واحلرص الكبري عىل حفظها‪ ،‬وقد اتضح ذلك من خالل أمثلة كثرية‪.‬‬ ‫* * *‬ ‫‪16‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫‪17‬‬ ‫عـلــوم الــحــديـــث والــتـــخـريــــج‬ ‫السنة الدراسية الثانية‬ ‫الفصل الدراسي الثاني‬ ‫الدرس (‪)1‬‬ ‫التقويم‬ ‫أجب عن األسئلة اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬حتدث بإجياز عن مكانة السنة النبوية يف الترشيع اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬بني العالقة َب ْني مصدري الترشيع اإلسالمي‪ :‬القرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬ ‫‪ -3‬هل يمكن أن تستقل السنة النبوية بالترشيع؟ اذكر مثالني عىل ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬فرق بني املصطلحات اآلتية‪ :‬السنة‪ ،‬احلديث‪ ،‬اخلرب‪ ،‬األثر‪.‬‬ ‫‪ -5‬ارضب مثالني يبينان مدى اعتناء الصحابة ‪ ‬بالسنة النبوية‪.‬‬ ‫* * *‬ ‫‪18‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser