مطبوعة الزكاة والوقف PDF

Summary

This document provides an overview of waqf and zakat in Islamic economics. It details the definitions, objectives, and management of waqf, exploring its role in Islamic finance and societal well-being. The document also discusses relevant concepts and terminology.

Full Transcript

المحور الأول مدخل للتعريف بالوقف المحور الثاني أغراض الوقف وأسباب انحساره المحور الثالث أسس إدارة واستثمار الأموال الوقفية المحور الرابع الآليات الداعمة لاستثمار الأموال الوقفية **المحور الأول: مدخل للتعريف بالوقف** ###### الفرع الأول: تعريف الوقف في الاقتصاد الاسلامي: الوقف نظام اقتصادي إ...

المحور الأول مدخل للتعريف بالوقف المحور الثاني أغراض الوقف وأسباب انحساره المحور الثالث أسس إدارة واستثمار الأموال الوقفية المحور الرابع الآليات الداعمة لاستثمار الأموال الوقفية **المحور الأول: مدخل للتعريف بالوقف** ###### الفرع الأول: تعريف الوقف في الاقتصاد الاسلامي: الوقف نظام اقتصادي إسلامي أصيل لحبس الأصول الاقتصادية بحيث تكون غلتها مصدر تمويل دائم لمصلحة الأمة وابتغاء مرضاة الله. وباعتبار الوقف من أهم أسس الشريعة الاسلامية كعمل خيري، فإن أغلب فقهاء القانون الوضعي والاقتصاد الاسلامي ركزوا في تعريفاتهم للوقف على التعريفات الفقهية الشرعية المستمدة من فقه المذاهب الأربعة. فقد عرفه الإمام أبو زهرة محمد: \"الوقف هو منع التصرف في رقبة العين التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، وجعل المنفعة لجهة من جهات الخير ابتداءا وانتهاءا\". أما الاقتصادي \"منذر قحف\" فيعرف الوقف بقوله :\"الوقف هو حبس مؤبد ومؤقت، لمال للانتفاع المتكرر به أو بثمرته في وجه من وجوه البر العامة أو الخاصة\". ويتناسب هذا التعريف مع حقيقة الوقف القانونية وطبيعته الاقتصادية ودوره الاجتماعي وذلك من حيث أنه: - الوقف صدقة جارية ما بقيت أو بقي أصلها؛ - يعبر عن جميع أشكال الوقف وأنواعه، بما يعني أنه ينشئ رأس مال اقتصادي قادر على إنتاج المنافع المتكررة، أو هو القيمة الحالية لمجموعة المنافع المستقبلية الموقوفة؛ - يقع الوقف على المال وهذا المال قد يكون ثابتا أو منقولا، فقد يكون عينا كالآلات والسيارات، وقد يكون نقدا كمال المضاربة أو الاقتراض، كما يمكن أن يكون منفعة منقولة مثل :منفعة نقل المرضى؛ - يضمن حفظ المال الموقوف والإبقاء عليه حتى يمكن تكرار الانتفاع به أو بثمره، وبهذا يتضمن معنى استمرارية وجود المال؛ - يشمل الوقف المباشر الذي ينتج المنافع كما يشمل الاستثمار الذي يقصد بيع منتجاته وإنفاق إيرادها على أغراض الوقف؛ - يشمل وجوه البر العامة الاجتماعية والاقتصادية. **الفرع الثاني: *المصطلحات الغربية المشابهة للوقف*** ***عرفت تطبيقات الوقف عند مختلف الحضارات والشعوب، لذا يمكن التطرق إلى أبرز الألفاظ المستعملة عند الغرب والتي تلتقي مع مفهوم الوقف عند المسلمين، أو على الأقل تدخل في معناه.*** 1. ***باعتبار الوقف إعانة ومساعدة: فقد وردت عبارات كثيرة في المصطلح القانوني الغربي تقترب من مفهوم الوقف أو الحبس باعتباره صدقة من الصدقات، وإن لم تسمه بهذا الاسم. ومنها** مصطلح \"Endowment\" **كما نجد كذلك مصطلح \"Trust\": وينقسم الترست بحسب المستفيدين منه إلى:*** - *الترست الخاص الذي ينشأ لمصلحة شخص أو عدد من الأشخاص معينين للمالك الحقيقي مثل ورثته (وهو بذلك شبيه بالوقف الأهلي).* - *الترست الخيري: أو الترست العام ويكون الغرض منه تحقيق نفع عام للمجتمع أو لعدد كبير من أفراده مثل نشر التعليم أو محاربة الفقر، وهو بذلك شبيه بالوقف الخيري**.*** ***وقد ورد لفظ Trust بتعريف متشابه مع مفهوم الوقف في عدد كبير من القوانين والمراسيم التنفيذية الأمريكية،*** 2. ***الوقف كمؤسسة خيرية مستقلة: حيث وردت كثير من المفردات في القواميس الغربية تشير إلى أن الوقف هو مؤسسة مستقلة بذاتها، ولا تختلف كثيرًا عن المؤسسات التقليدية الأخرى. ومن أبرز هذه الألفاظ لفظ foundation.*** #### *الفرع الثالث:* أشكال الأموال والايرادات الوقفية {#الفرع-الثالث-أشكال-الأموال-والايرادات-الوقفية.a2} 1. **أشـكـال الأموال الوقفية:** يتخذ المال الموقوف الأشكال التالية**:** 1. **الأصول الثابتة:** كالأراضي، المباني، الحدائق، البساتين، المساجد، المصانع، المخازن والمتاجر وغيرها. 2. **أصول شبه ثابتة:** وهي ملحقة بأصل ثابت ولازمة له كالأبواب والنوافذ للعقار، الأشجار للحدائق والبساتين وهكذا، وما نحذر استعماله بدون أصله. 3. **عروض متداولة (أصول منقولة):** وهي العروض التي يمكن تداولها ونقلها، مثل الحيوانات والسيارات من مكان إلى آخر دون أن تتلف**.** 4. **عروض في صورة أثمان (نقود موقوفة):** تتمثل في الأموال الموقوفة مثل الذهب والفضة والبنكنـوت والصكوك وشهادات الاستثمار، وما في حكمها، والمحبوس عينها و عائدها على وجوه البر والخير**.** 5. **حقوق معنوية:** الأصول المعنوية التي تحقق إيرادا لصاحبها كحقوق التأليف، براءة الاختراع، وبالنظر إلى هذه الأشكال يكون الوقف شاملا لجميع أنواع الأشكال التي يتخذها المال المتقوم شرعا. 2. **الشكل المادي لإيرادات الوقف:** تختلف أشكال الإيرادات من الوقف تبعا لاختلاف شكل المال الموقوف، حيث أنه يتخذ أشكال بدءاً من الأصول الثابتة وانتهاء بالأصول أو الحقوق المعنوية وعليه فإن أشكال إيرادات الوقف يمكن تلخيصها كما يلي: 1. **إيرادات من أعيان ثابتة:** - المنافع المعنوية ذات القيمة مثال منفعة السكن ومنفعة التعليم، فهي منافع معنوية لها قيمة اقتصادية؛ - منافع مادية ملموسة مثل إيراد الأرض الموقوفة وثمرتها؛ - منافع معنوية ليس لها عوض مادي كوقف المساجد والمقابر وغيرها؛ - إيرادات الأعيان الموقوفة دون أصلها، وهي: - أجرة المسكن الوقفي دون عينه؛ - غلة الأرض المزروعة دون عينها؛ - ثمرة البستان دون عينها. 2. **إيرادات من أعيان شبه ثابتة:** - منافع ملحقة بالأصل الثابت المتصلة به، ويصعب تقديرها محاسبيا، إذ لا قيمة لها منفصلة عن أصلها؛ - منافع منفصلة عن الأصل الثابت الملحقة به وهذه يمكن قياسها محاسبيا مثل: - المنافع الاقتصادية للآلات والحيوانات الملحقة في المزارع الموقوفة؛ - المنافع الاقتصادية للأعيان الملحقة مثل: اللبن، الصوف، الوبر، اللّحم\... إلخ، وغيرها من منافع الحيوانات والآلات؛ - منافع نقدية مقابل تأجير تلك الأعيان الملحقة؛ - إيرادات عارضة (ثانوية)، مثل القيمة البيعية للأصول المستهلكة اللاحقة للأصل الثابت، والتي يتعذر استبدالها بأصل آخر مثلها. #### الفرع الرابع: أركان الوقف وأنواعه {#الفرع-الرابع-أركان-الوقف-وأنواعه.a2} #### أركان الوقف: {#أركان-الوقف.a2} إن العقود التي يبرمها الانسان والتي يترتب عليها أحكام شرعية، إما أن تكون ذات طرفين كالبيع والشراء والإجارة، وهذه العقود تتوقف على تبادل الإرادة بين المتعاقدين بالإيجاب والقبول، وإما تكون وحيدة الطرف حيث تتعلق بإرادة الأول ولا يشترط قبول الثاني، والوقف يعتبر واحدا من هذه العقود الوحيدة الطرف، وبهذا حددت أركان الوقف عند جمهور الفقهاء، بأربعة: الواقف، الموقوف، الموقوف عليه، والصيغة. #### أنواع الوقف: {#أنواع-الوقف.a2} يمكن التطرق إلى أنواع الوقف وذلك بالنظر لاعتبارات مختلفة: **أولا: أنواع الوقف باعتبار الواقف** يمكن التمييز بين نوعين من الأوقاف، هما: 1. **وقف الشخص الطبيعي**: إما فردا، وهو المألوف أو جماعة من الأشخاص الطبيعيين، وذلك بالتعاون على المساهمة في إقامة مشروع وقفي كل حسب قدرته ورغبته، ويسمى هذا الأخير بالوقف الجماعي؛ 2. **وقف الشخصية المعنوية (الاعتبارية):** كأن تقوم مؤسسة أو شركة أو جمعية ونحوها بإنشاء وقف ما، وهناك من جوز ذلك إذا كان نظامها الأساسي يسمح به، أو جرى تفويض إدارتها من قبل المساهمين، لأنه من فعل الخير والتعاون على البر والتقوى، ومن المسائل المبحوثة في هذا الإطار مسألة وقف الدولة باعتبارها شخصا معنويا، إذ يمكن لها أن تساهم في مشاريع وقفية لا سيما إذا فاضت ميزانيتها عن الحاجات[^1^](#fn1){#fnref1.footnote-ref}. **ثانيا: أنواع الوقف باعتبار الموقوف عليهم** إن الوقف في الشريعة الاسلامية قسمان، وقف أهلي أو على الذرية ووقف خيري، وهناك من يضيف نوعا ثالثا وهو الوقف المشترك، ويقصد به الخيري والأهلي في نفس الوقف: 1. **الوقف الخيري:** يعرف بأنه الوقف الذي يكون ابتداء وانتهاء على جهة من جهات البر والاحسان، أي أن منافع الوقف الخيري تكون دائما على جهات ذات نفع عام، مثل الفقراء والمساكين وطلبة العلم، المساجد، المدارس، الجامعات، المستشفيات، وغيرها. 2. **الوقف الذري (الأهلي):** يقصد به بأنه الوقف الذي يكون ابتداء على الواقف ذاته، ثم على ذريته أو نسله أو عقبه من بعده، على أن يؤول عند انقطاع الذرية او العقب أو النسل إلى جهة من جهات البر والاحسان. 3. **الوقف المشترك**: بأن يكون مثلا جزء من عوائد الوقف للذرية والجزء الآخر لجهة عامة. **ثالثا: أنواع الوقف من حيث البعد الزمني له** 1. **الوقف المؤبد:** ويقصد منه وضع أصل ثابت ذي عطاء دوري مستمر لمصلحة غرض الوقف، وحتى يكون الوقف مؤبدا لابد أن يكون الأصل الموقوف مما يحتمل التأبيد، إما بسبب طبيعته المادية المطلقة --ولا ينطبق ذلك إلا على الأرض- وإما بسبب الطبيعة القانونية الاقتصادية التي يصطنعها التنظيم القانوني السائد، وذلك كالأسهم في شركات المساهمة الدائمة، وإما بسبب أسلوب المعالجة المحاسبية، ومثلها: المباني والآلات التي تكون لها مخصصات للاستهلاك لترميمها عندما تبلى، ومن شروط التأبيد في الوقف إرادة الواقف ذلك، واستمرار وجود الغرض والهدف من الوقف. 2. **الوقف المؤقت:** وهو الوقف الذي يحدد بزمن معين، مثال ذلك: أن يوقف شخص وديعة استثمارية في مصرف اسلامي لتستعمل مع عوائدها في الانفاق على طفل يتيم في الثانية من عمره حتى يبلغ العشرين عاما أو ينهي دراسته الجامعية، أو أن يوقف شخص شقة من عمارته السكنية لتكون مسجدا أو مصلى حتى ينتهي من بناء مسجد قريب في الحي؛ إن أهمية التوقيت في الوقف لا تقل عن أهمية التأبيد، فالتوقيت يفتح أبوابا للخير وللصدقة الجارية لا يستوعبها مبدأ التأبيد، لذلك سيحتاج أي مجتمع معاصر إلى وجود أصول مؤبدة تخدم أغراضا اجتماعية واقتصادية متعددة، إلى جانب الأوقاف المؤقتة التي تقدم أشكالا عديدة من المرونة والتيسير بحيث تستجيب لكل رغبة في عمل خيري يبر بالأمة ومستقبلها. **رابعا: أنواع الوقف من حيث المضمون الاقتصادي** وهنا نجد أن الأوقاف الخيريّة صنفت كما يلي: 1. **الأوقاف المباشرة:** وهي التي تقدم خدمات مباشرة للموقوف عليهم، مثال ذلك: وقف المسجد الذي يوفر مكانا للصلاة للمصلين، ووقف المدرسة الذي يوفر مكانا للدراسة للتلاميذ، وكذلك المستشفى الوقفية لعلاج المرضى وراحتهم. وهي الخدمات المباشرة التي تمثل الانتاج الفعلي أو المنافع الفعلية لأعيان الأموال الوقفية نفسها، وتمثل الأموال الوقفية لهذه المنافع الأصول الثابتة الإنتاجية المتراكمة من جيل إلى جيل. فهي بهذا المعنى تعد رأسمال إنتاجي يهدف إلى تقديم سيل أو فيض من المنافع للأجيال المقبلة، كان قد اقتطعه جيل سابق من دخله من أجل البناء الانمائي للمستقبل، وهو يهدف لإنتاج منافع مباشرة للموقوف عليهم، وهذا النوع من الأوقاف يحتاج في الغالب إلى نفقات صيانة وترميم للمحافظة عليه لابد أن يأتي تمويلها من مصدر خارج عين الوقف نفسه لأنه لا ينتج إيرادا يمكن أن يستخدم لهذا الهدف. 2. **الأموال الوقفية على استثمارات** صناعية أو زراعية أو تجارية أو خدمية لا تقصد بالوقف على ذواتها ولكنها يقصد منها إنتاج عائد ايرادي صاف يتم صرفه على أهداف الوقف، فالأملاك الاستثمارية في هذه الحالة يمكن أن تنتج أية سلع أو خدمة مباحة تباع لطالبيها في السوق وتستعمل ايراداتها الصافية في الإنفاق على هدف الوقف. وفي هذا النوع من الوقف ينفق جزء من ايراداته على ما يحتاجه للإبقاء على الأصل سليما وقادرا على الانتاج وينفق الجزء الآخر على الأغراض التي حددها الواقف. **خامسا: أنواع الوقف من حيث شكل الولاية عليها** 1. **الأوقاف المضبوطة:** وهي الأوقاف التي أوقفت من قبل السلاطين على أن تكون بعهدة إدارة الدولة أو الأوقاف التي ضبطت أملاكها من قبل نظارة (وزارة) الأوقاف لانقراض المشروطة لهم الولاية عليها، أو التي اتّضح من مصلحة الوقف الخيري ضبطها. 2. **الأوقاف الملحقة:** وهي الأوقاف التي تدار بواسطة المتولّي الذي شرط له الواقف إدارتها، إما بإشراف نظارة الأوقاف ومحاسبتها، أو تدار مباشرة بواسطة نظارة الأوقاف ريثما يتم تعيين متولّ لها. 3. **الأوقاف المسّتثناة:** وهي الأوقاف التي استثنت من الضبط والإلحاق وفق شروط الواقف الذي أناط الولاية بأشخاص معينين، ولا تتدخّل نظارة (وزارة) الأوقاف في هذا النوع من الأوقاف. ومما ينبغي لفت النظر إليه أنّ النّوع الثالث من الأوقاف يشهد انتشاراً في أرض الواقع، خاصة في لبنان. وذلك بسبب الفساد الإداري المنتشر الأمر الذي دفع أهل الخير الراغبين بوقف ممتلكاتهم إلى الاتصال بالقيمين على تلك الأوقاف، ووقف ما يرغبون بوقفه، وهو ما يعرف بأرض الواقع بـ \"الوقف الخيري المستقل\". وهذا النوع من الوقف هو الذي كان سائدا في التاريخ الإسلامي. ### المحور الثاني: أغراض الوقف وأسباب انحساره {#المحور-الثاني-أغراض-الوقف-وأسباب-انحساره.a1} يعتبر الوقف عملية تنموية فهو يتضمن بناء الثروة الإنتاجية من خلال عملية استثمار حاضرة، تنظر بعين البر والإحسان للأجيال القادمة، وتقوم على التضحية الآنية بفرصة استهلاكية مقابل تعظيم الثروة الإنتاجية الاجتماعية. #### الفرع الأول: أغراض الوقف {#الفرع-الأول-أغراض-الوقف.a2} الوقف نوع من البر يقصد به التقرب إلى الله عز وجل والاحسان إلى المحتاجين والتعاون على البر والتقوى، وإذا كان الناس مسلطين على أموالهم فلا جناح في إنفاق تلك الأموال فيما يحقق أغراضا دينية أو اجتماعية أو اقتصادية من أغراض النفع العام، ويمكن أن نعرض أبرز أغراض الوقف فيما يلي: أ**ولا: نشر الدعوة الاسلامية** ومن أهم مظاهر هذا الغرض وقف المساجد التي كانت عبر التاريخ منارات لنشر الدعوة وتعليم الناس وتربيتهم وتهذيبهم، وما ألحق بها من أوقاف للإنفاق عليها وعلى القائمين على شؤونها، كالدكاكين والبساتين والمساكن وغير ذلك. ولا يزال لهذا الغرض أهميته، فإضافة إلى المساجد هناك العديد من المراكز الدعوية التي تقوم على الأوقاف. **ثانيا: الرعاية الاجتماعية** وذلك من خلال صلة الرحم بالإنفاق على القرابة من الأبناء وبنيهم من خلال الوقف الأهلي أو الذري، وكذلك رعاية الأيتام وأبناء السبيل وذوي العاهات من خلال الأوقاف الخيرية التي يخصصها الواقفون لمثل هذه الأغراض. **ثالثا: الرعاية الصحية** يعد هذا الغرض من أوسع المجالات التي وقف المحبسون أملاكهم عليها، وشملت أنواعا كثيرة مثل بناء المستشفيات والمصحات والبحث العلمي المرتبط بالمجالات الطبية كالكيمياء والصيدلة. **رابعا: التعليم** يعد التعليم أشهر من أن نخصص له بعض الأسطر لبيانه، فيكفي المدارس الوقفية المنتشرة في سائر أنحاء العالم الإسلامي ، ناهيك عن المكتبات والمعاهد التي لا يمكن عدها أو حصرها. **خامسا: أغراض الأمن والدفاع** ربما كان مستند هذا الغرض ما فعله خالد بن الوليد حينما وقف أدراعه وأعتاده في سبيل الله. **سادسا: الوقف على البنية التحتية** كالوقف على إنشاء الطرق والجسور، وآبار الشرب، ومثل ذلك بئر رومة في المدينة المنورة التي أوقفها عثمان رضي الله عنه. #### الفرع الثاني: أسباب انحسار دور الأوقاف {#الفرع-الثاني-أسباب-انحسار-دور-الأوقاف.a2} **أولا: الاستعمار** يمكن اعتبار الاستعمار الذي ابتليت به غالبية الدول الإسلامية سببا رئيسي لاندثار الكثير من الأوقاف، فقد كان المحتل يحرص أول ما يحرص على القضاء على الأوقاف، ويسعى جاهدا بشتى الوسائل لتحجيم دور الأوقاف، ومن هذه الإجراءات ما كان مباشرا صريحا ومنها ما كان من خلال سن بعض القوانين والنظم. **ثانيا: إلغاء الوقف بشكل عام، والوقف الأهلي بشكل خاص** حيث أدى ذلك إلى ضياع أعداد كبيرة جدا من الأوقاف واندثارها، وأيا ما كانت الحجج والأسباب التي بموجبها كان إلغاء الوقف الذري فلا يمكن إنكار الأثر الذي تركته تلك الحملة، خاصة على توجه الناس إلى الإيقاف بشكل عام من جانب، واندثار أوقاف أخرى كانت قائمة من جانب آخر. **ثالثا: ضياع الحجج الوقفية** حيث أن وزارات الأوقاف في مختلف دول العالم الإسلامي لا تزال أكثر القطاعات الحكومية تخلفا وحرمانا من برامج الإصلاح والتحديث الإداري. لذا لا عجب أن يحرص من يريد إحداث فوضى في التعرف على الأوقاف أن يخفي الحجج الوقفية أو يدمرها أو يحرقها، والوضع الطبيعي بعد ذلك التدمير للوثائق هو أن تبدأ مرحلة الاندثار لبعض الأوقاف، حيث تصبح مجهولة أو يجهل أنها وقف، ثم تمتد أيادي المعتدين سواء كانت تلك الأيدي حكومية أو أهلية، لتنتهي في خاتمة الأمر إلى الاختفاء واعتبارها ضمن الأوقاف المندثرة قسريا. **رابعا: فساد النظار أو هلاكهم** فلا تكاد تحد وثيقة وقفية تخلو من قول الله عز وجل: «**فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعْدَمَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ**» (سورة البقرة، الآية181)، إلا أن بعض الأوقاف لم تسلم من ظلم بعض النظار وخيانة بعضهم لأمانة النظارة وما تقتضيه من مسؤولية. **خامسا: التأجير طويل الأجل** ويسمى أيضا يسمى (التحكير) أو (الحكر) حيث أن تطاول الزمن على استئجار وقف من الأوقاف قد ينسى معه الناس ومن يتوارث هذا الوقف المؤجر مدة طويلة بأنه وقف مما يؤدي إلى ضياعه ومن ثم اندثاره بالكامل، كما أدت هذه الطريقة إلى الحد من نمو ريع العقارات الموقوفة**.** **سادسا: نقص موارد الوقف المالية أو انعدامها** إن عدم وجود موارد مالية تضمن استمرار الوقف في تأديته لوظيفته التي قام من أجلها، أو تناقص غلة الأوقاف الموقفة عليها، قد تكون سببا في اهمالها واندثارها، وهذا أدى إلى ظهور نوعين من المنشآت الوقفية وهما، المنشآت الخيرية التي تقدم الخدمة المطلوبة، والمنشآت المساعدة التي تُدر الدخل للمنشآت الخيرية. **سابعا: انتفاء الحاجة إلى عين الوقف أو غلته** كما في بعض الموقوفات القديمة، حيث كانت تلك الموقوفات تتناسب والمرحلة التي تم الإيقاف فيها، ولئن كانت نافعة في وقتها، إلا أن الزمن تجاوزها، أو أن الاحتياج لها قد قل أو كاد ينتفي، ومن ذلك إيقاف دلو للمسجد، أو سراج، أو زيت لإنارته\...الخ. ومن الأوقاف التي تجاوزها الزمن واندثرت بانتفاء الحاجة لها ما كان من أوقاف مخصصة لفكاك الأسرى، وذلك حينما كان الجهاد ماضيا والفتوحات الإسلامية متوالية. **ثامنا: تعرض الوقف للحوادث الطبيعة** ومنها الكتب التي قد تتهالك وتندثر لعدم قدرة طبيعتها على مقاومة تغيرات الزمن وبخاصة البيئة المناخية كما حدث لمكتبة الحرم المكي في عام (1279ه/1862م) ، حينما اجتاحت السيول المكتبة، وأتلفت العديد من الكتب الموقوفة واندثرت تبعا لذلك. **تاسعا: التوسع العمراني والنزوح الريفي** فمن المعلوم فمع كثرة الناس وزحف البناء وتوسع المدن تضاعف ثمن الأراضي الوقفية باعتبارها صالحة لإقامة المساكن وإنشاء الأحياء السكنية والاستغلال بأنواع الاستثمار العقاري. إن كل هذه الظروف أدت إلى المصادرة العامة لهذه الأوقاف ببدل نقدي أو تعويض عيني قد يتأخر فيفقد قيمته، أو في أكثر الأحيان بدون تعويض، ذلك أن الأوقاف مؤسسة قديمة ويندر وجود مدينة إسلامية دون أوقاف قديمة، بل هناك من المدن ما كانت نشأتها من المؤسسات الوقفية ابتداء، كما في بعض مدن البلقان. **عاشرا: عدم وجود صلة مكانية أو إدارية أو إشرافية** إن عدم وجود صلة مكانية أو إدارية أو إشرافية بين الوقف من جهة، وبين أوجه صرف ريعه من جهة أخرى، وهذا متمثل تماما في الأوقاف الخاصة بالحرمين الشريفين في خارج الأراضي السعودية، وهذا لصعوبة إدارة هذه الأوقاف لبعد المسافات. كما أن عدم وجود من يطالب بغلتها ومراقبة استثماراتها جعل ذمة الناظر وحرص الدولة في تلك المناطق البعيدة هي الأساس لصلاحها وبقائها. ### المحور الثالث: أسس إدارة واستثمار الأموال الوقفية {#المحور-الثالث-أسس-إدارة-واستثمار-الأموال-الوقفية.a0} ### االفرع الأول: أسس إدارة الأموال الوقفية {#االفرع-الأول-أسس-إدارة-الأموال-الوقفية.a1} يمكن تعريف \"إدارة الأوقاف\" بأنها: \"تنظيم وإدارة القوى البشريّة المشرفة على الوقف لتحقيق مصلحة الوقف بالشكل الأمثل، وكذا مصلحة المنتفعين به أو بثمرته في جهات البرّ العامّة أو الخاصّة، على مقتضى شروط الواقف، وفي ظلّ أحكام الشّرع\". ونعني بها: \"الأجهزة الإدارية المشرفة التي تتولى تصريف شؤون الوقف والمحافظة عليه وتعزيز قدرته على خدمة أهدافه، سواء أكان كالناظر أو وصيه أم مجلسا كمجلس الإدارة أو الجمعية العمومية\". إن التكييف الفقهي لإدارة شؤون الوقف تدخل في مسألة الولاية على الوقف التي تحدث عنها الفقهاء وأفردوا لها عناوين مستقلة. وعلى ذلك فالولاية على الوقف هي: \"سلطة شرعية، تجعل لمن ثبتت له القدرة على وضع يده عليه، وإدارة شؤونه، من استغلال، وعمارة وصرف الريع إلى المستحقين، والشخص الذي يثبت له هذا الحق يسمى ناظر الوقف ومتولي الوقف وقيم الوقف ومدير الوقف\". وتنقسم النظارة باعتبار تفويض الناظر في القيام بجميع أعمال النظارة أو بعضها إلى: مطلقة ومقيدة، ففي الأولى: يقوم الناظر بجميع أعمال النظارة، وفي الثانية: يقوم بالأعمال التي حددها له الواقف دون غيرها، كما لو وقف شخص أرضا زراعية وجعل النظارة فيها لشخصين: أحدهما: يتولى إصلاح الأرض، وزرعها، وسقيها ثم حصادها، ويتولى الآخر بيع المحصود، وتحصيل ثمنه، وإعطاء المستحقين حقوقهم. الأصل في تحديد النظام الإداري للأوقاف ينطلق من إرادة الوقف، فهو الذي يحدّد نوع النظام، ومن خلال النظر إلى إدارة الوقف تاريخياً فقد كان هناك تنوع في شكل الإدارة، فلقد كان الواقف نفسه يدير وقفه أو يعهد بذلك إلى شخص بعينه، إلا أنّ هناك أسباباً عدة أدّت غالباً إلى تحول إدارة الأوقاف من خلال تدخل الدولة في الإشراف على الممتلكات الوقفية. وعلى كل حال فإن الامر في أيامنا آلَ إلى وجود جهة تشرف على إدارة الأوقاف، تعرف بوزارة الأوقاف، وتعمل تحت إشراف الدولة، ويكون لها مركز رئيس في العاصمة، ومراكز فرعية في المحافظات أو الأقاليم. #### الفرع الثاني: مفهوم استثمار الأموال الوقفية ومحدداته {#الفرع-الثاني-مفهوم-استثمار-الأموال-الوقفية-ومحدداته.a2} وبصيغة أخرى فإن للوقف بعداً اقتصاديا، يتمثل في تحويل الأموال عن الاستهلاك، واستثمارها في أصول رأسمالية إنتاجية، تنتج المنافع والإيرادات التي تستهلك في المستقبل، جماعيا أو فرديا. فإنشاء وقف إسلامي هو أشبه ما يكون بإنشاء مؤسسة اقتصادية ذات وجود دائم إذا كان الوقف مؤبداً أو مؤقتاً. فهو عملية تتضمن الاستثمار للمستقبل، والبناء للثروة الإنتاجية من أجل الأجيال القادمة، لتوزع على أغراض الوقف خيراتها القادمة بشكل منافع وخدمات أو إيرادات وعوائد. ومنه فالمقصود من استثمار أموال الوقف \"**هو توظيف واستغلال وتنمية الأموال الموقوفة بما يضمن بقاءها صالحة لإدرار العائد، وكذلك توظيف واستغلال وتنمية ما قد يكون هناك من فائض في الإيراد المحصل منها**\". كما قد أكد مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بأن: \"**المقصود باستثمار أموال الوقف تنمية الأموال الوقفية سواء أكانت أصولاً أم ريعاً بوسائل استثمارية مباحة شرعاً، كما يتعيّن المحافظة على الموقوف بما يحقق بقاء عينه ودوام نفعه، وأنه يجب استثمار الأصول الوقفية سواء أكانت عقارات أم منقولات ما لم تكن موقوفة للانتفاع المباشر بأعيانها\".** **أنا فيما يخص المحددات الاقتصادية لاستثمار الأموال الوقفية، فيجب الأخذ بعين الاعتبار ما يلي:** 1. **الربحية الخاصة:** إن تعظيم الربحية الخاصة يتحقق من خلال زيادة الإيرادات أو تقليل النفقات، وهو من الأهداف الأساسية التي تسعى إدارة أي مشروع إلى تحقيقه إرضاءً لأصحاب المشروع من جانب، ومقابلة المخاطر من جانب آخر. إن الاستناد على معيار الربحية الخاصة أمر أساسي في الاستثمار عموماً، وفي استثمار الأموال الوقفية خصوصاً؛ نظراً لأن استثمار الأموال الوقفية يهدف إلى حفظ وحماية أصل الأموال الوقفية من التآكل نتيجة المصاريف المتنوعة من جانب، ويهدف إلى زيادة أصل الأموال الوقفية من جانب آخر، وفي ذلك ضمان استمرارية تحقيق النفع للموقوف عليهم. بحيث: \"تبحث في دائرة مشروعات الحلال عن تلك المشروعات التي تولد لها أكبر عائد مالي\". وينبغي قبل بدء تنفيذ أية طريقة القيام بإجراء دراسة جدوى اقتصادية بحساب الإيرادات والتكاليف المتوقعة، وما يتوقع الحصول عليه من الأرباح. 2. **متطلبات السيولة:** يقصد بالسيولة سهولة تحويل الأصل إلى نقد، وبأقصى سرعة وبدون خسائر تذكر. وعلى مستوى استثمار الأموال الوقفية، فمراعاة السيولة مطلب أساسي، وذلك لأمرين أساسيين: - التناسب العكسي بين السيولة والربحية، فالمشروعات ذات الربحية العالية تتصف بأنها أقل سيولة من المشروعات ذات الربحية المتدنية. وبشكل عام فإن الاستناد إلى معيار الربحية ومراعاة السيولة أمران في غاية الأهمية بالنسبة لأي مشروع استثماري يتعلق بالأموال الوقفية؛ فالربحية ضرورية للنمو والاستمرار، والسيولة ضرورية لتفادي خطر الإفلاس والتصفية. - أن السيولة معتبرة في الاستثمارات الوقفية لتحديد المشروعات ذات آجال طويلة (ذات السيولة الأقل)، وإذا كانت الحاجة للسيولة مستمرة فالأفضل الاستثمار في المشروعات ذات الآجال القصيرة. 3. **مستوى المخاطر:** تعرف المخاطر على أنها الخسائر المادية المحتملة نتيجة لوقوع حادث معين، أو هي التباين بين العوائد الفعلية والعوائد المتوقعة. ومخاطر الاستثمار عموماً تقسم إلى قسمين: نظامية، ومصدرها ظروف السوق عامة، ولا يمكن الحد منها بزيادة عدد الاستثمارات (التنويع). أما القسم الثاني، فهي المخاطر غير النظامية أو الخاصة، وهي التي يمكن الحد منها من خلال زيادة عدد الاستثمارات (التنويع). وقياس المخاطر له طرقه الإحصائية والكمية، أما تقليل المخاطر يتم من خلال تنويع أوجه الاستثمار بما يناسب كل مال موقوف، والتنويع في محفظة الاستثمار لكل مال، ولذلك يفترض عدم تعريض الأموال الوقفية لدرجة عالية من المخاطر والحصول على الضمانات اللازمة المشروعة للتقليل من تلك المخاطر. ونظرا لكون إدارة الوقف منفصلة عن ملكية مال الوقف وعن الموقوف عليهم فإنه يوجد ما يعرف بالمخاطر الأخلاقية وعدم الاتساق بين أهداف كل جهة من الجهات المتصلة بالوقف، ولذلك لابد من وجود ضوابط مؤسسية حاكمة ورقابة من جهة محايدة وتوفر الشفافية وهو ما يتحقق في ما قرره قدامى الفقهاء في واجبات الناظر ومسؤولياته، والرقابة القضائية على الوقف، وحدود سلطات الموقوف عليهم وغير ذلك من الضوابط. ### المحور الرابع: الآليات الداعمة لاستثمار الأموال الوقفية {#المحور-الرابع-الآليات-الداعمة-لاستثمار-الأموال-الوقفية.a0} يتميز استثمار الأموال الوقفية عن غيره من مجالات الاستثمار بحساسيته للظروف والآليات الداعمة التي يحتاج إليها ليقوم بدوره الفعال في التنمية الاقتصادية والمجتمعية، #### الفرع الأول: الآليات القانونية الداعمة للاستثمار الوقفي {#الفرع-الأول-الآليات-القانونية-الداعمة-للاستثمار-الوقفي.a2} استخدمت القوانين الصادرة لتنظيم الوقف في تحجيمه، والحد من قدراته وأدواره المجتمعية. وبناء على ذلك، فإن أية جهود ساعية لإحياء الوقف تستلزم بالضرورة إعادة صياغة القوانين المنظمة له. بالإضافة إلى تعديل عدة قوانين أخرى ذات صلة بتأسيس الأوقاف وإدارتها واستثمارها، مثل قوانين الضرائب، وقانون الجمعيات الأهلية، وقوانين التعليم والصحة. حيث تطرح قراءة القوانين المنظمة للوقف والعمل الخيري في العالم العربي والإسلامي عدة إشكاليات، أبرزها: 1. استعادة ممتلكات الأوقاف التي استولت عليها الدولة أو الأفراد خلال الفترات السابقة، ويتصل بذلك إزالة أثار الفساد الإداري من خلال إعادة النظر في العقود والاستثمارات الوقفية. 2. عمليات تأسيس الأوقاف الجديدة والنظارة والرقابة عليها، والتسهيلات المقدمة إليها. 3. النزاعات حول حيازة الممتلكات الوقفية أو إدارتها أو علاقتها بالمستثمرين فيها. يضاف إلى ذلك، أن جل القوانين الوطنية يلزمها مراعاة إدماج الجهود الوقفية كمصدر أساسي لتمويل العديد من الخدمات الاجتماعية كالتعليم مثلا. وأن تتشكل حولها شبكة متكاملة من العمليات الاستثمارية والآليات الرقابية. #### الفرع الثاني: الآليات التنظيمية الداعمة للاستثمار الوقفي {#الفرع-الثاني-الآليات-التنظيمية-الداعمة-للاستثمار-الوقفي.a2} وتتعلق الآليات التنظيمية أساسا بضرورة بناء هيكل تنظيمي محكم للكيان الوقفي يساهم في تحقيق رؤية وأهداف المؤسسة الوقفية، فمن خلال الهيكل التنظيمي تتحدد خطوط السلطة وانسيابها بين الوظائف، وكذلك الوحدات الإدارية المختلفة، كما أن للهيكل التنظيمي في المؤسسة الوقفية أدوار نذكر منها: 1. يساعد على توزيع الأعمال والمسؤوليات والسلطات بين العاملين في المؤسسة؛ 2. يحدد العلاقات التنظيمية ونطاق الإشراف؛ 3. يساهم في تفويض السلطات وتصميم الإجراءات الإدارية؛ 4. تصميم الأنظمة التي تحقق الاتصال الداخلي الفعال وصنع القرار؛ 5. القدرة على الاستخدام الأفضل للموارد المتاحة؛ 6. يمكن المؤسسة الوقفية من الاستجابة للتغيرات داخليا وخارجيا، والعمل على التكيف مع هذه المتغيرات. تطرح هنا قضايا الاحتراف والمؤسسية والربحية. مما يدعو إلى إدارة محترفة للوقف للحفاظ على ممتلكاته وتنميتها والابتعاد عن التصور التقليدي للناظر المرتبط بالإهمال وعدم الأمانة، ولعله من الجدير ذكر أن من ضمن أبعاد الاحتراف المعرفة بالشريعة، كاحتراف مؤسسي. فبتحول النظارة إلى مؤسسة وبتحول المتولي إلى إدارة تبرز الحاجة إلى التمييز بين إدارة الأصول وإدارة الانتفاع، فإدارة الأصل المدر للعائد يختلف عن إدارة عملية الانتفاع من العائد في مسجد أو مدرسة أو مستشفى. **الفرع الثالث: الآليات المحاسبية الداعمة للاستثمار الوقفي** تخضع المؤسسات الوقفية بصفة عامة لأسس محاسبة المنظمات غير الهادفة للربح التي تلتزم بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وبالنسبة لأنشطتها الاستثمارية فإنه يمكن تطبيق أسس المحاسبة على الاستثمار الإسلامي وكذلك أسس المحاسبة التقليدية ما دامت لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. وتعتبر هذه الأسس بمثابة الإطار الفكري الذي يحكم المعالجات المحاسبية لمعاملات استثمار أموال الوقف من اقتناء واستبدال وإبدال، وصيانة وترميم، وتوزيع للعوائد، وتكوين للمخصصات، ونحو ذلك من القضايا المحاسبية التي تظهر في التطبيق العملي. وإذا كانت المحاسبة مطلوبة في أي مشروع أو منشأة أو وحدة، فإنها تكون مطلوبة أكثر وبشكل خاص في معالجة القضايا المحاسبية للوقف. #### الفرع الرابع: آليات الحوكمة الداعمة للاستثمار الوقفي {#الفرع-الرابع-آليات-الحوكمة-الداعمة-للاستثمار-الوقفي.a2} الحوكمة هي الترجمة المختصرة التي راجت لمصطلحCorporate Governance ، أما الترجمة العلمية لهذا المصطلح، والتي اتفق عليها، فهي: \"أسلوب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة\". وعلى ذلك، تهدف قواعد وضوابط الحوكمة إلى تحقيق الشفافية والعدالة، ومنح حق مساءلة إدارة الشركة، وبالتالي تحقيق الحماية للمساهمين وحملة الوثائق جميعا، أي أنه يمكن النظر إلى مؤسسات الأوقاف على أنها مؤسسات اقتصادية ذات شخصية معنوية مستقلة تهدف إلى إدارة أموال الوقف نيابة عن الواقفين، ومن استقراء تاريخ الوقف والكتابات المعاصرة في هذا المجال، قد يستشف منها ظهور كثير من مشكلات الوكالة للملكية في بعض المؤسسات الوقفية. وفي ضوء ذلك ما سبق تظهر أهمية تفعيل الحوكمة في المؤسسات الوقفية لضمان تحقيق الوقف لأهدافه الرئيسية في المحافظة على أموال الوقف باستغلالها وتنميتها وفقا للضوابط الشرعية ومعايير تخطيط ورقابة الاستثمار في الفكر الإسلامي، وفي ضوء القوانين واللوائح والسياسات التي وضعتها المؤسسة الوقفية، بهدف بيان التجاوزات أو الانحرافات وتحليل مسبباتها وتقديم التوصيات للعلاج. فضلاً عن تقديم معلومات إلى كافة الأفراد والمنظمات والأطراف المعنية بالوقف الخيري لطمأنتهم على حسن إدارة ممتلكات الأوقاف بغرض تحفيزهم على الانضمام للمنظومة الوقفية. #### الفرع الخامس : الآليات الاعلامية والتسويقية الداعمة للاستثمار الوقفي {#الفرع-الخامس-الآليات-الاعلامية-والتسويقية-الداعمة-للاستثمار-الوقفي.a2} يمكن تعريف الاعلام الوقفي الإسلامي على أنه: \"تزويد الجماهير، مسلمين أو غير مسلمين، بحقائق الوقف الدينية وأهميته الإنسانية من خلال وسائل اتصالية متخصصة ومتطورة، وبواسطة القائم بعملية الاتصال الذي يمتاز بخلفية واسعة عن ثقافة الوقف المتعددة، والغاية التي ينشدها هي تكوين رأي عام يدرك أهمية الوقف، ويعمل لصالح فعاليته الخاصة والعامة\". تبرز أهمية وسائل الإعلام بالنسبة للعمل الخيري والوقفي خصوصا من خلال عدة أوجه: 1. بناء جسور الثقة بين مؤسسات الوقف والأفراد من خلال بيان فقه الوقف المعاصر، والقدرة على مخاطبة كافة فئات المجتمع؛ 2. إبراز صورة الوقف الاجتماعية والاقتصادية وأهميته في المجتمع، مع ضرورة التنسيق مع مراكز البحوث والدراسات في تطوير الأداء الوقفي لهذه المجتمعات؛ 3. ضرورة إيجاد رغبة شعبية ورسمية لإيجاد غطاء تشريعي وقانوني يسهم في جعل الوقف أحد المعالم الأساسية للمجتمعات الإسلامية المعاصرة؛ 4. أن يكون هناك دعم إعلامي لخطط المؤسسات الوقفية من خلال التقنيات الحديثة وطرق الاستثمار الحديثة؛ 5. تقديم الفرص الإعلامية الممكنة لدعم تنوع موارد الوقف من خلال العروض التجارية ورعاية البرامج الإعلامية؛ 6. تقديم الخدمات الإعلامية لتشجيع القادرين على الوقف من خلال حثهم على إيقاف جزء من أموالهم في سبيل العمل الحسن. #### الفرع الخامس: آليات الجودة الوقفية الداعمة للاستثمار الوقفي {#الفرع-الخامس-آليات-الجودة-الوقفية-الداعمة-للاستثمار-الوقفي.a2} إن اختيار \"إدارة الجودة الشاملة\" كإطار عمل للمؤسسات الوقفية يدفع القائمين عليها إلى تحريك براعة وقدرات جميع الموظفين والعاملين، ويحفز على إرضاء الموقفين والموقوف عليهم، مع العمل على زيادة القبول الاجتماعي الذي هو محل الاستهداف الوقفي الدائم. فباختصار فإن مصطلح الجودة لا تخرج عن معنى: \"عمل الأشياء بصورة صحيحة\"، أو \"أداء العمل الصحيح بشكل صحيح من المرة الأولى، مع الاستفادة من التقييم\". فهي أسلوب تعاوني لأداء عمل ما يعتمد على مواهب وقدرات كل من الإدارة والعاملين كفريق عمل واحد، لغرض التحسين المستمر في الجودة والإنتاجية، باعتبار أن هناك تلازم واضح ما بين النوعية والإنتاج. لذلك من المطلوب أن يتم تقديم صيغ وقفية جديدة متوافقة مع الشريعة تمكن المجتمع من المساهمة في الوقف عن طريق توسيع قاعدة الواقفين، وتمكين الأوقاف من خدمة كل مناحي الحياة، وحماية الأوقاف واحترام شروط الواقفين، منها: 1. **وقف النقود:** حيث يعطي بعدا جديدا للأوقاف من جهة مرونته الشديدة كأصل، فيمكن لإدارة الوقف أن تستثمر الأموال في العديد من القطاعات الاقتصادية الهامة، وتكون بهذا تحقق العديد من الأهداف الاجتماعية إضافة إلى تحقيقها لعوائد على الأصل تنفقها على المنتفعين. 2. **صكوك وأسهم الوقف**: فباستخدام الصيغة السابقة، يمكن تقسيم الأصل المطلوب لتوليد العائد على عدد محدد من الأسهم أو الصكوك وطرحها في السوق المفتوحة للواقفين من كل الخلفيات والقدرات المالية. 3. **أوقاف دائمة ومؤقتة:** فيمكن أن يقود الانفتاح على أشكال مؤقتة من الأوقاف لتوسيع قاعدة الواقفين وتنويع أشكال الموقوفات وتعديد منتفعيها وذلك بإتاحة التبرع بثمرة أو عائد الأصل لبعض الوقت. حتى وإن لم يتم اعتبار هذا وقفا بالمعني التقليدي، إلا أن له من المنافع الكثير، فيمكن وقف نتاج الحدائق، أو الكتب، أو الأسهم والسندات، أو أنصبة الملكية. وهذا قد يساعد في حل الكثير من المشكلات المتعلقة بالتعليم أو الصحة - علي سبيل المثال -. المحور الأول **مدخل مفاهيمي للزكاة** --------------- --------------------------------------------------- المحور الثاني **الإطار المؤسساتي للزكاة** المحور الثالث **الأثر الاقتصادي لمؤسسة الزكاة** المحور الرابع **المحور الرابع: الدور الاستقراري لمؤسسة الزكاة** **المحور الأول: مدخل مفاهيمي للزكاة** الزكاة عبادة مالية يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل، شرعت لسد حاجة الفقراء والمحتاجين، ومواساتهم بما يحقق رفاهيتهم وكفايتهم، ويمكنهم من الأمن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، وقد جعلها الله سبحانه وتعالى حقا لهم وليست منة من أحد، لكي يحفظ لهم عزتهم وكرامتهم بما يوفر لهم الأمن النفسي، فقد جعلها الله تعالى شرطا لصحة عقيدة المسلم وسلامة منهجه، وبالتالي فهي من أهم العبادات ذات الطابع الإلزامي في المجتمع التي لا يقبل التقصير فيها، أو التهاون في أدائها. الفرع الأول: تعريف الزكاة الزكاة في اللغة تأتي بمعنى النماء والزيادة والطهارة والمدح والصلاح، وكل ذلك صحيح في معنى التسمية، فهي تزكي وتنمي المعطي والمغطى له، والمال الذي أخرجت منه. ويمكن تعريف الزكاة اصطلاحا بأنها: \"إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص بشرائط مخصوصة لله تعالی\" والمقصود بـ: - **جزء مخصوص**: أي المقدار الواجب إخراجه كالعشر أو نصفه أو ربعه. - **مال مخصوص:** أي المال الذي وجبت فيه الزكاة من عين وماشية وزرع وعروض تجارة وغيرها. - **طائفة مخصوصة:** هي مصارف الزكاة الثمانية المستحقون لها ، والذين ذكروا في قوله تعالى: \"**إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْعَٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ** \". - **وقت مخصوص**: أي أن الزكاة لا تفرض في أي وقت ، ولكنها تفرض في وقت معين ومحدد ، وهو وقت وجوب إخراج الزكاة ، ويكون هذا الوقت تمام الحول في الماشية والأثمان وعروض التجارة، وعند اشتداد الحب في الحبوب، وعند بدو صلاح الثمرة التي تجب فيها الزكاة، وعند استخراج ما تجب فيه من المعادن. - شرائط مخصوصة: كبلوغ النصاب، وما يتبعها من الشروط الواجب توفرها في مال المزكي. - لله تعالى: أن يريد بزكاته وجه الله تعالى، ومرضاته عز وجل. أما الزكاة في الاقتصاد فهي: \"ضريبة مالية مقدرة شرعا تعمل على استقطاب الموارد الزكوية المختلفة بصورة دائمة ومتجددة، مما ينعكس إيجابا على النشاط التنموي والاقتصادي في المجتمع\". ومن خلال العرض السابق يتضح لنا أن الزكاة: - سبب في تنمية المال وتثميره اقتصاديا واجتماعيا؛ - سبب في تطهير نفس المزكي من البخل وتعويده الكرم والجود. - سبب في تطهير نفس الفقير من الحقد والغل والعداوة على الأغنياء. - القضاء على سلبية تضخم المال في أيدي فئة قليلة في المجتمع، وحرمان الفقراء من حد الكفاية الذي لا بد منه لقوام حياتهم، وإشباع حاجاتهم المتعددة. - الزكاة نماء للمال وبركة فيه، فإن هذا الجزاء القليل الذي يدفعه يعود عليه أضعافه في الدنيا بالبركة، والخلف العاجل، وفي الآخرة بالثواب العظيم. - الحث على استثمار المال وعدم اكتنازه، وإيجاد البديل الاقتصادي الشرعي لآفة الربا الذي يضر بالفرد والمجتمع. - تحقيق التكافل الاجتماعي لأفراد المجتمع، لأنها تربط بين الغني والفقير برباط متين عنوانه المحبة والتراحم، ولحمته الإخاء والتعاون، مما يؤدي إلى حماية المجتمع من عوامل التصدع والتفكك والدمار. ومن هنا ومن هذه الحكم وغيرها، نستطيع أن نؤكد أن للزكاة أثرا فاعلا في بناء المجتمع وتماسكه، فهي تبني نظاما اقتصاديا واجتماعيا شامخا، يعمل على دفع عجلة التنمية في المجتمع، ونشر معاني التكافل والتعاون بين أفراده، فالزكاة بذلك تعتبر صمام الأمن والأمان للمجتمع المؤمن الذي يحقق الله تعالى به التوازن المطلوب للمجتمع المطلوب. **الفرع الثاني: الأوعية الزكوية** الزكاة فريضة شرعية، وركن من أركان الإسلام ودعائمه وتتميز عن باقي أركان الإسلام بكونها الركن الوحيد القابل للتطور والتوسع، وهذا ما حصل بين العلماء والفقهاء وأئمة المذاهب، حيث فتحت الأبواب الواسعة أمام علماء الأمة ومجتهديها لتتبع المستجدات الفقهية المعاصرة للزكاة، فلم تقف الزكاة على الأصناف المعروفة عند الفقهاء، فبتطور الحياة الاقتصادية ظهرت أموال جديدة ،وأوعية معاصرة فرضت عليها الزكاة. فوعاء الزكاة مصطلح لم يكن مشهورا لدى الأقدمين، فهو مصطلح حديث يراد به: مصدر الزكاة التي تؤخذ منه وتجمع وتحصل، وهو المراد بالأموال التي تجب فيها الزكاة. ذلك لأن طبيعة الحياة الاقتصادية متطورة متجددة، وهذا التطور أو التجدد يجيء في الأنشطة الاقتصادية، وفي أنواع الثروات، وفي أشكال الدخول، وسنقوم باستعراض مختصر لهذه الأموال، وليس الغرض من ذلك معرفة التفاصيل والخلافات الفقهية المتعلقة بهذه المسألة، وإنما الغرض الوقوف على عنصر الاتساع والشمول للأموال التي تجب فيها الزكاة: 1. زكاة الثروة الحيوانية: تعتبر الثورة الحيوانية من أهم الثروات التي كانت معروفة في صدر الدولة الإسلامية وكان من أكثرها شيوعا :الإبل، البقر ويشمل الجواميس، الغنم ويشمل الضأن والماعز. 2. زكاة الثروة النقدية: تتمثل الثروة النقدية في الذهب والفضة ،وما يقوم مقامهما من العملات المتداولة والأوراق المالية، وتجب فيها الزكاة عندما تبلغ نصابا بذاتها ، أو مجتمعة مع مال أخر من جنسها. 3. زكاة الثروة التجارية (عروض التجارة): وتتمثل في كل شيء معد للكسب والتجارة بقصد الربح. 4. زكاة الثروة الزراعية: وهو ما يعرف بدخل الاستغلال الزراعي، والزكاة على دخل إيجار الأراضي الزراعية والمفروضة على المؤجر (المالك) من أجرة الأرض، وعلى الزارع من الخارج النابت من زرع أو ثمره. 5. زكاة الثروة المعدنية: ويقصد بها الذهب والفضة المستخرجان من باطن الأرض. 6. زكاة المستغلات (العمارات والمصانع ونحوها): وهي الأموال التي لا تجب الزكاة في عينها، ولم تتخذ للتجارة، ولكنها تتخذ للنماء، فتغل لأصحابها فائدة وكسبا بواسطة تأجير عينها، أو بيع ما يحصل من إنتاجها. 7. زكاة كسب العمل والمهن الحرة (المال المستفاد): وذلك كإيراد الطبيب والمحامي والمهندس والصانع وطوائف الحرفيين والموظفين وأشباههم، ويدخل في ذلك أيضا ما استفاده الشخص بسبب مستقل کالهبة وغيرها. 8. زكاة الأسهم والسندات: وقد ذهب جمع من الفقهاء من مالكية وشافعية وحنابلة إلى وجوب الزكاة في جميع الأوراق المالية بما في ذلك الأسهم والسندات، وتعاملان معاملة عروض التجارة. 9. زكاة الأوراق النقدية: أما الأوراق النقدية فقد قرر جمهور الفقهاء وجوب الزكاة فيها، لأنها نقد قائم بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة، سواء بسواء نصابا ومقدارا. وهكذا نرى من خلال ما سبق أن الزكاة تجب في كل الأموال النامية أو القابلة للنماء على اختلافها، حتى وإن كانت مستجدة، وهذا بلا شك يعطي الزكاة مقدرة تمويلية كبيرة على تغطية مختلف احتياجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية. **الفرع الثالث: مصارف الزكاة** وهم أهل الزكاة ومستحقوها، أي الأصناف الذين تصرف لهم الصدقات المذكورة في قوله تعالى، فالمصارف إذا محددة شرعا، ولا يصح لأحد تغييرها، فلكل مصرف هدف وضعه الشارع الحكيم من أجل الوصول إلى المجتمع المسلم الموحد الذي ينعم بالرفاه والاستقرار. حيث يعتبر موضوع مصارف الزكاة الجانب الوحيد في القرآن الكريم من جوانب الزكاة الذي ورد مفصلا بخلاف الجوانب الأخرى التي وردت مجملة، وتركت للسنة النبوية الشريفة لتبينها وتفصلها. والتعبير عنها بهذا الشكل جاء لتحقيق جملة من الحكم من بينها: 1. إرشاد المجتمع المسلم إلى عدد من القضايا الاجتماعية بالمعنى الشمولي ذات الأولوية في المعالجة، لما لهذه القضايا من علاقة وثيقة بيناء وتنمية قدرات المجتمع. 2. إن ضمان بناء وتنمية قدرات المجتمع المسلم يتحقق أولا على المستوى الجزئي أو الفئوي، أي على مستوى الفئات التي حصر توزيع حصيلة الزكاة فيها لهذا فإنه لا بد إنسانيا من إصلاح حال تلك الفئات المحتاجة. 3. كون أن أموال الزكاة تشكل موردا هاما من موارد المجتمع المسلم، فلا بد أن توجه هذه الأموال إلى علاج القضايا ذات الصلة الوثيقة ببناء وتنمية قدرات المجتمع ككل. 4. إن تحديد مصارف الزكاة يعمل على ضمان عدالة التوزيع، التي هي من أهم أهداف الآليات ذات العلاقة بإعادة توزيع الثروة، ومن أهم معايير نجاحها. 5. إن الناظر بإمعان في مصارف الزكاة يجد بأنها بشكل عام تدخل في أهم مكونات الطلب الكلي وهي: - الاستهلاك (توزيعها على الفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم والعاملين عليها). - الاستثمار (الغارمين وفي سبيل الله). - الإنفاق الحكومي (في سبيل الله) وهو ما يعني قدرة الزكاة الفائقة على دفع حركة النشاط الاقتصادي في المجتمع وتعزيز سبل التنمية فيه من خلال هذه المصارف الثمانية. وبالتالي فإن مستحقي الزكاة هم الأصناف الثمانية المذكورين في القرآن الكريم وهم: 1. **الفقراء والمساكين**: والفرق بينهما أن الفقير هو المتعفف عن السؤال مع حاجته، والمسكين هو الذي يسأل على الأبواب والطرق وهو السائل. 2. **العاملون على الزكاة:** وهم من نصبهم الإمام (الحاكم) أو نائب له، وجعلهم موظفين لجمع الزكاة ويدخل في هذا كل من يقوم بعمل من الأعمال الخاصة بجمع الزكاة وتوزيعها وتخزينها وحراستها ورعايتها وتدوينها واعداد الدفاتر لها، وغيرها من الأعمال المتعلقة بالزكاة. 3. المؤلفة قلوبهم المؤلفة قلوبهم على ثلاثة أنواع : - نوع كان يتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا، ويسلم قومهم بإسلامهم. - نوع أسلموا، ولكن على ضعف. - نوع لدفع شرهم. والقصد بجميعها الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء فكأنه ضرب من الجهاد. ويعطي المؤلفة قلوبهم بحسب ما يرى ولي الأمر، أو من ينوب عنه، حيث تختلف الحالات من شخص لآخر، ومن وقت لآخر، أي يصعب وضع معيار يطبق على جميع الحالات. 4. في **الرقاب:** يقصد بالرقاب المكاتبون (وهو العبد الذي اتفق مع سيده على أن يقدم العبد مالا في نظير عتقه، ويتركه يسعى ليحصل على هذا المال) وغيرهم من رقيق وأسرى المسلمين، ولقد ذهب الرق تماما، ولم يبق من هذا المصرف إلا فك أسارى المسلمين فهو الباقي إلى اليوم. 5. الغارمون: وهم الذين ركبهم دین، ولا وفاء عندهم به، شريطة ألا يكون في فسق أو سرف، أو معصية. ويعطي الغارم من الزكاة بقدر ما يقضي دينه، سواء أكان الدين قليلا أم كثيرا، فالزكاة حين تقضي دين الغارمين تؤمن الحياة الاقتصادية، وتقيها الكثير من الاضطراب نظير إفلاس حسني النية من العاملين. 6. في سبيل الله: وهو محمول على الجهاد عند الجمهور من العلماء، فيصرف إلى المجاهدين وآلة الحرب، كما أعطت بعض الدراسات الحديثة المعاصرة مصرف \"في سبيل الله\" اتجاها واسعا، يجعل من هذا المصرف إناء كبيرا يسع حاجات أكثر من القتال والحرب فيمكن تفسيرها بأنها \"الجهاد\" بما تحمل الكلمة من معان كثيرة تشمل الجهاد بالفكر وبالرأي وبالنشر والاتصال، وبكل الوسائل المتاحة. 7. ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع بغير بلده، فيعطى ابن السبيل ما يوصله لبلده، وإن احتاج قبل وصوله أعطي ما يصل به إلى البلد الذي قصده، وما يرجع به إلى بلده. كما يمكن صرف هذا المصرف إلى: - المتشردين واللاجئين الذين يجبرون على مغادرة أوطانهم ومفارقة أموالهم؛ - بناء فنادق خاصة بأبناء السبيل تجهز بكل ما يلزم للإقامة المريحة. **المحور الثاني: الإطار المؤسساتي للزكاة** **الفرع الأول: تعريف مؤسسة الزكاة** تلقى دراسة التنظيم المؤسساتي منذ أوائل القرن الماضي اهتماما متزايدا من الباحثين والمهتمين بقضايا الإدارة، وذلك لما للتنظيم من آثار اقتصادية واجتماعية وحضارية تنعكس إيجابا على الفرد والمجموع معا. لذا ومن هذا المنطلق فإنه من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي، مبدأ التوجيه والتنظيم الإداري للنشاط الاقتصادي، وهو المبدأ الذي يعتمده الإسلام أسلوبا ووسيلة لتسيير العملية الإدارية والمؤسسية بجوانبها الثلاثة: البشرية والمالية والفنية (الإمكانات)، تحت مظلة عبادة الله تعالى وحده. ولا شك أن فريضة الزكاة في إطارها التنظيمي والمؤسساتي تعتبر من قبيل تكريس هذا المبدأ، وتفعيله على أرض الواقع. ويمكن أن نعرف مؤسسة الزكاة بأنها \"**كيان قانوني تحت إشراف الدولة وسيادتها، يعمل على ترشيد أداة الزكاة جباية وصرفا، في إطار أحكام الشريعة الإسلامية، مما يحقق رفاهية الفرد وكفايته، واستقرار المجتمع وتوازنه**\". حيث تتجلى الحاجة إلى إنشاء مؤسسة الزكاة في دواعي عدة، أهمها: - القيام بالمهام الاقتصادية المختلفة بطريقة إسلامية وتنمية الوعي الاجتماعي بحقيقة الزكاة، وأهدافها. - توزيع الزكاة على مستحقيها من الفقراء وغيرهم، ذلك أن مصارف الزكاة عديدة لا يمكن تنزيلها في واقعها إلا بمؤسسات منظمة ذات قدرة عالية من الكفاءة والتنظيم، وذات وسائل علمية من الإحصاء والتدقيق وتوفير المعلومات. - تحقيق الضمان الاجتماعي في حده الأدني، والذي تعتبر الزكاة خير ممول له. - ضمان خصوصية أموال الزكاة، وعدم خلطها مع أي موارد عامة أخرى، بما يبث الطمأنينة لدى المزكين في ذهاب زكاتهم إلى مصارفها الشرعية. - إيجاد جهة عامة محددة تعمل على تنظيم الاستفادة من أموال الزكاة على نحو أفضل وتحقيق الغاية القصوى منها، بدلا عن تشتيت الجهود، والعشوائية في تحصيلها وإنفاقها. - تقديم الكثير من الحلول للمسائل التي تواجه جمهور المزكين بصفة عامة. **الفرع الثاني: خصائص مؤسسة الزكاة** من المتعارف عليه أن كل مؤسسة تتصف بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن غيرها، لذا فإن مؤسسة الزكاة شأنها شأن باقي المؤسسات الأخرى تتحلى بعدة خصائص تجعل منها مؤسسة، ولعل أهمها: 1. **جباية الزكاة وتوزيعها من أعمال السيادة**: يرى الفقهاء أن الأصل في جباية الزكاة وتوزيعها من أعمال السيادة في الدولة، وإن كانت الزكاة في وقتنا الحاضر، وفي كثير من دول العالم الإسلامي يقوم الأغنياء بتوزيعها على الفقراء، وذوي الحاجة، فليس ذلك إلا لأن هذه الدول قد تحولت في نظامها المالي من الزكاة إلى نظام الضرائب المقتبس من الدول الأجنبية التي فرضت بطريق، أو بآخر أنظمتها المالية على هذه الدول. 2. المرونة: ومن مقتضيات هذه الخاصية تغير الهيكل التنظيمي لمؤسسة الزكاة بتغير طبيعة الأقاليم، فالهيكل التنظيمي لمؤسسة الزكاة في الإقليم أو الفرع ذو الطبيعة الزراعية ليس بالضرورة أن يتشابه تمام مع الهيكل التنظيمي له في الإقليم أو الفرع الصناعي. 3. التبسيط وعدم التعقيد: يمتاز الهيكل التنظيمي لمؤسسة الزكاة بالبساطة، وعدم التعقيد، لذا فلا يجب إنشاء إدارات للوظائف غير أساسية. 4. المحلية والمركزية في الزكاة: تعني أن كل قوم أو بلدة أولى بصدقتهم من غيرهم، حتى يستغنوا عنها ، أو كانوا في غير حاجة إليها. 5. استقلالية مؤسسة الزكاة: حيث لا علاقة لها بقية الموارد الأخرى وأوجه إنفاقها، إنما تؤخذ الزكاة، وتصرف على الأصناف الثمانية المحددة شرعا. 6. الطابع الاجتماعي لمؤسسة الزكاة: أي أنها تهدف إلى تقديم خدمة اجتماعية، وليس هدفها التجارة أو الربح، لذلك مثلا يجب أن تكون قروضها مجانية لا مشاركة للأرباح فيها، مع جواز أن تأخذ مؤسسة الزكاة رسما بسيطا لتغطية تكاليف الإقراض. **الفرع الثالث: أنواع مؤسسة الزكاة المعاصرة** تتنوع مؤسسات الزكاة المعاصرة إلى عدة أنواع هي: 1. مؤسسات زكوية حكومية تابعة للدولة: وهذه المؤسسة ترتبط بوزارة المالية والخزانة، وتتعامل كأحد الإدارات فيها، إلا أن في هذه الحالة يجب أن يكون لها حصيلة، وميزانية قائمة بذاتها تصرف في مصارف الزكاة منفصلة عن ميزانية الدولة، وذلك لأن هذا هو الذي يتفق مع النص القرآني، ومثال هذه المؤسسات مؤسسة زكاة في المملكة العربية السعودية، وتكون طريقة جمع المال بقوة القانون. 2. مؤسسات زكوية تابعة للجمعيات الخيرية: حيث يقوم بعض الأفراد بإنشاء جمعيات خيرية بها صندوق الزكاة. 3. مؤسسات زكوية خاصة: ومثال ذلك صناديق الزكاة المنشأة بالهيئات والشركات، وصناديق الزكاة في المصارف والمؤسسات الإسلامية، ويعتمد هذا النوع من المؤسسات على اللجان الشعبية التابعة لها. **الفرع الرابع: شروط نجاح مؤسسة الزكاة** إن نجاح مؤسسة الزكاة في أداء مهامها مرهون بتحقيق جملة من الشروط على أرض الواقع، أهمها: 1. حسن اختيار العاملين في مؤسسة الزكاة: وفيما يلي بعض المقاييس التي يجب العمل بها في اختيار العاملين بمؤسسة الزكاة: 1. النزاهة والعدالة والعفة: وهي صفات من شأنها أن تجعل صاحبها في مأمن من كل شكل من أشكال الإغراء؛ 2. الكفاءة والضمير المهني والجد في العمل: حيث أن هذه الصفات مطلوبة لضمان الفعالية في كل العمليات المرتبطة بالزكاة في جميع مراحلها. كما أن العاملين مطالبون بمعرفة جيدة للشريعة في مجال الزكاة، ليتمكنوا من الإجابة عن اي سؤال يطرح عليهم من طرف رجال الميدان، وكذلك لإيجاد الحلول السريعة لبعض المسائل المعقدة التي تتطلب اجتهادا جزئيا. 2. الاقتصاد في النفقات: وهذا يعني تقليل التكاليف إلى أدنى حد ممكن، ومن مقتضيات تحقيقها عدم التوسع في حجم البنية التنظيمية سواء في المركز أو الأقاليم أو الفروع، وتقليل الموظفين إلى الحد الضروري، والاعتماد على استخدام الوسائل، والطرق الالكترونية في تنفيذ الأعمال والمهام. 3. حسن التوزيع ويقصد به ألا يحرم من الزكاة من يستحقها، ويأخذها من لا يستحقها، أو يأخذ المستحق ما لا يغني، أو يأخذ الأحسن حالا ، ويترك الأشد حاجة. 4. التخطيط الهادف والفعال: حيث يعتبر من موجبات نجاح مؤسسة الزكاة، ذلك لأن هذا التخطيط يعني الالتزام المطلق بالخطط المقررة والمدروسة فضلا عن التوجيه والإشراف على الأفراد العاملين بالمؤسسة، وذلك وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. **المحور الثالث: الأثر الاقتصادي لمؤسسة الزكاة** **الفرع الأول: الدور التوزيعي لمؤسسة الزكاة (القضاء على الفقر ، تحقيق التكافل الاجتماعي)** يرى العديد من المحللين الاقتصاديين أن الفجوة بين الفقراء والأغنياء تزداد اتساعا بسبب اختلال التوزيع في الدخول والثروات بين الأفراد، وهو ما يعبر في الوقت نفسه عن فساد النظام الاقتصادي السائد، سواء من حيث أسس توزيع الثروة بين أفراد المجتمع (أي ما اصطلح عليه بالتوزيع النظري أو الشخصي)، أو في مكافأة عناصر الإنتاج (أو ما اصطلح عليه بالتوزيع العملي أو الوظيفي). كما أن مشكلة الاقتصاد العالمي اليوم هي أساسا في الهوة المتزايدة بين الدول النامية والدول المتقدمة، فالمعادلة نفسها تنطبق على المستوى الدولي، ذلك لأن القواعد والآليات التي تنظم العلاقة بين الأفراد في الشأن الاقتصادي هي ذاتها التي تحكم العلاقة بين الدول، ومن هنا فقد تعالت الأصوات مجمعة على ضرورة إعادة توزيع الدخل والثروة على نحو يقضي أو على الأقل يخفف من حدة الصراع الطبقي، والتفاوت الاجتماعي. وفي هذا الإطار يبرز النظام الاقتصادي الإسلامي من خلال آلية من آلياته الأساسية وهي الزكاة، التي يواجه بها اختلال التوزيع في الدخول والثروات بين الأفراد، وتضييق الفجوة بين الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة، حتى عرف بعض الدارسين والباحثين الزكاة بأنها \"أداة اقتصادية دائمة لإعادة توزيع الدخل\" ويظهر أثر الزكاة في ذلك من خلال القضاء على مشكلة الفقر - بتوفير حد الكفاية وتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. ولاشك بأن الزكاة تعتبر إحدى الآليات التي تعمل وبطريقة فعالة على علاج مشكلة الفقر علاجا جذريا أصيلا لا يعتمد على المسكنات الوقتية أو المداواة السطحية الظاهرية، سواء من حيث تحصيلها، أو إنفاقها على مصارفها، فمن حيث تحصيلها فالزكاة تهدف إلى تحقيق مستوى حد الكفاية لجميع أفراد المجتمع، وذلك من خلال الوحدات الفائضة عن الحاجة، فهي تؤخذ من الأموال ذات المنفعة الحدية فوق الإشباع، أي من أموال تعتبر الوحدات الأخيرة فوق حد الإشباع، وهي أموال تكون المنفعة الحدية منها عند أدنى الحدود بحيث تكون ضئيلة إن لم تكن معدومة، فإنها إذا أعطيت للمحتاج صاحب الحق فيها فإنها تمثل بالنسبة له أموالا تحقق أقصى درجة من المنفعة الحدية، لأنها سوف تكون الوحدات الأولى لإشباع حاجاته. أما من حيث إنفاقها (مصرف الفقراء والمساكين) فلاشك أن الهدف الأساسي من جمع الزكاة، وإعطائها للمستحقين لها هو التخلص من الفقر، وتحقيق مستوى حد الكفاية لكل أفراد المجتمع، وهذا حتى تكون الفئات الضعيفة مستريحة في حياتها، مطمئنة إلى أن معيشتها مكفولة، وأن حقوقها في العيش الكريم مضمونة، ومن أجل تحقيق هذه الغاية فقد بحث الفقهاء في مقدار المال الذي يعطي للفقير من الزكاة، التي ما شرعت إلا لتكفل مستوى العيش الكريم للفقراء والمساكين بشكل دائم يجعلهم يعتمدون على أنفسهم، ويكونون بسببه طاقات إنتاجية، تساهم في عملية التنمية الشاملة للمجتمع. كما تعتبر الزكاة أداة **لتحقيق التكافل الاجتماعي**، حيث يعتبر هذا الأخير منظومة متكاملة من المبادئ الإنسانية التي تعمل على تماسك المجتمع وترابطه، وهي المقاصد التي جاء الإسلام لتحقيقها بوسائل عدة خادمة لهذا المفهوم، وفي مقدمتها الزكاة لكونها موردا مستمرا ودائما للصناعة التكافلية داخل المجتمع، وذلك عن طريق تحصيلها، وإنفاقها على مصارفها. فمن حيث تحصيلها، تعد الزكاة وعن طريق جبايتها مد لجسور التواصل وتثبيت الدعائم الأخوة والتعاون بين أفراد المجتمع، لشعور الفقير أو المحتاج بأنه يعيش كما يعيش غيره، ويحصل على ما يؤمن حياته، كما أن الزكاة مدرسة لتطهير النفس وتزكيتها، وصقل للروح وتهذيبها، وهذا حتى لا يعيش مسلم معدوما محروما، ولا يبقى غني أنانيا جشعا أما من حيث إنفاقها على مصارفها، فإنها تعم كل نواحي الضعف في المجتمع، وتعمل على سد الخلل فيه بصورة تعمل على تثبيت معاني الأخوة والتعاون بين أفراد المجتمع، فالعبرة بالسلوك العملي، والإنفاق المادي، والتضامن الحسي، والذي يترجم عمليا من خلال إعطاء الزكاة لمستحقيها الثمانية. فالزكاة وكآلية من آليات السياسة المالية في الفكر الاقتصادي الإسلامي، من الوسائل الفعالة في العملية التوزيعية، حيث تعمل على تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، وذلك من خلال القضاء على الفقر وأسبابه بتوفير حد الكفاية لأفراد المجتمع ، والحفاظ على سلامة البنيان المجتمعي بتدعيم قيم التكافل والتراحم فيه. **الفرع الثاني: أثر الزكاة في الحث على الاستهلاك** من خلال تشريع فريضة الزكاة فإنها تعمل على تدعيم الإنفاق الاستهلاكي في المجتمع، سواء من حيث تحصيلها، أو من حيث إنفاقها على مصارفها. فمن حيث تحصيلها: فالزكاة كما هو معلوم لا تدفع إلا عن ظهر غنى بعد إشباع صاحب المال لحوائجه الخاصة، ومن ثم لا تعد الزكاة قيدا على الاتفاق الاستهلاكي، بل تشجعه في حدود عدم الإسراف. أما من حيث إنفاقها على مصارفها فإن الزكاة تزيد من حجم الاستهلاك، ذلك لأن إنفاق الزكاة على مصارفها كالنفقات على الفقراء والمساكين والعاملين عليها، وفي الرقاب والغارمين، وابن السبيل تستحدث قوی شرائية، ومن ثم إلى ارتفاع معدلات الطلب الكلي الاستهلاكي في السوق. وكذلك الحال بالنسبة إلى فئة الأغنياء الذين تؤخذ الزكاة من أموالهم فهم أيضا يحتفظون في العادة بمعدلات استهلاكهم العالية، حتى وفي حالة طروء انخفاض على دخولهم. **الفرع الثالث: دور الزكاة في الحث على الاستثمار ومحاربة الاكتناز** تقوم الزكاة بدور أساسي في تنشيط المجال الاقتصادي من خلال محاربة الاكتناز، والحث على الاستثمار، وحركية رأس المال، وذلك وذلك أن الزكاة صلتها بالاستثمار صلة وثيقة جدا، لدرجة يمكن القول معها بأن الاستثمار أساس الزكاة لكونها لا تجب إلا في الأموال النامية بالفعل أو القابلة للنماء، بمعنى تلك الأموال التي تدر على صاحبها دخلا معينا \"ربحا أو ريعا\". وهذا معناه أن المستثمر في الأحوال غير العادية يجب أن يقبل بمعدل حدي من الربح يزيد عن الصفر إذا أراد أن يحافظ على ماله ويقلل من الخسارة، لأن الزكاة تلازم المال متى تجاوز النصاب، وتوافرت فيه شروط الزكاة، لهذا فإن على الفرد أن يستثمر ماله ولو بنسبة ربح ضئيلة تكون مقارنة لنسبة فريضة الزكاة ولو أقل منها حتى يحفظ على نفسه سرعة تأكل أمواله في فترة زمنية وجيزة. وبهذا نستطيع القول أن الزكاة من هذه الناحية - من حيث تحصيلها - تدفع بأصحاب الأموال المكتنزة إلى اتخاذ قرارات فورية لتحريك الأموال المعطلة. أما من حيث إنفاقها على مصارفها فالزكاة تعمل على زيادة الاستثمار كما يلي: 1. بالنسبة لمصرف الفقراء والمساكين: فإنه يترتب على توزيع الزكاة على مستحقيها من الفقراء والمساكين تزايد الميل الحدي للاستهلاك، بمعنى أن عملية الإشباع المتواصلة ستدعم بلا شك تيار الاستهلاك، وسيزيد الطلب الفعال على السلع، وهذا من شأنه أن يؤدي بأصحاب الأموال والمستثمرين إلى زيادة الاستثمار لمواجهة، وتغطية الطلب الجديدة. كما أن الزكاة يمكن أن تؤثر في الاستثمار مباشرة عندما تقوم مؤسسة الزكاة بإنفاق الزكاة في شكل استثماري على الفقراء. 2. بالنسبة لمصرف العاملين عليها ومصرف المؤلفة قلوبهم: فإن ما ذكر سابقا مع مصرف الفقراء والمساكين يمكن أن ينطبق أيضا على هذين المصرفين، وذلك من خلال قدرة العاملين في حقل مؤسسة الزكاة والحديثي عهد بالإسلام على تدعيم التيار الاستهلاكي، أو من خلال تمكين الفئة القادرة على العمل من ممارسة نشاط اقتصادي معين. 3. أما بالنسبة لمصرف في الرقاب: بإمكان الزكاة أن تعمل على تحرير قوة بشرية تساهم بشكل كبير في النشاط الاقتصادي الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الاستثمارات، وبالتالي إحداث التنمية الاقتصادية. 4. بالنسبة لمصرف الغارمين: إن الإنفاق على هذه الفئة يؤدي إلى تقليل مخاطر الاستثمار، ويساعد ذلك على استقرار سوق الاقتراض (الائتمان) ، ولهذه الآثار دور إيجابي في رفع الميل للاستثمار. 5. بالنسبة لمصرف في سبيل الله: وذلك عندما توجه الزكاة لشراء المعدات والآلات التي تستخدم في الجهاد، أو لتشجيع الأبحاث العلمية، واقامة المؤسسات الاستثمارية بمختلف أنواعها، مما سيؤدي في الأخير إلى بنية تحتية ترفع من كفاءة الاستثمارات وتدعيمها. 6. أما بالنسبة لمصرف ابن السبيل: يؤثر على الاستثمار من خلال إصلاح طرق المسلمين وتعبيدها، وإنشاء شبكة المواصلات المختلفة، ولا شك بأن هذا هو الأخر له الأثر البعيد في الحث على الاستثمار. كما تعمل الزكاة على محاربة الاكتناز الذي يمثل عقبة في وجه كل نشاط اقتصادي، وذلك لما يؤدي إليه من تعطيل للموارد الإنتاجية، وعدم تعبئتها وتوجيهها إلى الاستثمارات المختلفة، حتى أطلق عليه البعض \"تصلب الشرايين الاقتصادي\" ، لأن حجب الجزء المكتنز من الأموال عن التداول وتعطيلها عن أداء دورها الاقتصادي يؤدي إلى توقف عجلة التنمية، وعرقلة المسار الاقتصادي في المجتمع. وفي هذا الإطار تلعب الزكاة دورا بارزا في دفع الأموال المكتنزة إلى النشاط الاقتصادي، وتعزيز دورها في عمليات التنمية المستدامة. ومن ناحية أخرى فإن تحصيل الزكاة (الاقتطاع السنوي) يمثل انتقاصا تدريجيا للأموال المكتنزة، الشيء الذي قد يؤدي إلى فنائها بعد مدة إن لم تستغل وتستثمر، فالزكاة إذا تحارب المال المكنوز، وتدفعه بقوة إلى النشاط الاقتصادي حتى لا تأتي عليه الزكاة بعد حين، وبذلك فهي تعمل على توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، وتحارب رأس المال المكنوز. **المحور الرابع: الدور الاستقراري لمؤسسة الزكاة** ينصرف تحقيق الاستقرار الاقتصادي إلى تجنيب المجتمع الآثار السيئة للتقلبات الاقتصادية المختلفة، والتضخم، والبطالة ، وهو ما يعني أن الاستقرار الاقتصادي يمكن أن نمثله بمظهرين اثنين: - أحدهما: القضاء على التقلبات الدورية في النشاط الاقتصادي، أو على الأقل التخفيف من حدتها، وثانيهما: تحقيق العمالة الكاملة ، واستقرار الأسعار، مع تحاشي ظاهرة التضخم، والركود الطويل الأجل. **الفرع الأول: أثر الزكاة في علاج مشكلة الدورات الاقتصادية** يتفق جميع الباحثين والمختصين في المجال الاقتصادي أن لأي اقتصاد دورة يزدهر فيها تارة، وتارة يرتد فيها الأسفل، لذا فإن الحياة الاقتصادية تلازمها تغيرات مستمرة ، ومراحل مختلفة تمر بها من الازدهار والانكماش تسمي الدورات الاقتصادية، لذا فقد وضع الاقتصاديون تفسيرات عدة لهذه الدورات ، قصد علاجها، أو التقليل من حدتها، ولكن سرعان ما تلاشت دون أن تحقق أية نتيجة ملموسة في هذا المجال ، ومن هنا فقد كان للاقتصاد الإسلامي، وعن طريق الزكاة الدور البارز في حماية الاقتصاد من هذه التقلبات (الدورات الاقتصادية)، وذلك من خلال **تحقيق التوازن الذاتي للعوامل الاقتصادية** المختلفة والحد من آثار الذبذبات التي تنتاب الحياة الاقتصادية في المجتمع. حيث تعمل الزكاة بشكل بارز على تحقيق الاستقرار الاقتصادي في المجتمع ، وحمايته من التقلبات الاقتصادية المختلفة، وذلك بسبب تأثيرها المباشر على السيولة النقدية، والطلب الفعلي، وإعادة توزيع الدخل والثروة في المجتمع، هذا إلى جانب تضييقها على عناصر الانتاج المعطلة واشتمالها على بعض الأحكام التي لها تأثير دائم هي الأخرى في الحد من هذه التقلبات مثل: - إمكانية دفع الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية، وهذا الذي جوزه الفقهاء خاصة في بعض الحالات التي تستدعي ذلك؛ - إمكانية تعجيل الزكاة أو تأخيرها إذا كانت هناك ضرورة ماسة ملحة فقد أجاز بعض الفقهاء تقديم الزكاة أو تأخيرها شريطة ألا يكون ذلك هو الأصل بل الاستثناء، وشرط آخر هو ألا يزيد تعجيلها عن حولين؛ - مصرف الغارمين: قد يتسع هذا المصرف أيضا ليشمل من احترق متجره، أو من تلف مصنعه، وكل من تعرض إلى فقر وحاجة بعد غني ويسر. - دوام دفع الزكاة طوال العام: فلا شك بأن إخراج الزكاة المتكرر في نهاية كل دورة زراعية، أو في نهاية كل شهر قمري، يؤدي إلى انتظام ما تحصل عليه مصارف الزكاة من دخول تدعم الطلب الفعلي على السلع والخدمات الاستهلاكية، ويدعم الجزء المتبقي مجالات الاستثمار المختلفة. **الفرع الثاني: أثر الزكاة في علاج مشكلة التضخم** وجود التضخم في الاقتصاد الوطني يعني فشل السياسات الاقتصادية في تحقيق أحد أهم أهدافها، ألا وهو الحفاظ على الاستقرار العام للأسعار، ذلك لأن هناك ارتباطا قويا ، ومباشرة بين السياسات الاقتصادية وأهدافها، وكفاءة وفعالية أدائها، وبين الجوانب البنيوية، والهيكلية للنظام السياسي. وتلعب الزكاة في هذا الإطار وكآلية من الآليات الهامة في الاقتصاد الإسلامي، دورا هاما في كبح جماح الخطر التضخمي، بكفاءة عالية وذلك من خلال قنواتها المتعددة، والتي من أبرزها ما يلي: - توفير التدفقات النقدية، فانتظام انسياب حصيلة الزكاة مع بداية كل حول قمري، يوفر كميات النقد اللازمة للتداول دون الحاجة إلى لجوء السلطات لعمليات الإصدار النقدي. - الزكاة تحفز على الادخار الموجه للاستثمار، والشريعة الإسلامية تحرم الاكتناز، وبهذا فإن الأموال المدخرة سوف توجه للاستثمار الذي يؤدي إلى زيادة العرض الحقيقي من السلع والخدمات.

Use Quizgecko on...
Browser
Browser