PDF: اضطرابات النمو: التوحد، التربية الخاصة

Summary

يتناول هذا المستند الفصل الخامس من علم نفس ذوي الاحتياجات الخاصة‪ ،‬ويغطي قضايا مثل اضطرابات النمو‪ ،‬بما في ذلك اضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وصعوبات التعلم‪ . ويستكشف أيضًا استراتيجيات التدخل والتعليم لتقديم الدعم للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة‪.

Full Transcript

‫الفصل الخامس‬ ‫االض رابات النمائية‬ ‫مقدمة ‪:‬‬ ‫تُعدّ االضطرابات النمائية من القضايا المحورية في مجال التربية الخاصة‪ ،‬حيث تؤثر على مسارات النمو‬ ‫الطبيعي لألطفال في م...

‫الفصل الخامس‬ ‫االض رابات النمائية‬ ‫مقدمة ‪:‬‬ ‫تُعدّ االضطرابات النمائية من القضايا المحورية في مجال التربية الخاصة‪ ،‬حيث تؤثر على مسارات النمو‬ ‫الطبيعي لألطفال في مجاالت متعددة‪ ،‬مثل النمو العقلي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬واالنفعالي‪ ،‬واللغوي‪ ،‬والحركي‪.‬‬ ‫وتشمل هذه االضطرابات طيفًا واسعًا من الحاالت‪ ،‬مثل اضطراب طيف التوحد‪ ،‬واضطراب فرط الحركة‬ ‫وتشتت االنتباه‪ ،‬واضطرابات صعوبات التعلم‪ ،‬واضطرابات النمو الشاملة‪ ،‬وغيرها من الحاالت التي تؤثر‬ ‫على األداء اليومي والتكيف االجتماعي واألكاديمي للفرد‪.‬‬ ‫ويكتسب االهتمام بهذه االضطرابات أهمية كبيرة في التربية الخاصة‪ ،‬حيث يتطلب األمر استراتيجيات‬ ‫تعليمية وتأهيلية مخصصة لمساعدة هؤالء األطفال على تحقيق أقصى إمكاناتهم‪.‬كما تلعب التشخيصات‬ ‫دورا حاس ًما في تحسين فرص التعلم واالندماج االجتماعي لهم‪.‬ومن هنا‪ ،‬يأتي‬ ‫المبكرة والتدخالت الفعالة ً‬ ‫دور األسرة‪ ،‬والمعلمين‪ ،‬والمتخصصين في تصميم وتنفيذ برامج تربوية تتناسب مع احتياجاتهم الفريدة‪،‬‬ ‫مما يسهم في تعزيز جودة حياتهم وتمكينهم من المشاركة الفعالة في المجتمع‪.‬وفيما يلى عرض لبعض هذه‬ ‫األطضرابات‬ ‫أوال ‪ :‬اضطراب التوحــــــــــد‬ ‫إن النمو العقلي والجسدي قد ينمو بصورة غير طبيعية متخذا أشكاال عديدة‪ ،‬ومؤديا في بعض األحيان إلى‬ ‫مشكالت سلوكية‪ ،‬ويعد اضطراب (التوحد) أحد األشكال التي يتضح من خاللها النمو غير الطبيعي‪ ،‬ولهــذا‬ ‫يــوضع تحت فئة من االضطرابات تسمى االضطرابات النمائية الشــاملة ‪Pervasive Developmental‬‬ ‫‪130‬‬ ‫)‪.Disorders (PDDs‬ويثير االضطراب التوحدي)‪ )Autistic Disorder‬تساؤالت عديدة وعالمات‬ ‫استفهام كثيرة منذ اكتشافه وحتى اآلن‪ ،‬حول كيفية اإلصابه به‪ ،‬مظاهره أو أعراضه‪ ،‬أسبابه الغامضة التي‬ ‫احتار العلماء في وضع توصيف موحد لها حتى اآلن‪.‬‬ ‫ويعد التوحد أكثر االضطرابات النمائية صعوبة وتعقيدا‪ ،‬ألنه يؤثر علي كثير من مظاهر نمو الطفل‬ ‫ويؤدي به إلى االنسحاب واالنغالق على الذات‪ ،‬مما يضعف اتصال الطفل بعالمه المحيط‪ ،‬ويجعل من‬ ‫حوله دائم الحيرة في طريقة التعامل معه‪.‬‬ ‫ويعتبر كانر (‪ )Kanner‬أول من عرف التوحد عام ‪ 1943‬عندما نشر دراسة وصف فيها حالة ‪11‬‬ ‫طفال تتراوح أعمارهم من ‪ 11 :2‬سنة‪ ،‬حيث الحظ اختالفهم عن غيرهم من الحاالت ومن ثم اعتبرهم كياناً‬ ‫تشخيصيا مستقال‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ما ذكره كانر هنالك بعض الخصائص المشتركة بين هؤالء األطفال؛ وهي‪:‬‬ ‫انعزالية توحديه مفرطة‪ ،‬تأخر وانحراف في اللغة‪ ،‬المصاداه أو الترديد الالإرادى للكالم ‪Echolalia‬‬ ‫‪ ،‬ذاكرة قوية ولها قدرة على الحفظ‪ ،‬حساسية مفرطة إزاء المؤثرات الخارجية‪ ،‬الرفض الشديد للتغير وتنوع‬ ‫محدود للنشاط العفوي والتلقائي‪ ،‬قدرات إدراكية فائقة‪ ،‬مظهر جسدي طبيعي‪ ،‬عائالت تتميز بمستويات‬ ‫ذكاء مرتفعة‪.‬‬ ‫وقد أضاف آخرون إ لى ما ذكره كانر عن االضطراب التوحدي‪ ،‬إلى عدم قدرة الطفل علي أن‬ ‫يتواصل مع الناس والمواقف بالطريقة العادية وذلك منذ بداية الحياة‪.‬ويصفه األبوان بأن لديه دائما اكتفاء‬ ‫ذاتيا‪ ،‬ويكون أكثر سعادة عند تركه بمفرده‪ ،‬يتصرف وكأنه يعيش بمفرده‪ ،‬يعطي انطباعا بالمعرفة الكاملة‪،‬‬ ‫ويفشل في تنمية القدر الطبيعي من الوعي االجتماعي‪ ،‬وهو ال يشبه في ذلك األطفال الفصاميون‪ ،‬يعدل‬ ‫عن المبادأه في إقامة صداقات‪ ،‬وتظهر لديه منذ البداية عالمات الرغبة الشديدة في البقاء منفردا‪ ،‬يتجاهل‬ ‫أو يمنع أي شيء يأتي إليه من الخارج‪ ،‬يخيفه االتصال الجسدي المباشر باآلخرين أو الضوضاء باعتبارها‬ ‫مهددات باختراق وحدته‪.‬‬ ‫تشير الصورة الرابعة للدليل التشخيصى واإلحصائي لألمراض العقلية (‪ )DSM IV‬إلى أن اضطراب‬ ‫التوحد يقع تحت فئة (اضطرابات نمائية شاملة)‪ ،‬وتتميز هذه االضطرابات بتأخر أو قصور في التفاعل‬ ‫االجتماعي ومهارات التواصل مع وجود السلوك النمطي وقلة األنشطة واالهتمامات وتتمثل االضطرابات‬ ‫النمائية الشاملة في (‪ )DSM IV‬ما يلي‪:‬‬ ‫‪Autistic Disorder‬‬ ‫‪.1‬اضطراب التوحد‬ ‫‪Rett’s Disorder‬‬ ‫‪.2‬اضطراب ريت‬ ‫‪131‬‬ ‫اضطراب ريت هو اضطراب جيني في األصل‪،‬ألنه يؤثر فقط علي جنس واحد هو اإلناث‪ ،‬ويميز‬ ‫عن طريق حركة التوائية لليد ذات سمات معينة‪ ،‬متكررة‪ ،‬وصغر في حجم محيط الرأس‪.‬وغالبا ما يظهر‬ ‫ما بين (‪ 18 :6‬شهر)‪ ،‬ويتسم اضطراب ريت بأنه نادر الحدوث مثله مثل اضطراب الطفولة التفككي‪،‬‬ ‫حيث تمثل نسبة حدوثه (‪( )100.000 :1‬أي طفل كل مائة ألف طفل)‪.‬‬ ‫‪.3‬اضطراب اسبرجر ‪Asperger’s Disorder‬‬ ‫يتشارك الطفل المصاب باضطراب اسبرجر مع الطفل التوحدى فى كثير من السمات اال انه يتميز بأن‬ ‫مشكالته فى النمو اللغوى والمعرفى اإلجتماعى أقل حدة من الطفل التوحدى‪ ،‬وتشير اإلحصاءات إلى ان نسبة‬ ‫انتشار اضطراب اسبرجر بين الذكور اكثر من اإل ناث بنسبة ‪( 1 :9‬أي فتاه واحدة بين كل تسعة ذكور مصابين‬ ‫باضطراب اسبرجر)‪.‬‬ ‫‪Childhood Disintegrative Disorder‬‬ ‫‪.4‬اضطراب الطفولة التفككي‬ ‫يعتبر اضطراب الطفولة التفككي احد االضطرابات النمائية الشاملة الن االطفال المصابين به يمرون‬ ‫بمرحلة من النمو الطبيعي حتي سن الثالثة او الرابعة يحدث بعدها فقدان للقدرات‪ ،‬ويعد اضطراب الطفولة‬ ‫التفككي اضطراب نادر الحدوث تتضمن أعراضه فقدان لكل من اللغة المكتسبه سابقا‪ ،‬والمهارات االجتماعية‬ ‫باالضافة إلى مشكالت التحكم في االخراج‪ ،‬وفقدان المهارات الحركية‪ ،‬ومهارات اللعب‪ ،‬وظهور السلوكيات‬ ‫التك اررية النمطية‪.‬‬ ‫‪.5‬اضطرابات نمائية شاملة غير محددة‬ ‫‪Pervasive Developmental Disorders not otherwise (PDD, NOS.‬‬ ‫إن األطفال الذين يتم تشخيصهم بهذا االضطراب ال تنطبق عليهم أعراض التوحد بشكل كامل‪،‬‬ ‫انما تظهر لديهم بعض أعراض التوحد فيما يتعلق بقصور التواصل‪ ،‬وقصور التفاعل االجتماعي ومحدودية‬ ‫األنشطة واالهتمامات‪ ،‬ويعتقد بعض الباحثين أن االضط اربين هما مستويان مختلفان من الشدة لنفس‬ ‫االضطراب‪ ،‬فاألطفال المصابون باالضطراب النمائي الشامل غير المحدد يتميزون بمستوي وظيفي مرتفع‪،‬‬ ‫ويستجيبون بشكل أفضل للتدخل مقارنة باألطفال التوحديين‪ ،‬ويعد االضطراب النمائي غير المحدد‬ ‫واضطراب اسبرجر والتوحد أكثر االضطرابات النمائية الشاملة شيوعا‪.‬‬ ‫مفهوم اضطراب التوحد‬ ‫تُعرف الجمعية األمريكية للطب النفسـ ـ ـ ــي (‪ )American Psychiatric Association‬اضـ ـ ـ ــطراب‬ ‫التوحد على أنه عدم القدرة على التحســن فى النمو مما يؤثر على التواصــل اللفظي وغير اللفظي والتفاعل‬ ‫االجتماعي وهو عادة يظهر قبل سـ ــن الثالث سـ ــنوات والذي يؤثر بدوره على األداء فى التعليم‪ ،‬باإلضـ ــافة‬ ‫إلى س ـ ـ ــلوكيات نمطية تك اررية ومقاومة ش ـ ـ ــديدة فى أي تغيير فى الروتين اليومي كما يظهرون ردود أفعال‬ ‫‪132‬‬ ‫غير طبيعية ألي خبرات جديدة‪.‬‬ ‫كما عرفته منظمة الصـ ـ ـ ـ ـ ــحة العالمية )‪ ]WHO[ (World Health Organization, 2020‬بأنه‬ ‫العجز المس ـ ــتمر في القدرة على بدء التفاعل االجتماعي المتبادل والتواص ـ ــل االجتماعي والحفاظ عليهما ‪،‬‬ ‫وبمجموعة من أنمـاط السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوك أو االهتمـامات أو األنش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـة المقيـدة والمتكررة والغير مرنة أوالنمطيـة أو‬ ‫المفرطة مقارنة بعمر الفرد والسياق االجتماعي والثقافي‪.‬‬ ‫ويرى (عادل عبد هللا) أنه اض ـ ــطراب نمائي عام أو منتش ـ ــر يؤثر س ـ ـ ًـلبا على العديد من جوانب النمو‬ ‫األخرى‪ ،‬وليس على الجـانـب العقلي أو الجـانـب االجتمـاعي فقط‪ ،‬بـل إن أغلـب جوانـب النمو تتـأثر بـه وهو‬ ‫األمر الذي يتميز به اضطراب التوحد عن غيره من اإلعاقات األخرى‪.‬‬ ‫وعرفتـه الجمعيـة األمريكيـة للتوحـد (‪ (Autism Society of American‬بـأنـه إعـاقـة نمـائيـة تطورية‬ ‫دائما في الثالث س ـ ــنوات األولى من العمر‪ ،‬نتيجة لالض ـ ــطرابات العص ـ ــبية التي تؤثر على وظائف‬ ‫تظهر ً‬ ‫المخ ومختلف جوانب النمو‪ ،‬فتؤدي إلى قص ـ ــور فى التفاعل االجتماعي والتواص ـ ــل اللفظي وغير اللفظي‪،‬‬ ‫واضطرابات خاصة باالستجابة للمثيرات الحسية وتكرار دائم للحركات أو مقاطع الكلمات‪.‬‬ ‫كما ترى (‪ ) Wing‬أن اضطراب التوحد هو فشل خالل الطفولة فى استعمال الكالم كوسيلة اتصال ‪،‬‬ ‫وعدم القدرة على اســتعمال مفاهيم غير محســوســة وعدم الوعي بالناس واســتخدام الوتيرة نفســها فى النشــاط‪،‬‬ ‫وعدم القدرة على اللعب الخيالي باأللعاب مع األطفال اآلخرين‪.‬‬ ‫ويعتبر اضــطراب طيف التوحد أحد اضــطرابات النمو االرتقائي الشــاملة التي تنتج عن اضــطراب فى‬ ‫الجهاز العصــبي المركزي‪ ،‬مما ينتج عنه خلل وظيفي فى المخ يؤدي إلى قصــور فى التفاعل االجتماعي‪،‬‬ ‫وقص ــور فى التواص ــل اللفظي والغير لفظي‪ ،‬وعدم القدرة على التخيل‪ ،‬ويظهر فى الس ــنوات الثالثة األولى‬ ‫من عمر الطفل‪.‬‬ ‫أسباب التوحد‬ ‫تعد األسباب الحقيقية للتوحد غير معروفه حتي اآلن‪ ،‬إال أن المقبول بشكل عام أن التوحد يحدث‬ ‫بسبب اضطراب في تكوين أو وظيفة المخ‪ ،‬حيث يوضح فحص المخ أن هناك فروقا في شكل وتكوين‬ ‫المخ في األطفال التوحديين في مقابل األطفال األسوياء‪.‬‬ ‫ويشير(سايمون كوهين) إلى االعتقاد الذي كان سائداً قديما حول أن التوحد يحدث بسبب إهمال‬ ‫الوالدين لرعاية أبنائهم‪ ،‬وقد اتضح أنه ال صحة لهذا االعتقاد وأن آباء وأمهات األطفال التوحديين ال‬ ‫يختلفون عن غيرهم في مدي حبهم وعطفهم ومقدرتهم على العناية بأطفالهم‪ ،‬وقد تسبب هذا االعتقاد الخطأ‬ ‫في تنامي الشعور بالذنب لدى آباء وأمهات األطفال التوحديين‪ ،‬واستمر هذا الشعور حتى أثبتت البحوث‬ ‫والدراسات الطبية أن اضطراب التوحد يحدث ألسباب بيولوجية‪.‬‬ ‫‪133‬‬ ‫وقد تعددت في اآلونة األخيرة النظريات التي تتحدث عن أسباب التوحد اال أن جميعها مازالت‬ ‫افتراضات لم تتأكد صحة أي منها بعد‪.‬و فيما يلي عرض ألهم النظريات حول أسباب التوحد‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬األسباب الجينية ‪Genetic Causes‬‬ ‫‪ )1‬الخلل الوظيفي للـ ميتالوثيونين‪ Metallothionein-‬او(‪:)MT‬‬ ‫أسفرت نتائج األبحاث التي قام بها دكتور (‪ )William Wash‬والذي أجرى العديد من التحاليل على‬ ‫(‪ ) 500‬طفال توحديا‪ ،‬عن وجود خلل في نسب النحاس والزنك بالجسم‪ ،‬تتمثل في ارتفاع نسبة النحاس‬ ‫وانخفاض نسبة الزنك‪ ،‬وقد اكتشف أن تنظيم نسب النحاس والزنك بالجسم هي مسئولية مجموعة من‬ ‫البروتينات تسمي (ميتالوثيونين ‪ - MT )Metallothionein -‬وباإلضافة إلى وظيفة تنظيم مستويات‬ ‫النحاس والزنك بالجسم‪ ،‬يقوم الـ (‪ )MT‬بالعديد من الوظائف‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫‪ −‬مساعدة الجسم علي التخلص من السموم من تلقاء نفسه‪.‬‬ ‫‪ −‬مساعدة الجهاز الهضمي على أداء وظائفه‪.‬‬ ‫‪ −‬مساعدة الجهاز المناعي على أداء وظائفه‪.‬‬ ‫وينتج عن الخلل في الـ (‪ )MT‬األعراض التالية‪:‬‬ ‫‪ −‬عدم اكتمال هضم الجلوتين والكازين ونفاذهما من األمعاء إلى الدم (‪.)Leaky Gut‬‬ ‫‪ −‬خلل في وظيفة إنزيمات الهضم ناتج عن مستويات الزنك المنخفضة بالجسم‪.‬‬ ‫‪ −‬ضعف مقاومة الجسم للفطريات باالمعاء‪.‬‬ ‫‪ −‬خلل في وظيفة البنكرياس ناتج عن نقص هرمون السكريتين‪.‬‬ ‫ويستند دكتور (‪ ) William Wash‬في تبريره لنظريته إلى اإلحصائيات التي تشير إلى نسبة اإلصابة‬ ‫بالتوحد بين الذكور واإلناث تكون بين الذكور بنسبة أربع أضعاف اإلصابة بين اإلناث أي (‪ ،)1 :4‬ويفسر‬ ‫ذلك بأن جين (‪ ) MT‬يتم تدعيم وظيفته في الجسم من خالل هرمونين هما (إستروجين ‪،estrogen‬‬ ‫بروجيستورين ‪ ،) progesterone‬وألن هذين الهرمونين هما هرمونان أنثويان‪ ،‬فإن نسبة وجودهما لدى‬ ‫الذكور أقل من اإلناث‪ ،‬ومن ثم يكون معدل الخلل بجين (‪ )MT‬لدى الذكور أعلى من اإلناث‪ ،‬وهو ما‬ ‫ينتج عنه ارتفاع نسبة اإلصابة بالتوحد بين الذكور‪.‬‬ ‫‪ )2‬عوامل جينية أخري ‪Other genetic factors‬‬ ‫أشارت الجمعية األمريكية للتوحد إلى أنه تجرى حاليا العديد من البحوث والدراسات الكتشاف األساس‬ ‫الجيني للتوحد‪ ،‬لكن حتي اآلن لم يكتشف أن هناك جينا معينا يتسبب في اإلصابة بالتوحد‪ ،‬ويري البعض‬ ‫أن شدة أعراض التوحد وتعددها ال يمكن أن نرجعها إلى أحد الجينات‪ ،‬لكن من الواضح أن التوحد وغيره‬ ‫‪134‬‬ ‫من االضطرابات النمائية يتكرر حدوثهم في بعض العائالت‪ ،‬حيث أن نسبة عودة ظهور التوحد في األسرة‬ ‫التي لديها طفل توحدي تكون ‪ % 8 :%3‬ويكون هناك احتمال ‪ %15‬لحدوث مشكالت في النمو ألشقاء‬ ‫الطفل التوحدي‪ ،‬هذا باإلضافة إلى تكرر حدوث بعض أمراض ضعف المناعة في تلك العائالت مثل‪:‬‬ ‫التهاب المفاصل‪ ،‬البول السكري‪ ،‬التهاب األمعاء‪ ،‬وربما يدلل ذلك علي وجود ضعف بالجهاز المناعي في‬ ‫هذه العائالت‪.‬إال أن االرتفاع الشديد في نسب اإلصابة بالتوحد في العشرين عاما الماضية‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫ينتج فقط عن أسباب جينية‪ ،‬فال بد أن هناك أسبابا بيئية تؤدي لإلصابة بالتوحد‪.‬‬ ‫ويتم إجمال األعراض الطبية الناتجة عن األسباب السابقة فيما يلي‪:‬‬ ‫انخفاض عمل الجهاز المناعي‪.‬‬ ‫‪−‬‬ ‫سوء التمثيل الغذائي وافتقار الجسم للفيتامينات والمعادن الرئيسية‪.‬‬ ‫‪−‬‬ ‫قصور في عمل البنكرياس‪.‬‬ ‫‪−‬‬ ‫قصور في إنتاج مضادات االكسدة‪.‬‬ ‫‪−‬‬ ‫قصور قدرة الجسم على التخلص من السموم المعدنية (الرصاص‪ ،‬التسمم الزئبقي)‪.‬‬ ‫‪−‬‬ ‫زيادة نمو البكتيريا والفطريات داخل األمعاء‪.‬‬ ‫‪−‬‬ ‫انخفاض مستوي األحماض األمينية في الجسم‪.‬‬ ‫‪−‬‬ ‫عدم اكتمال هضم الجلوتين والكازين ‪( -‬نفاذية القناة الهضمية)‪.‬‬ ‫‪−‬‬ ‫ثانياً‪ :‬األسباب البيئية ‪Environmental Causes‬‬ ‫‪ )1‬التسمم الزئبقي‬ ‫الزئبق هو أحد المعادن الموجودة في البيئة‪ ،‬حيث يدخل ضمن مكونات العديد من األشياء مثل‬ ‫السمك‪ ،‬حشو الضروس‪ ،‬لكن أكبر مصدر للتسمم الزئبقي هو مادة الـ (ثيميروسال ‪ )Thimerosal‬وهي‬ ‫المادة الحافظة للتطعيمات‪ ،‬ولعل السبب في ارتفاع نسب اإلصابة بالتوحد في اآلونة االخيرة قد يرجع إلى‬ ‫زيادة نسبة مادة الـ (ثيميروسال ‪ ) Thimerosal‬في التطعيمات‪ ،‬حيث عملت شركات األدوية على زيادة‬ ‫نسبة هذه المادة في التطعيمات لتطيل من فترة صالحيتها‪ ،‬ومما يضاعف من المفعول السلبي لتلك المادة‬ ‫أن عدد التطعيمات التي يتناولها األطفال في زيادة مستمرة نتيجة لظهور أمراض جديدة يتطلب األمر معها‬ ‫تطعيم األطفال في سن مبكرة لحمايتهم من اإلصابة بها‪ ،‬و يدعم هذا االفتراض الشواهد التالية‪:‬‬ ‫‪ −‬نسبة اإلصابة بالتوحد في الواليات المتحدة االمريكية ارتفعت بشكل كبير في العشرين سنة االخيرة‪،‬‬ ‫وقد تزامن مع هذه الزيادة في نسبة اإلصابة بالتوحد‪ ،‬زيادة في عدد التطعيمات التي يتعرض لها الطفل‬ ‫في السنتين األوليين من حياته‪ ،‬حيث زاد عددها من (‪ )8‬تطعيمات في سنة ‪ 1980‬إلى (‪ )33‬تطعيما‬ ‫في سنة ‪.2001‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪ −‬طبقا لما تم ذكره فإن العديد من التقارير في اآلونة األخيرة قد أشارت إلى أنه يقابل كل طفلين مصابين‬ ‫بالتوحد في فترة متأخرة من العمر‪ ،‬أي بعد فترة من النمو الطبيعي‪ ،‬طفل مصاب بالتوحد منذ الميالد‪،‬‬ ‫مما يدعم االفتراض القائل بأن أسباب التوحد بيئية أكثر منها جينية‪ ،‬ولعل حدوثها في السنوات الثالثة‬ ‫األولى من عمر الطفل ‪ -‬وهى الفترة التي يتعرض فيها الطفل إلى كثير من التطعيمات‪ -‬قد يدعم‬ ‫نظرية التسمم الزئبقي‪.‬‬ ‫‪ )2‬مصل (‪)MMR‬‬ ‫إن مصل (‪ ) MMR‬هو أحد التطعيمات التي يفترض العالم البريطاني (‪ )Andy Wakefield‬أنه هو‬ ‫التطعيم المسئول عن اإلصابة بالتوحد‪ ،‬ويبرر نظريته باألسباب التالية ‪:‬‬ ‫‪ −‬يتكون هذا التطعيم من ثالثة تطعيمات فرعية تم تجمعها في تطعيم واحد (‪ ،)MMR‬رغم إمكانية فصلها‬ ‫إلعطائها لألطفال في جرعات منفصلة‪ ،‬باإلضافة إلى أنه أحيانا ما يتعرض األطفال بجانب تطعيم‬ ‫(‪ )MMR‬إلى تطعيم آخر يعطي في نفس الوقت‪ ،‬وهو ما ينتج عنه اإلثقال الشديد علي جهاز المناعة‪،‬‬ ‫وذلك ألن هذه التطعيمات هي في األصل فيروسات يتم إعطاؤها للجسم الستثارة جهاز المناعة على‬ ‫المقاومة‪.‬وألن (‪ ) MMR‬يتضمن جرعة زائدة ال يمكن لجهاز المناعة تحملها‪ ،‬ينشأ هذا الخلل بالجهاز‬ ‫المناعي‪.‬‬ ‫‪ −‬ينتج عن ضعف المناعة نمو للفطريات والبكتيريا بالجهاز الهضمي‪ ،‬وهو ما كشفت عنه التحليالت‬ ‫التي أجريت لعدد كبير من األطفال التوحديين‪.‬‬ ‫‪ )3‬اإلفراط في تناول المضادات الحيوية‬ ‫تشير الجمعية األمريكية للتوحد إلى أن الجسم يتضمن نوعين من البكتيريا‪( :‬النافعة‪ ،‬والضارة)‪ ،‬يحتاج‬ ‫الجسم إلى النوع النافع منها‪ ،‬ويقوم جهاز المناعة بمقاومة النوع الضار‪ ،‬وبتناول جرعات عالية من‬ ‫المضادات الحيوية‪ ،‬تقضي تلك المضادات علي النوع النافع من البكتيريا‪ ،‬ومع ضعف مقاومة الجهاز‬ ‫المناعي‪ ،‬تزداد البكتيريا الضارة في الجسم وينتج عنها كثير من اآلثار السلبية‪.‬‬ ‫‪ )4‬اإلصابات الشديدة في الطفولة‬ ‫عندما يضعف الجهاز المناعي‪ ،‬وتنقص التغذية‪ ،‬يكون األطفال أكثر عرضة لإلصابة بالعديد من‬ ‫األمراض مثل (األمراض المتكررة في األذن‪ ،‬األمراض الجلدية – إكزيما ‪-‬إلتهاب الجيوب األنفية) ومع‬ ‫تناول جرعات كبيرة من المضادات الحيوية تتفاقم المشكلة‪ ،‬خاصة وأن تلك األمراض يتم معالجتها‬ ‫بالمضادات الحيوية‪ ،‬ولهذا نجد بعض األطفال الذين يبدو نموهم طبيعيا في البداية يحدث لهم تراجع في‬ ‫‪136‬‬ ‫العديد من مظاهر النمو ليبدأ ظهور االضطراب التوحدي‪ ،‬وذلك بعد إصابتهم بتلك االمراض‪ ،‬وهو ما يفسر‬ ‫بأن هذه اإلصابات أو األمراض هي الحدث الذي استثار اضطراب التوحد على الظهور‪.‬‬ ‫يتضح من العرض السابق لالفتراضات الخاصة بأسباب اضطراب التوحد االستنتاجات التالية‪:‬‬ ‫أن األسباب الخاصة باإلصابة باضطراب التوحد ما زالت غامضة‪ ،‬وأن جميع النظريات السابقة‬ ‫‪−‬‬ ‫ما هي إال افتراضات ما زالت قيد الدراسة‪.‬‬ ‫أن أسباب التوحد ال يمكن إرجاعها إلى العوامل الجينية فقط‪ ،‬وإنما هي مزيج من األسباب الجينية‬ ‫‪−‬‬ ‫والبيئية‪.‬‬ ‫أن األسباب قد تختلف من طفل إلى آخر‪ ،‬واألعراض الناتجة عنها أيضا قد تختلف من طفل إلى‬ ‫‪−‬‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫أنه على اآلباء أال يسعوا نحو تجريب أي نوع من أنواع العالجات المقترحة في ضوء النظريات‬ ‫‪−‬‬ ‫السابقة قبل أن يجروا لطفلهم الفحوصات الكاملة التي يتحدد من خاللها احتياج الطفل لنوع معين‬ ‫من العالج‪ ،‬وألن األسباب تختلف من طفل إلى آخر‪ ،‬فإن العالج سيختلف من طفل إلى آخر‪،‬‬ ‫وه و األمر الذي ال يلتفت إليه اآلباء‪ ،‬حيث قد يدفعهم األمل في الشفاء إلى خوض جميع التجارب‪،‬‬ ‫وربما في وقت واحد‪ ،‬فنجد بعض األطفال يتعرضون لجميع أنواع العالج في نفس الوقت (رجيم‬ ‫الجلوتين والكازين‪ ،‬العالج بالفيتامينات‪ ،‬عالج التسمم الزئبقي‪ ،‬عالج فطريات المعدة‪ )....،‬مما‬ ‫ينتج عنه في الغالب آثار سلبية على صحة وسلوك الطفل‪ ،‬حتي في األحيان التي قد يحدث فيها‬ ‫تحسن لحالة الطفل‪ ،‬فانه يكون من الصعب إرجاع هذا التحسن إلى عالج معين دون اآلخر‪.‬‬ ‫أعراض اضطراب التوحد‬ ‫يميز اضطراب التوحد مجموعة من األعراض يتم تناولها فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ )1‬قصور التفاعل االجتماعي‬ ‫غالبا ما تظهر مظاهر االضطراب االجتماعي لدى الطفل التوحدي في بداية الحياة حيث يفشل‬ ‫الرضيع في إقامة تواصل بصري مع اآلخرين‪ ،‬ويالحظ األبوان عدم اكتراثه لمحاولتهما تدليله أو ضمه أو‬ ‫تقبيله‪ ،‬بل وربما ال يجدان منه اهتماما بحضورهما أو غيابهما‪ ،‬من النادر أن يبدي الطفل عاطفته نحو‬ ‫اآلخرين‪ ،‬تنقصه في كالمه النغمة االنفعالية والتعبيرية‪.‬‬ ‫ويكون للتفاعل االجتماعي أهمية قليلة لدى األطفال التوحديين إذا ما قورنوا بغيرهم من األطفال‬ ‫األسوياء واألطفال المتأخرين عقليا من غير المصابين بالتوحد‪ ،‬ويكون لديهم تعلق شديد باألشياء غير‬ ‫‪137‬‬ ‫الحية‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ضعف التواصل بالعين‪ ،‬افتقاد الدافع أو الرفض التام ألن يحمله اآلخرون‪،‬‬ ‫وضعف القدرة على التقليد‪ ،‬وضعف القدرة على مشاركة اآلخرين في اللعب‪.‬‬ ‫كما تم تصنيف األطفال التوحديين تبعا لشدة قصور التفاعل االجتماعي إلى‪:‬‬ ‫مجموعة العزوف ‪The Aloof Group‬‬ ‫يتجنب أطفال هذه المجموعة التفاعل االجتماعي بشدة‪ ،‬ويصرون علي التجنب‪ ،‬ويرفضون اإلحتكاك‬ ‫الجسدي أو االجتماعي‪.‬‬ ‫المجموعة السلبية ‪The Passive Group‬‬ ‫يظهر أطفال هذه المجموعة قصو ار واضحا في التفاعل االجتماعي‪ ،‬لكنهم يقبلون محاوالت االقتراب‬ ‫من اآلخرين‪ ،‬ويمكنهم المشاركة في بعض األنشطة واأللعاب‪ ،‬لكن دون فهم كامل لها‪ ،‬والكالم لديهم أكثر‬ ‫تطو ار من أطفال المجموعة المنعزلة‪.‬‬ ‫المجموعة النشطة ذات التصرفات الغريبة ‪Active But Odd Group‬‬ ‫تشمل هذه المجموعة األطفال الذين يتواصلون مع اآلخرين لكن بشكل غريب‪ ،‬كأن يقومون بتكرار‬ ‫توجيه األسئله اليهم‪ ،‬وقد يتعلقون بهم جسمانيا ويصرون على االحتكاك الجسدي بهم إلى الحد الذي يسبب‬ ‫الضيق واإلنزعاج‪ ،‬وهم ال يقتربون من اآلخرين بهذا الشكل ألنهم يشعرون بالسعادة مع هذا االقتراب‪ ،‬لكن‬ ‫ألنها سمة من سمات اضطرابهم‪ ،‬ويتسم كالم أطفال هذه المجموعة بأنه أفضل من كالم أطفال المجموعتين‬ ‫السابقتين‪.‬‬ ‫يصعب على الطفل التوحدي إقامة عالقة مع أي شخص‪ ،‬وذلك ألن إقامة عالقات اجتماعية يتطلب‬ ‫السماح لآلخرين باالقتراب الشديد‪ ،‬وعادة ما ال يسمح األطفال التوحديون بهذا القرب إال ألسرهم فقط وهم‬ ‫غالبا ما يشعرون بالحب وسط أسرهم ألن الجو األسرى عادة ما يشعرهم باألمان‪ ،‬وقد يشعرون بالراحة‬ ‫بالقرب من األشخاص الذين يبدون لهم الحب والحماية والرعاية والصبر فهم إذا قادرون على الحب‪ ،‬وعلى‬ ‫استقبال الحب‪ ،‬علي الرغم من أنه قد يكون حبا غريبا أو غير عادي‪ ،‬ولذلك يجب أن يحرص كل من‬ ‫يتعامل مع الطفل التوحدي علي أن يحب الطفل ويحاول إبعاده عن األشياء التي تخيفه‪ ،‬وأن يفسر له‬ ‫األحداث الجديدة التي قد تثير خوفه‪ ،‬وال يتخذ من الطفل التوحدي مادة للضحك والتسلية‪ ،‬ويحاول أن تتسم‬ ‫تصرفاته بالتناسق‪ ،‬ويساعد الطفل على اتخاذ القرار‪ ،‬ويصبر على التواصل معه‪ ،‬ويساعده على أن يكون‬ ‫أكثر استقاللية‪ ،‬ويحميه من األشخاص الذين يتظاهرون بحبهم له‪.‬‬ ‫‪138‬‬ ‫وتفترض الجمعية الوطنية لألطفال التوحديين أن قصور التفاعل االجتماعي لدى الطفل التوحدي‬ ‫يتلخص في العجز عن إدراك مشاعر وأفكار اآلخرين‪ ،‬ومن ثم العجز عن تفسير اإلشارات وتعبيرات الوجه‪،‬‬ ‫وهو ما يطلق عليه نظرية العقل (‪ ،) theory of mind‬حيث يعجز الطفل عن رؤية األشياء من منظور‬ ‫اآلخرين‪.‬‬ ‫‪ )2‬محدودية األنشطة واالهتمامات والنمطية والتكرار‬ ‫األطفال التوحديون ينشغلون بعدد قليل من األنشطة واالهتمامات‪ ،‬ويتسم سلوكهم بالنمطية والتقولب‬ ‫باإلضافة إلى رفض التغيير في البيئة المحيطة‪ ،‬فقد ينزعج الطفل كثي ار إذا حدث تغيير في روتين حياته‬ ‫والذي يتضمن البيئة المادية أو األحداث اليومية التي اعتاد عليها‪.‬‬ ‫كما أن لعب األطفال التوحديين يتسم بالجمود والنمطية بدال من أن يكون رمزيا خياليا‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫أنهم يميلون إلى اللعب الحسي مع األشياء المحيطة بهم‪ ،‬ويعتمدون على حواس التذوق والشم واللمس في‬ ‫التعامل مع األشياء أكثر من اعتمادهم على الرؤية والسمع‪.‬‬ ‫‪ )3‬قصور التواصل‬ ‫تشير كثير من الدراسات أن اضطرابات التواصل لدى األطفال التوحديين تمثل األعراض األكثر‬ ‫خطورة بين مجموعة األعراض المميزة الضطراب التوحد‪.‬‬ ‫وربما تعود خطورة اضطرابات التواصل إلى أنها تؤثر بدورها في ظهور اضطرابات أخرى مثل‬ ‫اضطراب التفاعل االجتماعي وغيره من االضطرابات التي تتأثر باكتساب اللغة‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ما‬ ‫أوضحته كثير من تقارير الدراسات السابقة حول تطور اللغة لدى األطفال التوحديين وبأنه يمثل عامالً‬ ‫حاسماً ومهماً بالنسبة للتطورات المحتملة لمهارات الطفل‪ ،‬حيث إنه إذا لم يكن هناك حصيلة لغوية لدى‬ ‫الطفل التوحدي يكون قد اكتسبها من البيئة المحيطة به حتى سن الخامسة أو السادسة من عمره‪ ،‬فإن نمو‬ ‫قدراته وتطورها في المستقبل سوف يكون محدودا‪.‬‬ ‫وفيما يلي عرض لمشكالت التواصل اللفظي وغير اللفظي لدى الطفل التوحدي وعالقتها بما يسمى‬ ‫بنظرية العقل (‪:)theory of mind‬‬ ‫مشكالت التواصل غير اللفظي‬ ‫يتضمن التواصل غير اللفظي نوعا من قراءة العقل‪ ،‬أي أن يعرف الفرد ما يدور داخل عقله ويعمل‬ ‫على نقله إلى شخص آخر من خالل تعبيرات الوجه‪ ،‬واإليماءات‪ ،‬واإلشارات‪ ،‬بدون استخدام الكلمات‪ ،‬وأن‬ ‫يستطيع قراءة عقل اآلخرين من خالل إيماءاتهم‪ ،‬إشارتهم ‪ ,‬تعبيرات الوجه‪.‬ويفتقد األطفال التوحديون القدرة‬ ‫على قراءة العقل مما ينتج عنه عدم وعي بمشاعر وأفكار اآلخرين‪.‬‬ ‫‪139‬‬ ‫فيما يلي عرض لمظاهر ضعف التواصل غير اللفظي لدي الطفل التوحدي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ضعف القدرة على استخدام اإليماء ‪ use of gesture‬فى التواصل‪.‬‬ ‫‪ -2‬صعوبة استخدام الدالئل الوجهية فى التواصل ‪ : facial cues‬مثل اإلبتسام والتواصل بالعين‪.‬‬ ‫‪ -3‬صعوبة تنظيم المسافة بينهم وبين اآلخرين ‪ : use interpersonal space‬حيث يصعب عليهم‬ ‫االقتراب من اآلخرين‪ ،‬وهذا ربما يرجع إلى أنهم يفتقدون القدرة على تنظيم المسافة بينهم وبين اآلخرين‬ ‫أو التحكم فيها‪.‬‬ ‫‪ -4‬مدى التعبير االنفعالي ‪range of emotional expression‬‬ ‫والذى يتمثل فى التعبير عن مشاعر السعادة أو الغضب من خالل (الضحك‪ ،‬العبوث‪ ،‬الصراخ‪،‬‬ ‫‪ ،)...‬حيث يجد الطفل التوحدي صعوبة في إرسال مثل تلك االنفعاالت أو االستجابة لها عندما تصدر من‬ ‫اآلخرين‪.‬إال أن تلك المشاعر موجودة بداخلهم وأحيانا تصدر منهم لكنها غالبا تصدر في الوقت غير‬ ‫المناسب حيث يضحك الطفل أو يبكي بشدة بشكل فجائي وبدون سبب واضح‪.‬‬ ‫مشكالت التواصل اللفظي‬ ‫يفسر بعض العلماء مشكالت التواصل بشكل عام لدى الطفل التوحدي بما فيها مشكالت التواصل‬ ‫اللفظي في ضوء نظرية العقل (‪ ،)Theory of mind‬والتى ترى أن الطفل التوحدي غير قادر على تصور‬ ‫الحالة العقلية لآلخرين‪ ،‬ومن ثم فهو ال يقيم عالقات بين الكالم والحاالت العقلية‪ ،‬مما يؤدي إلى ارتباط‬ ‫الكلمات بمعان محددة سواء على مستوي الفهم أو التعبير‪.‬‬ ‫وتتمثل مشكالت التواصل اللفظي (الكالم) لدى الطفل التوحدي تتمثل فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬فقدان اللغة‪ ،‬حيث تشير الدراسات إلى أن من ‪ %25‬إلى ‪ %50‬من األطفال التوحديين يتم وصفهم‬ ‫بأنهم صامتون طوال حياتهم أو ربما يتحدثون بكلمات قليلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬قلب الضمائر ‪Pronoun Reversal‬‬ ‫من المشكالت الشائعة في التواصل اللفظي لألطفال التوحديين مشكلة (قلب الضمائر)‪ ،‬حيث يشير‬ ‫الطفل إلى نفسه بالضمائر (هو‪ ،‬أو هي‪ ،‬أو أنت) أو مستخدماً اسمه‪ ،‬وترتبط مشكلة قلب الضمائر بمشكلة‬ ‫ترديد الكالم‪ ،‬فبمجرد أن تبدأ مشكلة ترديد الكالم يقوم الطفل باإلشارة إلى نفسه مستخدماً الضمائر التي‬ ‫يستخدمها اآلخرون في اإلشارة إليه‪.‬‬ ‫‪ -‬يجيب الطفل (هو هنا)‪.‬‬ ‫مثال‪ :‬إنت فين يا أحمد؟‬ ‫‪140‬‬ ‫‪-3‬المصاداه ‪: echolalia‬‬ ‫يشير مصطلح المصاداه إلى تكرار كالم اآلخرين‪ ،‬وغالبا ما يكرر الطفل ما يسمع بدون فهم‪ ،‬وقد‬ ‫يقوم الطفل بترديد الكالم من أجل التواصل مع اآلخرين أومن أجل تهدئة نفسه‪ ،‬أو لمحاولة التركيز على‬ ‫نشاط معين أو لمجرد ممارسة الكالم‪.‬ويشير إلى أن هناك عدة أنواع من المصاداه‪:‬‬ ‫أ) المصاداه الفورية لكالم اآلخرين (‪ )Immediate Echolalia‬أى الترديد المباشر لكالم اآلخرين‪.‬‬ ‫ب) المصاداه المتأخرة لكالم اآلخرين )‪ (Delayed Echolalia‬وهى تحدث عندما يحاول الطفل استرجاع‬ ‫مفردات اللغة التي تم سماعها في الماضي‪.‬‬ ‫‪ -4‬نغمة الصوت ‪Prosody Or Tone Of Voice‬‬ ‫عندما يتحدث طفل توحدي غالبا ما نلمح اختالفا في كالمه‪ ،‬يتمثل في تميز صوته بنغمة غير‬ ‫عادية‪ ،‬عادة ما تكون نغمة نمطية على وتيرة واحدة وقد يكون الصوت مرتفعا أو منخفضا؛ وربما يحدث‬ ‫ذلك ألن الطفل التوحدي ال يستطيع استيعاب المعنى العاطفي اإلضافي الذي يتضمنه الصوت ولهذا يبدو‬ ‫الطفل كأنه يتعامل مع لغتين في وقت واحد (لغة) للتنغيم وإيقاع الصوت‪( ،‬واللغة الثانية) تتمثل في محتوى‬ ‫أو معنى الكالم‪.‬‬ ‫‪ -5‬المعالجة السمعية‪auditory processing :‬‬ ‫إ ن السبب في قيام الطفل التوحدي بترديد كالم اآلخرين يتمثل في أن نمو الذاكرة السمعية (الذاكرة‬ ‫الخاصة باألصوات المسموعة) يتم بمعدل طبيعي لكن القدرة على االستيعاب يظل نموها بطيئا‪ ،‬حيث تنمو‬ ‫الذاكرة األولية مبك اًر مقارنة بذاكرة هضم أو استيعاب المعلومات‪ ،‬ومن ثم نجد األطفال التوحديين قادرين‬ ‫على حفظ كثير من الكلمات واألغاني باللغة اإلنجليزية والفرنسية بدون القدرة على ترجمة كلمة واحدة منها‪،‬‬ ‫ويقوم األطفال التوحديون أحيانا باستخدام نقاط قوتهم ومنها ذاكرتهم السمعية لمحاولة تعويض نقاط ضعفهم‬ ‫وعدم قدرتهم على االستيعاب‪ ،‬فينتج عن ذلك ترديد كالم اآلخرين‪.‬‬ ‫‪ -6‬المهارة الحوارية ‪Conversational Skill‬‬ ‫الطفل التوحدي ال يمكنه الكالم في شكل محادثة‪ ،‬ولذا فإنه قد يستخدم الكالم في طلب األشياء أكثر‬ ‫من التعليق عليها‪.‬ويوضح أن هناك مبادئ عامة يجب وضعها في االعتبار عند تنمية اللغة لدى الطفل‬ ‫التوحدي‪:‬‬ ‫‪ -1‬فهم اللغة يسبق التعبير‪ ،‬ومن ثم فإن تنمية الفهم يجب أن يسبق تنمية التعبير‪.‬‬ ‫‪ -2‬اللغة ال تقتصر فقط على الكالم‪ ،‬ومن ثم يجب تنميتها في جميع أشكالها‪.‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪ -3‬يفتقد الطفل التوحدي إلى الدافع للتواصل‪ ،‬لذلك على المحيطين بالطفل محاولة إضفاء نوع من‬ ‫الصعوبة على حياته‪ ،‬فال يتعجلون في تلبية احتياجاته ويصرون على أن يبدي الطفل أي تعبير‬ ‫باإلشارة أو الكالم مع النظر إلى اآلخرين عند طلب الحصول على شيء‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى هذه األعراض (قصور التفاعل االجتماعي‪ ،‬ومحدودية األنشطة واالهتمامات‪ ،‬وقصور‬ ‫التواصل) هناك مجموعة أخرى من األعراض لم يتم تضمينها بالفئات العامة الثالثة السابقة وهي‪:‬‬ ‫‪ ) 1‬استجابات غير طبيعية للمثيرات الحسية‬ ‫يستجيب األطفال التوحديون للعالم من حولهم بطرق غير عادية‪ ،‬وذلك ألنهم ربما ال يشعرون باألشياء‬ ‫اً‬ ‫أو يستقبلونها بالشكل الذي نقوم به نحن‪ ،‬فربما يتميز إحساس الطفل تجاه أشياء معينة بالحساسية المفرطة‬ ‫‪ ،over sensitive‬بمعني أن تلك األشياء تحتاج إلى قدر ضئيل من اإلحساس لتؤثر فيه‪ ،‬وقد يكون‬ ‫إحساس الطفل تجاه أشياء معينة أقل من الطبيعي ‪ ،under sensitive‬بمعني أنها تحتاج قد ار عاليا من‬ ‫اإلحساس لتؤثر فيه أو ليشعر بها‪ ،‬واألطفال الذين يتسم إحساسهم بأنه أقل من الطبيعي ‪under‬‬ ‫‪ ،sensitive‬غالبا تتسم حركاتهم بالنشاط الزائد; ألنهم يحاولون الحصول على ما يحتاجون إليه من‬ ‫إحساس‪ ،‬فيلجأون إلى القفز‪ ،‬الجري لألمام وللخلف‪ ،‬االهتزاز‪....،‬وعلى الجانب اآلخر هناك بعض‬ ‫األطفال الذين يتسم إحساسهم بأنه أقل من الطبيعي ويتسم نشاطهم بالسلبية الشديدة أو التبلد‪ ،‬فيستجيبون‬ ‫بصعوبة للعالم من حولهم‪ ،‬ألنهم ال يحصلون منه على االستثارة الكافية‪.‬‬ ‫تتضمن حساسية األطفال التوحديين تجاه األشياء الحساسية تجاه بعض األصوات فيعاني بعضهم‬ ‫من الحساسية المفرطة لسماع أصوات معينة متضمنة األصوات اآلدمية بما فيها أصواتهم هم‪ ،‬وكذلك‬ ‫بالنسبة للمثيرات البصرية فينجذبون إلى بعض المثيرات وينزعجون بشدة من مثيرات أخرى‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫أنهم لديهم استجابات مشابهة تجاه المثيرات الحسية األخرى مثل اللمس‪،‬التذوق‪،‬الشم‪،‬األلم‪.‬‬ ‫كما أن الطفل التوحدي قد ينزعج بشدة عندما يحاول أحد لمس رأسه‪ ،‬في حين يشعر بالسعادة عندما‬ ‫يجلس ما بين الحائط والكرسي‪ ،‬ليشعر بالضغط علي جسمه‪ ،‬وكثير من األطفال ال يبكون عندما يتعرضون‬ ‫لأللم‪ ،‬وكذلك بالنسبة للشم‪ ،‬فقد يرفض الطفل تناول بعض األطعمة‪ ،‬ربما ألنه ال يتقبل رائحتها‪ ،‬وفي نفس‬ ‫الوقت قد يستمتع بشم رائحة شعر أمه‪ ،‬ويفسر البعض هذه المشكلة بأنها ترجع إلى مشكالت حسية‪ ،‬على‬ ‫سبيل المثال‪ :‬رفض بعض األطفال تناول األطعمة (المقرمشة) مثل الشيبسي‪ ،‬ربما يكون بسبب الحساسية‬ ‫الزائدة ‪ over sensitivity‬التي تجعل من صوت هذه األطعمة صوتا مزعجا ومؤلما‪.‬‬ ‫‪142‬‬ ‫‪ )2‬اضطرابات السلوك‬ ‫يتخذ سلوك األطفال التوحديين أشكاال عديدة من االضطراب فقد يتسم سلوك بعضهم بالنشاط الزائد‪،‬‬ ‫في حين يتسم سلوك البعض اآلخر بالبطء الشديد والتراخي‪ ،‬ولدى بعضهم قدر عال من القلق ومن السهل‬ ‫إصابتهم باإلحباط‪ ،‬وقد تظهر لديهم مشكالت السلوك غير السوي‪ ،‬كالعنف والعدوانية تجاه اآلخرين وتجاه‬ ‫الذات مثل خبط الرأس‪ ،‬ضرب الذات‪ ،‬العض … وغيرها من سلوكيات إيذاء الذات‪.‬‬ ‫قد يصاحب التوحدية تقلب المزاج‪ ،‬فهم أحيانا يبكون أو يضحكون بدون سبب واضح‪ ،‬وقد يعاني‬ ‫بعضهم من الخوف والقلق عند بداية تعلم شيء جديد أو عند الخوض في تجارب جديدة‪ ،‬هذا باإلضافة‬ ‫إلى مشكالت األكل والشرب والنوم‪.‬‬ ‫‪ )4‬الخصائص المعرفية‬ ‫اضطراب التوحد يصاحبه في أغلب الحاالت تأخر عقلي (‪ ، )Mental Retardation‬فتشير‬ ‫الدراسات إلى أن ‪ % 75‬تقريبا من األطفال التوحديين لديهم نسبة من التأخر العقلي‪ ،‬و‪ %10‬من هؤالء‬ ‫األطفال على الرغم مما يبدونه من مظاهر سلوكية غير عادية مثل افتقار التفاعل االجتماعي‪ ،‬التواصل‪،‬‬ ‫إال أنهم يتمتعون بمهارات خاصة‪ ،‬غير عادية وغالبا ما تظهر تلك المهارات في القدرة الحسابية‪ ،‬القدرة‬ ‫الموسيقية أو الفنية وهذا يفسر االفتراض القائل إن هناك جزيرة أو بقعة معزولة داخل المخ تكون كفاءتها‬ ‫العملية مماثلة أو تفوق كفاءة قدرة عقلية ما لدى طفل طبيعي‪.‬‬ ‫فكثي ار من األطفال التوحديين الذين يمتلكون قدرات خاصة والذين يتمتعون بنسب ذكاء عادية أو‬ ‫مرتفعة ال يتركون هذا االنطباع لدى الغير بسبب ما يعانونه من صعوبات في قدرتهم علي التواصل‬ ‫والتفاعل االجتماعي‪.‬‬ ‫أشارت بعض الدراسات التي تناولت مخ الطفل التوحدي إلى أن مخ األطفال التوحديين يبعد عن‬ ‫الشكل الطبيعي للمخ من حيث‪ :‬كبر حجمه عن الحجم الطبيعي‪ ،‬وقلة كثافة التالفيف بالمخيخ‪ ،‬لكن نظ ار‬ ‫ألن البحوث في هذا المجال تمت على مجموعات صغيرة من األطفال‪ ،‬فإنه ال يمكن االعتماد علي نتائجها‬ ‫كمعايير للتشخيص‪.‬هذا باإلضافة إلى أن هناك عديدا من االفتراضات النفسية التي توضح القصور‬ ‫المعرفي المرتبط باالضطراب التوحدي‪ ،‬إال أنها في مجملها تركز على مجموعة مشكالت أساسية ؛ هي‪:‬‬ ‫فشل الطفل التوحدي في فهم الحاالت العقلية لآلخرين‪ ،‬وصعوبة فهم اللغة غير اللفظية لآلخرين مثل‪:‬‬ ‫تعبيرات الوجه‪ ،‬والقصور الوظيفي بالمخ‪ ،‬والعجز عن إقامة ارتباطات أو عالقات‪ ،‬الرؤية غير الشاملة‬ ‫لألشياء والتركيز على التفاصيل دون إدراك األبعاد الرئيسية لألشكال‪ ،‬فهم يدركون الجزء وال يدركون الكل‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى مشكالت فى اإلنتباه‪ ،‬والتركيز والتذكر‪.‬‬ ‫‪143‬‬ ‫بعد العرض السابق ألعراض اضطراب التوحد‪ ،‬يبقى توضيح عملية التشخيص من حيث الصعوبات‬ ‫التي تعترضها‪ ،‬األساليب المختلفة للتشخيص‪ ،‬والتشخيص الفارق بين التوحد وغيره من االضطرابات‬ ‫المشابهة‪.‬‬ ‫تشخيص التوحد‬ ‫يعد التشخيص عملية أساسية تُمكن من فهم الحالة التي نحن بصددها وبالتالي تسهل من عملية‬ ‫التدخل أو العالج لسائر حاالت اإلعاقة وكلما تمت عملية التشخيص في وقت مبكر كان التدخل في وقت‬ ‫مبكر و كانت النتائج أفضل‪،‬‬ ‫لم يكن التوحد فئة تشخيصية معترفا بها في دليلى التشخيص اإلحصائي األول والثاني‪ ،‬وظهر للمرة‬ ‫األولى في دليل التشخيص اإلحصائي الثالث لالضطرابات العقلية عام ‪ ,1980‬حيث وضع التوحد تحت‬ ‫فئة (اضطرابات نمائية شاملة) )‪.Pervasive Developmental Disorders (PDDs‬وتبعه بعد ذلك‬ ‫التصنيف الثالث المعدل عام ‪ 1987‬ثم التصنيف الدولي العاشر ‪ ICD_ 10‬عام ‪ 1992‬وأخي ار التصنيف‬ ‫اإلحصائي الرابع ‪ 1994 DSM IV‬والرابع المعدل ‪.2000‬‬ ‫وفيما يلي يمكن عرض تشخيص اضطراب التوحد طبقا لدليل التشخيص اإلحصائي الرابع ‪DSM‬‬ ‫‪:IV‬‬ ‫‪ -‬حدد دليل التشخيص اإلحصائي الرابع (‪ ) DSM IV‬الذي تصدره الجمعية األمريكية للطب النفسي‬ ‫(‪ )A.P.P‬عام ‪ 1994‬المحكات التشخيصية للتوحد‪ ،‬حيث أشار إلى أنه حتي ينطبق تشخيص‬ ‫‪_٠‬‬ ‫التوحد يجب أن‪:‬‬ ‫أ) ينطبق (‪ ) 6‬أعراض أو أكثر من مجموعة األعراض الثالثة (‪ ،)3( ،)2( ،)1‬عرضين من المجموعة‬ ‫(‪ )1‬وعرضا من المجموعة (‪ )2‬وعرضا من المجموعة (‪ )3‬على األقل‪.‬‬ ‫مجموعة (‪ ) 1‬قصور واضح في التفاعل االجتماعي يظهر علي األقل في اثنين من المظاهر التالية‪:‬‬ ‫قصور واضح في استخدام السلوك غير اللفظي الذي يتطلبه التفاعل االجتماعي مثل التواصل‬ ‫‪-‬‬ ‫البصري‪ ،‬التعبير الوجهي‪ ،‬األوضاع الجسمية‪ ،‬اإليماءات‪.‬‬ ‫‪ -‬القصور في نمو عالقات الصداقة المناسبة للمستوى االرتقائي‪.‬‬ ‫نقص الرغبة في السعي التلقائي لمشاركة اآلخرين في االهتمامات أو االنشطة‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫نقص المشاركة االجتماعية أو االنفعالية‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪144‬‬ ‫مجموعة (‪ ) 2‬قصور واضح في التواصل يظهر علي األقل في واحد من المظاهر التالية‪:‬‬ ‫تأخر ‪ /‬أو نقص ارتقاء اللغة اللفظية (الكالم)‪ ،‬غير المصحوبة بمحاولة تعويض ذلك من خالل‬ ‫‪-‬‬ ‫أشكال بديلة من التواصل مثل اإليماءات أو لغة الجسم‪.‬‬ ‫‪ -‬بالنسبة لألشخاص الذين لديهم القدرة على الحديث المالئم يظهر قصور واضح في القدرة على‬ ‫بدء محادثة مع اآلخرين (المبادأة)‪.‬‬ ‫‪ -‬استخدام اللغة بشكل تكراري نمطي أو استخدام لغة خاصة‪.‬‬ ‫‪ -‬نقص التلقائية والتنوع في اللعب وخاصة اللعب االجتماعي القائم على التقليد بالشكل الذي يتناسب‬ ‫مع المستوى االرتقائي‪.‬‬ ‫األنماط المحدودة التك اررية والنمطية من السلوك واالهتمامات واألنشطة‪ ،‬يظهر علي األقل‬ ‫مجموعة (‪)3‬‬ ‫في واحد من المظاهر التالية‪:‬‬ ‫‪ -‬االنشغال الكامل وغير السوي بواحد أو أكثر من أشكال االهتمامات النمطية والتي تتسم بأنها‬ ‫غير عادية سواء في شدة االهتمام بها أو التمركز حولها‪.‬‬ ‫التمسك الشديد بأشكال خاصة من األفعال غير الوظيفية أو الطقوس الخاصة‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -‬وجود سلوكيات حركية نمطية وتك اررية على سبيل المثال‪:‬‬ ‫التمسك بحركات معينة لليد أو األصابع (الرفرفة‪ ،‬أو االلتواء)‪ ،‬وغير ذلك من الحركات الجسمية‬ ‫النمطية المعقدة‬ ‫االنشغال الكامل بأجزاء الموضوعات أو األشياء‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ب) يظهر هذا االضطراب قبل العام الثالث من العمر في شكل تأخر أو شذوذ في واحد على األقل من‬ ‫المظاهر التالية‪:‬‬ ‫‪ -‬التفاعل االجتماعي‬ ‫‪ -‬اللغة المستخدمة في التواصل االجتماعي‬ ‫‪ -‬اللعب الرمزي أو التخيلي‬ ‫ج) غياب أعراض اضطراب ريت ‪ Rett’s Disorder‬أو اضطراب الطفولة التفككي‬ ‫‪Childhood Disintegrative Disorder‬‬ ‫‪145‬‬ ‫أساليب تشخيص التوحد‬ ‫تشير الجمعية األمريكية للتوحد إلى أنه ال يوجد تشخيص طبي الضطراب التوحد‪ ،‬إنما يقوم التشخيص‬ ‫الدقيق علي أساس مالحظة سلوك الطفل‪ ،‬فإن المالحظة السلوكية للطفل تعتمد علي العديد من الطرق‬ ‫لتجميع البيانات‪ ،‬وتتضمن تلك البيانات ما يلي‪:‬‬ ‫‪ )1‬التاريخ التطوري للحالة ‪Developmental History‬‬ ‫‪ )2‬التاريخ الوراثي للحالة ‪Genetic History‬‬ ‫‪ )3‬تاريخ الحمل ‪Pregnancy History‬‬ ‫‪ )4‬التقييم السلوكي ‪Behavioral Assessment‬‬ ‫يعد التقييم السلوكي جزءا مهما في تقييم الطفل التوحدي‪ ،‬ويوجد اسلوبان لتجميع المعلومات السلوكية‬ ‫عن ال طفل؛ هما‪ :‬المالحظة غير المقننة‪ ،‬المالحظة المقننة‪ ،‬ويستند التشخيص السليم على كال األسلوبين‪:‬‬ ‫تتمثل المالحظة غير المقننة في‪ :‬وضع الطفل في موقف لعب بمصاحبة األم‪ ،‬وفي هذا الموقف يبدأ‬ ‫‪-‬‬ ‫_‬‫«‬ ‫‪-#‬‬ ‫المالحظ في مالحظة بعض النقاط منها‪ ،‬رد فعل الطفل علي وجود األم‪ ،‬هل يقترب من األم‪ ،‬هل‬ ‫يستجيب لمحاوالتها لالشتراك معه في اللعب‪ ،‬هل يتواصل معها بصريا‪ ،‬هل يجلس بجانبها أو يعانقها‪،‬‬ ‫… هذه المالحظة تجعل القائم بالتشخيص يجمع أكبر قدر من المعلومات عن الطفل‪.‬‬ ‫تتمثل المالحظة المقننة في‪ :‬تطبيق مقايي س معينة لها أسس ودرجات معينة وذلك من أجل الخروج‬ ‫‪-‬‬ ‫بنتيجة مقننة‪ ،‬وقد صمم عديد من المقاييس واألدوات لتستخدم في تشخيص الطفل التوحدي‪.‬نذكر‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬أداة تقدير سلوك األطفال التوحديين‪.‬‬ ‫‪Behavior Rating Instrument for Autistic and Typical Children‬‬ ‫‪ -2‬قائمة تقدير السلوك التوحدي )‪Autism Behavior Checklist (ABC‬‬ ‫‪ -3‬مقياس تقدير توحد الطفولة )‪Childhood Autism Rating Scale (CARS‬‬ ‫‪ -4‬جدول المالحظة التشخيصي للتوحد)‪Autism Diagnostic Observation Schedule (ADOS‬‬ ‫‪ -5‬المقابلة التشخيصية للتوحد )‪(Autism Diagnostic interview Siegel) (ADI-R‬‬ ‫‪ -6‬مقياس جيليام لتقدير التوحد )‪)Gilliam Autism Rating Scales) (GARS‬‬ ‫وأخي ار يجب أن يتذكر اإلخصائيون واآلباء أن عملية التشخيص ليست هي الهدف‪ ،‬وإنما هي البداية‬ ‫لعملية تدخل تسعى إلى الحد من األعراض التي كشف عنها التشخيص‪ ،‬وكما الحظنا من العرض السابق‬ ‫ألعراض االضطرابات النمائية الشاملة‪ ،‬فإن األعراض ال تختلف كثي ار فيما بين االطفال المنتمين لتلك‬ ‫‪146‬‬ ‫االضطرابات‪ ،‬ومن ثم فإن السعي المضني نحو إعطاء مسمي للطفل بأنه طفل توحدي أو أنه مصاب‬ ‫باضطراب اسبرجر‪ ،‬أو غيره من اضطرابات النمو‪ ،‬ال يجب أن يستحوذ على اهتمام اآلباء والمتخصصين‪،‬‬ ‫فاألهم من إعطاء مسمي للطفل هو التدخل السريع والمكثف‪.‬‬ ‫النظريات المفسرة الضطراب التوحد‬ ‫أوًال‪ :‬نظرية العقل ‪Mind Theory‬‬ ‫تفترض هذه النظرية بأن القصور فى الجوانب االجتماعية والتواصلية والتخيلية الذي يمتاز به األفراد‬ ‫التوحديون يأتي من شذوذ الدماغ التي تمنع الشخص من فهم المواقف االجتماعية وبالتالي تمنعه من تكوين‬ ‫نظرية العقل‪ ،‬والتي تعني أن التوحدي غير قادر على التنبوء بسلوك اآلخرين وتفسيره من خالل حالتهم‬ ‫العقلية أو أنه ال يرى األشياء من وجهة نظر الشخص اآلخر بينما األشخاص العاديون لديهم فهم خاص‬ ‫يستطيعون من خالله قراءة أفكار اآلخرين‪.‬‬ ‫كما أن العجز االجتماعي المالحظ عند األطفال التوحديين ما هو إال نتيجة لعدم قدرتهم على فهم‬ ‫الحاالت العقلية لآلخرين‪ ،‬وبالتالي فإن العجز االجتماعي يرجع إلى عيوب فى نظرية العقل‪.‬‬ ‫ولقد ذكر )‪ (Cohen‬مصطلح عمى العقل لدى التوحديين للداللة على عدم قدرة العقل لديهم على‬ ‫قراءة أفكار اآلخرين ومشاعرهم والتنبوء بأفعالهم‪ ،‬وعدم قراءة العقل هذه ال تساعد الطفل التوحدي على‬ ‫التمييز بين المزاح والجدية والتهديد‪.‬‬ ‫أوضح )‪ (Cohen‬مظاهر القصور فى نظرية العقل لدى األطفال التوحديين‪:‬‬ ‫‪- ١‬التمييز بين المظهر والجوهر‪ :‬يستطيع األطفال العاديون فى حوالى عمر أربع سنوات التمييز بين‬ ‫الحقيقة والمظهر أو المظهر والجوهر‪ ،‬أي يمكنهم التمييز بين ما يبدو عليه الشيء والشكل الفعلي الذي‬ ‫يعرفونه عنه‪.‬‬ ‫‪- ٢‬التمييز بين األحداث المادية واألحداث العقلية‪ :‬ويعتبر هذا حجر األساس فى نمو مفاهيم نظرية العقل‬ ‫حيث يتضمن االختبار االستماع لقصة يستطيع من خاللها الطفل التمييز بين خبرة عقلية وأخرى مادية‬ ‫مثال التمييز بين الكلب الحقيقي والكلب اللعبة‪ ،‬ويستطيع الطفل العادي فعل ذلك فى عمر ‪ ٤-٣‬سنوات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪- ٣‬اختبارات االعتقاد الخاطئ من الدرجة األولى‪ :‬ترتكز هذه االختبارات على قياس مفهوم أن األفراد‬ ‫اآلخرين لديهم تصورات أو أفكار خاطئة أو مختلفة حول نفسه‪ ،‬ويستطيع الطفل العادي أداء هذا االختبار‬ ‫فى حوالي عمر ‪ ٤‬سنوات‪.‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪- ٤‬فهم وإدراك أسباب المشاعر واالنفعاالت‪ :‬يمكن أن تحدث المشاعر أو االنفعاالت نتيجة ظروف أو‬ ‫فمثال يمكن أن تكون ً‬ ‫سعيدا‬ ‫أحداث مادية فسقوطك يجعلك تبكي‪ ،‬أو أحداث عقلية مثل الرغبات والمعتقدات ً‬ ‫ألنك ستحصل على ما تريد‪.‬‬ ‫‪- ٥‬الرؤية تؤدي للمعرفة‪ :‬وتعني قدرة األطفال على فهم ومعرفة األشياء التى مرت عليهم أو التي توجد‬ ‫فى خبراتهم سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة مما يدعم التواصل كما أنه يؤدي إلى فهم الخداع‪.‬‬ ‫شهرا‪ ،‬وقد أوضحت‬ ‫‪- ٦‬اللعب اإليهامي التلقائي‪ :‬يبدأ األطفال باللعب اإليهامي ابتداء من سن ‪ً ١٨ -١۰‬‬ ‫نتائج الدراسات أن األطفال التوحديين لديهم قصور فى اللعب اإليهامي التلقائي وهذا يعكس إخفاقهم فى‬ ‫التعبير عما يدور فى خيالهم‪ ،‬كما يعكس عدم مرونتهم فى نقل االنتباه من نمط الحقيقة إلى نمط الخيال‬ ‫(الوظيفة التنفيذية)‪.‬‬ ‫‪- ٧‬الخداع‪ :‬يرتبط بفهم ما يدور فى عقل اآلخرين وذلك بسبب ارتباطه بمحاولة جعل اآلخر يعتقد أن شيئا‬ ‫ما حقيقة بينما هو فى الواقع مزيف‪ ،‬فالخداع هو محاولة التأثير فى أفكار وعقول اآلخرين‪.‬‬ ‫‪- ٨‬اللغة العملية‪ :‬يعتبر فهم الكالم الرمزي والفكاهة مجرد مجموعة فرعية من اللغة العملية التي تتضمن‬ ‫ما يلي‪:‬‬ ‫مهذبا صاد ًقا‪.‬‬ ‫طا ً‬ ‫احترام قواعد المحادثة العامة وأن يكون الحديث متراب ً‬ ‫ ‬ ‫األخذ والعطاء فى الكالم بشكل مناسب لكي يكون هناك مساحة لكل المشاركين فى الحوار‪.‬‬ ‫ ‬ ‫أن يدرك القول الصحيح والقول الخاطئ فى السياق االجتماعى‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪- ٩‬االستعارة والسخرية والتهكم‪ :‬يمكن لألطفال فى سن المدرسة فهم السخرية والتهكم والكذب واالستعارات‬ ‫والتمييز بين الحديث اللفظي والغير لفظي بينما يواجه الطفل التوحدي صعوبة فى ذلك ‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬نظرية الوظائف التنفيذية ‪Executive Functions‬‬ ‫ً‬ ‫إحدى صور العجز المعرفي والعرض األساسي لتشخيص التوحد هى وظيفة التخطيط واإلدارة‪ ،‬والتي‬ ‫تعني القدرة على رسم الخطط لتحقيق أهداف معينة والوصول إليها‪ ،‬باإلضافة إلى مرونة الفرد فى التفكير‬ ‫وقدرته على تعديل وتغيير الترتيبات التي كان قد خطط لها مسبًقا‪.‬‬ ‫وقد وجد أن األطفال التوحديين لديهم صعوبة فى وضع الخطط وتنفيذها مما جعل الباحثين يفترضون‬ ‫أن هذه الصعوبة هى السبب فى الصعوبات األخرى التي يعانون منها مثل عدم القدرة على قراءة أفكار‬ ‫اآلخرين‪ ،‬وفهم تعابير وجوههم والتفاعل معهم بصورة مناسبة‪ ،‬وهي نفس المهارات التي أشارت إليه نظرية‬ ‫العقل‪.‬‬ ‫‪148‬‬ ‫يعرف األداء التنفيذى بأنه القدرة على تحرير العقل من الحالة الفورية والسياق اآلني لتوجيه السلوكيات‬ ‫من خالل نماذج عقلية وتمثيالت داخلية‪ ،‬ويشمل التخطيط والتنظيم وتوجيه التقدم نحو هدف ما واتباع‬ ‫منهج مرن فى حل المشكالت‬ ‫كما أن العديد من التوحديين يواجهون صعوبة فى الوظائف التنفيذية تتمثل فى خمس مهارات أساسية‬ ‫هي التنظيم والتخطيط والمعالجة والمشاركة وصنع القرار مما يؤدي إلى ترتيب استحواذي وسلوك تكرار‪.‬‬ ‫نفسيا يشير إلى مجموعة من العمليات اإلدراكية‬ ‫مفهوما ً‬ ‫ً‬ ‫ويمكن تعريف الوظائف التنفيذية باعتبارها‬ ‫الموجهة إلى الذات والتي تتيح انضباط النفس وحل المشكالت وهو ما يتم فى الفصين األماميين من‬ ‫الدماغ‪ ،‬حيث يقوم الفصان األماميان بدور السؤال التنفيذى الذي يدير جميع المعلومات وانتقاء السلوك‪.‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬نظرية الترابط أو التماسك المركزي ‪Central Coherence‬‬ ‫يرى أصحاب هذه النظرية أن المشكالت المعرفية األساسية التي يعاني منها األفراد التوحديون ترجع‬ ‫إلى افتقارهم إلى دافع " التماسك المركزي" وهي الطاقة التى تنشأ لدى األفراد العاديين وتدفعهم إلى تنظيم‬ ‫المعلومات المستقاه من البيئة من حولهم‪ ،‬لكي يصلوا إلى تفسير وفهم شامل للمواقف التي يواجهونها من‬ ‫خالل قراءة أفكار اآلخرين ونواياهم ونظرات أعينهم وإيماءاتهم وغيرها من اإلشارات والتلميحات المهمة‪.‬‬ ‫يرى بعض الباحثين أن التوحديين عادة ما يكون لديهم تماسك أو ترابط مركزي ضعيف‪ ،‬وطبًقا لهذه‬ ‫النظرية فإن الترابط المركزي هو الميل الطبيعي لمعظم األفراد إلضفاء النظام أو الترتيب المبني على تلك‬ ‫بدال من إدراكها كأجزاء مختلفة‪.‬‬ ‫المعلومات التي توجد فى بيئتهم‪ ،‬وذلك عن طريق إدراكها ككل ذي معنى ً‬ ‫ابعا‪ :‬نظرية اإلدراك الحسي‪Sensory Perceptual Theory‬‬ ‫رً‬ ‫يرى أصحاب هذه النظرية أن التوحد يحدث بسبب إصابة فى الدماغ تؤثر على واحدة أو أكثر من‬ ‫القنوات الحسية التي تجعل عقول التوحديين تدرك المدخالت الخارجية بشكل مختلف عما تقوم به عقول‬ ‫األطفال العاديين‪ ،‬باإلضافة إلى أن األطفال التوحديين يعانون من إعاقة حسية فى واحدة أو أكثر من‬ ‫حواسهم‪ ،‬كما يعانون من فروق فى اإلدراك‪.‬وقد تشمل هذه الفروق على عدم القدرة على تصفية المعلومات‪،‬‬ ‫واإلدراك الجزئي‪ ،‬والحساسية المفرطة أو ضعف الحساسية‪.‬‬ ‫قام (أورنيتز) بوصف اضطرابات اإلدراك الشائعة فى التوحد‪ ،‬كما قام بتوسيع فكرة اضطراب العمليات‬ ‫الحسية إلى فكرة المعالجة الحسية والمعلوماتية‪ ،‬ولقد أتاح له هذا األسلوب توضيح المراحل المنفصلة‬ ‫ووظائف اإلدراك الحسي وتعريفه‪ ،‬والتفكير بالمعالجة المعلوماتية حسب وظائف منفصلة مثل االنتباه‪،‬‬ ‫التذكر‪ ،‬والتعلم‪ ،‬كما افترض أن الخبرات الحسية غير العادية تعتبر خصائص أولية مميزة للتوحد قادرة على‬ ‫‪149‬‬ ‫جدا ال يمكن تفسيرها عن‬ ‫تفسير األعراض األساسية للحالة‪.‬وعلى الرغم من أن التوحد يعتبر ظاهرة معقدة ً‬ ‫كبير فى تشخيص‬ ‫طريق إيجاد فروق فى الخبرات الحسية‪ ،‬إال أن المشكالت اإلدراكية الحسية تلعب ًا‬ ‫دور ًا‬ ‫التوحد ‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬نظرية التعلم االجتماعي‪Social Learning Theory‬‬ ‫ً‬ ‫ترى نظرية التعلم االجتماعي أن خصائص التوحديين تكون نتيجة لفشل عمليات التعلم االجتماعي‪.‬‬ ‫سلبا على قدرة الطفل‬ ‫والقصور فى الجانب المعرفي يعلن عن نفسه فى قصور التقليد االجتماعي مما يؤثر ً‬ ‫قصور فى قدرة‬ ‫ًا‬ ‫على النمو االجتماعي‪.‬وفى الحاالت الشديدة يعيق عملية التواصل االجتماعي‪ ،‬كما تظهر‬ ‫الفرد على المشاركة فى التبادالت االجتماعية أو الفشل فى تكوين عالقات األقران السوية وتطوير السلوك‬ ‫االجتماعي السوي فى مرحلة الطفولة‪ ،‬واالستمرار فى العالقات االجتماعية الغير سوية فى مراحل الحياة‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬النظرية المعرفية‬ ‫ً‬ ‫تحدد الخصائص المعرفية المالحظة عند التوحديين طريقتهم في إدراك البيئة المادية واالجتماعية‬ ‫فالمكون المعرفي يتحدد في قاموس ‪ ، Larousse‬بأنه المكون الذي يتوافق مع األنساق التي يكتسب الكائن‬ ‫الحي عبرها معلومات عن بيته‪ ،‬وتمر هذه المعلومات بوظائف ذهنية تجمع بين التفكير والحكم واإلدراك‬ ‫والذاكرة واالنتباه‪ ،‬وبالتالي يجب أخذ هذه الخصائص في االعتبار لفهم األشخاص المصابين بالتوحد‪،‬‬ ‫ولتحديد نوع المساعدة الخاصة المتكيفة مع حاجاتهم ولتنميتهم من تنمية طاقاتهم‪ ،‬فقد تكون خصائص‬ ‫معالجة المعلومات مسؤلة عن الصعوبات التي يواجهها‪.‬‬ ‫فطفل التوحد ال يستطيع ربط األحداث الشخصية وتذكر مضمون األحداث‪ ،‬حيث يستطيع أن يسترجع‬ ‫األحداث الموجودة فى الذاكرة فى تسلسل كامل إال أنه ال يستطيع أن يبحث عن أحداث معينة فى الذاكرة‬ ‫عندما يطلب منه ذلك‪.‬حيث أن استخدام طفل التوحد لذاكرته يعتمد على سياق مجموعة من عوامل التلميح‬ ‫نظر‬ ‫جدا أو مستحيلة ًا‬ ‫وأن عملية بحث الطفل التوحدي عن شيء معين في ذاكرته تصبح عملية صعبة ً‬ ‫لعدم وجود خبرات ذاتية في ذاكرته‪ ،‬وهذا يؤدي بدوره إلى ظهور مجموعة من الصعوبات أو المشكالت‬ ‫لدى الطفل التوحدي‪.‬‬ ‫سابعا‪ :‬النظرية النفسية‬ ‫ً‬ ‫يرى أصحاب هذه النظرية أن سبب االضطراب التوحدي هو اإلصابة بمرض الفصام الذي يصيب‬ ‫األطفال في مرحلة الطفولة‪ ،‬ومع زيادة العمر يتطور هذا المرض لكي تظهر أعراضه كاملة في مرحلة‬ ‫المراهقة وقد افترض أن التوحد ينشأ بسبب وجود األطفال التوحديين في بيية تفتقد التفاعل والتواصل والجمود‬ ‫مما يؤثر على نمو الطفل النفسي واالجتماعي واهتماماته‪.‬ويعتبر( ليو كانر) أول من وصف آباء هؤالء‬ ‫األطفال بأنهم شديدو االهتمام بالتفاصيل‪ ،‬ويتسمون باالنطوائية والبرود االنفعالي‪ ،‬وال يظهرون الود ألوالدهم‬ ‫‪150‬‬ ‫إلى جانب أنهم متفوقون ً‬ ‫عقليا لذا يرى أصحاب وجهة النظر هذه أن التوحد ناتج عن إحساس الطفل‬ ‫بالفصل من قبل والديه وعدم إحساسه بالعاطفة‪.‬وقد تعرض وصف (كانر) للخصائص األبوية لالنتقاد من‬ ‫بعض الباحثين ولكن بعضهم اعترف بأنه يمثل التفسير النفسي‪ ،‬بعد سنوات من وصف كانر لسبب التوحد‪،‬‬ ‫والذي أدى إلى إرباك بسبب كال السببين الفطري أو عند الوالدة وكرد فعل للبرود واألنانية الوالدية ‪.‬‬ ‫ثامنا‪ :‬النظرية السلوكية‬ ‫ً‬ ‫تفترض هذه النظرية أن المشكالت السلوكية التي يعاني منها األطفال التوحديين هي مشكالت أولية‬ ‫وتسبب مشكالت اجتماعية‪ ،‬حيث يرى البعض أن المشكلة الرئيسية تتمثل في تغيير ودمج المدخالت من‬ ‫الحواس المختلفة تقوم على عدم وجود تكامل بين الحواس بعضها ببعض وتتسم بالصفات اآلتية‪:‬‬ ‫ زيادة في االستقبال الحسي للحاسة الواحدة‬ ‫ نقص في االستقبال الحسي للحاسة الواحدة‬ ‫ زيادة ونقصان لالستقبال الحسي‬ ‫ استقبال القناة الواحدة‬ ‫ إثارة حاسة واحدة تؤدي إلى استثارة حواس أخرى‬ ‫كما أن التوحد ليس نتيجة مفردة لعيوب إدراكية رئيسية ولكنه نتيجة لعيوب إدراكية متعددة وهذا البحث‬ ‫أدى إلى أنواع مهمة من العالج التي تطوق العيوب المعرفية والسلوكية‪ ،‬وبعض المعالجين السلوكيين علموا‬ ‫اعتمادا على استغالل حساسيتهم للحس‬ ‫ً‬ ‫األطفال التوحديين بعض التعبيرات االنفعالية المختلفة ولغة اإلشارة‬ ‫والحركة وعدم حساسيتهم للكالم المنطوق‪ ،‬وذلك بواسطة معززات مكافيات العالج السلوكي ‪.‬‬ ‫تاسعا‪ :‬النظرية اإلدراكية‬ ‫ً‬ ‫يرى أنصار هذا االتجاه أن التوحد هو اضطراب إدراكي نمائي فالطفل التوحدي يعاني من انخفاض‬ ‫في القدرات العقلية المختلفة‪ ،‬والتي ترجع بدورها إلى انخفاض في قدرته على اإلدراك باإلضافة إلى اضطراب‬ ‫في اللغة‪ ،‬كما ترجع بعض الدراسات أسباب التوحد إلى الخلل الحادث في اإلدراك وعدم تنظيم االستقبال‬ ‫الحسي مما يعوق قدرة الطفل على تكوين أفكار مترابطة وذات معنى على البيئة‪ ،‬كما تحد من قدرته على‬ ‫التعلم والتكيف مع البيئة وينعزل وينغلق على ذاته وٌلوحظ أن معظم أطفال التوحد لديهم إعاقات في واحدة‬ ‫أو أكثر من حواسهم‪ ،‬هذه اإلعاقات يمكن أن تشمل السمع واللمس والتذوق واالتزان والشم واإلحساسات‬ ‫العميقة‪ ،‬وهذه اإلحساسات قد تكون زائدة الحس أو ناقصة الحس وكنتيجة لذلك قد يصعب على أطفال‬ ‫التوحد معالجة اإلحساسات القادمة إليهم حاملة معلومات غير صحيحة‪ ،‬فبعض أطفال التوحد يتجنبون‬ ‫معظم أشكال االحتكاك الجسماني‪.‬‬ ‫‪151‬‬ ‫عاشر‪ :‬النظرية الحركية‬ ‫ًا‬ ‫تشير الدراسات التي قارنت بين أطفال توحديين مع إلى وجود ازدياد دال في مظاهر االختالل‬ ‫الوظيفي العصبي‪ ،‬وعلى مستوى وضع الجسم‪ ،‬وتبين أن االختالل عند التوحديين يطال الوضعيات البسيطة‬ ‫أكثر مما يطال الوضعيات المعقدة‪ ،‬ويدوم مع الوقت ويترابط مع حدة التوحد‪ ،‬وباختصار يمكن القول بأن‬ ‫البعض أشار إلى وجود تشوهات ومظاهر تأخر في هذا المجال‪ ،‬ربطها هو بالوظائف التنفيذية وربطها‬ ‫آخرون باختالل سلوكيات التقليد‪ ،‬وقد تؤثر اضطرابات الحركة على النمو في مجاالت أخرى وخاصة مجال‬ ‫العالقات االجتماعية ‪.‬‬ ‫جدا تعكس عالقة أصحاب التوحد باآلخرين وبالعالم المحيط بهم‪،‬‬ ‫كما أن السمات الحركية الخاصة ً‬ ‫متصلبا عندما يتجه نحو شخص آخر أو عندما يحمل‬ ‫ً‬ ‫فعدم ارتباط طفل التوحد باآلخرين يجعل جسده يبدو‬ ‫معينا كما تتضمن هذه السمات الحركية لطفل التوحد صعوبات التقاط أو رمي كرة ما موجودة أسفل‬ ‫شيئا ً‬ ‫ً‬ ‫الذراع وصعوبات عمل كعكة يطبطبها الطفل براحة يده وصعوبات في ارتشاف أو كشط الطعام من معلقة‬ ‫أمامه‪ ،‬فكل هذه الصعوبات تمثل مظاهر لسوء النمو الحركي لدى أطفال التوحد‪.‬‬