علاقات الشرق والغرب في العصور الوسطى PDF

Summary

هذا الكتاب يتناول العلاقات بين الشرق العربي والغرب المسيحي في العصور الوسطى، ويركز بشكلٍ خاصٍّ على الحروب الصليبية كأحد أهم مظاهر تلك العلاقات. يُحلّل الكتاب فلسفة ودوافع الحروب الصليبية، وأحوال العالم الإسلامي في بدايتها. يعتبر الكتاب مناسباً للدراسات الأكاديمية في التاريخ الإسلامي و العلاقات الدولية.

Full Transcript

‫ﻗﺳم اﻟﺗﺎرﯾﺦ‬ ‫ا ﻟ ﻌ ﻼﻗ ﺎ ت ﺑ ﯿ ﻦ ا ﻟ ﺸﺮ ق وا ﻟ ﻐﺮ ب‬ ‫ﺗﺮخ ‪506‬‬ ‫اﻷﺳ‪$‬ﺎذ اﻟ)*‪$‬ــــــــ‪,‬ر‬ ‫ﺧﺎﻟ) ﺣ‪ 210‬ﻣ‪,54‬د‬ ‫أﺳ‪#‬ﺎذ اﻟ‪#‬ﺎر*ﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬ ‫ﻗ‪ 21‬اﻟ‪#‬ﺎر*ﺦ‬ ‫ﻛﻠ‪5‬ﺔ اﻵداب – ﺟﺎﻣ...

‫ﻗﺳم اﻟﺗﺎرﯾﺦ‬ ‫ا ﻟ ﻌ ﻼﻗ ﺎ ت ﺑ ﯿ ﻦ ا ﻟ ﺸﺮ ق وا ﻟ ﻐﺮ ب‬ ‫ﺗﺮخ ‪506‬‬ ‫اﻷﺳ‪$‬ﺎذ اﻟ)*‪$‬ــــــــ‪,‬ر‬ ‫ﺧﺎﻟ) ﺣ‪ 210‬ﻣ‪,54‬د‬ ‫أﺳ‪#‬ﺎذ اﻟ‪#‬ﺎر*ﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬ ‫ﻗ‪ 21‬اﻟ‪#‬ﺎر*ﺦ‬ ‫ﻛﻠ‪5‬ﺔ اﻵداب – ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋ‪ >5‬ﺷ@‪A‬‬ ‫اﻟﻘﺎھرة – ‪٢٠٢٤/٢٠٢٣‬‬ ‫ا ﻟ ﻌ ﻼﻗ ﺎ ت ﺑ ﯿ ﻦ ا ﻟ ﺸﺮ ق وا ﻟ ﻐﺮ ب‬ ‫ﺗﺮخ ‪506‬‬ ‫اﻷﺳ‪$‬ﺎذ اﻟ)*‪$‬ــــــــ‪,‬ر‬ ‫ﺧﺎﻟ) ﺣ‪ 20‬ﻣ‪,54‬د‬ ‫أﺳ‪$‬ﺎذ اﻟ‪$‬ﺎر‪8‬ﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬ ‫ﻗ‪ >0‬اﻟ‪$‬ﺎر‪8‬ﺦ‬ ‫ﻛﻠ‪1‬ﺔ اﻵداب – ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋ‪ 21‬ﺷ‪H5‬‬ ‫ﺧﺎﻟ) ﺣ‪ 210‬ﻣ‪,54‬د‬ ‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬ ‫اصطلح اؼبؤرخوف على إطالؽ مسمى "العصور الوسط" بصفة تقريبية على الفَبة‬ ‫الزمنية اؼبمتدة من سقوط ركما عاصمة اإلمرباطورية الركمانية الغربية علی أيدم قبائل‬ ‫اعبرماف (عاـ ‪۷۹٦‬ـ) إلی سقوط القسطنطينية عاصمة اإلمرباطورية الركمانية الشرقية‬ ‫على أيدم األتراؾ العثمانيْب بقيادة السلطاف ؿبمد الفاتح (عاـ ‪3451‬ـ)‪.‬كعليو فقد‬ ‫امتدت فَبة العصور الوسطى ُب تاريخ البشرية قرابة عشرة قركف من انتهاء العصور‬ ‫القددية حٌب ظهور العصور اغبديثة ‪.‬‬ ‫خالؿ تلك اغبقبة الزمنية اؼبذكورة ظهرت بعض القول السياسية الكربل شرقان‬ ‫كغربان‪ ،‬تشابكت بينها اؼبصاحل كتعددت العالقات‪ ،‬كحدثت صراعات كمنارات‬ ‫كمواجهات حربية سعى من خالؽبا كل طرؼ للحصوؿ على أكرب قدر من اؼبكاسب‬ ‫السياسية كاالقتصادية كاالجتماعية‪ ،‬كانتزاع السيادة العظمى ُب اجملتمع الدكرل‪.‬‬ ‫كديكن حصر أىم ىذه القول الدكلية ُب ثالثة ؾبتمعات سياسية رئيسية ‪ -‬لكل منها‬ ‫كيانو كمقوماتو كخصائصو اؼبميزة كىي كاالٌب ‪:‬‬ ‫‪ -‬المجتمع البيزنطي‪ :‬ككانت سبثلو اإلمرباطورية الركمانية الشرقية‪ ،‬الٍب كضع أساسها‬ ‫اإلمرباطور الركماين قسطنطْب عاـ ‪۳۳۳‬ـ‪ ،‬ككاف ؾبتمعا مسيحيا كغالبية سكانو‬ ‫أرثوذكس اؼبذىب‪.‬‬ ‫‪ -‬المجتمع األوربي الغربي (اإلمرباطورية الركمانية الغربية)‪ :‬كىو ؾبتمع مسيحي‬ ‫الديانة أيضا ‪ ،‬كلكن غالبية سكانو اعتنقوا اؼبذىب الكاثوليكي‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪ -‬المجتمع اإلسالمي‪ :‬كالذم بدأ بظهور الدعوة اإلسالمية‪ ،‬كقد منا سريعان كسبيز حبيويتو‬ ‫اإلنسانية ُب بناء حضارة عظيمة‪ ،‬امتدت من اقصى الشرؽ حٌب حدكد فرنسا اعبنوبية ‪،‬‬ ‫كقد سبيزت شعوبو بالتالحم كالتقارب كالوحدة رغم تباعد أكطاهنم كاختالؼ جنسياهتم‬ ‫قد تالقت ىذه اجملتمعات حضاريا من خالؿ امتدادىا شرقا كغربا كمشاال كجنوبا ‪-‬‬ ‫كخاصة ُب منطقة الشرؽ األكسط كحوؿ حوض البحر األبيض اؼبتوسط ‪ -‬كدارت‬ ‫بينهما عالقات دكلية عديدة كمتنوعة ‪-‬على أسس كأكضاع جديدة سلما كحربا ‪ -‬سجل‬ ‫التاريخ اإلنساين کل أحداثها‪.‬‬ ‫كانطالقان من تلك الرؤية تأٌب طبيعة ىذا الكتاب الذم يتناكؿ جوانب من العالقات‬ ‫بْب الشرؽ اإلسالمي كالغرب اؼبسيحي خالؿ العصر الوسيط‪ ،‬كقد تنوعت ىذه‬ ‫العالقات بْب عالقات سياسية عسكرية‪ ،‬كذبارية‪ ،‬كفكرية ثقافية‪.‬‬ ‫حيث تعرض قلب العادل اإلسالمي (الشاـ كمصر كالعراؽ) أكاخر القرف اػبامس‬ ‫اؽبجرم‪ 33/‬ـ غبركة استعمارية استيطانية من قبل الغرب األكريب اشتهرت ُب التاريخ‬ ‫باسم اغبركب الص ليبية‪ ،‬كاستمرت قرابة قرنْب من الزماف احتكمت فيها اؼبعارؾ بْب‬ ‫اعبانبْب حٌب جاء عاـ ‪٦96‬ىػ‪3993 /‬ـ معلنان هناية الوجود الصلييب ُب الشرؽ‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫كرغم إف ىذه اغبركة تبدك ُب ظاىرىا سلسلة من اغبركب اؼبتواصلة بْب اؼبسلمْب‬ ‫كالصليبيْب ‪ ،‬إال أهنا كانت ُب الوقت ذاتو ؾباالن كاسعان التقى فيو الشرؽ اإلسالمي بالغرب‬ ‫اؼبسيحي‪ ،‬فكاف لقاء حضاريان ًب من خاللو االتصاؿ كالتعارؼ كاكتساب العادات‬ ‫كالتقاليد‪ ،‬كالعمق فيها‪ ،‬كاإلعجاب كالتأثر هبا‪ ،‬انبهار األكربيْب دبا استجد عليهم‪،‬‬ ‫‪3‬‬ ‫كؿباكلة نقلهم للحضارة اإلسالمية إذل أكربا‪ ،‬كما أقبل األكربيوف على اؼبعرفة العربية ُب‬ ‫صبيع اؼبيادين‪.‬‬ ‫كىكذا كانت اغبركب الصليبية أحد معابر اغبضارة اإلسالمية إذل أكربا باإلضافة‬ ‫إذل األندلس كصقلية كجنوب إيطاليا‪ ،‬كمن خالؿ ىذه اعبسور عربت مظاىر التأثّب‬ ‫اغبضارم اإلسالمي إذل أكربا ُب ؾباالت اآلداب كالفنوف كالعمارة كالعلوـ؛ فبا أسهم ُب‬ ‫هنضة فكرية كعلمية كثقافية نقلت أكربا اؼبسيحية من العصور اؼبظلمة إذل العصور‬ ‫اغبديثة‪.‬‬ ‫كعليو فقد تناكؿ ىذا الكتاب جوانب من تلك العالقات بشقيها السياسي‬ ‫كاغبضارم‪ ،‬لكن بشكل بانورامي دكف اػبوض ُب التفصيالت الدقيقة‪ ،‬فتم اغبديث عن‬ ‫اغبركب الصليبية باعتبارىا أحد أبرز مظاىر تلك العالقات‪ ،‬من حيث ماىيتها كدكافعها‬ ‫كأحداثها بدء حبملة العامة كانتهاء باغبملة الصليبية السابعة‪.‬‬ ‫كللتأكيد على اعبانب اآلخر من العالقات كىو اعبانب اغبضارم ًب اختيار‬ ‫مظهرين يتعلقاف بالعالقات التجارية كالعالقات الثقافية كالفكرية‪ ،‬لبياف أف الصراع‬ ‫السياسي كالعسكرم كالعداء الديِب بْب اعبانبْب دل حيوال دكف االلتقاء اغبضارم‪ ،‬كالذم‬ ‫تغلبت فيو اؼبصاحل كاؼبنافع اؼبشَبكة على الصراع كالقتاؿ كالعداء‪.‬‬ ‫ادلؤنفىن‬ ‫‪4‬‬ ‫انفصم األول‬ ‫ماهية احلروب انصهيثية‬ ‫‪ -1‬فلسفة الحروب الصليبية‪.‬‬ ‫‪ -2‬أح وال العالم اإلسالمي عند بداية الحركة الصليبية‪.‬‬ ‫‪ -3‬دوافع الحمالت الصليبية وبواعثها‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪ - 1‬فلسفة الحروب الصليبية‬ ‫عرفت اغبركب الصليبية ُب التاريخ األكركيب كاإلسالمي بأهنا تلك اؼبعارؾ الٍب‬ ‫قادهتا الكنيسة اؼبسيحية خالؿ أربعة قركف (من القرف اغبادم عشر إذل القرف اػبامس‬ ‫عشر للميالد) ضد العادل اإلسالمي ُب اؼبشرؽ ربت غطاء ربرير بيت اؼبقدس‪.‬‬ ‫كاختلف تفسّب اغبركب الصليبية حبسب العصور‪ ،‬فمفكرك العصر الوسيط كانوا‬ ‫يعتربكف اغبركب الصليبية إما حركبا مقدسة هتدؼ إذل ربقيق أغراض مقدسة بتوجيو من‬ ‫الرب الذم ككل ىذه اؼبهمة إذل البابا‪ ،‬خليفتو على األرض‪ ،‬كإما أهنا رحلة للحج إذل‬ ‫األماكن اؼبقدسة كراء البحار لغفراف اػبطايا‪ ،‬ككاف يطلق على كل من يقوـ هبذه الرحلة‬ ‫لقب "اغباج الفقّب"‪ ،‬أما اغبمالت اؼبسلحة ألغراض اؽبجوـ أك الدفاع فكاف يطلق‬ ‫عليها اسم "اغبج اعبماعي"‪ ،‬كىي تعِب اغبملة الصليبية‪.‬كُب القرف الثامن عشر بدأ‬ ‫مفكرك عصر النهضة بأكركبا يعتربكف تلك اغبركب دليال على انفجار ركح التعصب ُب‬ ‫اجملتمع اؼبسيحي خالؿ العصور الوسطى‪ ،‬كرأكا أهنا تلقي ضوءن على عقلية ذلك العصر‬ ‫الٍب دل تكن تقبل مناقشة اآلراء كاؼبعتقدات‪.‬‬ ‫أما مصطلح اغبرب الصليبية فلم يظهر إال ُب القرف السابع عشر للميالد على يد‬ ‫الباحث اإلقبليزم توماس فوللر الذم كضع أكؿ دراسة حوؿ تلك اغبركب‪ ،‬بيد أف فوللر‬ ‫أطلق أيضا على تلك اغبركب تسمية "اغبرب اؼبقدسة"‪ ،‬إذ ألف كتابا بعنواف "تاريخ‬ ‫اغبركب اؼبقدسة"‪ ،‬كىو اؼبصطلح الذم كاف رائجا قبل ذلك التاريخ لَبصبة الواقع‬ ‫السياسي كالعسكرم فيما بْب القرنْب اغبادم عشر كاػبامس عشر ُب أكركبا‪.‬‬ ‫كدل تكن اغبركب الصليبية ُب معناىا الواسع إال حلقة من حلقات الصراع الدائم ما‬ ‫بْب الشرؽ كالغرب‪ ،‬كالذم اختلفت تسميتو باختالؼ األزماف كاؼبقاصد؛ فإذا كاف ىذا‬ ‫‪6‬‬ ‫الصراع يتمثل ُب العصور القددية ما بْب الفرس من جهة كاليوناف كالركماف كالركـ من‬ ‫جهة أخرل متخذا صبغة الغزك كاالكتساح ُب سبيل تكوين كاإلمرباطوريات العاؼبية‪ ،‬فإنو‬ ‫ُب العصور الوسطى ازبذ الصبغة الدينية من اعبهاد اإلسالمي كاغبركب الصليبية األكربية‪.‬‬ ‫أما ُب العصور اغبديثة فإف صبغة ىذا النزاع كانت حركة االستعمار الٍب مزقت كحدة‬ ‫العادل اإلسالمي كىيمنت على مقدراتو كثركاتو‪.‬‬ ‫مع حركة الفتوحات اإلسالمية بدأ اإلسالـ يتجاكز حدكد اعبزيرة العربية‪ ،‬كبعد معركة‬ ‫القادسية سبكن اؼبسلموف من إخضاع البالد الفارسية حٌب سبكنوا من إسقاط اإلمرباطورية‬ ‫الشرقية العظمي‪ٍ ،‬ب اكتسحت اعبيوش اإلسالمية بالد الشاـ فكانت كقائع أجنادين‬ ‫كالّبموؾ كالٍب زاؿ معها النفوذ البيزنطي عن كامل بالد الشاـ‪ ،‬كدخل بيت اؼبقدس‬ ‫(‪34‬ق) ربت ضباية اإلسالـ كسيادتو‪ ،‬كتتابعت الفتوحات اإلسالمية فشملت مصر‬ ‫كبرقة كإفريقية كاؼبغرب ككانت خاضعة للركـ البيزنطيْب‪ٍ ،‬ب ذباكزت الفتوحات اإلسالمية‬ ‫ذلك فتم ضم األندلس كزكاؿ النفوذ القوطي‪ ،‬اؼبسيحي عنها‪ ،‬كأخذت تتقدـ الفتوحات‬ ‫اإلسالمية كراء جباؿ الربانس حٌب كصلت إذل أكاسط فرنسا‪.‬كما ًب االستيالء على‬ ‫معظم جزر البحر األبيض اؼبتوسط‪ ،‬من ركدس إذل صقلية كجنوب شبو جزيرة إيطاليا‪،‬‬ ‫كحاكؿ اؼبسلموف ؿباصرة مدينة ركمة كفتحها ‪ ،‬كما تكررت ؿباكالهتم لفتح القسطنطينية‬ ‫‪.‬‬ ‫كىكذا سبكن اؼبسلموف من انتزاع غالب اؼبمتلكات اؼبسيحية‪ ،‬فاكبصرت دائرهتا‬ ‫ُب شبو جزيرة البلقاف كاألناضوؿ كجزء من جنوب إيطاليا‪.‬إال أف القوة اإلسالمية كإف‬ ‫استطاعت فتح بالد الشاـ كما ُب مشاؽبا الشرقي إذل أرمينية كجباؿ القوقاز فإف ما كاف‬ ‫ُب الشماؿ الغريب البالد الشاـ بقي عند البيزنطيْب كىو بالد األناضوؿ (آسيا الصغرل)‬ ‫‪7‬‬ ‫الٍب تعترب اؼبسلك الوحيد الحتالؿ القسطنطينية من طرؼ أية قوة شرقية‪.‬كما أصبحت‬ ‫اؼبناطق اؼبمتدة طوؿ خط (طرسوس ‪ -‬زبطرة ‪ -‬ملطية ‪ -‬أرض ركـ) مناطق ثغور‬ ‫كحدكد ما بْب السيادة اإلسالمية كالسيادة البيزنطية‪.‬كإف أخطر اندفاع كراء ىذا اػبط‪،‬‬ ‫كأكرب توغل ُب بالد األناضوؿ إمنا يتمثل ُب غزكة اؼبعتصم لعمورية سنة (‪991‬ىػ‪/‬‬ ‫‪718‬ـ) ٍب تراجع إذل الثغور‪ ،‬فكانت مناطق الثغور ؾباال للكر كالفر طيلة قركف بْب‬ ‫القوات اإلسالمية كالقوات البيزنطية ‪.‬‬ ‫ككاف البيزنطيوف جيزموف ببعد اػبطر عن القسطنطينية ما دامت بالد األناضوؿ ربت‬ ‫نفوذىم كسيادهتم‪ ،‬كؽبذا فما إف اكتسح السالجقة بالد األناضوؿ ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬كاقَببوا‬ ‫من حبر مرمرة حٌب ىاؿ البيزنطيْب األمر‪ ،‬كأخذكا يستنجدكف بأمم أركبا‪ ،‬كأعلنوا أف‬ ‫القسطنطينية ُب خطر‪ ،‬كأف ىذا اػبطر ال يهدد القسطنطينية كحدىا بل يهدد أركبا‬ ‫بتمامها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أحوال العالم اإلسالمي عند بداية الحركة الصليبية‪.‬‬ ‫‪ -‬مدخل تنظيري‬ ‫دل يكن من باب الصدفة ؾبيء اغبمالت الصليبية كبو قلب العادل اإلسالمي ُب‬ ‫القرنْب الرابع كاػبامس اؽبجريْب‪33- 36/‬ـ ‪ ،‬فالذم يلقي نظرة على قلب العادل‬ ‫اإلسالمي خالؿ تلك الفَبة يالحظ مدل الضعف كالتشرذـ كالتدىور‪ ،‬كيدرؾ كيف‬ ‫ؼباذا اختارت األمم النصرانية بأكربا ذلك التوقيت للقياـ باغبمالت الصليبية‪.‬‬ ‫إف من قوانْب التاريخ الٍب تعمل ُب صّبكرتو ‪" :‬أف صحة اجملتمعات كمرضها‬ ‫مرتبط بصحة الفكر أك مرضو"‪ ،‬فاجملتمع يصل إذل اعلى درجات رقيو حْب يكوف كالء‬ ‫‪8‬‬ ‫أفراده لألفكار ال لألشخاص أك األشياء‪ ،‬كعندىا يتسلم مركز قيادتو األذكياء الذين‬ ‫حيسنوف مواجهة التحديات كازباذ القرارات الصائبة الٍب تقود سفينة اجملتمع إذل ساحل‬ ‫األماف‪ ،‬كىو ما ذبسد حبق ُب عصر النبوة كاػبالفة الراشدة‪ ،‬أما حْب يكوف كالء اجملتمع‬ ‫لألشخاص كتدكر ُب فلكهم األفكار كاألشياء يهيمن عليو عندئذ ؿببو اعباه كطالبو‬ ‫النفوذ كينحصر التفكّب ُب دكائر ضيقة فبثلة ُب القبلية كالطائفية كاإلقليمية‪ ،‬كىو ما‬ ‫حدث ُب العصر األموم‪ ،‬أما ُب العصر العباسي ‪-‬ال سيما الثاين ‪ -‬فقد اكبدر اجملتمع إذل‬ ‫الدرؾ األسفل حْب صار كالءه لألشياء‪ ،‬فهيمن على مقدراتو أرباب الشهوات كسادت‬ ‫بو ثقافة الَبؼ كالبذخ كاالستهالؾ كانشغل الناس بغرائزىم كىنا سبوت الفكرة كتنبعث‬ ‫من جسد اجملتمع رائحة اؼبوت لتجذب إليها برابرة الشعوب كما ذبذب جثة الثور اؼبيت‬ ‫صغار الوحوش لتنهش غبمو كتقطع أكصالو‪ ،‬حسب تعبّب "أرنولد توينىب"‪.‬‬ ‫‪ -‬حالة العراق (الخالفة العباسية)‬ ‫لقد شهدت اػبالفة العباسية مطلع القرف اػبامس اؽبجرم حالة شديدة من‬ ‫الضعف كاالهنيار كعلى كافة اؼبستويات‪ ،‬فقد انشغل اػبلفاء عن إدارة شئوف الدكلة‬ ‫حبياة اللهو كالَبؼ كاجملوف‪ ،‬كجنحوا كبو اؼبتعة كالدعة‪ ،‬فغصت قصورىم باعبوارم‬ ‫كالغلماف كؾبالس األنس كالطرب‪ ،‬كانغمسوا ُب حضارة استهالكية‪ ،‬كصار ىم التجار‬ ‫تلبية احتياجات اغبكاـ من السلع الكمالية كاالستهالكية‪ ،‬الٍب تسببت ُب كثرة النفقات‬ ‫كإفراغ بيت اؼباؿ ‪،‬فارتفعت األسعار بشكل ملحوظ كذبدرت األزمة االجتماعية‪.‬كتزامن‬ ‫ذلك مع تتابع الكوارث الطبيعية مثل القحط ك اعبفاؼ كالربد كالعواصف كالفيضانات‬ ‫كالسيوؿ كالصواعق كاغبرائق كاجملاعات كاألكبئة كالطواعْب كالزالزؿ كأسراب اعبراد ‪ُ،‬ب‬ ‫الوقت الذل تعاظمت فيو االضطرابات كالقالقل السياسية‪ ،‬كاؼبواجهات العسكرية الٍب‬ ‫‪9‬‬ ‫صاحبها استفحاؿ اؼبغارـ كاعببايات حٌب على اغبجاج‪ ،‬كتعرض كسائل اإلنتاج للتخريب‬ ‫كإتالؼ احملاصيل‪ ،‬كهنب األمواؿ كضرب اغبصار على التجمعات السكنية‪ ،‬كفقداف‬ ‫السيطرة على البحار العاؼبية لصاحل قول أجنبية‪ ،‬فبا أدل إذل تدىور التجارة اػبارجية‪،‬‬ ‫كسيادة اإلقطاعية‪ ،‬كتعاظم نفوذ العسكر اجمللوب‪ ،‬كربكمو ُب اػبالفة العباسية الٍب‬ ‫فقدت ىيبتها‪ ،‬ككقع اػبلفاء ربت سيطرة السلطة البويهية الشيعية‪ ،‬الذين ربكموا ُب‬ ‫مقدرات اػبالفة‪ ،‬كصار ألمّب األمراء منهم السلطة النافذة ُب تعيْب اػبلفاء كعزؽبم‬ ‫‪،‬كانزاؿ أبشع الواف العقوبات على اؼبغضوب عليهم‪.‬بل كصل األمر بأحدىم كىو‬ ‫"فناخسرك" إذل إعالف نفسو خليفة للمسلمْب‪ ،‬لوال أف ثورة عارمة قامت ضده ‪،‬جعلتو‬ ‫يؤثر الَباجع عن االستمرار‪.‬‬ ‫نظرا لبداكة العسكر اؼبسيطر على اػبالفة كجشعو ُب طلب اؼباؿ‪ ،‬كضعف النظم‬ ‫القائمة‪ ،‬سبزقت دكلة اػبالفة إذل كيانات سياسية متصارعة‪ ،‬فتصدعت كحدهتا كذبزأت‬ ‫إذل إمارات استيالء كاستكفاء‪.‬ناىيك عن تفاقم ظاىرة الشعوبية كالعصبية كالطائفية‬ ‫كاؼبذىبية ‪،‬كغلبة الفكر التقليدم اعبمودم على التيارات العقالنية‪ ،‬فبا أدل إذل الركود‬ ‫الفكرم‪ ،‬كسيطرة "اػبالفات الدينية كاؼبذىبية" الٍب أفرزت "التعصب للرأم" ككرست‬ ‫حالة الفرقة كأدت إذل مزيد من سبزيق كحدة األمة ُب سبيل االنتصار للرأم كالتشبث بو‪،‬‬ ‫كعدـ االجتهاد لفهم آراء اآلخرين كإزالة نقاط اػبالؼ‪ ،‬كتوحيد قول األمة‪ ،‬كدلم شتاهتا‬ ‫لتكوف أقول على مواجهة التحديات‪.‬‬ ‫ؼبا توذل اػبالفة العباسية "القائم بأمر اهلل" (‪5٦8 – 599‬ىػ) ازدادت اغبالة سوءا‬ ‫كأصبح النهب كالغصب جهارة‪ ،‬كشاع شغب اعبند كالغلماف كالَبؾ كالديلم إذل أف كقع‬ ‫احتالؿ بغداد من طرؼ السالجقة سنة ‪ 558‬ق كأزالوا سلطنة آؿ بويو‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫كإذا كاف للسالجقة فضل فهو ُب صبعهم ؼبا تفرؽ كتشتت من اؼبشرؽ اإلسالمي‬ ‫ربت رايتهم؛ فامتدت سلطنة بِب سلجوؽ امتداد عظيمة ُب عهد عظماء سالطينها‬ ‫(طغرؿ بك ‪ -‬ألب أرسالف ‪ -‬ملکشاه)‪.‬كقد اشتهر السلطاف ألب أرسالف السلجوقي‬ ‫بفتوحاتو ُب آسيا الصغرل كانتصاره على إمرباطور الركـ "ركمانوس ديوجونيس" ُب معركة‬ ‫مالزکرد ‪1٦1( Mantzikert‬ىػ‪3683 /‬ـ ‪ ،‬كالٍب انتهت بنصر مظفر للسالجقة‬ ‫‪،‬كاسر اإلمرباطور البيزنطي ركمانوس الرابع‪ ،‬كتوغل السالجقة ُب أمالؾ الدكلة البيزنطية‪،‬‬ ‫كًب ضم أرمينيا كغالب بالد األناضوؿ إذل شواطئ حبر مرمرة‪ ،‬كأصبحت القسطنطينية‬ ‫مهددة خبطر احتالؽبا؛ فبا دعى األخّبة إذل االستنجاد بالغرب األكريب‪ ،‬فكانت اغبركب‬ ‫الصليبية على بالد اإلسالـ‪.‬‬ ‫كلكن ىذه العظمة السلجوقية دل تدـ طويال‪ ،‬فما إف توَب ملكشاه انقسمت دكلتو‬ ‫بْب أبنائو األربعة‪ ،‬كجرل التنافس حوؿ ارثو بْب األبناء ككذلك أعماـ ملكشاه ‪ ،‬ككاف‬ ‫كذل عهده بركياركؽ ُب الثالثة عشر من عمره ‪ ،‬فحاكلت أرملة ملكشاه كتدعى تركاف‬ ‫خاتوف أف ذبعل كالية العهد البنها ؿبمد كقبحت ُب ذلك دبساعدة اػبليفة العباسي ‪ٍ.‬ب‬ ‫دل يلبث أفراد البيت السلجوقي أف دخلوا ُب نزاعات فيما بينهم حوؿ مناطق النفوذ ُب‬ ‫العراؽ كخراساف كفارس ‪ ،‬تلك الصراعات الٍب فتتت كحدة تلك الدكلة كجزأهتا إرل‬ ‫إمارات كدكيالت صغّبة ُب بالد الشاـ كاعبزيرة الفراتية‪.‬‬ ‫كراحت قوانْب التاريخ تعمل عملها من جديد حْب كصل السالجقة إذل ذات‬ ‫النقطة الٍب انتهت إليها اػبالفة العباسية من الضعف كالتشرذـ كالنزاع كالشقاؽ كاعبنوح‬ ‫إذل حياة الَبؼ كالدعة‪ ،‬فبا حدا بقوة جديدة إذل اجتياح الشاـ كالعراؽ كىى قوة‬ ‫الصليبيْب‪.‬كانفرط عقد السلطنة السلجوقية الٍب كانت سبتد من بالد الصْب إذل سواحل‬ ‫‪11‬‬ ‫الشاـ شرقا كغربا‪ ،‬كمن بالد القوقاز إذل اليمن مشاال كجنوبا‪.‬كىكذا ما حاف موعد‬ ‫اغبركب الصليبية حٌب كاف اؼبشرؽ اإلسالمي ُب غاية الفوضى كاالرتباؾ كالتنازع‪.‬‬ ‫حالة بالد الشام‪.‬‬ ‫ُب مطلع القرف اػبامس كانت سورية ُب الفوضى الٍب أحدثها اغباكم بأمر اهلل‬ ‫الفاطمي‪.‬كُب أكؿ عهد سلفو ‪ -‬اػبليفة الظاىر ‪ -‬كانت سورية تكاد تكوف خارجة‬ ‫عن نفوذه فقد استولی صاحل بن مرداس (‪ 534‬ق ‪ 3694 -‬ـ) على حلب كما إليها‪،‬‬ ‫كأغار حساف بن جراح الطائي على أكثر بالد الشاـ كفلسطْب‪.‬كتكررت اغبوادث سنة‬ ‫‪ 599‬ق‪.‬كاستمر االضطراب ُب بالد الشاـ حٌب افتكها السالجقة من الفاطميْب‪ ،‬كدل‬ ‫تسلم ُب عهدىم من القتاؿ كالنزاع كاػبصاـ من أجلها‪.‬كقبيل اندالع اغبركب الصليبية‬ ‫كانت بالد الشاـ موزعة على األمراء كالسالجقة اؼبتنازعْب‪ :‬فأنطاكية كانت ربت إمارة‬ ‫باغيسياف الَبكماين‪.‬كدمشق كانت لرضواف بن تتش ابن ألب أرسالف‪ ،‬كبيت اؼبقدس‬ ‫كانت قد أقطعت لألمّب سقماف بن أرتق الَبكماين‪.‬‬ ‫حالة مصر الفاطمية‬ ‫ينطبق اغباؿ نفسو على مصر الفاطمية ‪ ،‬الٍب عانت خالؿ تلك الفَبة من‬ ‫تضعضع سلطاهنا كأشرفت على االكبالؿ كاالضمحالؿ‪.‬فقد كانت مصر هنبا للثورات‬ ‫الداخلية كاؼبنازعات ما بْب الطوائف اؼبختلفة من فباليك أتراؾ كسودانيْب كمغاربة‪.‬‬ ‫ككانت اجملاعات كالقحط كاألكبئة تغشاىا كتنهك من قواىا‪.‬ككانت اغتياالت اػبلفاء‬ ‫كالوزراء تدبر بأشكاؿ ـبتلفة كمتنوعة‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫استهل القرف اػبامس اؽبجرم على مصر الفاطمية كخليفتها اغباكم بأمر اهلل‪.‬كدل‬ ‫تكن تسكن فيها الفتنة حٌب تشب األخرل‪.‬ككاف شذكذه النفسي ُب غاية الفوضى‬ ‫كاالرتباؾ‪.‬ككانت مدة خلفو ‪ -‬الظاىر ابن اغباكم بأمر اهلل (‪ 533‬إذل ‪ 598‬ق) مدة‬ ‫فوضى أيضا‪.‬كحدثت فيها ؾباعة كربل فيما بْب (‪534‬ك ‪ 538‬ق) كاقتتل فيها‬ ‫اؼبغاربة كاألتراؾ‪ ،‬كفشا الطاعوف الذم دل ينج منو حٌب اػبليفة‪.‬أما مدة اػبليفة اؼبستنصر‬ ‫(‪ 578 - 598‬ق) فقد كانت سبثل عهد اقتطاع أطراؼ اػبالفة الفاطمية ‪ :‬فقد‬ ‫أعلنت تونس انفصاؽبا من طرؼ اؼبعز بن باديس سنة‪517‬ىػ‪ ،‬كانتزع السالجقة القدس‬ ‫كفلسطْب كدمشق من سيادة الفاطميْب سنة ‪5٦9‬ىػ‪.‬أما حالة مصر الداخلية فكانت‬ ‫غاية ُب االرتباؾ‪ ،‬كال أدؿ على ذلك من تقليد الوزارة مدة تسع سنوات األربعْب كزيرا‪.‬‬ ‫ٍب حدثت ؾباعة كربم استمرت من ‪ 547‬إذل ‪ 5٦4‬أكل فيها الناس غبوـ البشر‪ٍ.‬ب‬ ‫توذل اؼبستعلي بن اؼبستنصر (‪ )594 - 578‬الذم كاف ديثل الضعف اغبقيقي للخلفاء‬ ‫الفاطميْب دبصر‪ ،‬كالذم حدثت ُب عهده اغبركب الصليبية‪.‬‬ ‫ىكذا كانت حالة اجملتمع اإلسالمي قبيل نشوب اغبركب الصليبية مشجعة كمغرية‬ ‫للصليبيْب الذي ن كجدكا فيها فرصة ساكبة ال جيب تفويتها لالنتقاـ من اؼبسلمْب الذين‬ ‫من ىزدية القوات اؼبسيحية من خالؿ حركة الفتوحات اإلسالمية الٍب انتزعت منهم‬ ‫بالدا مَبامية األطراؼ كانت ربت سطوهتم‪ ،‬فمنذ أف التقت القوات اإلسالمية بالقوات‬ ‫البيزنطية اؼبسيحية ُب فلسطْب سنة ‪ ۳۳‬ىجرية كانتصار اؼبسلمْب عليهم ُب معارؾ‬ ‫الّبموؾ كأجنادين‪ ،‬منذ ذلك الوقت كاإلسالـ يهاجم النصارل كيفتح أراضيهم‪ ،‬فبقي‬ ‫النصارل يَبقبوف الفرصة اؼبنيحة كالزمن اؼبناسب؛ فكانت أكاخر القرف اػبامس اؽبجرم‬ ‫أحسن الفرص لالنتهاز‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ - 3‬دوافع الحمالت الصليبية وبواعثها‪.‬‬ ‫ُب ‪ 38‬نوفمرب‪577‬ىػ‪3694/‬ـ أعلن البابا إرباف الثاين عن اشتعاؿ دكر جديد ُب‬ ‫مسلسل الصراع ضد اإلسالـ؛ بدعوتو للمسيحيْب كاألراضي اؼبقدسة كالقضاء على‬ ‫اإلسالـ حيث قاؿ "فليبادر أكلئك الذين اعتادكا شن اغبرب اػباصة ضد اؼبؤمنْب‬ ‫باؼبسّب ضد الكفار ُب حرب جيب أف تبدأ اآلف لتنتهي بالنصر‪ ،‬كأكلئك الذين ظلوا‬ ‫لصوصا فَبة طويلة ينبغي أف يتحولوا اآلف إذل جنود اؼبسيح‪ ،‬كليبادر أكلئك الذين حاربوا‬ ‫ذات مرة ضد اإلخوة كاألقارب إذل شن اغبرب حبق ضد الربابرة اؼبسلمْب‪ ،‬كأكلئك الذين‬ ‫كانوا مرتزقة مأجورين من أجل حفنو من النقود الفضة عليهم أف يعملوا للحصوؿ على‬ ‫مكافأة خالدة"‪.‬بعد ذلك قاـ البابا جبولة ُب كسط كغرب كجنوب فرنسا للدعوة لقياـ‬ ‫ضبلة على العادل اإلسالمي كما قاـ بإرساؿ مبعوثْب نيابة عنو ُب أكباء أكربا للدعوة‬ ‫غبملة ضد اؼبسلمْب‬ ‫كمن اؼبتعارؼ عليو أف اغبركب الصليبية كانت ربالف بْب قول أكربية متغايرة ُب‬ ‫طبيعتها السياسية كالعرقية من أمراء إقطاعيْب‪ ،‬كملوؾ‪ ،‬كرجاؿ دين‪ ،‬كبالتارل كانت‬ ‫متباينة ُب أىداؼ كدكافع مشاركتها ُب اغبركب الصليبية حٌب كإف قاتلت ربت راية‬ ‫البابوية‪.‬فإذا كانت أىداؼ البابوية ىي توحيد العادل اؼبسيحي ربت سيطرة كنيسة‬ ‫ركما‪ ،‬كشن ىذا الكياف اؼبسيحي اؼبوحد حرب الستئصاؿ اإلسالـ‪ ،‬فهناؾ من شارؾ‬ ‫لتحقيق أىداؼ اقتصادية حبتو كاإلمارات اإليطالية‪ ،‬كىناؾ من رأل ُب اغبركب الصليبية‬ ‫مغامرة حربية إلشباع شهوة الطعن كالقتاؿ كربقيق ؾبد شخصي‪ ،‬كذلك كما سيظهر‬ ‫بعد ذلك قبد أف النورماف ُب إنطاكية ُب مرحلة من اؼبراحل فضلوا مقارعة بيزنطة على‬ ‫مواجهة اؼبسلمْب‪ ،‬كما أف ىناؾ من القادة من ارتضى اؼبكاسب الٍب حققها ُب الشرؽ‬ ‫‪14‬‬ ‫كأقاـ معاىدات الصلح مع اؼبسلمْب كحافظ على ما ربت يده على حساب اؼبشركع‬ ‫الصلييب‪.‬‬ ‫كىكذا ديكن القوؿ بأف اغبركب الصليبية دل تكن نتيجة دافع كاحد أك سبب‬ ‫منفرد‪ ،‬كلكنها كانت نتاجان جملموعة عوامل متعددة كمعقدة ‪ ،‬كمن ٍب فإف أية ؿباكلة‬ ‫لشرحها أك تفسّبىا ُب ضوء عامل كاحد مثل اغبماسة الدينية‪ ،‬أك جوع الفالحْب‪ ،‬أك‬ ‫رغبة التجار ُب اغبصوؿ على االمتيازات التجارية‪ ،‬أك مآرب البابوية السياسية أك غّبىا‪.‬‬ ‫ىذه احملاكلة سيكوف مآؽبا الفشل على الرغم من أف كل دافع من ىذه الدكافع كاف‬ ‫كاضحان ُب اغبركة الصليبية بالفعل‪.‬كبرغم ذلك يبقى علينا أف نستعرض كل دافع على‬ ‫حدة كي نسرب أغواره‪ ،‬كنرل ُب النهاية مدل تأثّب كل دافع من ىذه الدكافع ُب طبيعة‬ ‫ىذه اغبمالت سواء بشكل فردل‪ ،‬أك بتضافر كل ىذه الدكافع معان لتخلق ىذه الظاىرة‬ ‫التارخيية اؼبميزة‪.‬‬ ‫‪ -‬الدافع الديني‬ ‫جيب أف نشّب إذل أف اؽبدؼ األيديولوجي العاـ كاؼبعلن شيء ‪ ،‬كاألسباب كالدكافع‬ ‫اغبقيقية شيء آخر‪.‬ذلك أنو ُب فَبة اإلعداد للحرب عادة ما يكوف الَبكيز على اؽبدؼ‬ ‫األيديولوجي بقصد اغبصوؿ على التأييد الشعيب العاـ‪.‬كليست ىناؾ أيديولوجية ديكن‬ ‫أف ذبتذب صبوع الناس مثل األيديولوجية الٍب تقوـ على أساس ديِب‪ ،‬أك ترتدل ثياب‬ ‫الدين ‪ ،‬على الرغم من أف الدكافع االقتصادية كالسياسية كاالجتماعية‪ ،‬بل كاألىداؼ‬ ‫الشخصية ‪ ،‬قد تكوف ُب حقيقتها أكثر أمهية من الدكافع الٍب ربظى دبثل ىذا االنتشار‪.‬‬ ‫كَب اغبمالت الصليبية سبت صياغة األيديولوجية على أساس ديِب ‪ ،‬كاغبمالت الصليبية‬ ‫‪15‬‬ ‫مثاؿ جيد على االختالؼ بْب اؽبدؼ األيديولوجي اؼبعلن للحرب كالدكافع كاألسباب‬ ‫اغبقيقية احملركة لعجلة اغبرب ‪.‬‬ ‫كقد اعتاد مؤرخو اؼبدرسة القددية أف ينظركا إذل اغبركب الصليبية من زاكية كاحدة ىي‬ ‫زاكية الدين‪ ،‬كأف يعاعبوىا عالجان مبتوران ُب ضوء العامل الديِب‪ ،‬متجاىلْب ما فاضت بو‬ ‫اغبركة الصليبية من بواعث سياسية كاقتصادية كاجتماعية كحضارية ‪ ،‬كمن ذلك أف رياف‬ ‫‪ Riant‬عرؼ اغبركب الصليبية بأهنا " حركب دينية استهدفت عن طريق مباشر أك غّب‬ ‫مباشر االستيالء على األراضي اؼبقدسة بالشاـ " ‪.‬كلعل ذلك راجع إذل ارتباط العامل‬ ‫الديِب باؼبسيحية ككنيستها الٍب أصبح ؽبا مع الزمن سلطة كاسعة كغدت ‪ ،‬من ضيق‬ ‫األشياء حبياة الناس اػباصة كالعامة ‪ ،‬ؽبا األمر كالنهى كعلى اعبميع السمع كالطاعة‪.‬‬ ‫كليس أدؿ على ذلك من قوؿ مؤرخ عاصر بداية اغبركة الصليبية ‪ ،‬ىو ركبرت الراىب ‪،‬‬ ‫من أف ىذه اغبمالت من عمل اهلل كليس من عمل اإلنساف ‪.‬كاألكثر من ذلك أف‬ ‫ىناؾ من اؼبؤرخْب احملدثْب من اعترب البواعث الدينية احملرؾ األكؿ للحركب الصليبية ؛‬ ‫فرأل ارنست باركر ‪ Ernest Barker‬أف اغبركة الصليبية حركة ركحية استطاعت أف‬ ‫تَبجم نفسها لتخرج إذل النور ُب حركب مقدسة كعادلة استنفرت ؽبا اؼبسيحية بأسرىا ‪.‬‬ ‫حقيقة أف اغبركة الصليبية ؽبا ُب اظبها كطريقة الدعوة ؽبا ‪ ،‬كالركح الٍب كيفت‬ ‫الكثّب من أحداثها ما جيعل الصفة الدينية كاضحة فيها لكن اؼبدقق ُب تاريخ اغبركب‬ ‫الصليبية ليسَبعي نظره أف الركح الصليبية ذاهتا كثّبان ما فَبت ُب بعض حلقاهتا ‪ ،‬كأف‬ ‫الباعث الديِب كثّبان ما ذاب كسط التيارات السياسية كاالقتصادية ‪.‬‬ ‫فالعامل الديِب دل يكن كحده ليكفي لقياـ حركة خطّبة كاغبركة الصليبية تركت‬ ‫آثارىا على ؾبريات األحداث كقتها كلقركف عديدة تالية‪.‬لقد استغلو اعبهاز الكنسي‬ ‫‪16‬‬ ‫البابوم هبدؼ إثارة اغبماسة الدينية لدل الغرب ربقيقان ألغراض عديدة من بينها سعى‬ ‫الكنيسة الغربية الكاثوليكية لبسط نفوذىا الديِب على العادل اؼبسيحي اؼبعركؼ كقتها‬ ‫بأصبعو‪.‬ككذلك القضاء على النفوذ اإلسالمي ُب األراضي اؼبقدسة ‪ ،‬كالتخلص من‬ ‫كبار رجاؿ اإلقطاع ُب الغرب الذين كانوا مصدر متاعب كمضايقات بالنسبة ؽبا ُب‬ ‫كقت كانت تسعى فيو لفرض سلطاهنا الديِب كالدنيوم على الغرب األكريب بأكملو ‪.‬‬ ‫كلكى تنجح البابوية ُب ربقيق أىدافها منح البابا الصليبْب ضباية الكنيسة كذلك بأف‬ ‫أصدر أمران بابويان باحملافظة على أمالكهم كعدـ مسها بأم سوء حٌب عودهتم ‪ ،‬كىذه‬ ‫اغبماية كانت مرتبطة دبا كاف يسمى (ىدنة اهلل) ‪ ،‬ككعدىم بصكوؾ الغفراف ‪.‬‬ ‫ارتبط الدافع الديِب ارتباطان كثيقان دبا يعرؼ باغبج إذل األراضي اؼبقدسة ُب‬ ‫فلسطْب ‪ ،‬فقد شعر اؼبسيحيوف منذ كقت مبكر بالرغبة القوية ُب أف يركا بأنفسهم تلك‬ ‫اؼبواقع اؼبرتبطة بذكريات اؼبسيحية مثل اؼبوضع الذل كلد فيو السيد اؼبسيح ‪ ،‬كاألماكن‬ ‫الٍب تنقل فيها ُب أرجاء فلسطْب اؼبختلفة للتبشّب بالدين اعبديد ‪ ،‬فاقبل اغبجيج‬ ‫اؼبسيحيوف من أكربا أفواجان لزيارة األراضي اؼبقدسة ُب فلسطْب‪.‬كديثل القرف اػبامس‬ ‫اؽبجرم ‪ /‬اإلحدل عشر اؼبيالدم مرحلة حاظبة بالنسبة للحج األكريب إذل فلسطْب‬ ‫(‪539 – 184‬ىػ ‪3693 - 974 /‬ـ)‬ ‫حيث قاـ اػبليفة الفاطمي اغباكم بأمر اهلل‬ ‫بتدمّب كنيسة الضريح اؼبقدس ‪ ،‬لكن عهده ديثل مرحلة قصّبة استثنائية ‪.‬كقد استغل‬ ‫األكربيوف ما قاـ بو اغباكم بأمر اهلل للدعاية ضد اإلسالـ كالعمل على إنقاذ اؼبسيحيْب‬ ‫كاألماكن اؼبقدسة من اضطهاد اغبكاـ اؼبسلمْب ‪.‬‬ ‫كبعد سيطرة السالجقة على فلسطْب كمنها بيت اؼبقدس عاـ ‪5٦9‬ىػ ‪3686 /‬ـ‬ ‫أخذ اغبجاج يتحدثوف عن عما يالقوه من متاعب بعد عودهتم إذل أكطاهنم ‪ ،‬كقد شاع‬ ‫‪17‬‬ ‫ُب الغرب األكريب أف أحد رجاؿ الدين الغربيْب كىو بطرس الناسك حج إذل بيت‬ ‫اؼبقدس كتقابل مع ظبعاف بطريق بيت اؼبقدس عاـ‪573‬ىػ‪3677 /‬ـ‪ ،‬كقد ضبل ظبعاف‬ ‫بطرس رسالة إذل البابا أكرباف الثاين ربمل ما يعانيو اؼبسيحيوف كيستنجد بو‪.‬‬ ‫كاغبقيقة أنو مهما بلغت حدة تلك اؼبضايقات الٍب تعرض ؽبا اغبجاج اؼبسيحيوف‪،‬‬ ‫فلن تصل إذل حد مبالغات كادعاءات بعض ىؤالء الذين أخذكا يهولوف األمر كيصفوف‬ ‫اضطهاد اؼبسيحيْب بل كانتهاؾ حرمة أماكنهم اؼبقدسة؛ كلعل خّب مثاؿ على ذلك أف‬ ‫بطرس الناسك الذل قاد اغبملة الٍب تعرؼ حبملة العامة‪ ،‬كالذل توجو للبابا أكرباف الثاين‬ ‫مستعينان بو بعد أف قاـ باغبج إذل بيت اؼبقدس‪،‬كالذل أذف لو بالدعوة إلنقاذ األماكن‬ ‫اؼبقدسة ُب فلسطْب‪.‬ىذا الرجل كرحلة حجو الٍب انتهت بسالـ خّب دليل على كذب‬ ‫تلك االدعاءات كاالفَباءات الٍب أخذ يركجها ُب مدف أكربا ضد اؼبسلمْب ُب الشرؽ ‪.‬‬ ‫يضاؼ لذلك أف سوء معاملة اؼبسيحيْب دل تقتصر على اعبانب اإلسالمي فقط ‪،‬‬ ‫كذلك ُب بعض الفَبات‪ ،‬بل تعدتو إذل اعبانب البيزنطي أيضان‪ ،‬فقد تعرض اغبجاج‬ ‫اؼبسيحيْب بإيعاز من اإلمرباطور البيزنطي ‪ ،‬للحرماف من الدخوؿ إذل القرب اؼبقدس ‪،‬‬ ‫كمن أبرز األمثلة على ذلك ما قبده ُب عهد اإلمرباطور البيزنطي باسيل الثاف ‪ ،‬إذ طلب‬ ‫من موظفيو فرض ضريبة على اغبجاج كخيوؽبم ‪ٍ ،‬ب تابعت اإلمرباطورة ثيودكرا سياسة‬ ‫أبيها ‪ ،‬كقامت بفرض الضرائب الباىظة على اغبجاج اؼبسيحيْب‪ ،‬كمن ٍب فقد بدأ ىؤالء‬ ‫اغبجاج يالقوف اؼبصاعب كاؼبضايقات الكثّبة من اعبانب البيزنطي ‪.‬‬ ‫كمن الواضح أف ىذا اؼبدخل للحركب الصليبية مدخل يضلل الباحث بعيد عن‬ ‫اغبقيقة كالتاريخ ‪ ،‬ليس فقط بسبب ما يشتمل عليو من مبالغات معظمها ال أساس لو‬ ‫من الصحة ‪ ،‬بل أيضان ألف الدخوؿ إذل تاريخ اغبركة الصليبية من ىذا الباب الومهي‬ ‫‪18‬‬ ‫كفيل بأف يصرؼ الباحث عن اؼبدخل اغبقيقي للموضوع ‪.‬فالقوؿ بأف اغبركب‬ ‫الصليبية أتت رد فعل لالضطهاد الذل تعرض لو اؼبسيحيوف الشرقيوف كالغربيوف ُب‬ ‫البلداف اإلسالمية ‪ ،‬إمنا ىو ادعاء باطل ال يتفق كركح اإلسالـ ‪ ،‬كما أحاط بو القرآف‬ ‫أىل الكتاب من عناية كرعاية ‪ ،‬كما أمر اهلل بو ؿبمد (صلى اهلل عليو كسلم) من دعوتو‬ ‫إذل دينو باغبكمة كاؼبوعظة اغبسنة ‪.‬‬ ‫كأثبت التاريخ أف اؼبسيحيْب عاشوا دائما ُب كنف الدكلة اإلسالمية عيشة ىادئة ‪،‬‬ ‫كبصفة عامة اتسمت سياسة اؼبسلمْب ذباه األماكن اؼبقدسة لدل اؼبسيحيْب بالتسامح‬ ‫الديِب كال نغفل زاكية ؽبم ىنا كىى أف اغبج اؼبسيحي إذل األراضي اؼبقدسة ُب فلسطْب‬ ‫قد شهد ازدىاران كبّبان من خالؿ توطد العالقات بْب الدكلة العباسية كفبلكة الفرقبة‬ ‫الكاركلنجيْب خاصة خالؿ عهد ىاركف الرشيد (‪395 – 386‬ىػ‪ 769 – 87٦ /‬ـ)‬ ‫كشارؼباف (‪397 – 3٦9‬ىػ ‪ 731 – 887 /‬ـ) ‪.‬‬ ‫كلكن ىل يعُب كل ذلك أف الباعث الديِب ليس لو أم اثر ُب ربريك اغبركب‬ ‫الصليبية ؟ الواقع إننا دل نقصد ذلك مطلقان ‪ ،‬كإمنا أردنا أف نصحح اعتبارين طاؼبا كقع‬ ‫فيهما كثّبكف عند معاعبة موضوع اغبركة الصليبية‪.‬أما االعتبار األكؿ فهو أنو ليس من‬ ‫الصواب إطالقان القوؿ بأف ىناؾ اضطهادان فريدان ُب نوعو حل باؼبسيحيْب ُب البلداف‬ ‫اإلسالمية فبا يصح بأف يكوف سببان الستثارة الغرب األكريب‪.