جامعة عني مشس - أحاديث وعلومها والسيرة النبوية - الفصل الدراسي الأول 2025/2024 PDF

Document Details

ConscientiousNaïveArt8930

Uploaded by ConscientiousNaïveArt8930

جامعة عين شمس

2024

أ‪.‬د‪ /‬حممد عبد السالم أبو خزمي

Tags

حديث سيرة نبوية علوم الحديث دراسات إسلامية

Summary

هذه محاضرات لمقرر (حديث وعلومه والسيرة النبوية) للفرقة الثانية في جامعة عني مشس، للعام الجامعي 2025-2024. تتناول المحاضرات تعريفاً بمصطلحات الحديث، ومكانته، وتاريخه، ومناهج المحققين، وعلوم الحديث، وفقه متون السنة، وقطوفاً من السيرة النبوية.

Full Transcript

‫جامعة عني مشس‬ ‫كلية البنات‬ ‫قسم اللغة العربية وآداهبا‬ ‫حماضرات يف‬ ‫احلديث وعلومه والسرية النبوية‬...

‫جامعة عني مشس‬ ‫كلية البنات‬ ‫قسم اللغة العربية وآداهبا‬ ‫حماضرات يف‬ ‫احلديث وعلومه والسرية النبوية‬ ‫الفرقة الثانية لغة عربية‬ ‫انتظام وانتساب‬ ‫إعداد‬ ‫أ‪.‬د‪ /‬حممد عبد السالم أبو خزمي‬ ‫أستاذ الشريعة والدراسات اإلسالمية جبامعة عني مشس‬ ‫الفصل الدراسي األول ‪2025/2024‬‬ ‫رؤية الكلية‪ :‬تتطلع كلية البنات لآلداب والعلوم والرتبية لتحقيق الرايدة واالبتكار يف‬ ‫التعليم والبحث وخدمة اجملتمع‪ ،‬وامتالك ميزة تنافسية حمليا وإقليميا وعامليا‪.‬‬ ‫رسالة الكلية ‪ :‬تسعى كلية البنات لآلداب والعلوم والرتبية إلعداد كوادر متميزة أكادمييا‬ ‫وثقافيا ومهنيا ومهاراي‪ ،‬قادرة على اإلبداع واالبتكار‪ ،‬ومؤهلة للمنافسة يف سوق العمل‬ ‫وفقا للمستجدات احمللية والعاملية‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫منوذج رقم (‪)12‬‬ ‫جامعة ‪ :‬عني مشس ‪.‬‬ ‫كلية ‪ :‬البنات لآلداب والعلوم والرتبية ‪.‬‬ ‫قس ـ ـ ـ ـ ــم اللغة العربية وآداهبا‬ ‫توصيف مقرر دراسي العام اجلامعي (‪)2025 – 2024‬‬ ‫بياانت املقرر‬ ‫الفصل‪ :‬األول‬ ‫الفرقة‪ :‬الثانية (انتظام وانتساب)‬ ‫الرمز الكودى‪ 2117 :‬عر اسم املقرر‪ :‬احلديث وعلومه‬ ‫‪ 2119‬عر السرية النبوية الشريفة‬ ‫‪4‬‬ ‫نظري‬ ‫عدد الساعات الدراسية‪)4( :‬‬ ‫التخصص ‪ :‬لغة عربية‬ ‫‪-‬‬ ‫عملي‬ ‫يهدف هذا املقرر إىل‪:‬‬ ‫هدف املقرر‬ ‫‪ -1‬التعريف ابحلديث الشريف ‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬وتوثيق السنة النبوية ‪.‬‬ ‫‪ -2‬التمييز بني أقسام احلديث املختلفة ‪ ،‬وبيان درجة كل منها‪.‬‬ ‫‪ -3‬املقارنة بني أهم كتب السنة ملعرفة الفروق بني مناهجها‪.‬‬ ‫‪ -4‬اإلملام أبحداث السرية النبوية الشريفة ‪ ،‬وبيان عالقتها بواقعنا املعاصر‬ ‫‪2‬‬ ‫املستهدف من تدريس املقرر‪:‬‬ ‫أ‪ -‬املعلومات واملفاهيم أ‪ 1.‬تذكر وسائل العناية ابلسنة ىف القرون الثالثة األوىل للهجرة‪.‬‬ ‫أ‪ 2.‬حتدد شروط احلديث الصحيح‪ ،‬واحلسن‪ ،‬والضعيف وأنواع املوضوع وعالماته‬ ‫أ‪ 3.‬تعدد الشروط الىت وضعها علماء احلديث لتوثيق راوى احلديث‪.‬‬ ‫أ‪ 4.‬تصف الفرق بني احلديث الضعيف واملوضوع ‪.‬‬ ‫أ‪ 5.‬تسرتجع بعض ما تعلمته من سرية النىب صلى هللا عليه وسلم يف املراحل الدراسية السابقة‬ ‫ب‪.1.‬توظف سرية النىب صلى هللا عليه وسلم يف حياهتا العلمية والعملية‬ ‫ب‪ -‬املهارات املهنية‬ ‫ب‪.2.‬توظف علوم احلديث رواية ودراية يف الفهم الصحيح لنصوص السنة‬ ‫اخلاصة ابملقرر‪:‬‬ ‫ب‪.3.‬تدير مناقشة مع أساتذهتا وزميالهتا يف رواة احلديث املختلف فيهم بني أئمة اجلرح والتعديل للوصول للقول‬ ‫الراجح فيهم‪.‬‬ ‫ب‪.4.‬تستخدم ما تعلمته من قواعد علم مصطلح احلديث للحكم على األسانيد واملتون‪.‬‬ ‫ب‪.5.‬تطبق شروط احلديث الصحيح واحلسن والضعيف على مناذج من األحاديث املختلفة ملعرفة درجتها‪.‬‬ ‫ب‪.6.‬تتحدث عن بعض الشبهات اليت أثريت حول احلديث الشريف والسرية النبوية والرد عليها‬ ‫ب‪.7.‬تبحث عن رواة احلديث يف كتب اجلرح والتعديل‪ ،‬ومراتبهم‪ ،‬ودرجة مروايهتم من حيث القبول أو الرد‪.‬‬ ‫ج‪ -‬املهارات الذهنية ج‪.1.‬تستخلص من أحداث السرية النبوية الشريفة احلكم والعب‬ ‫ج‪.2.‬تستنتج أسباب اختالف علماء احلديث يف احلكم على الرواة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ج‪.3.‬تستنبط الفوائد والدالالت من شرح األحاديث املقررة يف املنهج الدراسي‬ ‫ج‪.4.‬تناقش اختالف علماء اجلرح والتعديل يف احلكم على رواة احلديث‬ ‫ج‪.5.‬ختتار مناذج من األحاديث املختلفة وتبني درجتها من حيث القبول والرد ودالالهتا اللغوية‪.‬‬ ‫ج‪.6.‬تقارن بني أهم كتب السنة ملعرفة الفروق بني مناهجها‪.‬‬ ‫ج‪.7.‬حتلل أحداث السرية النبوية الشريفة يف ضوء الواقع املعاصر‬ ‫د‪ -‬املهارات العامة‪ :‬د‪.1.‬تقرتح مناقشه مجاعية يف شبهات معاصرة حول السنة والسرية النبوية الشريفة ‪.‬‬ ‫د‪.2.‬تتواصل مع زميالهتا يف استخدام البامج احلاسوبية ووسائل التواصل احلديثة‬ ‫د‪.3.‬تستثمر معرفتها بدرجة األحاديث املختلفة يف تصحيح ما ينشر على وسائل التواصل االجتماعي من مفاهيم‬ ‫خاطئة حول سنة النىب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫د‪.4.‬تنقل الوعى بني اجملتمع يف أمهية التمييز بني األحاديث الصحيحة من غريها‪.‬‬ ‫د‪.5.‬تعب عن رأيها حول الشبهات اليت تثار حول السنة النبوية وعلماء احلديث‪.‬‬ ‫األسبوع‬ ‫احملتوى‬ ‫‪ -4‬حمتوى املقرر‬ ‫األول‬ ‫الرتحيب ابلطالبات ‪،‬والتعريف بتوصيف املقرر‪.‬‬ ‫‪1,4‬‬ ‫التعريف ببعض املصطلحات احلديثية‪.‬‬ ‫مقدمة يف فقه السرية النبوية‬ ‫الثاين‬ ‫حجية السنة‪ ،‬ومكانتها التشريعية واملعرفية‬ ‫‪2,4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الثالث‬ ‫اتريخ السنة‬ ‫‪3,4‬‬ ‫الرابع‬ ‫اتبع‪ :‬اتريخ السنة‬ ‫‪4,4‬‬ ‫اخلامس‬ ‫مناهج احملدثني‬ ‫‪5,4‬‬ ‫مقدمة يف ختريج احلديث‬ ‫السادس‬ ‫قطوف من السرية النبوية يف مرحلتها املكية‬ ‫‪6,4‬‬ ‫السابع‬ ‫اتبع – قطوف من السرية النبوية يف مرحلتها املكية‬ ‫‪7,4‬‬ ‫الثامن‬ ‫االختبارات الفصلية‬ ‫‪8,4‬‬ ‫التاسع‬ ‫علوم احلديث دراية‬ ‫‪9,4‬‬ ‫العاشر‬ ‫اتبع‪ :‬علوم احلديث دراية‬ ‫‪10,4‬‬ ‫احلادي عشر‬ ‫علوم احلديث رواية‬ ‫‪11,4‬‬ ‫فقه متون السنة‬ ‫الثاين عشر‬ ‫من شروح احلديث‬ ‫‪12,4‬‬ ‫الثالث عشر‬ ‫قطوف من السرية النبوية يف مرحلتها املدنية‬ ‫‪13,4‬‬ ‫الرابع عشر‬ ‫اتبع‪ :‬قطوف من السرية النبوية يف مرحلتها املدنية‬ ‫‪14,4‬‬ ‫اخلامس عشر‬ ‫الرمحة يف سرية الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫‪15,4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫السادس‬ ‫االمتحاانت النهائية‬ ‫عشر‬ ‫السابع عشر‬ ‫‪ -5‬أساليب التعلم ‪. 1,5‬احملاضرة‪.‬‬ ‫‪. 2,5‬املناقشة واحلوار‪.‬‬ ‫والتعليم‬ ‫‪. 3,5‬العصف الذهين‪.‬‬ ‫‪. 4,5‬العروض التقدميية‪.‬‬ ‫‪. 5,5‬التعليم اإللكرتوين‪.‬‬ ‫‪ -6‬أساليب التعلم ‪. 1,6‬احملاضرة‪.‬‬ ‫والتعليم للطالب ذوي ‪. 2,6‬املناقشة واحلوار‪.‬‬ ‫‪. 3,6‬التعلم الذايت‪.‬‬ ‫القدرات احملدودة‬ ‫‪ -7‬تقومي الطالب‬ ‫جـ‪ -‬توزيع الدرجات‬ ‫ب‪-‬التوقيت‬ ‫أ‪-‬األساليب املستخدمة‬ ‫‪ 15‬درجة‬ ‫األسبوع الثامن‬ ‫أعمال فصلية‬ ‫‪ 15‬درجة‬ ‫‪6‬‬ ‫األسبوع السادس عشر ‪ 60‬درجة‬ ‫االمتحان النهائي‬ ‫‪ 60‬درجة‬ ‫والسابع عشر‬ ‫‪ -8‬قائمة الكتب الدراسية واملراجع‬ ‫الكتاب املقرر‬ ‫‪.1‬‬ ‫أ‪.‬مذكرات‬ ‫حماضرات يف احلديث وعلومه والسرية النبوية‪ ،‬أ‪.‬د‪ /‬حممد عبد السالم أبو خزمي‬ ‫‪.1‬‬ ‫ب‪.‬كتب ملزمة‬ ‫‪.1‬مقدمة ابن الصالح يف علوم احلديث‪ ،‬ط‪.‬دار ابن خلدون‪.‬‬ ‫ج‪.‬كتب مقرتحة‬ ‫‪.2‬تدريب الراوي يف شرح تقريب النواوي ‪ ،‬السيوطي‪ ،‬ط‪.‬دار الكتب اإلسالمية‬ ‫‪.3‬السرية النبوية البن هشام ‪ :‬عبد امللك بن هشام بن أيوب احلمريي املعافري‪ ،‬أبو‬ ‫حممد‪ ،‬مجال الدين (ت‪213 :‬هـ) حتقيق‪ :‬مصطفى السقا وإبراهيم األبياري وعبد‬ ‫احلفيظ الشليب ‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده مبصر‬ ‫األحباث والنشرات على اإلنرتنت‬ ‫د‪.‬دورايت علمية أو ‪.1‬‬ ‫نشرات‪...‬‬ ‫املواقع اليت تعىن ابألحباث والدراسات احلديثية والسرية النبوية‪.‬‬ ‫‪.A‬‬ ‫ه‪.‬مواقع إلكرتونية‬ ‫‪.B‬‬ ‫‪7‬‬ ‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬ ‫مقدمة‬ ‫احلمد هلل وكفى‪ ،‬وسالم على عباده الذين اصطفى‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫فهذه حماضرات يف مقرر (احلديث وعلومه والسرية النبوية) للفرقة الثانية ‪-‬لغة عربية‪،‬‬ ‫انتظام والنتساب؛ اسرتشادا ابلتوصيف املعد‪ ،‬وهذه احملاضرات تقع يف قسمني‬ ‫القسم األول‪ :‬يتناول متهيدا‪ ،‬وتسعة مباحث‪.‬‬ ‫التمهيد‪ :‬يف التعريف ببعض املصطلحات احلديثية‬ ‫املبحث األول‪ :‬حجية السنة‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬مكانة السنة التشريعية واملعرفية‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬اتريخ السنة‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬مناهج احملدثني‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬علم ختريج احلديث‬ ‫املبحث السادس‪ :‬علوم احلديث دراية‬ ‫املبحث السابع‪ :‬علوم احلديث رواية‬ ‫املبحث الثامن‪ :‬فقه متون السنة‬ ‫‪8‬‬ ‫املبحث التاسع‪ :‬شرح نصوص السنة (على طريقة احلديث املوضوعي)‬ ‫القسم الثاين‪ :‬يتناول ثالثة مباحث‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬السرية النبوية يف مرحلتها املكية‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬السرية النبوية يف مرحلتها املدنية‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬الرمحة يف سرية الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫القسم األول‬ ‫التمهيد‬ ‫يف التعريف ببعض املصطلحات‬ ‫‪ -1‬السنة‪:‬‬ ‫السنة يف اللغة‪ :‬الطريقة أو السرية (‪.)1‬‬ ‫والسنة يف اصطالح علماء احلديث‪ :‬ما أثر عن النيب صلى هللا عليه وسلم من قول أو‬ ‫فعل أو تقرير أو صفة ِخلقية أو ُخلقية‪ ،‬أو سرية أثبتت حكما شرعيا أم ال(‪.)2‬‬ ‫‪ -2‬احلديث‪:‬‬ ‫احلديث يف اللغة‪ :‬اخلب‪ ،‬واجلديد (‪.)3‬‬ ‫واحلديث يف اصطالح علماء احلديث‪ :‬مرادف ملصطلح السنة (‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة ( س ن ن )‪ ،‬ط‪.‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫اإلسالمي‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي ‪ ،‬د ‪ /‬مصطفي السباعي ص ‪ ، 61‬ط ‪.‬املكتب‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬السنة ومكانتها يف التشريع‬ ‫ببريوت ـ الطبعة الرابعة ‪ 1985‬م ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة ( ح د ث )‪.‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‪ :‬دراسات يف علوم احلديث‪ ،‬د‪ /‬إمساعيل سامل ص ‪ 11‬ط‪.‬دار الثقافة العربية‪ ،‬الطبعة الثالثة‬ ‫‪1415‬ه‪1995 /‬م‬ ‫‪10‬‬ ‫‪ -3‬اخلب‪:‬‬ ‫اخلب يف اللغة‪ :‬النبأ (‪.)5‬‬ ‫واخلب يف االصطالح‪ :‬فيه ثالثة أقوال‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أنه مرادف للحديث ‪ ،‬أي أن معنامها واحد اصطالحا‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أنه مغاير للحديث يف معناه االصطالحي‪ ،‬فاحلديث ما جاء عن النيب صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬واخلب ما جاء عن غريه‪.‬‬ ‫ج‪ -‬أنه أعم من املعىن االصطالحي للحديث‪ ،‬فاحلديث ما جاء عن النيب صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬واخلب ما جاء عنه أو عن غريه (‪.)6‬‬ ‫‪ -4‬األثر‪:‬‬ ‫األثر يف اللغة‪ :‬بقية الشيء (‪.)7‬‬ ‫واألثر يف االصطالح‪ :‬فيه قوالن‪ ،‬مها‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أنه مرادف للحديث ‪ ،‬أي أن معنامها واحد اصطالحا‪.‬‬ ‫(‪ )5‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة ( خ ب ر )‪.‬‬ ‫(‪ )6‬انظر‪ :‬تيسري مصطلح احلديث‪ ،‬د‪ /‬حممود الطحان ص ‪ 13‬ط‪.‬دار الرتاث العربيالثقافة العربية‪ ،‬الطبعة‬ ‫الثالثة ‪1401‬ه‪1981 /‬م‬ ‫(‪ )7‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة ( أ ث ر )‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ب‪ -‬أنه مغاير للحديث يف معناه االصطالحي‪ ،‬فاحلديث ما جاء عن النيب صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬واألثر ما جاء عن غريه من الصحابة والتابعني رضي هللا عنهم (‪.)8‬‬ ‫‪ -5‬السند‪:‬‬ ‫السند يف اللغة‪ :‬املعتمد (‪.)9‬‬ ‫والسند يف االصطالح‪ :‬سلسلة الرواة املوصلة إىل املنت(‪.)10‬‬ ‫‪ -6‬اإلسناد‪:‬‬ ‫اإلسناد يف االصطالح فيه قوالن‪:‬‬ ‫أ‪ -‬عزو احلديث إىل قائله مسندا‪ ،‬ورفعه إليه‪.‬‬ ‫ب‪ -‬سلسلة الرواة املوصلة إىل املنت(‪ ،)11‬وهو هبذا املعىن مرادف للسند‪.‬‬ ‫‪ -7‬املسنِد (بكسر النون)‪:‬‬ ‫هو من يروي احلديث إبسناده‪ ،‬سواء أكان عاملا به أم راواي فقط (‪.)12‬‬ ‫(‪ )8‬انظر‪ :‬تيسري مصطلح احلديث‪ ،‬د‪ /‬حممود الطحان ص ‪. 13‬‬ ‫(‪ )9‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة ( س ن د )‪.‬‬ ‫(‪ )10‬انظر‪ :‬دراسات يف علوم احلديث‪ ،‬د‪ /‬إمساعيل سامل ص ‪.14‬‬ ‫(‪ )11‬املرجع السابق ص ‪.14‬‬ ‫(‪ )12‬انظر‪ :‬تيسري مصطلح احلديث‪ ،‬د‪ /‬حممود الطحان ص ‪. 14‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ -8‬املسنَد (بفتح النون)‪:‬‬ ‫املسنَد (بفتح النون) له ثالثة معان‪:‬‬ ‫أ‪ -‬احلديث املضاف إىل النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الكتاب الذي مجع فيه ما أسنده الصحابة‪ ،‬أي رووه‪ ،‬فهو اسم مفعول‪.‬‬ ‫ج‪ -‬يراد به اإلسناد‪ ،‬فيكون مصدرا‪ ،‬كمسند الشهاب‪ ،‬ومسند الفردوس‪ ،‬أي أسانيد‬ ‫أحاديثهما (‪.)13‬‬ ‫‪ -9‬املنت‪:‬‬ ‫املنت يف اللغة‪ :‬ما صلب وارتفع من األرض(‪.)14‬‬ ‫واملنت يف االصطالح‪ :‬ألفاظ احلديث‪ ،‬أو ما ينتهي إليه السند من الكالم(‪.)15‬‬ ‫(‪ )13‬انظر‪ :‬تدريب الراوي شرح تقريب النواوي‪ ،‬السيوطي‪ ،‬ص ‪ ،44‬دار الكتب اإلسالمية‪.‬‬ ‫(‪ )14‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة ( م ت ن )‪.‬‬ ‫(‪ )15‬انظر‪ :‬تدريب الراوي شرح تقريب النواوي‪ ،‬السيوطي‪ ،‬ص ‪44‬‬ ‫‪13‬‬ ‫املبحث األول‬ ‫حجية السنة النبوية‬ ‫منذ ظهور اإلسالم واالحتجاج بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قائم كاالحتجاج‬ ‫بكتاب هللا تعاىل ‪ ،‬وقد أمجع املسلمون على أن ما صدر عن رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫مقصودا به التشريع واالقتداء ‪ ،‬ونقل إلينا بسند‬ ‫ً‬ ‫وسلم من قول أو فعل أو تقرير ‪ ،‬وكان‬ ‫صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقه يكون حجةً على املسلمني ‪ ،‬ومصدراً تشريعياً‬ ‫يستنبط منه اجملتهدون األحكام الشرعية ألفعال املكلفني … أي أن األحكام الواردة يف‬ ‫(‪)16‬‬ ‫قانوان واجب االتباع ‪.‬‬ ‫هذه السنة تكون مع األحكام الواردة يف القرآن ً‬ ‫فالسنة مرتبطة ارتباطا وثيقا ابلقرآن الكرمي؛ ألهنا وحي من هللا تعاىل القائل يف كتابه‬ ‫عن رسوله صلى هللا عليه وسلم " وما ينطق عن اهلوى ‪.‬إن هو إال وحي يوحى " [سورة‬ ‫النجم‪ /‬اآليتان ‪ ،]4 ،3‬فهي تفصل جممله‪ ،‬وتقيد مطلقه‪ ،‬وتفصل عامه‪ ،‬وتوضح مشكله‪.‬‬ ‫ولذلك كانت ُحجيَّـة السنة ضرورة دينية كما نقل الشيخ عبد الغىن عبد اخلالق يف‬ ‫رسالته القـيمة ( حجيَّـة السنة ) عن كثري من األصوليني ‪ ،‬وذكر أنه مل يقع فيها خالف بني‬ ‫(‪ )16‬علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خالف ص ‪ 37‬ـ مكتبة الدعوة اإلسالمية ـ الطبعة الثامنة ‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫مجوع املسلمني ‪ ،‬وأنه ال تؤثر خمالفة الزاندقة وطائفة من غالة الرافضة الذين ذهبوا إىل‬ ‫إنكار االحتجاج ابلسنة ‪ ،‬واالقتصار على القرآن يف كون حجية السنة ضرورة دينية ‪،‬‬ ‫هوى مذموم وقصد سقيم(‪.)17‬‬ ‫فقد بنوا هذا الرأي الفاسد على ً‬ ‫وإذا كانت رؤى التجديد ملا يتعلق ابملدخل لدراسة السنة النبوية تفرض علينا أن جنهر‬ ‫أبن أولوايت البحث يف هذا اخلصوص جيب أن تـتوجه مباشرة إىل إبراز اجلوانب التشريعية‬ ‫واملعرفية واحلضارية للسنة النبوية ‪ ،‬وربط اجلوانب حبياة املسلمني ‪ ،‬وأن نتجاوز البحث‬ ‫يف قضية حجية السنة ألهنا من القضااي اليت متَّ حسمها ‪ ،‬فما يسع مسلماً يؤمن ابهلل‬ ‫ورسوله أن ينكر حجية السنة ‪ ،‬إال أن األصوات املنكرة اليت خترج علينا بني الفينة والفينة‬ ‫مصدرا من مصادر‬ ‫ً‬ ‫داعية إىل القول ابالكتفاء ابلقرآن الكرمي ‪ ،‬ومنكرة أن أنخذ ابلسنة‬ ‫التشريع ‪ ،‬أو أن يكون هلا دور يف حياة املسـلمني (‪ ، )18‬أو داعية إىل عدم تطبيق االحتجاج‬ ‫(‪ )17‬راجع " حجية السنة " للشيخ عبد الغىن عبد اخلالق ص ‪ 245‬وما بعدها ‪ ،‬ط ‪.‬دار الوفاء ابملنصورة‬ ‫ـ الطبعة الثالثة ‪ 1418‬هـ ـ ‪ 1997‬م ‪.‬‬ ‫(‪ )18‬يقول حممد أسد‪ « :‬إن التعبري الذي يرتدد على مسامعنا اليوم كثرياً ‪ :‬لنرجع إىل القرآن الكرمي ‪،‬‬ ‫ولكن جيب أال جنعل من أنفسنا أتباعاً مستعبدين للسنة يكشف بكل بساطة عن جهل لإلسالم ‪ ،‬إن‬ ‫الذين يقولون هذا القول يشبهون رجال يريد أن يدخل قصراً ‪ ،‬ولكنه ال يريد أن يستعمل املفتاح األصلي‬ ‫الذي يستطيع به وحده أن يفتح الباب » = اإلسالم على مفرتق الطرق حملمد أسد‪ ،‬ترمجة د ‪ /‬عمر فروخ‬ ‫ص ‪ 91‬ـ الطبعة الرابعة‪ ،‬دار العلم للماليني ‪ ،‬بريوت ‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫ابلسنة النبوية يف التشريع واملعرفة واحلضارة جيعلنا نؤكد على ضرورة أن تكون نقطة البدء‬ ‫متوجهة إىل تقرير حجية السنة النبوية ‪.‬‬ ‫والتجديد يف هذا اجلانب ينبغي أن يكون يف إطار صياغة جديدة هتدف إىل تقرير أصل‬ ‫( حجية السنة ) ودفع الشبهات املثارة حوهلا من قبل الغالني واملبطلني واجلاهلني‪ ،‬كما‬ ‫جاء يف احلديث الشريف " حيمل هذا العلم من كل خلف ُع ُدولُه ‪ ،‬ينفون عنه حتريف‬ ‫الغالني ‪ ،‬وانتـحال املبطلني ‪ ،‬وأتويل اجلاهليـن " (‪ ، )19‬وذلك عن طريق استلهام اجلهود‬ ‫املبذولة يف هذا الشأن اليت أكدت على أن حجية السنة ضرورة دينية‪ ،‬وعددت الباهني‬ ‫واألدلة على ذلك من القرآن والسنة واإلمجاع واملعقول ‪ ،‬وبينت منزلة السـنة من القرآن‬ ‫من جهة ما ورد فيها من األحكام ‪ ،‬ودفعت الشبهات اليت أوردها بعض من ينكر حجية‬ ‫السنة قدميًا وحديثاً ‪.‬‬ ‫وقواه لتعدد طرقه ‪– 163 / 1‬‬ ‫(‪ )19‬هذا احلديث ذكره اإلمام ابن القيم يف « مفتاح دار السعادة » َّ‬ ‫‪ 164‬ط ‪.‬دار الكتب العلمية بريوت ‪ ،‬وذكره ابن الوزير اليماين يف « الروض الباسم يف الذب عن سنة‬ ‫أىب القاسم » ‪ ،‬واستظهر صحته أو حسنه لكثرة طرقه مع ما نقل عن تصحيح اإلمام أمحد له واحلافظ ابن‬ ‫عبد الرب وترجيح العقيلي إلسناده ‪ ،‬مع سعة اطالعهم وأمانتهم ‪ ،‬فهذا يقتضى التمسك به ‪.....‬انظر ‪:‬‬ ‫الروض الباسم يف الذب عن سنة أىب القاسم ‪ 21 / 1‬ـ ‪ 23‬ط‪.‬دار املعرفة ‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫ولعل كتاب ( حجية السنة ) الذي وضعه العالمة الراحل الشيخ عبد الغىن عبد اخلالق‬ ‫عام ‪1940‬م(‪ )20‬هو العمدة يف هذا األمر ‪ ،‬وهو املرجع الرئيس يف هذا الباب ‪ ،‬بيد أننا‬ ‫يف رؤيتنا التجديدية حباجة إىل استكمال الشوط الذي قام به الشيخ اجلليل يف رسالته ‪،‬‬ ‫واإلضافة إليها ‪ ،‬وربطها بسائر ما كتب عن السنة بعده إىل يومنا هذا ‪ ،‬فال تزال السهام‬ ‫املسمومة توجه إىل حجية السنة النبوية من قبل الغالني واملبطلني واجلاهلني الذين حياولون‬ ‫التفلت من السنة النبوية ‪ ،‬والتخلص من األحكام الثابتة هبا ‪ ،‬والبعد عن أضوائها وأنوارها‬ ‫‪ ،‬مرةً ابدعاء عدم حجية بعض أنواعها ‪ ،‬ومرةً بزعم أن ما ورد فيها غري مبيِـن للقرآن فإن‬ ‫الناس ليسوا مطالبني به ‪ ،‬ومرةً ابلطعن يف رواهتا ونفي العدالة عنهم ‪ ،‬ومرة ابدعاء أن‬ ‫وآدااب غري ملزمة للمسلم أن يعمل هبا …‬ ‫ً‬ ‫السنة ال تعدو أن تكون توجيهات ونصائح‬ ‫إىل غري ذلك مما يردده دعاة االنفالت من السنة النبوية واخلروج عليها مما هو حباجة إىل‬ ‫استنهاض اهلمم من أجل دفع هذه الشبهات يف إطار منهجي رصني ‪ ،‬وخطاب معاصر‬ ‫ِ‬ ‫يؤصـل بعمق ودقة لتقرير حجية السنة ومنزلتها يف اإلسالم ‪ ،‬ويرد على الشبهات املثارة‬ ‫حول السنة النبوية بروح علمية متسلحة ابألدلة الساطعة والباهني القاطعة‪.‬‬ ‫(‪ )20‬حصل الشيخ ـ رمحه هللا ـ برسالته ( حجية السنة ) على درجة العاملية من درجة أستاذ (الدكتوراه) يف‬ ‫أصول الفقه سنة ‪ 1940‬هـ ‪.‬راجع كتاب ( حجية السنة ) ص ‪. 24‬‬ ‫‪17‬‬ ‫املبحث الثاين‬ ‫مكانة السنة التشريعية واملعرفية‬ ‫ومبثل هذا العمق والدقة العلمية اليت دعوان إليها يف خدمة قضية «حجية السنة» فإن‬ ‫رؤى التجديد للدراسات احلديثية تؤكد على ضرورة أن يلتفت العلماء والباحثون إىل‬ ‫خدمة قضية أخرى‪ ،‬أال وهي ( ربط هذه اجلوانب حبياة املسلمني ) وهي قضية على قدر‬ ‫كبري من األمهية‪ ،‬فالسنة مبا تضمنته من أقوال وأفعال وتقريرات وصفات للنيب صلى هللا‬ ‫عليه وسلم توضح املنهج التفصيلى للمسلمني يف حياهتم الفردية‪ ،‬وحياهتم االجتماعية‪.‬‬ ‫ومن هنا جند يف السنة تفصيالت ألمور العقيدة وألمور العبادات ( الطهارة‪ ،‬والصالة‪،‬‬ ‫والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬واحلج ) وألمور املعامالت املالية مثل‪ :‬البيع واإلجارة والوكالة والكفالة‬ ‫وغريها‪ ،‬وألمور احلياة األسرية مثل‪ :‬الزواج والطالق واخللع والظهار وغريها‪ ،‬وألمور‬ ‫احلدود والقصاص والشهادات‪ ،‬وألمور احلكم والقضاء‪ ،‬وألمر العالقات االجتماعية على‬ ‫اختالفها وتنوعها‪ ،‬وللمعرفة الدينية والسلوك احلضاري يف املعامالت والعالقات‪،‬‬ ‫ولألخالق واآلداب اإلنسانية‪.‬‬ ‫ويعد كتاب ( حجة هللا البالغة ) لوىل هللا الدهلوي مرجعاً رئيسـاً يف بيان أسرار السنة‬ ‫يف هذه اجلوانب‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫وبناءً على ما سبق فإن رؤى التجديد ملا يتعلق ابملدخل لدراسة السنة النبوية تعتب‬ ‫قضية (إبراز دور السنة التشريعي واملعريف واحلضاري) من أهم القضااي الفكرية والفقهية‬ ‫اليت جيب على العقل املسلم أن يوليها عنايته واهتمامه ‪ ،‬من أجل إعادة بناء النسق‬ ‫التشريعي واملعريف واحلضاري عن طريق توظيف السنة النبوية اليت متثِـل الصورة التطبيقية‬ ‫املثلى لتوجيهات القرآن الكرمي‪ ،‬وإحياء دورها يف تصحيح مسار الفرد واجملتمع‪.‬‬ ‫وقد اختطت رؤييت التجديدية يف جمال إبراز دور السنة التشريعي واملعريف واحلضاري‬ ‫( على املستوى الكلى اإلمجايل ) سبيالً يتلخص فيما يلي ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬العمل على توجيه أنظار الباحثني يف جمال الدراسات احلديثية أن يضطلعوا ابلقيام‬ ‫بعرض املنهاج الشامل حلياة الفرد واجملتمع‪ ،‬وأن يعرفوا هبذا املنهاج النبوي املفصل مبا فيه‬ ‫من خصائص الشمول والتكامل والتوازن والتيسري ‪.‬‬ ‫وال بد للسنة لكي تقوم هبذه املهام أن يرتجح لدينا صحتها عن رسول هللا صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬وهذا يرتجم يف علم احلديث أبن يكون احلديث الذي يستشهد به مقبوال‬ ‫(أي صحيحا أو حسنا)‪.‬‬ ‫فمن اخلطأ أن نعزو إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم األحاديث الضعيفة والواهية‬ ‫والباطلة واملوضوعة ‪ ،‬وعلى مجيع الذين يستدلون ابلسنة النبوية أن ينتبهوا إىل هذا األمـر‬ ‫‪19‬‬ ‫جيداً وأن يتذكروا ما رواه أبو هريرة رضي هللا عنه أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال "من‬ ‫(‪)21‬‬ ‫فليتبوأ مقعده من النار" ‪.‬‬ ‫على ِ‬ ‫متعم ًدا َّ‬ ‫كذب َّ‬ ‫اثنياً ‪ :‬مزيد العناية ابلتصنيف املوضوعي للسنة النبوية‪ ،‬واالستفادة من املناهج العلمية‬ ‫النافعة يف هذا اجملال؛ إلبراز دور السنة النبوية يف التشريع واحلضارة واملعرفة اإلنسانية‬ ‫بكل أنواعها ‪.‬‬ ‫وتتضح أمهية التصنيف املوضوعي للسنة النبوية ـ الذي أصبح يفرض نفسه على‬ ‫الباحثني املعاصرين يف األسباب اآلتية ‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ فهم السنة يف ضوء السـنة ‪ ،‬وقبل ذلك فهمها يف ضوء القرآن الكرمي ‪ ،‬يف إطار رؤية‬ ‫شاملة تتسم ابلعمق والشـمول والتكامل‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ جتدد حاجات اجملتمعات‪ ،‬وبروز أفكار جديدة على الساحة اإلنسانية واالجتماعية ال‬ ‫ميكن تغطيتها ‪ ،‬ورؤية احللول الصحيحة هلا إال ابللجوء إىل السنة النبوية اليت هي التفسري‬ ‫العملي للقرآن الكرمي والتطبيق الواقعي واملثايل لإلسـالم احلنيف‪.‬‬ ‫مهما يف حياتنا املعاصرة‬ ‫دورا ًّ‬ ‫‪ 3‬ـ التأصيل اإلسالمي للعلوم اإلنسانية اليت ابتت تلعب ً‬ ‫مثل‪ :‬أصول الرتبية اإلسالمية ‪ ،‬وأصول علم االجتماع اإلسالمي‪ ،‬وأصول علم النفس‬ ‫(‪ )21‬صحيح مسلم ـ املقدمة – ابب تغليظ الكذب على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ 10/1‬حديث‬ ‫رقم (‪. )3‬‬ ‫‪20‬‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وأصول علم االقتصاد اإلسالمي ‪...‬إىل غري ذلك من العلوم واملعارف‬ ‫اإلنسانية اليت نستشف أصوهلا اإلسالمية من خالل هداايت القرآن الكرمي وتوجيهات‬ ‫السنة النبـوية ‪.‬‬ ‫اثلثاً ‪ :‬استكتاب العلماء والباحثني موضوعات تؤكد على اجلوانب املوضوعية املهمة‬ ‫املتعلقة ابلسنة ودورها يف التشريع ومنهجها يف بناء املعرفة واحلضارة ‪ ،‬عن طريق الرسائل‬ ‫والبحوث اجلامعية ‪ ،‬ومراكز حبوث السنة والسرية ‪ ،‬أو اجلوائز املخصصة للدراسات‬ ‫احلديثية ‪ ،..‬وغري ذلك مما من شأنه أن خيدم هذا الغرض ‪.‬‬ ‫وأود أن أشيد هنا ابلقائمني على اجلوائز اليت هتدف إىل تشجيع البحث العلمي يف‬ ‫جمال السنة النبوية وعلومها والدراسات اإلسالمية املعاصرة مبا يعود ابلنفع على اجملتمع‬ ‫حاضراً ومستقبال‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫أما رؤييت التجديدية ملا يتعلق بـ ( مصدرية السنة للتشريع ) على املستوى التفصيلى‬ ‫فإهنا تركز على ثالث قضااي أساسية مهمة ‪ ،‬هي ‪:‬‬ ‫القضية األوىل ‪ :‬بيان منزلة السنة التشريعية من القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫‪21‬‬ ‫قسم العلماء السنة ابلنسبة ملاورد يف القرآن الكرمي إىل ثالثة أنواع (‪.)22‬‬ ‫النوع األول‪ :‬السنة املوافقة للقرآن الكرمي املطابقة ملا أمر به أو هنى عنه‪ ،‬كاألحاديث‬ ‫املوجبة للصالة والزكاة والصيام واحلج‪ ،‬واحملرمة للقتل والزان والقذف والسرقة‪ ،‬وهذا من‬ ‫ابب توارد األدلة املؤكدة للحكم الواحد‪ ،‬فيكون قد استمد مصدره من جهتني‪ :‬القرآن‬ ‫الكرمي‪ ،‬والسنة الشريفة‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬السنة املفسرة للقرآن‪ ،‬املبينة للمراد منه‪ ،‬وهذا ما أشار إليه القرآن الكرمي‬ ‫يف قوله تعاىل "وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" [سورة‬ ‫النحل‪ /‬آية ‪.]44‬‬ ‫وهذا النوع ينقسم إىل أقسام‪:‬‬ ‫أ‪ -‬تفصيل جممله‪:‬‬ ‫ومن ذلك أن هللا أوجب علينا احلج ملن استطاع إليه سبيال‪ ،‬وذكر القرآن أركانه‪،‬‬ ‫كاإلحرام والوقوف بعرفة والسعي والطواف وغري ذلك‪ ،‬وجاءت السنة فبينت كيفية‬ ‫(‪ )22‬انظر‪ :‬دراسات يف علوم احلديث‪ ،‬د‪ /‬إمساعيل سامل ص ‪ 35 – 25‬ط‪.‬دار الثقافة العربية‪ ،‬الطبعة‬ ‫الثالثة ‪1415‬ه‪1995 /‬م‪ ،‬ومراجعه من كتب‪ :‬الرسالة لإلمام الشافعي ‪ 93 -91‬حتقيق الشيخ أمحد‬ ‫شاكر‪ ،‬وإعالم املوقعني البن القيم ‪ ،340 – 314/2‬وأصول التشريع اإلسالمي للشيخ علي حسب هللا‬ ‫ص ‪.39 – 34‬‬ ‫‪22‬‬ ‫اإلحرام وحمظوراته ووقت الوقوف بعرفة وكيفية السعي والطواف إىل غري ذلك مما أشار‬ ‫إليه الرسول إمجاال يف قوله صلى هللا عليه وسلم " خذوا عين مناسككم" (‪.)23‬‬ ‫ب‪ -‬تقييد مطلقه‪:‬‬ ‫فقد أمران هللا ابلطواف مطلقا يف قوله تعاىل "وليطوفوا ابلبيت العتيق" [سورة احلج‪/‬‬ ‫آية ‪ ،] 29‬وقيدته السنة العملية ابلطهارة‪ ،‬وذكرت الوصية مطلقا يف قوله تعاىل "من بعد‬ ‫وصية يوصي هبا أو دين" [سورة النساء‪ /‬آية ‪ ،]12‬وقيدهتا السنة القولية ابلثلث والثلث‬ ‫كثري‪ ،‬كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (‪.)24‬‬ ‫ج‪ -‬ختصيص عامه‪:‬‬ ‫فقد يرد يف القرآن الكرمي أمرا عاما يشمل مجيع أفراده‪ ،‬فتخصص السنة هذا العموم‪،‬‬ ‫كقوله تعاىل "يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثييني" [ سورة النساء‪ /‬آية‬ ‫‪ ،]11‬فاآلية تقرر حق األوالد يف أن يرثوا آابءهم وأمهاهتم‪ ،‬لكن السنة النبوية القولية‬ ‫خترج الولد القاتل من املرياث‪ ،‬فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " ال يرث القاتل‬ ‫"(‪.)25‬‬ ‫(‪ )23‬انظر‪ :‬صحيح مسلم ـ كتاب احلج ـ ابب بيان قوله صلى هللا عليه وسلم "لتأخذوا مناسككم"‪.‬‬ ‫(‪ )24‬انظر‪ :‬صحيح مسلم ـ كتاب الوصية ـ ابب الوصية ابلثلث‪.‬‬ ‫(‪ )25‬سنن الرتمذي – أبواب الفضائل – ابب ما جاء يف إبطال مرياث القاتل (حديث رقم ‪،)2109‬‬ ‫وقال‪ :‬والعمل على هذا عند أهل العلم‪.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫د‪ -‬توضيح مشكله‪:‬‬ ‫فقد وضحت السنة النبوية أن الظلم املذكور يف قوله تعاىل "الذين آمنوا ومل يلبسوا‬ ‫إمياهنم بظلم أولئك هلم األمن وهم مؤمنون" [سورة األنعام‪ /‬آية ‪ ،]82‬هو الشرك‪ ،‬فحني‬ ‫شق األمر على الصحابة ملا نزلت هذه اآلية قالوا‪ :‬وأينا مل يظلم نفسه؟ فنزل قوله تعاىل‬ ‫"إن الشرك لظلم عظيم" [سورة لقمان‪ /‬آية ‪.)26( ]13‬‬ ‫النوع الثالث‪ :‬السنة اليت أوجبت حكما جديدا‪.‬‬ ‫وقد أمران هللا تعاىل بطاعة رسوله صلى هللا عليه وسلم مطلقا‪ ،‬قال تعاىل "من يطع‬ ‫الرسول فقد أطاع هللا" [سورة النساء‪ /‬آية ‪ ،]80‬سواء أمران بشيء جاء به القرآن أم‬ ‫أمران بشيء أو هناان عن شيء مل أيت به القرآن‪ ،‬فلرسول هللا صلى هللا عليه وسلم طاعة‬ ‫مستقلة واجبة شرعا على كل من آمن به‪.‬‬ ‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬حديث حترمي املرأة على عمتها وعلى خالتها‪ ،‬وحديث التحرمي‬ ‫ابلرضاعة لكل ما حيرم من النسب‪ ،‬وحديث منع احلائض من الصوم والصالة‪ ،‬وغري ذلك‬ ‫كثري(‪.)27‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫(‪ )26‬صحيح البخاري – كتاب التفسري – ابب تفسري قوله تعاىل "ومل يلبسوا إمياهنم بظلم"‪.‬‬ ‫(‪ )27‬انظر‪ :‬إعالم املوقعني‪ ،‬ابن القيم ‪ 314/2‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫القضية الثانية ‪ :‬مكانة السنة يف التشريع ‪ ،‬واحتكام الفقهاء إليها ‪:‬‬ ‫ال نزاع عند مجيع املسلمني أن السنة التشريعية هي املصدر الثاين للتشريع والفقه بعد‬ ‫كتاب هللا تعاىل‪.‬‬ ‫ومعظم األحكام اليت يدور عليها الفقه يف شىت املذاهب الفقهية املعتبة ثبت ابلسنة‬ ‫النبوية الشريفة‪ ،‬ومن طالع كتب الفقه تبني له ذلك بكل وضوح‪.‬‬ ‫وهلذا كان االستدالل ابلسنة قوالً وفعالً وتقر ًيرا من أبرز مسات كتب الفقه اإلسالمي‬ ‫لدى مجيع املذاهب الفقهية املعتبة ‪ ،‬يستوي يف ذلك من عرفوا يف اتريخ الفقه ابسم‬ ‫مدرسة احلديث ومن عرفوا ابسم مدرسة الرأي ‪.‬‬ ‫ومن يقرأ كتب املذهب احلنفي الذي ميثل مدرسة الرأي جيدها حافلة ابألحاديث اليت‬ ‫يستدل هبا علماء املذهب‪ ،‬مثل أحاديث كتاب ( اهلداية ) للمرغيـناىن (‪. )28‬‬ ‫والتجديد يف هذه القضية يكون بتسليط الضوء على احتكام الفقهاء للسنة النبوية ‪،‬‬ ‫والتأكيد على أن مجيع فقهاء املسلمني من خمتلف املدارس وشىت األمصار كانوا يرون‬ ‫األخذ ابلسنة واالحتكام إليها ‪ ،‬والرجوع إىل حكمها إذا تبينت هلم‪.‬‬ ‫(‪ )28‬خرج أحاديث اهلداية احلافظ مجال الدين الزيلعي ( املتوىف سنة ‪ 762‬هـ ) يف كتابه‪( :‬نصب الراية‬ ‫ألحاديث اهلداية) ‪ ،‬وقد خلصه احلافظ ابن حجر العسقالىن (املتوىف سنة ‪852‬هـ) ـ مع إضافة بعض الفوائد‬ ‫العلمـية إليه ـ يف كتـابه‪( :‬الدراية يف ختريج أحاديث اهلداية) ‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫وجتدر اإلشارة هنا إىل ما قام به أصوليو املذهب احلنفي على مر العصور من دراسات‬ ‫متعددة ردُّوا هبا على الطعن اخلاطئ القائل أبن أاب حنيفة كان حيكم ابلقياس والرأي يف‬ ‫أخبار اآلحاد ‪ ،‬وقد استندوا يف دراساهتم هذه إىل كثري من مسائله وأقواله اليت تقطع كلها‬ ‫خبطأ هذا الطعن ‪ ،‬وأنه إذا صح اخلب عنده ‪ -‬بتطبيق مقاييسه اليت اشرتطها لصحة اخلب‬ ‫‪ -‬مل يكن يعرضه على قياس أو غريه من طرق الرأي ‪ ،‬وهذا ما قرره أيضاً عدد من الفقهاء‬ ‫اآلخرون الذين ال ينتسبون إىل مذهب أىب حنيفة ‪ ،‬مثل ابن حزم وابن القيم وغريمها ‪.‬‬ ‫(‪)29‬‬ ‫وأحسب أن تسليط الضوء على مسألة احتكام مجيع الفقهاء إىل السنة النبوية سيقود‬ ‫الباحثني ابلضرورة إىل عرض مناهج أئمة الفقه اإلسالمي يف توثيق السنة والعمل هبا ‪،‬‬ ‫وهو ما ترى رؤيتنا التجديدية للدراسات احلديثية شدة احلاجة إليها ‪ ،‬ملا ميثله هذا العرض‬ ‫والتأصيل من أمهية كبرية يف جمايل أصول الفقه وأصول احلديث ‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫(‪ )29‬انظر ‪ :‬دراسات يف السنة ‪ ،‬د ‪ /‬حممد بلتاجي حسن ص ‪ 113‬ـ مكتبة الشباب ابلقاهرة ‪1986‬م‬ ‫‪ ،‬ومراجعة ‪ :‬كشف األسرار للبزدوى ‪ ، 703/2‬وأتسيس النظر للدبوس ص ‪ 47‬ـ ‪ ، 49‬واإلحكام يف‬ ‫أصول األحكام البن حزم ‪ ، 54/7‬وإعالم املوقعني البن القيم ‪. 89 – 88 / 1‬‬ ‫‪26‬‬ ‫القضية الثالثة ‪ :‬ضرورة الوصل بني احلديث والفقه ‪:‬‬ ‫يف هذه القضية ينبغي أن يكون الرتكيز على أمرين‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬أنه إذا كانت السنة مصدرا أساسيا للفقه فإن الواجب على الفقهاء أن‬ ‫يتعمقوا يف علم احلديث‪ ،‬كما على احملدثني أن يتـقنوا علم الفقه ‪ ،‬ولذلك جيب أن تسد‬ ‫الفجوة بني املشتغلني ابلفقه واملشتغلني ابحلديث‪.‬‬ ‫ورؤييت التجديدية يف هذا السياق تؤكد حاجة احملدث للفقه وحاجة الفقيه للحديث‪،‬‬ ‫ومن مث فهي تدعو ضرورة الوصل بني الفقه واحلديث عن طريق أن يتعمق كل من الفقهاء‬ ‫واحملدثني يف جمال اآلخر‪ ،‬أو على األقل أن يتعاوان بينهما يف عقل مجعي مؤسسي ‪ ،‬يسدد‬ ‫ويقارب يف إخراج األحكام واستنباطاهتا من أدلتها الصحيحة مبا حيقق غاايت الشريعة‬ ‫(‪)30‬‬ ‫ومقاصدها ‪.‬‬ ‫األمـر الثاين ‪ :‬أن قدامى الفقهاء رغم اهتمامهم ابلسنة ‪ ،‬فإن كتبهم قد تضمنت‬ ‫األحاديث الصحيحة واحلسنة والضعيفة‪ ،‬مع أن احلديث الضعيف ال يعمل به يف األحكام‪،‬‬ ‫بل يوجد يف كتب الفقه احلديث الضعيف شديد الضعف ‪ ،‬واملوضوع أي املكذوب‪.‬‬ ‫(‪ )30‬منهجية التعامل مع السنة النبوية ‪ ،‬د‪ /‬عبد اجلبار سعيد ص ‪ 7‬ـ حبث منشور مبجلة إسالمية املعرفة‬ ‫اإلسالمي ـ العدد ‪. 18‬‬ ‫ّ‬ ‫اليت يصدرها املعهد العاملي للفكر‬ ‫‪27‬‬ ‫ولعل هذا ما حفز بعض كبار احملدثني لتأليف كتب يف ختريج األحاديث اليت يستشهد‬ ‫هبا الفقهاء‪ ،‬ليبينوا صحيحها من سقيمها‪ ،‬كالزيلعي (املتوىف سنة ‪ 762‬هـ) يف‪ ( :‬نصب‬ ‫الراية ألحاديث اهلداية ) وابن حجر العسقالىن ( املتوىف سنة ‪ )852‬يف ‪ ( :‬تلخيص احلبري‬ ‫يف ختريج أحاديث الرافعي الكبري ) ‪ ،‬وغريمها ‪.‬‬ ‫وإذا كان كاتب هذه السطور يثىن على جهود العلماء املبذولة يف هذا الصدد ‪ ،‬فإنه‬ ‫يؤكد يف الوقت ذاته على ضرورة استكمال الشوط الذي بدأه بعض كبار احملدثني يف هذا‬ ‫امليدان‪ ،‬عن طريق إجناز موسوعة ألحاديث األحكام اليت يستدل هبا يف كل ابب من أبواب‬ ‫الفقه حسب الرتتيب الفق هي ‪ ،‬ومجعها يف مكان واحد حسب األبواب ‪ ،‬واستبعاد ما ال‬ ‫يصلح لالستدالل من الضعيف والواهي واملوضوع‪ ،‬وهبذا نكون قد أسدينا خدمة جليلة‬ ‫للسنة النبوية والفقه اإلسالمي معاً ‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫وأما رؤييت التجديدية ملا يتعلق بـ ( مصدرية السنة للمعرفة واحلضارة ) فإهنا تسلط‬ ‫مصدرا للتشريع والفقه ‪ ،‬فإهنا أيضاً‬ ‫ً‬ ‫الضوء على أنه إذا كانت السنة بعد القرآن الكرمي‬ ‫مصدر للمعرفة واحلضـارة ‪ ،‬وكما نعتقد أبن للقرآن الكرمي دوراً أساسياً يف البناء املعريف‬ ‫ٌ‬ ‫واحلضاري لألمة ‪ ،‬فإننا نعتقد أن هذا الدور احملوري ميتد للشق الثاين من الوحي بعد‬ ‫‪28‬‬ ‫القرآن الكرمي وهو السنة النبوية ‪ ،‬فالسنة هي املنهج النبوي النظري والعملي الذي جسد‬ ‫البالغ القرآين ‪ ،‬وأحل كلمات هللا واقعاً وحضارة حيياها الناس الذين آمنوا هبذا البالغ ‪،‬‬ ‫(‪)31‬‬ ‫مصدرا للمعرفة واحلضارة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومن هنا أتتى مكانتها‬ ‫(‪ )31‬املرجع السابق ص ‪. 5‬‬ ‫‪29‬‬ ‫املبحث الثالث‬ ‫اتريخ السنة‬ ‫مرت دراسة احلديث الشريف وعلومه بعدة مراحل‪ ،‬تعد كل مرحلة منها خالصة‬ ‫لعصرها‪ ،‬كما تعد مقدمة ممهدة للمرحلة التالية بعدها‪ ،‬وأهم هذه املراحل‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ مرحلة التأسيس ‪ :‬واستغرقت القرن األول اهلجري ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ مرحلة التأصيل ‪ :‬وكانت على مدى القرن الثاين اهلجري ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ مرحلة النضج والرسوخ ‪ :‬وكانت على مدى القرن الثالث اهلجري ‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ مرحلة االستكمال‪ :‬وكانت على مدى القرنني الرابع واخلامس اهلجريني‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ مرحلة اجلمع والرتتيب والتمحيص والتدقيق والشرح ‪ :‬وتبدأ من القرن‬ ‫السادس اهلجري حىت وفاة اإلمام اجلليل جالل الدين السيوطي سنة ‪ 911‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ مرحلة الركود والتـقليد‪ :‬وكانت بعد عام ‪ 911‬هـ حىت منتصف القرن الرابع‬ ‫عشر اهلجري‪ ،‬وإن كان يف هذه املرحلة بعض اجلهود يف التخريج وشرح احلديث ‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪ 7‬ـ مرحلة االنبعاث والنهضة‪ :‬وتبدأ بعد منتصف القرن الرابع عشر اهلجري حىت‬ ‫يومنا هذا(‪.)32‬‬ ‫ويرى كاتب هذه السطور أن كل مرحلة من هذه املراحل يف حاجة إىل كشف‬ ‫النقاب عنها ‪ ،‬ولذا فهو يف رؤيته التطلعية يف هذا اخلصوص يدعو الباحثني يف جمال‬ ‫الدراسات احلديثية إىل سب أغوار كل مرحلة من هذه املراحل ‪ ،‬مبا ينتهي بنا إىل الوقوف‬ ‫جلياً على مدى عناية املسلمني بدراسة السنة النبوية وعلومها من لدن الصحابة إىل يومنا‬ ‫هذا عناية ابلغة ‪ ،‬متثلت يف التأليف فيها رواية ودراية ‪ ،‬على أن تشتمل دراسة هذه املراحل‬ ‫على مناهج البحث الوصفية والتحليلية والنقدية ‪.‬‬ ‫فالدراسات السابقـة يف هذا اجملال يغلب عليها االكتـفاء ابلعرض اإلمجايل هلذه‬ ‫املـراحل ‪ ،‬وإن شئت فقل لبعضها ‪ ،‬وهو اجتاه تلقاه الحق عن سابق ومل يضف إليه ‪ ،‬وإن‬ ‫كنا ال نعدم بعض الدراسات األكادميية القيمة اليت عرضت بتفصيل واستـيعاب لبعض‬ ‫ـاسا متيناً نستطيع أن نبىن عليه يف هذا اجملال‪ ،‬مثل دراسـة‬ ‫هذه املراحل ‪ ،‬مما جيعلها أس ً‬ ‫الدكتور‪ /‬حممد عجاج اخلطيب (السنة قبل التدوين)‪ ،‬ودراسة الدكتور‪ /‬رفعت فوزي (توثيق‬ ‫(‪ ) 32‬تطور دراسات السنة النبوية وهنضتها املعاصرة وآفاقها‪ ،‬د‪ /‬فاروق محادة ص ‪ 18 ، 17‬بتصرف ـ‬ ‫ط‪.‬دار إحياء العلوم ببريوت ‪ ،‬ودار الثقافة ابلدار البيضاء ـ الطبعة األوىل ‪1993‬م ‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫السنة يف القرن الثاين اهلجري‪ :‬أسسه واجتاهاته) ‪ ،‬ودراسة الدكتور‪ /‬عبد اجمليد حممود‬ ‫(االجتاهات الفقهية عند احملدثني يف القرن الثالث اهلجري) ‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫وقد اختطت رؤييت التطلعية فيما يتعلق مبراحل دراسة السنة النبوية وعلومها‬ ‫سبيالً يتلخص يف ضرورة تسليط الضوء على عدد من املسائل املهمة املتعلقة بكل مرحلة‬ ‫من هذه املراحل ‪.‬‬ ‫ففي املرحلة األوىل (مرحلة التأسيس) اليت استغرقت القرن األول اهلجري ينبغي‬ ‫أن يكون الرتكيز على األسس اآلتية‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬احلرص على مساع حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬ ‫اثنياً ‪ :‬أن املرء ال حيدث إال مبا استقر يف نفسه أنه مسعه من رسول هللا صلى هللا‬ ‫عليه وسلم من غري حتريف أو تبديل ‪ ،‬أي ‪ :‬حفظ األحاديث والتـثـبُّت يف روايتها ‪.‬‬ ‫اثلثاً‪ :‬التأكد من أن راوي احلديث ال يؤدى إال ما مسعه من الرسول عليه السالم‪.‬‬ ‫رابعاً ‪ :‬نشأة بذور اإلسناد ‪.‬‬ ‫خامساً ‪ :‬عرض احلديث على النصوص الثابتة واملبادئ اإلسالمية ‪.‬‬ ‫سادساً ‪ :‬تدوين السنة يف صحائف‪ ،‬ووضع ضوابط للرواية من املدوانت(‪.)33‬‬ ‫اإلسالمي ‪ ،‬د ‪ /‬رفعت فوزي ص ‪ 46‬ـ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )33‬انظر ‪ :‬املدخل إىل توثيق السنة وبيان مكانتها يف اجملتمع‬ ‫الناشر ‪ /‬مؤسسة اخلاجني مبصر ‪ 1978‬م ‪.‬‬ ‫‪32‬‬ ‫ولعل إبراز األساس السادس الذي يعىن بتدوين السنة يف الصحائف حفظتها ‪،‬‬ ‫وأعانت الذاكرة على ضبطها وصيانتها ‪ ،‬والذي تؤيده الكثري من النصوص ‪ ،‬واألحاديث‬ ‫املرفوعة إىل الرسول صلى هللا عليه وسلم واملوقوفة على الصحابة والتابعني يرد ردًّا قاطعاً‬ ‫على الشبهات املثارة حول تدوين السنة ‪ ،‬ويدحض الزعم الذي يقول ‪ :‬إن األحاديث مل‬ ‫تكتب يف القرن األول اهلجري ‪.‬‬ ‫كما يكون الرتكيز أيضاً يف هذه املرحلة على إبراز األسس اليت وضعها التابعون‬ ‫رضي هللا عنهم لتوثيق السنة وحفظها من التحريف والزيف ‪ ،‬ودراستها دراسة حتليلية ‪،‬‬ ‫وهذه األسس جمملة هي ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬نقد الرجال ‪.‬‬ ‫اثنيا ‪ :‬االهتمام ابإلسناد ‪.‬‬ ‫اثلثاً ‪ :‬احلفظ والسماع والتثبت يف األداء ‪.‬‬ ‫رابعاً ‪ :‬نقد منت احلديث ‪ ،‬وعرضه على النصوص أو القياس ‪.‬‬ ‫(‪)34‬‬ ‫خامساً ‪ :‬تدوين السنة ووضع ضوابط هلذا التدوين ‪.‬‬ ‫(‪ )34‬املرجع السابق ص ‪. 55‬‬ ‫‪33‬‬ ‫وكما نرى فإن هذه األسس اخلمسة تتعلق بتوثيق السنة سن ًدا ومتنًا ‪ ،‬ودرايةً‬ ‫وروايةً ‪ ،‬مما من شأنه أن حيافظ عليها وجيعلها صحيحة نقية ‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫‪ 2‬ـ ويف املرحلة الثانية ( مرحلة التأصيل ) واليت كانت على مدى القرن الثاين‬ ‫اهلجري ‪ :‬جيب أن يكون الرتكيز على دراسة املوضوعات اآلتية دراسة منهجية وافية ‪،‬‬ ‫وهذه املوضوعات هي ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬األسباب اليت دفعت إىل املزيد من توثيق السنة يف القرن الثاين اهلجري ‪.‬‬ ‫اثنيا‪ :‬التدوين الرمسي الشامل للسنة يف عهد اخلليفة العادل عمر بن عبد العزيز‬ ‫رضي هللا عنه ‪.‬‬ ‫اثلثاً ‪ :‬إفراد احلديث النبوي ابلتأليف على طريقة املسانيد‪ ،‬بعد أن كان خمتلطًا‬ ‫أبقوال الصحابة والتابعيني ‪.‬‬ ‫(‪)35‬‬ ‫رابعاً ‪ :‬ظهور التآليف يف الرواة ويف علل احلديث ‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫(‪ )35‬املرجع السابق ص ‪. 62 ، 61‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪ 3‬ـ ويف املرحلة الثالثة ( مرحلة النضـج والرسوخ ) واليت كانت على مدى القرن‬ ‫الثالث اهلجري ‪ ،‬وهي املرحلة اليت تعد أزهي عصور السنة ‪ ،‬وأسعدها أبئمة احلديث‬ ‫(‪)36‬‬ ‫وآتليفهم العظيمة اخلالدة‪.‬‬ ‫ففي هذا القرن توفرت املناهج احلديثية القوية املتينة ‪ ،‬وكان العطاء احلديثي‬ ‫الناضر الذي مل يذبل على امتداد العصور ‪ ،‬وكان ما بعده عالة عليه ‪.‬‬ ‫يف هذه املرحلة ‪ :‬جيب أن يكون الرتكيز على إبراز أهم مالحمها من خالل وضع‬ ‫دراسات متعمقة مشتملة على مناهج البحث الوصفية والتحليلية والنقدية ‪ ،‬وميكن أن‬ ‫يعرج يف هذه الدراسات املتعمقة على املنت املوجز الذي كتبه الدكتور فاروق محادة عن‬ ‫مالمح هذه املرحلة ‪ ،‬اليت من أمهها ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬نضوج القواعد التأصيلية اليت يتم على أساسها متحيص السنة النبوية ‪،‬‬ ‫واليت ُِمسيت فيما بعد مبصطلح احلديث أو قواعد علم احلديث ‪.‬‬ ‫اثنيا ‪ :‬مجع النصوص النبوية مفردة عن غريها يف صورة مسانيد ومصنفات ‪ ،‬مث‬ ‫يف صورة صحاح جوامع ‪ ،‬مث يف صورة سنن نبوية على الطريقة الفقهية ‪.‬‬ ‫اإلسالمي‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي ‪ ،‬د ‪ /‬مصطفي السباعي ص ‪ ، 103‬ط ‪.‬املكتب‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )36‬السنة ومكانتها يف التشريع‬ ‫ببريوت ـ الطبعة الرابعة ‪ 1985‬م ‪.‬‬ ‫‪35‬‬ ‫اثلثاً ‪ :‬ظهور املؤلفات يف جماالت ‪ :‬تراجم الرجال ومعرفتهم ‪ ،‬واجلرح والتعديل‬ ‫(‪)37‬‬ ‫‪ ،‬ومعرفة علل احلديث ‪ ،‬ومعرفة غريبه ‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫‪ 4‬ـ وأما يف املرحلة الرابعة (مرحلة استكمال جهود القرن الثالث اهلجري) واليت‬ ‫كانت على مدى القرنني الرابع واخلامس اهلجريني ‪ ،‬فإن املأمول من الدراسات احلديثية‬ ‫املعاصرة ـ وهي تعرض هلذه املرحلة اليت شهدت تتابع ظهور املؤلفات يف جمال مجع‬ ‫النصوص النبوية ‪ ،‬وجمال معرفة الرجال واألسانيد والعلل ـ أن تركز على أمرين يعدان من‬ ‫أبرز مسات هذه املرحلة ‪ ،‬ومها ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬العرض املنهجي الوايف للمؤلفات اليت ظهرت يف هذه املرحلة يف جمال‬ ‫مصطلح احلديث ومعرفة علومه ‪ ،‬واليت حاول مؤلفوها أن يستوعبوا نظرات السابقني يف‬ ‫القواعد االصطالحية ‪ ،‬ويصوغوها يف إطار علمي رصني يتسم ابألصالة ‪ ،‬مثل مؤلفات‬ ‫(احملدث الفاصل بني الراوي والواعي) للرامهرمزى (املتوىف ‪ 360‬هـ) و(معرفة علوم‬ ‫احلديث) للحاكم النيسابورى (املتوىف ‪ 405‬هـ )‪ ،‬و(الكفاية يف علم الرواية) للخطيب‬ ‫البغدادي ( املتوىف ‪ 463‬هـ ) ‪ ،‬وغريها ‪.‬‬ ‫(‪ )37‬انظر تطور دراسات السنة النبوية وهنضتها املعاصرة وآفاقها ص ‪. 30 – 18‬‬ ‫‪36‬‬ ‫اثنياً ‪ :‬التأكيد على أنه إذا كانت هذه املرحلة مرحلة استكمال واستدراك يف‬ ‫جوانب املعرفة احلديثية على أيدى أئمة كبار‪ ،‬إال أنه برز نوع جديد من املعرفة احلديثية‪،‬‬ ‫وهو فقه احلديث واالستنباط منه‪ ،‬وشرح نصوصه وتقريبها للناس‪ ،‬ال على طريقة الفقهاء‬ ‫‪ ،‬بل على نسق احملدثني ‪ ،‬وذلك يف مؤلفات هتذيب اآلاثر البن جرير الطبي (املتوىف‬ ‫‪ 310‬هـ)‪ ،‬وشرح معاين اآلاثر للطحاوي (املتوىف‪ 321‬هـ)‪ ،‬ومعامل السنن شرح سنن أيب‬ ‫داود للخطايب (املتوىف ‪388‬هـ)‪ ،‬والتمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬واالستذكار‬ ‫يف بيان مذاهب فقهاء األمصار البن عبد الب (املتوىف ‪463‬هـ)‪ ،‬واملنتقى ألىب الوليد‬ ‫الباجي شرح موطأ مالك (املتوىف ‪ 474‬هـ)‪ ،‬وشرح السنة للبغوي (املتوىف ‪516‬هـ) ‪،‬‬ ‫وغريها ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ وأما يف املرحلة اخلامسة ( مرحلة اجلمع والرتتيب والتمحيص والتدقيق والشرح‬ ‫) واليت تبدأ من القرن السادس اهلجري وتستمر حىت وفاة اإلمام جالل الدين السيوطي‬ ‫سنة ‪ 911‬هـ ‪ ،‬فإن الباحث يف هذه املرحلة لواقف ـ ال حمالة ـ أمام مكتبة حديثية ال‬ ‫تضاهى يف تعدد توجهاهتا وكثرة مؤلفاهتا اليت ختدم الكتب اليت سبقتها وتستقى من معينها‬ ‫‪ ،‬وحتافظ على وجودها واستمرارها ‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫ويكفي أن نذكر أن من أعالم هذه املرحلة الذين أثروا املكتبة احلديثية مبؤلفاهتم‪:‬‬ ‫القاضي عياض ( املتوىف ‪ 544‬هـ ) ومن أهم كتبه (اإلملاع إىل معرفة أصول الرواية وتقييد‬ ‫السماع) ‪ ،‬واألئـمة ‪ :‬ابن اجلـوزي ( املتوىف‪ 597‬هـ ) وكتابه (املوضوعات) ‪ ،‬وابن األثيـر‬ ‫اجلـزري ( املتوىف ‪ 606‬هـ ) وكتابه (النهاية يف غريب احلديث واألثر) ‪ ،‬وابن الصالح (‬ ‫املتوىف ‪643‬هـ ) وكتابه (مقدمة ابن الصالح يف علوم احلديث) ‪ ،‬والنووي (املتوىف ‪676‬هـ)‬ ‫يف شرحه لصحيح مسلم‪ ،‬ورايض الصاحلني‪ ،‬واألربعني النووية‪ ،‬والتقريب والتيسري ملعرفة‬ ‫سنن البشري النذير‪ ،‬وابن دقيق العيد ( املتوىف ‪ 702‬هـ ) ‪ ،‬وكتابه (اإلملام اجلامع ألحاديث‬ ‫األحكام‪ ،‬وااحلافظ املزي ( املتوىف ‪742‬هـ) ‪ ،‬يف كتابه (هتذيب الكمال يف أمساء الرجال‬ ‫) ومشس الدين الذهيب ( املتوىف ‪748‬هـ ) ومؤلفاته (سري أعالم النبالء‪ ،‬وتذكرة احلفاظ‪،‬‬ ‫وميزان االعتدال يف نقد الرجال‪ ،‬والعب يف خب من غب‪ ،‬واملغين يف الضعفاء) وابن القيم‬ ‫( املتوىف ‪ 751‬هـ ) وكتابه (املنار املنيف يف الصحيح والضعيف)‪ ،‬وابن كثري ( املتوىف‬ ‫‪ 774‬هـ ) وكتابه (الباعث احلثيث شرح اختصار علوم احلديث) ‪ ،‬وزين الدين العـراقي (‬ ‫املتوىف ‪806‬هـ ) يف ألفيته يف مصطلح احلديث‪ ،‬وكتابه التقييد واإليضاح ملا أطلق وأغلق‬ ‫من مقدمة ابن الصالح‪ ،‬واهليـثمي (املتوىف ‪ 807‬هـ) ‪ ،‬وكتابه (جممع الزوائد ومنبع الفوائد)‬ ‫وابن حجر العسقالىن ( املتوىف ‪ 852‬هـ ) ومؤلفاته العديدة واملشتهرة‪ ،‬مثل‪( :‬فتح الباري‬ ‫‪38‬‬ ‫يف شرح صحيح البخاري‪ ،‬واإلصابة يف متييز الصحابة‪ ،‬وبلوغ املرام من أدلة األحكام‪،‬‬ ‫ولسان امليزان‪ ،‬وهتذيب التهذيب‪ ،‬وتقريب التهذيب‪ ،‬والدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة‬ ‫‪ ،‬وخنبة الفكر يف مصطلح أهل األثر)‪ ،‬وبدر الدين العيين ( املتوىف ‪855‬هـ ) وكتابه (عمدة‬ ‫القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬والسـخاوي ( املتوىف ‪902‬هـ ) ومؤلفاته (فتح املغيث‬ ‫بشرح ألفية احلديث‪ ،‬والضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪ ،‬واملقاصد احلسنة يف األحاديث‬ ‫املشتهرة على األلسنة) ‪ ،‬وجالل الدين السيوطي ( املتوىف ‪911‬هـ ) ومؤلفاته الكثرية‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬اجلامع الكبري‪ ،‬واجلامع الصغري‪ ،‬وتدريب الراوي يف شرح تقريب النواوي‪ ،‬والآللئ‬ ‫املصنوعة يف األحاديث املوضوعة)‪.‬‬ ‫وأحسب أن ما قدمته هذه املرحلة املهمة من زخم علمي هائل ‪ ،‬تنوعت فيه‬ ‫املصنفات احلديثية ما بني مجع وترتيب وختريج وتبويب ومتحيص وتدقيق وشروح وتعليقات‬ ‫واختصارات ومؤلفات يف مصطلح احلديث ومعرفة علومه هلو كفيل أبن يكون َديْـناً معلقاً‬ ‫يف رقاب الباحثني املعاصرين يف جمال الدراسات احلديثية ‪ ،‬لن يتحللوا من سداده إال عن‬ ‫طريق تقدمي دراسات متعمقة ‪ ،‬تكشف النقاب ومتيط اللثام عن هذه املرحلة ‪ ،‬يف إطار‬ ‫منهجي رصني ‪ ،‬قائم على التوصيف والتحليل والنقد املوضوعي ‪ ،‬وهو ما تدعو إليه‬ ‫رؤيتنا التطلعية يف هذا اخلصوص ‪.‬‬ ‫‪39‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫‪ 6‬ـ وأما املرحلة السادسة ( مرحلة التقليد والركود ) واليت تبدأ بعد عام ‪911‬‬ ‫هـ وحىت منتصف القرن الرابع عشر اهلجري ‪ ،‬فإن البحث فيها جيب أن يتوجه إىل بعض‬ ‫اجلهود املبذولة يف التخريج وشروح احلديث ‪ ،‬يف ظل الركود الفكري الذي كان يسـيطر‬ ‫على العامل اإلسالمي أغلب هذه الفرتة ‪ ،‬وتعد أبرز هذه الدراسات من تصانيف‪ :‬على‬ ‫القاري ( املتوىف ‪ 1014‬هـ ) وكتابه (مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح)‪ ،‬واملنـاوي‬ ‫(املتـوىف ‪1031‬ه ـ) وكتابه (فيض القدير شرح اجلامع الصغري) ‪ ،‬والعجـلوين ( املتـوىف‬ ‫‪1162‬هـ ) وكتابه (كشف اخلفاء ومزيل اإللباس فيما اشتهر من األحاديث على ألسنة‬ ‫الناس)‪ ،‬ووىل هللا الدهـلوي ( املتوىف ‪1176‬هـ ) وكتابه (حجة هللا البالغة) ‪ ،‬وحممد بن‬ ‫إمساعيل الصنعاين ( املتوىف ‪1182‬هـ) وكتابه (سبل السالم شرح بلوغ املرام) ‪ ،‬والزبيدى‬ ‫( املتوىف ‪1205‬هـ ) وكتابه (إحتاف السادة املتقني بشرح إحياء علوم الدين) ‪ ،‬والشوكاين‬ ‫( املتوىف ‪1250‬هـ) وكتابه (نيل األوطار شرح منتقى األخبار من أحاديث سيد األخيار)‬ ‫‪ ،‬واللكنوى (املتوىف ‪1304‬هـ) وكتابه (اآلاثر املرفوعة يف األخبار املوضوعة)‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫‪40‬‬ ‫‪ 7‬ـ وأما املرحلة السابعة ( مرحلة االنبعاث والنهضة ) واليت تبدأ بعد منتصف‬ ‫القرن الرابع عشر اهلجري وحىت يومنا هذا ‪ ،‬فإن البحث فيها يكون بتسليط الضوء على‬ ‫اجلهود املبذولة يف خدمة السنة النبوية اليت حاولت أن تؤصل ملنهجية يف التعامل مع‬ ‫الدراسات احلديثية ‪ ،‬وقد مج ع الدكتور عبد اجلبار سعيد هذه اجلهود يف احملاور الرئيسية‬ ‫التالية ‪:‬‬ ‫اعتمادا على ما‬ ‫ً‬ ‫أوالً ‪ :‬جتديد التأليف يف علوم احلديث وأصول نقده واترخيه ‪،‬‬ ‫ألفه السابقون ‪ ،‬ولكن بلغة تالئم هذا العصر ‪ ،‬وتسهل تقدمي هذا العلم إىل الطلبة‬ ‫واملهتمني به ‪ ،‬وأبرز هذه املؤلفات على سبيل املثال ‪ ( :‬السنة ومكانتها يف التشريع‬ ‫اإلسالمي ) للدكتور مصطفي السباعي‪ ،‬و ( السنة قبل التدوين ) للدكتور حممد عجاج‬ ‫اخلطيب‪ ،‬و ( منهج النقد يف علوم احلديث ) للدكتور نور الدين عرت‪ ،‬و ( الفكر املنهجي‬ ‫عند احملدثني ) للدكتور مهام سعيد ‪ ،‬وغريها كثري ‪.‬‬ ‫اثنياً ‪ :‬إخـراج الكثري من املخطـوطات إىل حيز الوجود ‪ ،‬والعـمل على حتقـيقها ‪،‬‬ ‫وقد متحورت هذه اجلهود حول كتب السنة النبوية وكتب نقد الرجال وكتب علوم احلديث‬ ‫كثريا من هذه اجلهود أخذ طابعاً جتارايً‪ ،‬إال أهنا يف جمموعها خدمت السنة‬ ‫وغريها ‪ ،‬ومع أن ً‬ ‫خدمة جيدة‪.‬‬ ‫‪41‬‬ ‫اثلثاً ‪ :‬ظهور الدراسات املوضوعية يف السنة النبوية اليت تسهم يف تقدمي السنة‬ ‫النبوية بلغة العصر للمهتمني ‪ ،‬فضالً عن تسهيل توظيف السنة يف خدمة املناحي احلياتية‬ ‫‪ ،‬وقد برز هذا النمط من التأليف يف الرسائل اجلامعية وحبوث الرتقية ‪.‬‬ ‫رابعاً ‪ :‬الفهارس والتصانيف اليت أسهمت يف تسهيل الوصول إىل مواضع احلديث‬ ‫‪ ،‬مثل املعجم املفهرس أللفاظ احلديث النبوى ‪ ،‬وغريها من الفهارس والتصانيف اليت‬ ‫ألفت يف هذا اجملال ‪.‬‬ ‫خامسـاً ‪ :‬البجميات احلاسوبية ‪ :‬وهذه البجميات وإن أخذت يف طابعها العام البعد‬ ‫التجاري أيضاً ‪ ،‬إال أهنا قدمت خدمة كبرية من حيث تسهيل الوصول إىل مواطن احلديث‬ ‫إسنادا ورجاالً ‪ ،‬وداللةً وشرحاً ‪ ،‬وقد اشتهر منها ‪:‬‬ ‫يف كتب السنة واملعلومات املتعلقة به ً‬ ‫البانمج اخلاص ابلكتب التسعة ( موسوعة احلديث النبوى ) ‪ ،‬واملوسوعة الذهبية اليت‬ ‫صدرت مؤخراً ‪.‬‬ ‫ولكاتب هذه السطور تعليق على هذه البجميات احلاسوبية سيذكره يف موضعه‬ ‫من هذه الدراسة‪.‬‬ ‫سادساً ‪ :‬املؤمترات والندوات املتعلقة ابلسنة النبوية على املستوى احمللى‬ ‫واإلقليمي والدويل ‪ ،‬وهي كثرية جداً ‪ ،‬وقد عرض ملعظمها األستاذ حميي الدين عطية يف‬ ‫‪42‬‬ ‫اجلزء األول من كتاب ‪ ( :‬ندوة السنة النبوية ومنهجها يف بناء املعرفة واحلضارة ) اليت‬ ‫عقدها املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ابلتعاون مع مؤسسة آل البيت يف عمان عام‬ ‫(‪)38‬‬ ‫‪1989‬م ‪.‬‬ ‫تلكم أبرز املراحل اليت مرت هبا دراسة احلديث الشريف وعلومه ‪ ،‬وهي حباجة‬ ‫إىل استـنفار جهود الباحثني لسب أغوارها وجتلية غوامضها‪ ،‬وهو ما تدعو إليه رؤيتنا‬ ‫التطلعية يف هذا اخلصوص ‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫(‪ )38‬انظر ‪ :‬منهجية التعامل مع السنة النبوية ‪ ،‬د‪ /‬عبد اجلبار سعيد ص ‪ 3‬ـ حبث منشور مبجلة إسالمية‬ ‫املعرفة اليت يصدرها املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ‪ ،‬العدد ‪.18‬‬ ‫‪43‬‬ 44 ‫املبحث الرابع‬ ‫مناهج احملدثني‬ ‫ويتكامل ما يتعلق مبراحل دراسة احلديث الشريف وعلومه مع ما يتعلق مبناهج‬ ‫احملدثني يف التعامل مع السنة سندا ومتناً ‪ ،‬وتنطلق هذه الدراسة يف رؤيتها التطلعية ملا‬ ‫يتعلق مبناهج احملدثني من تقرير حقيقة أن السنة النبوية قد قامت يف مجعها ونقلها‬ ‫ومتحيصها والتصنيف فيها على مناهج متينة ‪ ،‬وقواعد راسخة رصينة ‪ ،‬منذ عهد الصحابة‬ ‫ـ رضي هللا عنهم ـ وعلى مدى قرون عديدة ‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق ينقل الدكتور فاروق محادة عن أحد املؤرخني غري املسلمني قوله‪:‬‬ ‫« وأول من نظم نقد الرواايت التارخيية ووضع القواعد لذلك علماء الدين اإلسالمي‪،‬‬ ‫فإهنم اضطروا اضطراراً إىل االعتناء أبقوال النيب صلى هللا عليه وسلم وأفعاله لفهم القرآن‬ ‫‪ ،‬ففسروا ) إِ ْن ُه َو إِالَّ َو ْح ٌي يُ َ‬ ‫وحى ( على أن ما تلي منه فهو قرآن‪ ،‬وما مل يتل فهو‬ ‫السنة‪ ،‬فانبوا جلمع األحاديث ودرسها وتدقيقها‪ ،‬فأحتفوا التاريخ بقواعد ال تزال يف‬ ‫أسسها وجوهرها حمرتمة يف األوساط العلمية حىت يومنا هذا»‪ ،‬ويقول هذا املؤرخ عن‬ ‫منهجية كتاب (اإلملاع) للقاضي عياض‪ « :‬والواقع أنه ليس إبمكان أكابر رجال التاريخ‬ ‫اليوم أن يكتبوا أحسن منها يف بعض نواحيها وذلك على الرغم من مرور أكثر من سـبعة‬ ‫‪45‬‬ ‫قرون عليها ‪ ،‬فإن ما جاء فيها من مظاهر الدقة يف التفكري واالستنتاج حتت عنوان‪( :‬‬ ‫حترى الرواية واجمليء ابللفظ ) يضاهي ما ورد يف املوضوع نفسه يف كتب الفرجنة يف أوراب‬ ‫وأمريكا … إىل أن يقول ‪ :‬وإبمكاننا أن نصارح زمالءان يف الغرب فنؤكد هلم أبن ما‬ ‫يفاخرون به من هذا القبيل وترعرع يف بالدان ‪ ،‬وحنن أحق الناس بتعليمه ‪ ،‬والعمل أبسسه‬ ‫(‪)39‬‬ ‫وقواعده » ‪.‬‬ ‫وتعليقاً على الفقرة األخرية ( وحنن أحق الناس بتعليمه ‪ ،‬والعمل أبسسه وقواعده‬ ‫) يؤكد كاتب هذه السطور يف رؤيته التطلعية ملا يتعلق مبناهج احملدثني أننا حباجة ماسة إىل‬ ‫الوقوف على هذه القواعد العلمية الرصينة ‪ ،‬واملناهج البحثية املتينة ‪ ،‬ونشرها على‬ ‫املستوى الثقايف ‪ ،‬عن طريق مسارات متنوعة ‪ ،‬أتخذ اترة شكل القضااي الكلية ‪ ،‬وأتخذ‬ ‫اترة أخرى شكل القضااي اجلزئية من خالل حقبة زمنية معلومة‪ ،‬أو كتب حمددة ‪ ،‬أو‬ ‫مؤلفني معينني ‪ ،‬وقد أتخذ أشكاالً أخرى اتبعة لرؤى الباحثني واجتاهاهتم‪.‬‬ ‫وأما القضااي اجلزئية املتعلقة مبناهج احملدثني فإن البحث فيها قد يكون من خالل‬ ‫حقبة زمنية معلومة ‪ ،‬مثل ‪ :‬مناهج احملدثني يف كل قرن من القرون اهلجرية الفائتة ‪ ،‬وقد‬ ‫يكون من خالل كتب حمددة ‪ ،‬مثل ‪ :‬مناهج كتب الصحاح أو السنن أو املسانيد ‪ ،‬وقد‬ ‫(‪ ) 39‬تطور دراسات السنة النبوية وهنضتها املعاصرة وآفاقها ‪ ،‬د‪ /‬فاروق محادة ص ‪ 77 ،76‬نقال عن‬ ‫مصطلح التاريخ ألسد رستم ‪ ،‬املقدمة ص ‪ :‬أ ‪ ،‬ز ‪.‬نشر املكتبة البوليسية بريوت ‪.‬‬ ‫‪46‬‬ ‫يكون من خالل موضوعات معينة ‪ ،‬مثل ‪ :‬منهج احملدثني يف الكشف عن العلة يف احلديث‪،‬?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser