كتاب السيرة النبوية PDF
Document Details
Uploaded by Deleted User
2024
Tags
Summary
يُقدم هذا المستند معلومات عن السيرة النبوية مع تحديد أسماء الكتب والمبعوثين، مُحدّثًا في فبراير 2024. يغطي الموضوع أحداثًا هامة في سيرة النبي، مثل الهجرة إلى الحبشة.
Full Transcript
َ ّ األحوال عرب متعاقبات األزمنة والعصور. ِ مستجدات ال يتناىه من ولعل يف اختيار الغار وموقعه العايل من اجلبل بلدء ّ ّ تزنل هذه ِ ُ ُ ً َ والزتم وصل إيله َمن آمن بها...
َ ّ األحوال عرب متعاقبات األزمنة والعصور. ِ مستجدات ال يتناىه من ولعل يف اختيار الغار وموقعه العايل من اجلبل بلدء ّ ّ تزنل هذه ِ ُ ُ ً َ والزتم وصل إيله َمن آمن بها ّ ّ الرسالة إشارة إىل علوها ورشفها ،بما ت ِ ويح واالرتقا ِء اخلُلُيقّ. مو ّ الر ّ بأحكمها ،من ّ الس ّ ً إذا يه ّ الويح بتفاصيلها ،وما تبعها من أحداث ِ بدء ة قص تلك ّ ادلعوة يف مرحلتها ّ ّ ّ العلنية ،وما ترتب ىلع الس ّية وبداية مرحلتها ّ الفتية، ذراع ّ بادلعوة آثار يف املجتمع ّ ّ امليك ،اذلي ضاق ً ذلك من ٍ وبأتباعها األوائل. الهجرة إلى احلبشة مرسد األحداث. ّ اشتد أذى أهل مكة بأصحاب ّ ّ ّ حممد ﷺ -واكن جلهم من ِ لما ّ َ ّ ُ ّ ُ َّ ّ باب واملستضعفني -أيقن عليه الصالة والسالم أال بقاء لدلعوةِ ِ الش َّ َ وال حل َ َملتها إال باهلجرة إىل مكن َ يأمنون فيه ىلع أرواحهم ،وجيدون ِ ِ ِ ً سعة ملمارس ِة شعائر دينهم. ٌ َّ ولم يكن فيما حول مكة مكن أنسب ذللك من احلبشة؛ سماوي ،وهم أحرى بقبول ّ ادلعوة ومحاية ٍّ دين فأهلها وملكها ىلع ٍ 171 "فلما رأى رسول اهلل ﷺ ما يصيب أهلها من قريش؛ قال ابن إسحاقّ : ٍ عمهأصحابه من ابلالء ،وما هو فيه من العافية ،بمكنه من اهلل ومن ّ ِ مما هم فيه من ابلالء ،قال هلم: أيب طالب ،وأنّه ال يقدر أن يمنعهم ّ ٍ َ ََ َ َ ّ َ َ ً َ ُ ْ َُ َ ْ َ َ َ ْ َ ند ُه أ َح ٌدَ ،و ِ َ يه «ل ْو خ َرجتُ ْم ِإىل أ ْر ِض احلبش ِة ،ف ِإن بِها م ِلك ال يظلم ِع ْ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ َ ُ ْ َ َ ً َّ َ ْ ْ َْ ُ أرض ِصد ٍق ،حىت جيعل اهلل لكم فرجا ِمما أنتم ِ -في ِه ،»-فخرج عند ذلك املسلمون من أصحاب رسول اهلل ﷺ إىل أرض احلبشة ((1 أول هجرة يف اإلسالم". ً وفرارا إىل اهلل بدينهم ،فكنت ّ خمافة الفتنة، انل ّ اتلوجيه ّ َ املؤمنون هلذا ّ َ بوي ،فخرج منهم أحد عرش استجاب ُّ ُ ّ ً رقية بنت وزوجه رجال وأربع نسوةٍ ،ىلع رأسهم عثمان بن عفان جار ،آمنني ىلع َ ّ حممد ﷺ ،نزلوا بأرض احلبشة فجاوروا بها خري ٍ ً ((( دينهم ،فلم ْ يلقوا من أهلها أذى. أشهر ،فبلغهم قىض هؤالء املهاجرون باحلبشة ً حنوا من أربعة ٍ ُ َّ نبأ إسالمِ أهل مكة ،فقفلوا اعئدين. ًّ ّ لكنهم فوجئوا ببطالن ّ انلبإ اذلي سمعوه ،فلم جيدوا بدا من َّ ّ ّ ختفيًا ّ ّ اتل ّ جوار. ٍ يف اوإم حيل دلخول مكة ،إما ((( -ابن هشام ،السيرة النّبو ّية.349/( ، ( - (2ابن سعدّ ، الطبقات الكبير.(73/( ، (17 ّ ّ قريش ،فأذاقوهم من األذى ما لم جيدوه ثم اشتدت بهم وطأة ٍ الس ُ الم يف اهلجرة يب عليه ّ منهم قبل هجرتهم األوىل ،فأذن هلم ّ انل ّ ُ ً ً َّ ُ رجال املرة ثالثة وثمانني جديد ،وبلغ عددهم هذه ٍ إىل احلبشة من ً ((1 و أحد عرش امرأة. ْ فأوفدت َ ُ ٌ فور ِعلمها احلدث، ِ لم تكن قريش تلغفل عن هذا ً به ً جايش وحاشي ِته ،مطابلة إيّ ُاه بإخراجهم من احلبشة، ّ وفدا إىل ّ انل حىتجايش بذلك ّ ّ الرجوع إىل بدلهم ،فلم يرض ّ انل وإرغمهم ىلع ّ ُ َّ ّ جلية األمر وحقيقتَه ،فيجء إيله باملهاجرين ،فسأهلم عن دينهم يتبني ُ َ ّ اجلديد ،فتوىل اإلجابة جعفر ابن أيب طالب ريض اهلل عنه ،فقال يف كنا ً ُ امللك! ّ اتلعريف ّ قوما أهل وإعالن مبادئه" :أيّها ِ بادلين مقامِ ّ َ َ َ ُ َ األرحام، ونقط ُع الفواحشَ ، األصنام ،ونأكل امليْتَة ،ونأيت ّ جاهلي ٍة ،نعبد فكنا ىلع ذلك ّ عيفّ ، ّ ّ ّ َ َ حىت بعث اجلوار ،ويأكل القوي منا الض ونيسء َ ً رسوال ّ منا ،نعرف نسبه وصدقه وأمانتَه وعفافه ،فداعنا إىل اهلل إيلنا كنا نعبُ ُد حنن وآباؤنا من دونه من وخنلع ما ّ َ نلوح َده ونعبُ َد ُه، ّ اهلل وأمرنا بصدق احلديث وأداء األمانة وصلة ّ الرحم، احلجارة واألوثانَ ، ّ ّ فصدقناه ّ وآمنا به ،واتبعناه ىلع ما جاء به من الفواحش... ِ ونهانا عن ((( -ابن سعدّ ، الطبقات الكبير.(77-(76/( ، 173 ّ ّ اهلل ،فعدا علينا ُ قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا لريدونا إىل عبادة َ بالدك ّ وضيقوا علينا ،خرجنا إىل األوثانّ.. فلما قهرونا وظلمونا َ ((1 ُ َ واخرتناك ىلع من سواك ،ورغبنا يف جوارك أن ال نظل َم عندك. ّ جايش إذ سمع ما قص مريم ،فتأثّر ّ انل َ َ صدر سورة ُ جعفر ّ ثم تال ّ الس ُ المّ ، اهلل تعاىل فيها من نبإ مودل املسيح عليه ّ ثم قال" :إن هذا ِ ِ َْ واذلي جاء به عيىس يلخرج من مشكة واحد ٍة"ّ ، ثم اتلفت إىل مبعوث ُ َ ((( ُ َ قريش فقال" :انطلقا ،فال واهلل ال أسلمهم إيلكما ،وال يُكادون". ٍ ّ جايش وإيغار صدره لم ييأس مبعوثا قريش من استمالة قلب ّ انل ٍ ّ ىلع املهاجرين الالجئني إيله ،فعادا إيله يقوالن" :إنهم -أي :املهاجرين- ً عظيما" ،فأرسل إيلهم يسأهلم عن يقولون يف عيىس بن مريم قوال ً ذلك ،فأجابه جعفر مرة أخرى فقال" :هو عبد اهلل وروحه ولكمته ((3 ألقاها إىل مريم العذراء ابلتول". ّ ُ فازداد إعجابُه ّ وتمسكه باملهاجرين اذلين الذوا بادلين اجلديد، ْ قريش خائبني. جبواره ،ورجع مبعوثا ٍ ((( -ابن سعد ،الطبقات الكبير.(79-(76/( ، السابق. (ّ - (2 السيرة النّبو ّية.326/( ، ( - (3ابن هشامّ ، 174 َ ّ متفيئني ظالل جوار، ٍ أمنع أقام املهاجرون بأرض احلبشة يف ِ حىت بلغهم نبأ هجرة ّ انل ّ يب إىل املدين ِة ،فرجع منهم جايشّ ، ّ عدل ّ انل ّ ُ ً ثالثة وثالثون رجال وثمان نسوةٍ إىل مكة ،وتأخر رجوع اآلخرين سبع من اهلجرة ،فوفدوا ىلع املدين ِة وحلقوا بأهلها من إىل سن ِة ٍ َ ((1 املسلمني. ُ أصحاب ّ َ َ ُ َ حممد اكنت اهلجرة إىل احلبش ِة أول ِسفار ٍة خيرج فيها َ َ ﷺ إىل خارج جزيرة العرب ،وقد اكن من مظاهر جناحها أن اعد مع ٌ ّ قدموا يلفهموا جعفر ابن أيب طالب إىل مكة وفد من نصارى احلبش ِةِ ، ادلين اجلديد ،فما بلثوا أن آمنوا ً مجيعا؛ ملا ْ رأوا ادلعوة وتعايلم ّ مبادئ ّ ِ حمم ٍد ﷺ وأخالقه.من أحوال ّ َ ّ جهل أقبل عليهم يقول" :ما رأينا ركبًا أمحق ٍ أبا أن وقد ورد ّ تطمئ قومكم تعلمون َ خرب هذا ّ الرجل ،فلم منكم!...أرسلكم ُ ّ ّ جمالسكم عنده ّ ُ حىت فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال!" ،فردوا عليه قائلني" :سالم عليكم ال جناهلكم ،نلا ما حنن عليه ولكم ّ ُ ً َ َ ُ ُ ما أنتم عليه ،لم نأل أنفسنا خريا" ،ويف ذلك نزل قول احلق تبارك َ َْ ْ َ ُ َ اه ُم الْك َِت َ اب مِن قبْلِهِ ه ْم بِهِ يُؤم ُِنونَ ،وِإذا ُيتلى َ ََْ ُ وتعاىل﴿ :الذِين آتين ((( -ابن سعدّ ، الطبقات الكبير.(77/( ، 175 َْ ُ ْ َ ُ َ َ َّ َ ّ َ َّ ُ ُّ َ َّ ُ ْ َّ َ َ َْ ْ َ ُ ْ علي ِهم قالوا آمنا بِهِ إِنه الحق مِن ربِنا إِنا كنا مِن قبلِهِ مسل ِ ِمين أولئِك السي َئ َة َومِماَّ ون بالحَ َس َنةِ َّ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ ِ ِ يؤتون أجرهم مرتي ِن بِما صبروا ويدرؤ الل ْغ َو أَ ْع َر ُضوا ْ َعنْ ُه َوقَالُوا ْ ل َ َنا أَ ْع َمالُناَ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ َّ رزقناهم ينفِقون وِإذا س ِمعوا َ َ ْ َ ْ ََ ُ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ٌ َ َْ ُ ْ َ َ ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبت ِغى الجاهِلِين﴾ َ َّ ُ َ (القصص )((-((:لم تبلغ ابلعثة َسنتَ َها العارشة ِإال وقد بدأت أنوارها َ ّ جناح ِ تعم ما حول اجلزيرةِ ،فقد بلغ نبؤها احلبشة ،واكن من خرب َ الركبان قد سارت بذلك حنو مراكز ْ ّ ّ ّ َ كر ،وال شك أن ابلعثة إيلها ما ُذ َ ّ ُ ُّ ً ً ّ مكن. ٍ اتلجارةِ شماال وجنوبا ،فبدأت األصداء تردد يف لك َ تكون هذه ّ َ السنة سنة تمحيص وابتالء واقتضت حكمة اهلل أن يتوىف فيها من اكنا هل نصرييْنَ ، ّ ّ زوجه ِ أن فقىض الكريم، سول للر وعم ُه أبا طالب ،واكن ما بني وفاتيهما -فيما قال أهل ّ خدجيةّ ، َ السري- ٍ ُ شهر ومخسة أيّامٍ . ٌ ُ ً وحيدا يف مواجهة جمتمع َ وجد ّ انل ّ أطبق أرشافه ىلع ٍ يب ﷺ نفسه ٌ َ ْ نصري ،ووجدت قريشٌ معاداته ،فلم ي ُعد هل من دون اهلل حامٍ وال ً ّ ً ّ الطريق ممهدة أمامها تلنال منه ﷺ ما لم تكن تد إيله سبيال يف طالب! ٍ حياة أيب َّ ً ّ ٌ َ يتحمل أمانة ال يملك ِإال يشء أصعب ىلع املر ِء من أن وليس 176 ّ َ مسلك ،مهما اكن ما حيف به من ٍ أن يسلك يف سبيل أدائها لك املصاعب واملخاطر. ّ َ ُ ِّ َ ّ ُ بليغ ،فلم يكن هل تلك يه حال حمم ٍد ﷺ ،وقد محل أمانة اتل ِ ً ّ َ ٌ َّ مصطربا ىلع ِ خملص إِال أن يواصل سريه يف مسالك ادلعوة ودروبها ُ يلقاه من صنوف األذى والعدوان! ما ّ رأى عليه ّ الصالة ّ والسالم أنه لو استنرص ببعض من اكنوا حول َ ُ ّ ّ العرب لربما وجد فيهم من يضمن هل احلماية حىتِ مكة من قبائل ربه ،فخرج إىل ّ َ رسالة ّ َّ ائف يرجو من أهلها ثقيف أن يقبلوا ِ الط غ يبل َ ما جاء به وينارصوه ،فجلس إىل سادتهم يدعوهم إىل ذلك ،فلم ْ ّ ّ َ ًّ أغروا به غلمانهم وسفهاءهم حىت إنهم قريش، يكونوا بأحسن ردا من ٍ ّ يسبونه ويصيحون عليه ،بل رموه باحلجارة حىت ّ ّ شجوا رأسه الرشيف! ً والسالم يف طريق عودته من ّالصالة ّلم جيد عليه ّ مزنال ِ ائف ِ الط َ َ ً بستان لعتبة بن ربيعة ،عمد إيله وقد ٍ مسرتاحا ،حىت وصل إىل أو ثم رفع يديه إىل ّ ّ فاستظل بشجرة عنبّ ، اتل ُأنهكه ّ السماء يدعو: ٍ عب، وهواين ىلع ّ َ َّ إين أشكو إيلك َضعف ّ ّ انلاس، قويت وقلة حيليت، «امهلل ّ الرامحني ،أنت ّيا أرحم ّ رب املستضعفني وأنت رب ،إىل من تكلين؟ 177 عدو ملّكتَه أمري؟ إن لم يكن بك ّ يلع ٍّ ّ يتجهمين؟ أم إىل إىل بعيد ُ أوسع يل ،أعوذ بنور وجهك اذلي ولكن اعفيتَك ّ ٌ غضب فال أبايل، ُ الظلمات ،وصلح عليه أمر ّ ّ ادلنيا واآلخرة ،من أن تزنل أرشقت هل العتىب ّ سخطك ،لك ُ ُ حيل ّّ حىت ترىض ،وال حول يلع يب غضبك ،أو ّ َّ وال قوة ِإال بك». ّ ّ عد ٌ ً َ ُ ّ تذكر ّ اس ،وأنه غالما اسمه الروايات أنه ليق ببستان عتبة َ َ يب ّ اكن من نينوى ،سمع ّ انل ّ يسم اهلل قبل أن يأكل ،فرأى يف ذلك يب يونس عليه ّ السالم، شبها بما تعلّمه من دينه ببدلته نينوى ،قرية ّ انل ّ ً فكن ذلك سببًا يف إسالمه. ّ ّ ولم يستطع ّ انل ّ يب ﷺ أن يدخل إىل مكة بعد رجوعه من الطائف َ ّ ً ٍّ َّ مسلما ،وإنما محله ىلع ذلك عدي ،ولم يكن ِإال يف جوار مطعم بن ّ ما اكن ّ يتصف به من خصال الشهامة واملروءة وحفظ اجلوار. ً ّ واكن ّ انل ّ احتياجا إىل ما يب ﷺ يف هذه املرحلة أشد ما يكون ّ ّ ّ يهون عليه َ ائف ،فيشاء اهلل تعاىل أن يكرمه ِ وبالط ةبمك أثر ما ليق اإلرساء به من املسجد احلرام إىل املسجد األقىصّ ، ثم ُ ّ ويثبته ،فكن السماوات العل. ُ املعراج إىل ّ اكن 178 واملعراج رحلتان أخرب القرآن الكريم بأوالهما يف ُ واإلرساء َْ َ َ ْ َ َ ْ ًَْ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ ج ِد الحر ِام إِلي قوهل تعاىل﴿ :سبحان الذِي أسرى بِعب ِده ِ ليلا مِن المس ِ الس ِم ُ يع ار ْك َنا َح ْول َ ُه ل ِنُر َي ُه م ِْن آيَات َِنا إنَّ ُه ُه َو َّ ال ْ َم ْسج ِد الأقْ َصى الذِي بَ َ ِ ِ ِ ير﴾ (سورة اإلرساء. )1 : الب ِص ُ َ ُ ُ ّ املعراج فوردت اإلشارة إىل بعض تفاصيله يف قول اهلل تعاىل أما ُ َّ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ ُُ يف سورة ّ انلجم﴿ :وهو بِالأف ِق الأعلى ثم دنا فتدلي فكان قاب قوسي ِن ارونَهُ اد َما َرأَى أَ َف ُت َم ُ َْ َ ْ َ ََْ َ َ َ ْ َ َْ َ َ َ َ َ ُْ َ ُ أو أدني فأوحى إِلي عب ِده ِ ما أوحى ما كذب الفؤ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُْ َ َ َ ََ َ ََ َََ ْ َ ُ ًََْ ُ ْ على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عِند ِسدرة ِ المنتهى عِندها جنة ّ ْ ََ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ََ ْ ََ ْ َ ْ َ ْ ْ َ السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى ال َمأوى إِذ يغشى ِ َ ّ َ ْ ْ َ َّ ْ ُ ات ربِهِ الكبرى﴾ (سورة انلجم. )1(-1 : مِن آي ِ واتل ُ الرحلتان تثبيتُه ﷺّ ، وغية ما تعنيه ّ ُ أكيد ىلع رفعة مزنتله َ ّ ّ ّ عز وجل ،وىلع ِعظم قدره عند إخوانه األنبياء واملرسلني، عند ربه والس ُ الم أمجعني. عليهم ّ الصالة ّ ث ّ ّ ُ ّ ٌ انلاس باإلرساء ،فلم تكن مواقفهم حممد ﷺ حيد أصبح مثل ما اكنت َ َ َ َّ يوم إخباره من ذلك ِإال َ ّ ّ وتراجع إيّاهم بابتداء نزول الويح عليه ،فمن مصد ٍق ومن مرتد ٍد، 179 َ ُ بعض من اكن قد أسلم بلسانه ،ولم يق َّر اإليمان يف قلبه! حمم ٍد ﷺ ،تمايزت اإلرساء امتحانًا ملن اجتمع حول ّ ُ لقد اكن ّ ُ جناح؛ حدثت بذلك أبوبكر أيّما ٍ ٍ وأقدارهم ،وقد جنح فيه به مراتبُهم َ أم املؤمنني ريض اهلل عنها فقالتّ : اعئشة ُّ َ أرسي برسول "لما بُن َّيتُه ّ فارتد ٌ ّ ناس اكنوا اهلل ﷺ إىل املسجد األقىص ،أصبح يتحدث بذلك، ٌ ّ بكر فقالوا" :هل لك إىل ٍ أيب إىل رجال وسىع قوه، وصد آمنوا به ُ صاحبك؟ يزعم أن أرسي به الليلة إىل بيت املقدس" ،قال" :وقد قال َ ّ "أوتصدقه؟" ذلك؟" ،قالوا" :نعم" ،قال" :لئ قال ذلك فقد صدق" ،قالوا: أصدقه خبرب ّ ّ ألصدقه فيما هو ُ ّ ّ السماء أبعد من ذلك، قال" :نعم ،إين ّ ّ َ ((1 سم أبو بكر "الصديق". يف َغ ْدوةٍ أو َر ْوح ٍة" ،فذللك ّ يب الكريم ﷺَ ، سبيال إىل نفس ّ انل ّ ً ُ رغم ما حاول ايلأس لم جيد يغ ّضوا من صوته ،أو أن ّ ُ حيطوا من أعداؤه أن يثنوه عن دعوته ،أو انلاس. قدره عند ّ َ ُّ والس ُ ّ ُ الة ّ الفرص يف تبليغ رسالة ِ سوانح يتحني الم اكن عليه الص ّ ّ مكة يف مواسم ّ ً َ ّ واحلج، اتلجارة اعقدا أمله ىلع من يفدون إىل ربه، الصحابــة ،رقــم446( :؛ قــال احلاكــم« :هــذا حديـ ٌـث صحيــح الصحيحـ ْـني ،كتــاب معرفــة ّ ((( -احلاكــم ،املســتدرك علــى ّ الصنعانـ ّـي :صـ ٌ ـدوق كثيـ ُـر الغلــط». محمــد بــن كثيـ ٍـر ّ ّ اإلســناد ولــم يخ ّرجــاه» ،وتعقّ بــه الذّ هبـ ّـي فقــال« :فيــه 180 َ احتضان ّ ّ ادلعو ِة ً وطابلا فيلتيق بهم ،وحيادثهم مرغبًا إيّاهم يف اإلسالم، َ َ َ ومطامح من وراء مكسب مشرتط نيل ٍ رافض ومن ٍ ومحايتَها ،فمن انلرصةِ ،ومن ُمبالغ يف إساءةِ ّ الر ِد عليه. ّ ٍ ّ بأشد عليه من ّ ّ ٌ هلب اذلي اكن لكما رآه ٍ أيب ه عم أحد ولم يكن كذ ٌ ٌ ّ ّ حيادث ً اب!". قوما نادى فيهم" :ال تطيعوه فإنه صابئ ّ َ ٍّ ّ أقبح رد ،ويؤذونه أشد إيذاءٍ ،ويقولون: فريدون ىلع رسول اهلل ّ ُ ُ َ ُ ((1 أعلم بك حيث لم يتبعوك!". "أرستك وعشريتك ّ ً مقيما ىلع دعوة القبائل وعرض اإلسالم عليها لك سن ٍة بيق ﷺ ّ ُ ّ َ َ َ الصالة حىت َ ليق عليه رصةّ ، وعكظ و ِم ًىنً ، طابلا اإليواء وانل ٍ بمج ّنة ّ ْ السع ُد َ يرثب ،وكأنّهم ُ أتوه ىلع قد ٍر ،فساقهم َ ّ ُ ً الم وفدا من أهل والس ((( ّ وأعز به قدرهم. إىل لقياه ﷺ ،فأظهر اهلل بهم أمره، ً ّ جديد ،هو العهد ٍ عهد ٍ شمس ِ اكن ذلك اللقاء إيذانا بإرشاق ًّ ُ ُ ُّ مقصده يف تكريم املدين ،حيث الحت أعالم رسال ِة اإلسالم ،دالة ىلع ِ صالح األكوان. ِ اإلنسان ،وحتقيق العمران ،واستدامة ((( -ابن سعدّ ، الطبقات الكبير.(84/( ، السابق.(85/( ، (ّ - (2 181 الفوائد والعر. اشتمل هذا الفصل من ّ السرية العطرة ىلع مجلة دروس وعرب جنملها فيما يأيت: والسالم ّ ُ الة ّ يب عليه الص مقصديّ ُة القيم يف اإلسالم ،ذلك أن ّ انل ّ ِ ّ إنما أشار ىلع صحبه باهلجرة إىل احلبشة طلبًا ملا افتقدوه من قيميت امليك ،وقد ظهرت آثار ذلك يف حوادث كثريةٍواألمن باملجتمع ّ ّْ العدل حفل بها تاريخ هذا املجتمع قبل اإلسالم. َّ يب ﷺ ُم ً ولم يكن حلف الفضول اذلي شهده ّ انل ّ شيدا به ِإال رد َة فعل من ذوي ّ انليات ّ ّ الط ّيبة واملسايع احلميدة ،أثارتها مشلكة ٍ السلم األه ّ يل فقدان تلك القيمتني وما ترتّب ىلع ذلك من اخنرام ّ ّ بمكة. َّ ُ ّ ٌ ٌ متني؛ إذ ال ختتل قيمة العدالة ِإال فقد ترابط وبني القيمتني اضطهاد املختلف يف ُّ ْ ادلين الفقدان ِ ذلك مظاهر وأجل ن، األم ً واملعتقد؛ إذ ّ يتخذ ذلك االختالف ذريعة إىل استحالل احل ُ َرمِ ،وخفر ْ ّ اذلمم ،واستباحة ُ واألر َواح! المهج ّ ُ ُ َ يتفرع وذللك جاءت دعوة اإلسالم إلقامة ميان العدل ،وما (18 ّ ّ عنه من قيم ّ رشوط يتوقف ٍ والرب واإلحسان ،ومجيعها بمثاب ِة الرمحة ّ ّ ْ يتجسد فيه من معاين ىلع وجودها حتقيق معىن األمن الشامل ،وما اكحلر ّية واملساواةِ واالحرتام. ّ الكرامة، ّ ّ َ ّ واألخالقية هو ما اقتىض من القيمية إن نشدان هذه املعاين َ يب الكريم أن ّ ّ انل ّ يوجه أصحابه إىل أن يولوا وجوههم شطر احلبشة؛ ملا اشتهر به ملكها من اإليمان بقيمة العدل ،واحلرص ىلع توفري ً ّ يقيم ىلع أرضه وبالده ،فقد اكن ملك ال يُظلم عنده للك من ُ الكرامة ُ ٌ أحد ،وال يُ ضطهد بسبب دينه أحد! ّ يب ﷺ إىل هذا ّ فكن اذلي داع ّ انل ّ اتلوجيه ،ما علمه من أن أهل َ مشرتك القيم الس ّ ماوية بينها من سماوي ،واألديان ّ ّ احلبشة ىلع دين ما يمكن أن ّيت َخذ أساسا ّ للتقريب بني أتباعها ،وتمهيد سبل ّ اتلعاون ّ االجتمايع فيما بينهم. ّ واتلعايش واالندماج ً َ َّ َّ ٌ ُ ويف ذلك ٌ درس بليغ لألمة املسلمة أال تضيق ذراع باالختالف؛ ٌ ٌ ٌّ ٌّ ّ اإلهلية؛ ٌ ومظهر لعظمة احلكمة كونية ،وضورة وجوديّة، سنة إذ هو ْ َ ُ ات َوالأرض َواختِلاف ﴿وم ِْن آيَاتِهِ َخلْ ُق َّ الس َم َ او ِ كما قال تعاىلَ : ّ ْ َ ْ َ ُ ْ ََ َْ ُ سنتِكم وألوان ِكم﴾ (سورة الروم. )(( : أل ِ 183 َ َ َ َ ْ َ َ َ ُّ َ َ ّ َ ّ َّ أمر ادلين﴿ :ولو شاء ربك لجعل وكما قال عز وجل كذلك يف ِ ُ َّ َ َ ً َ َ َ َ ُ َ ُ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ُّ َ َ َ َ ّ حم ربك ول ِذل ِك حدة ولا يزالون مختلِفِين إِلا من ر ِ الناس أمة وا ِ َ ََ خلق ُه ْم﴾ (سورة هود. )119 : ّ َ َ فاألصل أن يتعايش انلاس آمنني ىلع أرواحهم وهم يمارسون ُ ُ ّ ّ َ ضمائرهم، عبديّة يف أوطانهم ،كما تميل عليهم ذلك َ شعائرهم اتل ٌ َ ُ يكره أحد منهم ىلع ما ال وتقتضيه منهم دياناتهم ،من غري أن يرتضيه. ّ َ َ َ َ ْ وقد قال ّ احلق تعاىل يف ذلك﴿ :لا إِكراه فِي الدين﴾ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُّ َ َ ّ (سورة ابلقرة ،)((6 :وقال جل عاله﴿ :ولو شاء ربك لآمن من فِي َ ُ َ َّ َ ُ ُ ّ ُ ُ ُّ ُ ْ َ ً َ َ َ ُ ْ الأرض كلهم جمِيعا أفأنت تك ِره الناس حتى يكونوا مؤ ِمنِين﴾ (سورة يونس.)99 : بهذه اآليات برهن القرآن الكريم ىلع حقيق ِة دعوةِ اإلسالم، َ ّ ً مقصد مقاصده أن يعيش بأرصح األلفاظ وأقواها داللة ىلع أن َّ مضي ٍق عليه يف دنيَا. دين ،وال يف ه غري َ مكر مكر ًما ّ منع ًماَ ، اإلنسان َّ ٍ ٍ لقد اكنت تربة اهلجرة إىل احلبشة مبعث أمل يف نفوس املهاجرين؛ إذ أيقنوا بعدها بإمكن تطبيق التّسامح ّ ادل ّ يين يف أرض 184 ّ َ ُ الواقع مىت ّ أسباب ذلك وتوفرت دواعيه ،كما اكن نموذج تهيأت الصالة ّ والسالم إىل االحتذاء يب عليه ّ احلبيش مثاال طمح ّ انل ّ ّ املجتمع اتلعدديّة باملدينة غداة هجرته َ أساس تربته يف بناء جمتمع ّ به ،فكنت إيلها. ً حريصا متمس ًك بهذا ّ انلموذج، ّ والس ُ الم ثم لم يزل عليه ّ الصالة ّ ّ ّ تمثلهّ ، حىت تيل ذلك يف مواقف ضب فيها أروع األمثلة ىلع حسن ّ يف تقديره لقيمة التسامح واحرتامه لالختالف. ومن ذلك كتابه ﷺ إىل أهل جنران -واكنوا نصارى ،-وفيه: حممد ّ انل ّ وذمة ّجوار اهلل ّ ُ يب ﷺ ىلع أمواهلم، "ونلجران وحاشيتها ّ وأنفسهم ،وأرضهم ،وملتهم ،وغئبهم ،وشاهدهم ،وعشريتهم ،وبِيَ ِع ِه ْم، ّ ّ ولك ما حتت أيديهم من قليل أو كثري ،ال ّ أسقفيته، يغري أسقف من ّ ((1 وال راهب من رهبانيته ،وال اكهن من ِكهانته."... "لما قدم ُ وفد جنران ىلع رسول ويروي ابن إسحاق يف سريته أنه ّ ِ ُ اهلل ﷺ دخلوا عليه مسجده بعد صالة العرص ،فحانت صالتهم، فقاموا يُصلّون يف مسجده ،فأراد ّ انلاس َ منعهم ،فقال رسول اهلل ﷺ: ((( -أبــو يوســف القاضــي ،كتــاب اخلــراج ،حتقيــق طــه عبــد الــرؤوف ســعد ،وســعد حســن محمــد ،املكتبــة األزهريــة للتــراث(420 ،هــ ،ص .85 185 َ ّ «دعوهم» ،فاستقبلوا املرشق ،فصل ْوا صالتهم". ((1 فدل ذلك ىلع ما لقيمة التّسامح عند ّ انل ّ ّ يب ﷺ من عظيم ّ ْ االعتبار ،وىلع ما هلا من ّ أهم ّية يف حفظ قيميت العدل واألمن اللتني بهما استقرار املجتمعات واستدامة أمن األوطان. اإلجيايب مع املختلف يف ّ ادلين ،وذلك مظهر قيمة ّ أصالة اتلعامل انلمط من ّ َّ يتصور هلا وجود إال بهذا ّّ ّ اتلعامل ،اذلي ِ ال إذ سامح؛ الت َ الرابطة األ ّ ّ يقوي ّ خوية بني البرش. اإلنسانية ّ انل ّ ّ ُ انلمط من ّ إن هذا ّ بيلة، اتلعامل ترمجان املشاعر انلاس من العالقات. اليت يه أصل ما ينبيغ أن يربط بني ّ ّ جايش مع املهاجرين الالجئني إيله بمقتىض ضمريه فقد تعامل ّ انل ً ََ ّ اإلنساين ،اذلي اكن دليانته ّّ رصانية عظيم األثر يف جعله يقظا، انل الس ُ الم الس ّيد املسيح عليه ّ والرمحة اليت اكن ّ املحبة ّ ّ يستحرض ِقيَ َم حيل بها ّّ ّ َ وادلعوة إيلها؛ كما أدرك املهاجرون أن مرضب املثل يف اتلِ ّ ٌ هذه القيَ َم َ حممد ﷺ يدعو إيلها وينادي بها. نفسها يه اليت ما فتئ ّ رصانيةانل فكنت احلبشة ملتق مشرتك القيم بني ّ ادليانتنيّ ، واإلسالم! ((( -ابن هشام ،السيرة النبوية.(59-(58/( ، 186 ُ القصد وصدقت ّ َ ذلك أنّه مىت َّ ّ انليات يف احرتام تمحض يعلمنا ّ ّ فإن ذلك ال يبيق ّ اعتبار لالختالف يف الشعائر ٍ أي القيم والوفاء بها ومناهج ّ اتل ّ عب ِد بها! ّ َ حرج يف أن يشاهدوا أهل احلبشة وذللك لم جيد املهاجرون أي ٍ ذراع بمشاهدة ما ُز ّينت به تلكمتعبدين يف كنائسهم ،ولم يضيقوا ً ّ كرب َ ُ ْ ّ ّ ُ ين ما الكنائس من اتلماثيل والصلبان ،ما داموا مؤمنني باهلل م ِِ ُ ّ ُ ّ القيمية. الرسل من اتلعايلم اخلُل ِق َّي ِة واملعاين جاءت به ويف ذلك ٌ درس بليغ للمسلمني ،يف احرتام األديان ورموزها، قدسية ُ وحرم ٍة عند املؤمنني بها. ّ ومرااعة ما هلا من ّ تمثال ،وإنما ٍ فرسالة اإلسالم لم تأت هلدم كنيسة وال تلحطيم ُّ انل َ جاءت ُتلحرر ّ فوس من عبادة كربيائها ،وتسل ِط أهوائها عليها! ّ ُ الكراهية يف نفوس ولم يكن من قصد اإلسالم زرع مشاعر املتديّنني به ،وال تغذيتُها بمفاهيم الرباء ،ومعاداة أهل الكفر ،وجها ِد ملجرد كونهم خمتلفني.املخالفني ،وال مقاطعتُهم ّ ّ ّ َ ّ ّ ّ ّ قصة ّ يصح عده من تعايلم يشء من ذلك جايش تعلمنا أال انل اإلسالم! 187 ّ ُ ٍّ جايش وبني ّ فقد اكنت بني ّ يب ﷺ صلة ُود واحرتامٍ ،زكتها انل ّ ّ انل ُّ ّ ُ ّ ُ َ ُ انهداياه اليت بعث بها إيله عليه الصالة والسالم ،من مجل ِتها خ ِ ف يص -أهدى ﷺ عمرَ َّ -وهن ال ِع ِ ُّ َ َ ٌّ ات طيب ،وثالث عزن ٍ وحلة ،وقارورة ٍ َ َ عليا اثلّانية ،وأمسك نلفسه اثلّاثلة، اخلطاب إحداها ،وأهدى ًّ بن ّ ّ َْ ُ َ ٌ فريك َزها فكن بالل يميش بها بني يديه ﷺ يف العيد ،حىت يأيت املصل ((1 َّ فيصيل إيلها ﷺ. بني يديه قة فيها خاتم ذهب ،فأخذه ّ انل ّ ْ ً يب ﷺ بعو ٍد ٍ كما أهدى إيله حل ثم داع بابنة ابنته أمامة فقالْ َّ : «حتيل بهذا يا -وإنّه ل َ ُمعر ٌض عنهّ ،- ِ َ ُ ((( بُن ّية». ً ّ ٌ ّ راهب من الشامِ ُج ّبة، ٌ جابر أن رسول اهلل ﷺ أهدى إيله وروى فر إيله من أصحاب جايش ؛ "واكن قد أحسن إىل من َّ ّ فأرسل بها إىل ّ انل ((3 ّ حمم ٍد ﷺ". الصالة مانعا من أن َي ْم َح َض ّ حمم ٌد عليه ّ ادلين ً لم يكن اختالف ّ ّ َ بر ُه وصلتَه ،بل ّ جايش ّ َّ ّ والسالم َّ والصالة عليه يوم مات وادلاعء هل انل يف رجب من ّ السنة ّ اتلاسعة. ((( -ابن سعدّ ، الطبقات الكبير.235/3 ، (. - (2سنن ابن ماجه ،كتاب اللّباس ،باب النّهي عن خامت الذّ هب ،رقم.3644 : ( - (3أخرجه أحمد يف املسند ،رقم.(4738 : 188 ّ ّ ّ السري أنه ﷺ نعاه فقال« :مات ايلوم يذكر املحدثون وأصحاب ّ ٌ ٌ صالح ،فقوموا فصلوا ىلع أخيكم أصحمة واستغفروا هل»، رجل ّ ((1 فصل عليه صالة الغائب. َ إن م ِْن أ ْهل الْك َِتاب ل َ َم ْن يُؤمِنُ َ َّ وفيه نزل قول اهلل تعاىل﴿ :و ِ ِ َ َ َْ َُ َ َ َ َ ُ َ َْ ُ ْ َ َ ُ َ َْ ْ َ بآي ِ ات نزل إِلي ِهم خا ِش ِعين ِللِ لا يشترون ِ نزل إِليكم وما أ ِ بِاللِ وما أ ِ َ َ َ ً َ ً ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ّ ْ َّ َ َ ُ ْ اب﴾ اللِ ثمنا قلِيلا أولئِك لهم أجرهم عِند رب ِ ِهم إِن الل س ِريع الحِس ِ ((( (سورة آل عمران.)199 : اتل ّ َ أيس ادلرس ،فلزمت ّ لقد وعت املجتمعات املسلمة هذا ّ ٌ ً ّ بانل ّ معتقدا ،واكنت هلم ممارسات يب ﷺ يف حسن تعامله مع املختلف ((3 حفظتها كتب ّ اتلاريخ ،فاشتهر بها العلماء قبل غريهم. حممد ﷺ ،ومناخللقية اليت اتّسم بها ّ ّ ُ الوفاء من أعظم القيم ّ ُ َ أخص ما اشتهر به من ّ ّ الصالة الصفات اليت الزمته طيلة حياته عليه أربعــا، الســيرة النّبو ّيــة ،235/3 ،وصحيــح البخــاري ،كتــاب اجلنائــز ،بــاب التّكبيــر علــى اجلنــازة ً ((( -انظــر :ابــن هشــامّ ، رقــم(334-(333 :؛ وكتــاب املناقــب ،بــاب مــوت النّجاشـ ّـي ،رقــم.388(-3877 : ( - (2انظــر :ابــن كثيــر ،تفســير القــرآن العظيــم ،حتقيــق :ســامي بــن محمــد الســالمة ،دار طيبــة ،الريــاض ،ط،(997 ،(. .(94/2 ( - (3انظــر منــاذج يف ذلــك عنــد :الطرطوشــي ،أبــو بكــر ،ســراج امللــوك ،حتقيــق محمــد فتحــي أبــو بكــر ،الــدار املصر ّيــة اللّبنان ّيــة ،القاهــرة ،ط(.ـ590-589/2 ،(994،؛ والونشريســي ،املعيــار املعــرب ،حتقيــق د.محمــد حجــي وآخريــن ،وزارة األوقــاف والشــؤون اإلســالمية ،اململكــة املغربيــة(((/(( ،(98( ،؛ وابــن خليــل ،اختصــار القــدح املع ّلــى يف التّاريــخ احمللــى البــن ســعيد ،حتقيــق إبراهيــم األبيــاري ،الهيئــة العامــة لشــؤون املطابــع األميريــة ،القاهــرة ،(959 ،ص .(56 189 ّ ّ َ ّ ُ ثابت ريض اهلل عنه أثىن بها عليه فقال والسالم؛ حىت إن حسان بن ٍ ًّ يف مقام املنافحة عنه ﷺ ،رادا ىلع بعض من هجاه: َ ْ َ َ ًَ َ َ ً اراك ب ًّرا حنِيفا هجوت مب َ يم ُت ُه ال ْ َو َفاءُ َ َ ۞أمِني اهللِ ِش َ َ ّ َ َُ ّ ّ ّ ّ َ لقد عرف انليب ﷺ للنجايش فضله؛ إذ آوى ادلعوة ومحلتها ّ ّ من ّ قريش ،وأحلهم باملحل ٍ األكرمني ،وآمنَهم من أذى َ الصحب ْ نع ِمن جواره. األم ِ عريف ،بما هل عنده َ ّ ُ َ فكنت هداياه اليت بعث بها إيله عنوان اتل ِ نيف. ْ ُ ﷺ من قد ٍر م ٍ ُ واستغفاره هل ،وإقامة صالة اجلنازة عليه ثم اكن ثناؤه ﷺ عليه، وترشيف. َ أعظم تكريم َ عقب وفاته ٍ ّ ابلخاري من حديث أيب هريرة قال" :نىع نلا رسول اهلل روى جايش صاحب احلبشة َ يوم اذلي مات فيه فقال« :استغفروا ّ ﷺ ّ انل ((1 ألخيكم»". ((( -كتاب اجلنائز ،باب موت النّجاشي ،رقم.388٠ : 190 ّ شهاب من حديث سعيد بن املسيِّب أن ٍ وروى مالك عن ابن ّ باملصل ّ ّ إن ّ انل ّ ّ َ فكرب عليه يب ﷺ صف بهم أبا هريرة ريض اهلل قال ً ((1 أربعا. ً ُ ّ َّ فكن ّ الغائب؛ إكراما هل، ِ انلجايش أول من أقيمت عليه صالة ّ ُ الة ّ انلرصة واإليواء لصحب ّ وملا هل من سابقة ّ والسالم. حمم ٍد عليه الص َ حال نعيه واإلعالم بوفاته بوصف ّ وقد ّ الح؛ الص ِ خصه ﷺ ّ ّ ٌ َ ((( فهلموا فصلوا عليه». صالح من احلبش، ايلوم رجل قال« :تويف انلاس من ّ َ مبعث قيمة الوفاء هو ما يكون بني ّ ّ الرب واخلري، إن ُّ ّ املحبة فتتحرك يف نفوسهم مشاعر االمتنان والعرفان ،وتشيع بينهم واإلحسان. ٌ ّ اإلجيابية مبدأ أصيل ف اإلسام. املواطنة ّ جايش بمانع املهاجرين إيله الالئذين لم يكن اختالف دين ّ انل ً ًّ ّ بمقتض ٍ وال جبميله، ا وعرفان هل ةحمب قلوبهم به ق به من أن تتعل ليب تاه قضايا وطنه وجمتمعه ،فقد اخنرط هؤالء املهاجرون الس ّ الس َ لوك ّ ّ ((( -كتاب اجلنائز ،ما جاء يف التّكبير على اجلنائز ،رقم.77( : الصفــوف علــى اجلنــازة ،رقــم ،132٠ :وأخــرج أحمــد يف ـاري مــن حديــث جابــر ،كتــاب اجلنائــز ،بــاب ّ ( - (2أخرجــه البخـ ّ املســند برقمــك .1415٠ 191 ً حرصا ىلع استقرار ّ جايش ووطنه وجمتمعه، انل يف القضايا اليت ّ تهم ّ ملكه ،وصالح أمر ّ رعيته ،واإلسهام يف ما حيقق ذلك حبسب اإلمكن. لما علموا خبرب رجل اكن ينازعه امللك ّ َ ذلك أنّهم ّ ّ اهتموا ٍ ىلع يدل ً اهتماما؛ قالت أم سلمة ريض اهلل عنها" :فواهلل ما علمتُنا بذلك أيّما ختوفا أنأشد علينا من ُحزن حزنّاه عند ذلك؛ ّ ّ حزنّا حزنًا ُّ قط اكن ٍ ّ ٌ جايش ،فيأيت رجل ال يعرف ِمن حقنَا ما ّ الرجل ىلع ّ انل يظهر ذلك ّ ّ جايش يعرف منه!". اكن ّ انل ّ جايش ،فكن املهاجرون يدعون هل فما بلث أن خرج إيله ّ انل عدوهّ ، ّ ّ واتلمكني هل يف بالده. بالظهور ىلع ً مبرشا العوام فاستطلع هلم اخلرب ،واعدهم ثم إنّم بعثوا ّ الزبري بن ّ ّ ((1 ّ بانتصار ّ جايش ،وهالك عدوه. انل ّ ً َّ ّ ليس هلذا اخلرب من معىن ِإال أن قيمة املواطنة اإلجيابية اكنت ُ من أوىل القيم اليت واعها املسلمون األوائل وحرصوا ىلع الوفاء بها، َ ذلك ملا اكن منهم ذلك االغتمام ،وال ذلك االجتهاد يف ّ ادلاعء ولوال جايش ،رغم ما بينهم وبينه من االختالف يف ّ ادلين. ّ بانلرص ّ للن ّ ((( -ابن هشام ،السيرة النبوية.235/3 ، (19 اإلجيابية ال ينحرص يف نطاق أهل ّ ّ ّ ادلين إن مفهوم املواطنة ً مقصورا ىلع أهل اإلسالم فيما بينهم ،بل إنه الواحد حبيث يكون ٌّ أخاليق يرتجم معىن الوفاء ،يف عالقة املواطن بوطنه أو بدل مفهوم ّ إقامته ،وليس من الوفاء وال من حماسن الشيم أن يتفيأ املرء ظالل لبي َة يف ّ ّ ويتنكر هل بالزتامه ّ الس ّ األمن ّْ اتلعامل مع دل، والرخاء يف ب ٍ قضاياه! وإنما الواجب عليه أن ّ يهتم بمختلف شؤونه ،وحيرص ىلع ّ ورقيه حتقيق مصاحله ،وحفظ مكتسباته ،ويسهم يف حتقيق نهضته وازدهاره. ٌ ّ ّ ّ ُ ّ ّ ّ ُ ُ األخوة اإلنسانية مقصد الرشائع السماوية لكها ،فادلين واحد، ائع ّ ّ والرش ُ شىت. الدين َما َو َّصى بهِ نُ ً كم ّمِن َّ َ َ َ ُ وحا والذِي ِ قال اهلل تعاىل﴿ :شرع ل ّ َْ َ َ ُ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َّ َ َ َ َ ْ َْ َ َْ َ أوحينا إِليك وما وصينا بِهِ إِبراهِيم وموسى وعِيسى أن أقِيموا الدين ّ َ َ َ َ َ َّ ُ ْ ولا تتفرقوا فِيهِ﴾ (سورة الشورى. )13 : َ وقد اكنت احلكمة من اإلرساء واملعراج بيان هذه احلقيق ِة َ ً ََ تأكيدا (1(،وذللك ورد يف رواياتها اجتماعه باألنبياء عليهم وزيادتها احلي ،سبل الهدى وال ّرشاد.277-(49/3 ، الص ّ((( -انظر جملة وافرة من فوائد اإلسراء واملعراج عند ّ 193 ًّ ّ الصالة ّ مرة أخرى ،يف معراجه والسالم يف بيت املقدس ،ثم لقاؤه بهم ٌ ّ إىل ّ السماوات العل ،فلكها دالالت ىلع ما بني اإلسالم وبني غريه ّ من األديان من االتساق واالئتالف. أن األديان ً ّ ٌ وحتيتهم إيّاه ّ حتيته إيّاهم ّ ويف ّ مجيعا بالسالمِ إشارة إىل واملحبة ّ ّ ُ حتمل بشائر ّ والسعادةِ للعاملني. الرمح ِة يف جوهرها رسائل سالمٍ الطهارةِ والقدس، فدعواتهم لكّها اكنت فيما بني أرضني :أرض ّ ِ ّ وأرض احلُرم ِة واألمان ،واجلامع بني األرضني االتصاف بالربكة، ُ اخلري. ِ وفرة ومعناها َ واملرسلني ،وبهذا تذكريا بهذه ّ الصلة بني األنبياء ً فكن اإلرساء بوة ّ وادلين، انل ّ يب اخلاتم مشعل ّ االتّساق بني دعواتهم ،وإيذانًا بأخذ ّ انل ّ الم ،وهو اذلي انتهت دعوته الس ُرك يف زمن عيىس عليه ّ حيث تُ َ ُ من برفعه ّ مما حول بيت املقدس. الصالة وما هلا من أثر يف تقوية ّ الصلة باهلل تعاىل، ولع َظم شعرية ّ ِِ ِ ً ُ يتعب ُد به جامعة ملختلف ما ّ اختصت بفرضها يللة اإلرساء ،فجاءت ّ ّ والرتتيل والقيام ّ ماوية من أفعال ّ ادليانات ّ الس ّ أهل ّ والركوع اتلالو ِة ِ ((1 والسجود واجللوس ّ وادلاعء. ّ احلي ،سبل الهدى وال ّرشاد.4-2/3 ، -الص ّ ّ ((( 194 ّ فرضية ّ ِّ ً ُ َ الصال ِة من الرشائع اجلمع سمة لسائر ما نزل بعد فكن عما ُرشع يف ّ ادليانات ّ السابق ِة قبل اإلسالم ُ يكاد خيتلف ّ واألحكم ،ال خاصة ّ اكلسهولة واليس. إ َّال يف سمات ّ ٍ ٍ ِ الهجرة إلى املدينة املن ّورة مرسد األحداث. ربهَ ، ٌ سنوات وهو يدعو إىل ّ مضت ىلع ّ انل ّ اعبئ بما ٍ غري ﷺ يب ً وتوع ًدا هل ّ ّ ً َّ باتلعذيب تارة، استهزاء به، ياليق من أذى قومه بمكة؛ وبالقتل تارات أُ َخرَ. ٍ َ موسم من املواسمّ ، ٌ ّ ّ حتني الفرصة املالئمة للقدوم واكن لكما حل حىت اكنتىلع القبائل ،داعيًا إياها إىل توحيد اهلل ونرص دعوتهّ ، َ ّ ُ السنة احلادية عرش من ابلعثة ،وبينا هو ﷺ يعرض نفسه ودعوته َّ رهطا من اخلزرج عند العقبة ،بني ً ليق ً ىلع القبائل؛ إذ َ مىن ومكة، ِ َ َ ((1 فعرض عليهم اإلسالم ،وتال عليهم القرآن ،وداعهم إىل اإليمان. ذكر ابن هشامٍ يف سريته عن ابن إسحاق أنّه ﷺ سأهلم ّ أول ما ٍ السيرة النّبو ّية.76-7(/2 ، ((( -انظر :ابن هشامّ ، 195 َ ْ َُ جلس إيلهم أهم من موايل يهود يرثب ،قبل أن يعرض عليهم اإلسالم، ((1 ويفصح هلم ّ عما يريد. ّ ّ ولعل سؤاهل إيّاهم عن ذلك ،غيته معرفة مدى اتصاهلم بأهل بوة ّ والرسالة، انل ّ رجاء أن يكونوا ىلع سابق معرف ٍة بمعىن ّ َ الكتاب؛ ّ اط ٍ وىلع ّ الع بما اكن أهل الكتاب يتحدثون به عن قرب زمن ظهور ّ َ ّ ادلعوة وإيمانهم بها. يب اخلاتم ،فيكون ذلك سببًا يف قبوهلم انل ّ هط حقيقة دعوته ﷺ ،وما تدعو إيله من الر ُ ّ لما فقه هؤالء ّ ّ اإل َحن ِ زوال من يأملون ما يكون أن ا اتلوحيدْ ، رجو ِ االحتاد ىلع لكمة ّ الة ّّ ُ بينهم وبني األوس ىلع يد صاحب ّ والسالم؛ ادلعوة عليه الص قوم بينهم من العداوة ّ ّ والرش ما بينهم، قومنَا وال َ قالوا" :إنّا تركنا َ أمرك، إىل همَ فندعو فعىس أن جيمعهم اهلل بك ،فسنقدم عليهم ِ ْ َ أجبناك إيله من هذا ّ ادلين ،فإن جيمعهم اهلل ونعرض عليهم اذلي َ ُّ َ َ أعز منك". عليك فال رجل َ َ َ َ راجني أن حاملني دعوة اإلسالم، سفراء، فرجعوا إىل قومهم ُ واحلروب. ُ انتهاء ما بينهم من العدوات ُ القلوب ،فيكون به تنفتح هل السابق.77-76/3 ، ((( ّ - 196 َ الكريم أن يقابلوه يف املوسم بعد اعمٍ ، انرصفوا ُمواعدين ّ انل ّ يب َ السنة اثلّانية عرشة من ابلعثة. أي :يف ّ ّ يب ﷺ ّلما ألق ّ بادلعوة بني أيدي ّ ّ ّ أن ّ انل ّ اخلزرجيني الرهط ال شك انلفوس اليت ّ جربت أحوال الفنت وأهوال احلروب، اكن ىلع دراي ٍة حبال ّ ّ ترتدد يف قبول ّ أن نفوس أهل َ َ ّ أي دعو ٍة تتمع عليها يرثب ال فأيقن ً َ َّ ُ ً استقرارا واطمئنانا.