‬كإذا كاف بعض دعاة‬ ‫اغبملة الصليبية األكذل كعلى رأسهم البابا أكرباف الثاين نفسو قد استغلوا فكرة االضطهاد‬ ‫ىذه لالستهالؾ احمللى ُب الدعاية ؼبشركعهم ُب غرب أكربا‪.‬االعتبار الثاين ىو أنو ال‬ ‫صحة إطالقان للفكرة اػبيالية الٍب ظلت سائدة أمدان طويالن ‪ ،‬كالٍب صورت الصليبيْب‬ ‫الذين أخذكا يفدكف من غرب أكربا إذل الشرؽ ُب صورة اؼبسيحيْب اؼبخلصْب حقيقة أف‬ ‫‪19‬‬ ‫العصور الوسطى ُب الغرب األكريب عرفت ُب التاريخ باسم عصور اإلدياف‪ ،‬كأف التاريخ‬ ‫يثبت أف الكنيسة الغربية فبثلة ُب شخص زعيمها البابا ىي الٍب دعت للحرب الصليبية‬ ‫سنة ‪3694‬ـ ‪ ،‬كأف ىذه الدعوة ترتب عليها ما حدث من خركج الناس أفواجان ُب‬ ‫شكل ضبالت صليبية ضخمة متالحقة إذل الشرؽ األدىن‪.‬كلكن فكرة شن حرب دينية‬ ‫على اؼبسلمْب كاستخالص األراضي اؼبقدسة منهم دل تكن الباعث األكؿ الذل دفع‬ ‫البابوية إذل القياـ بتلك الدعوة ‪ ،‬كدفع صبوع الناس من أمراء كعامة إذل تلبية نداء البابا‬ ‫ُب سهولة كيسر كاػبركج أفواجان قاصدين الشرؽ األدىن‪.‬‬ ‫فقد اعَبؼ كثّب من اؼبؤرخْب األكربيوف الذين عاعبوا ىذا اؼبوضوع بأف غالبية‬ ‫الصليبيْب الغربيْب الذين أسهموا ُب اغبركة الصليبية تركوا بالدىم إما بدافع الفضوؿ أك‬ ‫لتحقيق أطماع سياسية ‪ ،‬كإما للخالص من حياة الفقر الٍب كانوا حييوهنا ُب بالدىم ُب‬ ‫ظل النظاـ اإلقطاعي‪ ،‬كإما للتهرب من ديوهنم الثقيلة أك ؿباكلة تأجيل سدادىا كإما‬ ‫لتحقيق مكاسب سياسية كاقتصادية ُب الشرؽ ‪.‬‬ ‫كعلى الرغم من أف اؼبسيحية ديانة مساؼبة ‪ ،‬كنشأت بالفعل كذلك لكن فيما‬ ‫بعد ًب ربريبها أل جعلها ديانة ؿباربة ‪ ،‬كذلك بفضل دكر كبار آباء الكنيسة كعلى‬ ‫رأسهم القديس أكغسطْب (القرف ‪٦‬ـ) الذل تناكؿ باغبديث أمر اغبركب العادلة ‪.‬كفيما‬ ‫بعد تطور األمر حبيث صارت اغبرب شريعة دينية لدل باباكات ركما ‪ ،‬كأخذ الفارس‬ ‫يتألق ُب ىيئة اؼبدافع عن مسيحيتو ضد كافة األدياف‪.‬كالٍب يعتربكهنا كافرة كمهرطقة أك‬ ‫خارجة عن دائرة اإلدياف ‪.‬‬ ‫كقد اتضحت أطماع كبار رجاؿ الالتْب جبالء بعد تأسيس مستعمراهتم ُب الشرؽ‪.‬‬ ‫فقد ثارت اؼبشاكل منذ اللحظة األكذل حوؿ اختيار رئيس الدكلة اعبديدة ُب بيت‬ ‫‪20‬‬ ‫اؼبقدس‪.‬كعقد الفرنج عدة اجتماعات فاشلة ؽبذا الغرض كشفت عن أطماعهم‪.‬كبدا‬ ‫اػبالؼ كاضح بْب رجاؿ الدين كالعلمانيْب ‪ ،‬حيث كاف كل منهم يرل أنو أكذل من‬ ‫اآلخر ُب حكم تلك الدكلة الٍب أقاموىا ُب فلسطْب ‪.‬‬ ‫كيثبت التاريخ أف اؼبسيحيْب عاشوا دائما ُب كنف الدكلة اإلسالمية عيشة ىادئة ‪،‬‬ ‫يشهد على ذلك الرسالة الٌب بعث هبا ثيودسيوس ‪ Theodsus‬بطريق بيت اؼبقدس‬ ‫عاـ ‪944‬ىػ‪7٦9 /‬ـ إذل زميلو اجناثيوس ‪ Agnathus‬بطريق القسطنطينية ‪ ،‬كالٍب‬ ‫امتدح فيها اؼبسلمْب كأثُب على قلوهبم الرحيمة كتساؿبهم اؼبطلق حٌب أهنم ظبحوا‬ ‫للمسيحيْب ببناء مزيد من الكنائس دكف تدخل َب شئوهنم اػباصة ‪ ،‬كذكر بطريق بيت‬ ‫اؼبقدس باغبرؼ الواحد َب رسالتو " إف اؼبسلمْب قوـ عادلوف ككبن ال نلمس منهم أل‬ ‫أذل "‪.‬حقيقة التاريخ يشّب إذل تعرض اؼبسيحيْب أحيانان ُب بعض البلداف لنوع من‬ ‫الضغط ‪ ،‬كلكنها حالت فردية لن يتخذكىا دليالن على تعسف حكاـ اؼبسلمْب مع‬ ‫اؼبسيحيْب ‪ ،‬كحسبنا ما قاـ بو اإلمرباطور قسطنطْب األكؿ من اضطهادات إلرغاـ غّب‬ ‫اؼبسيحيْب على اعتناؽ اؼبسيحية ‪.‬‬ ‫كيكفينا ىنا شهادة أحد شهود العياف الغربيْب ؽبذه اغبمالت ليدحض ما أثّب بشأف‬ ‫الدافع الديِب ؽبذه اغبمالت‪ ،‬إذ تذكر أمّبة البالط البيزنطي أنا كومنينا ‪Anna‬‬ ‫‪ُ Comnena‬ب حديثها عن اغبمالت الصليبية " إف الشهوة إذل تلك األراضي‬ ‫البيزنطية ‪ ،‬كالرغبة ُب االستيالء عليها ‪ ،‬قد استولت على نفوسهم – أم الصليبيْب –‬ ‫منذ زمن بعيد " ‪.‬كهبذه اؼبقولة البالغة الداللة عربت األمّبة البيزنطية عن ىدؼ حقيقي‬ ‫كأصيل ضمن برنامج أمشل كضعو قادة اغبركة الصليبية نصب أعينهم كقتما ضبلوا شارة‬ ‫‪21‬‬ ‫الصليب ‪ ،‬بدعول قيادة ضبلة مقدسة يباركها الرب كيظللها تأييد السماء ‪ ،‬غبماية‬ ‫مسيحي الشرؽ كالدفاع عن األراضي اؼبقدسة ضد ما أظبوه بربرية العرب اؼبسلمْب‪.‬‬ ‫كتثبت اغبقيقة التارخيية كؾبريات األحداث خالؿ القرنْب الثاين عشر كالثالث عشر‬ ‫اؼبيالدم دبا ال يدع ؾباالن للشك أف البشرية دل تشهد حركبان استعمارية خرجت زيفان‬ ‫كهبتانان بدعول الدين كالقداسة ‪ ،‬مثلما شهدت خالؿ الفَبة اؼبمتدة من أكاخر القرف‬ ‫اغبادم عشر كطواؿ قرنْب تاليْب ‪ ،‬بل ال نبالغ إذ ما ذىبنا أبعد من ذلك بالقوؿ أف‬ ‫ىذه اغبركب خرجت أيضان ضد اؼبسيحية الشرقية كمعتنقيها ‪ ،‬فنتيجتها كؿبصلتها األليمة‬ ‫دل تشمل فقط اؼبسلمْب كأراضيهم ُب بالد الشاـ ‪ ،‬بل راح ضحيتها أيضان أخوة ؽبم ُب‬ ‫الدين اؼبسيحي ‪ ،‬كذلك عندما عرب الصليبيوف عن دمويتهم كعنصريتهم َب أجل صورىا‬ ‫كقتما كجهوا حراهبم الصليبية إذل اإلمرباطورية الشرقية اؼبسيحية البيزنطية عاـ ‪3965‬ـ‬ ‫فيما عرؼ اصطالحان باغبملة الصليبية الرابعة ‪.‬‬ ‫‪ -‬الدافع االقتصادي‬ ‫حيتل ىذا الدافع مكانة متميزة بْب دكافع اغبمالت الصليبية ‪ ،‬كيكفى أف نثبت كجود‬ ‫ذلك الدافع كواقع تارخيي من خالؿ اػبطاب الرظبي الذل دشن اؼبشركع الصلييب ‪،‬‬ ‫كنعُب بو خطاب البابا أكرباف الثاين ُب ؾبمع كلّبمونت عاـ ‪577‬ىػ‪3694 /‬ـ ؛ إذ‬ ‫ربدث البابا عن أرض كنعاف الٍب تفيض لبنان كعسالن ‪ ،‬كما أشار إذل أف األرض ُب‬ ‫الغرب األكريب كالسيما ُب فرنسا ضاقت بسكاهنا ‪ ،‬كيدؿ ىذا اإلغراء االقتصادم اعبلي‬ ‫سبامان على عمق الدافع االقتصادم منذ اللحظات األكذل ؼبيالد اؼبشركع الصلييب ‪.‬‬ ‫كقد أثبتت األحباث اغبديثة قوة العامل االقتصادم كأمهيتو ُب ربريك كثّب من‬ ‫اؽبجرات كالثورات كاغبركب اؽبامة ُب التاريخ‪ ،‬ككبن مع اعَبافنا بوجود بواعث عديدة‬ ‫‪22‬‬ ‫للحمالت الصليبية منيل إذل تأكيد أمهية ىذا العامل بالذات ُب تلك اغبمالت ؛ ذلك‬ ‫أف صبيع الوثائق اؼبعاصرة تشّب إذل سوء األحواؿ االقتصادية ُب غرب أكربا كخباصة فرنسا‬ ‫ُب أكاخر القرف اغبادم عشر ‪ ،‬كَب ضوء ىذه اغبقيقة ديكننا أف نرل ؼباذا كانت نسبة‬ ‫الصليبيْب الفرنسيْب اؼبشاركْب ُب اغبملة الصليبية األكذل تفوؽ نسبة الوافدين من أم بلد‬ ‫آخر من بلداف غرب أكربا ‪.‬‬ ‫كمهما يقاؿ عن أف ىذه األزمات مفتعلة افتعلها التجار اؼبستغلوف فالذم يهمنا ىو‬ ‫أنو كانت ىناؾ أزمة اقتصادية طاحنة بلغ من قسوهتا أهنا أعبأت الناس إذل أكل‬ ‫األعشاب كاغبشائش ‪ ،‬كزاد من سوء األحواؿ االقتصادية ُب غرب أكربا ُب ذلك الوقت‬ ‫كثرة اغبركب احمللية بْب األمراء اإلقطاعيْب ‪ ،‬كىى اغبركب الٍب دل تفلح الكنيسة َب أك‬ ‫اؼبلوؾ ُب كقفها فبا أضر بالتجارة كطرقها كالزراعة كحقوؽبا ‪ ،‬كىكذا جاءت اغبركب‬ ‫الصليبية لتفتح أماـ ىؤالء اعبوعى ُب غرب أكربا بابان جديدان للهجرة كاغبياة ‪ ،‬كطريقان‬ ‫للخالص من األكضاع االقتصادية الصعبة الٍب عاشوا فيها داخل أكطاهنم ‪.‬لقد ضمت‬ ‫اغبملة الصليبية األكذل صبوعان غفّبة من اؼبعدمْب كالفقراء كاؼبساكْب كطريدم القانوف ‪.‬‬ ‫كيالحظ الباحث ُب تاريخ اغبمالت الصليبية ضباسة منقطعة النظّب من جانب مدف‬ ‫إيطاليا التجارية مثل جنوة كبيزه كالبندقية للمسامهة َب تلك اغبمالت فقد تأثر التجار‬ ‫اإليطاليوف باغبركة الصليبية كقاموا دبساندهتا بكل ما ربتاج إليو من مؤف كأسلحة‬ ‫كأساطيل ‪.‬كتكشف لنا الدالئل على أف اؼبدف اإليطالية كاصلت القتاؿ بران كحبران ضد‬ ‫اؼبسلمْب قبل زمن طويل من انعقاد ؾبمع كلّبمونت عاـ ‪3694‬ـ‪.‬ففي القركف األربعة‬ ‫السابقة لعقد ىذا اجملمع التزمت ىذه اؼبدف َب عالقتها باؼبسلمْب دبا سبليو عليها‬ ‫مصلحتها ‪ ،‬فتارة تتحالف مع اؼبسلمْب ‪ ،‬كتارة أخرل تصطدـ هبم ‪.‬كَب القرف اغبادم‬ ‫‪23‬‬ ‫عشر أغار البيازنة كاعبنويوف على الساحل اإلفريقي كفرضوا شركطان على األمّب اؼبسلم ‪،‬‬ ‫كبفضل ىذا الصلح الذل انعقد عاـ ‪3678‬ـ انتقلت السيطرة على البحر اؼبتوسط من‬ ‫العرب للمدف اإليطالية ‪.‬‬ ‫كىناؾ عدة أسباب دفعت اؼبدف اإليطالية التجارية لتقدًن اؼبساعدة للحمالت‬ ‫الصليبية ديكن إصباؽبا فيما يلى ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬اؼبوقع اعبغراُب القريب (الذل كانت ربتلو اؼبدف اإليطالية) نسبيان من اؼبوانئ اإلسالمية‬ ‫بالشاـ ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬حاجة ىذه اؼبدف التجارية للبحث عن موارد اقتصادية إضافية خارج حدكد نطاقها ‪.‬‬ ‫ت ‪ -‬ما تفرضو عليها طبيعة النظاـ االقتصادم اعبديد الذل كاف يقتضى ضركرة الرحالت‬ ‫التجارية كاستثمار األمواؿ من أجل إنعاش حجم التجارة بْب الشرؽ كالغرب بشكل‬ ‫دائم‬ ‫ككانت اؼبدف اإليطالية مثل (جنوا كبيزه كالبندقية كامالفى) راغبة ُب توسيع رقعة‬ ‫ذبارهتا ‪ ،‬كلعل ما دفعها إذل ذلك ىو سيطرة النورماف على صقلية كجنوب إيطاليا بعد‬ ‫أف كانت ربت سيطرة اؼبسلمْب (‪575 - 549‬ىػ‪3693 – 36٦6 /‬ـ) ‪ ،‬كبعد أف‬ ‫قبحت اعبيوش اؼبسيحية ُب مشاؿ األندلس َب انتزاع جانبان من أمالؾ اؼبسلمْب منذ‬ ‫عاـ‪587‬ىػ ‪3674‬ـ كما بعدىا ‪.‬كل ىذا جعل القول اؼبسيحية تسيطر على ذبارة‬ ‫البحر اؼبتوسط بصورة كبّبة ‪ ،‬كقد أدل ىذا إذل ثراء اؼبدف اإليطالية‬ ‫‪24‬‬ ‫كأصبحت قوية حيث ذبمعت فيها ذبارة مشاؿ أكربا القادمة من البالد الواقعة كراء هنر‬ ‫األلب ‪ ،‬كمن ىنا حاكلت ىذه اؼبدف التوسع ُب ذبارهتا على حساب الوجود اإلسالمي‬ ‫ُب اعبزء الشرقي من البحر اؼبتوسط أم سواحل الشاـ كمصر ‪.‬‬ ‫كقد قامت أساطيل اؼبدف التجارية اإليطالية بدكر فعاؿ ُب االستيالء على اؼبراكز‬ ‫الرئيسية ُب الشاـ‪.‬فقد ساعد اعبنويوف الصليبيْب ُب االستيالء على أنطاكية‬ ‫عاـ‪596‬ىػ‪3698 /‬ـ ‪ ،‬كأسهم البنادقة بعد ذلك بعامْب ُب استيالء الصليبيْب على‬ ‫بيت اؼبقدس ‪.‬ككاف ىدؼ ىذه اعباليات األكؿ كاألخّب ىو الربح كالكسب اؼبادم‪ ،‬كدل‬ ‫يكن الدافع الديِب إال بالقدر الذل حيقق مصاغبهما‪.‬كيكفى أف نعرؼ أف شعار‬ ‫البنادقة الذل عرفوا بو كقتذاؾ كاف " لنكن أكالن بنادقة ٍب لنكن بعد ذلك مسيحيْب " ‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫كباإلضافة إذل اؼبدف اإليطالية اشَبكت أيضان اؼبدف الفرنسية كاإلسبانية ُب اغبركب‬ ‫الصليبية بغرض السيطرة على الطرؽ التجارية للسلع الشرقية الٍب أصبحت مصدر ثراء‬ ‫عظيم للمشتغلْب هبا‪.‬كقد ًب عمل معاىدات بْب التجار كبْب حكاـ فبلكة بيت اؼبقدس‬ ‫الالتينية كتضمنت امتيازات عديدة إقليمية لصاحل اعباليات التجارية اإليطالية كالفرنسية‬ ‫كاإلسبانية َب مقابل اؼبساعدات الٍب قدموىا للحمالت الصليبية كباإلضافة لتلك‬ ‫اؼبعاىدات سبتعت اؼبدف اإليطالية ُب بالد الشاـ بإعفاءات خاصة ‪ ،‬فضالن عن شارع‬ ‫كسوؽ كفندؽ بو ضباـ كـببز خاص بتجار اؼبدينة اإليطالية ‪.‬كديكننا القوؿ أنو بفضل‬ ‫اؼبساعدات اإليطالية الفعالة للصليبيْب ‪ ،‬فقد استطاعوا االستيالء على اؼبوانئ اإلسالمية‬ ‫ُب الشاـ‪ ،‬كما أنو بفضل اإلمدادات اؼبتتالية بالفرساف كاألسلحة سبكن الصليبيوف من‬ ‫إقامة مستعمرات دائمة ُب بالد الشاـ ‪.‬‬ ‫كىكذا اصطبغت اغبركة الصليبية من أكؿ أمرىا بصبغة اقتصادية استغاللية كاضحة‬ ‫‪ ،‬فكثّب من اؼبدف كاعبماعات كاألفراد الذين أيدكا تلك اغبركة كشاركوا فيها كنزحوا إذل‬ ‫الشرؽ ‪ ،‬دل يفعلوا ذلك ػبدمة الصليب ‪ ،‬كؿباربة اؼبسلمْب ‪ ،‬كإمنا جريان كراء اؼباؿ كصبع‬ ‫الثركات كإقامة مستوطنات كمراكز ثابتة ؽبم ُب قلب الوطن اإلسالمي بغية استغالؿ‬ ‫موارده كاؼبتاجرة فيها ‪ ،‬كاغبصوؿ على أكرب قدر فبكن من الثركة ‪.‬كعبثان ذىبت صيحات‬ ‫العقالء من الباباكات كرجاؿ الدين كملوؾ قربص ليوحد الصليبيوف قوهتم أماـ اػبطر‬ ‫الذل يوشك أف يعصف هبم صبيعان ‪ ،‬فقد كانت اؼبنافسات التجارية كاػبصومات اؼبادية‬ ‫بْب الصليبيْب بعضهم كبعض أعمق جذكران كأقول أثران من شعور الوالء للدين كالكنيسة‬ ‫‪26‬‬ ‫‪ -‬الدافع االجتماعي‬ ‫ديكننا تصور اجملتمع األكريب ُب العصور الوسطى ُب شكل مثلث يتألف من ثالث‬ ‫أضالع ؛ فالنبالء (الذين حياربوف) ‪ ،‬كرجاؿ الكنيسة (الذين يصلوف) كانوا يشكلوف‬ ‫ضلعي ىذا اؼبثلث ‪ٍ ،‬ب اؼبزارعوف من األحرار كاألقناف (الذين ينتجوف) ‪ ،‬ككانوا دبثابة‬ ‫قاعدة ىذا اؼبثلث اإلقطاعي ‪.‬ككانت طبقٍب النبالء كرجاؿ الدين أقلية سبثل ُب ؾبموعها‬ ‫اؽبيئة اغباكمة من كجهة النظر السياسية األرستقراطية السائدة من كجهة النظر‬ ‫االجتماعية‪ُ ،‬ب حْب ظلت طبقة الفالحْب سبثل الغالبية اؼبغلوبة على أمرىا ‪ ،‬كالٍب كاف‬ ‫كأكذل ىذه‬ ‫على أفرادىا أف يعملوا كيشقوا ليسدكا حاجة الطبقتْب األخريْب‬ ‫الطبقات ىم النبالء من الفرساف ؛ الذين كونوا طبقة شريفة مستقلة عن باقي طبقات‬ ‫اجملتمع ‪ ،‬كازداد مع الزماف نفوذىا كاتسعت سلطاهتا ‪ ،‬حٌب دل يعد للملك نفسو إال‬ ‫كاحدان من بْب أفرادىا‪.‬ككاف الفارس يلقن الدفاع عن الكنيسة كالدين ‪ ،‬ككاف ىذا‬ ‫النظاـ معموالن بو ُب إيطاليا فقط حٌب قياـ اغبركب الصليبية ‪ ،‬كلكن البابا أكرباف الثاين‬ ‫نقلو إذل مشاؿ أكربا منذ هناية القرف اغبادم عشر اؼبيالدم ‪ ،‬ككاف يعترب الفرساف جنود‬ ‫اهلل أك جنود الكنيسة‪.‬كؽبذا السبب كانت اغبركب اؼبتواصلة الدامية الٍب تشنها أكربا‬ ‫ضد غّب اؼبسيحيْب الغربيْب تعترب من أكذل الواجبات اؼبفركضة على الفارس ‪ ،‬كمثاؿ‬ ‫ذلك اغبركب الصليبية ضد اؼبسلمْب ُب الشرؽ ‪.‬‬ ‫ككاف ىؤالء الفرساف ىم أصحاب اغبظوة ؛ فتناثرت أمالكهم اإلقطاعية ُب فرنسا‬ ‫كأؼبانيا كإقبلَبا كغّبىا من البقاع األكربية ‪ ،‬ككجدت ىناؾ القالع الٍب استقر فيها السادة‬ ‫اإلقطاعيوف ‪ ،‬كاستخدمت تلك القالع إلدارة اإلقطاع‪.‬ككانت تنشب بْب اغبْب كاآلخر‬ ‫صراعات حربية بْب السادة اإلقطاعيْب من أجل السيطرة على األرض كما عليها من‬ ‫‪27‬‬ ‫دكاب كأقناف ‪ ،‬كحاكلت البابوية ‪ -‬بوصفها أعلى مؤسسة ركحية ‪ -‬كقف ىذه النزاعات‬ ‫دكف جدكل ‪ ،‬كمن ٍب ظهر ما يعرؼ هبدنة الرب ‪ ،‬ككاف ىدفها فَبة سالـ ال زبرج فيها‬ ‫السيوؼ ‪ ،‬غّب أف ىذه اؼبساعي ذىب أدراج الريح كباءت بالفشل ‪.‬‬ ‫كقد شجع النبالء على االشَباؾ ُب اغبركب الصليبية أف اإلقطاعات ُب غريب أكربا‬ ‫دل تعد تكفى أفراد العائالت النبيلة اؼبتزايدة ‪ ،‬خاصة بعد انتشار تطبيق النظاـ الذل‬ ‫عرؼ باسم ‪ ، Primogeniture‬كالذل نص على منح أكرب أكالد السيد اإلقطاعي‬ ‫إقطاعو كامتيازاتو بعد كفاة الوالد ‪ ،‬كبذلك يصبح على باقي األبناء السعي ُب اذباه آخر‬ ‫للبحث عن إقطاعات خاصة هبم ‪ ،‬لذلك كجد احملركمْب من اإلرث اإلقطاعي خاصة‬ ‫نبالء فرنسا ُب اغبركب الصليبية الٍب ربطت الواجب اؼبسيحي بامتالؾ األراضي فرصة‬ ‫للسفر كاؼبغامرة ُب بالد الشرؽ اإلسالمي ‪.‬‬ ‫كىكذا كاف النظاـ اإلقطاعي ُب أكربا يدعو للتوسع كالسيطرة ‪ ،‬كدل ذبد نفعان‬ ‫فكرة سالـ اهلل كىدنة اهلل ‪ ،‬كما عبأت إليو الكنيسة من تشجيع اؼببارزات الفردية دل يؤد‬ ‫إذل نتيجة إجيابية ‪ ،‬كلذا حرصت الكنيسة على تشجيع الفرساف على قتاؿ اؼبسلمْب ‪،‬‬ ‫فيشبع الفارس بذلك نزعتو اغبربية ‪ ،‬كيناؿ اػبالص كالتطهّب من الذنوب كىو ما يرضى‬ ‫اعبانب الركحي من طبيعتو ؛ يضاؼ إذل ذلك ما حدث ُب أكربا من ازدياد عدد‬ ‫السكاف كتقاصر األراضي عن سد حاجة اؼبقطعْب ‪ ،‬فكاف البد من السعي للحصوؿ‬ ‫على إقطاعات جديدة بالتوسع شرقان‪.‬كىذا يفسر اشَباؾ أمراء مثل بلدكين كبوىيموند‬ ‫كتانكرد َب اغبركب الصليبية ‪ ،‬إذ ىيأت ؽبم الفرصة إلقامة إمارات ُب الشرؽ ‪.‬‬ ‫أما الشرحية الثانية من اجملتمع األكريب كنقصد هبا رجاؿ الدين ؛ فهم الضلع الثاين‬ ‫من أضالع اؼبثلث اإلقطاعي‪ ،‬كاعبناح الديِب ؽبذا اجملتمع‪.‬ككاف العادل اؼبسيحي ُب‬ ‫‪28‬‬ ‫العصور الوسطى مقسمان بشكل حاد – كما ذكرنا – إذل أقساـ ثالثة ىي ‪ :‬النبالء‬ ‫كالقساكسة كالفالحْب‪.‬ككاف اؼببشركف حيبوف أف يشبهوا اجملتمع باعبسد اإلنساين ؛‬ ‫فيشبهوف القساكسة بالرأس كالعيوف ‪ ،‬كالنبالء بالذراعْب كاليدين ‪ ،‬كالعامة باألرجل‬ ‫كاألقداـ ‪ ،‬كباعتبار أف القساكسة ىم رأس اجملتمع كعينو فقد زعموا ألنفسهم حق توجيو‬ ‫اجملتمع كحكمو‪.‬كلكن " النبالء " دل يسلموا ؽبم هبذه اغبقوؽ اؼبزعومة ‪ ،‬كمن ٍب حدث‬ ‫تفاعل كبّب بْب ىاتْب القوتْب‪.‬كقد كصل ىذا التفاعل إذل مداه ُب القرف اغبادم عشر‬ ‫اؼبيالدم حبيث أفرز اغبركة الصليبية‪.‬إذ كاف ىذا التدخل كالتفاعل بْب اؼبؤسستْب‬ ‫الكبّبتْب ُب اجملتمع األكريب‪ ،‬كنعُب هبما اإلقطاع كالكنيسة مصدر قوة ؽبذه اغبركة ‪.‬‬ ‫كانت طبقة الفالحْب ُب أكربا تكوف نسبة كبّبة من اجملتمع األكريب اإلقطاعي ‪،‬‬ ‫ككانت ىذه الطبقة تعيش حياة قاسية تفتقر إذل األمن كاالستقرار‪.‬يضاؼ إذل ذلك أف‬ ‫األراضي الزراعية قد خربت كأصاهبا البوار من جراء ىجمات العناصر الشمالية ‪ ،‬كما‬ ‫خربت اعبسور كغطت اؼبياه جانبان من ىذه األراضي‪.‬كالواقع إف الفالحْب عاشوا ُب‬ ‫غرب أكربا عيشة منحطة ُب ظل نظاـ الضيعة حيث شيدكا ألنفسهم أكواخان من جذكع‬ ‫األشجار كفركعها غطيت سقوفها كأرضيتها من الطْب كالقش دكف أف تكوف ؽبا نوافذ أك‬ ‫بداخلها أساس ‪ ،‬عدا صندكؽ صغّب من اػبشب كبعض األدكات الفخارية كاؼبعدنية‪.‬‬ ‫ككاف معظم أكلئك الفالحْب من الرقيق كاألقناف الذين ارتبطوا ارتباطان كثيقان باألرض الٍب‬ ‫يعملوف عليها كقضوا حياهتم ؿبركمْب من أبسط مبادئ اغبرية الشخصية ‪ ،‬فكل ما‬ ‫جيمعو القن يعترب ملكان خاصان للسيد اإلقطاعي ألف القن ؿبركـ حٌب من اؼبلكية‬ ‫الشخصية ‪.‬‬ ‫‪29‬‬ ‫كىكذا ظلت الغالبية العظمى من الناس ُب غرب أكربا حييوف حياة شاقة مليئة‬ ‫بالذؿ كاؽبواف ‪ ،‬ككاف ذلك ُب الوقت الذل علت فيو الدعوة للحركب الصليبية‪.‬كقد‬ ‫كجد ىؤالء ُب ىذه الدعوة فرصة ساكبة للتخلص من الوضعية الٍب كانوا يرسفوف فيها ‪،‬‬ ‫حيث كفلت ؽبم اؼبشاركة ُب تلك اغبركب ربقيق أمرين كانا غاية أم فالح أكريب معدـ‬ ‫؛ األكؿ التحرير من قيود عبودية النظاـ اإلقطاعي‪.‬كالثاين خالص نفوسهم من الذنوب‬ ‫‪ ،‬ألف البابوية كعدهتم بتكفّب ذنوهبم إذا اشَبكوا ُب ىذه اغبركب ‪.‬‬ ‫كىكذا تالقت أىداؼ أضالع مثلث اجملتمع األكريب ‪ ،‬كصبت كلها ُب اذباه كاحد‬ ‫ىو اذباه اغبركب الصليبية‪ ،‬حقيقة تعددت دكافع كل كاحد منهم لكن اؽبدؼ ُب النهاية‬ ‫كاف كاحدان كىو اؼبشاركة ُب اغبركب الصليبية من أجل ربقيق مكاسب جديدة كل‬ ‫حسب تطلعاتو‪.‬‬ ‫‪ -‬الدافع السياسي‬ ‫يعد من أىم البواعث احملركة للمشركع الصلييب‪ ،‬إذ أنو يكشف لنا عن الطابع‬ ‫الربصباتى للحركة كيضعها ُب إطارىا التارخيي الصحيح دكف الغالؼ الديِب الذل تفيض‬ ‫بو كتب اغبوليات الصليبية‪.‬كسيكوف ؽبذا الدافع دكره أيضان ُب إضعاؼ اغبركة ذاهتا بعد‬ ‫أف يستقر صراع اؼبصاحل السياسية للصليبيْب على أرض بالد الشاـ ككذلك على أرض‬ ‫القالب البيزنطي كنقصد بو القسطنطينية‪.‬كالدافع السياسي ذاتو يكشف لنا عن أف‬ ‫القائلْب بالدافع الديِب دل يفطنوا إذل ثراء اغبركب الصليبية كتعدد دكافعها كبالتارل‬ ‫أىدافها ‪.‬لقد كاف الصليبيوف بشران بكل معُب الكلمة ‪ ،‬ككانوا مقبلْب على دنياىم بكل‬ ‫دالالت العبارة ‪ ،‬كعلى صخرة اؼبصاحل السياسية سقطت مسوح الرىباف الٍب حرص‬ ‫‪30‬‬ ‫مؤرخو اغبوليات الصليبية أف يلبسوىا ألبطاؽبم ‪ ،‬كىو أمر دل يكن دائمان ديت للواقع‬ ‫بصلة ‪.‬‬ ‫كزيادة على ذلك ‪ :‬أف الدافع السياسي كشف لنا عن زاكية ؿبورية ال تغفل كىى أنو‬ ‫أماـ الرغبة ُب النفوذ السياسي اؼبتعاظم كالرغبة ُب الزعامة السياسية ‪ ،‬عمل اعبميع‬ ‫بالسياسة من حيث ال يدركف حيث كاف استعمار الشرؽ اإلسالمي ُب بالد الشاـ‬ ‫دبثابة الفرصة الذىبية الٍب جاء هبا الزماف فلماذا ال يهتم هبا قادة أكربا ملوكان كأباطرة ؟ إف‬ ‫الواقع التارخيي أثبت بالفعل أف اؼبصاحل السياسية حركت القول اؼبشاركة ُب ىذا اؼبشركع‬ ‫الذل احتول عموما القارة األكربية كبصورة أكرب من الباعث الديِب‪ ،‬كتلك ىي حقيقة‬ ‫ذلك العصر الٍب ال ديكن إغفاؽبا ‪.‬‬ ‫كفبا يدؿ على تغلب العامل السياسي على غّبه من العوامل األخرل ُب اغبركة‬ ‫الصليبية تصرفات كسلوؾ بعض األمراء الذين خرجوا إذل الشرؽ اإلسالمي ‪ ،‬كخاصة‬ ‫بالد الشاـ ‪ ،‬كمدل تصارعهم فيما بينهم على ربقيق أطماعهم السياسية ‪ ،‬كقد ظهر‬ ‫ىذا كاضحان ُب أثناء اغبملة الصليبية األكذل ‪ ،‬فقد كاف ىؤالء األمراء يركف أهنم أحق‬ ‫باألرض الٍب استولوا عليها ُب الشرؽ من زمالئهم كإخواهنم الذين أتوا ؽبم مددان إليهم ُب‬ ‫اغبمالت التالية‪.‬بل قبد أف بعض األمراء الصليبيْب ببالد الشاـ دل حيجموا عن ؿبالفة‬ ‫بعض القول اإلسالمية اجملاكرة ؽبم ضد إخواهنم من الصليبيْب ‪ ،‬فبا يدؿ داللة كاضحة‬ ‫على أف الوازع الديِب كثّبان ما ضعف عند أكلئك األمراء أماـ مصاغبهم السياسية ‪.‬‬ ‫كما يتضح لنا أمهية العامل السياسي بوصفو ؿبركان سياسيان لقياـ اغبركب الصليبية ‪،‬‬ ‫كذلك ُب العالقة بْب الصليبيْب كالدكلة البيزنطية ‪ ،‬إذ كاف من اؼبنطقي أف تتحالف‬ ‫كتتحد القوتاف اؼبسيحيتاف ضد اإلسالـ باعتباره ديثل خطران مشَبكان ؽبما ‪ ،‬لكن أحداث‬ ‫‪31‬‬ ‫اغبرب الصليبية األكذل ككقائعها توضح لنا أف الدكلة البيزنطية اؼبسيحية قد عانت من‬ ‫الصليبيْب كمن اغبركب الصليبية بشكل عاـ ‪ ،‬مثلما عاىن اإلسالـ كاؼبسلموف منها ‪ ،‬بل‬ ‫إف بيزنطة نفسها كانت ىدفان إلحدل اغبمالت الصليبية كىى اغبملة اؼبعركفة ُب عداد‬ ‫تلك اغبمالت بالرابعة ‪ ،‬كالٍب توجهت إذل القسطنطينية عاصمة الدكلة البيزنطية‬ ‫لالستيالء عليها ‪.‬‬ ‫كإذا كانت الفاقة كالذؿ كاغبرماف – كما رأينا ُب الدافع االجتماعي ‪ -‬ىي الٍب‬ ‫دفعت الغالبية العظمى من الصليبيْب إذل الَبحيب بالدعوة اعبديدة كاؼبشاركة ُب اغبركة‬ ‫الصليبية حبثان عن حياة أفضل‪.‬فما الدافع الذل دفع عددان كبّبان من ملوؾ أكربا كأمرائها‬ ‫كفرساهنا إذل اؼبشاركة ؟ الشك أف مشاركة ملوؾ الغرب األكريب أمثاؿ فردريك بربركسا ‪،‬‬ ‫ريتشارد قلب األسد ‪ ،‬فيليب أغسطس ‪ ،‬لويس السابع كغّبىم ‪ُ ،‬ب اغبركب الصليبية‬ ‫كما اثبت التاريخ قد ًب ربت ضغط البابوية كإغباحها كهتديدىا ُب بعض األكقات ‪،‬‬ ‫ككانت البابوية ُب ىذا الوقت على درجة عظيمة من القوة كالسلطاف ‪ ،‬كدل يكن أم‬ ‫ملك من ملوؾ أكربا يستطيع أف يرفض ؽبا طلبان كإال تعرض للحرماف كالطرد من الكنيسة‬ ‫‪ ،‬بل كفقد عرشو كما حدث مع فردريك الثاين إمرباطور اإلمرباطورية الركمانية اؼبقدسة‬ ‫عندما رفض القياـ حبملة إذل الشرؽ ‪.‬‬ ‫كقد رأت األسرات األكربية اغباكمة ُب ذلك العصر أف االشَباؾ ُب اؼبشركع الصلييب‬ ‫كاف من شأنو تدعيم النفوذ السياسي الداخلي لتلك األسرات ‪.‬ككاف من نتيجة‬ ‫اػبصومات كاػبالفات الٍب كاف عليها الغرب األكريب من عداء بْب اقبلَبا كفرنسا ‪ ،‬كبْب‬ ‫أؼبانيا كاؼبدف اإليطالية كغّبىا ‪ ،‬كل ذلك أدل إذل زيادة التنافس السياسي بْب كافة‬ ‫القول اؼبشاركة َب ذلك اؼبشركع ‪ ،‬كلذلك فإننا ال نبالغ إذا ذكرنا أف اغبركب الصليبية‬ ‫‪32‬‬ ‫عكست تنافس شديد بْب األسرات اغباكمة ُب الغرب األكريب ُب ذلك الوقت من أجل‬ ‫استعمار شرؽ البحر اؼبتوسط‪.‬كإذا كاف اؽبدؼ أك الرغبة ُب النفوذ السياسي لألسرات‬ ‫األكربية اغباكمة ُب غرب أكربا ‪ ،‬حيث كاف استعمار الشرؽ اإلسالمي ُب بالد الشاـ‬ ‫دبثابة الفرصة الذىبية لغرب أكربا فلماذا ال يهتم هبا قادة أكربا ملوكان كأباطرة ؟‬ ‫يضاؼ إذل ذلك أف األكضاع السياسية ُب بالد الشرؽ اإلسالمي كاإلمرباطورية‬ ‫البيزنطية سامهت إذل حد كبّب ُب قدكـ اغبمالت الصليبية فقد كاف العادل اإلسالمي‬ ‫مقسمان إذل خالفات كدكيالت ‪ ،‬فاػبالفة العباسية السنية ُب بغداد انتاهبا الضعف بعد‬ ‫اغبركات االنفصالية الٍب سادهتا ‪ٍ ،‬ب سيطرة بُب بويو ٍب السالجقة عليها‪.‬كَب مصر‬ ‫كانت اػبالفة الفاطمية الشيعية قد انتاهبا الضعف أيضان ‪ ،‬ككاف ربت سيطرهتا فلسطْب‬ ‫زمن قدكـ اغبملة الصليبية األكذل ‪ ،‬أما مشاؿ الشاـ فقد كاف دكيالت صغّبة غّب موحدة‬ ‫كأدت ىذه الظركؼ إذل ظهور قوة األتراؾ السالجقة على الساحة السياسية‬ ‫كالعسكرية ُب تلك اؼبنطقة ؛ فعندما استتب األمر للسلطاف ألب أرسالف (‪- 544‬‬ ‫‪5٦4‬ىػ ‪3681 – 36٦1 /‬ـ) كجو نظره ألمالؾ الدكلة البيزنطية َب بالد الشاـ‬ ‫كتكملة ؼبسّبة كالده ‪ ،‬كأستطاع أف يضم بعض اؼبناطق ىناؾ ‪ ،‬لكنو كاف شديد الوطأة‬ ‫على اؼبسيحيْب ىناؾ حٌب أثارت معاملتو ؽبم غضب اإلمرباطور البيزنطي ركمانوس‬ ‫الرابع ديوجْب ‪ ، Romanus IV Diogene‬فبدأ االستعداد لقتاؿ ألب أرسالف‬ ‫كجهز جيشان كبّبا ؽبذا الغرض كتقدـ هبم حٌب منطقة مانزكرت‪.‬‬ ‫كؼبا صكت ىذه األنباء أظباع ألب أرسالف جهز ىو اآلخر جيشان من السالجقة‬ ‫كتوجو ؼبانزكرت لكنو فوجئ بقلة عدد جيشو مقارنة باعبيش البيزنطي ‪ ،‬فبا جعلو يطلب‬ ‫عقد ىدنة مع ركمانوس لكن األخّب رفض ىذا الطلب ‪ ،‬كصار اػبيار اؼبتاح عندئذ ىو‬ ‫‪33‬‬ ‫القتاؿ ‪ ،‬كبالفعل كقعت معركة حاظبة بْب الطرفْب انتهت هبزدية ساحقة للجيش البيزنطى‬ ‫كأسر اإلمرباطور البيزنطى نفسو ‪.‬‬ ‫كَب عهد سلفو ملكشاه سبكن السالجقة من بسط سيطرهتم على جزء كبّب من آسيا‬ ‫الصغرل ‪ ،‬لكن أحواؿ السالجقة سرعاف ما تدىورت َب أكاخر عهد ملكشاه خاصة‬ ‫بعد حدكث نزاع بْب كزيره الشهّب نظاـ اؼبلك كتركاف خاتوف زكجة ملكشاه حوؿ كالية‬ ‫العهد ‪ ،‬فقد كاف األكؿ يريد أف تكوف كالية العهد لربكياركؽ االبن األكرب ؼبلكشاه ‪،‬‬ ‫أما تركاف خاتوف فأرادهتا البنها ؿبمود الذل دل يتجاكز الرابعة من عمره ‪.‬كبعد كفاة‬ ‫ملكشاه انفرط عقد الدكلة السلجوقية بسبب الصراع على العرش بْب األخوين بركياركؽ‬ ‫كؿبمد ‪.‬‬ ‫كدل يقف األمر عند ىذا الصراع فقط بل صارت أسرة السالجقة ُب أكاخر سنيها‬ ‫مسرحا للعديد من اؼبنازعات الٍب أدت إذل ضعفها كتفككها ‪ ،‬كقد أسهمت ىذه‬ ‫األحواؿ من سبكن الغرب الصلييب عاـ ‪3694‬ـ من عبور اؼبناطق الٍب سيطر عليها‬ ‫السالجقة ُب آسيا الصغرل ليحتل اؼبناطق الٌب يسيطركف عليها ُب بالد الشاـ ‪.‬‬ ‫كيذكر كثّب من اؼبؤرخْب أـ من أسباب ىجوـ الصليبيْب على الشرؽ اإلسالمي ىو‬ ‫مراسلة الفاطميْب ألمم الفرنج كتشجيعهم على مهاصبة السالجقة ‪ ،‬ألف ىؤالء تغلبوا‬ ‫على الفاطميْب كأخذكا منهم البالد الشامية ‪ ،‬زيادة على اػبالفات اؼبذىبية ما بْب أىل‬ ‫السنة كمنهم السالجقة كأىل الشيعة كمنهم الفاطميْب ككاف الفاطميوف يعلقوف آماالن‬ ‫كبّبة على مهاصبة الصليبيْب للقوات السلجوقية ‪ ،‬على اعتبار أف إبعاد السالجقة عن‬ ‫مناطق سبركزىم ديكن الفاطميْب من إرجاع األراضي الشامية الٍب انتزعها منهم السالجقة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪34‬‬ ‫أما عن األكضاع السياسية ُب اإلمرباطورية البيزنطية فنجد أف الضعف بدأ يتسلل إذل‬ ‫ىذه اإلمرباطورية الٍب تولت الدفاع عن الغرب األكريب ضد ىجمات اؼبسلمْب لفَبة‬ ‫طويلة ‪ ،‬كدل تستطع مقاكمة أعدائها خاصة السالجقة الذين انتصركا عليها ُب معركة‬ ‫مانزكرت عاـ‪5٦٦‬ىػ ‪3683/‬ـ ‪ ،‬كتابع السالجقة انتصاراهتم باالستيالء على أنطاكية‬ ‫عاـ ‪3674‬ـ ‪ٍ ،‬ب توغلوا ُب آسيا الصغرل حٌب كصلوا إذل نيقية كاستولوا عليها ‪.‬كَب‬ ‫ظل عجز بيزنطة عن صد اػبطر السلجوقي بسبب اعبيش البيزنطي اؼبنهك القول بفعل‬ ‫األزمات الداخلية يقاؿ أف اإلمرباطور البيزنطي الكسيوس كومنْب قاـ بكتابة رسالة إذل‬ ‫البابا أكرباف الثاين يستنجد فيها بالغرب األكريب للتصدم ػبطر السالجقة ‪ ،‬لكن‬ ‫الدراسات التارخيية أثبتت عدـ صحة ىذه الرسالة ‪.‬‬ ‫كقد رأل بعض اؼبؤرخْب أف الكسيوس دل يطلب اؼبساعدة من الغرب األكريب‪ ،‬كإف كاف قد طلب‬ ‫اؼبساعدة فإنو دل يكن يعُب كل ىذه اعبموع الغفّبة ‪.‬كظهرت ىناؾ مدرستاف حوؿ ىذا اػبطاب‬ ‫كمها ‪ :‬أكالن اؼبدرسة األؼبانية ؛ كىى تنادل بصحة اػبطاب ‪ ،‬كإنو إذا دل يكن اػبطاب الذل كصلنا‬ ‫ىو النص األصلي فهو على األقل صورة منو ربول نفس اؼبعُب كإف كاف بأسلوب مغاير ‪.‬ثانيان‬ ‫‪35‬‬ ‫اؼبدرسة الفرنسية ؛ كىى تعارض اؼبدرسة األكذل كتنفى نفيان قاطعان أف الكسيوس أرسل أم خطاب‬ ‫إذل البابا كأنصار ىذا الرأم يقولوف بأف البيزنطيْب فوجئوا بوصوؿ ىذه اعبيوش الالتينية الٍب كانت‬ ‫تفوؽ ُب عددىا قبوـ السماء كرماؿ البحار كفق تعبّب األمّبة أنا كومنْب ابنة اإلمرباطور الكسيوس‬ ‫‪ ،‬كالٍب قالت أيضان أف كالدىا دل يكن يعلم شيئا عن تلك اغبرب الصليبية ‪.‬‬ ‫كخالصة القوؿ أف ىناؾ احتماالف ال ثالث ؽبما ‪ :‬إما أف ىذا اػبطاب صحيح أك غّب صحيح ؛‬ ‫فإذا كاف قد صدر فعالن من الكسيوس فهذا ال يعُب أكثر من طلب يد العوف لو من الغرب كىذا‬ ‫ما فعلو األباطرة أسالفو كخلفاؤه‪ ،‬كال ديكن تفسّبه إطالقان بالدعوة الصرحية إلثارة حرب صليبية‬ ‫فهذه الفكرة غربية حبتة ‪ ،‬نبتت كترعرعت ُب الغرب كتولتها البابوية برعايتها كعنايتها طواؿ‬ ‫مراحلها ‪.‬كإذا دل يكن صدر من الكسيوس كنسب إليو عمدان أك بدكف قصد فيحتمل ُب ىذه‬ ‫اغبالة أف يكوف قد كضع ُب الغرب الالتيِب كقتذاؾ انتقامان من الكسيوس ؼبوقفو من زعماء اغبملة‬ ‫الصليبية األكذل من ناحية ‪ ،‬كغبث الالتْب للمبادرة بنجدة إخواهنم ُب الشرؽ من ناحية أخرل ‪.‬‬ ‫كَب كلتا اغبالتْب جيب أال ننسى أف صبيع اؼبعلومات كاغبقائق التارخيية صحيحة ُب صبلتها‬ ‫كمضموهنا ‪.‬‬ ‫كَب الواقع ‪ ،‬فلقد كاف اإلمرباطور الكسيوس يرغب ُب أف يبعث لو الغرب األكريب ببعض اعبند‬ ‫اؼبرتزقة ‪ ،‬كلكن البابا أكرباف الثاين دل يشأ أف جيعل نفسو ُب خدمة الدكلة البيزنطية ‪ ،‬بل أراد أف‬ ‫تتوذل البابوية بنفسها تقدًن اؼبساعدة للمسيحيْب ُب الشرؽ ‪.‬كىذا التفكّب من جانب البابوية ‪،‬‬ ‫سوؼ يؤدل إذل أف حيشد العادل الالتيِب جيشان ضخمان ‪ ،‬ال أف يبعث فقط جبنود مرتزقة زبضع‬ ‫ألىواء األمراء ‪.‬كَب اغبقيقة لقد أثار ىذا االختالؼ ُب التفكّب بْب كل من البابوية كالدكلة‬ ‫البيزنطية إذل قياـ اؼبصاعب كعدـ االتفاؽ بْب الطرفْب ‪ ،‬منذ بداية اغبركة الصليبية ‪ ،‬فبا أساء‬ ‫بالتارل للعالقات الصليبية البيزنطية ‪.‬‬ ‫‪36‬‬ ‫انفصم انثاوي‬ ‫احلمهة انصهيثية األوىل‬ ‫‪ - 1‬الدعاية للحرب ضد المسلمين (دور بطرس الناسك)‬ ‫‪ - 2‬المجامع الكنسية (دور البابا أوربان الثاني)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬حملة العامة وفشلها‪.‬‬ ‫‪ - 4‬حملة األمراء ونجاحها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬كيف تكونت اإلمارات الصليبية ‪:‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪ -‬الدعاية للحرب ضد المسلمين (دور بطرس الناسك)‬ ‫ُب عاـ ‪57٦‬ق ‪3691 -‬ـ ‪ -‬قدـ إذل بيت اؼبقدس راىب فرنسي يدعى «بطرس‬ ‫الناسك للحج كالزيارة‪.‬كلعلو اغتاظ لرؤية السيادة اإلسالمية على فلسطْب كاألماكن‬ ‫النصرانية اؼبقدسة‪ ،‬فعزـ على دعوة اؼبسيحيْب إلنقاذ األماكن النصرانية اؼبقدسة من‬ ‫أيدم اؼبسلمْب‪ ،‬فکر راجعان إذل كطنو (فرنسا) كعرج على ركما حيث يوجد البابا‬ ‫«أركباف الثاين ‪. Urbain II‬‬ ‫كالبابا‪ ،‬باعتباره الرئيس األعلى للمسيحيْب‪ ،‬كاف يعمل على تنفيذ فكرة إنقاذ‬ ‫األماكن اؼبقدسة النصرانية من أيدم اؼبسلمْب ‪ ،‬ككجدا البابا ُب شخص بطرس الناسك‬ ‫أداة للدعاية كنشر الفكرة ُب اجملامع العامة‪ ،‬كاحملافل الشعبية ليهيئ األفكار‪ ،‬كيثّب‬ ‫اغبماسة الشعبية للعمل على إنقاذ بيت اؼبقدس‪ ،‬ككنيسة القيامة‪.‬كسار بطرس الناسك‬ ‫متجوال ُب إيطاليا كفرنسا‪ ،‬راكبا بغلة‪ ،‬معتنقان صليبا‪ ،‬مهيجان لألفكار‪ ،‬مثّبان للحماسة‪،‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser