مقرر مباحث في علم العقيدة PDF

Summary

This document is a syllabus for the subject of Islamic Theology , in the seventh level, prepared by Dr. Khalid bin Muhammad Al-Rabiah. It covers the definition of Iman (faith) in both language and Islamic jurisprudence, discussing its components and different interpretations. It further analyses the relationship between Islam, Iman (faith), and Ihsan (excellence).

Full Transcript

‫مقرر‬ ‫مباحث يف علم العقيدة‬ ‫املستوى السابع‬ ‫أعده‬ ‫د‪.‬خالد بن دمحم الرابح‬ ‫اإلصدار الثاين‬ ‫‪3441‬ى‬ ‫املبحث األول‬ ‫المسائل المتعلقة باإليمان‬...

‫مقرر‬ ‫مباحث يف علم العقيدة‬ ‫املستوى السابع‬ ‫أعده‬ ‫د‪.‬خالد بن دمحم الرابح‬ ‫اإلصدار الثاين‬ ‫‪3441‬ى‬ ‫املبحث األول‬ ‫المسائل المتعلقة باإليمان‬ ‫تعريف اإلميان لغة‪:‬‬ ‫اإليباف يف اللغة التصديق اؼبستلزـ لئلقرار واإلذعاف(ٔ)‪ ،‬قاؿ تعاذل على لساف إخوة يوسف‬ ‫﴿ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦ‬ ‫‪:‬‬ ‫ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ﴾ [يوسف‪ ،]ٔٚ :‬أي‪ :‬ما أنت دبُ ٍّ‬ ‫قر لنا‪ ،‬وال تطمئن إذل‬ ‫قولنا‪ ،‬وال تثق بو‪ ،‬وال تتأكد منو ولو كنا صادقُت‪.‬‬ ‫شرعا‪:‬‬ ‫تعريف اإلميان ً‬ ‫شرعا قوؿ ابللساف‪ ،‬واعتقاد ابلقلب‪ ،‬وعمل ابعبوارح‪ ،‬يزيد ابلطاعة وينقص‬ ‫اإليباف ً‬ ‫ابؼبعصية‪.‬‬ ‫احدا‪ ،‬وىي‪( :‬قوؿ‪،‬‬ ‫وقد اختلفت عبارات السلف يف ذلك وإف كاف اؼبراد هبا شيئًا و ً‬ ‫وعمل)‪ ،‬أو (قوؿ‪ ،‬وعمل‪ ،‬ونية)‪ ،‬أو (قوؿ‪ ،‬وعمل‪ ،‬ونية‪ ،‬واتباع السنة)‪.‬‬ ‫فصار اإليباف مركبًا من أربعة أمور البد أف تكوف ؾبتمعة يف العبد حىت يكوف مؤمنًا‪ ،‬وىي‪:‬‬ ‫(ٔ)‬ ‫ص ػر‬ ‫جػػا يف كثػػَت مػػن كتػػب اؼبعػػاجا تعريػػف اإليبػػاف يف اللغػػة أنػػو‪ :‬التصػػديق‪ ،‬وقػػد انتقػػد شػػيم اإلسػػبلـ ابػػن تيميػػة مػػن قَ َ‬ ‫تعري ػػف اإليب ػػاف عل ػػى ؾب ػػرد التص ػػديق‪ ،‬ورد ذل ػػك أن ػػو‪ :‬اإلق ػرار ال ؾب ػػرد التص ػػديق‪ ،‬فق ػػاؿ ‪ ‬يف ؾبم ػػوع الفت ػػاو (‪/ٚ‬‬ ‫‪« :)ٖٙٛ‬معلػػوـ أف اإليبػػاف ىػػو اإلق ػرار ال ؾبػػرد التصػػديق‪ ،‬واإلق ػرار يتضػػمن قػػوؿ القلػػب الػػتي ىػػو التصػػديق‪ ،‬وعمػػل‬ ‫القلب التي ىو االنقياد»‪.‬‬ ‫وقاؿ ابن القيا ‪ ‬يف كتاب الصبلة (ٕ٘)‪« :‬فإف اإليباف ليس ؾبرد التصديق‪ ،‬وإمبا ىو التصديق اؼبستلزـ للطاعػة‬ ‫واالنقياد»‪.‬‬ ‫وقد ذكر شيم اإلسبلـ ‪ ‬أف اإليباف ليس مرادفًا للتصديق ألموٍر منها‪:‬‬ ‫ٔ‪ -‬أف لفػػص صػػدؽ يتعػػد بنفسػػو فيقػػاؿ‪ :‬صػػدقو‪ ،‬أمػػا لفػػص فمػػن فػػبل يتعػػد بنفسػػو‪ ،‬بػػل يتعػػد ابلبػػا ‪ :‬فمػػن بػػو‪،‬‬ ‫وكػػتلك ابل ػػبلـ‪ :‬فم ػػن ل ػػو‪ ،‬وال يق ػػاؿ‪ :‬فمن ػػو‪ -ٕ.‬لف ػػص اإليبػػاف ال يس ػػتعمل إال يف األم ػر الغيبي ػػة‪ ،‬أم ػػا لف ػػص التص ػػديق‬ ‫فيستعمل يف ا﵀سوسة والغيبية‪ -ٖ.‬لفػص اإليبػاف يف اللغػة ال يقابػل ابلتكػتيب‪ ،‬بػل ابلكفػر فيقػاؿ‪ :‬فمػن بػو أو كفػر‪،‬‬ ‫خببلؼ لفص التصديق فيقابل ابلتكتيب‪ ،‬فيقاؿ‪ :‬صدقو أو كتبو‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫األمر األول‪ :‬قول القلب‪ :‬وىو التصديق واالعتقاد‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬قول اللسان‪ :‬وىو إقراره والتزامو‪ ،‬أي‪ :‬النطق ابلشهادتُت‪ ،‬واإلقرار بلوازمها‪.‬‬ ‫األمر الثالث‪ :‬عمل القلب‪ :‬وىو‪ :‬نيتو وتسليمو‪ ،‬وإخبلصو وإذعانو‪ ،‬وخضوعو وانقياده‪،‬‬ ‫والتزامو وإقبالو إذل هللا تعاذل‪ ،‬وتوكلو عليو ‪-‬سبحانو‪ -‬ورجاؤه‪ ،‬وخشيتو وتعظيمو‪ ،‬وحبو وإرادتو‪.‬‬ ‫األمر الرابع‪ :‬عمل اجلوارح‪ :‬وىو‪ :‬فعل اؼبأمورات والواجبات‪ ،‬وترؾ اؼبنهيات وا﵀رمات‪.‬‬ ‫معىن اإلميان حال اإلطبلق والتقييد (اإلميان ادلطلق‪ ،‬ومطلق اإلميان)‪:‬‬ ‫‪ )3‬اإلميان حال اإلطبلق (اإلميان ادلطلق)‪:‬‬ ‫اإليباف اؼبطلق التي ال يتقيد دبعصية وال بفسوؽ وال بنحو ذلك‪ ،‬فهو التي أتى دبا‬ ‫يستطيعو من الواجبات مع تركو عبميع ا﵀رمات‪ ،‬فيكوف صاحبو فبن يؤدي الواجبات ويتجنب‬ ‫الكبائر‪ ،‬وىو فبن وعد ابعبنة ببل عتاب‪ ،‬فهتا ىو التي يطلق عليو اسا اإليباف من غَت تقييد‪،‬‬ ‫﴿ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬ ‫وىو اؼبتكور يف مثل قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬ ‫﴿ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬ ‫ﲝ ﲞ﴾ [اغبديد‪ ،]ٕٔ :‬ويف مثل قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ﴾ [األنفاؿ‪.]ٕ :‬‬ ‫‪ )2‬اإلميان حال التقييد (مطلق اإلميان)‪:‬‬ ‫اؼبراد بو أف يكوف صاحبو معو اإليباف اجململ‪ ،‬لكنو إيباف انقص‪ ،‬وىو اإليباف الواجب على‬ ‫صبيع الناس‪ ،‬وإف كاف عنده شي من الكبائر‪ ،‬لكنو سلا من الوقوع يف الشرؾ والكفر اؼبخرج‬ ‫من اؼبلة‪ ،‬وحقيقة اإلميان ادلقيد‪ :‬أف يكوف مع صاحبو اغبد األدىن من اإليباف التي ىو شرط‬ ‫﴿ﭐﱁ‬ ‫صحة اإليباف‪ ،‬والنجاة من اػبلود يف النار يف اآلخرة‪ ،‬وىتا ىو اؼبراد دبثل قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﲂ﴾ [النسا ‪.]ٜٕ :‬‬ ‫فيدخل يف ىته الرقبة اليت يشًتط اإليباف فيها كل مؤمن وإف كاف انقص اإليباف‪.‬‬ ‫فيطلق على صاحب ىتا اإليباف أنو مؤمن انقص اإليباف أو فاسق‪ ،‬يقوؿ شيم اإلسبلـ‬ ‫لي اإلسبلـ‬‫ابن تيمية ‪ ‬يف بياف عقيدة أىل السنة واعبماعة‪« :‬وال يسلُبوف الفاسق اؼبِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫ابلكلية‪ ،‬وال ىبلدونو يف النار كما تقولو اؼبعتزلة؛ بل الفاسق يدخل يف اسا اإليباف كما يف قولو‪:‬‬ ‫﴿ﱎ ﱏ ﭠ﴾ [النسا ‪ ،]ٜٕ :‬وقد ال يدخل يف اسا اإليباف اؼبطلق كما يف قولو‬ ‫تعاذل‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ [األنفاؿ‪،]ٕ :‬‬ ‫وقولو ‪(( :‬ال يزين الزاين حُت يزين وىو مؤمن‪ ،‬وال يسرؽ السارؽ حُت يسرؽ وىو مؤمن‪ ،‬وال‬ ‫يشرب اػبمر حُت يشرهبا وىو مؤمن‪ ،‬وال ينتهب هنبة ذات شرؼ يرفع الناس إليو فيها أبصارىا‬ ‫حُت ينتهبها وىو مؤمن))‪ ،‬ونقوؿ‪ :‬ىو مؤمن انقص اإليباف‪ ،‬أو مؤمن إبيبانو فاسق بكبَتتو‪،‬‬ ‫فبل يعطى االسا اؼبطلق وال يسلب مطلق االسا» (ٔ)‪.‬‬ ‫مراتب اإلميان ودرجاتو‪:‬‬ ‫فبا سبق يتبُت لنا أف اإليباف مراتب ودرجات‪ ،‬فأىلو ليسوا فيو سوا ‪ ،‬والناس فيو متفاوتوف‬ ‫يف ربقيق اإليباف‪ ،‬ويبكن تقسيا اإليباف إذل ثبلث مراتب‪:‬‬ ‫ادلرتبة األوىل‪ :‬اإلميان اجململ (مطلق اإلميان)‪:‬‬ ‫واؼبقصود بو أف يكوف مع صاحبو اغبد األدىن من اإليباف التي ىو شرط يف صحة‬ ‫اإليباف‪ ،‬والنجاة من اػبلود يف النار‪ ،‬وبو تثبت األحكاـ من فرائض ومواريث‪ ،‬وحقوؽ وحدود‪،‬‬ ‫وذابئح ونكاح‪ ،‬وكبو ذلك‪.‬‬ ‫ادلرتبة الثانية‪ :‬اإلميان الواجب (اإلميان ادلطلق)‪:‬‬ ‫وىو اإليباف الكامل الواجب‪ ،‬فيكوف صاحبو فبن يؤدي الواجبات‪ ،‬وهبتنب الكبائر‪ ،‬وىو‬ ‫فبن ُوعد بدخوؿ اعبنة ببل عتاب‪.‬‬ ‫ادلستحب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ادلرتبة الثالثة‪ :‬اإلميان‬ ‫وىي مرتبة اإليباف الكامل ابؼبستحبات‪ ،‬ومرتبة اإلحساف‪ ،‬ومرتبة اؼبقربُت السابقُت‬ ‫ابػبَتات‪.‬‬ ‫العبلقة بني اإلسبلم واإلميان واإلحسان والفرق بينها‪:‬‬ ‫اإلسبلـ واإليباف واإلحساف ىته مراتب الدين اليت جا ت يف حديث جيريل ‪ ‬حُت‬ ‫سأؿ النيب ‪ ‬عنها‪ ،‬وقد حصل خبلؼ قدًن بُت العلما يف اؼبراد بكل منها‪ ،‬فمن ذلك النػزاع‬ ‫اؼبعروؼ يف اػببلؼ يف اإلسبلـ واإليباف ىل نبا مًتادفاف ومعنانبا واحد‪ ،‬أو لكل واحد منهما‬ ‫(ٔ) ؾبموع الفتاو (ٖ‪.)ٔ٘ٔ /‬‬ ‫‪4‬‬ ‫معٌت‪ ،‬ويبكن توضيح ىته األقواؿ دبا يلي‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬أف اإلسبلـ واإليباف مًتادفاف‪ ،‬فاإلسبلـ ىو اإليباف‪ ،‬واإليباف ىو اإلسبلـ‬ ‫﴿ﭐﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬ ‫وال فرؽ بينهما‪ ،‬وقد استدلوا أدلة منها قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ﴾ [التارايت‪ ،]ٖٙ-ٖ٘ :‬حيث وصف َم ْن مع لوط عليو‬ ‫اإلسبلـ مرة ابؼبؤمنُت ومرة ابؼبسلمُت‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬التباين‪ :‬فقاؿ فريق من أىل العلا‪ :‬إف اإلسبلـ يباين اإليباف ويفًتؽ عنو‪،‬‬ ‫فيكوف معٌت اإلسبلـ األعماؿ الظاىرة‪ ،‬ومعٌت اإليباف األعماؿ الباطنة‪ ،‬ويدؿ عليو حديث‬ ‫جيريل ‪ ،‬حيث فسر النيب ‪ ‬اإلسبلـ ابألعماؿ الظاىرة‪ ،‬وفسر اإليباف ابإليباف القليب‪،‬‬ ‫خرجُت مع لوط عليو ‪ ‬ىا‬ ‫وأجابوا عن اآلية اليت استدؿ هبا أصحاب القوؿ األوؿ‪ :‬أف اؼبُ َ‬ ‫أىل اإليباف فقط‪ ،‬وأما أىل البيت فجا وصفها ابإلسبلـ الظاىر؛ ألف معها زوجتو وىي‬ ‫﴿ﭐﱽ‬ ‫أيضا قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ليست مؤمنة‪ ،‬بل من أىل النفاؽ‪ ،‬فلا تكن مع اؼبخرجُت‪ ،‬ويدؿ عليو ً‬ ‫ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬ ‫ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ﴾ [اغبجرات‪.]ٔٗ :‬‬ ‫بعد‪ ،‬ولكن معكا شي من اإليباف؛ ألهنا ليسوا‬ ‫يعٍت‪ :‬أف اإليباف ما دخل يف قلوبكا ُ‬ ‫منافقُت‪ ،‬وإمبا معها شي من اإليباف يصح بو إسبلمها‪ ،‬وىو تصديق اب﵁ ‪ ‬وبرسولو‪ ،‬وأنو‬ ‫ىو اؼبعبود وحده‪.‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬التي عليو أكثر العلما ؛ أف مسمى اإلسبلـ غَت مسمى اإليباف‪ ،‬وبينهما‬ ‫تبلزما يف‬ ‫اجتمعا؛ ألف بينهما ً‬‫َ‬ ‫فرؽ؛ ويقاؿ فيهما القاعدة اؼبشهورة‪ :‬إذا اجتمعا افًتقَا وإذا افًتقا‬ ‫الوجود‪ ،‬فكل واحد منهما مكمل لآلخر‪ ،‬حبيث ال ينفك بعضهما عن بعض‪ ،‬وأهنما إذا‬ ‫اجتمعا يف مدلوؽبما(ٔ)‪ ،‬وأنو إذا وجد أحدنبا يف نص‬ ‫َ‬ ‫اجتمعا اختل َفا يف مدلوؽبما‪ ،‬وإذا افًتقَا‬ ‫َ‬ ‫جتمعا يف نص واحد فكل منهما يفسر دبعناه اؼبتكور‪ ،‬دبعٌت أنو‬ ‫دوف اآلخر فهو الزـ لو‪ ،‬وإف ا َ‬ ‫اجتمعا ابللفص افًتقَا ابؼبعٌت‪ ،‬أي‪ :‬إذا قرف اإلسبلـ واإليباف يف نص‪ :‬فَتاد ابإلسبلـ األعماؿ‬ ‫َ‬ ‫إذا‬ ‫الظاىرة من العبادات‪ :‬الشهاداتف‪ ،‬والصبلة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصياـ‪ ،‬واغبج‪ ،‬أي‪ :‬االستسبلـ ﵁‬ ‫تعاذل‪ ،‬واػبضوع واالنقياد لو‪-‬سبحانو‪-‬ابلعمل‪.‬‬ ‫(ٔ) وىي قاعدة مشهورة‪ :‬مثل الفقَت واؼبسكُت‪ ،‬والير والتقو ‪ ،‬واإلمث والعدواف‪ ،‬وغَتىا‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ويراد ابإليباف االعتقادات الباطنة‪ ،‬وىي اإليباف اب﵁ تعاذل‪ ،‬ومبلئكتو‪ ،‬وكتبو‪ ،‬ورسلو‪،‬‬ ‫القدر خَته وشره‪ ،‬أي‪ :‬تصديق القلب وإقراره ومعرفتو‪.‬‬ ‫واليوـ اآلخر‪ ،‬و َ‬ ‫اجتمعا؛ فيشمل كل واحد منهما الدين كلو؛ من أصولو وفروعو؛ من‬ ‫َ‬ ‫وإذا افًتقَا يف نص‬ ‫اعتقاداتو وأفعالو الظاىرة والباطنة‪.‬‬ ‫مفردا فاؼبراد هبما الدين كلو‪ ،‬دبا فيو من‬‫مفردا‪ ،‬أو اإليباف ً‬ ‫أي‪ :‬إذا جا ذكر اإلسبلـ ً‬ ‫إسبلـ وإيباف‪ ،‬واستسبلـ وشعائر‪ ،‬وشرائع ومناىج‪ ،‬وأحكاـ‪.‬‬ ‫أما اإلحساف فهو متعلق ابإلسبلـ واإليباف‪ ،‬حيث جا تفسَته دبراقبة هللا تعاذل يف العمل‬ ‫ظاىرا وابطنًا‪ ،‬فمن وصل إذل درجة اإلحساف فبلبد أف يكوف حقق اإلسبلـ واإليباف؛ وؽبتا‬ ‫ً‬ ‫قاؿ العلما ‪ :‬اإلسبلـ دائرة كبَتة‪ ،‬واإليباف دائرة أخص‪ ،‬مث اإلحساف دائرة أخص‪ ،‬فكل ؿبس ٍن‬ ‫ومسلا‪ ،‬وكل مؤم ٍن ٌ‬ ‫مسلا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مؤمن‬ ‫ٌ‬ ‫ومثاؿ ذلك أف اإلسبلـ واإليباف واإلحساف كمثل بيت واحد من ثبلث طبقات‪ ،‬فالطبقة‬ ‫العليا ىي اإلحساف‪ ،‬والطبقة الوسطى ىي اإليباف‪ ،‬والطبقة األخَتة ىي اإلسبلـ‪ ،‬فإذا خرج من‬ ‫اإلحساف دل ىبرج من اإليباف‪ ،‬وإذا خرج من اإليباف دل ىبرج من اإلسبلـ‪.‬‬ ‫دخول األعمال يف مسمى اإلميان عند أىل السنة وادلخالفني‪:‬‬ ‫مسمى اإليباف عند أىل السنة واعبماعة‪ ،‬كما أصبع عليو أئمتها وعلماؤىا‪ ،‬ىو‪« :‬تصديق‬ ‫ابعبناف‪ ،‬وقوؿ ابللساف‪ ،‬وعمل ابعبوارح واألركاف؛ يزيد ابلطاعة‪ ،‬وينقص ابؼبعصية»‪.‬‬ ‫ومن أصوؽبا اليت اتفقوا عليها يف مسمى اإليباف على اختبلؼ عباراهتا يف التعبَت ‪-‬إصباالً‬ ‫وتفصيبلً‪ -‬وذلك خوفًا من االشتباه‪ ،‬أو االلتباس؛ أف اإليباف مركب من‪( :‬قوؿ‪ ،‬وعمل)‪ ،‬أو‬ ‫(قوؿ‪ ،‬وعمل‪ ،‬ونية)‪ ،‬أو (قوؿ‪ ،‬وعمل‪ ،‬ونية‪ ،‬واتباع السنة)‪.‬‬ ‫أي‪ :‬أف مسمى اإليباف يطلق عند أىل السنة واعبماعة على ثبلث خصاؿ ؾبتمعة‪ ،‬ال‬ ‫ذبزئ إحدانبا عن األخر ‪ ،‬وىته اػبصاؿ الثبلث جامعة للدين‪:‬‬ ‫(اعتقاد القلب‪ ،‬إقرار اللساف‪ ،‬عمل اعبوارح)‪ ،‬فمن ترؾ العمل مطل ًقا فليس دبؤمن‪.‬‬ ‫فيعتقد أىل السنة واعبماعة أف األعماؿ (الظاىرة والباطنة) داخلة يف مسمى اإليباف‪ ،‬قاؿ‬ ‫اإلماـ البخاري ‪« :‬كتبت عن ألف وشبانُت رجبلً ليس فيها إال صاحب حديث كانوا‬ ‫‪6‬‬ ‫يقولوف‪ :‬اإليباف قوؿ وعمل‪ ،‬ويزيد وينقص» (ٔ)‪.‬‬ ‫وفبا يدؿ على أنو ال بد مع اعتقاد القلب من إقرار اللساف وعمل اعبوارح؛ وصف هللا‬ ‫تعاذل للمؤمنُت الصادقُت يف كثَت من اآلايت بصفات زائدة على التصديق؛ إذ وصفها‬ ‫ابػبصاؿ الثبلثة اؼبتكورة؛ كما أطلق ‪ ‬صفة اؼبؤمنُت الكاملُت‪-‬حقًّا وصدقًا‪-‬على التين فمنوا‬ ‫اب﵁ تعاذل‪ ،‬وصدقوا رسولو ‪ ،‬ودل يشكوا يف ذلك‪ ،‬ودل يراتبوا‪ ،‬وانقادوا ألمره‪ ،‬مث عملوا دبا‬ ‫فمنوا بو؛ من أصوؿ الدين وفروعو‪ ،‬وظاىره وابطنو‪ ،‬وظهرت فاثر ىتا اإليباف يف عقائدىا‪،‬‬ ‫وأقواؽبا‪ ،‬وأعماؽبا الظاىرة والباطنة؛ وهبته األعماؿ حققوا اإليباف الكامل؛ فاستحقوا ىتا‬ ‫الوصف من رهبا ‪ ،‬فدؿ كل ىتا على أف اإليباف يعا ىته اػبصاؿ الثبلث؛ ألف هللا تعاذل‬ ‫أدخل أعماؽبا يف مسمى اإليباف يف اآلايت القرفنية‪ ،‬وجعلها شرطًا يف قبوؿ إيباهنا‪ ،‬إذف فبل‬ ‫حقا إال بتلك األعماؿ الصاغبة‪ ،‬فمن تلك النصوص‪:‬‬ ‫يكوف اؼبؤمن مؤمنًا ًّ‬ ‫﴿ﭐﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬ ‫ٔ‪ -‬قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬ ‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬ ‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ﴾ [األنفاؿ‪.]ٗ-ٔ :‬‬ ‫﴿ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬ ‫ٕ‪ -‬قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ‬ ‫ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ‬ ‫ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ‬ ‫ﱶ ﱷ ﱸ﴾ [البقرة‪.]ٔٚٚ :‬‬ ‫﴿ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ﴾‬ ‫ٖ‪ -‬قولو تعاذل‪:‬‬ ‫[البقرة‪ ،]ٖٔٗ :‬أي صبلتكا إذل بيت اؼبقدس‪.‬‬ ‫ٗ‪ -‬قاؿ ‪(( :‬اإليباف بضع وسبعوف شعبة‪ ،‬فأعبلىا قوؿ ال إلو إال هللا‪ ،‬وأدانىا إماطة األذ‬ ‫(ٔ) الشريعة لآلجري (ٕٓٔ)‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫عن الطريق‪ ،‬واغبيا شعبة من اإليباف)) (ٔ)‪ ،‬فقوؿ ال إلو إال هللا يدخل فيو قوؿ القلب‬ ‫واللساف‪ ،‬وإماطة األذ يدخل فيو عمل اعبوارح‪ ،‬واغبيا عمل القلب‪.‬‬ ‫مذاىب ادلرجئة والوعيدية يف مسمى اإلميان والرد عليهما‪:‬‬ ‫ذكر شيم اإلسبلـ ابن تيمية ‪ ‬أف اؼبخالفُت ألىل السنة يف مسمى اإليباف ؽبا شبهتاف‪:‬‬ ‫الشبهة األوذل‪ :‬اعتقادىا أف اإليباف كل ال يتجزأ‪ ،‬إما أف يوجد كلو‪ ،‬وإما أف يتىب كلو‪.‬‬ ‫كفر وإيباف‪.‬‬ ‫الشبهة الثانية‪ :‬أنو ال هبتمع يف اإلنساف ٌ‬ ‫أوالً‪ :‬ادلرجئة‪:‬‬ ‫اإلرجا مأخوذٌ من التأخَت؛ وظبيت اؼبرجئة بتلك ألهنا اتفقوا على أتخَت العمل عن‬ ‫مسمى اإليباف على اختبلؼ بينها‪.‬‬ ‫أقسام ادلرجئة‪:‬‬ ‫أ‪ -‬اجلهمية الغبلة‪ :‬يروف أف اإليباف ىو اؼبعرفة فقط‪ ،‬فيلزـ من متىب ىؤال أف يكوف إبليس‬ ‫وفرعوف مؤمن ِ‬ ‫ُت‪ ،‬ألهنما يعرفوف هللا حقيقة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬مذىب مجهور األشاعرة‪ :‬يروف أف اإليباف ىو التصديق ابلقلب‪ ،‬فأخرجوا قوؿ اللساف‬ ‫وعمل اعبوارح عن مسمى اإليباف‪ ،‬فعندىا كل من صدؽ بقلبو اب﵁ تعاذل وبنبيو ‪ ‬فهو‬ ‫مؤمن‪ ،‬حىت لو دل يعمل شيئا من العمل‪ ،‬ولو دل ينطق بلسانو شيئًا‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الكرامية‪ :‬جعلوا اإليبا َف َ‬ ‫ؾبرد قوؿ اللساف‪ ،‬فيلزـ من قوؽبا أ ْف يكوف اؼبنافق مؤمنًا‪ ،‬مع أهنا‬ ‫دل يلتزموا بتلك‪.‬‬ ‫د‪ -‬مرجئة الفقهاء (أبو حنيفة ومن قال بقولو)‪ :‬يروف أف اإليباف ىو ؾبرد تصديق القلب مع‬ ‫قوؿ اللساف‪.‬‬ ‫الرد عليهم‪:‬‬ ‫‪ -‬اعبهمية التين يروف أف اإليباف ىو اؼبعرفة فقط‪ ،‬قوؽبا واضح البطبلف؛ ؼبا يلزـ عليو من لوازـ‬ ‫معروؼ اآلف‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ابطلة‪ ،‬وؽبتا دل يتىب إليو أحد‬ ‫‪ -‬يرد على األشاعرة التين جعلوا اإليباف ىو ؾبرد التصديق‪ ،‬أف النصوص اليت سبق ذكرىا يف‬ ‫دخوؿ العمل يف مسمى اإليباف كثَتة جدًّا‪.‬‬ ‫(ٔ) صحيح مسلا (ٖ٘)‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪ -‬وأنو يلزـ من قوؽبا‪ :‬إف من صدؽ بقلبو اب﵁ ورسولو‪ ،‬مث دل ِّ‬ ‫يصل ودل يصا‪ ،‬ودل يعمل عمبلً‬ ‫مطل ًقا أنو مؤمن‪ ،‬وأنو ال يكفر حىت لو أتى بناقض من نواقض اإلسبلـ كالسحر أو‬ ‫االستهزا ابلدين أو غَتىا‪ ،‬ما داـ مصدقًا بقلبو‪ ،‬وىتا من أفسد اللوازـ‪ ،‬فعندىا أف الكفر‬ ‫ال يكوف إال ابعبحود والتكتيب فقط؛ وؽبتا جا يف كتب الفقو أحكاـ الردة‪ ،‬ودل ربصر‬ ‫الردة يف االعتقاد فقط‪ ،‬بل تكوف بكل اعتقاد أو قوؿ أو فعل يناقض اإليباف اب﵁ تعاذل‪،‬‬ ‫ورسولو ‪.‬‬ ‫استدؿ األشاعرة على قوؽبا أف النصوص عطفت العمل الصاحل على اإليباف‪ ،‬والعمل‬ ‫﴿ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬ ‫يقتضي اؼبغايرة‪ ،‬مثل قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﱐ ﱑ﴾ [العصر‪.]ٖ :‬‬ ‫وهباب عنو أف ىتا من ابب عطف اػباص على العاـ‪ ،‬مثل عطف جيريل على اؼببلئكة‪.‬‬ ‫أما استدالذلم أبن اإلميان يف اللغة ىو التصديق‪ ،‬فريد عليو مبا يلي‪:‬‬ ‫ٔ‪ -‬أف اإليباف يف اللغة ليس مرادفًا للتصديق‪ ،‬وإمبا ىو دبعٌت اإلقرار‪ ،‬ولو قيل‪ :‬اإليباف يف اللغة‬ ‫الفرج‬ ‫التصديق‪ ،‬فالتصديق يكوف ابلقلب واللساف وسائر اعبوارح‪ ،‬كما قاؿ النيب ‪(( :‬و ْ‬ ‫يصدؽ ذلك أو يكتبُو)) (ٔ)‪.‬‬ ‫ٕ‪ -‬أف اإليباف – لو قيل‪ :‬ىو التصديق‪ -‬فليس ىو مطلق التصديق‪ ،‬بل ىو تصديق خاص‬ ‫مقيد ٍ‬ ‫بقيود اتصل اللفص هبا‪.‬‬ ‫ٖ‪ -‬أف اإليباف لو قيل‪ :‬ىو التصديق‪ ،‬فالتصديق التاـ التي يقوـ ابلقلب يستلزـ ‪-‬وال بد‪-‬‬ ‫الواجب من أعماؿ القلوب واعبوارح‪ ،‬فإهنا لوازـ اإليباف التاـ‪ ،‬وانتفا البلزـ دليل على‬ ‫انتفا اؼبلزوـ‪.‬‬ ‫أيضا قد نقل‬ ‫أحكاما‪ ،‬و ً‬ ‫ً‬ ‫ٗ‪ -‬أف لفص اإليباف بقي على معناه يف اللغة‪ ،‬ولكن الشارع زاد فيو‬ ‫اؼبعٌت من اللغة إذل الشرع‪ ،‬كما ىو الشأف يف الصبلة والصياـ واغبج وغَتىا‪.‬‬ ‫الرد على مرجئة الفقهاء (أيب حنيفة ومن تبعو)‪:‬‬ ‫مرجئة الفقها ىا أقرب طوائف اؼبرجئة إذل قوؿ أىل السنة واعبماعة يف اإليباف‪ ،‬واػببلؼ‬ ‫معها أقل‪ ،‬فمرجئة الفقها كأيب حنيفة وأصحابو ‪ ‬قالوا‪ :‬اإليباف ىو قوؿ ابللساف‪،‬‬ ‫(ٔ) صحيح البخاري (ٕٔ‪ ،)ٙٙ‬وصحيح مسلا (‪.)ٕٙ٘ٚ‬‬ ‫‪9‬‬ ‫واعتقاد ابلقلب فقط‪ ،‬ودل يدخلوا العمل يف مسمى اإليباف‪ ،‬فها ‪ ‬تعاذل أوجبوا العمل‪،‬‬ ‫وقالوا‪ :‬إف صاحبو يوـ القيامة ‪-‬أي‪ :‬اؼبقصر فيو‪ -‬عرضة للعقوبة‪ ،‬فلا يقولوا بقوؿ غبلة اؼبرجئة‪:‬‬ ‫إف مرتكب الكبَتة أو اترؾ الواجب مؤمن كامل اإليباف‪ ،‬ويوـ القيامة يكوف يف اعبنة‪ ،‬وإمبا‬ ‫وافقوا أىل السنة واعبماعة يف أنو يكوف يوـ القيامة ربت مشيئة هللا‪ ،‬إف شا عتبو وإف شا‬ ‫غفر لو‪ ،‬لكن مرجئة الفقها خالفوا أىل السنة يف أمور‪ :‬منها‪ :‬قوؽبا‪ :‬إف أصل اإليباف عند‬ ‫صبيعا واحد ال يتفاوتوف فيو‪ ،‬وىتا غَت صحيح‪ ،‬بل الناس يتفاوتوف يف التصديق‪،‬‬ ‫الناس ً‬ ‫ويتفاوتوف يف األعماؿ‪ ،‬ومن مث يتفاوتوف يف اإليباف‪.‬‬ ‫أيضا قوؽبا‪ :‬إف األعماؿ ال تدخل يف مسمى اإليباف‪ ،‬ويف كتاب هللا ويف سنة‬ ‫وكتلك ً‬ ‫رسوؿ هللا ‪ ‬التنصيص على ذلك‪ ،‬وؽبتا دل يك ِّفروا ً‬ ‫أحدا بًتؾ العمل الظاىر‪.‬‬ ‫أيضا ربريبها االستثنا يف اإليباف‪ ،‬أي أف يقوؿ اإلنساف‪ :‬أان مؤمن إف شا هللا‪،‬‬ ‫كتلك ً‬ ‫من غَت شك‪.‬‬ ‫وقد استدلوا أبدلة منها‪:‬‬ ‫﴿ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫ٔ‪ -‬أف هللا ‪ ‬قد ّفرؽ يف كتابو بُت اإليباف والعمل‪ ،‬فقاؿ يف غَت موضع‪:‬‬ ‫ﮔ ﮕ﴾‪ ،‬ففي عطف األعماؿ الصاغبة على اإليباف دليل على أف األعماؿ‬ ‫ليست من اإليباف؛ ألف العطف يقتضي اؼبغايرة‪.‬‬ ‫﴿ﱁ ﱂ‬ ‫ٕ‪ -‬أف هللا سبحانو قد خاطب اإلنساف ابإليباف قبل وجود األعماؿ‪ ،‬فقاؿ‪:‬‬ ‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬ ‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﲁ﴾ [اؼبائدة‪.]ٙ :‬‬ ‫ٖ‪ -‬قالوا‪ :‬لو أف رجبلً فمن اب﵁ ورسولو ضحوةً‪ ،‬ومات قبل أف هبب عليو شي من األعماؿ‬ ‫ؼبات مؤمنًا‪ ،‬وكاف من أىل اعبنة‪ ،‬فدؿ على أف األعماؿ ليست من اإليباف‪.‬‬ ‫والرد عليهم يكون مبا يلي‪:‬‬ ‫ٔ‪ -‬أما قوؽبا أف هللا عطف العمل الصاحل على اإليباف فقد سبق بياف ذلك‪ ،‬وأنو من عطف‬ ‫اػباص على العاـ‪ ،‬يقوؿ شيم اإلسبلـ ابن تيمية ‪« :‬وقد بينا أف اإليباف إذا أطلق‬ ‫أدخل هللا ورسولو فيو األعماؿ اؼبأمور هبا‪ ،‬وقد يقرف بو األعماؿ‪ ،‬وذكران نظائر لتلك‬ ‫كثَتة؛ وذلك ألف أصل اإليباف ىو ما يف القلب‪ ،‬واألعماؿ الظاىرة الزمة لتلك‪ ،‬ال‬ ‫‪10‬‬ ‫يتصور وجود إيباف القلب الواجب مع عدـ صبيع أعماؿ اعبوارح‪ ،‬بل مىت نقصت األعماؿ‬ ‫الظاىرة؛ كاف لنقص اإليباف التي يف القلب‪ ،‬فصار اإليباف متناوالً للملزوـ والبلزـ‪ ،‬وإف‬ ‫كاف أصلو ما يف القلب‪ ،‬وحيث عطفت عليو األعماؿ‪ ،‬فإنو أريد أنو ال يكتفي إبيباف‬ ‫القلب‪ ،‬بل ال بد معو من األعماؿ الصاغبة» (ٔ)‪.‬‬ ‫ٕ‪ -‬أما قوؽبا‪ :‬إهنا خوطبوا ابإليباف قبل األعماؿ‪« ،‬فنقوؿ‪ :‬إف قلتا‪ :‬إهنا خوطبوا بو قبل أف‬ ‫ذبب تلك األعماؿ‪ ،‬فقبل وجوهبا دل تكن من اإليباف‪ ،‬وكانوا مؤمنُت اإليباف الواجب‬ ‫عليها‪ ،‬قبل أف يفرض عليها ما خوطبوا بفرضو‪ ،‬فلما نزؿ إف دل يقروا بوجوبو دل يكونوا‬ ‫مؤمنُت» (ٕ)‪.‬‬ ‫ٖ‪ -‬أما قوؽبا‪ :‬إف من فمن ومات قبل وجوب العمل عليو مات مؤمنًا‪ ،‬ودخل اعبنة فصحيح‪،‬‬ ‫بعد‪.‬‬ ‫ألنو أتى ابلواجب عليو‪ ،‬والعمل دل يكن وجب عليو ُ‬ ‫كما يػَُرّد على ىؤال إبصباع السلف الصاحل قاطبة رضواف هللا عليها‪ ،‬أف اإليباف قوؿ‬ ‫وعمل‪ ،‬يزيد ابلطاعات‪ ،‬وينقص ابؼبعاصي‪.‬‬ ‫مذىب الوعيدية يف مسمى اإلميان‪:‬‬ ‫الوعيدية ىا التين يقطعوف إبنفاذ وعيد من لقي هللا على كبَتة‪ ،‬وقد ظهر ىتا االذباه‬ ‫ظهورا يف اإلسبلـ‪ ،‬مث تبٌت ىتا االذباه اؼبعتزلة أوائل القرف‬ ‫على يد اػبوارج‪ ،‬وىا أوؿ أىل البدع ً‬ ‫الثاين‪ ،‬وال يزاؿ ىتا القوؿ حيًّا حىت ىتا اليوـ‪ ،‬وتدين بو اإلابضية والزيدية‪ ،‬واؼبعتزلة وصباعة‬ ‫التكفَت واؽبجرة‪ ،‬وغَتىا‪.‬‬ ‫وقوؽبا يف اإليباف‪ :‬إف اإليباف قوؿ وعمل‪ ،‬لكنها خالفوا أىل السنة أف جعلوا األعماؿ‬ ‫الواجبة أسرىا شرطًا يف بقا اإليباف‪ ،‬فاإليباف عندىا حقيقة واحدة‪ ،‬يلزـ من زواؿ جزئو زوالو‬ ‫كلو‪ ،‬فمن وقع يف كبَتة أو ترؾ واجبًا فقد خرج من اإليباف إذل الكفر‪.‬‬ ‫لكن قالت اػبوارج‪ :‬ىو كافر يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقالت اؼبعتزلة‪ :‬ىو يف الدنيا يف منػزلة بُت‬ ‫منػزلتُت‪ ،‬ويف اآلخرة ـبل ٌد يف النار‪.‬‬ ‫(ٔ) كتاب اإليباف (‪.)ٔ٘ٚ‬‬ ‫(ٕ) كتاب اإليباف (‪.)ٔ٘ٙ‬‬ ‫‪11‬‬ ‫وقد استدلوا على مذىبهم أبدلة منها‪:‬‬ ‫فرا‪ ،‬أو نفي اإليباف عن صاحبها‪ ،‬كما يف‬ ‫ٔ‪ -‬أنو جا يف النصوص تسمية بعض األعماؿ ك ً‬ ‫حديث‪(( :‬سباب اؼبسلا فسوؽ‪ ،‬وقتالو كفر)) (ٔ)‪ ،‬وحديث‪(( :‬ال يزين الزاين حُت يزين‬ ‫وىو مؤمن)) (ٕ)‪.‬‬ ‫﴿ﲃ‬ ‫ٕ‪ -‬اغبكا على صاحب الكبَتة ابػبلود يف النار‪ ،‬أو ربرًن اعبنة‪ ،‬كما يف قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎ‬ ‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ﴾ [النسا ‪ ،]ٜٖ :‬وحديث‪(( :‬ال يدخل اعبنة قتّات)) (ٖ)‪،‬‬ ‫أي مباـ‪.‬‬ ‫ويرد عليهم‪:‬‬ ‫ٔ‪ -‬أف النصوص قد دلت على وصفها ابإليباف مع ارتكاهبا الكبَتة‪ ،‬كما أييت الكبلـ عليو يف‬ ‫مبحث حكا مرتكب الكبَتة‪.‬‬ ‫ٕ‪ -‬إطبلؽ الكفر على مرتكب الكبَتة يراد بو الكفر العملي‪ ،‬وليس ىو االعتقادي اؼبخرج من‬ ‫اؼبلة‪ ،‬وكتلك نفي اإليباف يراد بو نفي اإليباف اؼبطلق (أي الكامل)‪ ،‬وإف كاف معها مطلق‬ ‫اإليباف كما سبق‪ ،‬وربرًن اعبنة على مرتكب الكبَتة يراد بو أال يدخلها ابتدا ً بل ىو‬ ‫معرض للعقوبة‪ ،‬فقد يدخل النار ولكن ال ىبلد فيها‪ ،‬وقد يغفر لو‪ ،‬فهو ربت مشيئة هللا‬ ‫كما أييت بيانو إف شا هللا يف مبحث مرتكب الكبَتة‪.‬‬ ‫اػبلود األبدي‪ ،‬وقد دلت النصوص على زبصيص‬ ‫َ‬ ‫ٖ‪ -‬اػبلود يراد بو اؼبكث الطويل وليس‬ ‫أصحاب الكبائر من عموـ اػبلود األبدي‪.‬‬ ‫ٗ‪ -‬األدلة الكثَتة اليت دلت على إخراج اؼبوحدين من النار ابلشفاعة وغَتىا‪.‬‬ ‫زايدة اإلميان ونقصانو‪ :‬معناه واألدلة عليو‪:‬‬ ‫ذىب أىل السنة واعبماعة إذل أف اإليباف يزيد وينقص‪ ،‬يزيد ابلطاعة وينقص ابؼبعصية‪،‬‬ ‫فليس اإليباف شيئًا‪ ،‬وليس الناس يف إيباهنا سوا ً‪ ،‬فإيباف األنبيا ىبتلف عن إيباف غَتىا‪ ،‬وإيباف‬ ‫(ٔ) صحيح البخاري (‪ ،)ٗٛ‬وصحيح مسلا (ٗ‪.)ٙ‬‬ ‫(ٕ) صحيح البخاري (٘‪ ،)ٕٗٚ‬وصحيح مسلا (‪.)٘ٚ‬‬ ‫(ٖ) صحيح البخاري (٘‪.)ٙٓٙ‬‬ ‫‪12‬‬ ‫األتقيا ىبتلف عن إيباف العصاة‪.‬‬ ‫والزايدة والنقصاف تكوف ابلقلب واللساف واعبوارح‪ ،‬فالناس ىبتلفوف يف تصديقها وتوكلها‪،‬‬ ‫صَر الزايدة على جزٍ منها فقط‪.‬‬ ‫وخوفها وذكرىا وأعماؽبا‪ ،‬خبلفًا ؼبن قَ َ‬ ‫فتكوف زايدة اإليباف ابلطاعة‪ ،‬سوا ٌ أكانت ابلقلب‪ ،‬أـ ابللساف أـ ابعبوارح‪ ،‬ونقصو‬ ‫يكوف ابؼبعصية أي شي ٍ فبا سبق‪.‬‬ ‫األدلة على زايدة اإلميان ونقصانو‪:‬‬ ‫لقد جا ت نصوص الكتاب والسنة تدؿ داللة واضحة على زايدة اإليباف ونقصانو‪ ،‬وأف‬ ‫إيباان من بعض‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬ ‫أىلو فيو متفاضلوف‪ ،‬فبعضها أكمل ً‬ ‫[التوبة‪:‬‬ ‫﴿ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ﴾‬ ‫ٔ‪ -‬قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ٕٗٔ]‪.‬‬ ‫ٕ‪ -‬قولو تعاذل‪﴿ :‬ﭐﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲳ﴾ [اؼبدثر‪.]ٖٔ :‬‬ ‫ٖ‪ -‬ما جا عن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ‪(( :‬اإليباف بضع وسبعوف شعبةً‪،‬‬ ‫فأعبلىا قوؿ ال إلو إال هللا‪ ،‬وأدانىا إماطة األذ عن الطريق‪ ،‬واغبيا شعبة من‬ ‫اإليباف))(ٔ)‪.‬ووجو الداللة من اغبديث أف ىته الشعب اؼبتكورة يف اغبديث‪ ،‬ليست على‬ ‫درجة واحدة يف الفضل‪ ،‬بل بعضها أفضل من بعض‪ ،‬كما ىو ظاىر من قولو‪( :‬أعبلىا)‬ ‫وقولو‪( :‬أدانىا)‪ ،‬فهتا صريح يف أف اإليباف يزيد وينقص حبسب زايدة ىته الشرائع‬ ‫والشعب‪ ،‬واتصاؼ العبد هبا أو عدمو‪.‬‬ ‫وقاؿ شيم اإلسبلـ ابن تيمية ‪« :‬وأصبع السلف أف اإليباف قوؿ وعمل‪ ،‬يزيد‬ ‫وينقص»(ٕ)‪.‬‬ ‫نص يدؿ على زايدة اإليباف فإنو يتضمن الداللة على نقصو‬ ‫ِ‬ ‫قاؿ ابن عُثَيمُت ‪« ‬وكل ّ‬ ‫وابلعكس‪ ،‬ألف الزايدة والنقص متبلزماف‪ ،‬ال يعقل أحدنبا بدوف اآلخر» (ٖ)‪.‬‬ ‫لزوما‪،‬‬ ‫معا ً‬‫وهبتا يُعلا أف كل دليل ورد يف زايدة اإليباف‪ ،‬يعد دليبلً على الزايدة والنقصاف ً‬ ‫(ٔ) صحيح مسلا (ٖ٘)‪.‬‬ ‫(ٕ) ؾبموع الفتاو (‪.)ٕٙٚ /ٚ‬‬ ‫(ٖ) فتح رب اليرية بتلخيص اغبموية (ٖ‪.)ٙ‬‬ ‫‪13‬‬ ‫وكتا العكس واب﵁ التوفيق‪.‬‬ ‫ادلخالفون ألىل السنة واجلماعة يف زايدة اإلميان ونقصانو والرد عليهم‪:‬‬ ‫‪ )3‬اخلوارج وادلعتزلة‪:‬‬ ‫لقد ذىبت اػبوارج واؼبعتزلة متىب أىل السنة واعبماعة يف تعريف اإليباف من حيث إِنو‬ ‫شامل لؤلعماؿ واألقواؿ واالعتقادات‪ ،‬إال أهنا فارقوا أىل السنة واعبماعة بقوؽبا‪ :‬إف اإليباف‬ ‫يتجزأ‪ ،‬إذا ذىب بعضو ذىب كلو‪ ،‬وأنو ال يقبل التبعض‪ ،‬فجميع الطاعات داخلة‬ ‫كل واح ٌد ال ّ‬ ‫يف اإليباف‪ ،‬فإما أف يوجد اإليباف كلو أو يتىب كلو‪ ،‬فيكوف اإليباف عندىا ال يتفاضل‪ ،‬وؽبتا‬ ‫قالوا بكفر مرتكب الكبَتة‪ ،‬كما أييت إف شا هللا‪.‬‬ ‫الرد عليهم‪:‬‬ ‫ٔ‪ -‬أصل غلط ىؤال ومنشأ ضبلؽبا كما قاؿ شيم اإلسبلـ‪« :‬أهنا ظنوا أف الشخص الواحد‬ ‫ال يكوف مستحقًّا للثواب والعقاب‪ ،‬والوعد والوعيد‪ ،‬واغبمد والتـ‪ ،‬بل إما ؽبتا وإما ؽبتا‪،‬‬ ‫فأحبطوا صبيع حسناتو ابلكبَتة اليت فعلها‪ ،‬وقالوا‪ :‬اإليباف ىو الطاعة‪ ،‬فيزوؿ بزواؿ بعض‬ ‫الطاعة‪ ،‬مث تنازعوا ىل ىبلُ ُفوُ الكفر على القولُت» (ٔ)‪.‬‬ ‫ٕ‪ -‬لفص العبادة والطاعة‪ ،‬واػبَت واغبسنة‪ ،‬واإلحساف والصدقَة والعلا‪ ،‬وكبو ذلك فبا يدخل فيو‬ ‫أمور كثَتة يطلق االسا على قليلها وكثَتىا‪ ،‬وعند زواؿ بعض األجزا وبقا بعض األجزا ‪،‬‬ ‫وكتلك لفص القرفف فيقاؿ على صبيعو وعلى بعضو‪ ،‬ولو نزؿ قرفف أكثر من ىتا لسمي‬ ‫قرفان‪ ،‬وكتلك لفص التكر والدعا يقاؿ للقليل والكثَت‪ ،‬وكتلك لفص اعببل والنهر والبحر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والدار والقرية وكبو ذلك‪ ،‬يقاؿ على اعبملة اجملتمعة‪ ،‬مث ينقص كثَت من أجزائها واالسا‬ ‫اب ٍؽ‪ ،‬وكوف اإلنساف قد هبتمع فيو إيباف ونفاؽ‪ ،‬وإيباف وبعض شعب الكفر ْ‬ ‫دلت عليو‬ ‫نصوص صحيحة صروبة‪.‬‬ ‫ٖ‪ -‬أف أجزا اإليباف ـبتلفة متفاوتة‪ ،‬فمنها ما يزوؿ اإليباف كليةً بزواؽبا‪ ،‬كفعل أمر كفري انقض‬ ‫لئليباف‪ ،‬ومنها ما يزوؿ كماؿ اإليباف الواجب بزواؽبا كفعل كبَتة من الكبائر‪ ،‬ومنها ما‬ ‫يزوؿ كماؿ اإليباف اؼبستحب بزواؽبا كًتؾ إماطة األذ عن الطريق‪.‬‬ ‫(ٔ) شرح العقيدة األصفهانية (ٓ‪.)ٜٔٔ-ٜٔ‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪ )2‬ادلرجئة‪:‬‬ ‫ذىبت اؼبرجئة دبا فيها الغبلة وىا اعبهمية التين يروف أف اإليباف ىو اؼبعرفة فقط‪ ،‬أو‬ ‫األشاعرة التين يروف أف اإليباف ىو التصديق فقط‪ ،‬إذل أف اإليباف ال يقبل الزايدة والنقصاف‪،‬‬ ‫فهو شي ٌ واحد يتىب كلو‪ ،‬أو يبقى كلو؛ ألهنا زعموا أف اإليباف إذا كاف ىو اؼبعرفة أو‬ ‫التصديق‪ ،‬فهما ال يقببلف الزايدة والنقص‪ ،‬ومن قاؿ منها ابلزايدة والنقصاف جعل ذلك يف‬ ‫األعماؿ فقط‪.‬‬ ‫الرد عليهم‪:‬‬ ‫تصديق معو إقر ٌار ىتا يف‬ ‫ٌ‬ ‫ٔ‪ -‬أننا ال نسلا أف اإليباف ىو ؾبرد التصديق‪ ،‬بل ىو كما سبق‬ ‫اللغة‪ ،‬أما يف الشرع فهو شامل لبلعتقاد والقوؿ وعمل اعبوارح‪ ،‬وكل ىته الثبلثة يدخل‬ ‫فيها الزايدة والنقصاف‪ ،‬فتصديق الناس متفاوت‪ ،‬فالعباد يوجد عندىا من التصديق ما‬ ‫ىبتلف من وقت آلخر‪ ،‬وكتلك أقواؽبا واعتقاداهتا‪ ،‬فتكوف الزايدة والنقصاف يف قوؿ القلب‬ ‫التي ىو التصديق‪ ،‬ويف عمل القلب من اػبشية والتوكل وغَتىا‪ ،‬ويف قوؿ اللساف‪ ،‬ويف‬ ‫عمل اعبوارح‪.‬‬ ‫مثل إيباف األنبيا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٕ‪ -‬لو دل تكن حقيقة اإليباف متفاوتة بُت الناس لكاف إيبا ُف أفسق الناس َ‬ ‫وجيريل وميكائيل‪ ،‬وأفاضل الصحابة‪ ،‬وغَتىا‪ ،‬فإذا كاف ىتا ابطبلً كاف القوؿ بعدـ الزايدة‬ ‫والنقصاف ابطبلً‪.‬‬ ‫أسباب زايدة اإلميان ونقصانو وتفاضل أىلو فيو‪:‬‬ ‫اإلميان يزيد‪ :‬أعماؿ القلب واعبوارح‪ ،‬وبقوؿ اللساف‪ ،‬كالطاعات والعبادات‪ ،‬من‬ ‫التصديق واؼبعرفة والعلا‪ ،‬وذكر هللا تعاذل‪ ،‬واغبب والبغض يف هللا‪ ،‬واػبوؼ والرجا من هللا‪،‬‬ ‫والتوكل على هللا…اخل‪ ،‬والقياـ جبميع شعائر الدين من األعماؿ الصاغبة‪.‬‬ ‫اإلميان ينقص‪ :‬أعماؿ القلب واعبوارح‪ ،‬وبقوؿ اللساف؛ كفعل اؼبعاصي واؼبنكرات‪،‬‬ ‫وارتكاب التنوب والكبائر‪ ،‬واألقواؿ واألفعاؿ الرديئة‪ ،‬وبغفلة القلب ونسياف ذكر هللا تعاذل‪،‬‬ ‫وابغبسد‪ ،‬والكير‪ ،‬والعجب‪ ،‬والراي والسمعة‪ ،‬واعبهل‪ ،‬واإلعراض‪ ،‬والتعلق ابلدنيا‪ ،‬وقران‬ ‫السو ‪ ،‬وصبيع األعماؿ الطاغبة‪.‬‬ ‫إيباان‬ ‫أكمل ً‬ ‫ُ‬ ‫وأف أىل اإليباف يتفاضلوف يف إيباهنا على حسب علمها وعملها؛ فبعضها‬ ‫‪15‬‬ ‫من بعض‪.‬‬ ‫أسباب زايدة اإلميان‪:‬‬ ‫أسبااب عديدة تزيده وتنميو؛ إذا فعلها‬ ‫ارد كثَتة تعززه وتقويو‪ ،‬و ً‬ ‫إف هللا ‪ ‬جعل لئليباف مو َ‬ ‫قوي يقينُو وزاد إيبانُو‪ ،‬وارتفع درجاتو يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬واإليباف سبب لكل خَت عاجل وفجل‪.‬‬ ‫ومن أىم أسباب زايدة اإلميان اليت وردت يف الكتاب والسنة ما يلي‪:‬‬ ‫السبب األول‪ :‬طلب العلا النافع اؼبستمد من كتاب هللا تعاذل وسنة رسولو ‪ ‬والعمل‬ ‫بو؛ فمن وفق فيهما‪ ،‬فقد وفق ألعظا أسباب زايدة اإليباف‪.‬‬ ‫السبب الثاين‪ :‬معرفة أظبا هللا اغبسٌت‪ ،‬الواردة يف الكتاب والسنة‪ ،‬واغبرص على فها‬ ‫معانيها‪ ،‬والتعبد هبا‪.‬‬ ‫السبب الثالث‪ :‬قرا ة القرفف وتدبره‪ :‬فهو من أنفع دواعي زايدة اإليباف‪ ،‬فالتي يقرؤه‬ ‫بتدبر وأتمل؛ هبد فيو من العلوـ واؼبعارؼ ما يقوي بو إيبانو‪ ،‬ويزيده وينميو‪.‬‬ ‫السبب الرابع‪ :‬أتمل سَتة الرسوؿ األمُت ‪ ‬ومعرفة ما ىو عليو من األخبلؽ العالية‪،‬‬ ‫واألوصاؼ الكاملة‪ ،‬واػبصاؿ الكريبة‪ ،‬والشمائل اغبميدة؛ ألف من درس وأتمل سَتتو ‪‬‬ ‫وصفاتو؛ فقد استكثر لنفسو من اػبَت‪ ،‬وازداد حبو ويقينُو للنيب ‪ ،‬وأورثتو ىته ا﵀بة متابعتو‪،‬‬ ‫والعمل بسنتو ‪.‬‬ ‫السبب اخلام ‪ :‬اإلكثار من ذكر هللا تعاذل‪ ،‬والدعا ؛ ألنو من أىا أسباب صلة العبد‬ ‫بربو ‪ ،‬فهو يغرس شجرة اإليباف يف القلب ويغتيو ويقويو‪ ،‬وكتلك كثرة النوافل والطاعات‪،‬‬ ‫وغَت ذلك كثَت‪.‬‬ ‫االستثناء يف اإلميان‪ :‬معناه‪:‬‬ ‫ىو أف يقوؿ الشخص‪ :‬أان مؤمن إف شا هللا‪ ،‬وقد اختلف الناس فيو على ثبلثة أقواؿ‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬أن االستثناء يف اإلميان واجب‪:‬‬ ‫وقد قاؿ بو بعض السلف والكبلبية‪ ،‬لكن الكبلبية سبب قوؽبا بتلك ىو عدـ العلا حباؿ‬ ‫اإلنساف عند الوفاة‪ ،‬أما بعض السلف فسبب قوؽبا بتلك أف اإليباف شعب كثَتة‪ ،‬فمن وصف‬ ‫نفسو ابإليباف مطل ًقا فكأنو زّكى نفسو أنو قاـ هبا كلها‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬أن االستثناء يف اإلميان ال جيوز‪:‬‬ ‫احدا‪ ،‬إما اؼبعرفة‬ ‫وىو قوؿ اؼبرجئة واعبهمية‪ ،‬وسبب قوؽبا بتلك‪ ،‬أهنا يروف اإليباف شيئًا و ً‬ ‫أو التصديق‪ ،‬وىتا يعلمو اإلنساف من نفسو وال يقبل الشك فيو‪ ،‬بل ابلغ بعضها وكفر من‬ ‫استثٌت يف إيبانو‪.‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬اجلواز والتفصيل يف ذلك‪:‬‬ ‫وىتا متىب السلف‪ ،‬وىو القوؿ اغبق‪ ،‬فمن قصد ابستثنائو الشك حرـ‪ ،‬أما من كاف‬ ‫اػبوؼ من تزكية النفس فهتا جائز‪.‬‬ ‫اػبوؼ من عدـ اإلتياف ابإليباف كامبلً‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫قصده ابالستثنا‬ ‫ُ‬ ‫اات‬ ‫وأىل السنة واعبماعة‪ :‬يروف االستثنا يف اإليباف؛ لشدة خوفها من هللا تعاذل‪ ،‬وإثب ً‬ ‫ألقداره‪ ،‬ونفيًا لتزكية أنفسها‪ ،‬ال ًّ‬ ‫شكا فيما هبب عليها اإليباف بو‪ ،‬ولكن خوفًا أال يكونوا قاموا‬ ‫حبقائقو‪ ،‬ورجا َ أف أيتوا بواجباتو وكماالتو‪.‬‬ ‫ويبنعوف االستثنا إذا كاف على وجو الشك يف اإليباف؛ ألف الشك يف ذلك كفر؛ بل‬ ‫يقصدوف من ذلك‪ :‬نفي الشك يف إيباهنا من جهة‪ ،‬وعدـ اعبزـ بكمالو من جهة أخر ‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫المسائل العقدية المتعلقة بالكبيرة وأحكام أهل القبلة‬ ‫انقسام الذنوب إىل كبائر وصغائر‪ ،‬والفروق بينهما‪:‬‬ ‫دلت النصوص من الكتاب والسنة على أف التنوب تنقسا إذل كبائر وصغائر‪ ،‬قاؿ تعاذل‪:‬‬ ‫﴿ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬ ‫﴿ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ‬ ‫ﲍ ﲎ﴾ [النسا ‪ ،]ٖٔ :‬وقاؿ تعاذل‪:‬‬ ‫ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲰ﴾ [النجا‪.]ٖٕ :‬‬ ‫عن أيب ىريرة‪ ،‬أف رسوؿ هللا ‪ ‬كاف يقوؿ‪(( :‬الصلوات اػبمس‪ ،‬واعبمعة إذل اعبمعة‪ ،‬ورمضاف‬ ‫إذل رمضاف‪ ،‬مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) (ٔ)‪.‬‬ ‫قاؿ ابن القيا ‪« :‬وقد دؿ القرفف والسنة وإصباع الصحابة والتابعُت بعدىا واألئمة‪ ،‬على أف‬ ‫من التنوب كبائر وصغائر» (ٕ)‪.‬‬ ‫﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾‬ ‫قاؿ الشيم دمحم األمُت الشنقيطي ‪« :‬وقولو تعاذل‪:‬‬ ‫[النسا ‪ … ]ٖٔ :‬اآلية وقولو‪( :‬إال اللما)‪ ،‬يدؿ على عدـ اؼبساواة‪ ،‬وأف بعض اؼبعاصي كبائر‪،‬‬ ‫وبعضها صغائر‪ ،‬واؼبعروؼ عند أىل العلا أنو ال صغَتة مع اإلصرار‪ ،‬وال كبَتة مع االستغفار‪،‬‬ ‫والعلا عند هللا» (ٖ)‪.‬‬ ‫الفرق بني الكبائر والصغائر‪:‬‬ ‫يتبُت لنا الفرؽ بُت الكبائر والصغائر عند تعريف ٍّ‬ ‫كل من الكبَتة والصغَتة‪ ،‬ف ْلنبدأ ببياف تعريف‬ ‫الكبَتة‪.‬‬ ‫تعريف الكبرية‪:‬‬ ‫اختلف العلما يف ضابط الكبائر وعددىا‪ ،‬فمنها من حددىا بعدد معُت ثبلث‪ ،‬وقيل‪ :‬أربع‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬سبع‪ ،‬وقيل‪ :‬عشر‪ ،‬وقيل‪ :‬طبس عشرة‪ ،‬وقيل‪ :‬سبعوف‪ ،‬وقيل‪ :‬سبعمائة‪ ،‬وقيل غَت ذلك‪،‬‬ ‫(ٔ) صحيح مسلا (ٖٖٕ)‪.‬‬ ‫(ٕ) اعبواب الكايف (ٕ٘ٔ)‪.‬‬ ‫(ٖ) أضوا البياف (‪.)ٚٛ /ٚ‬‬ ‫‪18‬‬ ‫والصواب عدـ التحديد‪ ،‬وأن الكبرية ىي‪ :‬كل ذنب ترتب عليو حد يف الدنيا‪ ،‬أو وعيد يف‬ ‫بغضب أو لع ٍن‪ ،‬أو نُِف َي عنو اإليباف‪ ،‬أو نُص على أنو من الكبائر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اآلخرة‪ ،‬أو قرف‬ ‫وأما الصغرية‪:‬‬ ‫فهي كل ذنب دل يصل إذل حد الكبَتة السابق‪.‬‬ ‫وميكن ذكر أبرز الفروقات بني الكبائر والصغائر مبا يلي‪:‬‬ ‫ٔ‪ -‬الصغَتة كل ذنب دل يصل إذل حد الكبَتة‪.‬‬ ‫ٕ‪ -‬الكبائر تكفرىا التوبة‪ ،‬أما الصغائر فتكفر ابألعماؿ الصاغبة وابجتناب الكبائر‪ ،‬قاؿ‬ ‫تعاذل‪﴿ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬ ‫ﲌ ﲍ ﲎ﴾ [النسا ‪.]ٖٔٔ :‬‬ ‫وعن أيب ىريرة‪ ،‬أف رسوؿ هللا ‪ ‬كاف يقوؿ‪(( :‬الصلوات اػبمس‪ ،‬واعبمعة إذل اعبمعة‪،‬‬ ‫ورمضاف إذل رمضاف‪ ،‬مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) (ٔ)‪.‬‬ ‫والصغائر من اؼبعاصي والتنوب ينبغي عدـ التساىل هبا‪ ،‬ويشتد خطرىا عند‪ :‬اإلصرار واؼبداومة‬ ‫عليها‪ ،‬أو استصغارىا واحتقارىا‪ ،‬أو الفرح بفعلها واالفتخار هبا‪ ،‬أو اجملاىرة هبا‪ ،‬وكتلك أف‬ ‫يكوف فاعل اؼبعصية الصغَتة عاؼبا يقتد بو؛ ألنو إذا ظهر أماـ الناس دبعصيتو كير ذنبو‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إف اؼبعاصي والتنوب عند أىل السنة واعبماعة‪ :‬تؤثر يف اإليباف من حيث نقصو حبسب قلتها‬ ‫وكثرهتا‪ ،‬ال من حيث بقاؤه وذىابو؛ فاقًتاؼ اؼبعاصي دبفردىا واإلصرار عليها ال ىبرج من الدين‬ ‫إ ْف دل يقًت ْف هبا سبب من أسباب الكفر‪ ،‬كاستحبلؿ اؼبعصية‪ ،‬أو االستهانة حبكمها سوا كاف‬ ‫ابلقلب‪ ،‬أو اللساف‪ ،‬أو اعبوارح‪.‬‬ ‫حكم مرتكب الكبرية عند أىل السنة واجلماعة يف الدنيا واآلخرة‪:‬‬ ‫ذىب أىل السنة واعبماعة إذل أف مرتكب الكبَتة‪ ،‬اليت ىي دوف الشرؾ والكفر‪ ،‬ودل يتب منها‬ ‫مؤمن انقص اإليباف‪ ،‬فهو يف الدنيا يسمى مؤمنًا‪ ،‬لكنو انقص اإليباف‪ ،‬فبل يعطى اسا اإليباف‬ ‫ٌ‬ ‫اؼبطلق‪ ،‬وال يسلب عنو مطلق اإليباف‪ ،‬ويسمى فاس ًقا وعاصيًا‪ ،‬ويف اآلخرة‪ :‬ربت مشيئة هللا‬ ‫تعاذل إف شا عتبو وإف شا غفر لو‪ ،‬وإف عتب يف النار فإنو ال ىبلد فيها‪.‬‬ ‫(ٔ) صحيح مسلا (ٖٖٕ)‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫ومن األدلة على ذلك‪:‬‬ ‫﴿ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ‬ ‫ٔ‪ -‬قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ﴾ [النسا ‪.]ٔٔٙ :‬‬ ‫﴿ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ‬ ‫ٕ‪ -‬قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ‬ ‫ﲨ ﲩ ﲪ﴾ [اغبجرات‪.]ٜ :‬‬ ‫فجعل هللا تعاذل الطائفتُت من اؼبؤمنُت‪ ،‬مع وقوع القتاؿ منهما وىو من كبائر التنوب‪.‬‬ ‫ٖ‪ -‬قولو ‪ :‬قاؿ هللا تعاذل‪(( :‬ومن لقيٍت بقراب األرض خطيئة ال يشرؾ يب شيئًا لقيتو دبثلها‬ ‫مغفرة)) (ٔ)‪.‬‬ ‫ٗ‪ -‬قوؿ عبادة بن الصامت ‪ :‬قاؿ لنا رسوؿ هللا ‪ ‬وكبن يف ؾبلس‪(( :‬تبايعوين على أف ال‬ ‫تشركوا اب﵁ شيئًا‪ ،‬وال تسرقوا‪ ،‬وال تزنوا‪ ،‬وال تقتلوا أوالدكا‪ ،‬وال أتتوا ببهتاف تفًتونو بُت أيديكا‬ ‫وأرجلكا‪ ،‬وال تعصوا يف معروؼ‪ ،‬فمن وىف منكا فأجره على هللا‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئًا‬ ‫فعوقب يف الدنيا فهو كفارة لو‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئًا فسًته هللا فأمره إذل هللا‪ ،‬إف شا‬ ‫عاقبو‪ ،‬وإف شا عفا عنو‪ ،‬فبايعناه على ذلك)) (ٕ)‪.‬‬ ‫قاؿ النووي‪« :‬ومن أصاب من ذلك شيئًا» اؼبراد بو ما سو الشرؾ‪ ،‬وإال فالشرؾ ال يغفر لو‪،‬‬ ‫أي ؼبن مات وىو دل يتب منو‪.‬‬ ‫٘‪ -‬صبيع األدلة اليت دلت على وصف مرتكب الكبَتة ابإليباف‪ ،‬والنصوص اليت دلت على‬ ‫كافرا لقتل ردة‪.‬‬ ‫إقامة اغبدود على مرتكب الكبَتة‪ ،‬وعدـ قتلها‪ ،‬فلو كاف ً‬ ‫‪ –ٙ‬أحاديث الشفاعة اليت دلت على خروج أىل اؼبعاصي من النار ابلشفاعة‪ ،‬وىي كثَتة‬ ‫جدًّا‪.‬‬ ‫قاؿ اإلماـ أضبد بن حنبل ‪« :‬ومن لقي هللا بتنب هبب لو بو النار اتئبًا غَت مصر عليو فإف‬ ‫هللا ‪ ‬يتوب عليو ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات‪ ،‬ومن لقيو وقد أقيا عليو ح ّد‬ ‫مصرا غَت‬ ‫ذلك التنب يف الدنيا فهو كفارتو‪ ،‬كما جا اػبير عن رسوؿ هللا ‪ ،‬ومن لقيو ًّ‬ ‫(ٔ) صحيح مسلا (‪.)ٕٙٛٚ‬‬ ‫(ٕ) صحيح البخاري (ٖٕٔ‪.)ٚ‬‬ ‫‪20‬‬ ‫اتئب من التنوب اليت قد استوجب هبا العقوبة‪ ،‬فأمره إذل هللا ‪ ،‬إف شا عتبو‪ ،‬وإف شا‬ ‫كافرا عتبو ودل يغفر لو» (ٔ)‪.‬‬ ‫غفر لو‪ ،‬ومن لقيو ً‬ ‫أقوال ادلخالفني ألىل السنة واجلماعة يف مرتكب الكبرية من حيث االسم واحلكم يف‬ ‫الدنيا واآلخرة‪:‬‬ ‫ثبلث طوائف وىي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وحكمو يف الدنيا واآلخرة ُ‬ ‫أىل السنة واعبماعة يف مرتكب الكبَتة‪،‬‬ ‫خالف َ‬ ‫الطائفة األوىل اخلوارج‪:‬‬ ‫قالوا‪ :‬إف مرتكب الكبَتة كافر يف الدنيا‪ ،‬ال يرث وال يورث‪ ،‬وال يدفن يف مقابر اؼبسلمُت‪ ،‬وىو‬ ‫يف اآلخرة خال ٌد ـبلد يف النار(ٕ)‪.‬‬ ‫الطائفة الثانية ادلعتزلة‪:‬‬ ‫كافرا‪ ،‬ال يف االسا وال يف اغبكا؛ بل يف منػزلة بُت‬ ‫قالوا‪ :‬إف مرتكب الكبَتة ليس مؤمنًا وال ً‬ ‫كافرا‪ ،‬وإمبا يسمى فاس ًقا‪ ،‬وحكمو كتلك بُت اغبكمُت‪ ،‬فبل‬ ‫اؼبنػزلتُت‪ ،‬فبل يسمى مؤمنًا وال ً‬ ‫يكوف حكمو حكا الكافر‪ ،‬وال حكا اؼبؤمن‪ ،‬وإمبا لو حكا بينهما‪ ،‬ىتا يف الدنيا‪ ،‬فهو يعامل‬ ‫معاملة اؼبسلمُت من حيث التوارث والصبلة‪ ،‬والدفن والنكاح وغَتىا‪ ،‬وأما يف اآلخرة؛ فإنو ىبلد‬ ‫يف النار‪ ،‬لكن يكوف عتابو أخف من عتاب الكافر‪.‬‬ ‫وؽبتا فمن أصوؽبا اػبمسة‪ :‬اؼبنػزلة بُت اؼبنػزلتُت‪.‬‬ ‫الفرق بينهما‪:‬‬ ‫وهبتا يظهر الفرؽ بُت اػبوارج واؼبعتزلة يف مرتكب الكبَتة‪ ،‬وذلك يف اختبلفها يف اظبو وحكمو‬ ‫معا ابلوعيدية‪ ،‬ألهنا‬ ‫يف الدنيا‪ ،‬أما يف اآلخرة فاتفقوا على أنو ـبلد يف النار‪ ،‬وؽبتا يسموف ً‬ ‫يقطعوف إبنفاذ وعيد من لقي هللا على كبَتة‪.‬‬ ‫ُشبَوُ الطائفتني والرد عليها‪:‬‬ ‫الشبهة األوىل‪:‬‬ ‫أف اإليباف حقيقة واحدة مركبة‪ ،‬فيلزـ من زواؿ بعض أجزئها زواؿ الكل‪ ،‬كالعشرة إذا زاؿ‬ ‫بعضها دل تبق عشرة‪.‬‬ ‫(ٔ) شرح أصوؿ اعتقاد أىل السنة واعبماعة (ٔ‪.)ٕٔٛ /‬‬ ‫(ٕ)‬ ‫كفر نعمة‪ ،‬وىو يف اآلخرة ـبل ٌد يف النار‪.‬‬ ‫كافرا َ‬ ‫تكب الكبَتة يف الدنيا ً‬ ‫من فرؽ اػبوارج من يسمي مر َ‬ ‫‪21‬‬ ‫الرد عليها‪:‬‬ ‫أف اؼبركبات يف ذلك على وجهُت‪:‬‬ ‫أحدمها‪ :‬ما يكوف الًتكيب شرطًا يف إطبلؽ االسا عليو‪،‬كالعشرة‪ ،‬فإف ىتا النوع يزوؿ عنو‬ ‫اظبو عند زواؿ بعض أجزائو منو‪.‬‬ ‫اثنيهما‪ :‬ما ال يكوف الًتكيب شرطًا يف إطبلؽ االسا عليو مثل‪ :‬اؼبكيبلت واؼبوزوانت‪ ،‬فتسمى‬ ‫اغبنطة حنطة مع زواؿ بعضها‪ ،‬وكتلك لفص العبادة والطاعة‪ ،‬واػبَت واغبسنة‪ ،‬واإلحساف‬ ‫والصدقة‪ ،‬والعلا وكبو ذلك فبا يدخل فيو أمور كثَتة يطلق االسا على قليلها وكثَتىا‪ ،‬وعند‬ ‫زواؿ بعض األجزا وبقا بعض األجزا ‪.‬‬ ‫فإ َذا كانت اؼبركبات على نوعُت‪ ،‬بل غالبها من ىتا النوع دل يصح قوؽبا‪ :‬إنو إذا زاؿ جزؤه لزـ‬ ‫أف يزوؿ االسا‪.‬‬ ‫الشبهة الثانية‪:‬‬ ‫﴿ﲃ ﲄ‬ ‫أهنا استدلوا أدلة كثَتة منها أدلة يف زبليد العصاة يف النار مثل قولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐ‬ ‫ﲑ ﲒ ﲓ﴾ [النسا ‪.]ٜٖ :‬‬ ‫وأدلة تنفي عن العاصي دخوؿ اعبنة مثل حديث‪(( :‬ال يدخل اعبنة قاطع)) (ٔ)‪ ،‬وأدلة تنفي‬ ‫اإليباف عنو‪ ،‬أو تصفو ابلكفر مثل‪(( :‬ال يزين الزاين حُت يزين وىو مؤمن…)) (ٕ)‪ ،‬وحديث‪:‬‬ ‫((من حلف بغَت هللا فقد كفر أو أشرؾ)) (ٖ)‪.‬‬ ‫الرد عليها‪:‬‬ ‫ٔ‪ -‬األدلة الكثَتة اليت دلت على عدـ تكفَت مرتكب الكبَتة‪ ،‬ومن أعظمها أف هللا أخير أنو‬ ‫ال يغفر للمشرؾ‪ ،‬ويغفر ما دوف الشرؾ‪ ،‬وكتلك وصفو ابإليباف كما سبق يف معتقد أىل السنة‬ ‫أخا للمقتوؿ‪ ،‬وظبى اؼبتقاتلُت ابؼبؤمنُت وغَت ذلك‪.‬‬ ‫يف مرتكب الكبَتة‪ ،‬حيث جعل هللا القاتل ً‬ ‫كافرا لشرع قتلو ردة‪ ،‬وكاف يصلى عليها‬ ‫ٕ‪ -‬إقامة اغبدود على مرتكب الكبَتة‪ ،‬فلو كاف ً‬ ‫(ٔ) صحيح البخاري (ٗ‪.)ٜ٘ٛ‬‬ ‫(ٕ) سبق زبرهبو‪ ،‬وىو يف الصحيحُت‪.‬‬ ‫(ٖ) سنن الًتمتي‪ ،‬وىو صحيح‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫ويدفنوف مع اؼبسلمُت‪.‬‬ ‫ٖ‪ -‬أف األدلة اليت جا فيها نفي اإليباف أو وصف الكفر على العاصي يراد بو نفي كماؿ‬ ‫اإليباف‪ ،‬والكفر ىو الكفر العملي غَت اؼبخرج من اؼبلة‪.‬‬ ‫ٗ‪ -‬أ ّف أدلّتها اليت استدلوا هبا دل يقولوا ىا أنفسها بعمومها‪ ،‬بل أخرجوا من عمومها صغائر‬ ‫التنوب فلا يُك ِّفروا هبا‪ ،‬وإذا جاز إخراج صغائر التنوب من عموـ تلك األدلّة وزبصيصها‬ ‫تصرح بعدـ كفر‬ ‫ِ‬ ‫اج أصحاب الكبائر لؤلدلّة الكثَتة واؼبتواترة اليت ّ‬ ‫أدلّة أخر ‪ ،‬فَل َا ال هبوز إخر ُ‬ ‫مرتكب الكبَتة‪.‬‬ ‫٘‪ -‬اػبلود اؼبتكور يف بعض النصوص ال يراد بو اػبلود اؼبؤبد‪ ،‬بل أجاب عنو العلما أجوبة‬ ‫كثَتة‪ ،‬فمنها من قاؿ‪ :‬اػبلود ىنا ىو اؼبكث الطويل‪ ،‬ومنها من قاؿ‪ :‬ىتا خاص فيمن‬ ‫استحل القتل‪ ،‬ومنها من قاؿ‪ :‬ىتا من نصوص الوعيد‪ ،‬ومنها من قاؿ‪ :‬ىو نص عاـ ـبصص‬ ‫ابألدلة اليت دلت على خروج العصاة من النار‪.‬‬ ‫الطائفة الثالثة‪ :‬ادلرجئة‪:‬‬ ‫اؼبرجئة كما سبق طوائف كثَتة‪ :‬أما مرجئة الفقها (أبو حنيفة ومن تبعو) فقد قالوا بقوؿ أىل‬ ‫يضر مع‬ ‫السنة‪ ،‬إف مرتكب الكبَتة ربت مشيئة هللا تعاذل‪ ،‬أما الغبلة من اؼبرجئة فقالوا‪ :‬ال ّ‬ ‫وحرـ ما‬ ‫اإليباف ذنب كما ال ينفع مع الكفر طاعة‪ ،‬فمن قاؿ‪ :‬ال إلو إال هللا دمحم رسوؿ هللا‪ّ ،‬‬ ‫أحل هللا دخل اعبنة ابتدا ولو مات من غَت توبة‪ ،‬وإف زىن وسرؽ‪ ،‬وقتل‬ ‫أحل ما ّ‬‫حرـ هللا‪ ،‬و ّ‬‫ّ‬ ‫قرا هبا ال يضر وقوعو يف الكبائر‬ ‫وشرب اػبمر‪ ،‬وقتؼ ا﵀صنات‪ ،‬وترؾ الصبلة…إذا كاف م ًّ‬ ‫وركوبو الفواحش وتركو الفرائض‪ ،‬وإف فعل ذلك مستحبلًّ كاف ً‬ ‫كافرا اب﵁‪ ،‬وخرج من إيبانو فصار‬ ‫من أىل النار‪.‬‬ ‫معا‪ ،‬بل إذا‬ ‫وىتا مبٍت على أصلها الفاسد‪ ،‬وىو أنو ال يتصور أف الشخص يدخل اعبنة والنار ً‬ ‫دخل إحدانبا فبل يدخل األخر ‪ ،‬وبنا على ىتا قالوا‪( :‬إف أىل التنوب يدخلوف اعبنة‪ ،‬وال‬ ‫أبدا)‪.‬‬ ‫يدخلوف النار ً‬ ‫شبهات ادلرجئة والرد عليها‪:‬‬ ‫الشبهة األوىل‪:‬‬ ‫﴿ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬ ‫استدلوا ابلنصوص اليت دلت على مغفرة هللا ؼبا دوف الشرؾ مثل قولو تعاذل‪:‬‬ ‫‪23‬‬ ‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ﴾‬ ‫﴿ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬ ‫[النسا ‪ ،]ٗٛ :‬وقولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ﴾ [الزمر‪.]ٖ٘ :‬‬ ‫فقالوا كل التنوب تغفر إذا سلا صاحبها من الشرؾ‪.‬‬ ‫الرد عليها‪:‬‬ ‫لو كانت ذنوب العاصي تغفر إذا سلا من الشرؾ ؼبا قاؿ سبحانو (ؼبن يشا )‪ ،‬بل ىتا دليل‬ ‫ؼبتىب أىل السنة أف أصحاب الكبائر ربت اؼبشيئة‪ ،‬فقد يغفر ذنبو وال يدخل النار‪ ،‬وقد‬ ‫يدخل النار وال ىبلد فيها‪ ،‬وال بد أف يكوف منها من يدخل النار بسبب الكبائر مث ىبرج منها‬ ‫كما دلت على ذلك النصوص الكثَت‪.‬‬ ‫صبعا ؼبن اتب‪ ،‬كما تدؿ عليها اآلية بعدىا‪ ،‬ولو‬ ‫أما اآلية الثانية فَتاد هبا أف هللا يغفر التنوب ً‬ ‫كاف اؼبراد هبا اؼبغفرة مطل ًقا لدخل فيها الشرؾ‪ ،‬فإف ىته اآلية تعا صبيع التنوب‪ ،‬وأف هللا‬ ‫يغفرىا ؼبن اتب منها‪.‬‬ ‫الشبهة الثانية‪:‬‬ ‫﴿ﱘ ﱙ‬ ‫استدلوا ابلنصوص اليت تدؿ على أف النار ال يدخلها إال الكافر‪ ،‬مثل قولو تعاذل‪:‬‬ ‫﴿ﱪ ﱫ ﱬ‬ ‫[الليل‪ ،]ٔٙ-ٔ٘ :‬وقولو تعاذل‪:‬‬ ‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ﴾‬ ‫ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ﴾ [سبأ‪.]ٔٚ :‬‬ ‫فدلت اآليتاف على أف دخوؿ النار ىو خاص ابؼبكتب والكافر فقط دوف غَته‪.‬‬ ‫الرد عليها‪:‬‬ ‫دخوؿ ىؤال النار ال يبنع دخوؿ غَتىا فبن دلت النصوص الكثَت على دخوؽبا إايىا‪ ،‬وأف‬ ‫أيضا‬ ‫بعض أصحاب التنوب اؼبعينة متوعد ابلنار كما سبق يف أدلة الوعيدية‪ ،‬ودخوؿ ىؤال ً‬ ‫يراد بو الدخوؿ اؼبؤبد خببلؼ أصحاب الكبائر التين سبق حكمها‪ ،‬وأف من دخلها منها فهو‬ ‫دخوؿ مؤقت من غَت خلود‪.‬‬ ‫الشبهة الثالثة‪:‬‬ ‫النصوص اليت جا فيها دخوؿ اعبنة ؼبن قاؿ‪ :‬ال إلو إال هللا‪ ،‬مثل حديث أيب ذر ‪ ‬قاؿ‪:‬‬ ‫((أتيت النيب ‪ ‬وعليو ثوب أبيض‪ ،‬وىو انئا‪ ،‬مث أتيتو وقد استيقص‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ما من عبد قاؿ‪:‬‬ ‫‪24‬‬ ‫ال إلو إال هللا‪ ،‬مث مات على ذلك إال دخل اعبنة‪ ،‬قلت‪ :‬وإف زىن وإف سرؽ؟ قاؿ‪ :‬وإف زىن وإف‬ ‫سرؽ‪ ،‬قلت‪ :‬وإف زىن وإف سرؽ؟ قاؿ‪ :‬وإف زىن وإف سرؽ‪ ،‬قلت‪ :‬وإف زىن وإف سرؽ؟ قاؿ‪:‬‬ ‫وإف زىن وإف سرؽ على رغا أنف أيب ذر)) (ٔ)‪.‬‬ ‫الرد عليها‪:‬‬ ‫قاؿ اإلماـ البخاري بعد روايتو ىتا اغبديث‪ :‬ىتا عند اؼبوت أو قبلو إذا اتب وندـ‪ ،‬وقاؿ‪ :‬ال‬ ‫إلو إال هللا غُ ِفر لو‪.‬‬ ‫وحد ربو ومات على ذلك اتئبا من التنوب اليت أشَت إليها‬ ‫وقيل‪ :‬إف اغبديث ؿبموؿ على من ّ‬ ‫يف اغبديث‪ ،‬فإنو موعود هبتا اغبديث بدخوؿ اعبنة ابتدا …‪ ،‬وأما من تلبس ابلتنوب اؼبتكورة‬ ‫أو غَتىا فبا دوف الشرؾ ومات من غَت توبة فهو ربت اؼبشيئة‪ ،‬إف شا هللا عفا عنو وأدخلو‬ ‫اعبنة‪ ،‬وإف شا عتبو على قدر ذنبو مث أخرجو من النار وأدخلو اعبنة‪ ،‬ويدؿ على ذلك حديث‬ ‫عبادة بن الصامت يف كتاب اإليباف‪ ،‬فإف فيو‪(( :‬ومن أصاب من ذلك شيئًا مث سًته هللا فهو‬ ‫إذل هللا تعاذل‪ ،‬إف شا عاقبو‪ ،‬وإف شا عفا عنو))‪.‬‬ ‫اندما على ما حصل منو من التنوب‪ ،‬مث مات‬ ‫إ ًذا اؼبراد ابغبديث‪ :‬من قاؿ‪ :‬ال إلو إال هللا اتئبًا ً‬ ‫على ذلك فإنو يدخل اعبنة؛ ألف التوبة ذبب ما قبلها‪ ،‬أو اؼبراد‪ :‬أف مصَته اعبنة ابتدا إف قاؽبا‬ ‫اتئبًا ومات على ذلك‪ ،‬أو النار مث اعبنة؛ إذ إنو ال ىبلد يف النار‪.‬‬ ‫األسباب اليت تسقط العقوبة عن العبد يف اآلخرة‪:‬‬ ‫إف االىتماـ دبسالة تكفَت التنوب واػبطااي مسألة مهمة ًّ‬ ‫جدا؛ ألهنا يًتتب عليها النجاة يوـ‬ ‫وح ِري ابؼبسلا أف يعرؼ األسباب اليت سبحو التنوب‪ ،‬وتكفر‬ ‫القيامة‪ ،‬وذبنب دخوؿ النار‪َ ،‬‬ ‫اػبطااي‪ ،‬وتسقط عن العبد العقوبة اؼبًتتبة على التنب‪.‬‬ ‫وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أف عقوبة التنوب تزوؿ عن العبد بنحو عشرة أسباب‪،‬‬ ‫ذكرىا اإلماـ ابن تيمية ‪ ‬وىي‪:‬‬ ‫السبب األول‪ :‬التوبة‪:‬‬ ‫وىتا متفق عليو بُت اؼبسلمُت‪.‬‬ ‫(ٔ) صحيح البخاري (‪.)ٕ٘ٛٚ‬‬ ‫‪25‬‬ ‫السبب الثاين‪ :‬االستغفار‪:‬‬ ‫ب أَذنَبت‪ ،‬فَ ِ‬ ‫اغفر ِرل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اب َذنبًا فَػ َق َاؿ‪َ :‬ر ِّ‬ ‫َص َ‬ ‫ففي الصحيحُت عن النيب ‪ ‬أنو قاؿ‪(( :‬إِف َع ً‬ ‫بدا أ َ‬ ‫بدي… اغبديث)) (ٔ)‪.‬‬ ‫غفر التنب‪ ،‬وأيخ ُت بِِو َغ َفرت لِع ِ‬ ‫بدي أَف لَو رًّاب ي ِ‬ ‫فَػ َق َاؿ ربو‪ :‬علِا ع ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ََ َ‬ ‫السبب الثالث‪ :‬احلسنات ادلاحية‪:‬‬ ‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬ ‫كما قاؿ تعاذل‪﴿ :‬ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ﴾ [ىود‪.]ٔٔٗ :‬‬ ‫السبب الرابع‪ :‬دعاء ادلؤمنني للمؤمن‪:‬‬ ‫مثل صبلة اؼبؤمنُت على جنازتو‪ ،‬فعن عائشة وأنس بن مالك ‪ ‬أف النيب ‪ ‬أنو قاؿ‪:‬‬ ‫ُت يَبلُغُو َف ِمائَةً ُكل ُها يَش َفعُو َف لَوُ إِال ُش ِّفعُوا فِي ِو))‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫صلّي َعلَيو أُمةٌ من اؼبُسلم َ‬ ‫ت‪ ،‬تُ ِ‬ ‫َ‬ ‫((ما ِمن ميِ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫((ما من َر ُج ٍل‪ُ ،‬مسل ٍا‪ ،‬يبَُ ُ‬ ‫(ٕ)‬ ‫وـ‬ ‫وت فَػيَػ ُق ُ‬ ‫‪ ،‬وعن ابن عباس قاؿ‪ :‬ظبعت رسوؿ هللا ‪ ‬يقوؿ‪َ :‬‬ ‫َعلَى َجنَ َازتِِو أَربَػعُو َف َر ُجبلً ال يُش ِرُكو َف ِابَّللِ َشيئًا إِال َشف َع ُها اَّللُ فِ ِيو)) (ٖ)‪.‬‬ ‫السبب اخلام ‪ :‬ما يعمل للميت من أعمال الرب كالصدقة وحنوىا‪:‬‬ ‫الصدقة ينتفع هبا اؼبيت‪ ،‬كما دؿ على ذلك نصوص السنة الصحيحة الصروبة‪ ،‬واتفاؽ األئمة‪،‬‬ ‫وكتلك العتق واغبج‪ ،‬بل قد ثبت أنو ‪ ‬قاؿ‪(( :‬من مات وعليو صياـ صاـ عنو وليو)) (ٗ)‪.‬‬ ‫السبب السادس‪ :‬شفاعة النيب ‪ ‬وغريه يف أىل الذنوب يوم القيامة‪:‬‬ ‫كما قد تواترت عنو أحاديث الشفاعة‪.‬‬ ‫السبب السابع‪ :‬ادلصائب اليت يكفر هللا هبا اخلطااي يف الدنيا‪:‬‬ ‫صٍ‬ ‫ب‪َ ،‬وال َى ٍّا‪َ ،‬وال‬ ‫صٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‪َ ،‬وال َو َ‬ ‫يب اؼبُسل َا من نَ َ‬ ‫((ما يُص ُ‬ ‫كما يف الصحيحُت أف النيب ‪ ‬قاؿ‪َ :‬‬ ‫زف‪َ ،‬وال أَ ًذ َوال َغ ٍّا‪َ ،‬حىت الشوَك ِة يُ َشا ُك َها إِال َكفَر اَّللُ ِهبَا ِمن َخطَ َاايهُ)) (٘)‪.‬‬ ‫حٍ‬ ‫ُ‬ ‫السبب الثامن‪ :‬ما حيصل يف القرب من الفتنة والضغطة والروعة‪:‬‬ ‫فإف ىتا فبا يُ َك ِّف ُر هللاُ بو اػبطااي‪.‬‬ ‫(ٔ) صحيح البخاري (‪.)ٚ٘ٓٚ‬‬ ‫(ٕ) صحيح مسلا (‪.)ٜٗٚ‬‬ ‫(ٖ) صحيح مسلا (‪.)ٜٗٛ‬‬ ‫(ٗ) صحيح البخاري (٘‪.)ٜٔ‬‬ ‫(٘) صحيح البخاري (ٕٗ‪.)٘ٙ‬‬ ‫‪26‬‬ ‫كرهبا وشدائدىا‪:‬‬ ‫السبب التاسع‪ :‬أىوال يوم القيامة و ُ‬ ‫مثل ازدحاـ الناس‪ ،‬ووقوفها على أقدامها مدة طبسُت ألف سنة ربت الشمس اليت تقرب من‬ ‫رؤوسها‪.‬‬ ‫وعفوه ومغفرتُو ببل سبب من العباد‪:‬‬ ‫السبب العاشر‪ :‬رمحةُ هللا ُ‬ ‫ففي اغبديث أف النيب ‪ ?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser