Arabic Past Paper PDF - Educational Material

Summary

This document appears to be part of a book or notes on Islamic history, focusing on the life of the Prophet Muhammad. It discusses a series of events or conflicts, referencing specific battles and their historical context.

Full Transcript

‫حتالف بني يهود‬ ‫دفع عدوان‬ ‫السابعة من خيبر وبني قبيلة‬‫السنة ّ‬ ‫ّ‬ ‫غزوة خيبر‬ ‫متوقعّ‬ ‫غطفان على العدوان‬ ‫الهجرة‬ ‫(((‬ ‫على املسلمني‪.‬‬ ‫عدوا ُن ملك بُصرى‬ ‫على احلارث بن‬ ‫دفع عدوان‬...

‫حتالف بني يهود‬ ‫دفع عدوان‬ ‫السابعة من خيبر وبني قبيلة‬‫السنة ّ‬ ‫ّ‬ ‫غزوة خيبر‬ ‫متوقعّ‬ ‫غطفان على العدوان‬ ‫الهجرة‬ ‫(((‬ ‫على املسلمني‪.‬‬ ‫عدوا ُن ملك بُصرى‬ ‫على احلارث بن‬ ‫دفع عدوان‬ ‫األزدي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُعمير‬ ‫السنة ال ّثامنة من‬ ‫ّ‬ ‫غزوة مؤتة‬ ‫متو ّق ٍع‬ ‫ّبي صلّى‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫مبعوث‬ ‫الهجرة‬ ‫اهلل عليه وسلّم إليه‪.‬‬ ‫(((‬ ‫مما ُع ّد من "غزوات" ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫يب‬ ‫انلماذج فليُ َق ْس ُ‬ ‫غريها ّ‬ ‫وىلع هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هجومية‪،‬‬ ‫عدوانية أو‬ ‫حرب‬ ‫صل اهلل عليه وسلم‪ ،‬اليت ال داللة فيها ىلع ٍ‬ ‫سلب أمواهلم‪ ،‬أو بدئهم‬ ‫ِ‬ ‫وال يشء فيها من إرهاب اآل ِمنني‪ ،‬وال من‬ ‫ترك أديانهم‪ ،‬أو إراغمهم ىلع ادلخول يف‬ ‫بقتال يُكرهون به ىلع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلسالمِ !‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دروسا جتل حقائق‬ ‫يكتزن‬ ‫العطرة‬ ‫إن هذا املبحث من السرية ِ‬ ‫وأخالقي ٍة عديدةٍ يطول ّ‬ ‫بتتبعها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إيماني ٍة‬ ‫َ‬ ‫جوانب‬ ‫ّ‬ ‫املحمديّ ِة يف‬ ‫ّ‬ ‫الرسالة‬ ‫ُ‬ ‫املقام‪ ،‬لكن ُ‬ ‫يسعنا أن نقف ىلع نماذج ثالث ٍة منها من حيث أحداثها‬ ‫بسط القول‬ ‫وما يتشتمل عليه من نفيس املعاين ولطيف العرب‪ ،‬فليُ َ‬ ‫انلحو اآليت‪:‬‬‫فيها ىلع ّ‬ ‫السيرة النّبو ّية‪.616 ،‬‬ ‫((( ‪ -‬ابن هشام‪ّ ،‬‬ ‫((( ‪-‬الواقدي‪ ،‬املغازي‪.2/755 ،‬‬ ‫‪240‬‬ ‫مرسد األحداث‬ ‫ّ‬ ‫لما َ‬ ‫عقد ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ّ‬ ‫يب ﷺ عهد اإلخاء واملواطنة الشاملة بني لك أطياف‬ ‫ْ‬ ‫وتآسوا ىلع خري ما يمكن أن يعيش‬ ‫املجتمع باملدينة‪ ،‬تعايش أهلها‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫واجتماعيا؛ إذ اتضحت فيه‬ ‫وقانونيا‬ ‫دستوريا‬ ‫دل منظ ٍم‬ ‫عليه أهل ب ٍ‬ ‫واحلر ّيات املرشوعة‪ ،‬فلم‬ ‫ّ‬ ‫احلقوق‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ومعالم‬ ‫صورة الواجبات املشرتكة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫املدين من داخل بنيته‪.‬‬ ‫يعد يشء يهدد املجتمع‬ ‫تتغي باستمرار‪ ،‬وجد املهاجرون‬ ‫ولما اكنَت متطلّبات العيش ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫أنفسهم يف حاجة إىل ما تركوه خلفهم عقب هجرتهم إىل املدينة من‬ ‫ّ‬ ‫األموال اليت سلبها منهم املك ّيون‪ ،‬وال يبعد أن يكون قد تناىه إىل‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫أن القرشيّني بدؤوا ّ‬ ‫يمولون بها قوافلهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫جارية شمال حنو‬ ‫اتل‬ ‫علمهم‬ ‫ّ‬ ‫وأن املهاجرين رغبوا يف استعادتها ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ممن‬ ‫جنوبا حنو ايلمن‪،‬‬ ‫الشامِ ‪ ،‬أو‬ ‫هجروهم وحرموهم منها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ّ‬ ‫َذكر أهل ّ‬ ‫ جتارية‬ ‫يب ﷺ اكن قد بلغه أن قافلة‬ ‫السري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫يرتأسها أبو سفيان قادمة من الشام‪ ،‬وأنها قد مولت بما خلفه‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املهاجرون بمكة عند هجرتهم‪ ،‬فعزم ىلع اعرتاضها لعل اهلل جيعل‬ ‫فيها ً‬ ‫(((‬ ‫عوضا عن بعض ما ُسلب من أموال املهاجرين‪.‬‬ ‫((( ‪ -‬السهيلي‪ ،‬الروض األنف‪.60/5 ،‬‬ ‫‪241‬‬ ‫َّ‬ ‫الع َد ِد؛ إذ لم يكن يتوق ُع‬ ‫فخرج ﷺ يف غري وفرة من َ‬ ‫العدد أو ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أن ينتيه خروجه بمواجهة مسلحة!‬ ‫السعة ً‬ ‫َ‬ ‫فأرسل ىلع جناح ّ‬ ‫ُ‬ ‫خروج ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بريدا‬ ‫يب ﷺ‬ ‫بلغ أبا سفيان‬ ‫إىل قريش‪ ،‬يستنهضهم يلخرجوا إيله‪ ،‬فيَحموا جتارتهم‪.‬‬ ‫نزل املبعوث إىل قريش بمكة فأبلغهم اخلرب‪ ،‬فعزموا ىلع‬ ‫االستجابة الستنجاده!‬ ‫َ‬ ‫سفيان أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫يغي طريق قافلته‪ ،‬فاكن ذلك سببًا يف‬ ‫ثم بدا أليب‬ ‫َ‬ ‫حمم ًدا صىل اهلل عليهم وسلم وصحبَه‪ ،‬فأرسل إىل قريش‬ ‫عدم مالقاته ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يطمئنهم بسالمة قافلتهم‪ ،‬ويشري عليهم أن يق ّروا بمكة فال خيرجوا؛‬ ‫َ (((‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫إذ لم ُ‬ ‫يشء يقتيض منهم ذلك‪.‬‬ ‫هناك‬ ‫يعد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أدرك ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫يب ﷺ جناة قافلة أيب سفيان اعد مع من اكنوا معه‬ ‫ملا‬ ‫إىل املدين ِة‪.‬‬ ‫عمرو َ‬ ‫ّ‬ ‫أن أبا جهل َ‬ ‫تذكر ّ‬ ‫بن هشامٍ اكن قد ثارت يف‬ ‫ٍ‬ ‫الروايات‬ ‫حممد ﷺ ومن خرج‬ ‫احلمي ُة فأىب لقريش إ َّل اخلروج لقتال ّ‬ ‫ّ‬ ‫نفسه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اعبئني بتلك‬ ‫احتفايل ٍة‪ ،‬غري‬ ‫فتجهز القوم للخروج يف طقوس‬ ‫معه‪،‬‬ ‫((( ‪ -‬ابــن عبــد البــر‪ ،‬الـ ّـدرر يف اختصــار املغــازي والســير‪ ،‬حتقيــق شــوقي ضيــف‪ ،‬دار املعــارف‪ ،‬القاهــرة ط ‪ 1403 ،2‬هــ‪،‬‬ ‫ص ‪.104‬‬ ‫‪242‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اثلّلة القليل ِة من املسلمني‪ ،‬يف معرك ٍة أروا أنها حمسومة لصاحلهم ال‬ ‫َ‬ ‫حمالة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقد ّ‬ ‫الكريم ذلك يف قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬ولا تكونوا‬ ‫سجل القرآن‬ ‫الناس َو َي ُص ّدون عن سبيل‬ ‫َ‬ ‫ورئاء ّ‬ ‫بط ًرا‬‫ِين َخ َر ُجوا من ديارهم َ‬‫كالذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫حيط َو إذ َّ‬ ‫واهلل بما يَعملون ُم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫زي َن لهم الشيطان أعمالهم وقال‬ ‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫الفئتان‬ ‫جار لكم ّ‬ ‫فلما تراءت‬ ‫الناس وإنّي ٌ‬ ‫غالب لكم َ‬ ‫اليوم من ّ‬ ‫َ‬ ‫لا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫نكص على عقبيْه وقال إني بريء منكم إني أخاف اهلل واهلل شديد‬ ‫العقاب﴾ (األنفال‪.)74 :‬‬ ‫سفيان أن يكون‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫جمرد‬ ‫قريش كما أراد أبو‬ ‫ٍ‬ ‫خروج‬ ‫يعد‬ ‫لم‬ ‫نفريا ًّ‬ ‫صار ً‬‫الشام‪ ،‬ولكن َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫اعما لوأ ِد‬ ‫العائدة من‬ ‫دوري ٍة حلماية القافلة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫اذلين قبلوه واعتنقوه!‬ ‫بمحضنه اجلديد‪ ،‬مع حاتِه‬ ‫ِ‬ ‫ادلين اجلديد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫املكيني واقعة ال حمالة!‬ ‫آنئذ املواجهة مع جيش‬‫علِم ﷺ ٍ‬ ‫وادلين‬ ‫الظروف ‪-‬اليت تقتيض دوايع الفطرة والعقل ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف هذه‬ ‫دفاع عن أنفسهم ووطنهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يب وصحبه الكرام‬ ‫معا‪ -‬أن حيارب ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َّ‬ ‫ِين ُيقاتلون بِأن ُه ْم‬ ‫ُ‬ ‫قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬أذِن ل ِلذ‬ ‫نزل اإلذن بالقتال يف ِ‬ ‫ّ‬ ‫صرهِم لَ َقد ٌ‬ ‫ِير‬ ‫ُ ُ َ َّ َ َ َ ْ‬ ‫﴾(احلج‪.)39 :‬‬ ‫ظل ِموا وِإن اهلل على ن ِ‬ ‫‪243‬‬ ‫انلاس ما ال يلزمهم؛ إذ لم تكن‬‫يبﷺ باذلي يُلز ُم ّ‬ ‫لم يكن ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ابليعتان اللتان أخذهما من أهل يرثب ِإل حلمايته ومحاية دعوته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫اخلروج منها وجتاوز‬ ‫ِ‬ ‫ألفاظ وثيقة املدينة ال تشمل حالة‬ ‫ِ‬ ‫ظواهر‬ ‫كما أن‬ ‫حدودها‪.‬‬ ‫ذللك استشار عليه الصالة والسالم من اكن معه من أصحابه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫فتلكم باسم املهاجرين املقداد بن األسود‪ ،‬قال‪" :‬يا رسول اهلل ام ِض‬ ‫ل ِ َما أمرك اهلل فنحن معك"!‬ ‫ظلﷺ ينظر إىل األنصار (أصحاب األرض) ويقول‪« :‬أشريوا‬ ‫يلع أيها ّ‬ ‫انلاس»!‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫فقال هل سعد بن معاذ‪" :‬إيَّانا تريد يا رسول اهلل؟ واذلي نفيس‬ ‫ُ‬ ‫بيده‪ْ ،‬‬ ‫لو أمرتنا أن نيضها ابلحر ألخضناها‪ ،‬ولو أمرتنا أن نرضب‬ ‫َ‬ ‫(((‬ ‫أكبادها إىل بَرك الغماد لفعلنا"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫والس ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫كالم املهاجرين‬ ‫الم بعد سماعه‬ ‫الصالة‬ ‫أيقن عليه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واألنصار أنهم ف ِقهوا مغزى ابليعتني والوثيق ِة‪ ،‬وأن ثمرة املواطن ِة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ويع بأن‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬ ‫ا‬‫مجيع‬ ‫صدروا‬ ‫إذ‬ ‫أكلها؛‬ ‫تؤيت‬ ‫بدأت‬ ‫قد‬ ‫عليها‬ ‫بية‬‫والت‬ ‫((( ‪ -‬املقريزي‪ ،‬إمتاع األسماع‪.94/1 ،‬‬ ‫‪244‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ادلفاع عنها حدوده‪ ،‬فحيث َما ُوجد املرء‪،‬‬ ‫واجب ّ‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يتجاوز‬ ‫للوطن حرمة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُو ِج َد معه حب وطنه‪ ،‬وصاحبَه واجب ادلفاع عنه والغرية عليه!‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عبد اهلل ابن أم مكتوم ً‬ ‫استخلف رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫إماما يلصيل‬ ‫ثم سار جبيشه‬ ‫بانلاس يف املدينة‪ ،‬واستعمل عليها أبا بلابة األنصاري‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫‪-‬واكن عدده ثالثمائة وبضعة عرش رجل‪ ،-‬ولم يكن معهم من‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫اخليل ِإل ف َرسان‪ ،‬وسبعون بعريا‪ ،‬يعتقب الرجالن واثلالثة ىلع ابلعري‬ ‫الواحد!‬ ‫ّ ُ ّ‬ ‫(((‬ ‫ببدر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نزلوا‬ ‫حىت‬ ‫بهم‬ ‫الم‬ ‫والس‬ ‫مىض عليه الصالة‬ ‫السنة‬‫ويف يللة اجلمعة لسبع عرشة مضت من شهر رمضان‪ ،‬من ّ‬ ‫يترضعون إىل اهلل ّ‬ ‫عز‬ ‫ّ‬ ‫اثلّانية للهجرة‪ ،‬بات رسول اهلل ﷺ وصحابته‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وجل بادلاعء‪ ،‬يستنرصونه ويستغيثون به‪ ،‬واكنت يللة اغئمة أمطرت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ماء‪ ،‬فاستبرش ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫فيها ّ‬ ‫الس ُ‬ ‫يب ﷺ بذلك؛ وفيه نزل قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬إِذ‬ ‫اء ل ُِي َط ّه َر ُكمْ‬ ‫الس َما ِء َم ً‬ ‫ُ َ ّ ُ ُ ُّ َ َ َ َ َ ً ْ ُ َ ُ َ ّ ُ َ َ ْ ُ‬ ‫ك ْم م َِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫يغ ِشيكم النعاس أمنة مِنه وين ِزل علي‬ ‫ك ْم َو ُي َث ّب َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ت بِهِ‬ ‫ِ‬ ‫ان ول ِيربِط عل ٰى قل ِ‬ ‫وب‬ ‫بِهِ ويذهِب عنكم رِجز الشيط ِ‬ ‫ام﴾‪(.‬األنفال‪.)11 :‬‬‫الأقْ َد َ‬ ‫((( ‪ -‬سـ ّـميت بذلــك لوقوعهــا قــرب بئــر حفرهــا رجـ ٌـل ِغ َفـ ٌّ‬ ‫ـاري اســمه بــدر‪ ،‬انظــر‪ :‬الزبيــري‪ ،‬نســب قريــش‪ ،‬حتقيــق‪ :‬ليفــي‬ ‫بروفنســال‪ ،‬دار املعــارف‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ط‪ ،3.‬ص ‪.12‬‬ ‫‪245‬‬ ‫دارت رىح املعركة منذ اللحظات األوىل لصباح ايلوم ّ‬ ‫السابع‬ ‫عرش من رمضان‪ ،‬فثبت املسلمون مع رسول اهلل ﷺ يف ساحتها‪،‬‬ ‫قووا به إيمانَهم من صادق ّ‬ ‫ادلاعء‪ ،‬وما‬ ‫معنوياتهم بما ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد ارتفعت‬ ‫الغيث املدرار!‬ ‫ِ‬ ‫رأوه من هطول‬ ‫ّ َ ٌّ‬ ‫بقية ُس ِق َط‬ ‫ثم انتهت املعركة بانتصارهم‪َّ ،‬‬ ‫ففرت من القرشيني‬ ‫َ‬ ‫يف أيديهم‪ ،‬وأقام عليه الصالة والسالم ثالثة أيام يف بدر‪ ،‬ثم رجع‬ ‫إىل املدينة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫البد أن تكون ملوقعة بدر ُ‬ ‫نتائج‪ّ ،‬‬ ‫وأهم تلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫انلتائج‬ ‫ٍ‬ ‫حرب‬ ‫وكلك ٍ‬ ‫يب ﷺ أصحابه‬ ‫القريش‪ ،‬وقد استشار ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫أرس عد ٍد من أفراد اجليش‬ ‫يف أمرهم‪ ،‬فأشار أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه أن يأخذ منهم‬ ‫فدية من املال‪ ،‬فأخذ ﷺ برأيه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بعث أهل مكة يف فداء أرساهم‪َّ ،‬‬ ‫فمن رسول اهلل ﷺ ىلع عدد‬ ‫منهم ولم يأخذ فيهم فدية‪ ،‬فأسلم بعضهم بسبب ذلك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فاكن ذلك من عظمة ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫قبل أن‬‫يب الكريم ﷺ‪ ،‬كصنيعه حني ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الفداء من بعض األرسى تعليم أبناء املجتمع املدين كيف‬ ‫يكون‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫يكتبون ويقرؤون‪ ،‬فعلم لك واحد منهم عرشة من أوئلك األبناء‪.‬‬ ‫‪246‬‬ ‫اكن لقصة بدر وانتصار املسلمني فيها ٌ‬ ‫أثر كبري يف تقوية شوكتهم‬ ‫وإكسابهم اهليبة من لك عدو يرتبص بهم يف املدينة و ِمن حوهلا‪ ،‬بل‬ ‫اكن هلا أثر عظيم يف اتلاريخ‪ ،‬وذللك سماها اهلل تعاىل بيوم الفرقان‬ ‫ْ ُ ْ ُ ْ َ ْ ُ ْ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ٰ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ان‬ ‫يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬إِن كنتم آمنتم بِاللِ وما أنزلنا على عبدِنا يوم الفرق ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ َ ُ ّ َ‬ ‫الل عَل ٰى ك ِل ش ْي ٍء قدِيرٌ﴾‪(.‬األنفال‪.)41 :‬‬ ‫ان ۗ و‬ ‫َ ْ َ َْ َ َْ ْ َ‬ ‫يوم التقى الجمع ِ‬ ‫ً‬ ‫استعراضا للقدرات‬ ‫بدر عند املسلمني‬ ‫لم تكن موقعة ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العسكري ِة‪ ،‬وال ً‬ ‫دفاع عن حرمة‬ ‫بالقوة‪ ،‬وإنما اكنت‬ ‫أثرا لالغرتار‬ ‫انلفس والوطن ّ‬ ‫وادلين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫قريش من حماولة وأد ّ‬ ‫ادلعوة وقتل محلتها وأمنائها‪،‬‬ ‫لم تيأس‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فاكنت ألجل ذلك حتاول اغتنام لك فرص ٍة تراها ساحنة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫قد َم نفر من زعماء يهود بين ّ‬ ‫َ‬ ‫انلضري مكة يف‬ ‫وألمر أو آلخر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫السنة اخلامسة يستعدون أهل مكة ىلع ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫شوال من ّ‬‫ّ‬ ‫يب ﷺ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عربي ٍة‬ ‫ثم صنعوا مثل ذلك مع قبائل‬‫ويستدعونهم لقتاهل باملدينة‪ّ ،‬‬ ‫ُ ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أخرى‪ ،‬كغطفان‪ ،‬فاجتمعت بسبب ذلك جيوش عدةِ قبائل‪ ،‬ممعة‬ ‫أمرها ىلع مداهمة املدينة وحمارصتها واقتحامها‪ ،‬فيما ُس ّم "غزوة‬ ‫األحزاب"‪.‬‬ ‫‪247‬‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ُ‬ ‫خرب األحزاب وقريش‪ ،‬ندب املسلمني‬ ‫ملا بلغ‬ ‫وأخربهم اخلرب‪ ،‬وشاور هم يف األمر‪ :‬أيمكث باملدينة أم خيرج إيلهم؟‬ ‫ّ‬ ‫فاتفقوا ىلع ابلقاء يف املدينة واألخذ بمشورة سلمان الفاريس‬ ‫َ‬ ‫اقرتح حفر خندق حول املدينة تلحصينها‪،‬‬ ‫ريض اهلل عنه اذلي‬ ‫َ‬ ‫(((‬ ‫واالحتماء داخلها‪.‬‬ ‫شارك الرسول ﷺ الصحابة الكرام يف حفر اخلندق‪ ،‬وعمل‬ ‫املسلمون يف ذلك جمتهدين‪ ،‬وقد استغرق العمل يف ذلك ستة أيام‪.‬‬ ‫أقبلت األحزاب مع قريش وغريها من القبائل بمجمع يعرف‬ ‫ْ‬ ‫(((‬ ‫باألسيال‪ ،‬وخرج رسول اهلل ﷺ واملسلمون حىت نزلوا بظهر َسلع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فرضبوا عسكرهم‪ ،‬ووجد األحزاب اخلندق فاصل بينهم وبني جيش‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫املدينة فاحتاروا؛ إذ لم يكن ذلك من خطط احلرب اليت خربوها‬ ‫ُ‬ ‫قبل!‬ ‫َ‬ ‫ذهب زعيم بين انلضري ُحيي بن أخطب يستميل بين قريظة‬ ‫ّ‬ ‫مبدئية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يلنضموا إىل قريش وحلفائها‪ ،‬فما بلثوا أن وافقوا بعد ممانعة‬ ‫وبتلك املوافقة نقضوا العهد اذلي اكن بينهم وبني رسول اهللﷺ!‬ ‫((( ‪ -‬املقريزي‪ ،‬إمتاع األسماع‪.266/9 ،‬‬ ‫((( ‪ -‬احللبي‪ ،‬إنسان العيون‪.421/2 ،‬‬ ‫‪248‬‬ ‫ّ‬ ‫بالعدو من أمامهم ومن خلفهم‪،‬‬ ‫وجد املسلمون َ‬ ‫أنفسهم حماطني‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫واشتد ابلالء عليهم‪ ،‬وانتابهم اخلوف ىلع مصري نسائهم وأوالدهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أقام رسول اهلل ﷺ بضعا وعرشين يللة‪ ،‬لم يكن بينه وبني‬ ‫ّ‬ ‫األحزاب حرب إِل الريم بانلبل واحلصا‪ ،‬ما خال ما اكن من بعض‬ ‫ضيقة منه‪ ،‬فردهم‬ ‫َ‬ ‫اقتحام اخلندق من جهة ّ‬ ‫الرجال اذلين حاولوا‬ ‫املسلمون ىلع أعقابهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫لم تنفرج كربة األحزاب ِإل بعد أن ساق اهلل رجال من غطفان‪،‬‬ ‫اسمه نعيم بن مسعود بن اعمر األشجيع‪ ،‬جاء معلنا إسالمه لرسول‬ ‫َ‬ ‫اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬إين قد أسلمت‪ ،‬وإن قويم لم يعلموا بإساليم‪ ،‬ف ُم ْرين‬ ‫عنا ما‬‫خذ ْل ّ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ﷺ‪:‬‏ «إنما أنت رجل واحد‪ ،‬ف‬ ‫ما شئت‪ ،‬فقال رسول اهلل ‏‬ ‫استطعت‪ ،‬فإن احلرب خدعة‏»‪.‬‏‬ ‫(((‬ ‫استطاع نعيم بسياسة ودهاء أن يزعزع ثقة األحزاب فيما بينهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الش َ‬ ‫تلقاء بعض‪.‬‬ ‫كوك يف نفوس بعضهم‬ ‫فأثار‬ ‫ذهب إىل بين قريظة فأقنعهم بعدم القتال مع قريش وغطفان‬ ‫حىت يعطوهم رهائن‪ ،‬ثم مىض إىل قريش وقال هلم‪ :‬إن يهود قد ندموا‬ ‫((( ‪ -‬البيهقي‪ ،‬دالئل النّبوة‪ ،‬حتقيق عبد املعطي قلعجي‪ ،‬ط ‪.446-445/3 ،1988 ،1‬‬ ‫‪249‬‬ ‫ىلع نقض العهد‪ ،‬وأنهم سيطلبون منكم رهائن يقومون بدفعها‬ ‫ملحمد‪ ،‬وذهب إىل غطفان فقال هلم مثل ذلك‪ ،‬فلما بعثت األحزاب‬ ‫َ‬ ‫وقريش إىل ايلهود ألجل قتال حممد طابلوهم بِ َرهائِ َن‪ ،‬فاكن الطلب‬ ‫سببًا يف تصديق قريش وغطفان كالم نعيم!‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وبرفض قريش وغطفان طلب يهود صدق هؤالء أيضا قول‬ ‫نعيم‪ ،‬فتخاذل الفريقان‪ ،‬ودبَّت فيهم الفرقة‪ ،‬وخارت عزائمهم‪.‬‏‬ ‫(((‬ ‫اتل ّ‬ ‫يب ﷺ ‪-‬مع االستعانة حبيل ِة نُعيم‪َ -‬‬ ‫كثري ّ‬ ‫َ‬ ‫اكن ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫وجه إىل‬ ‫ٍ‬ ‫وقد‬ ‫تاب‪ ،‬س َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِّ َ‬ ‫ّ‬ ‫يع احلساب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ربه بادلاعء ىلع األحزاب؛ يقول‪ :‬‏‏«امهلل من‬ ‫ْ‬ ‫(((‬ ‫ِاه ِزمِ األحزاب‪ ،‬امهلل اهزمهم وزلزهلم‏»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قائلني‏‪:‬‏ ‏‏«‏امهلل اسرت‬ ‫وكذلك اكن املسلمون يدعون اهلل تعاىل‬ ‫ْ‬ ‫عوراتنا وآمن رواعتنا‏»‪.‬‏‬ ‫(((‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫تؤك ُد تفاصيل غزوة األحزاب طبيعة املعارك اليت اقتضت‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫والس ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫الة ّ‬ ‫ُ‬ ‫ورة من ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ّ‬ ‫خوضها‪ ،‬ويه كونها عبارة‬ ‫الم‬ ‫يب عليه الص‬ ‫الض‬ ‫انلفس والوطن ّ‬ ‫وادلين!‬ ‫دفاعي ٍة‪ ،‬اغيتها محاية ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن حروب‬ ‫((( ‪ -‬التيمي‪ ،‬سيرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫((( ‪ -‬متفق عليه من حديث عبد اهلل بن أبي أوفى رضي اهلل عنهما‪.‬‬ ‫((( ‪ -‬الدياربكري‪ ،‬تاريخ اخلميس ‪.491/1 ،‬‬ ‫‪250‬‬ ‫القيم واألخالق ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ ُ ّ ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهم‬ ‫الم أن‬‫كما أكدت هل عليه الصالة والس‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫باملواثيق والعهود‪ ،‬وأنه مىت نقضت اكن من احلزم‬ ‫ِ‬ ‫ضامن للوفاء‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫آنئذ ِإل‬ ‫استعمال احلنكة وادلهاء؛ إذ ال يكون اتلمسك باملواثيق ٍ‬ ‫رضبا من ّ‬ ‫السذاجة والغباء!‬ ‫ً‬ ‫كراهية ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن تعاقب األحداث ّ‬‫ّ‬ ‫حممد‬ ‫ادلال ِة ىلع حرص قريش ىلع‬ ‫ﷺ وحماربته ّ‬ ‫والسيع يف القضاء عليه‪ ،‬لم يكن يلثنيه عن مبادئه‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يل مكة؛ ذللك عزمﷺ ىلع االعتمار يف‬‫وقيمه وعن وفائه لوطنه األص ّ‬ ‫السنة ّ‬ ‫السادسة من اهلجرة‪ ،‬يف شهر ذي القعدة منه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫اكن عليه ّ‬ ‫الصالة ّ‬ ‫والسالم قد أري يف املنام أنه دخل هو وأصحابه‬ ‫املسجد احلرام آمنني حملقني رؤوسهم ومقرصين ال خيافون‪ ،‬فأخرب‬ ‫املسلمني بذلك‪ ،‬وخرج اجلمع يوم االثنني غرة ذي القعدة من السنة‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وأربعمائ ٍة‪ ،‬وساقوا األنعام يلنحروها هدايَا عقب‬ ‫املذكورة‪ ،‬واكنوا ألفا‬ ‫اعتمارهم؛ يلعلم ّ‬ ‫انلاس أنه لم خيرج حماربا وإنما خرج معتمرا‪.‬‬ ‫السنة أن يواصل سياسة‬‫اكن من مقاصد اعتماره ﷺ يف هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫والسالم‪ ،‬ولم يكن يرى شيئًا ّ‬ ‫ايلد املمدودة ّ‬ ‫للصلح ّ‬ ‫مما مارسوه ضده‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫مسوغ أن يتخل‬ ‫من ماكيد ودسائس وحماوالت القتل واالستئصال‬ ‫‪251‬‬ ‫ومقص ُد مقاصدها!‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أساس دعوته‬ ‫عن مبادئه اليت يؤمن بها‪ ،‬واليت يه‬ ‫ملا وصل الرسول ﷺ ُع ْسفان بلغه أن قريشا وحلفاءها أمجعوا‬ ‫ىلع منعه من دخول مكة‪ ،‬وبعثت خادل بن الويلد بمائيت فارس ألجل‬ ‫َّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فسلك ﷺ بأصحابه طريقا و ِعرة‪ ،‬فما اكن من خادل ِإل أن‬ ‫(((‬ ‫الصالة ّ‬ ‫والسالم‪.‬‬ ‫رجع وأخرب قريشا بصنيع حممد عليه ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫لم تملك قريش إِل أن تستجوبه ﷺ عن سبب قدومه مكة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فأخرب مبعوثهم أنه لم يأت حماربا وأنه إنما جاء زائرا للبيت ومعتمرا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أرغب منه يف احلرب‪.‬‬ ‫وأنه يف ّ‬ ‫الصلح‬ ‫الس ُ‬ ‫فخشوا أن يكون ّ‬ ‫ُ‬ ‫ماح‬ ‫قريش‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫رجع املبعوث باخلرب إىل‬ ‫ملحمد بمراده ُس ّب ًة هلم بني العرب ّ‬ ‫يعيون بها؛ قالوا ‪ :‬واهلل ال يدخلها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫علينا عنوة أبدا‪ ،‬وال حتدث عنا العرب أبدا!‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم توالت رسلهم الستطالع حقيقة األمر ومنتىه ما تعلق به‬ ‫شري عليهم إ َّل ّ‬ ‫باتلخلية بينه‬ ‫الرسل ت ُ ُ‬ ‫يب الكريم‪ ،‬فلم تكن ّ‬ ‫قصد ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ِ‬ ‫وبني ما قصد إيله‪.‬‬ ‫بعث عليه ّ‬ ‫الصالة ّ‬ ‫والسالم ‪-‬بدوره‪ -‬عثمان بن عفان إىل قريش‬ ‫((( ‪ -‬الكالعي‪ ،‬االكتفاء‪.464/1 ،‬‬ ‫‪252‬‬ ‫يلؤكد هلم أنه إنما يريد زيارة بيت اهلل احلرام‪ ،‬وأنه ال نية هل يف القتال‪،‬‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫بما حل‪ ،‬وعرضوا عليه الطواف بابليت‪ ،‬لكنه‬ ‫فبلغ عثمان قريشا‬ ‫رفض ورسول اهلل ﷺ ممنوع‪.‬‬ ‫َ ُ َ ّ ُ َ‬ ‫حبست قريش عثمان وأشيع أنه قتل‪ ،‬فاكدت احلرب تنشب‬ ‫بني الفريقني بسبب ذلك‪.‬‬ ‫(((‬ ‫حت‬ ‫انلاس إىل ابليعة‪ ،‬فأقبلوا عليه يبايعونه ىلع القتال ّ‬ ‫داع ﷺ ّ‬ ‫ََ‬ ‫الرضوان"‪ ،‬وفيها نزل قوهل تعاىل‪﴿ :‬لق ْد َر ِض َي‬ ‫فسميت "بيعة ّ‬ ‫املوت‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ‬ ‫الل َعن ال ُمؤ ِمن َ‬ ‫ج َرة ِ ف َعل َِم َما فِي قلوب ِ ِه ْم‬ ‫ت الش َ‬ ‫ك تح َ‬ ‫ِين إِذ يبايِعون‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ ً َ‬ ‫فأنزل السكِينة علي ِهم وأثابهم فتحا ق ِريبا﴾ (الفتح‪.)18 :‬‬ ‫سارعت قريش ‪-‬بعد أن بلغها نبأ ابليعة‪ -‬ببعث سهيل بن‬ ‫عمرو ألجل عقد الصلح‪ ،‬وجرى بينه وبني رسول اهلل ﷺ كالم‬ ‫طويل انتىه بعقد الصلح ىلع الرشوط اآلتية‪:‬‬ ‫َ‬ ‫أوزارها بني الفريقني عرش سنني‪.‬‬ ‫‪ -‬أن تضع احلرب‬ ‫‪ -‬أن يرجع الرسول ﷺ يف هذا العام دون دخول مكة‪ ،‬ويدخلها‬ ‫العام القادم‪ ،‬فيقيم ثالثة أيام‪.‬‬ ‫((( ‪ -‬السهيلي‪ ،‬ال ّر ْوض ُ‬ ‫األنُف‪.64/7 ،‬‬ ‫‪253‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬أنه من أحب من قبائل العرب أن يدخل يف عهد حممد دخل‬ ‫فيه‪ ،‬ومن أحب أن يدخل يف عهد قريش دخل فيه‪.‬‬ ‫وقد دخلت خزاعة يف حلف رسول اهللﷺ‪ ،‬ودخلت بنو بكر‬ ‫يف حلف قريش‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬أن من أىت حممدا من قريش هاربا وجب عليه رده عليهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومن جاء قريشا من أتباع حممد هاربا لم جيب عليهم رده عليه‪.‬‬ ‫ونص هذا الصلح ما يأيت‪" :‬هذا ما صالح عليه حممد بن عبد‬ ‫ّ‬ ‫انلاس عرش‬‫اهلل وسهيل بن عمرو‪ ،‬اصطلحا ىلع وضع احلرب عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنني‪ ،‬يأمن فيهن ّ‬ ‫انلاس‪ ،‬ويكف بعضهم عن بعض‪ ،‬ىلع أنه من‬ ‫ويله رده عليه‪ ،‬ومن أىت قريشا ّ‬ ‫حممدا من قريش بغري إذن ّ‬ ‫ً‬ ‫ممن‬ ‫أىت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مع حممد لم يردوه عليه‪ ،‬وأن بيننا عيبة مكفوفة‪ ،‬وأنه ال ِإسالل وال‬ ‫ِإغالل‪ ،‬وأنه من أحب أن يدخل يف عقد حممد وعهده دخل فيه‪،‬‬ ‫ومن أراد أن يدخل يف عقد قريش وعهد قريش وعهدهم دخل فيه‪...،‬‬ ‫وأنك ترجع عنا اعمك هذا‪ ،‬فال تدخل علينا مكة‪ ،‬وأنه إذا اكن اعم‬ ‫قابل خرجنا عنها فدخلتها بأصحابك‪ ،‬فأقمت بها ثالثا‪ ،‬معك سالح‬ ‫الراكب‪ ،‬السيوف يف القرب‪ ،‬ال تدخلها بغريها"‪.‬‬ ‫‪254‬‬ ‫فبينا رسول اهللﷺ يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو؛ إذ‬ ‫جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف يف احلديد‪ ،‬قد انفلت إىل‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد اكن أصحاب رسول اهلل ﷺ خرجوا وهم ال‬ ‫يشكون يف الفتح‪ ،‬لرؤيا رآها رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلما رأوا ما رأوا من‬ ‫الصلح والرجوع وما حتمل عليه رسول اهلل ﷺ يف نفسه‪ ،‬دخل ّ‬ ‫انلاس‬ ‫يف ذلك عليهم أمر عظيم حىت اكدوا يهلكون‪ ،‬فلما رأى سهيل أبا‬ ‫جندل قام إيله ورضب وجهه وأخذ بتلبيبه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا حممد قد حلت‬ ‫القضية بيين وبينك قبل أن يأتيك هذا‪ ،‬قال‪« :‬صدقت» فجعل يبزته‬ ‫بتلبيبه وجيره لريده إىل قريش‪ ،‬وجعل أبو جندل يرصخ بأىلع صوته‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ ُّ‬ ‫"يا معرش املسلمني‪ ،‬أرد إىل املرشكني يفتنوين يف ديين"‪ ،‬فزاد انلاس‬ ‫ذلك إىل ما بهم‪ ،‬فقال رسول اهللﷺ‪« :‬يا أبا جندل اصرب واحتسب‪،‬‬ ‫فإن اهلل جاعل لك وملن معك من املستضعفني فرجا وخمرجا‪ ،‬إنا قد‬ ‫عقدنا بيننا وبني القوم صلحا‪ ،‬وأعطيناهم ىلع ذلك وأعطونا عهد‬ ‫اهلل‪ ،‬وإنا ال نغدر بهم»‪.‬‬ ‫(((‬ ‫الصلح ّ‬ ‫حت أنكرها‬ ‫يطلعون ىلع رشوط هذا ّ‬‫لم يكد املسلمون ّ‬ ‫ً‬ ‫اعرتاضا ىلع إبرام ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫يب ﷺ هلا وقبوهل بها‪ ،‬ولكن ملا‬ ‫بعضهم‪ ،‬ال‬ ‫فيها من رضر وعدم إنصاف!‬ ‫((( ‪ -‬ابن هشام‪ ،‬السيرة النبوية‪.318/2 ،‬‬ ‫‪255‬‬ ‫فدخلهم بذلك أمر عظيم‪ ،‬واكن صدهم عن الطواف بابليت‬ ‫ّ‬ ‫أشد تأثريا يف قلوبهم‪ ،‬وىلع رأسهم عمر بن اخلطاب‪ ،‬اذلي سأل رسول‬ ‫َ‬ ‫إنكار واستفهام‪ ،‬فاكن من مجلة ما قاهل رسول اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫أسئلة‬ ‫اهلل ﷺ‬ ‫َّ‬ ‫يومئذ‪« :‬واهلل ال يسألونين خطة يعظمون فيها حرمات اهلل إِل‬ ‫ٍ‬ ‫ﷺ‬ ‫(((‬ ‫أعطيتهم إياها»‪.‬‬ ‫لقد رأى املسلمون يف رشوط الصلح تنازال‪ ،‬وأما الرسول فرأى‬ ‫فيها فتحا ونرصا‪ ،‬وكذلك اكن؛ فقد نزلت عليه وهو يف الطريق سورة‬ ‫ّ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫ك َفتْ ًحا ُمب ً‬ ‫ينا﴾ (الفتح‪ )1 :‬تبش بانلرص‬‫ِ‬ ‫الفتح اليت أوهلا‪﴿ :‬إِنا فتحنا ل‬ ‫املبني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بذلك ُ‬ ‫بعد‪ ،‬كما ّ‬ ‫ّ‬ ‫قرت عيونهم بمحمود ما‬ ‫وقد اطمأنت نفوسهم‬ ‫ّ‬ ‫ترتب عليه من العواقب‪.‬‬ ‫الفوائد والعرب‬ ‫اشتمل هذا الفصل من ّ‬ ‫السرية العطرة ىلع مجلة من الفوائد‬ ‫والعرب نُ ّ‬ ‫فصلها فيما يأيت‪:‬‬ ‫((( ‪ -‬ابن حزم‪ ،‬جوامع السيرة‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫‪256‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬مقصدية القيم يف اإلسالم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫والس ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫الة ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ّ‬ ‫انتصب يف مقام‬ ‫الم ‪-‬اذلي‬ ‫يب عليه الص‬ ‫ذلك‬ ‫وجل من عباده‪ -‬لم تكن ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫حتراكته‬ ‫اهلداي ِة إىل حقيقة مراد اهلل عز‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫وجتسيدا ملا يتسق معها‬ ‫وأفعاهل طيلة حياته ِإل امتثال ملقتىض القيم‬ ‫من أنماط ّ‬ ‫اتلعامل واملخالقة‪.‬‬ ‫فهو ﷺ دائم ّ‬ ‫السيع يف سبيل إعالء القيم وترسيخ مقتىض اإليمان‬ ‫بها يف ّ‬ ‫انلفوس‪ ،‬وذلك بلسان احلال قبل لسان املقال‪.‬‬ ‫رأيناه يف هذا الفصل من سريته ﷺ ينشد حتقيق قيمة العدالة‬ ‫ّ‬ ‫فيتمتعوا بما‬ ‫خبروجه إىل بدر؛ إذ لم يكن لقريش أن خيلو هلم ّ‬ ‫اجلو‬ ‫ٍ‬ ‫غصبوا من أموال املهاجرين وأرزاقهم‪ ،‬فيتاجروا بها ويستفيدوا من‬ ‫ُ‬ ‫يدرك قيمة الوفاء بالعهود‪،‬‬ ‫اعئداتها دونهم‪ ،‬كما رأيناه يف غزوة األحزاب‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫مرة ثاثلة يف صلح‬ ‫وأن نقضها أعظم خيانة ىلع اإلطالق‪ ،‬كما رأيناه‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أحب‬ ‫لح إىل من اكن هالكه وفشل دعوته‬ ‫احلديبية يمد يده بالص ِ‬ ‫جاء ًّ‬ ‫دام ّ‬ ‫الر ُ‬ ‫بالشوط املجحفة ما َ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قويا يف‬ ‫إيلهم من لك يشء‪ ،‬ويقبل‬ ‫َ‬ ‫وينعم ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أن َ‬ ‫تعصم ّ‬ ‫انلاس‬ ‫األرحام‪،‬‬ ‫وتضع احلرب أوزارها‪ ،‬وتوصل‬ ‫ادلماء‬ ‫ْ‬ ‫باألمن واالستقرار‪.‬‬ ‫‪257‬‬ ‫ُ‬ ‫تقديره للقيم‪ ،‬وحرصه‬ ‫ّ‬ ‫شخصيته ﷺ‬ ‫فاكن من جوانب عظمة‬ ‫اتلوافق ّ‬ ‫واتلحالف عليها؛ إذ بها دوام استقرار‬ ‫ىلع تفعيلها‪ ،‬وسعيه إىل ّ‬ ‫املجتمعات وأمن األوطان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫‪ -‬أن للسلم يف سلم القيم مرتبة عليا‪ ،‬فهو أسىم من لك القيم‬ ‫ً‬ ‫مجيعا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ّ‬ ‫حاضن هلا‪ ،‬ال وجود هلا بدونه‪ ،‬ومىت اختل اعد أثر ذلك‬ ‫ذلك أنه‬ ‫عليها ّ‬ ‫بانلقض واإلبطال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذللك نظرت إيله الشيعة نظرتها إىل لك ّيات املقاصد‪ ،‬فجعلته‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫رشطا تلحققها‪.‬‬ ‫َْ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫يستعمل‬ ‫خمتصا بتعبري لم‬ ‫وذللك ورد األمر به يف القرآن الكريم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ََ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫سواه من تكايلف الشيعة؛ قال تعاىل‪﴿ :‬يأيها ا لذِين آمنوا‬ ‫فيما‬ ‫ّ ْ َ َّ ً‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫السِل ِم كافة﴾ (ابلقرة‪.)208 :‬‬ ‫ادخلوا فِي‬ ‫ً‬ ‫احتماء به من‬ ‫المؤمنون ّ‬ ‫بادلخول فيه؛‬ ‫حصن أُمر ُ‬ ‫ٌ‬ ‫فكأن ّ‬ ‫الس َ‬ ‫لم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سائر ما من شأنِه أن يكد َر صفو عيشهم من فنت احلروب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ضده وهو احلرب‪ً ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫األمر ّ‬‫َ‬ ‫ّ َّ‬ ‫معبا عنه‬ ‫بانليه عن‬ ‫ثم أكد هذا‬ ‫‪258‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫باتباع طريق الشيطان‪ ،‬اليت ال جيادل أحد يف سوء اعقبتها؛ قال تعاىل‪:‬‬ ‫َّ ُ َ ُ‬ ‫ك ْم َع ُد ٌّو ُّمب ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫لا تَ َّتب ُعوا ُخ ُط َو ِ َّ ْ َ‬ ‫ين﴾(ابلقرة‪.)208 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ان إِنه ل‬ ‫ات الشيط ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿و‬ ‫ادلخول يف ّ‬ ‫يب ﷺ بامتثال أمر ّ‬ ‫وقد جتل ِعظم اعتناء ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫ّ‬ ‫السلم‬ ‫يف مواقف عديدةٍ منها موقفه من صلح احلديبية حني أنكر عليه‬ ‫َ‬ ‫بعض ّ‬ ‫الصحابة القبول ببعض رشوطها املجحفة؛ فقال‪« :‬واهلل ال‬ ‫َّ‬ ‫(((‬ ‫يسألونين خطة يعظمون فيها حرمات اهلل إِل أعطيتهم إياها»‪.‬‬ ‫وذلك من عظيم حنكته ﷺ وعمق تقديره لعواقب األمور؛ وقد‬ ‫صدق من قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ ُ َ ْ ُ ُ ْ َ َ‬ ‫السلم تأخذ مِنها ما ر ِضيت ب ِ ِه‬ ‫َ َْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ال ْرب يك ِفيك مِن أه َوال ِها ج َرع‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أوسع للمجتمعات من دائرة ّ‬ ‫َ‬ ‫السلم‪ ،‬ففيها يهنأ العيش‬ ‫يشء‬ ‫فال‬ ‫ويكون لإلنسان ً‬ ‫معن!‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫أن ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ابتدائية مقصودا بها‬ ‫حروبا‬ ‫سم بالغزوات لم يكن‬ ‫‪.3‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫انلفوس‪،‬‬‫وإهالك ّ‬ ‫انتهاك ُح َرم األع َراض واألوطان‪ ،‬وال إزهاق األروح‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫دفاعي ًة اقتضها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الضورة‪.‬‬ ‫وإنما اكنت تدابري‬ ‫((( ‪ -‬ابن حزم‪ ،‬جوامع السيرة‪ ،‬ص ‪.164‬‬ ‫‪259‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫أمر غزوةٍ إِل وقد سبقها عدوان من أعداء‬ ‫فلم يكن قط من ِ‬ ‫وائر ىلع ّ‬ ‫ادلوام‪.‬‬ ‫يرتبصون ّ‬ ‫ادل َ‬ ‫ّ‬ ‫ادلعوة‪ ،‬اذلين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َومجيع تلك الغزوات إنما اكنت ىلع هذه الشالكة من غري استثناء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يؤكد ذلك ما يف آيات القتال من ّ‬ ‫ّ‬ ‫اتلرصيح بكونه إنما‬ ‫ومما‬ ‫اللِ الَّذ َ‬ ‫ِين‬ ‫َّ‬ ‫يل‬ ‫ب‬ ‫﴿وقَات ِلُوا في َ‬ ‫س‬ ‫لرد العدوان؛ كقول اهلل تعاىل‪َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫شع‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِين﴾ (ابلقرة‪.)190 :‬‬ ‫الل لَا ُيحِ ُّ‬ ‫ب ال ْ ُم ْع َتد َ‬ ‫ك ْم َولَا َت ْع َت ُدوا ۚ إ َّن َّ َ‬ ‫َُ ُ َ ُ‬ ‫يقات ِلون‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫صيغة املفاعلة يف قوهل‪( :‬وقاتلوا) من ّ‬ ‫ومن اجل ّ‬ ‫ادلاللة‬ ‫يل ما تفيده‬ ‫ّ‬ ‫املتوقع من األعداء‪ ،‬فذلك ٌ‬ ‫رشط‬ ‫ىلع سبق حصول العدوان الواقع أو‬ ‫قتال!‬ ‫ّ ِّ‬ ‫يف مرشوعي ِة أي حمارب ٍة أو ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذلك اكن ُ‬ ‫القتال إنما هو حصول العدوان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مرشوعية‬ ‫مناط‬ ‫وألجل‬ ‫ويل األمر‪ ،‬اذلي يمثله اآلن رئيس‬ ‫تعينُه بأمر اإلمام ّ‬ ‫ومن رشوطه ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ادلولة‪ ،‬فال جيب جهاد وال قتال ِإل بأمره‪.‬‬ ‫يب ﷺ يف غزواته هذا املعىن؛ إذ لم يكن‬ ‫وقد علّمنا هدي ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫الصالة ّ‬ ‫والسالم‪،‬‬ ‫مجايع إ َّل بأمر منه عليه ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فردي أو‬ ‫يسمح ّ‬ ‫بأي قتال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وبعد تقديره ملا يمكن أن يرتتب عليه من مصالح ومفاسد‪.‬‬ ‫‪260‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ أهم ّية االستشارة يف مهمات األمور‪.‬‬ ‫بلدر‪ ،‬وعند علمه بمداهمة‬ ‫فقد رأيناه ﷺ يستشري قبل اخلروج ٍ‬ ‫ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫احلديبية‪ ،‬فدل ذلك‬ ‫األحزاب املدينة‪ ،‬وعند مسريه للعمرة اعم صلح‬ ‫ىلع تواضعه ﷺ‪ ،‬وىلع حزمه وعزمه‪ ،‬وحسن تقديره ّ‬ ‫ملهمات األمور‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫واملشورة من أهم جمايل قيمة األمانة؛ إذ «املستشار مؤتمن»‪ ،‬فال‬ ‫ُ ّ ُ َّ‬ ‫أمني!‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫ل‬ ‫حيسن تطلبها إِ‬ ‫إثقال وال إعنات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الوفاء بااللزتامات والعهود من غري‬ ‫فاملسلمون عند رشوطهم‪ ،‬واهلل تعاىل أمر بالوفاء بالعهود فقال‪:‬‬ ‫َ َ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫آم ُنوا أ ْوفوا بِال ُعقودِ﴾ (املائدة‪.)1 :‬‬ ‫﴿يَأ ُّي َها الذين‬ ‫ُ‬ ‫استيفاء ما فوق مقتىض العهود‪ ،‬وال‬ ‫وليس من الوفاء يف يشء‬ ‫ٌ‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫إثقال املعاهدين بما لم ي ّتفق عليه حال عقدها؛ فإن ذلك إعنات بهم‬ ‫ٌ‬ ‫وحتريج عليهم‪.‬‬ ‫يب ﷺ يسأل صحابته عن رأيهم قبل أن خيرج‬ ‫ذللك رأينا ّ‬ ‫انل ّ‬ ‫حت ال يكون إخراجهم بمثابة إلزامٍ هلم بما لم يلزتموا به‪.‬‬ ‫بلدر؛ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ِظم ما للعلم من أهم ّي ٍة يف اإلسالم‪.‬‬ ‫‪261‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫العلم‬ ‫فداء لألرسى‪ ،‬فاكن‬ ‫عليم‬ ‫يتبي ذلك يف قبوهل ﷺ باتل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫أحد ُّ‬ ‫قط يف تعظيم قدر العلم وتعليمه‬ ‫للحر ّية‪ ،‬ولم يبلغ‬ ‫ّ‬ ‫ثمنًا عديل‬ ‫هذا املبلغ!‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫حممد ﷺ ُ‬ ‫الصنيع من ّ‬ ‫إن هذا ّ‬ ‫جند فيه ما حي ِف ُزنا ىلع اجلديّة يف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ ّ َ‬ ‫تلتسن َم‬ ‫العدةِ لغ ٍد‪ ،‬وبه ترتيق األمم‬ ‫ً‬ ‫وأداء‪ ،‬فهو نعم‬ ‫سبيل العلم َطلبًا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫املجد واحلضارة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ذ َرى‬ ‫ّ‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬ ‫أن اإليمان ملتجأ املؤمن حال نزول امللمات به‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ذلك حسن ّ‬ ‫توجه‬ ‫فإذا دهمته اخلطوب‪ ،‬احتىم بإيمانه‪ ،‬وأمارة‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ربه َّ‬ ‫ّ‬ ‫بادلاعء إىل ّ‬ ‫عز وجل؛ تصديقا بوعده إذ قال يف حمكم كتابه‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ََْ ْ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ ُّ ُ ُ ُ‬ ‫جب لكم﴾ (اغفر‪.)60 :‬‬ ‫﴿وقال ربكم ادعونِي أست ِ‬ ‫ً‬ ‫إل ّ‬ ‫َ ّ َ َ‬ ‫والس ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ربه‪ ،‬جاعل‬ ‫الم دائم اللج ِإ‬ ‫الصالة‬ ‫وقد اكن عليه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫وعدته‪ ،‬وأخ ِل ْق بمن اكن كذلك أن يعيش آمنًا‬ ‫تعويله عليه زاده‬ ‫ً‬ ‫سعيدا!‬ ‫‪262‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser